المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرشية شرط أفضلية, ولي شرط انعقاد.



الصفحات : [1] 2

الداعي
2010-12-18, 01:26 PM
يقول القاضي تقي الدين النبهاني:
شروط الأفضلية:
هذه هي شروط انعقاد الخلافة للخليفة، وما عدا هذه الشروط السبعة لا يصلح أيُ شرط لأن يكون شرط انعقاد، وإن كان يمكن أن يكون شرط أفضلية إذا صحت النصوص فيه، أو كان مندرجاً تحت حكم ثبت بنص صحيح. وذلك لأنه يلزم في الشرط حتى يكون شرط انعقاد أن يأتي الدليل على اشتراطه متضمناً طلباً جازماً حتى يكون قرينة على اللزوم فإذا لم يكن الدليل متضمناً طلباً جازماً كان الشرط أفضلية، لا شرط انعقاد ولم يرد دليل فيه طلب جازم إلا هذه الشروط السبعة، ولذلك كانت وحدها شروط انعقاد. أما ما عداها مما صح فيه الدليل فهو شرط أفضلية فقط. وعلى ذلك فلا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة مجتهداً، لأنه لم يصح نص في ذلك، ولأن عمل الخليفة الحكم، وهو لا يتوقف على كون الخليفة مجتهداً، لإمكانه أن يسأل عن الحكم، وأن يقلد مجتهداً، وأن يتبنى أحكاماً بناء على تقليده، فلا ضرورة لأن يكون مجتهداً. ولكن الأفضل أن يكون مجتهداً، فإن لم يكن كذلك انعقدت خلافته. وكذلك لا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة شجاعاً، أو من أصحاب الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، لأنه لم يصح حديث في ذلك، ولا يندرج تحت حكم شرعي يجعل ذلك شرط انعقاد، وإن كان الأفضل أن يكون شجاعاً ذا رأي وبصيرة.

وكذلك لا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة قرشياً. أما ما روى البخاري عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -يقول:" إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبهّ الله على وجهه ما أقاموا الدين", وما روى البخاري عن ابن عمر أنه قال: قال رسولالله- صلى الله عليه وسلم -:" لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان", فهذه الأحاديث وغيرها مما صح إسناده للرسول من جعل ولاية الأمر لقريش، فإنها وردت بصيغة الإخبار، ولم يرد ولا حديث واحد بصيغة الأمر، وصيغة الإخبار وإن كانت تفيد الطلب، ولكنه لا يعتبر طلباً جازماً ما لم يقترن بقرينة تدل على التأكيد، ولم يقترن بأية قرينة تدل على التأكيد ولا في رواية صحيحة، فدل على أنه للندب لا للوجوب فيكون شرط أفضلية، لا شرط انعقاد.
أما قوله في الحديث:" لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله…" الحديث. فإنه معنى آخر في النهي عن عدم معاداتهم، وليس تأكيداً لقوله:" إن هذا الأمر في قريش", فالحديث ينص على أن الأمر فيهم، وعلى النهي عن معاداتهم. وأيضاً فإن كلمة قريش اسم وليس صفة. ويقال له في اصطلاح علم الأصول لقب. ومفهوم الاسم أي مفهوم اللقب لا يعمل به مطلقاً، لأن الاسم أي اللقب لا مفهوم له، ولذلك فإن النص على قريش لا يعني أن لا يجعل في غير قريش. فقوله عليه السلام:" إن هذا الأمر في قريش", "لا يزال هذا الأمر في قريش" لا يعني أن هذا الأمر لا يصح أن يكون في غير قريش، ولا أنَّ كونه لا يزال فيهم أنه لا يصح أن يكون في غيرهم، بل هو فيهم، ويصح أن يكون في غيرهم، فيكون النص عليهم غير مانع من وجود غيرهم في الخلافة. فيكون على هذا شرط أفضلية، لا شرط انعقاد.


وأيضاً فقد أمَّرَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم -عبد الله بن رَواحة، وزيد بن حارثة، وأسامة بن زيد, وجميعهم من غير قريش، فيكون الرسول قد أمَّرَ غير قريش. وكلمة هذا الأمر تعنى ولاية الأمر، أي الحكم, وليست هي نصاً في الخلافة وحدها, فكون الرسول يولًي الحكم غير قريش دليل على أنه غير محصور فيهم، وغير ممنوع عن غيرهم فتكون الأحاديث قد نصت على بعض من هم أهل للخلافة، للدلالة على أفضليتهم، لا على حصر الخلافة بهم، وعدم انعقادها لغيرهم. انتهى.

وقد أجاب الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشتة حين سئل عن هذا الكلام, فأجاب:

سأحاول في الجواب التالي أن أزيد المسألة توضيحاً بالقدر الذي أراه يوفر الطمأنينة بالحكم الشرعي المتعلق بهذه المسألة بإذن الله.
وهذا هو الجواب:

أولاً: إن أموراً ثلاثةً حدثت على ملأ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثابتةً صحيحةً مشهورةً ومشهودة، تكفي للدلالة على أن النسب القرشي شرط أفضلية لا شرط انعقاد، وهذه هي:
1 - ما كان من أمر السقيفة: فقد اجتمع رؤوس الأنصار فيها لمبايعة خليفة للمسلمين، فسمع بهم أبو بكر وصحبه فجاءوهم وناقشوهم، ثم ذكروا لهم الحديث «الأئمة من قريش» فهدأ القوم وقالوا: (منا أمير ومنكم أمير) ثم استمر النقاش، حتى قال الأنصار: (أنتم الأمراء ونحن الوزراء) أو قالها عمر كما في رواية (إنا قلنا لهم نحن الأمراء وأنتم الووراء) ثم بايعوا أبا بكر رضي الله عنه.
وبالوقوف على هذه الحادثة نرى أن حديث «الأئمة من قريش» كان مفهوماً للصحابة أنه شرط أفضلية وليس وجوب الخلافة في قريش للشواهد التالية:
أ - إن الأنصار هم أنصار الله ورسوله، لازموا الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر مواضعه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبهم ويجالسهم بكثرة ويقول: «لو سلك الأنصار وادياً وسلك الناس وادياً لسلكت وادي الأنصار» صاحبوه في غزواته وحله وترحاله، سمعوا كثيراً من أحاديثه، وشاهدوا كثيراً من أفعاله. هؤلاء الذين هذا شأنهم يتداعون إلى سقيفة بني ساعدة لمبايعة أحدهم خليفةً، فإما أنهم لم يكونوا قد سمعوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور على ملازمتهم له صلوات الله وسلامه عليه أو أنهم سمعوه وعلموه على وجهه أنه شرط أفضلية، فالدارس لهذه المسألة ماذا يرجح؟ أليس يرجح أنهم علموه لا أنهم جهلوه؟ وأنهم علموه شرط أفضلية لا شرط انعقاد؟
ب - إن أبا بكر رضي الله عنه علل الحديث عند ذكره فقال: (ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً) وفي رواية أن القائل هو عمر: (وأن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب داراً ونسباً). وواضح من التعليل أن «الأئمة من قريش» لأنهم حينها كانوا قادة العرب ولا تسلس العرب قيادها إلا لهم، وكان العرب في ذاك الوقت هم جل المسلمين، إن لم يكونوا كلهم، فالعرب بأكثريتهم يرشحون وبنتخبون لهم خليفةً من قريش وليس من سواها، وهي لفتة عظيمة من أبي بكر وعمر على وجوب أن يحوز الخليفة على رضى جمهرة المسلمين. فلو علم أن غالب المسلمين يريدون فلاناً فهو الذي يبايع، مهما كان نسب هذا الذي يحوز رضاهم.
جـ - إن عمر رضي الله عنه كان يخشى إنْ لم تتم البيعة بسرعة فإن الأنصار سيبايعون واحداً منهم، أي أنه على الرغم من النقاش وذكر الحديث فهو كان يرى أن الأنصار قد يبايعون واحداً منهم وهذا يعني أنه كان يدرك ان الحديث يفيد الأفضلية وليس الانعقاد لأنه لا يمكن أن يُظَنَّ أن عمر رضي الله عنه يرى أن الأنصار، على ما هم فيه من فضل وتقوى، يعلمون أن الحديث يفيد وجوب الخلافة في قريش، ومع ذلك فلو لم يسرع بالبيعة لأبي بكر فإن الأنصار سيعودون يبايعون واحداً منهم، أي يخالفون نصاً صريحاً لوجوبها لقريش وهذا ما لا يصلح أن يرد بالنسبة للأنصار. وما تطمئن النفس إليه أن الأنصار وعمر كانوا يرون في القرشية الأفضلية، لهذا كان يجوز الأنصار الخلافة لهم، وكان يجوزها عمر لهم لأنه كان يخشى أن يبايعوا أحدهم، ولو بايعوه كان يرى وجوب طاعته وإلا كان الفساد. يقول عمر (خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعةً، فإما أن نتابعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون فساد) وحدوث الفساد قرينة على وجوب الطاعة.
د - إن الأنصار بعد أن بايعوا أبا بكر بقي سعد بن عبادة رضي الله عنه مصراً على عدم البيعة، فما هو الأرجح في فهم هذه الحادث: أن نقول إن سعداً علم من الحديث لَمَّا ذُكر ان البيعة لا تصح إلا لقرشي ومع ذلك بقي مصراً على عدم البيعة وعلى أحقيته بها، أو أن نقول إن سعداً علم من الحديث أن القرشية شرط أفضلية فقط، لهذا بقي مصراً وأجاز لنفسه طلب الخلافة لأنه يرى أن شرط الأفضلية هذا وإن وجد في غيره، لكنه يرى أن عنده من شروط الأفضلية الأخرى ما يفوق غيره؟
ولا يعارض هذا موافقة الأنصار على بيعة أبي بكر، فجمهرة الأنصار بالنقاش وبذكر الحديث وبتعليل أبي بكر وعمر اقتنعوا أن شرط الأفضلية هذا يرجّح كفة المهاجرين فبايعوا، أما سعد فقد رأى أن عنده من شروط الأفضلية ما يعوّض أفضلية النسب (القرشية) فبقي مصراً أن له حقاً في الخلافة.
وأكتفي بهذا عن أمر سقيفة بني ساعدة وما تدل عليه من أن القرشية شرط أفضلية.

2 - ما كان من قول عمر ساعة موته رضي الله عنه: (إن أدركني أجلي ومات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل) وفي رواية: (لو سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك يقول: إن سالماً كان شديد الحب لله). ومعاذ وسالم ليسا من قريش.
إن هذه الحادثة مشهورة ومشهودة كذلك كسقيفة بني ساعدة، على ملأ من الصحابة، وهي إجماع سكوتي ولم ينكر عليه أحد، مع العلم أنها مما ينكر مثله لو لم تكن صحيحة، فإذا كانت الخلافة في قريش وجوباً فكيف يجمع الصحابة على جوازها في غير قريش؟ فهل تفهم هذه الواقعة بأنَّ عمر رضي الله عنه كان يفهم أن الحديث يفيد وجوب الخلافة في قريش ثم يجيزها لغيرهم، أو نفهم بأن عمر رضي الله عنه كان يفهم من الحديث أنّ القرشية شرط أفضلية فرأى أنّ عند سالم ما يعوِّض هذه الأفضلية بشرط آخر وهو شدة الحب لله؟ أليس هذا الأخير هو ما تطمئن النفس إليه؟ وهنا لا يستطيع أحد أن يقول: إن عمر لم يكن يعلم الحديث، فعمر ممن كان في السقيفة ومن شهودها ومن الذين نقلوا هذا الحديث.
يضاف إلى ذلك أن عمر علل ترشيحه للستة الذين طلب انتخاب خليفة من بينهم فقال: (عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم من أهل الجنة) وفي روايات أخرى (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ) فذكر علة اختيارهم وليس لأنهم قرشيون.
فهذه الحادثة الثانية أي قول عمر بترشيح الستة تدل كذلك على أن (القرشية) كان يفهمها الصحابة أنها شرط أفضلية، وأجمعوا على ذلك بسكوتهم على قول عمر رضي الله عنه.

3 - ما كان من خطبة معاوية التي رواها البخاري، وهي كذلك على ملأ من المسلمين وفي عصر الصحابة فلم يكن عصرهم قد انقضى بعد، وهي تفيد أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يروي حديثاً بأن خليفة سيكون من قحطان (أي ليس من قريش) فغضب معاوية وتكلم على عبد الله بن عمر وجهّله، وقد أخطأ معاوية بتجهيل صحابي. يروي البخاري (كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش ان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون بأحاديث ليست في كتاب الله تعالى ولا تؤْثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولئك جهالكم إلى أن قال معاوية: إن هذا الأمر في قريش...).
فقد كان عبد الله بن عمرو يحدث أن ملكاً أي خليفةً سيكون من قحطان، والملك تطلق على الإمام أو السلطان او الخليفة ولا تطلق على من دونه، وقد فهم ذلك معاوية أن الحديث عن خليفة من قحطان أي من غير قريش فأنكر على عبد الله بن عمرو ووصفه بالجهل.

وبدراسة هذه الحادثة هل نرجح ما رواه عبد الله بن عمرو بأن خليفةً سيكون من قحطان أي من غير قريش أو إنكار معاوية عليه؟ والمعروف أن عبد الله بن عمرو صحابي غير مختلف في صحبته وأما معاوية فمختلف في صحبته, وعليه يرجح حديث عبد الله بن عمرو على إنكار معاوية عليه. ثم ألا يعني هذا أن القول بأن الصحابة مجمعون على أن «الأئمة من قريش» يعني شرط انعقاد، قول غير صحيح؟ علماً بأن الذي أنكر على عبد الله هو معاوية ولم يرو إنكار غيره مع أن القول كان على ملأ من الناس.
هذه حوادث ثلاث تمت على ملأ من المسلمين ومن الصحابة، وهي تدل دلالةً يطمئن لها القلب أن الصحابة كانوا يفهمون «الأئمة من قريش» شرط أفضلية، وأن الخلافة تكون فيهم وفي غيرهم.

ثانياً: الأحاديث الواردة التي يستدل بها بعضهم على ان (القرشية) شرط انعقاد:
نحن نعلم أن جميع صيغ الأمر عند العرب، المفردة منطوقاً مفهوماً، والجملة المركبة منطوقاً ومفهوماً، والتي جمع أهل اللغة منها العشرات، كلها تفيد مجرد الطلب وتحتاج إلى قرينة لبيان نوع الطب، في الجزم وغير الجزم والتخيير.
وباستعراض الأحاديث الواردة يُرى أنها تفيد الطلب وتفتقر إلى قرينة جازمة إلا حديثين فيهما شبهة ذلك وسأستعرضهما هنا:
1 - حديث «الأئمة من قريش» وقولهم إنه مبتدأ وخبر وهو يفيد حصر المبتدأ في الخبر وبالتالي فمفهوم المخالفة معمول به أي أنه لا يصح أن يكون الأئمة من غير قريش. وبالتدقيق في هذه الحديث نجد أنه لا يفيد المخالفة لما يلي:
أ - قريش اسم لقبيلة، مفهوم المخالفة لا يعمل به في الحكم المعلق على اسم، سواء كان اسم جنس أم اسم علم أم ما هو في حكمه كاللقب والكنية. وعليه فإذا قلت: (قريش كريمة) فلا يعني أن غير قريش ليست كريمة، وهكذا «الأئمة من قريش» لا يعني أن غير قريش لا يصح فيها الأئمة.
ب - صيغ الحصر المركبة والمفردة لا تفيد كلها الحصر الحقيقي في الأصول أي يكون لها مفهوم مخالفة إلا بقرائن تضاف إلى الصيغة، فإن لم توجد تلك القرائن المضافة فإن الحصر لا يكون حقيقياً بالمعنى الأصولي فلا يحصر جميع أفراده.
يستثنى من ذلك فيما أعلم صيغتان:
الأولى مفردة وهي باستعمال أداة نافية مع أداة الاستثناء مثل: (لم وإلاّ) فهاتان الأداتان مجتمعتان تفيدان الحصر قطعاً ويكون لها مفهوم مخالفة مثل: لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة إلا في عشرة: الإبل، البقر، الغنم، الذهب، الفضة، الشعير، الحنطة، التمر، الزبيب، السلت (السلت نوع من الشعير). فهنا أفادت الحصر ولها مفهوم مخالفة أي أن غير هذه الأصناف لا زكاة فيها.
الثانية مستفادة من التركيب وهي أن يرد التنصيص على مجموعة أسماء جامدة ويعلق حكم مشروط على كل اسم منها بجامع يجمعها، فهنا يكون حصر له مفهوم مخالفة مثل: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل... فمن زاد أو ازداد فقد أربى» فهنا حصر للسبب المذكور وله مفهوم مخالفة أي أن غير هذه الأشياء لا ينطبق عليها الحكم.
أما غير ذلك فيحتاج إلى قرينة مضافة، مثلاً:
«إنما الربا في النسيئة» هنا وإن كانت إنما تفيد الحصر إلا أنها تحتاج إلى قرينة مضافة، وحيث لا توجد فلا يعمل بمفهوم المخالفة ولذلك هناك ربا فضل.
ومثل «الأئمة من قريش» فهنا مبتدا وخبر، والمبتدأ محصور في الخبر وليس هناك قرينة مضافة، وعليه فلا مفهوم مخالفة فتكون الأئمة من قريش وغير قريش.
هذا بالنسبة للحديث «الأئمة من قريش» الذي لا يوجد في نص الحديث غير المبتدأ والخير. فإن كان له تكملة بقرينة مناسبة تضاف إلى الحصر فعندها يعمل بمفهوم المخالفة حسب القرينة ولا تكون الأئمة إلا في قريش، وهي في الحديث السابق الذي ذكرنه غير موجودة أي القرينة المضافة.
2 - حديث «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين»
هذا الحديث فيه جزءان: «إن هذا الأمر في قريش» وهذا لا يفيد أن الأمر لا يكون في غير قريش، فحصر المبتدأ في الخبر يحتاج إلى قرينة مضافة، ويقال عليه ما قيل على الحديث السابق.
فإذا كانت التكملة «لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه» هي قرينةً مضافةً للجزء الأول أي كانت (لا) عاطفةً تصل الجزأين معاً، فإن الحصر سيصبح أصولياً له مفهوم مخالفة، ويكون الأمر محصوراً وعلى الوجوب في قريش.
فما هي حقيقة (لا) هنا؟
(لا) هنا حرف نفي مصاحب لأداة الاستثناء (إلاّ) وهما تشكلان حصراً كاملاً، أي أنهما يحصران الكب على الوجه في من يعاديهم. وبالتالي فالكب محصور في عداوة قريش، ولا صلة له بالجزء الأول.
ولايصح أن تكون (لا) هنا عاطفةً لأن من شروط مجيء (لا) عاطفةً، كما هو عند علماء اللغة، أن يكون المعطوف مفرداً لا جملةً ولا شبه جملة، وحيث إن المذكور ههنا جملة (لا يعاديهم... وجهه)، لذلك فالكلام هنا جزءان منفصلان: الأول الأمر في قريش والثاني عقوبة معاداة قريش. فيكون الفهم الصحيح أنه نص على أمرين منفصلين: على أن الأمر في قريش، وعلى النهي عن معاداتهم، ولذلك فليست هذه قرينةً تفيد الجزم للجزء الأول من الحديث لأن (لا) ليست عاطفةً.
وبذلك ينتفي القول إن هذا الحديث يفيد وجوب الخلافة في قريش، بمعنى أنها شرط انعقاد، وتبقى كما هو مبين شرطَ أفضلية.
وأما غير هذين الحديثين من أحاديث فإنه لا تصحبها قرينة تفيد الجزم.
ثالثاً: بقيت نقطة أرى وجوب ذكرها لتتحقق الطمأنينة التامة، وهي أنّ هناك من يقول إنَّ البشرى بعودة الخلافة الأخيرة على منهاج النبوة يعني أنها لا بد أن تكون كالخلافة الأولى على منهاج النبوة، وحيث إن الخلافة الأولى خلفاؤها من قريش إذن فالثانية يجب أن يكون خلفاؤها من قريش.
وهذه النقطة يتضح ضعفها عندما يتبين أن المنهاج لا يكون نسب الأشخاص أساساً فيه بل إنَّ الطريق والمسلك الذي يسلكه هؤلاء الأشخاص هو الأساس فيه.
جاء في القاموس:
(النهج: الطريق الواضح كالمنهج والمنهاج، ونهج كمنع وضح، ونهج الطريق سلكه واستنهج فلان سبيل فلان سلك مسلكه).
فالمنهاج إذن هو الطريق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا فإن الخلافة القادمة بإذن الله على منهاج النبوة كالخلافة الأولى أي أنها راشدة، ملتزمة كتاب الله سبحانه وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وما أرشدا إليه، كما كان عليه الخلفاء الراشدون. أي أنه سيكون في القادمة خلفاء راشدون نهجهم يماثل نهج الخلفاء الراشدين في الالتزام بالإسلام التزاماً عادلاً مستقيماً، سواء أكان نسبهم قرشياً أم لم يكن، لأن العبرة بالمنهاج الذي هم عليه.
نسأل الله سبحانه أن يكرمنا بنصره، ويعجل لنا فرجه وفضله، وأن يستخلفنا في الأرض كما استخلف الذين من قبلنا، فتعود الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، إنه سبحانه سميع مجيب.
في 27/08/2003م

ملحظ: هذه مسألة خلافية, وليست قطعية. ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال: (رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) ، وحري بنا أن نتأدب بأدب هذا الإمام الفذ.

ابو علي الفلسطيني
2010-12-18, 09:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيرا ...
على افتراض التسليم بتوجيه الشيخ النبهاني رحمه الله تعالى للحديث الوارد في صحيح البخاري ... فما هو تعليقكم مثلا على هذا الحديث الذي صححه الالباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة وهو:
" الخلافة في قريش و الحكم في الأنصار و الدعوة في الحبشة و الهجرة في المسلمين و المهاجرين بعد " .

كما نقل النووي اجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ان الخلافة في قريش ونقل ابن حجر الاجماع ذاته كما في فتح الباري ... وقال ابو حنيفة رحمه الله تعالى ان من شرط الإمام ان يكون قرشيا وهو ايضا مذهب مالك واحمد
والله اعلم واحكم

أحمد شرارة
2010-12-20, 08:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيرا ...
على افتراض التسليم بتوجيه الشيخ النبهاني رحمه الله تعالى للحديث الوارد في صحيح البخاري ... فما هو تعليقكم مثلا على هذا الحديث الذي صححه الالباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة وهو:
" الخلافة في قريش و الحكم في الأنصار و الدعوة في الحبشة و الهجرة في المسلمين و المهاجرين بعد " .

كما نقل النووي اجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ان الخلافة في قريش ونقل ابن حجر الاجماع ذاته كما في فتح الباري ... وقال ابو حنيفة رحمه الله تعالى ان من شرط الإمام ان يكون قرشيا وهو ايضا مذهب مالك واحمد
والله اعلم واحكم

السلام عليكم ورحمة الله

أخ الحبيب أبا على - كيف حالك شيخنا ؟
لقد تبنى أخانا الكريم الداعى فى مناقشه لى معه على الإجماع بمنهج من قصروا الإجماع على الصدر الأول فقط وقد نقد نفسه فى هذه المسأله وتبنى أن شرط القرشيه فى الإمامه ليس بقطعى - وقد نقلت أخ الحبيب أبا على جزاك الله خيرا قول النووى رحمه الله عن أجمــــــــــــاع الصحابـــــــــــه فى ذلك وكذلك أبن حجر رحمه الله وكذلك الأئمه الثلاثه -
والســـــــــؤال هنا للأخ الفاضل الداعى - كيف تتبنى مسألة قصر الإجماع على الصدر الأول وتتبنى إيضا نقض مسأله قد إجمع عليها الصحابه ؟؟؟؟؟ أفلا ترى أخ الحبيب تناقض بين هنا ؟؟ والله المستعان

الداعي
2011-01-09, 06:34 PM
أبا علي الفلسطيني, بارك الله بك لما نقلت, وبعد:

1. الحديث:" الخلافة في قريش", هو مجرد خبر, لا يفيد الوجوب.

2. قولك: (نقل النووي إجماع الصحابة_ رضوان الله عليهم _على أن الخلافة في قريش, ونقل ابن حجر الإجماع ذاته كما في فتح الباري):
لقد أخطأ من نقل الإجماع عن الصحابة, وهذا لما يلي:
- الأنصار سارعوا إلى مبايعة أحدهم في سقيفة بني ساعدة, ومعلوم أنَّ دولة الإسلام قامت في أحضانهم وعلى أكتافهم, ولو سلكوا شعبا لسلكه النبي e.
- ومرفوض زعم أنَّ الأنصار لم يسمعوا بأي حديث يتحدث عن حثِّ النبي e لأن تكون الخلافة في قريش.
- لما سمع الأنصار قول النبي e: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍَ» من أبي بكر, لم يفهموا الحديث على أنه فرض, بل مندوب, ودليل ذلك قول الفاروق عمر: «خَشِيتُ إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً», وفي رواية: «خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ، أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً», والروايتان صحيحتان.
- فأين إجماع الأنصار على أنَّ الأئمة من قريش؟ لو أجمع الأنصار, لما خشي عمر من أن يبايعوا أحدهم بعد سماع الحديث.
- ولا أقبل من امرئ أن يقول: إنَّ الفاروق عمر_ وهو من هو _ظنَّ بالأنصار شرًّا _ وهم من هم _؛ لأنَّه قول بهت وزور.
- إن الأنصار بعد أن بايعوا أبا بكر بقي سعد بن عبادة_ رضي الله عنه _مصراً على عدم البيعة، فأين الإجماع؟

3. قولك: (وقال أبو حنيفة_ رحمه الله تعالى _: إن من شرط الإمام أن يكون قرشيا, وهو أيضا مذهب مالك وأحمد):
لقد استند الثلاثة_ رحمهم الله _على الأحاديث التي بينا أنها لا تفيد الوجوب, وسيتبع بالتفصيل.

4. قول أحمد شرارة: (كيف تتبنى مسألة قصر الإجماع على الصدر الأول, وتتبنى أيضا نقض مسألة قد أجمع عليها الصحابة؟ أفلا ترى أخ الحبيب تناقض بين هنا؟ والله المستعان):
- أخي الحبيب, لا أرى تناقضًا؛ لأنَّني لم أنقض مسألة أجمع عليها الصحابة.
- دعوى إجماع الصحابة باطلة, وأخطأ من قال بها, وهذا بيناه فيما سبق.

ابو علي الفلسطيني
2011-01-09, 08:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خيرا وبارك فيك .. وبانتظار التفصيل الذي ذكرته في ثنايا مشاركتك


الحديث:" الخلافة في قريش", هو مجرد خبر, لا يفيد الوجوب.

إن ثبُتَ الخبر يُنظر بعدها في وجه الدلالة هل يُفيد الوجوب او الإستحباب مثلا ... وبما أن هناك أخباراً أخرى تفيد الوجوب إذاً فالخبر على سبيل الوجوب لا غير ... ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري [ 4 / 179 الطبعة السلطانية]

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلاَ تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ، إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ»



لما سمع الأنصار قول النبي e: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍَ» من أبي بكر, لم يفهموا الحديث على أنه فرض, بل مندوب, ودليل ذلك قول الفاروق عمر: «خَشِيتُ إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً», وفي رواية: «خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ، أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً», والروايتان صحيحتان.


لكنهم لم يعترضوا على ولاية عمر وعثمان وعلي ومعاوية ... فيما بعد ..وهذا يدل أنهم أخذوا الحديث على سبيل الوجوب لا الندب ..


إن الأنصار بعد أن بايعوا أبا بكر بقي سعد بن عبادة_ رضي الله عنه _مصراً على عدم البيعة، فأين الإجماع؟

لا ينخرق الإجماع بشذوذ صحابي واحد ... وقد ذكرت بعض الروايات أن القوم لمّا بايعوا لأبي بكر رضي الله عنه داسوه بأقدامهم وهو مريض من شدة الزحام ..

عموما ننتظر منك الفائدة ... فهو نقاش شيق بارك الله فيك ... ُدمتَ مسدَّداً

الداعي
2011-01-10, 05:19 PM
أبا حمزة السيوطي, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:


1) لقد قرر القرطبي_ رحمه الله _ أنَّ المسألة خلافية, فقال: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ صَمِيمِ قُرَيْشٍ، لِقَوْلِهِ e: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ», وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا.


2) ذكر الجويني أنَّ شرط القرشية في الإمامة فيه احتمال عنده؛ ينظر: الإرشاد, ص: 359.


3) لمن يعتبر إجماع الأمة حجة, فقد أجمعت الأمة أن الخلافة في قريش وفي غير قريش, وخير دليل على هذا الإجماع أنَّ الخلافة في العثمانيين من عهد السلطان العثماني سليم الأول إلى عهد السلطان العثماني عبد المجيد الثاني. قدّم شريف مكة مفاتيح الحرمين الشريفين إلى السلطان سليم اعترافا بخضوع الأراضي المقدسة الإسلامية للعثمانيين، وتنازل في الوقت ذاته آخر الخلفاء العباسيين، محمد الثالث المتوكل على الله، عن الخلافة لسلطان آل عثمان، فأصبح كل سلطان منذ ذلك التاريخ خليفة للمسلمين.


4) لمن اعتبر القرشية في الإمامة, فإنَّ اعتبارهم ليس مطلقًا, بل مقيد, ودليلهم على التقييد قول النبي e:
«مَا أَقَامُوا الدِّينَ», فشرط القرشية ليس مطلقا على إجماله, بل منوط بإقامة الدين, فإن لم يقيموا الدين, فغيرهم أولى منهم ما أقاموا الدين. وكل القرشيين الذين في سدة الحكم هم عملاء أذناب للكافر المستعمر هذه الأيام, فقد أضاعوا البلاد والعباد. حسبي الله ونعم الوكيل عليهم من شرار الأئمة!!


5) لقد تمَّ الاتفاق على أن الخبر لا يفيد الوجوب إلا بقرينة, وقد أتيتم بحديث توهمتم أنَّه يشمل قرينة على الجزم, ألا وهو: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ», رواه البخاري. وفقه الحديث هو الآتي:


- إنَّ جملة: «لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ», ليست معطوفة على جملة: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ», بل هي جملة منفصلة؛ لأمرين:


- لفظ (لا) هنا لا يفيد العطف؛ لأنَّ المعطوف جملة, ولا تكون عاطفة إلا إن أتى بعدها مفرد, نحو: جاء علي لا خالد. وعليه, فـ(لا) هنا حرف نفي مصاحب لأداة الاستثناء (إلاّ), وهما تشكلان حصرًا تامًّا، أي أنهما يحصران الكب على الوجه في من يعاديهم؛ لذلك, فالكب على الوجه محصور في عداوة قريش، وهو غير مرتبط بهذا الجزء: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ».


- الأصل في الحديث هو: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَقَامُوا الدِّينَ», وجملة: «لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ» معترضة, فلا صلة لها بما قبلها, ولا بما بعدها.


وعليه, فالحديث فيه حكمان: حكم تقييد خلافة قريش بإقامة الدين, حكم من عادى قريشًا, وهو الكب من الله على الوجه.


6) بالنسبة لتضعيفك للآثار, فأقول:


- لم يعتبره الحافظ في فتح الباري ضعيفًا, بل اعتمده: قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَيَحْتَاجُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إِلَى تَأْوِيلِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ, فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ قَالَ:..., فلولا أنه أقرَّ الاستدلال بالحديث, لما قال:" وَيَحْتَاجُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إِلَى تَأْوِيلِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ"؛ لأنَّ الأثر الضعيف لا يؤوَّل, بل يرد.


- جاء في كنز العمال عن الأثر:" حم وابن جرير, وهو صحيح, ورواه حل من طرق عن عمر".


- جاء في جامع الأحاديث:" أحمد, وهو صحيح, ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق عن عمر".


- قال شعي الأرنؤوط:" حسن لغيره".


- وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريق أخرى, فقال حدثنا الحسن بن سفيان عن أبي عمير بن النحاس عن ضمرة بن السّيّباني عن أبي العجفاء عن عمر أنه قال:" لو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته, ثم قدمت على يدي ربي, فقال: من استخلفت؟ قلت: قال عبدك ونبيك:" خالد سيف من سيوف الله, سله الله على المشركين", ثم ذكر أبا عبيدة ومعاذا كما تقدم, وقال: بين يدي العلماء برتوة. قال: ضمرة, كأنها أكثر من خطوة". وهذا إسناد حسن.


- ومهما يكن من أمر, فإنه ثبت أنَّ الأثرين صالحان للاحتجاج.


- أما ما ورد في الحديث: (فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا بَالُ عُلْيَا قُرَيْشٍ؟ يَعْنُونَ بَنِي فِهْرٍ), فهذا الإنكار ليس من الصحابة, بل ممن سمع الأثر؛ لأن الصحابة لا يقولون: مَا بَالُ عُلْيَا قُرَيْشٍ؟ وبما أنَّ الإنكار ليس من الصحابة, فلا قيمة له؛ لأن القائل صحابي. فإن سلمنا بأن الإنكار من الصحابة, فهذا يعني أن المسألة خلافية بين الصحابة, ليس غير.


7) قولك: (فكيف أنت بهذا الأثر الذي أخرجه أبو عاصم في السنة وجود الألباني رحمه الله إسناده في الظلال:" كنا نجالس عمرو بن العاص نذاكره الفقه, فقال رجل من بكر: لتنتهين قريش, أو ليجعلن الله هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب. فقال عمرو بن العاص: كذبت, سمعت رسول الله يقول: الخلافة في قريش إلى قيام الساعة"):


- لقد أخطأ عمرو بن العاص t خطأين: أخطأ بفهم الحديث, ثم أخطأ بتكذيبه الرجل, والخطأ الثاني بني على الخطأ الأول.


- لما سمع عمرو: «الخلافة في قريش إلى قيام الساعة», ظنَّ أنَّ النبي e يخبر بالغيب, ولم يدرك أنَّ النبي يطلب طلبًا بصيغة الخبر. فلو كان الحديث إخبارًا بالغيب ففيه خطأ؛ فأين قريش من الخلافة في الخلافة العثمانية؟
ثمَّ إنَّنا نعيش اليوم في ظل أنظمة الكفر بعد هدم الخلافة!!


- الرجل لم يجتهد بقوله, بل ثمَّة أحاديث تؤيده, منها:


- أخرج الإمام أحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي من حديث عبد الله بن مسعود t عن النبي e أنه قال: «يا معشر قريش، إنكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا، فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب». قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات.


- أخرج الشافعي والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء بن يسار يرفعه إلى النبي e أنه قال لقريش: «أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه، فتلحون كما تلحى هذه الجريدة».


- قال ابن حجر:" فوجد ذلك في الدولة العباسية، بغلبة مواليهم بحيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه، يتمتع بلذاته، ويباشر الأمور غيره. ثم اشتد الخطب، فغلب عليهم الديلم، فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة، واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار، ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار". انتهى.


- أقول: وفي الخلافة العثمانية لم يبق لهم أية صلة بالخلافة. أكذب الرجل يا عمرو بن العاص t, أم حصل ما قال؟


8) قولك: (وهو الثابت في النصوص, وعن جماهير الصحابة_ ولا يُعرف خلافه _أن الخلافة في قريش إلى يوم الدين كما صح عن ابن مسعود ومعاوية وعمرو بن العاص وعبد الله ابن عمرو بن العاص وأبي هريرة وابن عمر وأبي موسى الأشعري وغيرهم):


- الخلافة في قريش, من اعتبرها وجوبا فقد قيدها بإقامتهم للدين.


- لم تعد أية صلة لقريش في الخلافة بعد قيام الخلافة العثمانية, وأجمعت الأمة على ذلك؛ لمن يعتبر إجماع الأمة حجة.

الداعي
2011-01-10, 05:44 PM
أبا علي الفلسطيني, جزاك الله خيرا.

1. قولك: (وبما أن هناك أخباراً أخرى تفيد الوجوب إذاً فالخبر على سبيل الوجوب لا غير): ما وقع في نفسك أنه يفيد الوجوب كأخي, أبي حمزة السيوطي ليس كذلك, وراجع المداخلة.

2. قولك: (لكنهم لم يعترضوا على ولاية عمر وعثمان وعلي ومعاوية ... فيما بعد ..وهذا يدل أنهم أخذوا الحديث على سبيل الوجوب لا الندب):
- لم يعترضوا, لكن ليس لأنَّهم حملوا الحديث على الوجوب, بل لأنَّهم سلموا بقولي أبي بكر وعمر:
- قال أبو بكر للأنصار:" ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش, هم أوسط العرب نسبا ودارا".
- قال عمر للأنصار:" وأن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب دارا ونسبا".
- لمَا أدرك الأنصار أنَّ العرب تبع لقريش قبل الجاهلية, وكان جل المسلمين من العرب بادئ الأمر, والعرب لا تسلس قيادها لغير قريش_لما أدركوا ذلك لم يعترضوا, ولم يتقدموا للخلافة, ليس غير.

3. قولك: (لا ينخرق الإجماع بشذوذ صحابي واحد): يكفي أن يعترض صحابي أو يخالف لينتقض الإجماع؛ فالحافظ في الفتح قال:" وَيَحْتَاجُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إِلَى تَأْوِيلِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ", فلو لم يكن الإجماع منتقضًا بقول عمر, لما لزم الأمر إلى تأويل قول عمر t.

ابو علي الفلسطيني
2011-01-10, 06:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيرا أخانا الداعي على النقاش المثمر والبنّاء .. وبودي التعليق على بعضٍ مما ذكرت، ومن ذلك قولك:


ما وقع في نفسك أنه يفيد الوجوب كأخي, أبي حمزة السيوطي ليس كذلك, وراجع المداخلة.

قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ هذا الامر في قريش) أي أمرٍ يقصد صلى الله عليه وسلم؟؟ ألا ترى معي أنه الخلافة؟؟ وإن كان كذلك فالتأويل اللغوي الذي أتيتَ به لا يغير في واقع الأمر شيئاً ... فالحديث على سبيل التقرير بأن الخلافة في قريش ..
أما قولك انها مقيدة بشرط إقامة الدين فهذا صحيح ... واتفق معك فيه .. لكنه يعني أن الخلافة في قريش وبقائها فيهم مرهونٌ بإقامة الدين ... فمتى أقاموا الدين فهي فيهم بلا نزاع ... وإن لم يقيموه =فلا خلافة لهم ...


- لم يعترضوا, لكن ليس لأنَّهم حملوا الحديث على الوجوب, بل لأنَّهم سلموا بقولي أبي بكر وعمر:
- قال أبو بكر للأنصار:" ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش, هم أوسط العرب نسبا ودارا".
- قال عمر للأنصار:" وأن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب دارا ونسبا".
- لمَا أدرك الأنصار أنَّ العرب تبع لقريش قبل الجاهلية, وكان جل المسلمين من العرب بادئ الأمر, والعرب لا تسلس قيادها لغير قريش_لما أدركوا ذلك لم يعترضوا, ولم يتقدموا للخلافة, ليس غير.

عظيم ... فتسليمهم وانقيادهم كما ذكرتَ هو إقرارٌ منهم بشرط الخلافة وكونها في قريش .. وهذا هو المطلوب اثباته


يكفي أن يعترض صحابي أو يخالف لينتقض الإجماع

لا لا يكفي ... فالاجماع هنا قطعي لا تضره مخالفة صحابي واحد ... والله الموفق

الداعي
2011-01-10, 07:45 PM
أبا علي الفلسطيني, السلام عليكم ورحمة اله وبركاته, وبعد:

1. قولك: (قول النبي e: (إنَّ هذا الأمر في قريش), أي أمرٍ يقصد e؟ ألا ترى معي أنه الخلافة؟ وإن كان كذلك, فالتأويل اللغوي الذي أتيتَ به لا يغير في واقع الأمر شيئاً ... فالحديث على سبيل التقرير بأن الخلافة في قريش):

- قول النبي e: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ» يساوي: إنَّ الخلافة في قريش.
- هذا يبقى مجرد خبر لا يفيد الوجوب؛ لأنَّ ما بعده ليس له صلة فيه, بل هو جملة معترضة.

2. قولك: (عظيم ... فتسليمهم وانقيادهم كما ذكرتَ هو إقرارٌ منهم بشرط الخلافة وكونها في قريش .. وهذا هو المطلوب إثباته):

- أنا لم أقل كذلك.
- أنا قلت ما مفاده: أدرك الأنصار أن العرب لا ترضى إلا عن قريش في موضوع القيادة؛ لأنَها تبع لها في الجاهلية, وفي الإسلام.
- وهذا نستفيد منه, أنَّه ينبغي لمن يعرض نفسه للبيعة أن يحوز رضا غالبية المسلمين.

3. قولك: (لا لا يكفي ... فالإجماع هنا قطعي, لا تضره مخالفة صحابي واحد):

- لقد قرأت كثيرًا للأصوليين, ولم أعهد أحدًا قال: لا يضر إجماع الصحابة مخالفة صحابي له, فهلا وثقت لي هذا الرأي, بعد إذنك.
- لم يخالف هنا صحابي واحد, بل الأنصار, وسعد بن عبادة خاصة, ثمَّ عمر بن الخطاب.

بارك الله بك.

الداعي
2011-01-11, 11:00 AM
إنَّني أبحث في مسألة, فإن ثبت ما بدر لذهني, قد أغير رأيي, فالحق أولى بالاتباع.