المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم التوسل..أحكام وشبهات



أبو عائشة السوري
2010-12-14, 07:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وبعد،وقبل أن نبدأ في هذا الموضوع وتفنيد الشبهات التي أثيرت حوله ينبغي أن نوضح أن الكثير من عوام المسلمين فضلا عن بعض المنتسبين إلى العلم يخلطون بين ثلاثة مفاهيم ألا وهي:التبرك والتوسل والشفاعة.

فأما التبرك :
هو قصد الشخص استجلاب منفعة (وهي البركة)أو دفع مضرة من شيء مادي محسوس .
وحكمه فيه خلاف ،فمن العلماء من حرمه تحريما قطعيا نهائيا لعلة أن اعتقاد الضر والنفع من شيء معين مع الله أو من دون الله حاشا لله شرك أكبر .
ومن العلماء من أجازه فقط بآثار النبي صلى الله عليه وسلم واستدلوا بالعديد من الأدلة منها:
عن أنس بن مالك قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه، فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها: "هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك على فراشك " فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال :"ما تصنعين يا أم سليم؟" فقالت :"يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا قال أصبتِ"
(استنقع ) أي اجتمع و(عتيدتها) أي صندوق صغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها ،وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، ولكن ينبغي الانتباه إلى أمر مهم ،وهو أنه يشترط التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم حصرا فلا يجوز التبرك بحذوة الحصان أو بالخرزة الزرقاء وما إلى ذلك للحديث الوارد في السلسلة الصحيحة للألباني برقم 331وهو" إن الرقى والتمائم والتولة شرك"والمقصود بالرقى هنا غير الرقى الشرعية من القرآن والسنة بل ما هومخالف مثل الإستعاذة بالجن بألفاظ أعجمية ،وأما التولة فهي ما يحبب المرأة إلى زوجها من الخيط وغيره.
وبالمقابل يحرم التطير من الرقم 13 أو البومة أو المرأة أو الغراب وغير ذلك للحديث الوارد في السلسلة الصحيحة للألباني برقم 1065"من ردته الطيرة(أي عن حاجته) فقد قارف الشرك" ،وزاد في رواية :" قالوا : وما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال : يقول أحدهم : اللهم لا طيرإلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك"والزيادة بين القوسين ( )مني للتوضيح
أيضا ننبه إلى أمر آخر وهو أن الآثار الموجودة حاليا المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل الشعرة في متحف توب كابي بتركيا أو في متحف بنغازي في ليبيا أو القدم الموجودة في دمشق المنسوبة أنها قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم لم تثبت أنها لرسول الله عليه الصلاة والسلام
وقال بعض أهل العلم "الأولى الترك للكل سدا للذرائع" ونحن نعتز ونستغني بالحديث الوارد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال"كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : " يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
وأما التوسل:
قال ابن الأثير في (النهاية ) : ( الواسل : الراغب والوسيلة : القربة والواسطة وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به وجمعها وسائل ) وقال الفيروزآبادي في ) القاموس ) : ( وسل إلى الله تعالى توسيلا : عمل عملا تقرب به إليه كتوسل)
ونوضح بمثال،إذا أردت التقدم إلى وظيفة واصطحبت شهادتك الجامعية أو المهنية فهذه الشهادة هي وسيلة.
وشرعا: جاء في الدرالمختارالمجلد الثاني ص630(وهو من أشهر كتب الحنفية) مانصه"عن أبي حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}والتوسل المبتدع هو التوسل بالأشخاص من الأنبياء والأولياءوالصالحين وهناك شبهات حول الموضوع نذكرها ثم نوضح أنواع التوسل المشروع.
الحديث الوارد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه:" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان(الصحابة ) إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب . فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون"
والحق أن التوسل كان بدعاء العباس وليس بشخصه بدليل:
أولاً:أنهم لم يذهبوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويستسقوا به.
وثانياً: أنهم لم يجلسوا في بيوتهم ويقولوا"اللهم اسقنا الغيث بجاه حبيبك محمد "صلى الله عليه وسلم .
وثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته كان يدعوا الله وحده دون التوسل بشخص وحاشا للعباس والصحابة رضي الله عنهم أن يخالفوه .
ويستدل من هذا الحديث توقير عمر رضي الله عنه لآل البيت ومحبته لهم فقد اختار كبيرهم ووجيههم العباس سلام الله عليهم أجمعين.
الشبهة الثانية : أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني . قال : إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير ( وفي رواية : وإن شئت صبرت فهو خير لك ) فقال : ادعه . فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يامحمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم فشفعه في [ وشفعني فيه] قال : ففعل الرجل فبرأ.
وما بين القوسين[ ]زيادة صحيحة في الرواية يدلسها ويخفيها المخالفون .
الجواب :واضح قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي": إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير"أن النبي دعا له ولم يأمر الأعرابي أن يتوسل بشخصه.
وواضح أيضا أن الأعرابي توجه بدعائه ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بدليل أن الصحابي كان بإمكانه (وهو ضرير)أن يجلس في بيته ويدعو بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه، ولكنه عربي ويعرف مراد الله من كلمة التوحيد .






طبعاً ماسبق من الأحاديث التي هي شبهات المتوسلين بالأشخاص هي أحاديث صحيحة،وماعداها كله ضعيف أو موضوع،نأتي الآن إلى التوسل المشروع وأنواعه.

التوسل المشروع :ثلاثة أنواع وهي:

1- التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى قال تعالى" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماءالحسنى"
2- التوسل بالعمل الصالح :بدليل الحديث الذي صححه الألباني في الجامع الصغير برقم2870وهو"بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فآووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا بها لعله يفرجها عنكم ; فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران و امرأتي و لي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني و إني نأى بي ذات يوم الشجر فلم آتِ حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما و أكره أن أسقى الصبية قبلهما و الصبية يبكون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي و دأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء ; و قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء و طلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت :" يا عبد الله اتق الله و لا تفتح الخاتم إلا بحقه "،فقمت عنها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم فرجة ; و قال الآخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز فلما قضى عمله قال لي : أعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا و رعاءها فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني حقي قلت : اذهب إلى تلك البقر و رعائها فخذها فقال : اتق الله و لاتستهزئ بي، فقلت : إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر و رعاءها فأخذه و ذهب به فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ففرج الله مابقي"
3- التوسل بدعاء الصالح الحي (وليس الميت)الشاهد(وليس الغائب)بدليل حديث الضرير الذي سبق ذكره قبل قليل بالإضافة إلى حديث العباس رضي الله عنه،وقبل أن نختم موضوع التوسل،أحببت أن أبين لكم أخوتي وأخواتي أصلاً مشبوهاً من أصول التوسل بالأشخاص،وهو قول منسوب لنبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام كذباً:" أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يستطيع أن يأتي إلى الأب إلا بواسطتي"(يوحنا 14/ 6)






انتهينا بفضل الله تعالى من مفهومي التبرك والتوسل،نأتي الآن إلى الشفاعة.

أما الشفاعة :

قال صاحب ( القاموس المحيط): "الشفع خلاف الوتر وهوالزوج والشفعة هي أن تشفع فيما تطلب فتضمه إلى ما عندك فتشفعه أي تزيده"
والشفاعة بالمعنى الشرعي هي ماثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يضم دعاءه لدعائك يوم القيامة حصراً فيشفع لك(أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفع نبيه عليه الصلاة والسلام في كل من يقرأ هذه الكلمات)
وفي النهاية يتوجب علي أن أقول ،إن كل من يبحث عن وسائل سواء كانت مادية أو بشرا هو إما جاهل بهذا الموضوع ،وإما أنه يستبطئ الإجابةمن الله ويشك في حكمته وأن الخير فيما يختاره لنا عاجلا أم آجلا.
قال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيبدعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون }وأما البشر سواء كانوا أنبياء أو أولياء فنقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7982
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله علبه وسلم قال:" اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا، ياعباس بن عبد المطلب ! لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله ! لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد ! سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا"
بل ويخاطب رب العزة جل جلاله أكرم الخلق محمد عليه الصلاة والسلام قائلا"قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون"
وماكان من صواب وتوفيق وسداد فبفضل من الله وحده لا شريك له، وماكان من خطأ أو تقصير أو نسيان فمني ومن الشيطان،والله ورسوله صلى الله عليه وسلم منه براء،وجزاكم الله خيراً أخوتي وأخواتي على حسن المتابعة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا

أبوحمزة السيوطي
2011-01-04, 12:16 PM
جزاك الله خيراً أخي الكريم


ومن العلماء من أجازه فقط بآثار النبي صلى الله عليه وسلم واستدلوا بالعديد من الأدلة

إذا سمحت لي بهذه الإضافة نقلا عن الشيخ عبد الله بن صالح الغصن ي كتابه " دعاوى المناوئين " :
والتبرك بآثار الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته مشروع فيما بقي من آثاره، إلا أن آثاره صلّى الله عليه وسلّم قد انتهت بعد انتهاء جيل الصحابة على الصحيح.
وأما قصد الآثار المكانية كقبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو ما مسته يد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأجل التبرك فهذا محذور من أوجه عدة منها:
1 - أن هذا النوع من التبرك لم يكن في عهده صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينقل فيه شيء نقلاً مصدقاً، لا بإسناد صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وإذا لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله علم أنه لم يكن في زمانه صلّى الله عليه وسلّم.
2 - أن بركة ذوات الأنبياء لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية، وإلا لزم أن تكون كل أرض وطئها، أو جلس عليها، أو طريق مر بها، تطلب بركتها، ويتبرك بها، وهذا لازم باطل قطعاً، فانتفى الملزوم.
3 - أن الأمكنة الأرضية لا تكون مباركة إلا بدوام الطاعة فيها، وهي سبب إعطاء الله البركة، حتى المساجد فإنها مباركة لذلك، إلا أن بركتها لا تدوم مع زوال الطاعات عنها.
4 - أن التبرك بالآثار المكانية وسيلة إلى ما هو أعظم من تقديسها، والاعتقاد فيها وهذا محذور.
5 - أن تعظيم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والتماس بركته وتحريها يكون بما بقي لنا اليوم من نوعي البركة، وهي: بركة الاتباع، والعمل بسنته .

نفع الله بكم

دانة
2011-01-04, 12:26 PM
جزاكم الله خيرا أخواني الافاضل

أبو عائشة السوري
2011-01-04, 04:21 PM
جزاكم الله خيرا أخواني الافاضل



اللهم آمين ولكم بالمثل وزيادة أختنا الفاضلة دانا ولجميع أخوتي وأخواتي في


هذا المنتدى المبارك بإذن الله


وبارك الله فيكم يا شيخي وأستاذي الفاضل أبو حمزة على هذا التعقيب المفيد


نعم أنا قصدت الآثار التي تتعلق بذاته مثل شعره وأظافره وأما بالنسبة لقبره


ونافذة قبره فهذا شأن آخر


وأشكرك


جزيل الشكر على الإضافة المفيدة جعلها الله في ميزان حسناتنا جميعاً وحياكم


الله أنرتوا ونورتوا.