المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة و احدة فك رقبة ترد على الأعداء



ismael-y
2011-08-23, 07:36 AM
من كتاب الاسلام محرر العبيد التاريخ السود للغرب لحمدي شفيق
فَـك رقبـة
آية حكيمة خالدة مكونة من كلمتين فقط حَرَّر الله تعالى بها عشرات الملايين من الأنفس على مدار 14 قرناً من الزمان . كلمتان فقط: "فك رقبة" - فى سورة البلد الآية:13- هما دستور الحرية والإعلان الإلهى لعتق المعذبين فى الأرض قبل الإسلام .. ولا ندرى كيف لا يخجل الزاعمون أن الإسلام يؤيد الرق من أنفسهم ، رغم وجود كل تلك النصوص الصريحة فى القرآن عن "تحرير رقبة" و"فك رقبة" ؟!! والمراد هنا العتق الاختيارى تقرباً إلى الله تعالى .أما حالات التحرير الوجوبى فقد سبق الكلام عنها فى الفصل السابق.
يؤكد المفسرون(1) تعليقاً على تلك الآية الخالدة التى جاءت فى سياق قوله تعالى : "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة" (البلد : 11-13) أن اجتياز العقبة التى هى أهوال يوم القيامة – أو جهنم أو جبل فى جهنم حسب رأى آخرين– لا يكون إلا بالأعمال الصالحة فى الدنيا ، وعلى رأسها "فك رقبة" أى تخليص نفس من الرق ، إما بالعتق لها كلّيا بأن يحرّر السيد رقيقه بلا مقابل ، أو أن يشترى رقبة فيعتقها، أو بإعانة مكاتب على دفع المستحق لمالكه نظير تحريره (2).
وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه إلى أن العتق أفضل من الصدقة ، مستدلاً بهذه الآية الكريمة التى جاء ذكر فك الرقبة فيها قبل باقى الحسنات الأخرى مثل "أو إطعام فى يوم ذى مسغبة" (البلد : 14) . وهو رأى عبقرى يدل على سعة أفق الإمام وإدراكه للقيمة العظمى للحرية فى الإسلام ، حتى أن الله تعالى قدمها على إطعام الفقراء والمساكين بل والأيتام من ذوى الأرحام .. وأورد الإمام القرطبى رضى الله عنه فى تفسير الآية أن رجلاً سأل الشّّعْبى : أين يضع فضل النفقة ، فى ذى قرابة أم يعتق رقبة ؟ فقال الشّعبى : عتق الرقبة أفضل ، مستدلاً بالحديث الشريف "من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضواً منه من النار" . وقال القرطبى رضى الله عنه : الفك : حل القيد، والرق قيد ، وسُمى المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط فى رقبته ، وسُمى عتقها فكاً مثل فك الأسير من قيوده" . وأورد القرطبى كذلك حديثاً عن عقبة بن عامر الجُهنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار" . والأحاديث الشريفة فى العتق وفضله كثيرة ومتواترة فى كل كتب السُنِّة والصحيحين . كما أنه لا يخلو كتاب منها ولا من كتب الفقهاء القدامى من باب أو كتاب كبير يُسمى "العتق" .
وقد سأل رجل النبى عليه السلام عن عمل يُقرِّبه إلى الجنة ويباعده عن النار فأرشده قائلاً : "أعتق النسمة . وفك الرقبة" فقال الرجل : أو ليسا واحدا ؟ فأجابه عليه السلام: "لا . عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين فى ثمنها"(3).
ومن الأحاديث الواردة فى فضل العتق ما رواه الشيخان البخارى ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"أيَّما امرئ مسلم أعتق امرءًا مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً منه من النار" وتمامه فى البخارى : "حتى فَرْجه بفَرْجه" (4).
وقال الصنعانى فى سبل السلام : عتق الكافر يصح أيضاً ، وفى تقييد الرقبة المعتقة بالإسلام دليل على أن هذه الفضيلة لا تُنال إلا بعتق المسلمة ، وإن كان فى عتق الرقبة الكافرة فضل ، لكنه لا يبلغ ما وعد به هنا من الأجر . انتهى (5) .
وروى أبو داود "وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار". ويرى بعض الفقهاء أن عتق الذَكَرِ أفضل ، لكننا نرى صواب رأى فريق آخر ذهب إلى أن عتق الأنثى أفضل ، لأن ولدها كلهم يكونوا أحراراً سواءً تَزَوَّجت بِحرًّ أو عبدٍ ، فالأولاد يتبعون الأم فى الحرية ، وبذلك تكون دائرة التحرير أوسع نَطاقاً وأكثر عدداً . ونحن نرى كذلك أن الرق أشد وأقسى على الجارية ، لضعف المرأة ورقة حالها ، فتخليصها من الرق أولى عندنا من الذكر الذى يمكنه التحمل أكثر من أخته إلى أن يُيَسِّر الله له سبيلاً إلى التحرير بدوره بالمكاتبة أو غيرها . وروى البخارى ومسلم أيضاً عن أبى ذر رضى الله عنه : سألت النبى صلى الله عليه وسلم: أى العمل أفضل ؟ قال : "إيمان بالله وجهاد فى سبيله" قلت: فأى الرقاب أفضل ؟ قال : "أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها" متفق عليه (6) .
قال النووى : محل الحديث فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة ، أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلاً فأراد أن يشترى بها رقاباً يعتقها ، فوجد رقبة بألف واثنتين بألف درهم ، فتحرير الإثنتين أفضل من الواحدة . ويبدو لنا بوضوح سعة أفق الإمام النووى رضى الله عنه وإدراكه الصائب لفلسفة التحرير فى الإسلام ، وأن المنهج هو التوسيع وزيادة أعداد المعتقين بقدر الإمكان . ولكن الصنعانى يستدرك على ما قاله النووى فيقول : الأولى ألا يؤخذ هذا كقاعدة كلية ، بل يختلف بإختلاف الأشخاص ، فإن كان شخص بمحل عظيم من العلم والعمل وانتفاع المسلمين به أفضل ، فعتقه أفضل من عتق جماعة ليس فيهم هذه السمات ، فيكون الضابط إعتبار الأكثر نفعاً للمسلمين . ومعنى "أنفسها عند أهلها" أى ما كان سرورهم بها أشد ، وهو الموافق لقوله تعالى : "لن تنالوا البِرَّ حتى تنفقوا مما تحبون" (آل عمران: 92) . انتهى (7) .
وروى البخارى عن أبى موسى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كانت له جارية فَعَلَّمها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران" . ويقول الدكتور موسى شاهين لاشين : له أجر التربية والإحسان وأجر زواجها من الحرّ ورفع مكانتها (8) .
تعـليق
هذا الحديث الشريف فى رأينا يظهر بوضوح حرص الإسلام على مصير الجوارى حتى بعد التحرير ، كما أنه يحث السادة على تعليم الرقيق وحسن تربيتهم بالضبط كما يفعلون مع أبنائهم وبناتهم الذين هم من أصلابهم . فعليهم أن يحصّّنوا الرقيق بكل العلوم النافعة والأخلاق الحميدة ، ثم لا يترك الجارية بعد عتقها للضياع فى المجتمع ، وقد لا يكون لها مكان تذهب إليه أصلاً سوى بيت السيد السابق .. وحيث أنها صارت أجنبية لا تحل له بعد تحريرها ، فلا سبيل سوى أن يتزوّجها هو أو أحد أقاربه أو معارفه من الأحرار الصالحين .
وقد أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم جويرية وصفية وريحانة وتَزَوَّجَهن، فضرب بذلك المثل والقدوة لغيره من المسلمين . كما أعتق حاضنته أم أيمن وزَوَّجَهَا مولاه زيد بن حارثة كما سيأتى فى الفصل الأخير . ومن ذلك نلاحظ كيف يقضى المنهج العظيم تدريجياً على آثار الرق البغيض فى المجتمع . فإذا تحرّر الرقيق ثم اختلط بالأحرار عن طريق الزواج والوَلاَء الذى هو كالنسب – قرابة الدم – فلا تبقى هناك أية فروق بين الفريقين ، وخلال جيل أو اثنين فقط تتلاشى تماماً آثار الرق ، ويصبح مجرد ذكرى غابرة لا يهتم بها أحد .
التوسع فى إجازة العتق
وكذلك نلاحظ أن فقهائنا العظماء قد توسعوا فى قبول تصرف العتق ، لشدة الحرص على توسيع نطاق الحرية فى المجتمع . ومن ذلك أنهم أجازوا للصبى الذى عمره عشر سنوات فقط أن يعتق عبده أو جاريته . كما أجازوا للبنت المالكة أن تعتق عبدًا أو جارية وهى فى سن التاسعة فقط . بل يذهب الإمام مالك رضى الله عنه إلى أبعد مدى ، فيُجيز العتق حتى ولو كان المالك قد نطق بكلمة التحرير على سبيل الخطأ ، ويُجيز عتق الناسى . وكما رأينا قرر الفقهاء أن عتق السكران يصح عقاباً له من ناحية وحرصاً على حق المملوك فى الحرية من ناحية أخرى ، و عتق الهازل يكون سارى المفعول ، وهذا كله يأتى تغليباً لمصلحة المماليك فى الحصول على الحرية بأية وسيلة ولأى سبب ممكن .
يتيع

ismael-y
2011-08-24, 12:37 AM
أساس المنهج
إن من يتأمل النصوص يكتشف فوراً أن منهج التحرير ينطلق من صلب العقيدة الإسلامية ذاتها .. فالله سبحانه وتعالى هو وحده "رب العالمين" جميعاً بلا فرق بين عبد وحر، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين ذكر وأنثى ، ولا بين حاكم ومحكوم.. إلخ .
بل إن معنى شهادة لا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله ، ويترتب على ذلك أن الكل هم عباد وعبيد لله وحده، مفتقرون ومتذللون له وحده ، ولا سلطان لأحد على الناس إلا لرب الناس، حرّهم وعبدهم، غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم . فالكل ولد آدم وآدم من تراب . والله كَرَّم البشر جميعًا حُرّهم وعبدهم ، قال تعالى : (ولقد كَرَّمنا بنى آدم ..) من الآية 70 من سورة الإسراء . كما أن الآية الكريمة رقم 13 من سورة الحجرات واضحة كل الوضوح في هذا الصدد : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم...) فالكل ولد آدم، ولا تمايز بينهم بسبب عرق أو لون أو جنس، ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى. والعبد التقي خير وأحب إلى الله من ملك فاجر، والأَمة السوداء المؤمنة خير من سيدتها الكافرة . كما نص القرآن الكريم على أن : (بعضكم من بعض) سورة النساء الآية 25 .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر – أبيض – على أسود إلا بالتقوى"(4) .
وفي جزء من حديث رواه مسلم "هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم"(5) .
فالعبد هو أخ للسيد في الإنسانية، وليس "متاعاً" أو "حيواناً" يملكه كما كان الآخرون قبل الإسلام يعتقدون .
وهناك أحاديث أخرى تنص على المساواة بين بني الإنسان أحراراً كانوا أم عبيداً، بيض البشرة أم سود أم حمر، من أقصى الشمال أو الجنوب أو الغرب أو الشرق ، كل ذلك لا يهم ولا يؤثر على قيمة الإنسان .. فهناك حديث "الناس كلهم ولد آدم وآدم من تراب" أخرجه ابن سعد من حديث أبي هريرة ، وليس فيه لفظ "كلهم" كما يقول الصنعاني في (سبل السلام – كتاب النكاح – باب الكفاءة) كما أورد الصنعاني حديثاً آخر "الناس كأسنان المُشط لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى" أخرجه ابن لال بلفظ قريب من لفظ حديث سهل بن سعد .
وأضاف الصنعاني :"أشار البخاري إلى نصرة هذا القول حيث استدل فى باب الأكفاء في الدين بقوله تعالى "وهو الذي خلق من الماء بشراً" (الفرقان:54) ، فاستنبط من الآية الكريمة المساواة بين بني آدم" ، ثم أردفه بمثال استشهد به هو أن أبا حذيفة رضي الله عنه زوّج مولى هو" سالم" من ابنة أخيه "هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة" القرشية الحسيبة النسيبة، وكان سالم عبدا سابقا، لكن أبا حذيفة اختاره لدينه وعلمه وتقواه ..
وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال – فيما يرويه الصنعاني- "الحمد لله الذي أذهب عنكم عبيـة الجاهلية وتكبّرها، أيها الناس إنما الناس رجلان : مؤمن تقي كريم على الله أو فاجر شقي هيّن على الله" ، ثم قرأ الآية، وقال صلى الله عليه وسلم : "من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله" ، فجعل الإلتفات إلى الأنساب من رواسب الجاهلية وقبائحها، فكيف يعتبرها المؤمن ويبني عليها حكماً شرعياً ؟! . ويضيف الصنعاني : وفي الحديث "أربع من أمور الجاهلية لا يتركها الناس" و ذكر منها الفخر بالأنساب، أخرجه ابن جرير من حديث ابن عباس . وفي الأحاديث شيء كثير في ذم التعالى والترفع بالأنساب (6) انتهى.
هكذا أثبتت النصوص أن العبيد بشر متساوون مع سادتهم في الحقوق والواجبات . وبهذا رد الإسلام العظيم إليهم اعتبارهم وآدميتهم المهدرة ، وكان هذا أمراً ضرورياً قبل أي حديث عن تحرير هؤلاء المعذبين في الأرض .
إنك لا تستطيع زراعة الأرض - بوضع البذور فيها - قبل تمهيد التربة وتسميدها ، مع توفير المياه لضمان أفضل بيئة ممكنة لنمو هذه البذور بدون عوائق. وهذا بالضبط ما كان ضرورياً بالنسبة لمجتمع ثلاثة أرباعه من الرقيق .
فكان لابد من تهيئة أنفس "السادة" المتكبّرين بجعلهم يتقبّلون أولاً فكرة المساواة بين بني الإنسان جميعاً ، وذات الأمر بالنسبة للعبيد، فقد أرشدهم الإسلام أولاً الى أنهم بشر مثل سادتهم وليسوا متاعاً أو آلات أو بهائم . ومن ذلك ما يروى أن أبا هريرة قال لرجل يركب وغلامه يمشي خلفه : احمله خلفك فإنه أخوك وروحه مثل روحك . هكذا أدركوا حقيقة المساواة فى زمن ما كان أحد فيه يظن أن للعبد روحا كما قال قائل الغرب!!. وبعد ترسيخ فكرة الأصل الواحد للبشر والمساواة الكاملة بينهم في العبادة والعبودية لله وحده لا شريك له ، يمكن مطالبة هؤلاء السادة بحسن معاملة إخوتهم في الله والأصل البشري الواحد ، ثم يأتي تحرير هؤلاء "الأخوة" بوسائل متعددة في سياق تدريجي سلس يتقبله الجميع برضا وطيب نفس وتسامح يزرعه الإسلام في القلوب المؤمنة .
--
ملاحظتي الشخصية أريد التنبيه أن الجهاد اصلا شرع لأجل محاربة الرق و الاستعباد و دليلي
(جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)..!! كانت هذه عبارات الصحابي الجليل ربعي بن عامر عندما تحدث جواباً على سؤال زعيم الفرس الذي واجه شجاعة الصحابة الفاتحين بقوله: لماذا جئتم إلى بلادنا.
---

الإحسان إلى المماليك
لم تعرف البشرية أحداً قبل الإسلام ، حرص على وضع قواعد صارمة تكفل حقوق الرقيق، وتأمر بالإحسان إليهم – طوال الفترة الانتقالية – إلى أن يجعل الله لهم سبيلاً إلى الحرية بالوسائل العديدة والمتنوعة التي وضعها لذلك .
قال الله تعالى في الآية 36 من سورة النساء : "وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم .." يقول الإمام القرطبي تعليقاً على قوله تعالى "وماملكت أيمانكم" : "أمر الله تعالى بالإحسان إلى المماليك" ، ثم أورد رضي الله عنه عدة أحاديث صحيحة تُفَصِّل كيفية معاملة "العبيد "بالحسنى ، منها ما رواه الإمام مسلم وغيره عن المعرور بن سويد قال: مررنا بأبي ذر بالربذة – من ضواحي المدينة المنورة – وعليه بُرُد (نوع من الثياب) وعلى غلامه مثله – أي وجدوه يُلْبس غلامه ثوباً كثوبه تماماً – فقلنا يا أبا ذر لو جمعت بينهما – بين الثوبين – كانت حُلّة، فشرح لهم رضي الله عنه السبب في إكرامه لغلامه قائلاً : " إنه كان بيني وبين رجل من إخواني – الصحابة – كلام ، وكانت أمه أعجمية فَعَيَّرته بأمه ، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية" – أي فيك عيب من عيوب الجاهلية ما زال بطبعك وهو معايرة الناس بأصولهم وأمهاتهم – فقلت – القائل هو أبو ذر – يا رسول الله من سب الناس سبوا أباه وأمه، قال النبي : " يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم, فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون, ولا تكلّفوهم ما يغلبهم ، فإن كلّفتموهم فأعينوهم" .
والحديث رواه البخاري أيضاً باختلاف يسير في الألفاظ (1) .
والحديث الشريف قاطع الدلالة في النهي عن الإساءة إلى العبيد وإثبات " أخوتهم " لمالكيهم، وتحريم سبهم أو معايرتهم بالرق( قال صلى الله عليه و سلم لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم : عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي، وغلامي==) مجرد التلفظ بقول عبد حرام فما بالك بفعل الاستعباد :6_169:
. كما أن في الحديث أمر نبوي نبيل بإطعامهم من ذات الطعام الذي يتناوله السادة ، وكسوتهم من ذات الثياب ، وكذلك تحريم تكليف الرقيق بالأعمال الشاقة التي ترهقهم ، فإن لم يكن هناك مفر من أداء تلك الأعمال الشاقة فلابد أن يساعدهم السادة على أدائها بأنفسهم أو باستئجار من يعينهم عليها . وهناك حديث آخر لمسلم بذات المعنى : " للمملوك طعامه وكسوته ولا يُكَلَّف من العمل إلا ما يطيق" .. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّم مجرد أن يُنادى المملوك بكلمة : عبدي أو أمتي ، حفاظاً على مشاعر هؤلاء المساكين . وقال صلى الله عليه وسلم : "لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي" رواه البخاري وغيره . وهو أيضا التعبير الوارد فى الكتاب العزيز-فتى أو فتاة- فهل هناك تكريم ورعاية لمشاعر النفس الإنسانية المبتلاة بالرق أكثر من ذلك ؟!! ويعلق الإمام القرطبي على هذه الأحاديث الشريفة قائلاً : " ندب صلى الله عليه وسلم السادة إلى مكارم الأخلاق وحضَّهم عليها، وأرشدهم إلى الإحسان، وإلى سلوك طريق التواضع حتى لا يروا لأنفسهم مزيّة على عبيدهم ، إذ الكل عبيد الله والمال مال الله، ولكن سخَّر بعضهم لبعض " انتهى . وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم عطوفا رحيما بالرقيق . وثبت أنه أوصى بالضعيفين المملوك والمرأة .و روى شعبة عن أنس أن الرسول عليه السلام" كان يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة المملوك" ، أى يلبى دعوة العبد الى طعامه جبرا لخاطره و لايتكبّر عليهم، كما أنه لم يشتم أو يضرب عبدا ولا جارية قط. وتطبيقاً لهذا الهدي النبوي كان علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه يخص غلامه بالثياب الجديدة ويكتفي هو بالقديم من الملابس ، فلما تساءل الغلام قال له : يا بني إنك شاب تحتاج إلى الجديد، أما أنا فقد كبرت سني وتكفيني ملابسي تلك . وكان رضي الله عنه يقول : إني أستحي من الله أن أسترق من يؤمن بالله واليوم الآخر .. وكان على بن الحسين يجلس إلى عبد أسود يستزيد منه علمًا وفقهًا ، وعندما عاب عليه البعض ذلك أجابهم قائلاً : إنما يجلس المرء حيث ينتفع .
وتطبيقاً لذلك الهدي أيضاً، نَهَر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض السادة عندما وجدهم يتناولون الطعام، بينما مماليكهم واقفين بعيداً لا يشاركونهم فيه، وأصر رضي الله عنه على أن يجلس الأرقاء مع سادتهم للأكل من ذات الإناء . وكان رضي الله عنه يتفقد في خلافته – منطقة "العوالي" بالمدينة ، فإذا رأى عبيداً يقومون بأداء أعمال شاقة ، يأمر السادة بالتخفيف عنهم أو مساعدتهم على إنجازها . وشوهد سلمان الفارسي يعجن دقيقا, فلما سُئل عن ذلك قال : بعثنا الخادم في شيء، فكرهنا أن نجمع عليه عملين، وعن عبد الله بن عمرو أنه سأل وكيله على المال : أعطيت الرقيق طعامهم ؟ قال الوكيل : لا ، فصاح به عبد الله أن يسارع بإطعامهم ، وروى فى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوتهم"(2) . وكان الناس لا يعرفون عبد الرحمن بن عوف إذا سار وسط مماليكه ، لأن الكل يلبس ثياباً واحدة .
يتبع