المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزى الابيض والمصحف



ابوالسعودمحمود
2011-08-06, 10:33 PM
الزي الأبيض والمصحف ـ إيمان القدوسي


http://www.almesryoon.com/images/%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A.jpg
إيمان القدوسي | 06-08-2011 02:15

تأتي دراما الخيال بمقدمات للحدث فأنت تعرف منذ الوهلة الأولي أن البطل مصيره السجن بسبب أفعاله ، في دراما الخيال سقف الأحداث محدود بخيال المؤلف ،أما دراما الواقع فإنها لا تلتزم بذلك ، أحيانا تأتي الأحداث مفاجئة عكس مقدماتها و أحيانا أخري تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .

كانت المرة الأولي التي أري فيها متهما يهمني أمره يقف في قفص الاتهام بالزي الأبيض ممسكا المصحف بيده و أنا زوجة صغيرة لا أعرف من أمر الدنيا شيئا وتكاد صفحة خبرتي أن تكون بيضاء ، كان المتهم شابا وسيما ذو لحية سوداء يدور بعينيه في المكان باحثا عني ، فقد فرقت بيننا القضبان ولم نتقابل منذ شهور طويلة ، كان زوجي .

لم أكن أحب أن أتطرق لذكريات السجن والمحنة فهي أمر يخصنا وحدنا ، واختيار يلزمنا تحمل تبعاته ، ولكنني كما يقولون عشت لأحكي ، البوح لا يأتي إلا بعد مدة طويلة يكون الحدث قد أخذ دورته ليكتمل وينضج ، وتكون المسافة بيننا وبينه قد أتاحت لنا وضوح الرؤية .

لم تكن مقدمات حياتي كفتاة مسالمة من أسرة طيبة تنذر بتلك النتيجة وجاء الحدث مفاجئا تماما لأنني لا علم لي بخلفياته ، وكانت كل معلوماتي عن السجن وزائريه أضغاث أوهام وخيالات بعيدة لا تقع في مجري إدراكي الرئيسي ولماذا أعرف شيئا لن أقابله قط في حياتي ؟ ولكن فجأة اصطدمت سفينة حياتي به وهاهو زوجي يسألني بلهفة يحاول أن يداريها عن حالي ؟ لست ثورية مقاتلة مثله ولكن صلابة المرأة الحقيقية في أخلاقها ويقينها بالله ، ولدهشتي الشديدة لم أكن خائفة أو منهارة بل كانت تملؤني السكينة والرضا والامتثال لقدر الله .

بعد ذلك ولعقود اعتدت مرأي الأخوة بالزي الأبيض والمصحف فلا يوجد من ينتمي للتيار الإسلامي ولم يتعرض لمحنة السجن والاعتقال ، ربما أقابل إحدي الأخوات في مناسبة ما فتقول لي ( هل تقابلنا عند السجن يوما ؟ شكلك مش غريب علي ) وهكذا بينما تتقابل نساء النخبة المسيطرة في النوادي والحفلات ويتعارفن ، كنا نتعارف في الزيارة .

في تلك الفترة رأيت رؤية كأنني أجلس في مقاعد المتفرجين بينما ( مبارك ) هو المتهم وكأن الأدوار بيننا قد تم تبادلها وفجأة جاء ليصافحني ، وعندما رويتها لزوجي قال بغيرة ابن العشرين ( وكيف تصافحين رجلا غريبا ؟ ) المصافحة فيها كل حروف ( الصفح ) وفيها معني المساواة وفيها أيضا تبادل الأدوار بين أهل الدنيا التي هي دار امتحان وساعة يستظل بها المسافر ثم يعود إلي ربه تاركا متاعها وراءه ، وإذا التفت يري أن زينتها وألقابها ومناصبها وجبروتها كانت متاع الغرور .

اليوم كنت أجلس بجوار زوجي وقد ابيضت لحيته وترك الزمن بصماته لدينا ، كنا في مقاعد المتفرجين بينما مبارك في قفص الاتهام ونجلاه جمال وعلاء قد ارتدي كل منهما الزي الأبيض وهو يقف ممسكا المصحف بيده ، سبحان من له الدوام وحده ، سبحان المعز المذل ، بيده وحده مقاليد الأمور ، من كان يتخيل هذا المصير لحاكم مصر القوي ووريثه العنيد ؟ هل فعلها الثوار حقا ؟ مهما كان سعيهم مشكورا إلا أن الأمر أولا و أخيرا بيد من يقول للشئ كن فيكون ، كن رئيسا فيكون ، كن سجينا فيكون ، لا يحتاج الأمر مقدمات ولا تمهيد .

المحنة دفعت جمال وعلاء للاحتماء بالمصحف وهذا حقهما كمسلمين لا ينازعهما فيه أحد ، المصحف هو كتاب الله المفتوح أمام كل مسلم والدعاء هو الطرق علي باب الله لعله ينفتح للمقبولين والتوبه هي باب الرحمة الذي لا يملك الناس إغلاقه أمام أي مخلوق ، في المصحف آية نحتاج تلاوتها بجباه ساجدة ونفوس خاشعة تقول (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شئ قدير )