المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دولة الموحدين



الصفحات : 1 2 [3] 4 5 6 7 8 9 10

صفاء
2008-04-23, 11:39 PM
الأسس الفكرية والعقدية لدعوة ابن تومرت
إن الأسس الفكرية والعقدية لحركة ابن تومرت بعيدة عن الإسلام الصحيح ولاتتفق مع منهج أهل السنة والجماعة الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن أظهر الانحرافات الفكرية في دعوة ابن تومرت:
أولاً: أنه ادعى المهدية وقال بأنه هو المهدي الذي وعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخروجه في آخر الزمان، حيث قال في خطبته حين مبايعته اماما للموحدين سنة 515هـ: (الحمد لله الفعل لما يريد القاضي بما يشاء لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، وصلى الله على سيدنا محمد المبشر بالمهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً يبعثه الله إذا نسخ الحق بالباطل وأزيل العدل بالجور مكانه بالمغرب الأقصى واسمه اسم النبي ونسبه نسب النبي..."
. ولم يكتف ابن تومرت بهذا الاجراء بل انه أكد لهم هذا الاتجاه الفكري في مؤلفاته التي طالب اتباعه بحفظها، والعمل بما جاء بها، ومما جاء بها عن قضية المهدي قوله: (ان العدل ارتفع، وان الجور عم وان الرؤساء الجهال استولوا على الدنيا، وان الملوك الصم البكم استولوا على الدنيا، وان الدجالين استولوا على الدنيا، وان الباطل لايرفعه إلا المهدي، وان الحق لايقوم إلا بالمهدي، وأن المهدي معلوم في العرب، والعجم، والبدو والحضر، وان العلم به ثابت في كل مكان وفي كل أوان وآن...)
وبعد أن قرر ابن تومرت مبدأ ظهور المهدي، عدد صفاته بقوله: (انه فرد زمانه صادق في قوله، وأنه يملأها بالعدل - يعني الأرض - ثم ذكر بعد ذلك المهام التي سيقوم بها المهدي حيث بينها بقوله: "وأنه يعني المهدي - معصوم فيما دعا إليه من الحق لايجوز عليها الخطأ وأنه لايكابر، ولا يضاد، ولايدافع ولايعاند، ولايخالف ولاينازع... وأنه صادق في قوله، وأنه يقطع الجبابرة والدجاجلة، وانه يفتح الدنيا شرقها وغربها، وأنه يملؤها بالعدل كما ملئت بالجور...".
هكذا كان رأي ابن تومرت في المهدي، كما يصور ذلك تراثه الفكري، ويلاحظ هنا كيف تجرأ ابن تومرت فكذب على الله ورسوله حينما حدد مكان ظهور المهدي بالمغرب الأقصى مع أن الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لم تشر إلى ذلك.
إن الأحاديث الصحيحة بينت أنه يخرج في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت يؤيد الله به الدين، يملك سبع سنين يملأ الأرض عدلاً وسلاماً كما مُلئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، وتُخرج الأرض نباتها، وتُمطر السماء مطرها، ويُعطي المال بغير عدد.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم والخير أيامه دائم".
لقد بينت الأحاديث الصحيحة اسمه وصفته ومكان خروجه: أ- اسمه وصفته:
وهذا الرجل اسمه كأسم رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وإسم أبيه، كأسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون اسمه محمد أو أحمد بن عبدالله، وهو من ذرية فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم.
قال ابن كثير - رحمه الله في المهدي: "وهو محمد بن عبدالله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه".
وصفته الواردة: "أنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف".
ب- مكان خروجه:
يكون ظهور المهدي من قبل المشرق، فقد جاء في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتل عند كنزكم ثلاثة. كلهم ابن خليفة، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم.. (ثم ذكر شيئاً لا احفظه فقال...) فإذا رأيتموه، فبايعوه، ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان، فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق "لامن سرداب سامراء" كما يزعم جهلة الرافضة من أنه موجود فيه إلى الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان، إذ لادليل على ذلك، ولابرهان لا من كتاب، ولامن سنة، ولا معقول صحيح ولا استحسان.. إلى أن قال "ويؤيد بناس من أهل المشرق ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشيدون أركانه، وتكون راياتهم سود "أيضاً" وهو زيّ عليه الوقار" لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال لها : العقاب" إلى أن قال: (والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت، كما دلت على ذلك بعض الأحاديث...)
2- وذكر الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإماكم منكم؟!).
3- وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" إلى أن قال: (فينزل عيسى بن مريم صلى عليه وسلم، فيقول أميرهم، تعال صلِّ بنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة".
والأحاديث التي وردت في الصحيحين تدل على أمرين:
أحدهما: أنه عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء يكون المتولي لإمرة المسلمين رجل منهم.
والثاني: أن حضور أميرهم للصلاة، وصلاته بالمسلمين، وطلبه من عيسى عليه السلام عند نزوله أن يتقدم ليصلي لهم يدلّ على صلاح هذا الأمير وهُداه.

يتبع

ذو الفقار
2008-04-24, 03:22 AM
متابع
بارك الله فيكِ على كل هذا الجهد المبذول

حياكِ الله

صفاء
2008-04-24, 05:35 PM
متابع
بارك الله فيكِ على كل هذا الجهد المبذول
بارك الله فيك اخي الفاضل ذو الفقار وجزاك الله كل خير
اشكرك على المتابعة وعلى المرور العطر الذي يشرفني دائما
حياك الله اخي الفاضل

صفاء
2008-04-25, 05:34 PM
وجاءت الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث التي في الصحيحين، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح يسمّى: محمد بن عبدالله، ويقال له المهدي، والسنة يفسر بعضها بعضاً.
1- فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه).
2- وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صلِّ بنا، فيقول: لا، إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله هذه الأمة".
3- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدي منّي أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً يملك سبع سنين..).
ولقد تكلم العلماء في احاديث المهدي وقالوا:
1- قال الشوكاني: (الأحاديث في تواتر ماجاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف
والمنجبر، وهي متواترة في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرّحة بالمهدي، فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع وإذ لامجال للاجتهاد في مثل ذلك.. ).
2- وقال صديق حسن خان: (الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً، تبلغ حد التوتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام ومن المعاجم والمسانيد".
3- وقال الشيخ محمد جعفر الكتاني: (والحاصل ان الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدّجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام".
وأما العلماء الذين صنفوا كتباً في المهدي بالإضافة إلى كتب الحديث المشهورة، كالسنن الأربعة، والمسانيد، مسند أحمد، مسند البزار، ومسند أبي يعلي، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومستدرك الحاكم، ومصنف بن أبي شيبة، وصحيح بن خزيمة، وغيرها من المصنفات التي ذكرت فيها أحاديث المهدي فإن طائفة من العلماء أفردوا في المهدي المنتظر مؤلفات ذكروا فيها جمعاً كبيراً من الأحاديث الواردة فيه. ومما يؤسف له أن طائفة من الكتاب من أمثال الشيخ الكريم محمد رشيد رضا في تفسير المنار وصف أحاديث المهدي بالتناقض والبطلان وأن المهدي ليس إلا أسطورة اخترعتها الشيعة، ثم دخلت كتب أهل السنة وممن أنكر أحاديث المهدي صاحب "دائرة معارف القرن العشرين" محمد فريد وجدي وسار على نفس الخط أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام.
ويبدو أن هؤلاء الكتاب تأثروا بما ذكره المؤرخ ابن خلدون من تضعيفه لأحاديث المهدي، مع العلم أن بن خلدون ليس من فرسان هذا الميدان حتى يقبل قوله في التضعيف والتصحيح، ومع هذا فقد قال بعد أن استعرض كثيراً من أحاديث المهدي وطعن في كثير من أسانيدها: "فهذه جملة الأحاديث التي خرّجها الأئمة في شأن المهدي، وخروجه آخر الزمان، وهي - كما رأيت - لم يخلص منها من النقد إلا القليل أو القليل أو الأقل منه.
قال يوسف الوابل في اشراط الساعة تعليقاً على قول ابن خلدون: ونقول: لو صح حديث واحد، لكفى به حجة في شأن المهدي، كيف والأحاديث فيه صحيحة متواترة"
قال الشيخ احمد شاكر رداً على ابن خلدون: (إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين" الجرح مقدم على التعديل ولو اطّلع على اقوالهم وفقهها، ما قال شيئاً مما قال، وقد يكون قرأ وعرف ولكنه أراد تضعيف أحاديث المهدي بما غلب عليه من الرأي السياسي في عصره" ثم بين أن ماكتبه ابن خلدون في هذا الفصل عن المهدي مملؤ بالأغاليط في أسماء الرجال ونقل العدل، واعتذر عنه بأن ذلك قد يكون من الناسخين، وإهمال المصححين وما ذهب إليه محمد رشيد رضا وابن خلدون ومحمد فريد رحمهم الله ليس صواباً وإنما الحجة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والروايات المذكورة في خروج المهدي صحيحة متواترة تواتراً معنوياً وهذا يكفي وأما كون الأحاديث قد دخلها كثير من الاسرائيليات، وأن بعضها من وضع الشيعة وغيرهم من أهل العصبيات، فهذا صحيح ولكن أئمة الحديث قد بينوا الصحيح من غيره، وصنفوا الكتب في الموضوعات وبيان الروايات الضعيفة، ووضعوا قواعد دقيقة في الحكم على الرجال، حتى لم يبق صاحب بدعة أو كذب إلا وأظهروا أمره، فحفظ الله السنة من عبث العابثين وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وهذا من حفظ الله لهذا الدين.
وإذا كانت هناك روايات موضوعة في المهدي تعصباً فإن ذلك لايجعلنا نترك ماصح من الروايات فيه، والروايات الصحيحة جاء فيها ذكر صفته واسمه واسم أبيه فإذا عين إنسان شخصاً، وزعم أنه هو المهدي، دون أن يساعده على ذلك ماجاء من الأحاديث الصحيحة فإن ذلك لايؤدي إلى إنكار المهدي على مافي الحديث ثم إن المهدي الحقيقي لايحتاج إلى أن يدعوا له أحد، بل يظهره الله إلى الناس إذا شاء، ويعرفونه بعلامات تدل عليه.
وأما دعوى التعارض، فقد نشأت عن الروايات التي لم تصح، وأما الأحاديث الصحيحة، فلا تعارض فيها والحمد لله.
وأيضاً، فإن خلاف الشيعة مع أهل السنة لايُعتدّ به، والحكم العدل هو الكتاب والسنة الصحيحة، وأما خرافات الشيعة وأباطيلهم، فلا يجوز أن تكون عمده يُردّ بها ماثبت من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال العلاّمة ابن القيم في كلامه عن المهدي: "وأما الرافضة الإمامية، فلهم قول رابع، وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة، فلم تره بعد ذلك عين، ولم يُحسَّ فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم ويقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم: اخرج يامولانا! اخرج يامولانا! ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد احسن من قال:
ما آن للسرداب أن تلد الذي
كلمتموه بجهلكم ما آنا؟
فعلى عقولكم العفاءُ فإنكم
ثلثتم العنقاء والغيلانــا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدام، وضحكة يسخر منهم كل عاقل...).
وبذلك يتضح لطالب الحق حقيقة المهدي المنتظر ويعرف الميزان الصحيح لكل من يدعى المهدية.
إن ابن تومرت في دعواه بأنه المهدي المنتظرانحرف عن المنهج الإسلامي الصحيح.
لقد جعل ابن تومرت من المهدية عقيدة الزم بها اتباعه واضاف إلى هذا المعتقد الذي ادّعاه لنفسه امر العصمة حيث قال عن نفسه: بأنه المهدي المعصوم، ثم أشاع ذلك بين اتباعه حتى أصبحوا يطلقون عليه لفظ المعصوم، دون حرج أو تردد، وقد أكد هذا الأمر في مؤلفاته التي انتشرت بينهم إذ جاء فيها: "ويجب أن يكون الإمام معصوماً من الباطل ليهدم الباطل، كما يجب أن يكون معصوماً من الضلال.. ولابد أن يكون الامام معصوماً من هذه الفتن وأن يكون معصوماً من الجور لأن الجائر لايهدم الجور بل يثبته... وأن يكون معصوماً من الكذب لأن الكذب لايهدم الكذب بل يثبته، وأن يكون معصوماً من الباطل.. ولايصح الاتفاق إلا باستناد الأمور إلى أولي الأمر وهو الإمام المعصوم من الباطل والظلم".
كما قال بعصمة الامام من الزلل والفساد حيث قال: "لايقوم بحقوق الله إلا العدل الرضا المعصوم من الفساد" وهكذا نرى كيف أن القول بالعصمة للأئمة أصبحت اتجاهاً قوياً من اتجاهات دعوة ابن تومرت الفكرية، وقد تمكن من تأصيل هذا الأمر عند اتباعه حتى اطلقوا عليه لقب المعصوم، وأصبح هذا اللقب من أشهر القاب ابن تومرت لدرجة أنهم كانوا يطلقونه عليه دون ذكر لاسمه بسبب اشتهاره به.
وقد حاول ابن تومرت أن يتدرج في اظهار هذا الأمر في بادئ أمره، فبدأ أولا بالتلميح لهم، ثم صرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم، وروي في ذلك أحاديث كثيرة ولم يتورع عن الكذب في دعواه انها تتمثل فيه، لقد سلك مع اتباعه مسلك التدرج فأقنعهم بنسبه العربي الهاشمي ثم بالمهدية ثم
بالعصمة.
والعصمة عند أهل السنة والجماعة لم تثبت إلا للأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - فيما يبلغون عن الله من شرع ولم يقولوا بها لسواهم حتى لكبار الصحابة الذين خصهم الله بالفضل كأبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي وغيرهم.

يتبع

صفاء
2008-04-25, 06:44 PM
إن ابن تومرت بهذا النهج يكون وافق الرافضة الاثنى عشرية الذين قالوا بالعصمة لأئمتهم حيث يقولون بوجوب عصمتهم من الكبائر والصغائر والنسيان كما قالوا: إن الامام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ماظهر منها وما بطن من سن الطفولة الى الموت عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان" وهكذا نرى كيف غالى ابن تومرت في القول بالعصمة لنفسه، وهذا بلا شك انحراف عقدي خطير "لأن من جعل بعد الرسول معصوماً يجب الإيمان بكل مايقوله فقد أعطاه معنى النبوة وأن لم يعطه لفظها" بل لم يكتف بهذا الأمر حيث كان يأمر بقتل كل من يشك في عصمته.
ولكي يؤصل هذا الادعاء الكاذب عند اتباعه ألف لهم كتاب أعز مايطلب وأمرهم بقرائته بل حفظه، وهذا بلاشك مما أصل فكر ابن تومرت ومحبته في نفوس أصحابه.
إن عقيدة العصمة والمهدية التي غرسها ابن تومرت في اصحابه سهلت له القضاء على خصومه ودفع قبائل المصامدة ومن حالفها إلى مقاتلة المرابطين.
ثانيا: لقد تأثر ابن تومرت بمذهب المعتزلة حيث قال ببعض آرائهم كقوله: حيث سمى مرتكب الكبيرة بالفاسق ولم يسمه بالمؤمن أو الكافر، وهذا قريب من مذهب المعتزلة
كما وافقهم في نفي الصفات عن الله - سبحانه - حيث قال حينما تحدث عن صفات الله: "واشتغلوا بتعليم التوحيد فانه اساس دينكم، حتى تنفوا عن الخالق التشبيه، والشريك، والنقائص، والآفاق، والحدود والجهات، ولاتجعلوه سبحانه في مكان ولا في جهة فانه تعالى موجود قبل الأمكنة والجهات فمن جعله في جهة ومكان فقد جسمه ومن جسمه فقد جعله مخلوقاً ومن جعله مخلوقاً فهو كعابد وثن" لقد تبنى ابن تومرت مذهب المعتزلة في الأسماء والصفات حيث نفى كل ماعساه أن يوهم الشبه والمثلية لله سبحانه حتى ولو كان ذلك من الأسماء والصفات الثابتة لله في الكتاب والسنة، ولهذا سمي أصحابه بالموحدين، لانهم في رأيه هم الذين يوحدون الله لنفيهم الصفات عن الله سبحانه وتعالى كما كان يسمى أتباعه بالمؤمنين ويقول لهم: ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم".
كما نهج ابن تومرت نهج الأشاعرة في تأويل بعض صفات الله - سبحانه وتعالى - حيث يذكر ابن خلدون أن بن تومرت هو الذي حمل أهل المغرب على القول بالتأويل والأخذ بالمذهب الأشعري في كافة العقائد، كما ذكر المراكشي أن ابن تومرت ضمّن تصانيفه مذهب الأشاعرة في كثير من المسائل، حيث كان "... جُل مايدعو إليه علم الاعتقاد على طريقة الأشعرية...) أما المقريزي فيرى أن ابن تومرت تعلم المذهب الأشعري أثناء وجوده في بلاد العراق، فلما عاد إلى بلاد المغرب، وأخذ بتعليم أصحابه علمّهم المذهب الأشعري فكان ذلك سبباً في انتشار هذا المذهب في بلاد المغرب.
إن بن تومرت من كبار الدعاة إلى المذهب الأشعري بل أخذ منهم أكثر المسائل إلا أنه في اثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها وفي مسائل قليلة غيرها.
لقد وظّف ابن تومرت المدارس الكلامية في العقائد لخدمة اهدافه السياسية ولذلك نجده يهاجم المرابطين الذين ساروا على منهج أهل السنة والجماعة واتهمهم بالتجسيم والكفر لانهم في زعمه يضيفون صفات بشرية ومادية على ذات الله.
واستطاع ابن تومرت عن طريق هذا المنفذ، أن يظهر المرابطين كمجسمة كفار في أعين رعيتهم، مما دفع الكثيرين من هذه الرعية لأن تنفض يدها منهم وتبتعد عنهم، كما أنه اتهم من يخضع لهم ويدين بالطاعة لهم بموافقتهم على الكفر، ومن ثم يحل للموحدين قتاله ومعاملته معاملة الكافر كما وأن هذا المبدأ جعل الموحدين يؤمنون بأنهم يعملون على نشر مبدأ حق ويكافحون الكفر وطواغيته، وأن معتقدهم يبيح لهم دماء أعدائهم وأموالهم، وأن الموت في سبيل الله ذلك شهادة ترفع شهيدهم إلى جنان الله الخالدة. فاجتمعت للموحدين قوتان دافعتان، هما الروح المعنوية العالية والدافع المادي. فانطلقوا كالأعصار يحطمون أعدائهم وينشرون مبادئهم.
لقد استعمل الموحدون القوة في فرض عقائدهم المختلطة على الشمال الافريقي واقتدوا بالمعتزلة في زمن المأمون العباسي في فرضهم على الناس عقائدهم تحت شعار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد سئل ابن تيمية عن المرشده كيف كان اصلها وتأليفها؟ وهل تجوز قراءتها أم لا؟
فقال: (الحمد لله رب العالمين. أصل هذه: انه وضعها ابو عبدالله محمد بن عبدالله بن تومرت: الذي لقب بالمهدي، وكان قد ظهر في المغرب في اوائل المائة الخامسة من نحو مائتي سنة، وكان قد دخل إلى بلاد العراق، وتعلم طرفاً من العلم. وكان فيه طرف من الزهد والعبادة.
ولما رجع الى المغرب صعد الى جبال المغرب، إلى قوم من البربر وغيرهم: جهالا لايعرفون من دين الاسلام إلا ماشاء فعلمهم الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام واستجاز ان يظهر لهم أنواعاً من المخاريف، ليدعوهم بها الى الدين، فصار يجئ الى المقابر يدفن بها أقواماً ويواطئهم على ان يكلموه اذا دعاهم، ويشهدوا له بما طلبه منهم، مثل ان يشهدوا له بأنه المهدي، الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يواطئ اسمه اسمه، واسم ابيه وانه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً. وان من اتبعه أفلح، ومن خالفه خسر، ونحو ذلك من الكلام. فاذا اعتقد اولئك البربر ان الموتى يكلمونه ويشهدون له بذلك، عظم اعتقادهم فيه وطاعتهم لأمره.

يتبع

صفاء
2008-04-27, 12:33 AM
ثم أن اولئك المغمورين يهدم عليهم القبور ليموتوا، ولايظهروا امره، واعتقد ان دماء اولئك مباحة بدون هذا، وانه يجوز له اظهار هذا الباطل ليقوم اولئك الجهال بنصره واتباعه. وقد ذكر عنه أهل المغرب واهل المشرق الذين ذكروا اخباره من هذه الحكايات انواعاً وهي مشهورة عند من يعرف حاله عنه...).
واستحل دماء الوف مؤلفة من اهل المغرب المالكية، الذين كانوا من اهل الكتاب والسنة على مذهب مالك واهل المدينة. يقرؤن القرآن والحديث: كالصحيحين، والموطأ وغير ذلك والفقه على مذهب اهل المدينة فزعم انهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل هذه المقالة، ولايعرف عن احد من اصحاب مالك القول بالتشبيه والتجسيم.
واستحل أيضاً اموالهم وغير ذلك من المحرمات بهذا التأويل ونحوه من جنس ماكانت تستحله الجهمية المعطلة - كالفلاسفة والمعتزلة وسائر نفاة الصفات - من أهل السنة والجماعة...
ومذهب السلف وأئمتها ان يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولاتمثيل، فلا ينفون عن الله ما أثبته لنفسه، ولايمثلون صفاته بصفات خلقه، بل يعلمون أن الله ليس كمثله شيء. لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في افعاله فكما أن ذاته لاتشبه الذوات، فصفاته لاتشبه الصفات.

والله تعالى بعث الرسل فوصفوه باثبات مفصل، ونفي مجمل، واعداء الرسل: الجهمية الفلاسفة ونحوهم وصفوه بنفي مفصل واثبات مجمل. فان الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بأنه: بكل شيء عليم وانه على كل شيء قدير وانه حي قيوم، وانه عزيز حكيم، وانه غفور رحيم، وأنه سميع بصير. وأنه يحب المتقين والمحسنين والصابرين وانه لايحب الفساد، ولايرضى لعباده الكفر، وانه رضي عن المؤمنين ورضوا عنه، وانه يغضب على الكفار ويلعنهم، وانه إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه. وانه كلم موسى تكليما، وان القرآن نزل به الروح الأمين من الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. كما قال: "نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين" وقال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ناد مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكوه: فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار، قال فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما اعطاهم شيئاً احب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة" وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح انه قال: "انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لاتضامون في رؤيته" و "ان الناس قالوا: يارسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضامون في رؤية الشمس صحواً ليس دونها حجاب؟ قالوا: لا. قال: فانكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر" فشبه صلى الله عليه وسلم الرؤية بالرؤية ولم يشبه المرئي بالمرئي فإن العباد لايحيطون بالله علما، ولاتدركه ابصارهم. كما قال تعالى: {لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} .
وقد قال غير واحد: من السلف والعلماء إن "الادراك" هو الاحاطة فالعباد يرون الله تعالى عيانا ولا يحيطون به. فهذا وأمثاله مما أخبر الله به ورسوله.
وقال تعالى في النفي: { ليس كمثله شيء } {فلا تجعلوا لله أنداداً}
{هل تعلم له سميا } {ولم يكن له كفواً أحد } فيبين في هذه الآيات ان الله لاكفو له، ولا ند له، ولا مثل له ولاسمي له، فمن قال: إن علم الله كعلمي، أو قدرته كقدرتي او كلامه مثل كلامي، او ارادته ومحبته ورضاه وغضبه مثل إرادتي ومحبتي ورضائي وغضبي، أو استواءه على العرش كاستوائي، أو نزوله كنزولي، او اتيانه كأتياني، ونحو ذلك فهذا قد شبه الله ومثله بخلقه. تعالى الله عما يقولون، وهو ضال خبيث مبطل بل كافر.
ومن قال: ان الله ليس له علم، ولاقدرة ولا كلام، ولامشيئة، ولا سمع ولابصر، ولامحبة ولارضى، ولاغضب، ولا استواء ولا اتيان ولانزل فقد عطل اسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وألحد في أسماء الله وآياته وهو ضال خبيث مبطل بل كافر، بل مذهب الأئمة والسلف اثبات الصفات ونفي التشبيه بالمخلوقات اثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، كما قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ماوصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ماوصف به نفسه ولارسوله تشبيهاً.
ومما يبين ذلك. ان الله تعالى اخبرنا ان في الجنة ماءً ولبناً وخمراً وعسلاً ولحماً وفاكهة وحريراً وذهباً وفضة وغير ذلك. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء فاذا كانت المخلوقات في الجنة توافق المخلوقات في الدنيا في الاسماء، والحقائق ليست مثل الحقائق، فكيف يكون الخالق مثل المخلوق اذا وافقه في الاسم؟!
والله تعالى قد اخبر انه سميع بصير. واخبر عن الإنسان انه سميع بصير، وليس هذا مثل هذا، واخبر انه حي، وعن بعض عباده انه حي، وليس هذا مثل هذا. وأخبر انه رؤوف رحيم، واخبر عن نبيه أنه رؤوف رحيم، وليس هذا مثل هذا. واخبر انه عليم حليم، واخبر عن بعض عباده بأنه عليم حليم، وليس هذا مثل هذا. وسمي نفسه الملك، وسمى بعض عباده الملك، وليس هذا مثل هذا. وهذا كثير في الكتاب والسنة، فكان سلف الأمة وأئمتها كأئمة المذاهب مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وغيرهم. على هذا إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل لايقولون بقول أهل التعطيل، نفاة الصفات، ولايقول أهل التمثيل المشبهة للخالق بالمخلوق، فهذه طريقة الرسل ومن آمن بهم وأما المخالفون للرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - من المتفلسفة وأشباههم - فيصفون الرب تعالى "بالصفات السلبية" ليس كذا، ليس كذا، ولا يصفونه بشيء من صفات الاثبات، بل بالسلب الذي يوصف به المعدوم فيبقى ماذكروه مطابقاً للمعدوم، فلا يبقى فرق بين مايثبتونه وبين المعدوم وهم يقولون: إنه موجود ليس بمعدوم، فينافقون يثبتونه من وجه، ولايجحدونه من وجه آخر. ويقولون: إنه وجود مطلق، لا يتميز بصفة.
وقد علم الناس ان المطلق لايكون موجوداً، فانه ليس في الأمور الموجودة ماهو مطلق لايتعين، ولا يتميز عن غيره، وإنما يكون ذلك فيما يقدره المرء في نفسه، فيقدر امراً مطلقاً، وان كان لاحقيقة له في الخارج، فصار هؤلاء المتفلسفة الجهمية المعطلون لايجعلون الخالق سبحانه وتعالى موجوداً مبايناً لخلقه، بل إما أن يجعلوه مطلقا في ذهن الناس، او يجعلوه حالاً في المخلوقات، أو يقولون هو وجود المخلوقات ومعلوم أن الله كان قبل ان يخلق المخلوقات، وخلقها فلم يدخل فيها، فليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولافي ذاته شيء من مخلوقاته، وعلى ذلك دل الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، فالجهمية المعطلة نفاة الصفات من المتفلسفة والمعتزلة وغيرهم - الذين امتحنوا المسلمين، كما تقدم - كانوا على هذا الضلال، فلما أظهر الله تعالى أهل السنة والجماعة، ونصرهم. بقي هذا النفي في نفوس كثير من اتباعهم، فصاروا يظهرون تارة مع الرافضة القرامطة الباطنية، وتارة مع الجهمية الاتحادية وتارة يوافقونهم على انه وجود مطلق، ولايزيدون على ذلك.
وصاحب المرشدة كانت هذه عقيدته كما صرح بذلك في كتاب له كبير شرح فيه مذهبه في ذلك ذكر فيه ان الله تعالى وجود مطلق، كما يقول ذلك ابن سينا وبن سبعين وأمثالهم.
ولهذا لم يذكر في "مرشدته" الاعتقاد الذي يذكره أئمة العلم والدين من أهل السنة والجماعة أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام وغيرهم من اتباع الأئمة الأربعة وغيرهم، كما يذكره أئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وأهل الكلام! من الكلابية والأشعرية والكرامية وغيرهم، ومشائخ التصوف والزهد، وعلماء أهل الحديث فان هؤلاء كلهم متفقون على ان الله تعالى حي عالم بعلم، قادر بقدرة. كما قال تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} وقال تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} وقال تعالى: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} . {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة. ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك واسألك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا اعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه باسمه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري، فأقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري فاصرفه عني واصرفني عنه. واقدر لي الخير حيث كان. ثم ارضني به" .
يتبع

ذو الفقار
2008-04-27, 02:47 AM
ان الله لاكفو له، ولا ند له، ولا مثل له ولاسمي له،

ولا ثاني له ولا ثالث

لا صاحبة له ولا ولد



كما تعودنا من قلمك الفياض يا أختي صفاء كل مجهود كبير وكل موضوع مفيد


متابع ان شاء الله

صفاء
2008-04-29, 05:18 PM
متابع ان شاء الله
بارك الله فيك اخي وجزاك الله كل خير ،ردودك القيمة ومرورك العطرعلى مواضيعي دائما يسعدني اشكرك على المتابعة
حياك الله

صفاء
2008-04-29, 05:38 PM
والأئمة الأربعة وسائر من ذكر متفقون على ان الله تعالى يرى في الآخرة، وأن القرآن كلام الله.
فصاحب "المرشدة" لم يذكر فيها شيئاً من الاثبات الذي عليه طوائف أهل السنة والجماعة، ولاذكر فيها الايمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا باليوم الآخر وما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من امر الجنة والنار والبعث والحساب وفتنة القبر والحوض وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر. فإن هذه الأصول كلها متفق عليها بين أهل السنة والجماعة. ومن عادات علمائهم أنهم يذكرون ذلك في العقائد المختصرة. بل اقتصر فيها على مايوافق اصله وهو القول بأن الله وجود مطلق، وهو قول المتفلسفة والجهمية والشيعة ونحوهم ممن اتفقت طوائف اهل السنة والجماعة. أهل المذاهب الأربعة وغيرهم على ابطال قوله.
فذكر فيها ماتقوله نفاة الصفات. ولم يذكر فيها صفة واحدة لله تعالى ثبوتية، وزعم في اولها انه قد وجب على كل مكلف ان يعلم ذلك، وقد اتفقت الأئمة على ان الواجب على المسلمين مااوجبه الله ورسوله وليس لأحد أن يوجب على المسلمين مالم يوجبه الله ورسوله والكلام الذي ذكره بعضه قد ذكره الله ورسوله فيجب التصديق به، وبعضه لم يذكره الله ولا رسوله ولا احد من السلف والأئمة فلا يجب على الناس أن يقولوا مالم يوجب الله قوله عليهم. وقد يقول الرجل كلمة وتكون حقا، لكن لايجب على كل الناس ان يقولوها، وليس له ان يوجب على الناس ان يقولوها فكيف إذا كانت الكلمة تتضمن باطلاً؟
وماذكره من النفي يتضمن حقاً وباطلاً، فالحق يجب اتباعه والباطل يجب اجتنابه، وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتاب كبير وذكرنا سبب تسميته لأصحابه بالموحدين، فإن هذا مما انكره المسلمون إذ جميع امة محمد صلى الله عليه وسلم موحدون، ولا يخلد في النار من أهل التوحيد احد و (التوحيد) هو مابينه الله تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. كقوله تعالى: { قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً احد} وهذه السورة تعدل ثلث القرآن. وقوله: { قل يا أيها الكافرون. لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين} وقال تعالى: { فاعلم انه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وقال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه انه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
فنفاة الجهمية من المعتزلة وغيرهم سموا نفي الصفات توحيداً فمن قال ان القرآن كلام الله وليس بمخلوق. أو قال: ان الله يرى في الآخرة او قال: "استخيرك بعلمك. واستقدرك بقدرتك" لم يكن موحداً عندهم، بل يسمونه مشبهاً مجسماً، وصاحب "المرشدة" لقب اصحابه موحدين، اتباعا لهؤلاء الذين ابتدعوا توحيداً ماأنزل الله به من سلطان، وألحدوا في التوحيد الذي انزل الله به القرآن.
وقال أيضاً في قدرة الله تعالى: انه قادر على مايشاء وهذا يوافق قول الفلاسفة وعلي الأسواري وغيره من المتكلمين الذين يقولون: انه لايقدر على غير مافعل، ومذهب المسلمين أن الله على كل شيء قدير. سواء شاءه او لم يشأه. كما قال تعالى: { قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم. ومن تحت ارجلكم أو يلبسكم شيعاً}.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "انه لما نزل قوله تعالى: { قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال اعوذ بوجهك {اومن تحت ارجلكم} قال: اعوذ بوجهك {او يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: هاتان اهون.
قالوا فهو يقدر الله عليهما وهو لايشاء ان يفعلهما، بل قد أجار الله هذه الأمة على لسان نبيها ان لايسلط عليهم عدواً من غيرهم فيحتاجهم، او يهلكهم بسنة عامة. وقد قال تعالى: { أيحسب الإنسان ان لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه}
فالله قادر على ذلك، وهو لايشاؤه، وقال تعالى: { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها.. } وقال تعالى: { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} فالله قادر على ذلك، فلو شاءه لفعله بقدرته، وهو لايشاؤه وقد شرحنا ماذكره فيها كلمة كلمة وبينا مافيها من صواب وخطأ ولفظ مجمل في كتاب آخر.
فالعالم الذي يعلم حقائق مافيها ويعرف ما جاء به الكتاب والسنة لايضره ذلك، فانه يعطي كل ذي حق حقه، ولا حاجة لأحد أن يعدل عما جاء في الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها الى ما أحدثه بعض الناس مما قد يتضمن خلاف ذلك، او يوقع الناس في خلاف ذلك، وليس لأحد أن يضع للناس عقيدة ولا عبادة من عنده، بل عليه ان يتبع ولا يبتدع، ويقتدى ولا يبتدي، فان الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. وقال له: {قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} والنبي صلى الله عليه وسلم علم المسلمين مايحتاجون إليه في دينهم.
فيأخذ المسلمون جميع دينهم من الاعتقادات والعبادات وغير ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح فإن ما خالف العقل الصريح فهو باطل، وليس في الكتاب والسنة والاجماع باطل، ولكن فيه الفاظ قد لايفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلاً، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة، فإن الله تعالى قال: { وانزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} وهذا رد علمي رصين على المرشده التي وضعها ابن تومرت لأصحابه تبين للقارئ فساد بن تومرت في منهج العقائد وبعده عن القرآن والسنة واعتماده لمناهج المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة وكان رد العلامة بن تيمية مليئاً بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة والأدلة الدامغة كيف لا وهو ينهل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريق السلف الصالح إن فحول علماء الكلام وأئمة هذه المناهج من أمثال أبي الحسن الأشعري (330 هـ) ، (وأبي حامد الغزالي (505هـ) والفخر الرازي (606هـ) ، وإمام الحرمين
(478ت هـ) رجعوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة في آخر حياتهم ونبذوا علم الكلام وراء ظهورهم.
أ- أبو الحسن الأشعري: وهذا العالم الجليل ترك منهج الاعتزال وشرع في الرد على باطله يقول في كتابه الإبانة: (فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون، قيل له قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عزوجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن حنبل نضّر الله وجهه ، ورفع درجته، وأجزل مثوبته نحن قائلون، ولما خالف قوله مجانبون"
ب- إمام الحرمين الجويني: (لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي...)

جـ- الإمام الغزالي: (إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً وماركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية، وترتيب المقدمات كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن، ومنبع التشويش، ومن لا يقنعه أدلة القرآن، لا يقمعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان).

د- واما الفخر الرازي فقد قال في وصيته: (ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى ويمنع في التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات... فلهذا أقول: كل ماثبت بالدلائل الظاهرة من وجود وجوده، ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم والأزلية، والتدبير والفعالية، فذاك هو الذي أقول به وألقى الله تعالى به.. والذي لم يكن كذلك أقول ديني متابعة محمد سيد المرسلين..)
وقد أملى الرازي في هذه المرحلة من حياته، والتي أحس فيها بالندم والتوبة:
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعــــــي العالمين ضــــــــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبــــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
كذلك قال:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالـــــــم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر
على ذقن أو قارعاً سن نــــــــــــادم
يتبع

صفاء
2008-05-01, 08:57 PM
إن ابن تومرت استخدم في حربه ضد المرابطين أساليب متعددة منها رميهم ظلماً وزوراً بالتجسيم وجعل عقائد مختلطة من الاعتزال والأشاعرة، والرافضة أساساً لعقيدة دولة الموحدين الجديدة، واصبح فيما بعد من اعلام مدرسة الأشاعرة لسببين:
1- لأنه هو الذي فتح الباب في بلاد المغرب لدخول التأويل الكلامي، ولم يقتصر الأمر على هذا بل تبنى - بصفته إماماً مطاعاً - هذا الجانب فكان لسلطته الدور الأكبر في انحسار مذهب أهل السنة، وفشوا مذاهب المتكلمين.
2- تأليفه للمرشده، وقد تكلمنا عنها وهي مستقاة من مذهب الأشاعرة، ولم يقتصر الأمر على هذا بل كان يفرض هذه العقيدة على الناس، بحيث تدرس للعوام، مما جعلها تشتهر بسرعة.
وفيما عدا ذلك فإبن تومرت يبدوا أقرب مايكون إلى مذهب المعتزلة، ومذهب الشيعة وقد كان أحد اتباعه لما كتب تاريخ ابن تومرت لايسميه إلا الإمام المعصوم، وليس قربه من هؤلاء بأقل قربة من الأشاعرة بل أخذ شيئاً من الخوارج لاسيما في التساهل في الدماء ومقاومة السلطان الجائر حتى جعله ضرباً من الجهاد في سبيل الله، كما أخذ برأيهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، وقد أدرك هذا التأثر علماء المرابطين كما يذكر ابن الخطيب.
إن دعوة بن تومرت قد تأثرت بآراء كثير من الفرق والمذاهب فهي ليست أشعرية بحتة، وليست معتزلية تقوم على الأدلة العقلية وحدها، وليست خارجية كما ظنها علماء المرابطين، وهي أيضاً ليست رافضية في كل اتجاهاتها، بل هي مزيج مضطرب من أغلب الفرق والمذاهب الإسلامية ولهذا فإنه يبدو من المقبول أن يطلق عليها العقيدة التومرتية، وذلك لتميزها عن كل المذاهب السابقة بمنهج مستقل.
ومما لاشك فيه أن الخليط التومرتي في الأفكار والعقائد كان له أثره بعد ذلك على بلاد المغرب، وخصوصاً بعد أن أصبح لهذه الأفكار كيان سياسي يحميها وأصبح له نفوذه على معظم بلاد المغرب.
وقد تحدث المؤرخ المغربي السلاوي عن هذا الأمر بقوله: "... وأما حالهم - يعني أهل المغرب - في الأصول والاعتقادات فبعد أن طهرهم الله من نزعة الخارجية أولا والرافضية ثانيا أقاموا على مذهب أهل السنة والجماعة مقلدين للجمهور من السلف - رضي الله عنهم - في الإيمان بالمتشابه وعدم التعرض له بالتأويل مع التنزيه عن الظاهر ... واستمر الحال على ذلك مدة إلى أن ظهر محمد بن تومرت مهدي الموحدين في صدر المائة السادسة".
لقد اشتط ابن تومرت وانحرف عن المنهج الصحيح من اجل تحقيق اهدافه ولذلك نجده كفر من لم يؤمن بما يقول، ويعتنق ما يدعو إليه، واستباح دمه حتى ولو كان من أتباعه كما قال بكفر دولة المرابطين ووجوب جهادها، ولتأصيل هذا المبدأ في نفوس أصحابه فقد صرّح به في أكثر من مناسبة، كما ضمنه كتبه التي ألفها لهم، ورسائله التي كان يبعثها إلى الموحدين حيثما كانوا، حيث جاء في احدى رسائله أن المرابطين قد عملوا " ... على اهلاك الحرث والنسل، والاعتداء على الناس في أخذ أموالهم، وخراب ديارهم، وفساد بلادهم، وسفك دماءهم واستباحوا أكل أموال الناس بالباطل، وأخذ أموال اليتامى والأرامل..."(1).
ويذكر المراكشي أنه لما توجه جيش الموحدين إلى قتال المرابطين سنة 517هـ أوصى أفراد ذلك الجيش بقوله: "اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الذين تسموا بالمرابطين فادعوهم إلى أماتة المنكر واحياء المعروف وإزالة البدع والاضرار بالإمام المهدي المعصوم، فان اجابوكم فهم اخوانكم، وان لم يفعلوا فقاتلوهم فقد أباحت لكم السنة قتالهم...".
وبالاضافة إلى هذه التهم الواضحة الصريحة التي قال بها ابن تومرت ضد دولة المرابطين، فإن القارئ لكتاب أعز ما يطلب يدرك أن ابن تومرت قد شحنه بالافتراءات والدعاوي الباطلة ضدهم، بل انه قد أفرد فصولاً خاصة منه لهذا الغرض.
وقد تنبه المرابطون لهذه التهم الموجهة ضدهم فأخذوا بالتصدي لها حيث بينوا للناس كذب تلك التهم التي الصقها بهم ابن تومرت، وأنها مخالفة للحقيقة، ولكن هذا العمل لم يثن ابن تومرت عن حربه الدعاية بل انه كثف جهوده في هذا الميدان، ومما جاء في احدى رسائله التي وجهها لهذا الغرض "واعلموا وفقكم - يعني أتباعه - ان المجسمين والمكابرين وكل من نسب إلى العلم، أشد في الصد عن سبيل الله من ابليس اللعين فلا تلتفوا إلى ما يقولونه فإنه كذب وبهتان وافتراء على الله ورسوله".
كان هذا هو توجيه ابن تومرت لأتباعه في حملته الاعلامية الكاذبة ضد دولة المرابطين السنية التي أقامت كيانها على مذهب أهل السنة والجماعة والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله على هدى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقد طعن في عقيدتهم ووصفهم بأنهم مجسمون وكفار لاتجوز طاعتهم، ولا الولاء لهم، بل يجب جهادهم، ولهذا قاتل الموحدون المرابطين، قتال المسلمين للكفار حسب اعتقادهم، وماذلك إلا بسبب أن ابن تومرت قد نحى في حربه للمرابطين منحى فكريا عقديا غالى فيه حتى أصبح العداء للمرابطين اتجاها فكريا واضحا عند ابن تومرت وأتباعه المخلصين لدعوته. ومما لاشك فيه أن هذا الاتجاه الذي حدده ابن تومرت من دولة المرابطين، قد أُثر على معنوياتها، ثم على كيانها السياسي وذلك لأن كثيراً من الناس قد تبنوه، ومن ثم انبروا للعمل على حرب هذه الدولة، والسعي الى اسقاطها لتقوم دولة ابن تومرت على انقاضها.
وتساهل ابن تومرت في اراقة الدماء دونما مسوغ شرعي، حيث كان لايتردد في ذلك، حينما يرى أنه يخدم دعوته، أو يحقق شيئاً من مطامحه مهما كانت التضحيات المقدمة لهذا الغرض، وقد تأصل هذا العمل عند ابن تومرت حيث البسه لباساً دينياً حتى أصبح اتجاهاً دعوياً واضحاً في دعوته، ومن نماذج عمله في هذا الميدان ماذكره ابن القطان - أحد تلاميذ بن تومرت - أنه كان يعظ تلاميذه وانصاره في كل وقت "... ومن لم يحظر أدب فان تمادى قتل، وكل من لم يحفظ حزبه عزر بالسياط، وكل من لم يتأدب بما أدب به ضرب بالسوط بالمرة والمرتين فان ظهر منه عناد وترك امتثال الأوامر قتل ومن داهن.. قتل".
كما ذكر كل من البيدق وابن القطان، وغيرهما من المؤرخين أن ابن تومرت كان يقوم بما يسمى بعملية التمييز لأتباعه حيث يقتل كل من يشك في ولائه لدعوته، وقد ذكر لنا البيدق وصفاً لعملية التمييز التي قام بها ابن تومرت قبل موقعة البحيرة سنة 524هـ حيث قال: "فأمر بالميز فكان البشير يخرج بالمخالفين المنافقين والخبثاء من الموحدين، حتى امتاز الخبيث من الطيب ورأى الناس الحق عيانا، وازداد الذين آمنوا ايماناً وذاق الظالمون النار، فظنوا مواقعوها، ومالهم عنها من محيص... فمات يومئذ من الناس خمس قبائل...".
وكانت مخادعة ابن تومرت للناس في قضية التمييز بإتفاق مع الونشريسي حيث طلب منه بن تومرت أن يخفي علمه وحفظه للقرآن ويظهر امام القبائل كأنه مجنون يسيل لعابه على وجهه.
قال الذهبي: (فلما كان عام تسعة عشر وخمس مئة، خرج يوماً فقال: تعلمون أن البشير - يريد الونشريسي - رجل أمي، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مبشراً لكم، مطلعاً على أسراركم، وهو آية لكم، قد حفظ القرآن، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ الختمة في أربعة أيام، وركب حصاناً وساقه، فبهتوا، وعدُّوها آية لغباوتهم، فقام خطيباً، وتلا: {ليميز الله الخبيث من الطيب}، وتلا: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، فهذا البشير مطلع على الأنفس، مُلهمَم، ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ في هذه الأمة محدثين، وإن عمر منهم" وقد صحبنا أقوام أطلعه الله على سرهم، ولابُدّ من النظر في أمرهم، وتيمُّم العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: من كان مطيعاً للإمام، فليأت، فأقبلوا يُهْرَعُون، فكانوا يُعرضون على البشير، فيُخرج قوماً على يمينه ويعُدُّهم من أهل الجنة، وقوماً على يساره، فيقول هؤلاء شاكون في الأمر، وكان يؤتى بالرجل منهم، فيقول: هذا تائب ردُّوه على اليمين تاب البارحة، فيعترف بما قال، واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يُطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفِرُّ منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدة، قتلهم قراباتهم حتى يقتل الأخ أخاه...)
يتبع