الليث الضاري
2010-12-19, 03:14 PM
هذا المقال أعجبني لأنه يلقي الضوء على تاريخ رؤساء الكنيسة الأرثوذوكسية الآن ... وكيف أنهم وصلوا لما هم فيها بالمرور على أجساد معلمهم متى المسكين
حرمان الدكتور جورج حبيب بباوي نكسة للفكر في الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية
بقلم: د. ممدوح حليم
قامت القيادة الكنسية القبطية في الآونة الأخيرة بفصل (حرم – قطع) د. جورج حبيب بباوي مدير معهد الدراسات اللاهوتية بولاية أنديانا بالولايات المتحدة، والأستاذ السابق بكلية اللاهوت (الاكليريكية) بالقاهرة. بيد أن هذا القرار على قدر كبير من الخطورة التي تتطلب دراسته من حيث أسبابه وخلفياته وتداعياته.
بداية نقول أن كل المسيحيين يتفقون على جوهر الإيمان الذي تبلور في قانون الإيمان الذي صاغه القديس المصري أثناسيوس في القرن الرابع، وهذا إنجاز مصري رائع يعترف به العالم المسيحي شرقاً وغرباً بكافة طوائفه.
ومن ناحية أخرى نقول أن هناك فرق بين العقيدة والرأي، فهناك مساحة في المسيحية يمكن أبداء الرأي فيها دون أن يشكل هذا طعنا في عقيدة صاحب الرأي. من يقدر أن يدعي أنه أدرك كل فكر المسيح المدون في الإنجيل؟ في كل كنائس العالم يبحث الباحثون ويجددون، ويجدون في هذا تشجيعا من قيادتهم. فماذا جرى للكنيسة القبطية؟ لقد شهدت الكنيسة القبطية في العقود الأخيرة تقهقرا فكريا ملحوظا أدى إلى حصر الإيمان المسيحي الأرثوذكسي فيما تقوله القيادة الدينية مما أدى إلى قلاقل، وكذلك إلى أبعاد أو ابتعاد رموز الفكر والعمل الديني عن الساحة مما يعد خسارة فادحة لحركة نهضة الكنيسة القبطية.
التيار النهوضي:
لقد انفتحت مصر على العالم الخارجي منذ تولي محمد على حكم مصر، وزاد هذا الانفتاح تدريجيا مع تولي أسرته الحكم، ولأن الكنيسة القبطية جزء أصيل من مصر لذا تأثرت بموجات من رياح الفكر المسيحي القادمة من الغرب الآتية مع الإرساليات البروتستنتية وكذلك الرهبانيات الكاثوليكية وما أنشأته من مدارس مازالت تعمل حتى الآن. لقد شعرت الكنيسة القبطية بالخوف من تآكل رعيتها وانضمامهم إلى كنائس الإرساليات البروتستنتية والكاثوليكية، وهذا ما حدث بالفعل إلى حد ما وبصورة محدودة. لكن هذا استفز الأقباط فنهضت الكنيسة من خلال مدارس الأحد التي تأسست عام 1900، ومن خلال أنشاء الكلية اللاهوتية بعد أن كان التعليم الديني قاصرا على الكتاتيب الملحقة بالكنائس، كما أنشئت الجمعيات الأهلية للعمل الاجتماعي والديني، وأقيم المجلس الملي بغية الاهتمام بالشئون المالية والإدارية في الكنيسة ليتفرغ رجال الدين للعمل الدعوي والوعظ والتعليم. لقد تفاوت موقف الباباوات من هذا التيار النهوضي ما بين الترحيب والامتعاض، والتشجيع والإحباط، وكان المجلس الملي الصخرة التي تحطم عليها سلام الكنيسة منذ الجزء الأخير من القرن التاسع عشر حتى الغي باتفاق بين الرئيس عبد الناصر والبابا كيرلس في الستينات من القرن الماضي. وحتى السبعينات من القرن الماضي لم يكن هناك صراع فكري يذكر في الكنيسة حيث تقبل الباباوات والمطارنة وأساتذة اللاهوت الأفكار غير المعتادة على أنها تدخل في نطاق أبداء الرأي. كنت تجد قدر كبير من التسامح الفكري فكان بعض الوعاظ البروتستانت يعظون في الكنائس الأرثوذكسية ويكتبون في مجلاتها. لكن منذ منتصف السبعينات جرت عملية تخلص من أقطاب الفكر بصورة منهجية، فهذا الدكتور الأب غريغوريوس أسقف البحث العلمي والذي كان عمود الفكر اللاهوتي في عهد البابا كيرلس السادس ( 1959- 1971) يقصى من منصبه كعميد لكلية اللاهوت ويمنع من التدريس فيها، بل وصدرت تعليمات شفوية للكنائس بعدم دعوته للصلاة والوعظ، كل هذا دون تحقيق أو توجيه تهم محددة، وكانت له هيبته العلمية واللاهوتية. هذا ويعد سيادته أستاذ الجيل ورائد الفلسفة المسيحية.
محنة متى المسكين:
أما الأب متى المسكين، الذي يعد عميد الرهبنة القبطية في العصر الحديث، فقد قامت القيادة الكنسية بإثارة الشبهات حول كتباته وفكره، فمنعت كتبه من التداول في الكنائس، بل قام البعض بحرقها في ساحات الكنائس. وكان الأب متى المسكين قد أسس منذ أواخر الخمسينيات تيارا تجديديا في الفكر القبطي يستند على فكر الآباء الكنيسة في القرون الأولى، وذلك باطلاعه على فكر الكنائس الأرثوذكسية في روسيا واليونان ولبنان، وكذلك باطلاعه على كتابات الآباء من خلال إتقانه للغتين اليونانية القديمة والانجليزية ولم يعترض البابا كيرلس السادس على فكره. هذا وقد تأثر بفكره واتجاهاته تلاميذه من رهبان دير القديس مقار وكذلك د. جورج حبيب بباوي وماكس ميشيل (الأنبا مكسيموس) خريج الكلية الاكليريكية و د. نصحي عبد الشهيد وتلاميذه وغيرهم. ويقال ان د. جورج بباوي قد وجه اتهامات للبابا في فكره اللاهوتي مؤخرا، مما حد بالقيادة الكنيسة أن ترشقه بحرم كنسي بغية القضاء عليه وشل قدرته من خلال استخراج كتابات ومحاضرات له ترجع إلى نحو ربع قرن، اذ ترك د. جورج مصر عام 84.
ولا شك في أن القرار الأخير يشوبه عوار حيث لم يتم استدعاء المتهم أو توجيه اتهام إليه. كما تم حرمه بناءا على أقوال قديمة كان يتعين على القيادة الكنسية أن تتحقق من إصراره عليها مع دعوته إلى العدول عنها وإنذاره بالعقوب. لكن القيادة الكنسية لم تفعل شيئا من هذا. بيد أن النية كانت مبيته للتخلص منه وجرحه. أن القرار الكنسي معناه حرمانه من ملكوت السماوات والحياة الأبدية حسبما تعتقد الكنيسة
أين الحل؟
ان فصول القصة لم تنتهى فالمشكو في حقه قرر اللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان الدولية والى محافل قانونية, ولا شك في أن صدور تقارير سلبية من هذه المؤسسات من شأنه أن يسيء إلى مكانة الكنيسة القبطية محليا وعالميا, اذ يضعها في قائمة الهيئات المنتهكة لحقوق الإنسان.
ولا شك في ان استخدام سلاح الحرم والتهديد به في العقود الأخيرة لا نرى له مثيلا في تاريخ الكنيسة القبطية أو في الكنائس الأخرى العربية مثل الكنيسة المارونية والروم الأرثوذكس وغيرها, أو في اى كنيسة في العالم في العصر الحالى أو الماضي. بيد أن هناك خلل ما في تقييم الأخطاء اللاهوتية في الكنيسة القبطية المعاصرة . لقد أشاع ذلك شعورا بالخوف لدى المفكرين في الكنيسة، مما أدى إلى جمود فكري لم تشهده الكنيسة المصرية منذ نحو قرن ونصف، كما أدى إلى توقف المسيرة النهوضية التى بدأت منذ عهد البابا كيرلس الرابع أبي الاصلاح (1854-1861).
باحث وكاتب في شئون المسيحية
د. ممدوح حليم
حرمان الدكتور جورج حبيب بباوي نكسة للفكر في الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية
بقلم: د. ممدوح حليم
قامت القيادة الكنسية القبطية في الآونة الأخيرة بفصل (حرم – قطع) د. جورج حبيب بباوي مدير معهد الدراسات اللاهوتية بولاية أنديانا بالولايات المتحدة، والأستاذ السابق بكلية اللاهوت (الاكليريكية) بالقاهرة. بيد أن هذا القرار على قدر كبير من الخطورة التي تتطلب دراسته من حيث أسبابه وخلفياته وتداعياته.
بداية نقول أن كل المسيحيين يتفقون على جوهر الإيمان الذي تبلور في قانون الإيمان الذي صاغه القديس المصري أثناسيوس في القرن الرابع، وهذا إنجاز مصري رائع يعترف به العالم المسيحي شرقاً وغرباً بكافة طوائفه.
ومن ناحية أخرى نقول أن هناك فرق بين العقيدة والرأي، فهناك مساحة في المسيحية يمكن أبداء الرأي فيها دون أن يشكل هذا طعنا في عقيدة صاحب الرأي. من يقدر أن يدعي أنه أدرك كل فكر المسيح المدون في الإنجيل؟ في كل كنائس العالم يبحث الباحثون ويجددون، ويجدون في هذا تشجيعا من قيادتهم. فماذا جرى للكنيسة القبطية؟ لقد شهدت الكنيسة القبطية في العقود الأخيرة تقهقرا فكريا ملحوظا أدى إلى حصر الإيمان المسيحي الأرثوذكسي فيما تقوله القيادة الدينية مما أدى إلى قلاقل، وكذلك إلى أبعاد أو ابتعاد رموز الفكر والعمل الديني عن الساحة مما يعد خسارة فادحة لحركة نهضة الكنيسة القبطية.
التيار النهوضي:
لقد انفتحت مصر على العالم الخارجي منذ تولي محمد على حكم مصر، وزاد هذا الانفتاح تدريجيا مع تولي أسرته الحكم، ولأن الكنيسة القبطية جزء أصيل من مصر لذا تأثرت بموجات من رياح الفكر المسيحي القادمة من الغرب الآتية مع الإرساليات البروتستنتية وكذلك الرهبانيات الكاثوليكية وما أنشأته من مدارس مازالت تعمل حتى الآن. لقد شعرت الكنيسة القبطية بالخوف من تآكل رعيتها وانضمامهم إلى كنائس الإرساليات البروتستنتية والكاثوليكية، وهذا ما حدث بالفعل إلى حد ما وبصورة محدودة. لكن هذا استفز الأقباط فنهضت الكنيسة من خلال مدارس الأحد التي تأسست عام 1900، ومن خلال أنشاء الكلية اللاهوتية بعد أن كان التعليم الديني قاصرا على الكتاتيب الملحقة بالكنائس، كما أنشئت الجمعيات الأهلية للعمل الاجتماعي والديني، وأقيم المجلس الملي بغية الاهتمام بالشئون المالية والإدارية في الكنيسة ليتفرغ رجال الدين للعمل الدعوي والوعظ والتعليم. لقد تفاوت موقف الباباوات من هذا التيار النهوضي ما بين الترحيب والامتعاض، والتشجيع والإحباط، وكان المجلس الملي الصخرة التي تحطم عليها سلام الكنيسة منذ الجزء الأخير من القرن التاسع عشر حتى الغي باتفاق بين الرئيس عبد الناصر والبابا كيرلس في الستينات من القرن الماضي. وحتى السبعينات من القرن الماضي لم يكن هناك صراع فكري يذكر في الكنيسة حيث تقبل الباباوات والمطارنة وأساتذة اللاهوت الأفكار غير المعتادة على أنها تدخل في نطاق أبداء الرأي. كنت تجد قدر كبير من التسامح الفكري فكان بعض الوعاظ البروتستانت يعظون في الكنائس الأرثوذكسية ويكتبون في مجلاتها. لكن منذ منتصف السبعينات جرت عملية تخلص من أقطاب الفكر بصورة منهجية، فهذا الدكتور الأب غريغوريوس أسقف البحث العلمي والذي كان عمود الفكر اللاهوتي في عهد البابا كيرلس السادس ( 1959- 1971) يقصى من منصبه كعميد لكلية اللاهوت ويمنع من التدريس فيها، بل وصدرت تعليمات شفوية للكنائس بعدم دعوته للصلاة والوعظ، كل هذا دون تحقيق أو توجيه تهم محددة، وكانت له هيبته العلمية واللاهوتية. هذا ويعد سيادته أستاذ الجيل ورائد الفلسفة المسيحية.
محنة متى المسكين:
أما الأب متى المسكين، الذي يعد عميد الرهبنة القبطية في العصر الحديث، فقد قامت القيادة الكنسية بإثارة الشبهات حول كتباته وفكره، فمنعت كتبه من التداول في الكنائس، بل قام البعض بحرقها في ساحات الكنائس. وكان الأب متى المسكين قد أسس منذ أواخر الخمسينيات تيارا تجديديا في الفكر القبطي يستند على فكر الآباء الكنيسة في القرون الأولى، وذلك باطلاعه على فكر الكنائس الأرثوذكسية في روسيا واليونان ولبنان، وكذلك باطلاعه على كتابات الآباء من خلال إتقانه للغتين اليونانية القديمة والانجليزية ولم يعترض البابا كيرلس السادس على فكره. هذا وقد تأثر بفكره واتجاهاته تلاميذه من رهبان دير القديس مقار وكذلك د. جورج حبيب بباوي وماكس ميشيل (الأنبا مكسيموس) خريج الكلية الاكليريكية و د. نصحي عبد الشهيد وتلاميذه وغيرهم. ويقال ان د. جورج بباوي قد وجه اتهامات للبابا في فكره اللاهوتي مؤخرا، مما حد بالقيادة الكنيسة أن ترشقه بحرم كنسي بغية القضاء عليه وشل قدرته من خلال استخراج كتابات ومحاضرات له ترجع إلى نحو ربع قرن، اذ ترك د. جورج مصر عام 84.
ولا شك في أن القرار الأخير يشوبه عوار حيث لم يتم استدعاء المتهم أو توجيه اتهام إليه. كما تم حرمه بناءا على أقوال قديمة كان يتعين على القيادة الكنسية أن تتحقق من إصراره عليها مع دعوته إلى العدول عنها وإنذاره بالعقوب. لكن القيادة الكنسية لم تفعل شيئا من هذا. بيد أن النية كانت مبيته للتخلص منه وجرحه. أن القرار الكنسي معناه حرمانه من ملكوت السماوات والحياة الأبدية حسبما تعتقد الكنيسة
أين الحل؟
ان فصول القصة لم تنتهى فالمشكو في حقه قرر اللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان الدولية والى محافل قانونية, ولا شك في أن صدور تقارير سلبية من هذه المؤسسات من شأنه أن يسيء إلى مكانة الكنيسة القبطية محليا وعالميا, اذ يضعها في قائمة الهيئات المنتهكة لحقوق الإنسان.
ولا شك في ان استخدام سلاح الحرم والتهديد به في العقود الأخيرة لا نرى له مثيلا في تاريخ الكنيسة القبطية أو في الكنائس الأخرى العربية مثل الكنيسة المارونية والروم الأرثوذكس وغيرها, أو في اى كنيسة في العالم في العصر الحالى أو الماضي. بيد أن هناك خلل ما في تقييم الأخطاء اللاهوتية في الكنيسة القبطية المعاصرة . لقد أشاع ذلك شعورا بالخوف لدى المفكرين في الكنيسة، مما أدى إلى جمود فكري لم تشهده الكنيسة المصرية منذ نحو قرن ونصف، كما أدى إلى توقف المسيرة النهوضية التى بدأت منذ عهد البابا كيرلس الرابع أبي الاصلاح (1854-1861).
باحث وكاتب في شئون المسيحية
د. ممدوح حليم