تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دولة الموحدين



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 [8] 9 10

ذو الفقار
2008-07-11, 11:36 PM
صرح كبير وتعاون جميل

سلمت يداكما

الهزبر
2008-07-12, 01:36 AM
السلام عليكم


صرح كبير وتعاون جميل

سلمت يداكما

بورك في مرورك وعودتك اخي

الهزبر
2008-07-12, 01:41 AM
السلام عليكم

ثانياً : جهاد الناصر لدين الله في الأندلس:

لقد كانت معركة الأرك من المعارك الخالدة في تاريخينا المجيد ولقد تركت آثاراً عميقة في نفوس النصارى وخصوصاً ألفونس الثامن ملك فشتالة الذي لم يستطع أن ينسى مرارة الهزيمة، فشرع يحصن قلاع بلاده الواقعة على الحدود الاسلامية تحصيناً قوياً عام 1209م ثم نقض القشتاليون الهدنة القائمة بينهم وبين الموحدين ، لذا لم يكن الخليفة الناصر لدين الله يخمد ثورات المغرب حتى سمع باستعداد ألفونسو في الاندلس الذي سعى في توثيق عهوده مع ملكي نافار وأراغون، وحصل منهما على وعد بتأييده وامداده بالجند حين الخطر لمحاربة المسلمين واعتزم بعد ذلك مَحْوَ وصمة هزيمة الأرك ، بإحراز نصر على الموحدين.


لقد تغيرت الأوضاع السياسية في الاندلس في ذلك الوقت واستطاع الاسبان النصارى أن يوحدوا جبهتهم الداخلية، وان يدعوا نصارى أوروبا لحرب صليبية باركها البابا أنوسنت الثالث، فحركت تلك الدعوة الحاقدة جموع النصارى في أوروبا وتوافدوا بجيوش جرارة من ألمانيا وفرنسا وأيطاليا لمناصرة الصليب في الأندلس.
وشرع النصارى الحاقدين في احراق الزروع والحقول ، ونهب القرى وقتل السكان وسبي منهم جموعاً كبيرة.
وأمام هذه الاعتداءات الهمجية المتكررة على الاندلس ، أعلن الناصر لدين الله الجهاد ، فحشد قوات كبيرة وشرع في ارسالها من المغرب ، وقسمها الى خمسة جيوش:

1- الجيش الاول من قبائل البربر.

2- والثاني من الجنود المغاربة.

3- والثالث من الجنود الموحِّدية النظامية.

4- والرابع من المتطوعة من جميع أنحاء المملكة.

5- والخامس هو جند الاندلس.

وقدر جيش أبي عبدالله محمد الناصر بنصف مليون مجاهد وفي 25 ذي القعدة سنة 607هـ أوائل أيار (مايو) سنة 1211م، جاز سلطان الموحدين بنفسه الى الاندلس ، ونزل في جزيرة طريف، ثم سار بعد أيام الى أشبيلية وهناك كان الخطأ الفادح.

نتيجة لصغر سنه ولقلة خبرته، واستبداه بالرأي حيث أرسل خيرة جنده الى حصن سَلبْطَرَّة، فأنهك بذلك قواهم ، ولبث الجيش أمام هذا الحصن ثمانية أشهر وهو ممتنع عليه، وأصر أبو عبدالله محمد الناصر نزولاً على نصح حاجبه ابي سعيد ابن جامع وكان الموحدون يشكون في صدق نياته - ولكن أبا عبدالله محمد الناصر وضع فيه كل ثقته، وأصر ابو سعيد بن جامع على ألا يتقدم جيش الموحدين قبل الاستيلاء على حصن سلبطرة.

وهكذا استمر الحصار طوال الصيف حتى دخل الشتاء ، وعانى المغاربة في الجبال الوعرة المحيطة بالحصن من قسوة الطقس مالا يطاق كما أودى المرض بحياة الآلاف منهم، وأخذت وسائل التموين لهذا الجيش تصعب وتتعثر يوماً فيوماً.

وحاول ملك قشتالة ألفونسو أن ينقذ الحصن ويرغم الموحدين على رفع الحصار ولكن هذه المحاولة لم تفلح، وفجع ألفونسو بفقده لولده الذي قاد الجيش لانقاذ الحصن، وسقطت قلعة سلبطرة أخيراً بيد الموحدين ، بسبب الجوع الذي حل بها بعد انتهاء مخزونها من التموين.



يتبع باذن الله

الهزبر
2008-07-17, 05:04 PM
السلام عليكم

لقد فجر سقوط سلبطرة براكين الغضب النصراني في أوروبا وتحرك الرهبان والقساوسة والملوك ليثيروا بذلاقتهم حماسة الشعوب النصرانية لكي ننساهم في كفاح الصليب المقدس(1).
وقام البابا أنوسان الثالث بدور كبير في نفخ روح الحقد في النصارى وطلب من الاساقفة في جنوبي فرنسة (بأن يعظوا رعاياهم بأن يسيروا بأنفسهم وأموالهم لمؤازرة ملك قشتالة وأنه - اي البابا- يمنح كل من لبي الدعوة الغفران التام)هههههههههههههههه

وتحركت الامواج البشرية النصرانية من اوروبا للوقوف مع نصارى الاسبان وكان الأساقفة يرئسون صفوف المحاربين من المدن المختلفة، وقد تولوا الانفاق على حشودهم.

ووفدت على اسبانية جموع المحاربين من جميع البلدان الأوروبية ليقاتلوا دفاعاً عن النصرانية متقلدين الصلبان، وكان الفرنسيون أكثر الوافدين عددا، وقاد أرنولد مطران أريونة جيشاً من لانجدوك وبروفانس وبرجونية يضطرم شوقاً للقاء المسلمين. ووفق أرنولد الى ماهو أهم من ذلك، وهو أن يحمل بذلاقته وضراعته ملك نافار - بعد أن كان غاضباً من ملك قشتالة- أولاً على أن يؤيد قضية اسبانية بالمال والجند، ثم - وهو الأهم- على التعهد بأن يسير في فرسانه ، وأن يشترك بنفسه في القتال.

واجتمعت في مملكة قشتالة ما لايحصى من جنود النصارى المتعطشين لسفك دماء المسلمين وكان في مقدمة تلك الحشود الضخمة ألمان من البارونات مع حاشياتهم ، وبيدرو الثاني ملك أراغوان في جيشه الضخم، كما توافدت امدادات ليون وجليقية والبرتغال ، وكانت قوات البرتغالية تتكون من عدد من الفرسان والمشاة البارعين ، يقودهم أمير برتغالي هو بيورو الثالث، أحد ابناء الملك سانشو الاول.

لقد تجمعت هذه الحشود في طليطلة التي لم تستطع أن تستوعبهم ، فأضطرت الألوف الكثيرة أن تقيم في الخيام خارج المدينة، بأنواع من السلاح والملابس واللغات والعادات لقد اشتركت أوروبة فعلياً بأمر من البابا وقامت فرنسا وايطاليا بأرسال الأموال اللازمة والسلاح والمؤن كل ذلك مكن ألفونسو من أن يمد جيش الوافدين بالمؤن والرواتب المالية المغرية والهدايا النفيسة الى القادة والزعماء.

وفي روما ، أمر البابا أنوسان الثالث بالصوم ثلاثة أيام ، والأكتفاء بالخبز والماء ألتماساً لانتصار الجيوش النصرانية، وأقيمت الصلوات العامة، وعمد الأكليروس والرهبان والراهبات الى ارتداء السواد والسير حفاة، وسارت المواكب في الطرقات خاشعة متمهلة من كنيسة الى اخرى ، ومن دير الى آخر ، وألقى البابا أنوسان الثالث موعظة صليبية ، طلب فيها الى النصارى أن يتضرعوا الى الله التماساً لنصر الاسبان.

وفي 20 حزيران (يونية) 1212م ، تأهب الجيش النصراني للسير الى لقاء المسلمين، ونظمت القوات في ثلاثة جيوش ، حتى لايصاب الجند أثناء السير بنقص في المؤن، وسار في الطليعة جيش القادمين من أوروبا وكان تعداده مابين ستين ومائة ألف محارب تحت قيادة إمرة القائد القشتالي (ديجو لويبزدي هارو) ويقود وحداته المختلفة مطران أربونة، ومطران بوددو (بُردْال) وأسقف نانت.

وكان الجيش الثالث بقيادة بيدور الثاني، وهو مؤلف من الأراغوانيين والقطلونين فقط مع فرسان الداوية.

أما الجيش الثالث، وهو أضخم الجيوش الثلاثة، ويتألف من جنود قشتالة، ويقود وحداته كبير أساتذة جمعيات الفرسان، الأمير الليوني سانشو فرنانديز، والأمير البرتغالي بيورو، وردريك مطران طليطلة، وخمسة أساقفة أخر.

وتقدر الرواية عدد الفرسان في هذا الجيش بثلاثين ألفاً، ولكنها لم تحدثنا عن عدد المشاة لحشدهم الضخم الكبير.


يتبع باذن الله

الهزبر
2008-07-17, 08:51 PM
السلام عليكم

أ- حصار قلعة رباح:

وفي اليوم الخامس في بدء السير من طليطلة في الرابع والعشرين من حزيران (يونية) 1212م، هاجم جنود النصارى حصن (مجلون)، وابادوا جميع من فيه بعد ذلك ساروا الى قلعة رباح، وكانت بها حامية قوية من الموحدين، ولقي النصارى في عبور وادي يانة الذي تقع عليه المدينة صعاباً فادحة، إذ كان المسلمون قد نثروا على جانبي الوادي الصانير والخوازيق الحديدية.

وهاجمت الجيوش الثلاثة قلعة رباح في جوانبها الثلاثة المنيعة، حتى سقطت المدينة في أيديهم، ولكن القلعة كانت مجهزة بالأبراج العالية ، والأسوار المنيعة ، وكان يخشى أن تقتضي حصاراً طويلاً. وأبدى ملك أراغون والمحاربون الوافدون في افتحام المدينة شجاعة عظيمة ، ولكنهم تكبدوا أفدح الخسائر ويقول يوسف اشباخ: (وقبل أن يعود النصارى الى مهاجمة القلعة، عقد مجلس حربي للبحث فيما إذا لم يكن من الأفضل أن يقتصر على تطويق القلعة ، دون محاولة افتتاحها، وأن يُبْدأ بالسير تواً لمهاجمة المسلمين).

لقد تغلب الرأي القائل بمهاجمة القلعة، إذ كان من المعروف أنها تحوي أموالاً هائلة ، وكميات عظيمة من المؤن التي بدأ النصارى يشعرون بنقصها.

لقد ضيق النصارى على مسلمي القلعة واضطر قائدها أبو الحجاج يوسف بن قادس بأن يفاوض النصارى وانسحب بجنوده وترك القلعة ووجد ألفونسو في قلعة رباح كميات عظيمة من المؤن.

وسار النصارى الى لقاء المسلمين بعزم أقوى، وأذكى شجاعتهم استيلاؤهم على حصن الأرك، وهو المكان الذي لقي فيه ملك قشتالة قبل ذلك بسبعة عشر عاماً هزيمته الشنعاء، واذكى شجاعتهم قدوم شانشو ملك نافار، وقد اشتهروا بالبراعة في الحرب والشجاعة في القتال.

وعلى اثر ذلك تحرك الملوك الثلاثة ، الفونسو الثامن ملك قشتالة ، وسانشو ملك نافار ، بيدروا الثاني ملك أرغوني نحو مدينة سلبطرة ، وهي القلعة التي افتتحها الموحدون في العام السابق بعد حصار طويل .

وعرض الملوك الثلاثة هنا جيشا لم تخرج اسبانية النصرانية مثله من قبل ، بيد أنهم لم يقفوا بسلبطرة لمناعتها واتقاء لحصار لا طائل منه ، فاخترقوا ممر "ورادال" في جبال سيارا مورنيا "جبل الشارات" لكي يلقوا المسلمين في ناحيتها الأخرى.

ب- مقتل البطل يوسف بن قادس أبو الحجّاج:

عندما سقطت قلعة رباح ورجع قائدها الذي بذل ما في وسعه وطاقته من أجل الاسلام والمسلمين غضب السلطان الناصر على أبي الحجاج وبدس من وزيره أبي سعيد بن جامع أمر السلطان الناصر بقتل هذا المجاهد العظيم جهارا ، فكان لهذا الفعل أثر سيء في الجيش الاسلامي كله ، ولا سيما في جند الأندلس، ذلك لانهم كانوا يعلمون ان ابن قادس قد بذل كل المستطاع ، وأن مقتله لم يقع إلا بتحريض الوزير الذميم وهذا خطأ آخر وقع فيه السلطان الناصر.

قلت: وهذا الفعل يدل على ضيق افق السلطان الناصر وعلى ظلمه لقادته ، وعلى تأثره بنصائح لا تنفع الأمة ولا تقوي صفها ووحدتها في صفوف الأعداء، ولو كان هذا السلطان لديه فقه في السياسة الشرعية ومعرفة بنفوس جنوده لكان الموقف غير ذلك ونجد في الشريعة الغرّاء قواعد واضحة المعالم في دفع المفاسد وجلب المصالح ومعرفة مقاصد الشريعة .
إن هذا العمل الخاطئ الذي قام به الناصر لدين الله يجر على الأمة الهلاك والدمار والعار .


يتبع باذن الله

الهزبر
2008-07-17, 08:59 PM
السلام عليكم

المعركة :

قام ملوك الأسبان في صباح 16 تموز "يولية" بترتيب جندهم لخوض المعركة، فرابط بعضهم على سفح الجبل ، والبعض فوق الرُّبى ، تزعَّم الفونسو ملك قشتالة قلب الجيش مع احتفاظه بنوع من الاشراف على الجيش كله ، وكان القلب يضم أربعة فرق:

1- تتألف الفرقة الأولى من سكان الجبال القشتالية ، ويقودها "ديجولويز" .

2- وتتألف الفرقة الثانية من فرسان قلعة رباح ، وشنب ياقب ، والاستبارية والداوية ، وبعض جند الحدود القشتالية ، ويقود هذه الفرقة الكونت "جونزالو نونيز دي لارا" .

3- والفرق الثالثة وتتألف من جند وفرسان من قشتالة القديمة واشنترويش، وبسكونية ، ويقودها الكونت "ردريك دياز كاميروس" .

4- وتتألف الفرقة الرابعة من الجند الاحتياطي من طليطلة ، وبعض قوات ليون ، ويقودها الفونسو نفسه ، فهو هنا يقلد تنظيمات المرابطين والموحدين، وكان يرافق القوات الاحتياطية فضلا عن المطران "ردريك الطليطلي" ، عدة اساقفة من قشتالة وليون مع جندهم .

وكان يقود الجناح الأيمن سانشو ملك نافارا ، وفيه فرسان فرنسيون بقيادة آرنولد مطران أربونة ، وجند جليقية والبرتغال وعلى رأسهم الأمير البرتغالي.

أما الجناح الأيسر ، فكان ينقسم أيضا إلى أربع فرق ، ويتألف كله من قوات أراغون ، ما عدا بعض جند المشاة القشتاليين ، ويقوده الملك بيدروا ، ومن حوله الأحبار والأرغونيون .

أما جيش الموحدين ، فقد قسَّمه أبو عبدالله محمد الناصر تجاه جيش النصارى في سهل "تولوزا" وفق الأوضاع الموحدية إلى خمس فرق.

كانت الفرقة الأمامية تتألف من المتطوِّعة ، وهم الذين يتطوعون من تلقاء أنفسهم ، وبدافع ذاتي محض للجهاد والموت في سبيل الله ، ونشر الإسلام . وتقدرهم الرواية العربية بمائة وستين ألف مقاتل .
واصطفت القوات الأندلسية في الميمنة ، والقبائل البربرية في الميسرة ، وأما القلب
فكانت تتألف من صفوة الجيش ، من الجند المغاربة والنظاميين ، او بعبارة أخرى من الجند الموحدين . وضرب أبو عبدالله محمد الناصر قبّته الضخمة الحمراء في وسط الصفوف ، ربط أمامها جواده المسرج . وقعد في داخلها على درقته ، إيذانا باقتراب المعركة ، ومن حوله حرسة من مشاة وفرسان. وشهر الجند حرابهم في اتجاه معسكر النصارى الاسبان ومن معهم من قوات أوربية صليبية ، فكانت سدا منيعا دون اختراقه الموت .

ولما تمَّت استعدادات المعركة ، خرج سلطان الموحدين من قبته وهو يرتدي عباءة سوداء من مخلفات جده عبدالمؤمن وقد رفع المصحف الشريف باحدى يديه ، وشهر سيفه بالأخرى بينما كان قرع الطبول الضخمة يدوّي بشدة في ساحة المعركة وسارع جند المتطوعة المسلمين للقتال وطلب الشهادة في سبيل الله وكان هجومهم عنيفا قويا ولكنهم لم يستطيعوا ان يخترقوا صفوف النصارى التي كانت مدعومة بجماعات الفرسان الدينية - الاستبارية والدواوية - فاستطاعوا أن يردوا جموع المسلمين ، وان يمزقوها . واستشهد ألوف من المسلمين في سبيل الله والإسلام ، ولكن القشتاليين حينما عمدوا إلى مطاردة المتطوعة المسلمين ، وتقدِّموا بذلك ظافرين من قلب الجيش الإسلامي ، حيث حُشدت صفوة الجند ، لقوا اشد مقاومة ، وسرعان ما اضطروا إلى مغادرة مراكزهم الأمامية ، وارتدوا فارِّين ، فتابعهم الفرسان المسلمون في ارتدادهم وفرارهم .

ولما رأى ملك قشتالة من الرُّبى تطور المعركة على هذا النحو السيء ،اراد ان يسير بنفسه على رأس الجنود الليونيين والطليطليين ، وهم جماعة مختارة كانت تؤلِّف القوة الاحتياطية ، وان يقتحم الميدان ليحاول محاولة اليأس الأخيرة ، وكانت كلماته التي قالها لمطران طليطلة وهي: "إن الساعة قد حانت لتلقي الموت المجيد".

تدل على أنه لم يكن يأمل النصر بعد . ولكن اعتراضات المطران ردت ألفونسو عن أن يخوض بنفسه أعظم الاخطار ، وأرسلت في الوقت ذاته قوات من أشجع الجند لإمداد الجيش المرتد ، وسار الأحبار أنفسهم على رأس الجند إلى قلب المعمعة ، وهم يرفعون أعلاما عليها صورة المسيح ، يثيرون بذلك أعظم الحماسة الصليبية في نفوس جندهم .

وانتهزت جماعات الفرسان والجند الجبليين فرصة تقدم الامدادات الجديدة ، ليلمُّوا شعثهم ، وينظِّموا جموعهم ، ثم عادوا فاستأنفوا زحفهم بمؤازرة القوى الجديدة ، وهم يحطِّمون كل مقاومة في اتجاه قلب الجيش الاسلامي ، حيث كان الناصر لدين الله وحرسه ، وفي الوقت الذي ضربوا فيه هجومهم على السلاسل الحديدية التي احتشدت من ورائها ألواف مؤلفة من الحراس شاهرين الحراب ، كان جناحا الجيش الإسلامي قد حُطِّما ، ذلك أنه ما إن بدأت الموقعة حتى ركن الأندلسيون الذين كانوا يقاتلون مرغمين مع الموحدين إلى الفرار ، وترتَّب على ذلك أن وقع اضطراب عظيم في الجيش الإسلامي ، ولم يصمد في ذلك القتال إلا جند الموحدين النظاميين ، والحرس المغاربة ، فقد صمدوا في مقاومة هجمات النصارى ، وصدوهم في كل ناحية بشجاعة فائقة ، وبسالة نادرة ، ورجولة فريدة ، وجلد لا مثيل له ، ولكن الدائرة حطمت وأصبح نصر النصارى لا مفر منه وحاول الناصر لدين الله أن يلهب مشاعر جنوده ويذكي حماسهم حتى اللحظات الأخيرة مع نفر من جنوده واتجاه نحو بياسة ولكنه لم يقف بها ، بل سار منها إلى أشبيلية .

لقد كانت هذه المعركة الخاسرة للمسلمين السبب في هلاك الأندلس وبداية أفول شمس الإسلام في الأندلس ، حيث كانت النهاية ، أو نهاية البداية مصرع غرناطة .

الهزبر
2008-07-19, 11:03 PM
السلام عليكم


لقد كانت حشود النصارى في معركة العقاب ضخمة جدا وكانت التعبئة والنفير العام على مستوى أوربا كلها يدفعهم الحقد الصليبي ، للإنتقام من المسلمين والقضاء على شوكتهم وإضعاف قوتهم. لقد استشهد في هذه المعركة الألوف من المسلمين ومن العلماء العاملين المجاهدين ومن أشهر هؤلاء العلماء :

1- أبو عمر أحمد بن هارون بن عات النضْري (542-609هـ) . من أهل شاطبه ، صاحب التآليف الذي "كان أحد الحفاظ للحديث ، يسرد المتون والأسانيد ظاهراً ، لا يخل بحفظ شيء منها . موصوفا بالدراية والرواية، غالبا عليه الورع والزهد ، على منهاج السلف ، يأكل الجشب، ويلبس الخشن، وربما اذن في المساجد ، وله تآليف دالة على سعة حفظه، مع النظم والنثر .. ثم توجه إثر ذلك غازياً . وشهد وقيعة العقاب التي أفضت إلى خراب الأندلس بالدائرة على المسلمين فيها . وكانت السبب الأقوى في تَحَيّف الروم بلادها حتى استولت عليها ففقد حينئذ ولم يوجد حيا ولا ميتا وذلك يوم الاثنين

2- القاضي الفقيه أبو ابراهيم إسحاق بن يعمر المجابري . من سكان فاس الذي تولى قضاء سبتة ثم بلنسية "فقد في كائنة العقاب يوم الإثنين الرابع عشر لصفر سنة تسع وست مئة …" .

3- أبو الصبر أيوب بن عبدالله الفِهْري . من أهل سبتة ، الذي "استوسع في الرواية . وكان معروفا بالزهد ، واستشهد في كائنة العِقاب".

4- أبو محمد تاشفين بن محمد المكتب ، من أهل فاس "كان زاهداً ، عابداً ، معلما بالقرآن له حظ من قرض الشعر ، ودخل الأندلس غازيا وقدم قرطبة في ذي الحجة سنة ثمان وستة مئة ، فاقام هنالك أياماً يَلْقى الزاهدين . . ثم خرج إلى غزوة العقاب. ذكره ابن الطيلسان وقال: أراه استشهد بها فإنه انقطع عني خبره..".

5- أبو عبدالله محمد بن ابراهيم الحضرمي ، من أهل اليُّسَّانة عمل قرطبة " ولي قضاء موضعه مدة طويلة ، مضافا ذلك إلى الصلاة والخطبة بجامعه. وله تأليف في رجال الموطأ. . . ، واستشهد في وقيعة العقاب منتصف سنة 609".

لقد كان ديدن العلماء المسلمين وفقهائهم وقضاتهم تصدر المقدمة عند الأحداث والملمات وفي المخاطر ويتسابقون في بذل دمائهم وأرواحهم من أجل الإسلام والمسلمين .

يتبع باذن الله

الهزبر
2008-07-19, 11:14 PM
السلام عليكم

ثالثاً: أسباب الهزيمة في العقاب:

1- الإعجاب بالكثرة ، وكأن غزوة حنين تتكرا بعد حوالي ستة قرون في هضاب الأندلس . إن الثقة بآلاف الجند ، وبمقدرة القادة ، أفقد القائد وأفقد الجند اعتمادهم على الله سبحانه ، وهذا يفسر لنا عبارة الناصر لدين الله التي قالها قبيل انسحابه ، ألا وهي: "صدق الرحمن وكذب الشيطان".

2- لم يكن التكتيك الحربي على مستواه المطلوب ولم تكن المجالس الاستشارية ذات قيمة بالنسبة للناصر لدين الله ولذلك رفض نصيحة أصحاب الخبرة برفع الحصار على سلبطره وأخذ براي الوزير أبي سعيد بن جامع الذي أصر على ملازمة الحصار واستمر لمدة ثمانية اشهر ، وتعرض الجيش الموحدي لأقسى عوامل الطبيعة ونقص التموين والمؤن بسبب الأخذ بالرأي الفردي وترك الرأي الجماعي .

3- ضعف شخصية الناصر لدين الله الذي أصبح ألعوبة وخاتما في يد الوزير أبي سعيد بن جامع .

4- سبب مقتل أبي الحجاج يوسف بن قادس أمير قلعة رباح استياء في الجيش كله ولاسيما بين جند الأندلس لعلمهم أن ابن قادس قد بذل كل المستطاع، وان قتله لم يقع إلا بتحريض الوزير الذميم ، كل هذا مهد للفرار وانسحب الاندلسيون من المعركة وركنوا إلى ترك القتال بعد معارك قصيرة وكان هذا الانفصال الغير متوقع من أسباب وعوامل الهزيمة النكراء .

5- إصرار ملك قشتالة على الانتقام من هزيمة الأرك وأخذ بكافة الأسباب التي تعين على تحقيق النصر الحاسم ، فعمل على توحيد الجبهة الداخلية وطلب امدادات من البابا ومن ملوك أوربا وجعل الحرب مقدسة من اجل العقيدة .

6- الثورات التي حدثت في المغرب مع بني غانية جعلت الموحدين ينفقون فيها نفائس أموالهم ويقدمون خيرة رجالهم.

لقد فقد المسلمون ثلث قواتهم في هذه المعركة وقام النصارى بقتل كل الأسرى الذين وقعوا بين أيديهم وباشر ألفونسو احتلال حصون المسلمين والمدن: فرال ، تولوزا ، بياسة ، بلقيس ، بانيوس ، وأبدة التي أعملوا السيف في رقاب أهلها وحطموا كثيرا من مبانيها ، بنيما كان الرهبان والقساوسة يرتِّلون الصلوات فرحا بنكاية المسلمين ، ولولا الامراض التي فتكت بجيوش النصارى لتابعوا بطشهم بالمسلمين ، فاضطروا إلى الرجوع إلى طليطلة حاملين مئات الأسرى من النساء والصبية ، ولكن بعد ارتكابهم المجزرة الرهيبة.

لقد كانت المجزرة اللا إنسانية في مدينة بياسة . يقول أشباخ في تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين: "ولم يكن في بياسة سوى المرضى والضعاف ، والظاهر أنها كانت بمثابة المستشفى للجيش ، وكان هؤلاء التعساء قد احتشدوا في مسجد المدينة الكبير ينتظرون مصيرهم جزعين ، فشاءت قسوة النصارى أن يجهزوا عليهم جميعا بالسيف ، ما عدا قلائل منهم أخذوا أسرى ، بل ذهب النصارى الذين اعمتهم نشوى الظفر في قسوتهم وبطشهم إلى أسفل درك ، حينما هاجموا مدينة أبدة التي اعتصم بأسوارها القوية بعض فلول الجيش المنهزم وسكانها العزَّل ، وكان المسلمون يأملون نظرا لمناعة المدينة الطبيعية والحربية أن يردوا هجمات أعدائهم حتى يحل فصل الشتاء .

ونظَّم النصارى في الواقع على المدينة هجوما عاما خسروا فيه كثيرا من القتلى ولم يسفر عن أي نجاح ، لولا أن استطاع الأرغونيون أن يتسلقوا الأسوار في أضعف نقطة فيها ، وان يحتلوها ، ولكن القلعة وباقي أطراف المدينة بقيت على ثباتها رغم جهود الأسبان ، وعندئذ رأى الملوك ، أن خير الطُرق وأكثرها إنسانية هي أن يقبل النصارى ما عرضه المسلمون ، وكان المسلمون حينما سقطت بعض أجزاء السور في يد الأرغونيين قد خشوا العاقبة، وأرسلوا إلى ملوك النصارى يعرضون عليهم فدية قدرها ألف ألف قطعة من الذهب "مليون دينار" ، على أن يتركوا المدينة حرة يسكنها المسلمون وفقا لشريعتهم وشعائر دينهم ، وهكذا قُبل العرض وعقد الملوك مع المدينة اتفاقات بهذا المعنى نظرا لما أنسوه من صعاب في افتتحها .

ولكن الأحبار الظامئين إلى دماء المسلمين ، اعلنوا بطلان هذا الاتفاق ، وطلبوا أن تسلَّم المدينة دون قيد أو شرط ، فشاء ضعف الملوك أن ينقضوا العهد المقطوع ، منتحلين لذلك عذرا هو أن المسلمين بعد أن فتحوا ابواب المدينة للنصارى ، لم يؤدُّوا الضريبة المضروبة عليهم في الحال ، وسرعان ما أطلق النصارى العنان لقسوتهم في معاملة هؤلاء المنكودين ، فقُتل من في أبدة زهاء ستين ألفا ، وسُبي مثل هذا العدد ، وهُدمت الدور بعد أن خلت المدينة من سكانها ، وعندئذ أبدى الأحبار رضاهم ، ورتَّلوا أناشيد الشكر ضارعين إلى المولى أن يشملهم برحمته ).

أين هذا من سماحة الإسلام ورحمته وإنسانيته ووفاءه للعهود واحترامه للأديان.

قال الشاعر :

ملكنا فكان العدل منا سجية ****فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما ****غدونا على الأسرى نمن ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا *****وكل إناء بالذي فيه ينضح

لم تكن موقعة العقاب سببا في تحطيم قوى السلطان الناصر بالأندلس فقط ولكنها أدت فوق ذلك إلى تدمير سلطان الموحدين في المغرب ايضا . فقامت دويلات في المغرب وبدأ عصر ظهور ملوك الطوائف الثاني بعد الموحدين وآل الأمر إلى سقوطها بيد النصارى .

جاء في نفح الطيب: (كانت العِقَاب سبب ضعف المغرب والأندلس ، أما المغرب فَبِخلاءِ كثير من قُراه وأقطاره ، وأما الأندلس فبطلب العدوِّ لها ..).وبعد هزيمة العقاب غادر الناصر لدين الله ميدان الحرب الذي غص بالقتلى من جنده مسرعا إلى أشبيلية ، وهنالك صب حمام غضبه على شيوخ الموحدين المحليين وسحقهم واذل القادة والزعماء وفصل وعين ثم رجع إلى الأندلس حزينا كئيبا ولكي ينسى حزنه وكدره قضى بقية أيامه في الملذات والشهوات ولم يقم بشيء من شؤون الحكم سوى أن عيّن لولاية عهده ولده أبا يعقوب يوسف الملقب بالمستنصر بالله وكان يومئذ طفلا في العاشرة من عمره ولما انتهى من هذا التعيين ، ترك شؤون الحكم كلها للطفل ووزرائه واعتكف في قصره وحدائقه بمراكش ، واطلق العنان لأهوائه وملاذه وقضى أمدا لا يجاوز العام في هذا اللهو الصاخب ثم دس له خدمه السم وتوفي مسموما بأمر من وزرائه ، لأنه كان قد عزم على قتلهم ، فعاجلوه بالقتل . فمات ولما يجاوز الرابعة والثلاثين من عمره في 11 شعبان 610 هـ / 25 كانون الأول "ديسمبر" سنة 1214 م ، بعد أن حكم خمسة عشر عاما وبضعة أشهر.

وبعد موت السلطان الناصر بدأ الانحدار في دولة الموحدين والصراع الداخلي والاهداف الخسيسة تظهر بين زعماء الموحدين .

والذي يقلب صفحات تاريخ تلك الفترة من الدولة الموحدية يدرك مدى الخزي والعار والاستهانة بديار المسلمين من اجل تحقيق مصالح شخصية على حساب الشعوب والعقيدة والمقدرات وهكذا توضع امور الدول في يد اشخاص يخونون الله وروسوله وقرآنه وشعوبهم بعد ان ماتت ضمائرهم ، فنجد هنا ادريس المأمون بن المنصور يزحف من الأندلس ويقرر العبور إلى المغرب معتمدا على محالفة العرب ومعاونة قوات مسيحية من جنود قشتالة يقدر عددها بخمسمائة فارس مقابل التنازل عن عشرة حصون بالاندلس لمملكة قشتالة وقبوله ببناء كنيسة في مراكش تجاور جامع القرويين وهكذا دخلت دولة الموحدين في صراع داخلي عنيف كلف الموحدون دماء وأموالا ، وتفككا داخليا وسقطت دولة الموحدين بعد فترة طويلة من الصراع والانحدار والضعف عام 668هـ/1269م رغم ان الدولة كانت قد انتهت فعلا عام 1212م وليس عام 1269م إذ أن الدولة استمرت تمارس وجودها طوال سبعة وخمسين عاما بعد معركة العقاب ولكنها لم تكن دولة بمعنى الكلمة إذ بدأت عوامل الانهيار والانقسام والتفكك تنتاب الدولة وأخذت تتهاوى مع الأيام حتى كانت أيامها الأخيرة على ايدي بني مرين ومن قبلهم بني عبدالواد في تلمسان وبني حفص في تونس.

يتبع باذن الله

الهزبر
2008-07-20, 11:52 PM
السلام عليكم

رابعاً: أسباب سقوط دولة الموحدين :

1- ظلمهم الفظيع للمرابطين وسفكهم للدماء واعتدائهم على الاموال وسبيهم للنساء بدون وجه حق ، لقد تعامل الموحدون مع المرابطين على نحو ظالم ، مستخدمين كل وسائل العنف مع خصومهم ولذلك كفروهم واستحلوا دمائهم واموالهم وسبوا نسائهم ، فافنوا أعداداً كبيرة من المغاربة ، ولأسباب تبدو أحيانا واهية ، أو أن ليس لها ما يبررها، فمضت فيهم سنة الله في الظلم والظالمين ، والغالب أن الظالم حسب سنة الله في الظلم والظالمين - يعاقب في الدنيا على ظلمه للغير ومن العادة أن المظلوم يدعو عادة على ظالمه لينتقم الله منه في الدنيا ليشفي ما في صدره من غيظ على ظالمه وحيث ان دعوة المظلوم مستجابة لقوله صلى الله عليه وسلم : لمعاذ بن جبل حين بعثه الله إلى اليمن .. ". . . واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" .
ومن سنته تعالى في الظلم والظالمين أنهم لا يفلحون ولا يفوزون في الدنيا وإن مآلهم إلى الخسران والهلاك كما أن الأمة والظالمة لها أجل محدود. إن الظلم في الدولة كالمرض في الإنسان يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض ، وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته ، فكذلك الظلم في الأمة والدولة يعجل في هلاكها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة تؤدي إلى هلاكها واضمحلالهما خلال مدة معينة يعلمها الله هي الأجل المقدر لها ، أي الذي قدره الله لهما بموجب سنته العامة التي وضعها لآجال الأمم بناء على ما يكون فيها من عوامل البقاء كالعدل ، او من عوامل الهلاك كالظلم التي يظهر أثرها وهو هلاكها بعد مضي مدة محددة يعلمها الله. قال تعالى: { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (سورة الأعراف، الآية 34). قال الآلوسي في تفسيره لهذه الآية: (ولكل امة أجل) ، أي ولو أمة من الأمم الهالكة أجل أي وقت معين مضروب لاستئصالهم . ولكن هلاك الامم وإن كان شيئا مؤكدا ولكن وقت حلوله مجهول لنا ، أي أننا نعلم يقينا أن الأمة الظالمة تهلك حتما بسبب ظلمها حسب سنة الله تعالى في الظلم والظالمين ، ولكننا لا نعرف وقت هلاكها بالضبط ، فلا يمكن لأحد أن يحدد بالايام ولا بالسنين ، وهو محدد عند الله تعالى.

إن سنة الله مطردة في هلاك الامم الظالمة ، قال تعالى:  ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد . وماظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن اخذه أليم شديد  (سورة هود ، الآيات 100 - 102) .

إن الآية الكريمة تبين إن عذاب الله ليس مقتصر على من تقدم من الأمم الظالمة ، بل إن سنته تعالى في أخذ كل الظالمين سنة واحدة فلا ينبغي أن يظن أحد أن هذا الهلاك قاصر بأولئك الظلمة السابقين ، لأن الله تعالى لما حكى أحوالهم قال:  كذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة. فبين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم فلا بد ان يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد. فالآية تحذر من وخامة الظلم .

إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس والناس انفسهم لا يتظالمون فيما بينهم ، فهذه الدولة مع كفرها تبقى ، إذ ليس من سنته تعالى إهلاك الدولة بكفرها فقط ، ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية وتظالم الناس فيما بينهم. قال تعالى:  وما كان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون "سورة هود ، الآية 117"

قال الإمام الرازي في تفسيره : (إن المراد من الظلم في هذه الآية الشرك. والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين ، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم يعامل بعضهم بعضا على الصلاح ، وعدم الفساد).

وفي تفسير القرطبي قوله تعالى:بظلم أي بشرك وكفر  وأهلها مصلحون أي فيم بينهم في تعاطي الحقوق . ومعنى الآية: إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم لوط باللواط.

قال ابن تيمية في هلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة: (وأمور الناس إنما تستقيم مع العدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض انواع الاثم اكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة . ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والاسلام . وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا اقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها من خلاق
- أي في الآخرة - وإن لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة"

إن دولة الموحدين قامت على اساس دموي في إرساء دعائمها ولذلك اسرف ابن تومرت في سفك الدماء وهتك الاعراض ومصادرة الاموال وسار خليفته عبدالمؤمن على منواله وكذلك كثير من زعماء الموحدين ، فجرت فيهم سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل ، فانتقم من الظالمين وجعل بأسهم فيما بينهم حتى أفضى أمر الدولة إلى الزوال.

2- من أسباب سقوط دولةالموحدين ، ثورة بن غانية وهم من بقايا المرابطين: حيث قامت هذه الثورة على أسس فكرية وعقدية ناهضت الاصول العقدية والأسس الفكرية التي قامت عليها دولة الموحدين والتزمت بأصول منهج أهل السنة والجماعة وأعلنت انتمائها وولائها للخلافة العباسية السنية ، ورفعت شعاراتها وحاربت بكل ما تملك نفوذ الموحدين وظلمهم الوخيم واستمرت لمدة خمسة عقود متتالية كانت تلك الحروب الطاحنة من الأسباب المباشرة في ضعف دولة الموحدين ومن ثم سقوطها .

3- ثورات الاعراب المتتالية حيث أن قبائل بني سليم وبني هلال التي سكنت افريقية والمغرب الأوسط وبعد ذلك المغرب الأقصى لا تنظر إلا لمصالحها، فأحيانا تتحالف مع بني غانية ومع قراقوش التقوى ضد الموحدين وأحيانا تخضع لدولة الموحدين ثم دخلت في الصراع الداخلي بين أعداء الموحدين ، فكانت من الاسباب التي فجرت الثورات الداخلية والتي ساهمت في الإفساد ودمار دولة الموحدين ، لقد قدموا الأعراب البدو إلى المغرب الأقصى أيام المنصور الموحدين عام 584 هـ ومنذ وفاة المستنصرسنة 620 هـ اصبحوا يتدخلون في شؤون الدولة ويرهقونها بطلباتهم ويعملون بدورهم على عزل وتولية بعض ملوك الموحدين . ومن هؤلاء الأعراب بنو معقل ، وبنو جابر " ولهؤلاء دور هام في تعريب قسم من سكان المغرب على سواحل الأطلسي ، بمصاهرتهم للبربر ، وبالاحتكاك بهم.

الهزبر
2008-07-22, 10:37 PM
السلام عليكم

4- ثورات الاندلس ضد دولة الموحدين ، ومن اشهر هذه الثورات ، ثورة محمد ابن مردنيش الذي لم يتم القضاء عليه إلا بعد ربع قرن من تحالفه مع النصارى ولم يبالي ابن مردنيش ان يتحالف مع النصارى من اجل القضاء على نفود الموحدين في الاندلس ولقد كلفت هذه الثورة دولة الموحدين الاموال الكثيرة وقتل في تلك المعارك خيرة رجالهم ، وثورة ابن هود ، وعامل بلنسية الذي التجأ إلى ملك ليون .

وتقاعس الأندلسيون عن نصرة الموحدين لاول فرصة واتتهم ، عندما اهانهم الوزير ابن جامع خلال معركة العِقاب.

5- النزاع على الخلافة بين الموحدين ولم يستطيعوا ان يضعوا نظاما ثابتا لتولي الخلافة عندهم :
كان لهذا النزاع آثار وخيمة على الدولة ومصيرها ، فمنذ وفاة المستنصر اصبح من المعتاد أن يكون على رأس الدولة اكثر من خليفة ، فاضطر كل منهم ان يستنجد بعناصر من قبائل الموحدين والعرب المهاجرين واصحاب المصالح من حكام الولايات المستبدين ، وبل وبأعدائهم من النصارى فوجدت مراكز القوى في النزاع فرصة سانحة لبسط نفوذها وتولية من تشاء وعزل من تريد ، فسقطت هيبة الخلافة ، مما ساعد على اضمحلالها وزوالها . ونستطيع أن نحدد آثار طريقة اختيار الخليفة وما أعقبها من نزاع على السلطة على كيان الدولة في ثلاثة مظاهر: تعدد الخلفاء في وقت واحد ، والاستعانة بالنصارى ، وتولية حكام ضعاف.

أ - ولما تولى الخلافة عبدالواحد بعد وفاة يوسف المستنصر خالف عليه بعد شهرين ابن اخيه العادل بن المنصور بمرسية ، وحسم الأمر بخلع عبدالواحد ثم قتله والاجماع على خلافة العادل ، وبعد قليل خرج على العادل واليه على قرطبة في 623/1226 السيد ابو محمد عبدالله العباسي وبمقتل العادل بايع الموحدون المأمون بن المنصور ، فلما خشي الاشياخ قوة شخصيته بايعوا يحي بن الناصر ، وظل كل منهما مدعيا للأمر، عاملا على إحراز النصر على منافسه طوال خلافة المأمون وما يقرب من الأربعة اعوام من خلافة الرشيد (شوال 624- 633/1227-1226م) وفي عام 629هـ/1231م ظهر الى جانبهم خليفة ثالث لما ادعى بالامر السيد ابو موسى بن المنصور
بسبتة وتسمى بالمؤيد ، فلما حصره المأمون فر إلى ابن هود في الاندلس. ولا ريب في ان هذا النزاع أفقد الخلافة هيبتها ، فأهملت الادارة ، وانتشرت الفتن، وقلّت المجابي ، واستبد الولاة بولاياتهم عندما اندلعت نار الحروب الضارية بين بني عبدالمؤمن.

ب- دخل زعماء الموحدين من البيت الحاكم في محالفات مع النصارى من أجل تحقيق كل فريق النصر على خصومه ، فأبو محمد عبدالله البياسي يستعين بالنصارى، والمأمون لما نكث أهل مراكش بيعته وهو بالاندلس استنصر ملك قشتالة الذي اشترط عليه عشرة حصون يختارها وأن يبني كنيسة للروم بمراكش مقابل عدد من الفرسان الروم ، فهكذا دفع الصراع امراء الموحدين الى التنازل عن اراضي الدولة في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة .

ج- إن النزاع بين أمراء البيت الحاكم في دولة الموحدين جعل المتنفيذين من اشياخ الموحدين أو الاداريين او القواد العسكريين يتدخلون في اختيار الحكام منذ وفاة المستنصر ، ولما كانت الخلافة قد استقرت في بني عبدالمؤمن فقد عمدوا لتولية حكام ضعفاء صغار السن او مقعدي الشيوخة أوباحثين عن ملذاتهم.

إن ضعف الخلفاء يسر طريق مجموعات متعددة للسيطرة والتسلط على مقدرات الدولة والتحكم في سياستها وتوجيهها . وكان لأشياخ الموحدين أثر بالغ في ذلك من دون سائر المجموعات الأخرى أدارية ام قبلية أم عسكرية.

ومنذ وفاة الناصر استبد هؤلاء الأشياخ بالامور ، فرفعوا للخلافة من شاءوا وخلعوا من كرهوا ، وقتلوا من ارادوا ، وصار امرهم كالأتراك مع بني العباس.

إن أشياخ الموحدين الذين احتلوا المراكز الأساسية في الدولة اصبحت لهم مكاسب لن يتخلوا عنها ، فكانا دائما يبسطون نفوذهم لكيلا يفلت زمام الحكم من ايديهم ولهذا استبدوا . ولما كانت مصالحهم متضاربة فقد أغرقوا الدولة في فتن وثورات لم تهدأ.

إن هذا الخلاف الشديد والنزاع الذي استحكم بين ابناء عبدالمؤمن ، وظهور الخلفاء الضعفاء وتحكم اشياخ الموحدين على العاصمة ، ونشوب الفتن فيها ، جعل ولاة الأقاليم يستبدون بولاياتهم ، وانفصل بعضهم نهائيا عن مراكش . لقد رافق الضعف السياسي المتمثل في الخلفاء وأشياخ الموحدين والولاة ضعف إداري ظهر في تحكم الولاة والوزراء .

لقد كانت الادارة الموحدية في عصر ازدهار الدولة تمتاز بدقة الجهاز الاداري، وحسن ضبطه ، ومتابعة الخلافاء وإشرافهم بانفسهم وكان عمل الوزراء والولاة هو التنفيذ والتبليغ ومن ظهرت منه بوادر الاستبداد والتهاون نكب بلا رحمة.

يتبع باذن الله