المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقدمات العقاب بين مفهوم العدل والرحمة ونصوص الكتاب المقدس



ابن النعمان
2011-07-03, 08:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

مقدمات العقاب تحت مفهوم الرحمة والعدل

اولا : الانذار بالعقاب
الإنذار بالعقاب مسلك هام للقوام والصلاح وبذلك يكون من الرحمة مع كونه من العدل أيضا لان القوام و الصلاح سوف يستجلب رضا الرب وثوابه لانه على الاقل سوف يبث في الإنسان الخوف من فعل الخطيئة ويحثه على عدم الوقوع فيما سوف يجلب له العذاب المهين وبذلك سوف يكون هناك مجال في ان يصبح الانسان بعيدا عن كل ما يستجلب غضب الله وعقابه عن طريق بضع كلمات بسيطة لن تكلف شىء . يمكننا إن نقول اذن بان العقاب ليس من الرحمة فقط بل هم أيضا من اهم أساسيات العدل ومتطلباته كما ان الإنسان لا يمكن عدلا أن يطالب بواجبات متعلقة بقصور خارج عن إرادته وهضم بعض حقوقه وسوف يتمثل القصور في عدم الإنذار والتحذير المسبق قبل الأخذ على الفعل وتجريمه وطبيعي اذا لم اخذ ما يحق لي فلا أطالب بما يستحق على.
نقلا عن (كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى - سعيد بن علي بن وهف القحطاني – إصدار وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية)
يقول الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني : مسلك الترهيب والانذار هو من الأمور النافعة المفيدة في حمل الناس على ترك الجرائم والذنوب، والتحذير والإنذار من كل المعاصي، والإصرار عليها.


ثانيا : تجريم الفعل بنص شرعى

لا تجريم للفعل قبل ورود الشرع ولا عقاب قبل التجريم : فالأفعال إنما تضاف لهذا الوصف- وصف التجريم- إذا ورد في الشرع نص يحرمها ويعتبرها جرائم .( عن كتاب الجريمة والعقاب فى الاسلام)
وفى هذا رحمة أيضا بالجاني حتى لا يجلب على نفسه الضرر بعقاب الدنيا والآخرة وفى نفس الوقت رحمة بالمجتمع الذى سوف يتضرر من جراء هذه الجرائم التى يمكن الحد منها إذا توفر المطلب السابق .
وبالتالي لا يكون هناك مجال لهذه المقدمات إلا في في إطار الرحمة والعدل ورفع الضرر عن الفرد والمجتمع سواء كان الجاني أو المجني عليه .
ثالثا : بيان نوع وحجم العقوبة

بيان حجم ونوع العقوبة أيضا من اهم أساسيات و مبادئ العدالة الدولية التفت إليه تقريبا عامة البشر لكونه مندرج تحت نطاق الفطرة والبديهيات العقلية كما انه لم يغيب عن فقرات الكتاب المقدس وهذا هو المهم ولن تجد اى إنسان على ظهر الأرض بغض النظر عن عقيدته او دينه يخرج عن تلك البديهيات عند تحذير ابنه الصغير او جاره الفاسد او عدوه اللدود او حتى عند مزاحه مع صديقه الحميم ودائما ما نسمع هذه المقولة مرارا وتكرارا –عارف لو ما سكتش هعمل فيك كذا وكذا- وان لم يجد الظالم سببا يختلق سببا ليجعله بدوره سببا فى العقاب وهو يعلم بكونه عاري تماما عن الصحة ولكن الفطرة تحتم عليه ان يجعل لكل شيء سبب, كما ان الإعلام سوف يساعد في ابتعاد الجاني على الأقل عن العقوبات الغليظة المترتبة على الجنايات الكبيرة وفى ذلك رحمة به (الجاني) وبالمجتمع فى نفس الوقت.
رابعا : التكافى بين حجم الخطيئة وحجم العقاب.

استقر مبدأ العقوبة على قدر الجريمة كمبدأ للعدالة الدولية، (قانون مكافحة الارهاب والقانون الدولى – عبد النبى العكرى - الحوار المتمدن - العدد: 1208 - 2005 / 5 / 25 ) .
وفى ذلك يقول الدكتور احمد الكبيسى استاذ الشريعة بجامعة بغداد : لا بد أن يكون العقاب مكافئا للجريمة، مع عدم مجاوزة ما يستحقه الجاني من العقاب (مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – اصدار الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة - ملتقى اهل الحديث )
وفى اطار هذه الجزئية ورد فى كتاب قصة الحضارة إصدار الموسوعة الشاملة : وإذا لم تكن الذنوب كلها بدرجة واحدة ولا من نوع واحد فقد جعلت النار سبع طبقات في كل طبقة من العقاب ما يتناسب مع الذنب الذي ارتكبه المذنب، ففيها الحرارة التي تشوي الوجوه، وفيها الزمهرير، وحتى من يستحقون أخف العقاب يلبسون أحذية من نار، ويشرب الضالون المكذبون من الحميم وشرب الهيم (سورة الواقعة 40 وما بعدها)
و ورد أيضا في نفس الكتاب أن قس انجيليزى قصاص يدعى آدم ده رس Adam de Ros في قصيدة طويلة طواف القديس بولس في النار يقوده الملاك ميخائيل؛ وينطق ميخائيل بوصف مراتب العقاب التي توقع على درجات الذنوب المختلفة، ويظهر بولس وهو يرتجف من هذه الأهوال إذن إذا كان هناك درجات للذنوب من الكبائر إلى الصغائر فهناك مراتب للعقاب خاصة بكلا منهما وهذا شيء فطرى متعلق بالنفس الإنسانية والعدل .

ابن النعمان
2011-07-03, 08:35 AM
تأملات فى عقوبات الكتاب المقدس تحت ضوء المقدمات السابقة


1- كل العقوبات التى وردت فى الكتاب المقدس سواء كانت لأفراد (الزاني , القاتل , السارق ,.. إلى اخره ) او لمجموعات مكونة لشعوب وقبائل (قوم نوح , اهل نينوى ,..الى اخره ) لم تتعدى إلى عقاب افراد آخرين غير الخاطئين وكذلك المجموعات تطبيقا لما ورد في الكتاب المقدس (النفس التى تخطيء هى تموت لا يحمل الابن من إثم الأب ولا يحمل الأب من اثم الابن بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون) . (حزقيال 18 : 20).
وما ورد في القرآن الكريم { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } الاية 164 من سورة الأنعام ، { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } الآية 197 من سورة النحل ، { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } الآية 39 من سورة النجم ، { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } الآية 123 من سورة النساء ، { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } الآية 38 من سورة المدثر
مع العلم بان الله غفر لأهل نينوى ورفع عنهم العقاب بطريق اخر غير الصلب او الفداء (الصلاة والتوبة ...وقد وردت هذه الوسيلة في الكتاب المقدس وبالتحديد فى سفر إشعياء الإصحاح 55 : 7 " ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران "
وفى سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح 7 : 14 " فإذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم "
مع العلم بان الزانى لن يؤخذ لقب زانى الا اذا زنى .
2- كل العقوبات التى وردت فى الكتاب المقدس سبقت بتجريم الفعل وصاحبها الانذار والتحذير وقدر وجنس العقاب وان شئت فقرأ معى ما ورد فى سفر التكوين (2-17)(واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها تموت موتا) حيث تضمنت هذه الفقرة تجريم الفعل (فلا تأكل منها) والانذار والتحذير(لانك يوم تأكل منها تموت موتا) وبيان نوع وحجم العقوبة (الموت) وسار الكتاب المقدس على هذا النهج فى كل فقراته المتعلقة بالعقاب بداية من الفقرات السابقة ونهاية بالايات التى حذر فيها السيد المسيح عليه السلام من يغتابه كما ورد فى انجيل متى الاصحاح الثانى عشر الفقرة 32: ومن قال كلمة على ابن الانسان يغفر له.واما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي.
او تلك التى حذر فيها الخائن يهوذا الاسخربوطى او الشخص عامة الذى سوف يوشى به لدى السلطات الرومانية باصطحابه الى العالم الاخر .
ولكن المهم ان كل ذلك لم يتوفر لابناء ادم لكونهم كانوا في حيز العدم اثناء الفعل وبذلك لا يمكن انذارهم اوتحذيرهم أو اعلامهم بشىء ولا مجال للقول هنا بان القانون لا يحمى المغفلين .
ومن ناحية اخرى لا يمكن ان احكم على انسان فاشل بالرسوب بدون ان اجرى له اختبار شخصى يقر ذلك والا لخرجت عن المفاهيم والاعراف والقيم والمبادىء الانسانية .
حتى في القوانين الوضعية لابد ان يكون المجرم متلبسا بالجريمة حتى اجد مبررا لعقابه مع علمى بأجرامه وفساده وحيوده عن الحق والصواب والا لخرجت على الاقل عن اطار العدل .
ولا يستطيع اى انسان ان ينكر اختلاف البشر بعضهم عن بعض ويكفيه نظرة واحدة عابرة فيرى المؤمن والكافر .. الصالح والشرير .. القاتل والمقتول .. الجانى والمجنى عليه .. المعترف بالخلاص حسب معتقد النصارى وغير المعترف وكل هذه الفئات تندرج تحت مسمى واحد (انسان) فلا يمكن اذن إن ننكر الاختلاف والتفاوت بين البشر بعضهم البعض .
3- بالنسبة للعقاب الذي حدث لكلا من الإنسان والمرأة والحية كما ورد فى سفر التكوين دعنا نتساءل معا هل هو عقاب شديد أم مناسب أم يسير فإذا كان هذا العقاب عقاب شديد فانه سوف يتعارض مع كلا من صفتى العدل والرحمة وتناسب العقوبة مع حجم العقاب ويصبح في أفضل الأحوال ظلم بين أما إذا كان العقاب مناسب فسوف يكون كل ما يعتقده النصارى من فداء و صلب للمسيح وتوفيق بين العدل والرحمة وغير ذلك أوهام وأباطيل لان ادم أخطا واخذ العقاب المناسب لهذه الخطيئة وبذلك لن يكون هناك حاجة إلى أن يأتي من يحملها عنه وخصوصا إذا كان العقاب لا يزال مستمرا وهذا ظاهر وجلي للجميع لكلا من الحية , و ادم , وحواء بعد صلب المسيح المزعوم كما يعتقد النصارى ونأتي للاحتمال الأخير وهو كون العقاب يسير فإذا كان العقاب يسير فسوف يكون هناك ما هو اشد منه كدخول النار فيكون بذلك حدث حيود عنه اى من العقاب الشديد إلى العقاب اليسير والصفة الوحيدة التي تغير العقاب من الشدة الى الضعف عن طريق التخفيف الرحمة واذا خففت الرحمة من شدة العقاب يمكنها ان ترفعه حسب الإرادة الإلهية بدون اى تعقيدات لأنها اذا تعاملت مع الجزء فى صورة تخفيف بدون الحاجة الى فداء او توفيق بينها وبين العدل يمكنها ان تتعامل مع الكل فى صورة رفع العقاب مطلقا بدون الحاجة أيضا إلى ما يسمى بالتوفيق بينها وبين شيء آخر لان الرحمة ببساطة عطاء وليست مقايضة وبذلك يكون مصطلح التوفيق بين العدل والرحمة مصطلح خاطئ تم وضعه ممن يتمتعون بعمى البصر والبصيرة لتبرير معتقداتهم والأسوأ من ذلك هو الفهم الخاطئ لهذا المصطلح أيضا واتحدي بعون الله أن يفسر او يشرح لى احد المسيحيين هذا المصطلح (توفيق بين العدل والرحمة ) تفسيرا صحيحا ويكون هذا التفسير الصحيح متفق مع ما يعتقده .
وإذا تصورنا أن هناك توفيق بين العدل والرحمة فلن يكون هناك توفيق أفضل من حرمان ادم من نعيم الجنة عقابا له وعدم إدخاله النار رحمتا به و الذى تم فعلا بإنزاله إلى الأرض .