المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دولة الموحدين



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 [10]

الهزبر
2008-08-02, 08:02 PM
السلام عليكم

فالمرسلات تسوق العاديات إلى =غزو العداة وتجويز صباحَ مَسا
كأنما البحر أضحى للجياد مَدىً= وكل عُشبْة ماء حُوّلت فَرَسا
كأنما اقترب البرَّان واتصلا=فصار ذاك طريقاً للورى يَبِسا

فلما وصلت عساكر المسلمين بلاد الأندلس انتشرت بين مدينة طريف إلى الجزيرة الخضرة، جاز أمير المسلمين أبو يوسف في آخرهم في خاصته ووزرائه وخُدَّام دولته، ومعه جماعة من صلحاء المغرب، وكان جوازه يوم الخميس 21 صفر 674هـ وفي الأندلس تلقاه ابن الأحمر والرؤساء من بني اشقيلولة بعساكرهما، واهتزت الأندلس فرحاً وسروراً واستبشاراً بقدومه.
وكان بين محمد الفقيه ابن الأحمر وبين اشقيلولة منافسة ومخاصمة
وشحناء، فعمل أبو يوسف على إزالتها وأصلح بينهما، وتصافت القلوب وتعاهدوا على التقوى والجهاد ورجع محمد الفقيه إلى غرناطة لترتيب أمورها وسار بنو أشقيلولة إلى مالقة، ومضى المجاهد أبو يوسف بجيشه الجرار قاصداً جهاد النصارى، ولم يعقد، ولم يبال أو يكترث بمن سار عنه أو قعد أو أبطأ أو تخلّف، ولم تستطب جفونه مناماً، ولم يلتذ شراباً ولا طعاماً، ولم يزل يجد الرحيل، ويوالي المسير، حتى وصل إلى الوادي الكبير، فعقد هنالك لولده الأمير أبي يعقوب يوسف على مقدِّمته وقدَّمه بين يديه مع الأدلاء في جيش من خمسة آلاف فارس من شجعان بني مرين والعرب، فتقدم والدَهُ بمرحلة، وسار أبو يوسف في أثر ابنه في جميع جيوشه، فانتشرت عساكر المجاهدين في أرض الإسبان، ووصل إلى حصن المقورة مابين قرطبة واشبيلية ودخل حصن (بلمه) عنوة بالسيف، ثم سار إلى أحواز قرطبة ثم إلى إستجه.
ووصلت الأخبار إلى أبي يوسف بتحرك حشود النصارى بقيادة "دونونة" في جيش كبير في ثلاثين ألف فارس، وستين ألف راجل قاصدين هزيمة جيش المسلمين وأخذ ما في أيديهم من الغنائم.

الهزبر
2008-08-02, 08:10 PM
السلام عليكم

أ- مجلس الشورى الحربي :

عقد أمير المسلمين أبو يعقوب مجلس شورى من قادة الأندلس وأشياخ قبائل مرين، وأمراء العرب، ومن في عسكره من الفقهاء والعلماء، ليشاورهم كيف يكون العمل في لقاء العدو المقبل إليهم وسمع أبو يوسف آراء الجميع، وأخذ أجودها، وأمرهم بالاستعداد للقاء العدو، والصبر والثبات عند اللقاء والتطلع إلى معية الله وماعنده من الأجر والمثوبة للمجاهدين في سبيله وبينما هم كذلك إذ نظر الناس إلى طلائع النصارى قد أقبلت نحوهم على بُعْدِ والرجال أمام الخيل ودونونه في وسط الجيش وكان ملك قشتالة حزمه بيده، وزوجه ابنته، وفوّضه على جيوشه وحروبه، وفوّض إليه الأمر في جميع بلاده وجنوده، وكان النصارى قد سعدوا به لأنه كان لم ينهزم قط، وكان وبالاً ودماراً ومصيبة على بلاد الإسلام، شديد الانتقام، ولايمل من القتل وسفك الدماء وسبي نساء المسلمين في كل الأوقات، فأقبل في كبرياءه وغروره تحت ضلال البنود وأصوات الأبواق تخفق على رأسه في جيش قد ملأ الأرض يموج كأنه الجراد، والرجال والرماة أمام الجيش كلهم قد شرعوا الحراب معتمدين على الكثرة ووفرة العدد.

ب- ترتيب أبي يوسف لجيشه :

أمر أمير المسلمين أبو يوسف بالغنائم فبعث بها مع ألف فارس وألف راجل من المجاهدين المطوعين إلى الجنوب بعيداً عن أرض المعركة، وتأخر هو ومن بقي معه من المسلمين مستعدين لقتال النصارى، ثم ترجَّل عن جواده فأسبغ وضوءه، وصلى ركعتين ثم رفع يديه وأقبل على الدعاء والمسلمون يؤمنَّون على دعائه فكان في آخر دعائه ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر للصحابة "اللهم انصر هذه العصابة وأيدها وأعنها على جهاد عدوك وعدوِّها" فأجاب الله تعالى دعائَه ورحم تضرعه وابتهاله، فلما فرغ من دعائه قام فاستوى على جواده، واستعد للقتال وجلاده، وعقد لولده الأمير الأجل يوسف على مقدمته، ونادى على المسلمين فقال: يا معشر المسلمين، وعصابة المجاهدين، أنتم أنصار الدين، الذابُّون على حماه والمقاتلون عِداه، وهذا يوم عظيم، ومشهد جسيم، له ما بعده، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها، وجدّوا في طِلابها، وأبذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإن الجنة تحت ظلال السيوف، "وإن الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة، وشمروا عن ساعد الجد في جهاد أعداء الله الكفرة، وقتال المشركين الفجرة، فمن مات منكم مات شهيداً ومن عاش منكم رجع إلى أهله سالماً غانماً مأجوراً حميداً، " اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" "فلما سمعوا منه هذه المقالة، تاقت أنفسهم للشهادة، وعانق بعضهم بعضاً للوداع، والدموع تنسكب والقلوب لها وجيب وانصداع، وكلهم طابت نفسه بالموت، وباعها من ربه بالجنة قبل الفوت، وارتفعت اصواتهم بالشهادة والتكبير، وكلهم يقول عباد الله إياكم والتقصير، فتسابقت أبطال المسلمين نحو جيش الروم معتمدة على الحي القيوم"

فالتقى الجمعان والتحم القتال، واشتد النزال، وعظمت الأهوال، وقسّم "دونونة" جيوشه إلى خمسة أجزاء، ليظهروا جموعاً متكاثرة، فكانت تقبل بجموعها، فيدفعهم المسلمون، وتتلقاهم سيوف المجاهدين، وحرابهم، وقلوب المجاهدين أثبت من الجبال الرواسي في ساحات الوغى وسيوفهم تحصد رقاب الإسبان، وقتل زعيم الإسبان "دونونة" كما قتل ولده وهزم جيشه وتكسَّرت أعلامه.

لقد استطاعت الجيوش الإسلامية المتحدة بين المغاربة والأندلسيين بقيادة أبي يوسف يعقوب أن تحقق نصراً حاسماً في هذه المعركة التي أعادت ذكريات الزّلاّقة في زمن المرابطين، وذكريات معركة الأرَك في زمن أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي وبعد انتهاء المعركة رجع السلطان المريني منصوراً مظفراً إلى الجزيرة الخضراء للاستراحة ليعود إلى أراضي قشتالة وحاصر إشبيلية العاصمة التي طلبت الأمان والصلح فأجابهم وعاد إلى الجزيرة الخضراء عبر البحر إلى المغرب في أواخر رجب سنة 674هـ، بعد أن قضى حوالي خمسة شهور في الأندلس، وبعد أن ترك في الجزيرة الخضراء ثلاثة آلاف فارس لمعاونة إخوانهم الأندلسيين في رد اعتداء جند قشتالة ومن معهم.

لقد كانت المعركة التي انتصر فيها السلطان المريني على الإسبان قرب إستاجة وظهرت ملكات أبي يوسف يعقوب المريني القيادية في النقاط التالية:

1- الإهتمام بعنصر الإستطلاع حتى لا يفاجأه العدو ولذلك عقد لواءً لإبنه أبي يعقوب ليقدم جيش المسلمين لمراحل ثم يكون هو على أثره.

2- ابعاده للغنائم عن ساحة المعركة حتى لاينشغل بها المجاهدون وحتى يتفرغوا لمجاهدة عدوهم وبذلك تحاشى الخطأ الذي وقع فيه المسلمون في معركة بلاط الشهداء وهذا يدل على نظر عميق في التاريخ واستخرج الدروس والعبر من صفحاته الماضية.

3- صدق السلطان المريني في خطبته لجنوده والتي ألهب فيها المشاعر وحرك بواعث الفداء، ورغبهم في الشهادة، فرفعت تلك الخطبة الصادقة معنويات جند المسلمين، فجاهدوا صابرين محتسبين، طالبين للشهادة على الرغم من أن عدوهم أقبل عليهم بقوة فتية وقيادة مجربة لم تعرف الهزيمة ومهرت في الحروب وخططها.

4- باشر الأمير المريني في هذه المعركة القتال بنفسه، وقتل عدداً من الإسبان بيده، وهذا يذكرنا بيوسف بن تاشفين ويعقوب المنصور الموحدي، اللذين صنعا نصر الزلاقة ونصر الأرك العظيمين.

5- أرسل أبو يوسف أعلام النصارى المنكَّسة إلى أعلى منار "القرويين" ومنار جامع الكتبيين بمراكش ليعاينها المسلمون ولترتفع معنوياتهم وتتحطم هيبة النصارى من نفوسهم.

لقد اهتز العالم الإسلامي فرحاً وسروراً بهذه الأخبار السارة، فتحركت قرائح الشعراء لتمجيد ذلك العمل العظيم، حيث أرسل ابن اشقيلولة كتاباً للتهنئة إلى السلطان المريني وفيه قصيدة من أبياتها:

الهزبر
2008-08-03, 01:05 AM
السلام عليكم



هَبَّت بنصركُمُ الرياحُ الأربَعُ=وسَرَت بسعدكُمُ النجوم الطُّلَّعُ
وأتت لنصركم الملائكُ سُبَّقاً=حتى أضاق بها الفضاء الأوسعُ
واستبشر الفَلَكُ الأثيرُ تيقُّناُ=أن الأمور إلى مرادك تَرْجع
وأمدّك الرحمن بالفتح الذي=ملأ البسيطة نوره المتشعشع
لِمَ لا؟ وأنْتَ بذلت في مرضاته=نفساً تُفدّيها الخلائق أجمعُ
وأتيت تنصر دينه متوكلاً=بعزيمة كالسَّيف بل هي أقطع
أين المفر ولا فرار لهارب=والأرض تُنْشَرُ في يديك وتُجْمَعُ
فلقد كسوتَ الدين عزاً شامخاً=ولبست منه أنت مالا يُخْلعُ
إن قيل مَنْ خيرُ الملوك بأسرها=فإليك يا يعقوب تومي الأصبَعُ

الهزبر
2008-08-03, 01:12 AM
السلام عليكم

ت- الغزوة الثانية:

عبر أبو يوسف يعقوب إلى الأندلس للمرة الثانية سنة 677هـ/1278م، وتوغل بجيشه في أراضي قشتالة إلا أن النصارى استطاعوا أن يصانعوا ابن الأحمر زعيم غرناطة وأن يكسبوه لجانبهم ودخل معهم في أحلاف ضرت بالمسلمين واضطر سلطان المرينيين أن يرجع إلى المغرب بجيشه واستمر ابن الأحمر في تصرفاته الشاذة وعقد تحالفاً مع ملك قشتالة، فسارا إلى أقصى الجنوب لاحتلال "طريف" مدخل الأندلس كلها، واشترط ابن الأحمر على ملك قشتالة أن يسلمه ثغر طريف.
واستطاعت طريف أن تصمد أربعة أشهر إلا أنها اضطرت للخضوع والإستسلام، فطالب بها ابن الأحمر ملك قشتالة، فامتنع عن تسليمها، مع أن ابن الأحمر تنازل له مقابلها عدد من الحصون الهامة، فأدرك ملك غرناطة محمد الفقيه ابن الأحمر عندئذ خطأه الفاحش والمزلق الخطير في الركون إلى وعود ملك قشتالة، وفي مغاضبة المرينيين حلفائه الطبيعيين، واخوانه في الدين والمنهج والتصور والاعتقاد، فعاد يخطب ودّهم من جديد فأرسل الوفود من أجل الصلح مع المرينيين واعتذر عن مسلكه في شأن طريف، وأجابهم السلطان أبو يوسف المريني إلى طلبهم وبقي ملك غرناطة على عهده مع المرينيين حتى توفي - محمد الفقيه - في شعبان سنة 701هـ/ أيار مايو 1302 بعد حكم دام أكثر من ثلاثين سنة.

ومما يذكر أن أبا يوسف المنصور أرسل ابنه الأمير أبا يعقوب في أسطول مريني ضخم في أوائل سنة 678هـ 1279م، وانتصر على الأسطول القشتالي وحرر الجزيرة الخضراء. ولما تم الصلح مع ابن الأحمر أصبحت مالقة قاعدة لبني مرين ومحطة لعبور جندهم إلى الأندلس للجهاد.
عبر أبو يوسف المنصور - عبوره الرابع - في صفرسنة 684هـ إلى الأندلس، وجاهد في البر والبحر، وأرغم شانجة الرابع ملك قشتالة على طلب السلم، فأرسل شانجة وفداً من الأحبار يفوض السلطان المريني على مايراه ووضعت شروط أهمها مسالمة المسلمين كافة وعدم الاعتداء على الأندلس.

توفي أبو يوسف يعقوب المنصور المريني سنة 685هـ/ 1285م، بعد حياة حافلة بالجهاد في المغرب والأندلس . هذه نبذة مختصرة عن حياته تغمده الله عز وجل برحمته :

كان رحمه الله صواما قواما ، دائم الذكر ، كثير الفكر ، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرا ، وفي أكثر ليله قائما يصلي ، وسبحته في يده لا يزايلها اكثر أوقاته مكرماً للصالحين ، كثير الرأفة والحنين على الضعفاء والمساكين ، متواضعا في ذات الله تعالى لأهل الدين ، متوقفا في سفك الدماء ، كريما جوادا ، وكان مظفَّرا منصورا الراية ، ميمون النقيبة ، لم تهزم له راية قط ، ولم يكسر له جيش ، ولم يغز قط عدوا إلا قهره ، ولا لقي جيشا إلا هزمه ودمَّره ، ولا قصد بلداً إلا فتحه.

ولا ننسى أنه كان خطيبا يؤثر في نفوس جنده ، شجاعا مقداماً يبدأ الحرب بنفسه عليه رحمة الله .
لقد كان من صنف يوسف بن تاثفين ، وأبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي.

قال عنه ابن كثير في وفيات عام 685 هـ : (أبو يوسف المريني سلطان بلاد المغرب ، خرج على الواثق بالله أبي دبوس فسلبه الملك بنظام مراكش ، واستحوذ على بلاد الاندلس والجزيرة الخضراء ، في سنة ثمان وستين وستمائة واستمرت ايامه إلى محرم هذه السنة ، وزالت على يديه دولة الموحدين بها)

نتيجة للمصالح المشتركة بين بني مرين وبني الأحمر ملوك غرناطة استطاعوا ان يصلوا إلى نتائج حسنة ومهمة للتعاون المشترك والتنسيق العريض لرد الخطر النصراني القادم ، من مملكة قشتالة ولذلك رأت القيادتان المرينية والغرناطية ضرورة وضع قوات من المجاهدين في الأندلس للإقامة فيها ، ليكونوا على أهبة الاستعداد من اجل الجهاد والدفاع عن مسلمي الاندلس، فظهر ما يعرف في تاريخ الأندلس بمشيخة الغزاة وهذا تعريف أطلق على الجنود المرابطين للذود عن العقيدة والدين وأطلق على اسم زعيمها شيخ الغزاة.

وتزعم بنو العلاء (من أقارب السلطان المريني) قيادة المشيخة ، وهو منصب عسكري تولى رياسة المشيخة عبدالله بن ابي العلاء حتى استشهد سنة 693هـ، فكانت لأخيه أبي سعيد عثمان بن العلاء.

عن هذه المشيخة يذكر المقَّري في نفح الطيب أنه "لم يزل ملوك بن مرين يُعينون أهل الأندلس بالمال والرجال ، وتركوا منهم حصة معتبرة من أقارب السلطان بالأندلس غُزاة ، فكانت لهم وقائع في العدو مذكورة ، ومواقف مشهورة ، وكان عند ابن الأحمر منهم جماعة بغرناطة ، عليهم رئيس من بيت ملك بني مرين يسمّونه شيخ الغُزاة".

توفي محمد (الثاني) الفقيه سنة 701 هـ (1301م) فخلفه ولده أبو عبدالله محمد الملقب بالمخلوع الذي خلع سنة 708 هـ ليتولى الحكم أخوه نصر وبويع وكان مجبولا على طلب الهدنة محبا للعلم وأهله يخط التقاويم الصحيحة ، ويصنع بيده الآلات الطريفة ، نازل طاغية قشتالة على الجزيرة الخضراء ، وطاغية أراغون في ثغر المريّة ، فهزم النصارى في المريّة ، وانتصروا عليه في الجزيرة الخضراء حيث سقط جبل طارق في أيديهم بعد حصارٍ طويل مضنٍ دام حتى آخر سنة 709 هـ .

وفي عهد أخيه، ثم عهده حصل جفاءٌ وعداءٌ بينه وبين بني مرين حكّام المغرب بواسطة جواسيس النصارى المندسين بين المسلمين ، واستغل النصارى ذلك التنافر ، فشددوا على مملكة غرناطة الخناق ، فاضطر السلطان نصر بن محمد إلى دفع الجزيرة لهم فثار الشعب في وجهه ، وكان أن خلع سنة 713هـ ورشح الخارجون عليه للملك بدلا عنه: أبا الوليد إسماعيل بن فرج ، وحفيد إسماعيل بن يوسف أخي محمد يوسف راس الأسرة النصرية ، ومؤسس دولتها.

الهزبر
2008-08-03, 01:17 AM
السلام عليكم


كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله

امتاز عصر السلطان أبي الوليد إسماعيل بتوطيد الملك ، واستقرار الأمور وإحياء عهد الجهاد ، وحاول الاستنجاد ببني مرين المغاربة على أعدائه النصارى ، لكنهم نكلوا عن معاونتهم ، بسبب سوء تصرفات سابقيه ضدهم في أوائل عهده غزا القشتاليون غرناطة وكان من ضمن القشتاليين جيش السلطان المخلوع، فهزموا المسلمين هزيمة شديدة في وادي فرتونة سنة 716هـ واستولى النصارى على بعض القواعد والحصون.

وفي سنة تسع عشرة وسبعمائة ألّب ملوك النصارى على غرناطة ، وجاءها (دون بطرة) في جيش لا يحصى كثرةً ، وكان وصيا على الملك الصبي ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة ، ومعه خمسة وعشرون ملكاً أو أميراً بغرض استئصال ما بقي من المسلمين بالأندلس ، وكانت حملة قد باركها مرجعهم الكنسي "البابا" في طليطلة وكان من ضمن هذا الجيش فرقة من المتطوعة الإنجليز بقيادة أمير إنجليزي.

كان عدد الجيش الإسلامي حوالي ستة آلاف ، منهم ألف وخمس مئة فارس والباقي رجَّالة . لكنهم صفوة مختارة بقيادة شيخ الغزاة أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء، وبعد أن يئس المسلمون من نصرة إخوانهم المغاربة ، لجاوا إلى الله تعالى وأخلصوا نياتهم ، فقضى الله تعالى بهزيمة أمم النصرانية التي احتقرت جيش غرناطة حينما رأت التفاوت الكبير بين الجيشين ، وكان نصرا عزيزا ، ويوما مشهوداً . زاد عدد القتلى في هذه المعركة على خمسين ألفاً، وبلغ جملة السبي فقط سبعة آلاف نفس ، وهلك الأمراء النصارى جميعهم ، واستمر البيع في الأسرى ، والأسلاب والدواب ستة أشهر ، وإنه لنصر ما كان يؤمل لولا لطف الله بعباده لما رأى صدق توجههم إليه لقد كان السلطان أبو الوليد إسماعيل هذا من خيرة سلاطين بني الأحمر واصلحهم فمما وصف به:

(كان حسن الخُلُق ، سليم الصدر ، كثير الحياء ، صحيح العقل ، ثبتا في المواقف ، عفيف الأزرار ، ناشئا في حجرة الطهارة بعيدا عن الصبوة ، بريا من المعاقرة).

وفي سنة 724 هـ زحف السلطان إسماعيل على مدينة بياسة الحصينة ، وحاصرها بشدة ، وأطلق المسلمون عليها الحديد والنار من آلات قاذفة تشبه المدافع حتى استسلمت المدينة ، ونزل أهلها على حكمه.

وفي رجب من عام خمسة وعشرين وسبعمائة دخل مرتش الحصينة التي تقع في جنوب غربي جيان عنوة وكانت من أعظم غزواته وامتلأت أيدي المسلمين بالسبي والغنائم ، وعاد إلى غرناطة مكلال بالنصر.

لكنه ما لبث سوى ثلاثة أيام حتى قُتل بباب قصره غيلة من قِبل ابن عم له تربص به ، وطعنه بخنجر له ، وهو بين وزرائه وحشمه ، فحمل جريحا وتُوفي على إثر ذلك في اليوم التالي رحمه الله وتقبل شهادته.

وفي عام 733 هـ استطاع الغرناطيون في زمن السلطان محمد الرابع تخليص جبل الفتح - أي جبل طارق - من أيدي النصارى بعد أن ظل تحت سلطانهم من عام 709 هـ وكان للسلطان أبي الحسن علي بن عثمان المريني سلطان المغرب دور يشكر عليه في تخليص جبل طارق الذي كان ذا أهمية بالغة بالنسبة للأندلسيين إذ هو همزة الوصل بينهم وبين إخوانهم في العدوة المغربية.

الهزبر
2008-08-05, 01:20 AM
السلام عليكم

د - موقعة طريف:

وقد تجلى تحالف ملك المغرب مع ملك غرناطة مرة أخرى في المعركة التي أصيب فيها الملكان بهزيمة فادحة في معركة طريف سنة 741هـ من قبل النصارى .

منذ ان استعاد الأندلسيون سنة 733هـ بمساعدة بني مرين - حكام المغرب - جبل طارق بعد أن ظل بأيدي النصارى أربعة وعشرين عاما - إذ سقط في أيدي النصارى سنة 709هـ توطدت العلاقة أكثر فأكثر بين بني الأحمر من جهة وبني مرين من جهة أخرى .

وكان الأندلسيون كلما احسو بخطر النصارى يحدق بهم سارعوا إلى الاستنجاد بإخوتهم في الدين في العدوة المغربية من بني مرين ، وكانوا يقومون بالدور الذي كان يقوم به المرابطون والموحدون من الجهاد في أرض الأندلس "وفي عهد أبي الحجاج يوسف (ولايته 733-755هـ) " .

كثرت غزوات النصارى لأراضي المسلمين وكان ألفونسو الحادي عشر تحدوه نحو المملكة الإسلامية أطماع عظيمة فكان أن استنجد أبو الحجاج بأبي الحسن سلطان المرينين ، الذي أرسل ابنه أبا مالك إلى الأندلس ، فاخترق سهول الجزيرة الخضراء معلنا الجهاد ، فاجتاح أراضي النصارى وحصل على غنائم لا تحصى غير أن النصارى من قشتالة وأرجوان والبرتغال كونوا
اسطولا بحريا متحدا ليستقر بالمضيق فيمنع الإمداد عن جيوش المغرب وسارت قوى النصارى المتحدة للقاء المسلمين وبارك البابا هذه الحملة، فباغتوا أبا مالك عند عودته بالوادي الذي كان يقع بين حدود النصارى وأرض المسلمين فكانت موقعة عظيمة قتل فيها أبو مالك ، وهزم جيشه هزيمة منكرة، وبلغ أبا الحسن المريني الخبر ، فاحتسب عند الله ابنه وشرع في الجهاد من جديد على إثر هذه المعركة.

تجهز السلطان أبو الحسن واستنفر معه أهل المغرب فتوافت أساطيل المغاربة بمرسى سبتة تناهز المائة فأخرج الطاغية أسطوله إلى الزقاق (مضيق جبل طارق) ليمنع السلطان من الجواز إلى الأندلس فوقعت معركة بحرية عظيمة أظفر الله المسلمين فيها بعدوّهم وخالطوهم في أساطيلهم واستلحموهم هبراً بالسيوف ، وطعنا بالرماح ، وألقوا أشلاءهم في اليم ، وقتلوا قائدهم ، واستاقوا أساطيلهم إلى مرسى سبتة. ثم بعد أن جلس السلطان للتهنئة وأنشدت الشعراء بين يديه ، استأنف إجازة العساكر فانتظمت الأساطيل سلسلة واحدة من العدوة إلى العدوة. ونزل السلطان بعساكره بساحة طريف وأناخ بها ووافاه سلطان الأندلس أبو الحجاج بعساكر الأندلس، وأحاطوا بطريف وأنزلوا بها أنواع القتل ونصبوا عليها الآلات.

غير أن الطاغية جهّز أسطولاً آخر اعترض به المضيق لقطع المرافق والمؤن عن المعسكر، وطال ثواء المسلمين بمكانهم من حصار البلد، ففنيت أزودتهم وافتقدوا العلوفات فوهن الظفر، واختلت أحوال المعسكر، وحشد الطاغية أمم النصرانية، وظاهره البرتغاليون وبالرغم مما قيل من أن جيش المسلمين كان زهاء ستين ألفاً، فإن طول محاصرتهم للبلد وانقطاع المؤن عنهم من أول المحرم سنة 741هـ وإلى أوائل شهر جمادي الأولى من نفس العام، ثم المكيدة التي دبرها لهم أعداؤهم وعدم تلافيها كان وراء انكسار شوكتهم وهذه المكيدة كما يصفها ابن خلدون تتلخص فيما يأتي:

(ولما قرب معسكرهم سرّب الطاغية إلى طريف جيشاً من النصارى أكمنه بها فدخلوه ليلاً على حين غفلة من العسس المسلمين، الذين أرصدوا لهم غير أنهم أحسوا بهم آخر ليلتهم، فثاروا بهم من مراصدهم، وأدركوا أعاقبهم قبل دخول البلد، فقتلوا منهم عدداً ولبّسوا على السلطان بأنه لم يدخل البلد سواهم حذراً من سطوته وزحف الطاغية من الغد في جموعه، وعبأ السلطان مواكب المسلمين صفوفاً وتزاحفوا. كما تولى السلطان يوسف قيادة فرسان الأندلس ولمّا نشبت الحرب برز الجيش الكمين من البلد وخالفوهم إلى المعسكر، وعمدوا إلى فسطاط السلطان ودافعهم عنه الناشبة الذين أعدوا لحراسته فاستلحموهم ثم دافعهم النساء عن أنفسهن فقتلوهنّ وخلصوا إلى حظايا السلطان فقتلوهن، واستلبوهن وانتهبوا سائر الفسطاط وأضرموا المعسكر ناراً وأحسّ المسلمون بما وراءهم في معسكرهم فاختل مصافهم وارتدوا على أعقابهم بعد أن كان ابن السلطان صمم في طائفة من قومه وذويه حتى خالطهم في صفوفهم فأحاطوا به، وتقبضوا عليه وولّى السلطان متحيزاً إلى فئة من المسلمين واستشهد كثير من المسلمين من سادتهم وقادتهم.

وكانت محنة عظيمة لم يشهد المسلمون مثلها منذ موقعة العقاب يقول المقري في وصف هذه الفاجعة:

"فقضى الله الذي لامرد لما قدّره أن صارت تلك الجموع مكّسرة ورجع السلطان أبو الحسن مغلولاً وأضحى حسام الهزيمة عليه وعلى من معه مسلولاً.. وقتل جمع من أهل الإسلام ولمّة وافرة من الأعلام.. واشرأبّ العدو والكافر لأخذ مابقي من الجزيرة ذات الظل الوريف، وثبت قدمه إذ ذاك في بلد طريف، وبالجملة فهذه الموقعة من الدواهي المعضلة الداء، والأرزاء، التي تضعضع لها ركن الدين بالمغرب، وقرّت بذلك عيون الأعداء".

الهزبر
2008-08-05, 01:23 AM
السلام عليكم

ويرأى الاستاذ نجيب زبيب اللبناني أن هزيمة المرينيين كانت بسبب الخيانة والعمل الاستخباراتي الذي قامت به ممالك النصارى ويرأى أن حكام غرناطة كانوا يتجسسون لصالح النصارى:

(فالقشتاليون على سبيل المثال اتخذوا من حكام غرناطة جواسيس لهم في جميع أنحاء المغرب. وفي المناطق المنفصلة عنه مثل المغرب الأوسط وإفريقية وكان بنو زيان في تلمسان والحفصيون في المغرب الأوسط على اتصال مستمر مع حكام غرناطة، ينقلون إليهم كل المعلومات المستجدة عن الدولة المرينية، حتى أنهم صاروا يقومون بدور مخلب القط للقشتاليين فكل المعلومات التي كانت ترد إليهم من الحفصيين والزيانيين كانوا يقدمونها إلى القشتاليين.

وكثيراً ماحث القشتاليون حكام غرناطة على طلب النجدة من المرانيين للايقاع بالجيوش المرينية وأساطيلها في المكائد والشراك المنصوبة..).

ولاشك أن العمل الاستخباراتي من الأعمال التي تدمر الأمم إذا لم يكن لها عمل مضاد ضد مخططات الأعداء بل إن نجاح الدول في تحقيق أهدافها منوط بتحقيق هذا المفصل المهم في بناءها.

الهزبر
2008-08-05, 01:26 AM
السلام عليكم

هـ- العلماء الذين سقطوا شهداء في معركة طريف:

1- أبو محمد عبدالله بن سعيد السلماني، والد الوزير الغرناطي والأديب الكاتب لسان الدين بن الخطيب.

2- القاضي أبو عبدالله محمد بن بكر الأشعري المالقي، أحد أشياخ ابن الخطيب وصاحب كتاب التَّمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، (كان حسن التخلق عطوفاً على الطلبة محباً للعلم والعلماء مجلاً لأهله مُطَّرح التصنع عديم المبالاة بالملبس بادي الظاهر عزيز النفس نافذ الحكم صَوَّالة معروفاً بنصرة من أزَر اليه. تقدم للمشيخة ببلده مالقة ناظراً في أمور العَقد والحل ومصالح الكافة ثم وُليَّ القضاء بها فأعَزَّ الخُطة وترك الهَوادة ملازماً للقراءة والإقراء محافظاً للأوقات حريصاً على الإفادة. ثم وُلَّيَ القضاء والخطابة بغرناطة".

"وتصدَّر لبثِّ العلم بالحضارة يقري فنوناً منه جَمَّة فنفع وخَرَّج ودرَّس العربية والفقه والأصول وأقرأ القرآن وعلم الفرائض والحساب وعقد مجالس الحديث شرحاً وسماعاً على سبيل من انشراح الصدر وحسن التجمُّل وخفض الجناح..".

"واستمر على عمله من الاجتهاد، والرغبة في الجهاد، إلى أن فقد - رحمه الله - في مصاف المسلمين، يوم المناجزة الكبرى بطاهر طريف، شهيداً محرّضاً يشحذ البصائر و (يدمي) الأبطال، ويشير على الأمير من أن يكثر من قول :"حسبنا الله ونعم الوكيل".

3- أبو القاسم محمد بن جُزَيّ وهو أحد أشياخ ابن الخطيب وصاحب المؤلفات. كان "فقيهاً حافظاً قائماً على التدريس، مشاركاً في فنون من عربية وفقه وأصول وقراءآت وأدب وحديث، حافظاً للتفسير، مستوعباً للأقوال، جمّاعة للكتب، ملوكي الخزانة، حسن المجلس، ممتع المحاضرة، قريب الغور، صحيح الباطن، تقدم خطيباً بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنه، فاتفق على فضله، وجرى على سنن أصالته".

"فقد وهو يحرض الناس ويشحذ بصائرهم ويثبتهم، يوم الكائنة بطريف..".

وغير ذلك من الفقهاء والعلماء والصلحاء الذي كان همهم نصرة دين الله والموت في سبيل الله تعالى.

الهزبر
2008-08-07, 12:08 AM
السلام عليكم

وبعد معركة طريف أصبحت مملكة غرناطة في مدّ وجز، واعتورتها حالات الحرب والهدنة، والمسالمة والتحالف جنباً مع قشتالة ضد بني مرين، ومع بني مرين ضد قشتالة، أو أراجون حيناً آخر ثم مالبثت هذه المملكة أن أصابها الهرم، ولحقتها الشيخوخة وأضعفها الانقسام والتناحر الداخلي مع الانغماس في اللذات وفي نفس الوقت ضعفت دولة بني مرين المغربية التي كانت عوناً في كثير من الأحيان لمسلمي الأندلس ضد أعدائهم النصارى وكان زمن سقوط دولة بني مرين 869هـ واندلعت الحرب الأهلية في داخل غرناطة بسبب النساء حيث أن ملك غرناطة أصبح أسيراً لحب امرأة رومية نصرانية تدعى "ثريا" وأصبح أداة سهلة في يد زوجته الفتيه الحسناء وكانت كثيرة الدهاء والأطماع، فقد تطلعت إلى أن يكون ولدها الأكبر السيد يحيى وليَّاً للعهد، وكان المؤهل لولاية العهد ابن عائشة الحرة أبو عبدالله محمد، وتمكنت ثريا من اقناع زوجها أبي الحسن لإقصاء عائشة وولديها حتى اقنعته باعتقالهم جميعاً، وفي برج قمارش أمنع أبراج الحمراء زُجَّت عائشة الحرة مع ولديها، وشدَّد الحجر عليهم، وعُوملوا بمنتهى الشدة والقسوة وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين.

فريق يؤيد السلطان ومحظيته (سيدة غرناطة الحقيقية) المستأثرة بكل سلطة ونفوذ.

وفريق يؤيد الأميرة الشرعية (عائشة الحرة وولديها).

ولم تستسلم عائشة الحرة إلى واقعها المؤلم، واتصلت سراً بمؤيديها وأنصارها، وفي مقدمتهم بنو سراج، وتمكنَّت من الهرب من قصر الحمراء في ليلة من ليالي جمادي الثانية سنة 887هـ /1482م بمساعدة بعض المؤيدين المخلصين.

وظهرت في وادي آش حيث مجمع أنصار ولدها.

وقرر فرديناند وازبيلا البدء بالحرب بعد أن سنحت الفرصة، وبعد أن دخلت مملكة غرناطة في صراعها الداخلي وسار القواد القشتاليون إلى جنوب غربي غرناطة إلى مكان اسمه الحمة، لضعف وسائل الدفاع عنها من أجل احتلالها ومن ثم احتلال غرناطة ومالقة معاً، وتم لهم ذلك ولم يستطع أبو الحسن ملك غرناطة استردادها، ولكنه استطاع أن يدعم أمير مدينة لوشة الواقعة على نهر شنيل شمال ألحامة وعلى مقربة منها وأن يردّا معاً الإسبان في جمادي الأولى 887هـ/ تموز "يوليه" 1482م.

وتعاطف الشعب الغرناطي مع الشرعية (عائشة الحرة واضطر ملك غرناطة أن يترك كرسي الملك وفر إلى مالقة، وكان فيها أخوه الأمير أبو عبدالله محمد بن سعد المعروف بالزغل يدفع عنها جيشاً جراراً سيَّره ملك قشتالة لافتتاحها، وجلس ابن عائشة الحرة أبو عبدالله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة أواخر سنة 887هـ، وعمره 25 سنة وأراد أن يحذو حذو عمه الزغل في الجهاد، وباشر القتال بنفسه وحقق انتصارات على النصارى وانتزع منهم حصوناً وقلاعاً سنة 888هـ نيسان "ابريل" سنة 1483 إلا أنه وقع أسيراً في يد النصارى في احدى المعارك.

واستطاع فرديناند أن يجعل من أبي عبدالله الصغير وسيلة لتدمير غرناطة من الداخل ولذلك رفض الأموال الطائلة التي عرضت عليه من أجل فك أسره واستغل النصارى قلة خبرة أبي عبدالله الصغير، وانعدام حزمه، وضعف إرادته، وطموحه للحكم.

ولما تولى عرش غرناطة ابوعبدالله الزغل واستطاع أن يرد بكل جرأة وشجاعة وبطولة هجمات النصارى إلا أن الكيد النصراني الحاقد استخدام اسلوب تقوية الفتن الداخلية في غرناطة وفي أحرج الظروف أطلق فرديناند سراح أبي عبدالله الصغير، بعد أن و قعه على معاهدة أعلن فيها خضوعه وطاعته لملك قشتالة مدتها عامان، وأن تطبق في جميع البلدان التي تدين بالطاعة لأبي عبدالله الصغير، وأخذ يبث أبو عبدالله الصغير دعوته في شرق الأندلس، والحرب الأهلية قائمة في غرناطة وزاد الأمر سوءاً سقوط مدينة لوشة بيد النصارى في أواخر جمادي الأولى 891هـ / أيار مايو 1486م، وكان موقف أبي عبدالله الصغير أثناء هذه الحوادث الجسام مريباً.

فهو مازال يشيد بمزايا الصلح المعقود مع النصارى.

وبقي يستظل بمظاهرته للنصارى وبتأييدهم له.

وأنه غدا آلة في يد ملك قشتالة يعمل بوحيه وتوجيهه، فهو الورقة الرابحة بيد فرديناند.
ودعم فرديناند ابا عبدالله الصغير ضد عمه وانقسمت غرناطة إلى شطرين وتحقق لفرديناند ما أراده وسعى إليه، فقد تمزقت دولة الإسلام بالأندلس وستمضي بخطوات سريعة نحو دمارها قبل أن ترجع إلى وحدة صفها مرّة أخرى.

وشرع فرديناند في محاربة المناطق الشرقية والجنوبية التي تخضع لأبي عبدالله الزغل، وزحف على مالقة وطوقها براً وبحراً في جماد الثانية 892هـ/حزيران يونيه 1487م، وخاف الزغل أن يسير إلى انجادها من وادي آش، خاف غدر ابن أخيه أبي عبدالله الصغير، فاستنجد بسلطان مصر الأشرف قايتباي، ولم يكن من المنتظر أن تقاوم مالقة حتى يأتيها المدد من القاهرة، فسقطت في أواخر شعبان 892هـ/ آب اغسطس 1478م ونكث فرديناند بوعوده التي قطعها لأهل مالقة، فغدر بهم واسترقهم جميعاً، وهذا مثال لسوء طوية نفس فرديناند تجاه المسلمين.

الهزبر
2008-08-07, 12:15 AM
السلام عليكم

كانت مصر في تلك الفترة لاتستطيع أن ترسل قواتها إلى الأندلس لأسباب عديدة إلا أن حاكمها المملوكي استعمل الضغط السياسي، فأرسل راهبين لسفارة مصرية مملوكية، إلى البابا أنوصان الثامن، وإلى ملوك النصرانية ليبين لهم أن النصارى في بلاد المسلمين في منتهى الأمان والاطمئنان والحرية والحماية، والمسلمون تسفك دماؤهم، وتستحل حرمتهم، وتغزا أراضيهم في الأندلس وتوعد سلطان المماليك فرديناند إن لم يغيِّر خطته وسياسته تجاه غرناطة، وإلا اضطر إلى تغيير سياسته حيال النصارى في بلاد المسلمين كمعاملة بالمثل استقبل فرديناند السفيرين، ولم يعبأ بوعيد السلطان الأشرف، ولم يغيِّر خطته، ولكنه كتب إليه في أدب المجاملة: "أنهما - فرديناند وزوجه ايزبيلا - لايفرقان في المعاملة بين رعاياهما المسلمين والنصارى، ولكنهما لايستطيعان صبراً على ترك أرض الآباء والأجداد في يد الأجانب، وأن المسلمين إذا شاؤوا حياة في ظل حكمهما راضين مخلصين، فإنهم سوف يلقون منهما مايلقاه الرعايا الآخرون من الرعاية".

وفشلت المحاولة الدبلوماسية، وتركت غرناطة تلاقي قضاءها المحتوم، ولم ينفذ السلطان تهديده، فلم يضطهد أحداً، لأن الإسلام لايجيز له ذلك. وأخذت المدن تتساقط تباعاً بيد فرديناند، فسقطت المرية في عام 895هـ/1890م واستسلمت بشروط هي أنموذج لشروط سقوط باقي القواعد الإسلامية واهمها:

1- أن يحتفظ المسلمون بدينهم وشريعتهم وأموالهم.
2- تخفف عنهم أعباء الضرائب.
3- ألا يولى عليهم يهودي.
4- ألا يدخل نصراني في "الجماعة الإسلامية"
5- وأن يختار الأولاد الذين يولدون من أمهات نصارى الدين الذي يريدون عند البلوغ.. وغيرها من الشروط إلا إن النصارى لايلتزمون بشيء من ذلك بل يسبون النساء ويسترقون الرجال ويغتصبون الأموال. وسقطت الثغور التي كانت تصل غرناطة بالمغرب حيث كانت تفد بعض المتطوعة، وانقطعت الصلة نهائياً بعدوة المغرب والشمال الإفريقي وتطور سير الأحداث وخضع ابو عبدالله الزغل لملك قشتالة على الرغم من شجاعته وبسالته وبقي الزغل يحكم وادي آش تحت حماية ملك قشتالة، ولم تقبل نفسه الأبيه هذا الوضع المهين، فترك الأندلس مهاجراً إلى المغرب، ونزل وهران، ثم استقر في تلمسان حزيناً على ضياع الأندلس.

وبقيت غرناطة وعلى عرشها أبو عبدالله الصغير تنتظر مصرعها والضربة القاضية من النصارى.

في سنة 895هـ/1890م، أرسل الملكان الكاثوليكيان - فرديناند وزوجه ايزابيلا - وفداً يطلب تسليم غرناطة من أبي عبدالله الصغير، فثارت نفس أبي عبدالله الصغير لهذا الغدر والخيانة، وأدرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه في محالفة هذا الملك الغادر، ومعاونته على بني دينه وعقيدته ووطنه فرفض الانقياد والخضوع وقرر المقاومة وسار فرديناند بجيش تراوح ما بين 50-80 ألفاً، مع مدافع وعُدَد ضخمة، وذخائر وأقوات، وعسكر على ضفاف نهر شنيل على مقربة من غرناطة في 12 جماد الثانية سنة 896هـ/سنة 1491م، وأتلف الزروع والحقول والقرى كي لاتمد غرناطة بأي طعام، وحاصر غرناطة المدينة الوحيدة المتبقية من عز تليد وملك مديد ضارب في ذاكرة التاريخ السحيق وأصبحت محاطة بالعدو من كل جهاتها.

لقد استبسل المسلمون وتحملوا الحصار بل خرجوا لقتال العدو المحاصر وافسدوا عليه خططه وتدابيره.
وظهر في تلك المقاومة موسى بن أبي غسّان والذي قرر الموت دون الاستسلام ومن أقواله في ذلك: (ليعلم ملك النصارى أن العربي قد ولد للجواد والرمح، فإذا طمع إلى سيوفنا فليكسبها، وليكسبها غالية، أما أنا فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت فيه مدافعاً عنه، من أفخر قصور نغنمها بالخضوع لأعداء الدين".

وتولى موسى قيادة الفرسان المسلمين، يعاونه نعيم بن رضون، ومحمد بن زائدة، وتولى آل الثغري حراسة الأسوار، وتولى زعماء القصبة والحمراء حماية الحصون.

وحل الشتاء، وقلت المؤن، والذخائر ودخل الوزير المسؤول عن غرناطة "أبو القاسم عبدالملك" مجلس أبي عبدالله الصغير، وقال: إن المؤن الباقية لاتكفي إلا لأمد قصير، وإن اليأس قد دبَّ إلى قلوب الجند والعامة، والدفاع عبث لايجدي.

ولكن موسى بن أبي غسَّان قرر الدفاع ما أمكن، فقال للفرسان "لم يبقى لنا سوى الأرض التي نقف عليها، فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن".

استمر الحصار سبعة أشهر، واشتد الجوع والحرمان والمرض، واعيد تقويم الموقف في بهو الحمراء، فأقر الملأ التسليم إلا موسى بن أبي غسان الذي قال بحزم: "لم تنضب كل مواردنا بعد.. ولنقاتل العدو حتى آخر نسمة، وإنه لخير لي أن أحصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها..".

وكانت هذه الكلمات الصادقة تخاطب أناس انهزموا في داخلهم وخارت عزائمهم، وضعفت معنوياتهم، فقرروا المفاوضة والتسليم، وكلف لهذه المهمة الأليمة الوزير أبو القاسم عبدالملك جاء في نفح الطيب: "وفي ثاني ربيع الأول من السنة - أعني سنة سبع وتسعين وثمانمائة - استولى النصارى على الحمراء ودخلوها بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهناً خوفاً من الغدر، وكانت الشروط سبعة وستين منها: تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم، ومنها إقامة شريعتهم على ماكانت، ولايحكم على احد منهم إلا شريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لايدخل النصارى دار مسلم ولايغصبوا أحداً، وأن لايولى على المسلمين نصراني أو يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم قبل وأن يفتك جميع من أسرى في غرناطة من حيث كانوا، وخصوصاً أعياناً نصَّ عليهم، ومن هرب من أسارى المسلمين ودخل غرناطة لاسبيل عليه لمالكه ولاسواه، والسلطان يدفع ثمنه لمالكه، ومن أراد الجواز للعُدْوة ولا يُمنْع، ويجوزون في مدة عُينت في مراكب السلطان لايلزمهم إلا الكراء ثم بعد تلك المدة يعطون عشر مالهم من الكراء، وأن لايؤخذ أحد بذنب غيره، وأن لايقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم، وأن من تنصَّر من المسلمين يُوقف أياما حتى يطهر حاله ويحضر له حاكم من المسلمين وآخر من النصارى، فإن أبى الرجوع إلى الإسلام تمادى على ما أراد، ولايعاقب من قتل نصرانيا أيام الحرب، ولا يؤخذ منه ماسلب من النصارى أيام العداوة، وترفع عنهم جميعهم المظالم والمغارم المحدثة، ولايطلع نصراني للسور، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولايدخل مسجداً من مساجدهم، ويسير المسلم في بلاد النصارى آمناً في نفسه وماله، ولايجعل علامة كما يجعل اليهود وأهل الدجن.

ولايمنع مؤذن ولا مُصَلِّ ولا صائم ولاغيره من أمور دينه، ومن ضحك منهم يُعاقب، ويتركون من المغارم سنين معلومة، وأن يوافق على كل الشروط صاحب رومة ويضع خط يده ويقول المقري بعد هذا: "وأمثال هذا مما تركنا ذكره" من الشروط.