المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل زرت القيروان



الصفحات : 1 [2] 3

الهزبر
2007-10-13, 01:52 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مدينة جميلة بحق
اتابع معك يا اخى ان شاء الله

شكرا على المساندة. لقد افتقدت مواضيعك أخي.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انا أفتخر لانها مدينه عربيه فى بلد عربى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أنا أعتز بمرورك الجميل.

تحياتي.

الهزبر
2007-10-13, 03:12 PM
السلام عليكم.

متابعة

تاريخ المدينة.


الفتح الإسلامي:

ولمّا اختط عقبة المدينة سنة 50هـ/ 670م أقام بوسطها المسجد الجامع حيث أن الدين يمثل محور حياة كل مسلم ، ثم أسس دار الإمارة بجانبه واختط الجادّة الكبرى التي أصبحت يطلق عليها فيما بعد اسم السماط الأعظم ، قبل أن يتولى توزيع الخطط في معسكره ، فعمّرت القيروان وشدّ النّاس إليها المطايا من كل أفق. وقد تراجع هذا المد بعد عزل عقبة بن نافع عن ولاية إفريقية سنة 55هـ/675م وتولية أبي المهاجر دينار الذي سعى لوأد المولود الجديد وتحوّل عن قيروان عقبة واختط مدينة على بعد ميلين منها مما يلي طريق تونس وصالح البربر وأولاهم الخطط. إلا أنّ روح القيروان لم تخمد وكتب لها أن تبعث من أنقاضها، إذ عيّن الخليفة الأموي يزيد بن معاوية سنة 62 هـ/ 683 م عقبة بن نافع واليا من جديد على إفريقية وأمره أن يدركها قبل أن تفسد. فانطلق مثقلا بتجربته المريرة وهو أشد إيمانا بوجوب الإسراع بنشر راية الإسلام بكامل المغرب وإذلال المناوئين له من البربر وكسر شوكتهم . فاندفع حتى وصل بلاد السوس والبحر المحيط في أقلّ من سنة، إلاّ أنّه لم يضمن مؤخرته وألب عليه القبائل البربريّة التي بقيت تكيد له وأوقعته في كمين وهو في طريق العودة فاستشهد بتهودة قرب بسكرة بالجزائر سنة 63 هـ/ 684م. وقد انقضّ بعد ذلك القائد البربري كسيلة البرنسي على مدينة القيروان وأقام بها الى حين استرجاعها من طرف زهير بن قيس البلوي سنة 69هـ/ 690م. وبقي البربر على عدائهم لهذا الجسم المنبثّ داخل وطنهم ورفعوا راية المقاومة على يدي الكاهنة ولم يستتب الأمن ردحا من الزّمن إلا بورود الفاتح حسان بن نعمان إفريقية سنة 79هـ/698م ، فهزم الكاهنة وسكّن البلاد وقضي على قرطاج رمز المقاومة البيزنطيّة فاستعلت بذلك القيروان وأصبحت قصبة إفريقية. ونظّم حسّان الإدارة ورتّب الدّواوين وصالح الأهالي على الخراج وجدّد جامع عقبة ومهّد الأمر لموسى بن نصير 88 هـ/707م ليتّخذ القيروان قاعدة لفتح المغرب. ودخل البربر في دين الله أفواجا حتى أصبحوا من رسل الفتح ودعاة الإسلام وأسهموا تحت قيادة بطل من أبطالهم وهو طارق بن زياد في فتح الأندلس سنة 92هـ/ 710م. وللقيروان يعود الفضل في نشر الإسلام في كامل ديار المغرب وإليها يعود السبق في تنظيمه وإرسائه على قواعد صلبة . ففي سنة 100هـ/ 798م أرسل إليها الخليفة عمر بن عبد العزيز بعثة تتكوّن من عشرة فقهاء من أجل التّابعين وجعل الإمارة في أتقاهم وهو إسماعيل ابن أبي المهاجر فكان خير أمير وخير وال حرس على دعاء البربر للإسلام وتفقيههم وتعليمهم الحلال والحرام.

في الحلقة القادمة.


الثورات الخارجية وتحصين المدينة

تحياتي.

الهزبر
2007-10-14, 03:58 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مواصلة في تاريخ المدينة.

الثّورات الخارجية وتحصين القيروان

إن انضواء إفريقية تحت راية الاسلام لم يحل دون قيام مذاهب مختلفة وانقسام أهلها بين سنّة كانت القيروان تمثّل بأشرافها والعرب من فرسانها رمزا لها ، وخوارج ممّن وجد لدي البربر استحسانا لمذهبهم الذي يدعو للمساواة والعدل بين الأجناس وصرف الامامة للأفضل والأتقي. وقد وافق ذلك تعسّف من الولاة وسوء سيرة واسترقاق للبربر الذين أعلنوا العصيان ونازلوا القيروان، فضاقت المدينة ذرعا بهجماتهم وان صمدت أمام جحافل جنود عكاشة الخارجي سنة 124هـ/742م. بموقعة القرن فان قبائل ورفجومة من الصفريّة قد استطاعوا دخولها عنوة سنة 141هـ/760م وأعملوا السيف في رقاب القرشيين من أشراف العرب وساداتهم واستباحوا دماء وحرمة نسائها وأطفالها . وكان لابد من إنقاذها، فبادر الخليفة المنصور بإرسال محمد ابن أشعث الخزاعي وهو أول قائد دخل القيروان للعباسين وأمره بتحصينها ليقيها تجدّد الكوارث، فطوّقها سنة 144هـ/762م. بسور من طوب سعته عشرة أذرع هو يشتمل على ستة أبواب:

وهي باب أبي الرّبيع جنوبا وباب عبد الله ونافع شرقا وباب أصرم وسلم غربا وباب تونس شمالا. وكانت توجد بالقيروان آنذاك سبعة محارس لحمايتها. ثم ان الخليفة المنصور كتب للأغلب بن سالم التميمي واليه على افريقيّة يأمره بالعدل في الرعيّة وتحصين مدينة القيروان وخندقها وترتيب حرسها. وان لم تمنع هذه التدابير القيروان من الكوارث اذ هاجمها سنة 154 هـ/772م جموع البربر بقيادة أبي حاتم الاباضي فحاصروا المدينة حتى أكل أهلها دوابهم وأخرجوا منها ، فانها قد ساعدت بدون شك عل توفير الأمن لها ووطّدت بالتالي لتمصيرها وتبحّر عمرانها، وقد أمنت واستطاب العيش فيها. فتعدّدت وكثرت الأسواق كسوق إسماعيل التي أحدثها سنة 71 هـ إسماعيل بن عبيد الأنصاري، والقيساريّة وسويقة المغيرة نسبة لآل عبدا لله بن المغيرة الكوفي من كبار المحدثين الوافدين على القيروان، وسوق بني هاشم المنسوبة الى صالح بن حاجب بن هاشم وسوق دار الامارة لقربها منها. واحتفرت الآبار سقاية لأهلها وكان من أهمّها بئر أم عياض ومواجل الجامع التي أمر ببنائها الخليفة هشام بن عبد الملك سنة (101-124هـ/ 723-746 م) .وأصبحت القيروان مركزا لتجارة الرّقيق وتصدير الجواري البربريّات نحو المشرق . وقامت بها صناعة النّسيج حيث حفظ لنا متحف بروكلين قطعة من طراز افريقية صنعت للخليفة الأموي مروان الثاني .

وخلال ولاية آل المهلّب نعمت القيروان ردحا من الزّمن بالأمن ، فتولى يزيد بن حاتم ( 155-170 هـ) تحسينها وتوسيع جامع عقبة بن نافع وفي ذلك معيار على اتّساع المدينة وتوافد الناس لتعميرها، واهتمّ بتطوير الفلاحة وإقامة المنتزهات ومنها منية الخيل التي يذكر الرّقيق في شأنها أنّه حفر بها بئرا عذبة وجعل خيله هنالك في إسطبلات. وتوافد نحوه الشّعراء والنحّاة والأدباء والأطباء من كامل أصقاع العالم الإسلامي ممّا زاد في إشعاع القيروان وشحذ القرائح وخلق حركيّة فكريّة متوقّدة .

فمنذ النصف الثاني من القرن الثاني هجري/ الثامن ميلادي أخذت القيروان تعد نفسها لتصبح مقرا عربيّا هاما وافر العمران. غير أنه ينبغي إلا تتصوّر القيروان عاصمة باذخة ذات أبّهة وجلال بل أن ذلك كان على غاية من البساطة ويعود الى بني الأغلب (184-296هـ/800-909م) شرف تأهيلها لتصبح إحدى أمّهات العواصم الإسلامية وتبلغ أوج حضارتها وسؤددها.

المرة القادمة.

الدّولة الأغلبية

تحياتي.

الهزبر
2007-10-15, 10:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكر الجميع على الامرور والكلمات الرائعة التي تدخل القلب دون قرع للابواب.
تحياتي

الهزبر
2007-10-15, 11:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سمى اخي الجوست هذه الصفحة الرحلة السياحية وأنا أسميها قافلة الفرسان في التعرف على الاوطان لأنها ستضرب رحالها في كل مرة في مدينة عريقة من مدن المسلمين ولا أرى بأن الموضوع سينتهي لان أمجاد المسلمين لا يمكن حصرها.

نواصل مع الدولة الاغلبية.

الدّولة الأغلبية

ففي عهدهم تأهّلت القيروان لتصبح مصرا مستقلا عن دار الخلافة ببغداد بعد أن منح الرّشيد سنة 184هـ/800م ولاية إفريقية لإبراهيم بن الأغلب. فاستقامت له الأحوال وطاعت له قبائل البربر. وبني في سنة 185هـ/801م عاصمة جديدة على بعد 3 أميال من القيروان سمّاها العباسيّة لما كان يتوقّعه من تمرد قادة الجند العرب وأشرافهم الذين لم يسلموا له بالإمارة إلا عن مضض. ولم يمض على قيام الدولة الأغلبية ربع قرن حتى اندلعت الانتفاضة على يدي منصور الطنبذي الذي دخل القيروان فوالاه أهلها وحاربوا معه ودامت الحرب بين منصور وبين عسكر زيادة الله على القيروان أربعين يوما انتهت بهزيمة منصور. ولم ير زيادة الله معاقبة أهل القيروان ونار الحرب مازالت متأجّجة فاختار أن يعفو عنهم وصفح عن جميعهم غير أنه جعل عقوبتهم هدم سور القيروان حتى ألصقه الأرض. ولقد حفظ له أهل القيروان ذلك فكانت هذه الانتفاضة آخر تمرد لهم على الأغالبة إلى حد ّسنة 275هـ/888م حين أنكر العامة على إبراهيم الثاني قطع ما كان يتعامل به من النقود وضربه الدّراهم الصحاح ولم يصل الأمر إلى حد المواجهة الدمويّة إذ نزل إبراهيم الثاني بنفسه وشق سماط القيروان وسكن أهلها وأرضاهم .

وقد شهد العهد الأغلبي بلورة أهم المدارس الفقهيّة بإفريقية وسيطرة المذهبين المالكي والحنفي حيث اشتدّ التنافس بالقيروان بين الحنفيّة والمالكيّة ، وان ظلّ المذهب الحنفي أقل رواجا وشيوعا فإنّه كان يتّخذ أنصاره من بين الطّبقات الخاصة والفئات الاجتماعية الرّاقية وكان من أبرز فقهائه ابن فروخ ( المتوفي سنة 201 هـ ) وأسد بن الفرات ( المتوفى سنة213 هـ) وأبي محرز وسليمان بن عمران. وخلافا لذلك فقد كان فقهاء المالكية أقرب للعامة وأشد التصاقا بهم ممّا سمح بنشر مذهبهم وترجيح كفته .

وقد احتدم الصّراع بين المذهبين بالقيروان فيما يتعلق بالعديد من الآراء الفقهيّة كان من أهمّها مسألة صفات الله ومسألة تحريم النبيذ و مسألة خلق القرآن التي أثيرت بإفريقية بنفس الشدّة التي أثيرت بها في المشرق واشتدّ النقاش فيها وانقسم الناس حولها إلى فريقين فمن قائلين بخلق القرآن وهم المعتزلة إلى منكرين لذلك وهم أهل السنة من المالكية خاصة وقد تطاول المعتزلة وحاولوا فرض رأيهم بعد ثورة القصر سنة 231هـ/846 م التي أطاح فيها أحمد بن الأغلب بأخيه محمد واعتنق المذهب المعتزلي فتصدي له رجال المالكيّة ونالت المحنة سحنون بن سعيد حتى ضرب بالسياط ونودي بأن لا يفتي ويلزم داره . إلاّ أن تغيير الوضع السياسي باسترجاع محمد الأول الحكم سنة واحد بعد النّكبة قد سمح بإعادة بروز الحزب السني الذي كان له دور لا يستهان به في ترجيح كفة الشرعيّة. فسطع نجم سحنون بن سعيد بتوليه القضاء سنة 234 هـ/849م فدعم المذهب المالكي وركزّه ونظّم مجتمع القيروان على أسس ثابتة وشرّد أهل البدع وقضى على الخلافات داخل المذهب السني وفرض مشاركة بارزة لرجال الدين والفقهاء في الحياة السياسيّة بإفريقية.

وقد تميّز الأغالبة بسلوك سياسة متوازنة بين المالكيّة والحنفيّة وحاولوا توزيع المناصب بينهم ودعّموا المذاهب السنيّة بإزاحة الثائرين وقمع الثورات الأباضيّة والخارجيّة .

وقد عرفت القيروان في العهد الأغلبي أزهي أيّامها وحباها أمراؤها بأجل معالمها ، حيث قام زيادة الله الأول منذ سنة 221هـ/ 836 م بإعادة بناء جامعها بما يتلاءم ومنزلة عاصمته الروحية والسياسيّة وقام بتوسيع بيت صلاته، ولم تمض على ذلك عشرون سنة حتى دعت الحاجة أبا إبراهيم أحمد لإضافة بلاطة أخرى تتوسطها قبة تعرف بقبة البهو تعتبر من روائع الفن الإسلامي وأحاط صحن الجامع بالمجنبات من جميع جهاته وفي ذلك دليل قاطع على سرعة ازدياد عدد المصلين ووجوب الاستجابة لحاجتهم لأداء فريضة الصلاة من يوم الجمعة وهو معيار ثابت ينم عن تطور سكان المدينة المطّرد.

وأبو إبراهيم هو الذي قام بتكليف خادمه خلف الفتى سنة 246هـ/859م ببناء البركة فكانت من أعظم المنشئات المائية في الإسلام وهي بأبعادها الشاسعة تعد إسهاما تذكاريا لمجد المدينة الصامدة وعطاء للجانب المختل من حياتها والمعبّرة عن معركتها القديمة ضد العطش والقحط. كما أقام الأغالبة القناطر كقنطرة أبي الربيع وقنطرة داود بن حمزة تيسيرا للوافدين عليها من جميع الآفاق . ويبدو جليا من خلال المصادر التاريخيّة أن القيروان عرفت خلال حكم الأغالبة أسرع نسق في نموها ، حيث حباها أمراؤها بأروع مآثرها وأصبحت محط رحال تجارة الرقيق والعاج والذهب المستجلب من بلاد السودان إلى جانب التجارة المغربيّة .

إلاّ أن السياسة الدّمويّة التي سلكها إبراهيم الثاني وحياة العبث والمجون التي ميّزت حكم زيادة الله الثالث ( 290-296هـ/ 903-909م) جعلت أهل القيروان ينفرون الإمارة الأغلبية ويرفضون دعمها أمام المد الشيعي فسقطت المدينة بدون مقاومة في أيدي جيوش أبي عبد الله الصنعاني سنة 296هـ/909م.

الحلقة القادمة تشاهدون

الخلافـة الفاطميـّة

تحياتي.

الهزبر
2007-10-20, 09:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخلافـة الفاطميـّة :

لمّا انتصب الفاطميّون بإفريقية أمّن أبو عبد الله الشيعي أهل القيروان في أنفسهم وأموالهم إلا أن ذلك لم يحل دون تأزم العلاقة بن الفريقين وقد كانت القيروان تمثّل قلعة المالكيّة بإفريقية ودرعها الواقي فتصدّي فقهاؤها ورجال دينها لجميع التغييرات التي حاول أن يدخلها الفاطميّون على الحياة الدينيّة كإسقاط صلاة التّراويح في شهر رمضان وزيادة عبارة حي على خير العمل في الآذان وتفضيل على بن أبي طالب على سائر الصحابة . فامتحن وقتل من أجل ذلك عدد من رجال القيروان كعروس المؤذن، ومحمّد بن خيرون المتوفى سنة 301هـ/914م وقامت مناظرات بين الفئتين وانتصر الفقيه سعيد بن الحداد المتوفى سنة 301هـ/ 913 م للحزب السني واشتهر بالذبّ عنه وبجرأته على الوقوف في وجه المتكلّمين من الشّيعة .

وقد أوغل صدر أهل القيروان على الأيمّة الفاطميين ما كان ينسبه إليهم الغلاة من اتباعهم من علم الغيب وادعاء النبوة ، حتى كتب بعض أحداث القيروان هذين البيتين وتلطفوا في وصولها إلى المهدي وهي:

الجور قد رضينا **** لا الكفر والحماقة

يا مدعي الغيوب ** من كاتب البطاقة ؟

كما استحال الوفاق بين أهل القيروان ورجال كتامة وقد كان أبو عبد الله الشيعي منّاهم بأن يبسط أيديهم فيها ويقطعهم جميع أموال أهلها ثم منعهم من ذلك محتجّا بالآية الكريمة: "وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها" وقال لهم : تلك هي القيروان. ألا أنهم بقوا على تحاملهم على أهلهـا حتى أنه قـام سنة 299 هـ/ 912 م شجار وغوغاء بين الفريقين قتل فيه في ساعة واحدة زهاء سبعمائة رجل من كتامة فتتبع المهدي المذنبين من أهل القيروان وعاقبهم في أموالهم وقتل منهم جماعة.

وكان الإطار السياسي العام ينذر بالانتفاضة حتى إذا ما قام أبو يزيد الخارجي صاحب الحمار محتسبا على الفاطميين ومشنّعا على جبايتهم التي أثقلوا بها كاهل الرعيّة التف حوله جميع الغاضبين ووجد في أهل القيروان السند المعنوي والمادي وتحالفوا معه على الخروج لحصار المهديّة وعقدوا اجتماعا سنة 333هـ/945م بالجامع الأعظم حضره أجله فقهاء المالكيّة وحرّضوا الناس على قتال الشيعة وكان في حسابهم دفع الشرّ بالشرّ، فلما التقى الجمعان بقرب المهديّة أمر أبو يزيد جنده أن ينكشفوا عن أهل القيروان حتى يتمكن أعداؤهم منهم فقتل من صلحائها وفقهائها خلق كثير. وعاث أبو يزيد فسادا في المدينة وأساء لأهلها ، فاشتدّ بغضهم له وكاتبوا الخليفة الفاطمي المنصور يناشدونه نصرتهم .

وبعد انتصار الخليفة الفاطمي المنصور على أبي يزيد في معركة فاصلة دارت بأحواز القيروان تجاوز للقيروانيين عن زلاتهم وعفا عنهم وأفضى جوا من التسامح كانت إفريقية في أمس الحاجة إليها حتى أن المقدسي الذي زار المغرب في أواسط القرن الرّابع هجري قد استوقفته هذه الظاهرة وذكر في كتابه أحسن التقاسيم" أنّك لا ترى أرقى من أهل القيروان ليس غير حنفي ومالكي مع ألفة عجيبة لا شغب بينهم ولا عصبيّة لا جرم أنهم على نور من ربّهم قد أقبلوا على ما يعنيهم وارتفع الغل من قلوبهم ". وخلافا لما هو شائع ورغم تعرّض ثلة من فقهاء القيروان للاضطهاد في العهد الفاطمي فإن المدرسة المالكية قد بلغت أوجها في ذلك العصر على يدي عبد الله ابن أبي زيد القيرواني الملقّب بمالك الصّغير والسّبائي وابن اللباد وابن التبان وغيرهم. ولعلّ من أبلغ ما يؤكّد رحابة صدر القيروان وسمو عبقريّتها وقدرتها على استيعاب مختلف التّيارات أن نشأ فيها ثم تعايشا كل من القاضي النعمان أمام مذهب الإسماعيلية بالمغرب ومنظّره وعبد الله ابن أبي زيد إمام المالكيّة بإفريقية ومدوّن فقهها .

كما تصالح المنصور مع أهل القيروان ببناء عاصمته الجديدة الصّابرة المنصوريّة بين ظهرانيهم ممّا يؤكّد أن القيروان مازالت تمثّل قلب إفريقية النّابض ومحورها الاقتصادي.

وإن أثّر تحول الفاطميين من رقادة إلى المهدية ومن المهدية إلى صبرة المنصوريّة على نسق نمو القيروان فإنه ليس هنالك ما يدل على حدوث تقلص في عمران المدينة بل أن القائم بني لهم سوقا في موضع سجن سابق سماها القاسميّة وأجرى لهم الخليفة المعزّ قناة تصب في مواجلها بعد أن تملأ برك قصر البحر بصبرة المنصوريّة إسهاما منه في معالجة معضلة الماء التي كانت تتفاقم بقدر تطوّر عدد سكاّن المدينة.

في المرة القادمة


الإمارة الصنهاجية
تحياتي.

ذو الفقار
2007-10-20, 10:34 PM
خطفت الاضواء بهذا الموضوع يا فتى المنتدى الاول

بارك الله فيك
وفى انتظار الإمارة الصنهاجية

الهزبر
2007-10-21, 03:47 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الإمارة الصنهاجية

لما تحول المعز لدين الله الفاطمي سنة 361هـ/972م إلى القاهرة لم يسارع أمراء صنهاجة بالاستيطان بالقيروان وصبرة المنصوريّة وخيروا مواصلة مواجهة القبائل الزناتّية بالمغرب. وقد عيّن بلكين عبد الله الكاتب عاملا على إفريقية والقيروان التي وجد لدى أهلها السند الكامل فأطاح بزيادة الله ابن القديم الذي كان مواليا للخليفة الفاطمي وسجنه. ولا يستبعد أن يكون هذا الانقلاب مستجيبا لمطامح الحزب المالكي الذي كان ينتظر بفارغ الصّبر فرصة التحرّر من الهيمنة الشيعيّة .

وقد وفر الأمير الصّنهاجي المعز بن باديس الظروف الملائمة لذلك. فبعيد ارتقائه عرش الإمارة انقضت العامة سنة 407هـ/1016م على الشيعة وقتلوهم ونهبوا دورهم وأموالهم وشردّوهم في البلاد. وقد حاول المعز تدارك الموقف والحد من شوكة رجال الدين الذين قوي أمرهم واستعلوا عليه فاضطهد بعضهم الاّ أن الحزب السني ما فتئ يتدعم بتوجيه من فقهائه الذين كانت لهم هيبة وطاعة لدى العامة من أمثال أبي عمران الفاسي وأبي بكر اللبيدي ومحمد بن سعدون وبالمقابل، فقد شعر المعز أن التخلص من الهيمنة الفاطمية لا يمكن أن يتأتي إلا بمحالفة أهل القيروان وسندهم . وقد كانت عظمة دولته وازدهار عاصمته يستهويانه ويقويان طموحاته ويثبتان عزمه عل إعلان عصيانه ونبذ الدّعوة الفاطميّة . ولا غرو فالقيروان تبدو من خلال وصف المقدسي والبكري في أوج تطوّرها العمراني واتّساع رقعتها حتى فاق ضلعها الثلاثة أميال ( ما يربو عن 5,5 كم ) وأصبحت تشتمل على خمسة عشر دربا تنطلق جميعها من الجامع الأعظم ، مما قد يفيد أن تخطيط المدينة كان مشعّا على شاكلة بغداد المدينة المدوّرة .

ويذكر البكري أن سماط سوق القيروان" كان متّصلا من القبلة إلى الجوف وطوله من باب أبي الربيع إلى الجامع ميلان غير ثلث، ومن الجامع إلى باب تونس ثلثا ميل وكان سطحا متصلا فيه جميع المتاجر والصناعات... وخارج المدينة خمسة عشر ماجلا سقايات لأهلها .... وفي القيروان ثمانية وأربعون حماما. وأحصي ما ذبح بالقيروان في بعض أيام عاشورا من البقر خاصة، فانتهى سبعمائة وخمسين رأسا، ومن عجائب القيروان أنهم يحتطبون الدهر من زيتونها ليس لهم محتطب غيره، وان ذلك لا يؤثر في زيتونها ولا ينقص منه".

ومهما كانت أوجه المبالغة في هذا الوصف، فان عدد سكان القيروان كان يناهز في ذلك التاريخ المائة ألف نسمة . ولا غرو فقد كانت المدينة آنذاك محطّ رحال التجارة الرابطة بين شطري العالم الإسلامي تردها قوافل المغرب وأودغشت وممالك السودان حيث مناجم الذهب وتصل مرافئها مراكب صقليّة والأندلس ومصر وبحر عمان معبأة بالبضاعة المشرقيّة والهندية ، فتتولى توزيعها في كامل ديار المغرب. وكانت تحيط بالقيروان القرى العامرة والآهلة كسردانية وجلولة وحصر وصدف وغيرها، وهي تتولى تزويدها بما تحتاج إليه من أطعمة وخضر وغلال. كما أن المدينة أصبحت إحدى أهم مراكز صناعة الثياب الرفيعة والخزف والفخار. فتكون بذلك قد استوفت جميع مقوّمات كبريات المدن في ذلك العصر ولعلها كانت إلى جانب قرطبة والفسطاط والقسطنطينيّة أكبر مدن البحر الأبيض المتوسط عدد سكانها الثمانين ألف نسمة .

http://www.sites-tunisie.org.tn/AR/images/Grande_Mosquee.JPG


الحلقة القادمة

الزّحفة الهلاليّة والسّنوات العجاف


تحياتي.

الهزبر
2007-10-21, 09:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الزّحفة الهلاليّة والسّنوات العجاف

إلا أن هذا البناء الشامخ بدأ يعتريه الخلل من جراء استفحال العداوة بين صنهاجة وزناتة ونتيجة احتدام الصراع من أجل السلطة والسيادة في المغرب بين بني زيري وبني حمّاد، وقد استدعى ذلك تعبئة جميع الطاقات واستنزاف جميع الموارد ممّا حال دون التفرغ لمواجهة النصارى في البحر الأبيض المتوسط فغلبوا عليه وبدأوا يستأثرون بالطرق البحريّة فتقلصت موارد إفريقية والقيروان. وقد وافق ذلك سنوات عجاف بدأت تنبئ بتزعزع صرح الحضارة القيروانيّة كانت أشأمها سنة 395هـ/1005م، إذ يذكر الرّقيق أنه "كان بإفريقية في ذلك التاريخ شدّة عظيمة خلت فيها المنازل والمساجد بمدينة القيروان وتعطّلت الأفران والحمّامات ومع هذه الشدّة وباء وطاعون هلك فيه أكثر الناس".

ثم جاءت الزحفة الهلاليّة بقاسمة الظّهر وأفضت إلى انقراض الحضارة القيروانية وأفول نجمها. وما كان المعز يقدّر وهو يعلن خروجه عن طاعة الفاطمييّن ويلعنهم على المنابر العواقب الوخيمة لذلك الإجراء ولا الكارثة السياسيّة والاقتصاديّة التي ستحل بإفريقية ، إذ عمد الخليفة الفاطمي المستنصر سنة 441هـ/1049م حتى يثأر لنفسه، إلى السماح للأعراب من رياح وأثبج وسليم باجتياز النيل واقتطعتم إفريقية ، فزحفوا على القيروان مثل السير الجارف ولم تستطع المدينة رغم ضخامة السور الذي أقامه حولها المعز الصنهاجي والذي يبلغ قطره 22.000 ذراعا، الصمود أمام جحافل القبائل الهلاليّة الذين دخلوا القيروان سنة 449 هـ/1057م وعاثوا فيها فسادا وأجلوا أهلها عنها فاندرس عمرانها وعمّت الفوضى سائر البلاد وطوّقها البدو من كل جانب وحولوا الأراضي المحيطة بها إلى مراع لمواشيهم واتّخذها بعض رؤساء العرب من المنزوين والمناهضين لبني زيري ملجأ يعتصمون به عندما تضيق بهم السبل وضعف أمرها حتى أصبحت محل مقايضة فتولى أمير زغبة بقيبن علي بيعها سنة 470 هـ/1077م لحمو ابن مليل البرغواطي أمير صفاقس وحليف الناصر بن علناس صاحب قلعة بني حمّاد وأهداها إلي القائد بن ميمون الذي أصبح واليا عليها وذلك كيدا في بني رياح حلفاء بني زيري وثأرا منهم.

ثم دخلها سنة 476هـ/1083م مالك بن علوي الصخري بعد انهزامه أمام جيش تميم بن المعز. واعتصم بها سنة 511 هـ/1117م رافع بن مكي بن جامع أمير قابس بعد انهزام فلوله أمام جيش الأمير الصنهاجي يحي بن تميم عند أبواب المهديّة .

وآخر من ملك القيروان من العرب الهلاليين محرز بن زياد الفادعي الذي بدد شمله الخليفة المؤحّدي عبد المؤمن بن علي سنة 555 هـ/1160م في معركة فاصلة بباطن القرن على مقربة من القيروان .

ورغم ذلك فان المدينة لم تستقر للموحّدين ولبثت مستعصية عليهم بمن فيها من العرب وأنصارهم كبني غانية المارقين حتى بعد مناجزتهم من طرف الخليفة يعقوب المنصور الموحدي عند نزوله بالقيروان سنة 582هـ/1186م.

وغلب أهل القيروان على أمرهم وأصبحوا يشكون الفقر والفاقة وتحولت المدينة على حد قول الإدريسي ( أواسط القرن السادس هجري / الثاني عشر ميلادي) إلى أطلال دارسة وآثار طامسة .

ولعلّ أبلغ وصف عن تدهور حالتها ما خصّها به العبدري في رحلته بقوله " والمدينة ليس لها بر ولا بحر، ولا سحر ولا نحر، وضعت في سبخة قرعا لا ماء بها ولا مرعى ولا تنبت أصلا ولا تقل فرعا ، وما كان حالها في القديم ، فلا أية من آيات هذا الدين القويم ".

http://www.hukam.net/essay/maps/zirids2_sm.png

المرة القادمة

الصّحـوة الحفـصيـّة



تحياتي.

الهزبر
2007-10-22, 08:46 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الصّحـوة الحفـصيـّة

أخذت القيروان بقيام الدولة الحفصيّة تستعيد أمنها وتلم شعثها . وقد كانت المدينة طالعة يمن وخير على الحفصيين حيث تمت بها مبايعة أبي زكريا سنة 624هـ/1227م. وان عادت القيروان إلى خلاف عليهم حيث اعتصم بها الداعي أبي عمارة سنة 681 هـ/1282م، فقد صرف لها ملوكهم بعض اهتمامهم وأعيد إحاطتها منذ القرن السّابع بسور يبلغ طوله ثلاثة كيلومترات إلا أنّه يمسح رقعة لا تفوق عشر مساحة القيروان أيام عزّها وامتداد عمرانها ، واهتم المستنصر والأمراء الذين خلفوه بالمسجد الجامع فتم تدارك جدرانه وسقوفه وأخذت تعمّ المدينة المقامات والزوايا والقباب التي أقامتها شخصيّات صوفيّة وفقهيّة فأضفت عليها هالة من الإجلال وأصبحت محلّ تبرّك وتقديس وساهمت في تجديد الحياة الروحيّة والدينيّة داخل المدينة من ذلك زاوية أبي يوسف الدهماني المتوفى سنة 1294م وأبي علي القديدي المتوفى سنة 1300م و زاوية علي العواني المتوفى سنة 1357م وزاوية سيدي الجديدي التي أسسها محمد الجديدي المتوفى سنة 1385م وهي تمثل النموذج المكتمل لهذا الطراز المعماري وستعرف فيما بعد بزاوية سيدي عبيد الغرياني حيث كانت محل عناية أمراء بني حفص . واستوطن المدينة بعض البدو ممّن كان يتربّص بها فظهرت الأرباض كربض جعيط عند الجانب الغربي وربض جرّاح ، وعمرت المساجد كمسجد الزيتونة الذي أمر بتجديده سنة 660هـ/1262م وزير المستنصر الذائع الصيت أبو سعيد التنمالي وحبّس عليه حوانيت بمدينة تونس وقد أصبحت تقام فيه منذ أواخر القرن الثامن هجري صلاة الجمعة والخطبة وهو مؤشر عن تطوّر المدينة العمراني وكذلك مسجد ابن خيرون الذي جدّد بناؤه سنة 844هـ/1440م والمسجد المعلّق ومسجد ابن ناجي الذي شيّده خلال القرن الثّامن هجري خارج باب تونس المحدث أربعة اخوة من أولاد ناجي. واهتمّ الحفصيّون بترتيب أسواق المدينة ، ودبّت الحياة فيها من جديد واستطاع أهل القيروان التأقلم مع الإطار المحيط بالمدينة ، فتحولت إلى مركز لصناعة الجلود والدّباغة والملابس الصوفيّة والحياكة والى سوق تعول أهل البوادي المحيطة بما تحتاج إليه من مواد.

ويبدو أن هذه الصحوة العمرانيّة لم تكن إلا نسبيّة وظرفيّة ولا يستبعد أن تكون حالت المدينة قد تأزّمت قبيل انهيار الدولة الحفصيّة إذ يذكر الحسن الوزان (ليون الإفريقي ) الذي زار القيروان سنة 922هـ/ 1516 م بقوله:" بعد أن خرّب الأعراب القيروان، أخذت في الوقت الحاضر تمتلئ بالسكان، لكن بكيفيّة بائسة . فليس فيها الآن غير صناّع فقراء، أكثرهم يصبغون جلود الغنم والماعز. ويبيعونها ملابس جلديّة في مدن نوميديا التي لا توجد بها الأقمشة الأوروبية . فهذه الحرفة لا تضمن لهم إلا معاشا مؤقتا، بالإضافة إلى أن ملك تونس يثقل كاهلهم بالضرائب، وبذلك عدت معيشتهم ضنكا ، كما شاهدت ذلك أثناء سفر قمت به من تونس إلى نوميديا".

القيروان عاصمة الإمارة الشابيّة ( 945-964هـ/1538-1557م)

وبقيت القيروان على ولائها للحفصيين إلى أن استجار السلطان مولاي الحسن بالأسبان لاستعادة ملكه فتحركت فيها الغيرة على الإسلام وحملت مشعل المقاومة وانتصب بها سنة 945هـ/1538م الشيخ عرفة الشابي الذي تصدى لمولاي الحسن وانتصر عليه في معركة أولى بباطن القرن سنة 947هـ/1540م ثم في معركة ثانية بجمال رغم نصرة الأسبان له . ثم قام بالأمر من بعده ابن أخيه محمّد بن أبي الطيّب فحالف الأسبان وأساء السيرة في أهل القيروان وألّب ضدّه أعيانها واستباح بعض أشياخ الزوايا من المنافسين للشابيّة كالغريانيين الذين راسلوا درغوث باشا وهو بمدينة طرابلس يطلبون الاغاثة فأمدّهم وأطّرد الشابيّة ونصب على المدينة الشيخ محمد الغرياني وجعل إلى جانبه حامية تركية بقيادة شطمان بن محمد وذلك سنة 965هـ/1557م.


زربية قيروانية.

http://www.nachoua.com/Kairouan/tapis-kairouan-A.jpg


المرة القادمة

الفتح العثماني والتّعافي أيّام المراديين

تحياتي.