المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل زرت القيروان



الصفحات : 1 2 [3]

الهزبر
2007-10-23, 11:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفتح العثماني والتّعافي أيّام المراديين

وكانت تونس خلال نفس الفترة تعاني من الاستعمار الأسباني ، ثم سخّر الله لها سنة 977هـ/1569م علي باشا صاحب الجزائر فأمّنها وفرّ سلطانها أبو العباس أمامه وأقام عليها رمضان باشا واليا من قبل العثمانيين، فلم يستطع الصّمود أمام الجيش الأسباني وتراجع إلى القيروان قبل أن يخلفه حيدر باشا الذي اعتصم بالمهديّة وضرب بها النقد الذهبي المشهور بالحيدري . "واشتد الأمر على الذين بالقيروان وضاقت بهم البلاد " (ابن أبي الدينار المؤنس ، ص 199). إلا أنهم استطاعوا المقاومة وتوحيد جهد الغاضبين على حكم الأسبان من النصارى وكاتب أهلها إخوانهم بطرابلس والجزائر يطلبون الإغاثة فاستجابوا لهم. وانطلقت جموعهم من القيروان نحو تونس وناوشوا أهلها القتال، وقدّر الله أن وصل مدد الأسطول من الآستانة ودخلت الجيوش العثمانيّة تونس منصورة سنة 981هـ/1573م.

وقد حفظ الأتراك للقيروان نصرتهم للإسلام وبقيت مشيخة أهلها في ذرية محمّد الغرياني وأعفي سكانها من الضرائب الفلاحيّة.

ولمّا استتب الأمن وقامت الدولة المراديّة ، صرف لها مراد الأول بعض اهتمامها وجدّد سقوف جامعها الأعظم ، ونحا نحو حمودة باشا ( 1041-1076هـ/1631-1666م) في البّر بالمدينة فأعاد بناء مقام الصحابي أبي زمعة البلوي وجعل لأهل القيروان صدقة سنيّة وتصدى لبني سعيد الذين كانوا يتطاولون علي أهل القيروان ويهلكون زرعهم فشرّدهم واستأصل شرّهم و عيّن علي الحناشي واليا على المدينة فصلح أمرها .

وخلال الفتنة بين محمّد وعلي ابني مراد باي امتحنت المدينة مدّة عشر سنوات (1087-1097هـ/1676-1686م) كانت خلالها محل كرّ و فرّ بين الجيوش المتقابلة وقد مالت القيروان لمحمد الذي اتّخذها عاصمة له واهتم بعمارتها فجدّد بناء المقام الصحابي وبئر روطة وبني الجامع والمدرسة الحنفيّة وهيّأ أسواقها وتعهد دورها وأصلح الطرق المؤدّية إليها.

ولم يدم هذا الرخاء إلا يسيرا حيث قاست المدينة الويلات خلال حكم مراد الثالث(1110هـ/1699م) الذي نقم على أهلها وقتل فقيهها وشريفها أبي عبد الله محمّد العواني وأكل من لحمه . فلما خرج بمحله الشتاء خافه أهل القيروان فأغلقوا أبوابها دونه ونابذوه، فحاصرهم وقاتلهم ، ولمّا عجزوا عن دفاعه، خرجوا إليه يطلبون الأمان ، فأمّنهم على أنفسهم وأغرمهم أموالا كثيرة ، وقبض على إمام الجامع الأعظم بها أبي العباس أحمد ابن إبراهيم الرمّاح، وعلى الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد الغرياني وأغرمهما أموالا كثيرة . ثم أباح نهبها سنة 1112هـ/1700م لخليل باي صاحب طرابلس الذي سانده في محنته أمام جند الجزائر. وقد أدى إسراف مراد الثالث في القتل وتمثيله بأهل القيروان إلى تأليب الناس عليه فما لبث إلاّ يسيرا حتى اغتاله إبراهيم الشريف سنة 1113هـ/1701م، قبل أن يؤول الأمر إلى حسين بن علي مؤسس دولة البايات الحسينيين.

http://img2.travelblog.org/Photos/4820/38173/f/197233-Carpet-Store-Kairouan-1.jpg

الحلقة القادمة.

الدولة الحسينية وتنامي مكانة القيروان الروحية.

تحياتي.

ذو الفقار
2007-10-23, 11:50 PM
الدولة الحسينية وتنامي مكانة القيروان الروحية.

فى الانتظار يا رفيق الدرب
موضوعك رائع
استمر

الهزبر
2007-10-23, 11:54 PM
الدولة الحسينية وتنامي مكانة القيروان الروحية.

فى الانتظار يا رفيق الدرب
موضوعك رائع
استمر


مشكور جدا اخي على المساندة.

تحياتي.

الهزبر
2007-10-25, 02:23 PM
السلام عليكم. تواصل قافلتنا سيرها مع:.

الدولة الحسيّنية: تنامي منزلة القيروان الروحية

لقد زادت المحن التي تعاقبت على المدينة في إثراء رصيد العطف والمحبة الذي كانت تتمتّع به لدي الأهالي الإيالة نتيجة إشعاعها الروحي والديني. وقد أذكى أمراء الدولة الحسينيّة من أبناء حسين بن علي هذه الرّوح وخصّوا القيروان بتبجيلهم وعنايتهم . وكان أسرعهم لنجدتها مؤسس الدولة الذي يذكره ابن أبي الضياف بقوله: " ولهذا الباي مآثر شاهدة له بحسن السيرة بان بها عمله .منها عمارة القيروان، والأمر ببناء سورها المنهدم، وإحياء آثار الصحابة والتابعين ومدفن شعرات المصطفى صلوات الله عليه .كما شيّد المدرسة الحسينيّة وبني سوقين أوقفهما عليها ". وهذه العناية من طرف الحسينيّن إلى جانب الحركة العمرانيّة النشيطة التي عرفتها المدينة أيام المراديين ، أنزلت القيروان المرتبة الثّانية من بين المدن التونسيّة حتى أن الوزير السّراج ( 1149هـ/1736 م ) أشار إليها في حلله بقوله: " لم نعمل الآن بعد تونس مدينة في الوطن الافريقي أعظم منها مدينة ، وأهلها أثبت النّاس علما وأكثر حذاقة وأدرى الناس بتعاطي المتجر".

ولقد حفظت القيروان لحسين بن علي إيثاره إياها وبقيت على وفائها له إبان الفتنة الباشيّة فآوته ونصرته واعتصم بها خمس سنوات كاملة استبسلت خلالها في المدافعة عليه إلى أن سقطت بعد حصار مضن فدخلها يونس ابن علي باشا سنة 1153هـ/1740م. و قتل حسين بن علي وهدّم سورها وبعث بأعيانها إلى أبيه فشنق أربعين منهم. وكان من إخلاص أهل القيروان لذريّة حسين بن علي أن ساعد بعض أعيانها على هروبهم للجزائر والاستجارة بصاحب قسنطينة حتى إذا ما استرجع محمّد الرشيد الحكم من جديد سنة 1170هـ/1756م رعى المدينة واجتهد في تحصينها ورفع الظلم والجباية عن أهلها وأعاد عمارتها . ونحا نحوه أخوه علي فبني أبوابها وأعلى أبراجها وبرّ بعلمائها وجعل لهم دخل جزية أهل الذمّة بجربة . ويبدو أن المدينة قد تعافت أيام حكم الأخوين محمد وعلي بن حسين إذ يذكر الرحالة الفرنسي دي فونتان الذي زارها سنة 1784 "أنّها أعظم مدن الإيالة بعد تونس، وهي أحكم منها بنيانا وأقل أوساخ ".

وجرى الحال على احترام البايات للقيروان احتراما أعانهم على ما يسدّ الرّمق من الثّروة إلى أن احتاجت الدّولة إلى الإعانة في عهد حسين الثاني سنة 1249هـ/1853م، "فأجاب أهل القيروان واليها حسبهم الإعانة بالدّعاء والفاتحة إدلاء لمحبّتهم وعظيم منزلتهم ، إلا أنّ العامل أساء في التبليغ.... فتوغّر عليهم صدر الوزير شاكير صاحب الطابع وأغرم أهلها حتى باعوا في ذلك نفائس أمتعتهم وأملاكهم بأبخس الأثمان، وأصبحوا لا ظهر فيركب ولا لبن فيحلب وأرهقتهم الديون. وآسف أهل المملكة ما حلّ بمدينة الصّحابة ... ونشأت فيهم غير دينيّة كما يغار المؤمن لحرم الله ورسوله" (ابن أبي الضياف اتحاف ج3 ص 239-242). فلمّا كانت ثورة علي بن غذاهم العارمة سنة 1280هـ/1864م، لم تتعصّب القيروان للدولة الحسينيّة وأساء أهلها قبول عاملها أبو محمّد رشيد وأجبروه على الانسحاب منها. وكادت أن تكون فتنة بين الباشيّة الحسينيّة لولا حزم فقيه القيروان ورئيس الفتوى بها الشيخ محمّد الصدّام .

وقد نالت مختلف هذه المحن من عزم أهل القيروان وأنهكت قواهم فلم تكن لهم مقاومة تذكر حين دخلها الجيش الفرنسي سنة 1881 وعمّ المدينة سكون رهيب يؤذن بقيام العاصفة التي ستفرز فيما بعد الحركة الوطنيّة .

في المرة القادمةسررت بمرورك وساسر اكثر بردك


القـيروان اليــوم

تحياتي

الهزبر
2007-10-25, 10:46 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

القـيروان اليــوم

والقيروان اليوم هي مركز ولاية ويبلغ عدد سكانها حوالي 165.000 نسمة وهي رابع المدن التونسية وتمثل ملتقى أهم الطرق الرابطة بين مختلف مناطق البلاد.

ويعيش أغلب سكان المدينة من قطاع الخدمات (60%) والفلاحة(30%) والصناعة(10%) .والقيروان اليوم قطب جامعي يشتمل على كليّة للآداب وستة معاهد للتعليم العالي يؤمها أكثر من 15.000 طالب.

ويقتصر قطاع الصناعة على وجود مصنع للتبغ وآخر لتركيب السيارات وبعض المعامل التحويلية في النسيج إلا أنّ أكثر من 15.000 عائلة تسترزق من قطاع الصناعات التقليدية التي من أهمها صناعة الزربية ( السجاد) التي اشتهرت بها القيروان وذاع صيتها، والنحاس والأغطية الصوفيّة ...

وقد بقيت القيروان من أهم المراكز الدينية بالبلاد التونسية ومن أكبر المزارات وبها تقام احتفالات المولد النبوي الشريف. وبعث بها منذ سنة 1989 مركز للدراسات الإسلامية.

ومدينة القيروان العتيقة مازالت محافظة على طابعها العربي الإسلامي الأصيل وعلى شكل أسواقها ودروبها ومسالكها القديمة وهي مسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ سنة 1988.

ونكون قد انهينا بهذا المحور الاول. تاريخ القيروان.

وندخل في المحور الثاني.

الاسهامات الحضارية للمدينة وأهم أعلامها

تحياتي.

الهزبر
2007-10-26, 09:35 PM
السلام عليكم.


المحور الثاني : الإسهامات الحضارية وأهم أعلام مدينة القيروان

لقد استطاعت القيروان أن تفرز طوال أربعة قرون متتالية مدرسة متعدّدة الخصائص أبقت على ذكرها خالدا وحافظت على مجدها التليد. وكانت المدينة آنذاك سوقا للمعرفة يغترف من مناهلها الواردون على أحواضها والمتعطّشون لمعارفها. فطبّقت شهرتها الآفاق وعمّ ذكرها كامل أرجاء المغرب الإسلامي. وانتصب بها منذ أواخر القرن الثالث هجري/ التاسع ميلادي بيتا للحكمة – محاكية لمثيلتها ببغداد في التّبحر في مجالات العلوم الطبيّة والفلكيّة والهندسيّة والتّرجمة – وركّزت مقومات النهضة الفكريّة والعلميّة بالبلاد.


المدرسة المالكيّة


ولعلّ من أبرز إسهامات القيروان في الحضارة العربيّة المغربيّة دورها الديني والرّوحي في ترسيخ العقيدة الإسلامية بالمغرب الإسلامي . وكان السبق في ذلك للفقهاء العشرة الذين بعث بهم عمر بن عبد العزيز لتفقيه أبناء إفريقية ومساعدتهم على فهم مناسك دينهم فتعدّدت الكتاتيب والحلق وانتشرت المعارف الدينيّة حتى إذا ما آل الأمر إلى الأغالبة ظهرت طبقة يمتاز رجالها بالعكوف على أقوال الأيمة المجتهدين في التشريع يجمعون شتاتها ويؤلفون بين موضوعاتها ويبوّبون مسائلها الفقهيّة وينسّقون أحكامها بعد أن وقفوا على تفسير القرآن وعرفوا رواية الحديث والسنن. ومن أعلام هذه الطّبقة أسد بن الفرات وعبد الله بن فروخ. ثم انبرت القيروان بعد، ما أنضجته الاختلافات المذهبيّة من مناظرات وتيارات دينيّة، إلى المالكيّة ،وان نشأ هذا المذهب بالمدينة فقد كان للقيروانيين شرف تدوينه على يدي أسد بن الفرات ، ثم سحنون بن سعيد ( المتوفى سنة240هـ) المؤسس الأول لمدرسة الفقه المالكي بإفريقية وأبرز علم في المعرفة الدينيّة بالمغرب الإسلامي قاطبة . وقد واصل تلاميذه إنضاج هذا المذهب بالتبحّر في أبوابه وتفسير أقوال من تقدّم وإيضاح آرائهم ومحاولة تعميم مشاربه ليكون مستوفيا لحاجة المجتمع ومعبّرا عن مآربه، فكانت مؤلّفات محمّد بن سحنون ( المتوفى سنة 255هـ) في البيوع ويحي بن عمر ( المتوفى سنة 289هـ) في أحكام السوق ومحمد بن عبدوس ( المتوفى سنة 260هـ) في تفاسيره . ورغم الاضطهاد الذي تعرض إليه أعلام المالكيّة على يدي الشيعة فانّهم استطاعوا ترسيخ المجتمع الإفريقي خلال العهد الفاطمي، في انتماءاته السنيّة واستيفاء مقوّمات المذهب وتنويع فروعه . ومن أبرز شخصّيات هذا الطور عبد لله بن أبي زيد القيرواني (المتوفى سنة 386هـ) صاحب الرّسالة و النوادر والزيادات على المدونة وأبو الحسن القابسي ( المتوفى سنة 403هـ) وأبو عمران الفاسي ( المتوفى سنة 430 هـ) .

وبذلك يعود الفضل إلى القيروان في إنضاج الفكر المالكي ونشره في كامل بلاد المغرب فكان أحد مقوّمات وحدة الديار والمصير وحاميا للمجتمع المغربي من آفات التناحر المذهبي .


المدرسة الطبيّة والعلميّة


لقد قامت بالقيروان مدرسة طبيّة متميّزة ترعرعت على يدي إسحاق بن عمران الوارد من بغداد وما تولاه من نشر المعارف الطبيّة التي كانت نافقة بالمشرق على اثر حركة التّرجمة التي ازدهرت على يدي الخليفة المأمون. وكان إسحاق حاذقا عارفا بتركيب الأدوية، وهو أول من انصرف بإفريقية لاعتماد التجربة الطبيّة وكتب في مجالات عدّة منها الأدوية المفردة والصفد والنّبض، وتميّز بمؤلّفه في الماليخوليا الذي لم يسبق للعرب أن ألفوا فيه . وكذلك نحا نحوه إسحاق بن سليمان الواصل من مصر وكان له الفضل في نقل الكثير من العلوم الطبية اللاتينية والإغريقية ووضع كتابا في الحميات وآخر في الأغذية ، واستحكمت على يديهما قواعد المعرفة الطبيّة والصيّدليّة بإفريقية وتتلمذ عليهما نخبة من الأطباء كعليّ ابن إسحاق بن عمران ودوناش بن تميم، وتواتر ذكر الأطباء في كتب الطّبقات الموضوعة في أبواب مختلفة الى أن بلغت المدرسة الطبيّة الإفريقية نضجها في العهد الفاطمي وفي أيّام صنهاجة على يدي أحمد بن الجزّار المتوفى سنة 369هـ و هو الذي كان أمامها بدون منازع،واسع المعرفة والاطّلاع في مختلف الاختصاصات صيدلانيّا ممارسا ألّف في مختلف العلوم حتى فاقت تآليفه الأربعة والأربعين كتابا ، أهمّها زاد المسافر الذي حظي بمنزلة كبيرة جدا في المشرق العربي وفي الأندلس وكتاب طب الفقراء الذي لم يسبق أن ألّف فيه . واستطاعت مدرسة القيروان الطبيّة بفضل ابن الجزّار أن تضاهي مثيلتها بالمشرق وأن تشعّ على الثّقافة الأوروبية في القرون الوسطى وكان لها أبلغ الأثر في نقل المعارف الطبيّة العربيّة إلى بلدان الحوض الشّمالي للبحر الأبيض المتوسّط عبر جامعات سالرن ومونبلي وبلاد الأندلس. وقد ترجمت العديد من المؤلفات الطبيّة الإفريقية إلى اللاتينية واليونانيّة والعبريّة حتى أنّنا لا نعرف أي طبيب عربي حظي ممّا حظي به ابن الجزار من الترجمات إلي مختلف اللّغات العالميّة خاصّة عن طريق قسطنطين الإفريقي الذي ترجم كتاب الماليخوليا لإسحاق بن عمران وزاد المسافر وكتاب الخواص وكتاب المعدة وكتاب طب الفقراء والمساكين لابن الجزّار .

وقد تواصلت هذه المدرسة رافدا كبيرا من روافد المدرسة الطبيّة الأوروبيّة.


المدرسة الأدبية


والقيروان اشتهرت إلى جانب ذلك بأدبائها وشعرائها ونقّادها. فبعد طور التلقي والدربة على الأساليب الشعريّة والبلاغية العربيّة، وبعد أن تم صقل المجتمع الإفريقي ليصبح مجتمعا عربيّا فكرا ولغة وعقيدة ، انبرى المولدون لتقليد أفذاذ الأدب العربي فسطع نجم ابن هاني الأندلس ( المتوفى سنة 362 هـ) بشعره الناضج والمتجبّر حتى سمّي بمتنبّي المغرب، ثم تبسط أهل إفريقية في العيش وركنوا إلي البذخ والترف ... وجنحوا إلى الآداب الرفيعة فزها الأدب..... وراجت سوق الأفكار أيما رواج.

وبلغت حضارة القيروان أوجها في العهد الصنهاجي فخطر الأدب من نثر ونظم في حلّة التفنن والرقة. وظهر فيه الاختراع وبرز استقلال المغرب عن المشرق في إبداعاته ومصادر إيحاءاته ووجوه بيانه. وليس أدل على ذلك من ظهور حركة نقديّة مساوقة للإبداع الشعري فكان عمدة ابن رشيق ( المتوفى سنة 456هـ) وسبقه ممتع إبراهيم النهشلي وتلاه كتاب رسائل الانتقاد لمحمّد بن شرف. ويقول ابن خلدون في شأن العمدة: " هو الكتاب الذي انفرد في صناعة الشعر وأعطاها حقها ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده مثله" .

وتميّز من الشعراء الحصري القيرواني ( المتوفى سنة 488 هـ) برقّة شعره وابن شرف ( المتوفى سنة 460هـ) وكان لهما شرف تمثيل أدب الهجرة واللّوعة إلى الأوطان الذي تأثر به شعراء الأندلس فيما بعد ويضاف إليهما تميم ابن المعز

( المتوفى سنة 501هـ) الذي أبقى على ديوان ضخم ينبض وجدانا ومرارة.


المدرسة المعماريّة


ومن البديهي أن ترتسم مختلف ملامح هذا التمدّن والتّحضر على العمارة فتنشأ مدرسة معماريّة قيروانيّة. فقد كانت القيروان في أول أمرها تتقبّل الأنماط الهندسية الواردة إليها من المشرق عامّة وعواصم الخلافة خاصّة ، فتتولّى استيعابها ومزجها بالعنصر الإفريقي وهو ما سمح بنشأة مدرسة هندسيّة إفريقية ذات خصائص متميّزة تعرف بمدرسة القيروان نسبة إلى المدينة التي كانت تمثّل همزة الوصل بين المشرق والمغرب والتي أفرزت وأنضجت هذه الأنماط الهندسيّة حتى أصبحت قوالب معماريّة متعارفة .

وتختصّ مدرسة القيروان المعماريّة بتشبثّها بأنماطها التي بلورتها منذ أواسط القرن الثالث هجري وبوفائها لمناهلها الشامية الأصليّة رغم مواكبتها لبعض التيارات الزخرفيّة والمعماريّة التي ظهرت في العالم الإسلامي خلال العصر العبّاسي خاصّة فيما يتعلّق بالقباب ذات الحنايا الركنيّة والزّخارف المتأثّرة بطراز سامراء وان كان الفضل يعود إلى إفريقية في المحافظة على المدرسة الأمويّة ، فإنها استطاعت كذلك تطويرها وإثرائها لتصبح متميّزة بها من خلال التخطيط المتعامد وإقامة قبّة ملاصقة لجدار القبلة عند التقاء البلاطة المحوريّة والبلاطة الموازية لجدار القبلة ، وكذلك بالانفراد من دون المدارس المعماريّة الإسلامية بإضافة رواق للقبلة وإقامة قبّة في وسطه. وتبدو العمارة الأغلبية القيروانيّة منبسطة وممتدّة أفقيّا تتحاشى الارتفاع والأبّهة . كما تختص الزّخارف القيروانيّة من نباتيّة وهندسيّة بنضجها بالنسبة لمثيلاتها في الفن الأموي.

وقد امتازت مدرسة القيروان بتواصلها الزّمني بإفريقية وبانتشارها الجغرافي شرقا إلى مشارق النيل وغربا عند بحر الظّلمات .

وقد استطاعت الأنماط القيروانيّة أن تفرض تجذّرها بإفريقية إلى العصر الحديث ولم تتراجع عن سيطرتها المطلقة إلا بمجيء العثمانيين ومن خلال ما لحق إفريقية من تأثيرات أندلسيّة ومغربيّة بعد طرد المسلمين من الأندلس.

وقد شملت مدرسة القيروان صقليّة النورمانيّة حيث أن أغلب كنائسها ككنيسة سان جيوفاني دل أرميتي وقصر العزيزيّة وقصر القبيبة وقصر القبّة قد استمدّت أشكالها من المعالم الإفريقية خاصّة من حيث استعمال المحاريب كعناصر زخرفيّة واتّخاذ القباب ذات الحنايا الركنيّة .

ويمكن الجزم بأن المناطق المغربيّة التي كانت مرتبطة سياسيا وتاريخيا وعقائديّا بإفريقية ، قد تأثّرت بالمدرسة القيروانيّة ، من ذلك فان منارة جامع بني حماد تعتبر من طراز المنارات القيروانية .


المرة القادمة


اعلام القيروان


تحياتي
الجزء الثانى من موضوع (هل زرت القيروان)
http://www.albshara.com/showthread.php?t=527