المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحكيم الشريعه بين الحقيقه و الافتراء ...



مهندس احمد امام
2011-09-14, 08:46 AM
الحمد لله و كفى و سلام على عباده الذين أصطفى لا سيما عبده المصطفى و آله المستكملين شرفاً و بعد :

عادةً ما يخرج علينا اصحاب الافكار المستورده من الخارج هذه الايام من ليبراليين و يساريين و علمانيين و غيرهم متهمين التيارات الاسلاميه من اخوان و سلفيين بأن افكارهم هى عوده الى الوراء و أن الاسلاميين على حد وصفهم ربما يقومون بقتل و تقطيع ايدي و ارجل و آذان و رجم أيضاً كل من خالفهم فى الرأى او الاعتقاد و برغم تأكيد كل مشايخ المسلمين على ان هذه التهم باطله و ليس عليها اى دليل الا ان الاتهامات تتزايد يوماً بعد يوم و اصحابها يزدادون تبجحاً و صلفاً و كذباًو بهتاناً على الاسلام و شريعته يوماً بعد يوم , ما هو موقفكم من الاقباط اذا حكمتم ؟! ما هو موقفكم من السياحه , الفن , البنوك , الحجاب , الخمور , هل بالفعل ستقطعون يد السارق و ترجمون الزانى ؟! أسئله اجاب عنها علماء المسلمين بمنتهى الصراحه و الوضوح ليس حالياً فقط و انما هى موجوده منذ 1400 سنه هى عمر الفقه و التشريع الاسلامى و لكن للاسف تظل الاسئله تطرح و العلماء يجيبون دون الوصول الى نتيجه ليعلم كل ذى لب أنما سُإلت الاسئله للتشويه و بث الشبهات و ليس للمعرفه و العلم ...

لذلك رأيت إخوتى فى الله ان أقوم فى هذا الموضوع بطرح كل الاسئله التى يطرحها اصحاب هذه الافكار و أحاول الرد عليها ردوداً شافيه قدر الامكان بأذن الله ... و الله الموفق و المستعان ...


يتبع بأذن الله تعالى ...

مهندس احمد امام
2011-09-14, 09:45 AM
السؤال الاول : لماذا تحكيم الشريعه ؟!


إن التشريع مقوم أساسي من مقومات المجتمع، فلا بد لأي مجتمع من قانون يضبط علاقاته، ويعاقب من انحرف عن قواعده، سواء أكان هذا القانون مما نزل من السماء، أم مما خرج من الأرض، فالضمائر والدوافع الذاتية لا تكفى وحدها لعموم الخلق، والمحافظة على سلامة الجماعة، وصيانة كيانها المادي والمعنوي، وإقامة القسط بين الناس، ولهذا أرسل الله رسله وأنزل كتبه لضبط مسيرة الحياة بالحق كما قال تعالى: ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) كذلك أنزل الله كتابه الخالد ليحكم بين الناس، لا ليتلى على الأموات، ولا لتزين به الجدران. قال تعالى: ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله). وآيات القرآن صريحة في وجوب الحكم بما أنزل الله. يقول تعلى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون، وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيراً من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون). والشريعة هي المنهاج الذي وضعه الله تعالى لتنظيم الحياة الإسلامية على ضوء الكتاب المبين والسنة المطهرة، ولا يكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً إلا بتطبيقها والرجوع إليها في حياته كلها، عبادات ومعاملات، فليس من المعقول آن يأخذ المسلم من كتاب ربه: (كتب عليكم الصيام)، ولا يأخذ منه: (كتب عليكم القصاص). ولا يتصور أن يقبل آيات إيجاب الصلاة، ويرفض آيات تحريم الربا.


ويلاحظ في هذه الآيات:


أولاً: أنها جاءت بعد الآيات التي تحدثت عن أهل الكتابين: التوراة والإنجيل، وجاء فيها قوله تعالى: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ، وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ، وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) ، وما كان الله تعالى ليحكم على أهل الكتاب بالكفر، أو الظلم، أو الفسق، أو بها جميعاً إذا لم يحكموا بما أنزل الله، ثم يعفي المسلمين من ذلك، فليس ما أنزل الله على المسلمين، دون ما أنزله على أهل الكتاب وعدل الله واحد. وقد جاء الحكم القرآني بلفظ عام. فلا مجال لمماحك يقول: إن الآيات جاءت في أهل الكتاب لا في المسلمين.


ثانياً: أنها لم تتسامح في ترك جزء مما أنزل الله إلى رسوله، بل حذرت من ذلك بصيغة قوية:( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) .


ثالثاً: أن الناس بين حكمين لا ثالث لهما: إما حكم الله، أو حكم الجاهلية .. فمن لم يرض بالأول وقع في الثاني لا محالة، وفى هذا يقول: (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ).
إن التشريع هو الذي ينقل التوجيهات الدينية والأخلاقية إلى قوانين ملزمة، ويعاقب على تركها. وحاجة البشر إلى تشريع رباني - سالم من قصور البشر وأهوائهم - حاجة أساسية، لا يحققها للبشر إلا التشريع الإسلامي، فهو الذي يحمل هداية الله الأخيرة للبشر، ولا يوجد في الأرض تشريع رباني آخر، لأن كل المصادر السماوية قد أصابها التحريف والتبديل، كما أثبت ذلك الدارسون المحققون من القدماء والمحدثين والمعاصرين بالنسبة للتوراة والإنجيل. المصدر السماوي الوحيد الباقي بلا زيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تغيير هو القرآن.
إن البشر في حاجة إلى توجيه إلهي يجنبهم الضلال في الفكر، والغي في السلوك. فكثيراً ما زينت للبشر عقولهم القاصرة: جرائم بشعة، وغوايات شنيعة، حتى وجدنا أهل اسبارطة قديماً يقتلون الأطفال الضعاف البنية، والعرب في الجاهلية يئدون البنات، والهنود والرومان والفرس وغيرهم يقسمون الناس إلى طبقات يجوز لطبقة ما لا يجوز للأخرى، ويقتل بعضها عمداً فلا يقتص منه، ويقتل بعضها لأدنى الأسباب، وربما بلا سبب. ووجدنا في عصرنا من يجيز زواج الرجال بالرجال ‍وتصدر بذلك قوانين، ويبارك ذلك بعض رجال الدين في الغرب المتحضر المتقدم.


ومع قصور العقل البشرى في مقابلة العلم الإلهي: نجد أن البشر كثيراً ما يتبين لهم الرشد من الغي، والنافع من الضار، ومع هذا تغلبهم أهواؤهم وشهواتهم، أو أهواء ذوى النفوذ وأصحاب المصالح الخاصة منهم، فيحلون ما يجب أن يحرم، ويحرمون ما ينبغي أن يباح.


ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك: موقف الولايات المتحدة من تحريم الخمر، وتراجعها عن التحريم، رغم ثبوت ضرره على الفرد والأسر والمجتمع، مادياً ومعنوياً، اتباعاً لشهوات هواة السكر، وتحقيقاً لمصالح المنتفعين من انتشار المسكرات.


كما انه هناك ملاحظه سمعتها من الدكتور ياسر برهامى حفظه الله فى برنامج الحقيقه بالامس و هى ان الانسان خلق قسراً و يموت قسراً فهو ليس مخيراً متى يخلق و لا اين يخلق و لا فى اى زمان يخلق او على اى حال يخلق ( فى اى صورة ما شاء ركبك ) و يموت بلا اختيار منه فالله حاكم في بدايته و نهايته افلا يكون حاكماً عليه فى مجمل حياته ؟! فالانقياد لحكم الله يحقق للفرد منتهى الحريه فهو يخرجه من حكم البشر و استعبادهم اياه الى حكم الله ( ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) .


يتبع بأذن الله تعالى ...

ذو الفقار
2011-09-14, 11:22 AM
ما شاء الله تبارك الله
إن لم يكن هذا هو مستوى الموضوع فالقلم ليس قلمك يا أخي

بارك الله فيك وإن شاء الله بعد انتهاء النشر سنقوم بالمناقشة مع كوكبة من الاخوة في المنتدى

نسأل الله لك به خير الجزاء

للتثبيت

مهندس احمد امام
2011-09-14, 02:54 PM
جزاك الله خيراً اخى الحبيب ثناء اكبر مما استحق ...


السؤال الثانى : اذا حال تطبيق الشريعه التى تنادون بها ستطبقون الحدود فتقطعون الايدى و ترجمون الناس حتى الموت و يجلد كل من خالف شريعتكم ؟!


ليس التشريع في الإسلام محصوراً في الحدود والعقوبات كما يتصور بعض الناس أو يصوّرون. إن التشريع في الإسلام ينظم العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وأسرته، وبين الإنسان ومجتمعه، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الأغنياء والفقراء، والملاك والمستأجرين، وبين الدولة الإسلامية وغيرها في حالة السلم وحالة الحرب. فهو قانون مدني و إداري، ودستوري ودولي …… إلخ إلى جانب أنه قانون ديني. ولهذا اشتمل الفقه الإسلامي على العبادات والعاملات، والأنكحة والمواريث، والأقضية والدعاوى، والحدود والقصاص والتعازير، والجهاد والمعاهدات، والحلال والحرام، والسف والآداب، فهو ينظم حياة الإنسان من أدب قضا ء الحاجة للفرد إلى إقامة الخلافة والإمامة العظمى للأمة. إن الحدود هي السياج، وهى الإعلان الناطق بأن المجتمع المسلم يرفض جرائم معينة، ولا يسمح بها بحال من الأحوال.


والحدود - كما شرعها الإسلام - ليست بالبشاعة التي يتصورها بعض الناس أو يصورها المبشرون والمستشرقون.


إن الغربيين يستبشعون هذه العقوبات لسببين ذكرهما العلامة المودودي في حديثه عن حد الزنا في كتابه (الحجاب)، قال رحمه الله: (إن الضمير الغربي يشمئز من عقوبة الجلدات المئة. والسبب في ذلك لا يرجع إلى كونه لا يحب إيذاء الإنسان في جسده. بل السبب الحقيقي أنه لم تكتمل بعد نشأة شعوره الخلقي، فهو بينما كان يعد الزنا من قبل عيباً وهجنة إذ به الآن لا يعتبره إلا لعباً وسلوة، يعلل به شخصان نفسيهما ساعة من الزمن! فهو يريد لذلك أن يسامح في هذا الفعل ولا يحاسب عليه، إلا إذا أخل الزنا بحرية رجل آخر أو بحق من حقوقه القانونية. وحتى عند حصول هذا الإخلال لا يكون الزنا عنده إلا من صغار الجرائم التي لا تتأثر بها إلا حقوق شخص واحد، فيكفى المعاقبة عليه بعقاب خفيف أو تغريم ! ) وبديهي أنه من كان هذا تصوره للزنا لا بد أن يرى حد المئة جلدة عقوبة ظالمة لهذا الفعل. ولكنه إذا ارتقى شعوره الخلقي والاجتماعي وعلم أن الزنا سواء كان بالرضا أو بالإكراه، وكان بامرأة متزوجة أو باكرة، جريمة اجتماعية في كل حال تعود مضارها على المجتمع بأسره، فإنه لا بد أن تتبدل نظرته في باب العقوبة، ويعترف بوجوب صون المجتمع من تلك المضار، وبما أن العوامل المحركة للمرء على الزنا متأصلة جدا في جبلته الحيوانية، وليس من الممكن قلع شأفتها بمجرد عقوبات الحبس والغرم، فلا مندوحة لقمعه من استخدام التدابير الشديدة. ومما لا شك فيه أن وقاية ملايين من الناس مما لا يحصى من المضار الحفيّة والعمرانية بإيذاء شخص أو شخصين إيذاءً شديداً خير من دفع الأذى عن الجناة، وتعريض الأمة كلها لمضار لا تنحصر فيها، بل تتوارثها أجيالها القادمة أيضاً بلا ذنب لها.


وهناك سبب آخر لاعتبارهم حد المئة جلدة من العقوبات الظالمة، يفطن به المرء بسهولة إذا أنعم نظره في أسس الحضارة الغربية. وذلك أن حضارة الغرب - كما أسلفنا- قد قامت على إعانة ( الفرد ) على ( الجماعة) وتركبت عناصرها بتصور مغلو فيه للحقوق الفردية. لذلك مهما كان من ظلم الفرد واعتدائه على الجموع، فلا ينكره أهل الغرب، بل يحتملونه غالباً بطيبة نفس، ولكنه كلما امتدت إلى الفرد يد القانون حفظاً لحقوق الجماعة، اقشعرت منه جلودهم خوفاً وفزعاً، وأصبح كل نصحهم وتحمسهم بحق الفرد دون الجماعة.


ثم إن ميزة أبناء الجاهلية الغربية - كأهل الجاهلية في كل زمان - أنهم يهتمون بالمحسوسات أكثر من اهتمامهم بالمعقولات. ولهذا يستفظعون الضر الذي ينال الفرد لكونه ماثلاً أمام أعينهم بصورة مرئية. ولكنهم لا يدركون خطورة الضرر العظيم الذي يلحق المجتمع وأجياله القادمة جميعاً، على نطاق واسع، لأنهم يكادون لا يحسون به لسعته وعمق آثاره .


وأود أن أذكر هنا: أن الإسلام يشدد في إثبات الجريمة تشديداً غير عادي، وخصوصاً في جريمة الزنا، وهي لم تثبت في عهد النبوة والراشدين إلا بالإقرار، كما أنه يفتح الباب للتوبة، فمن صدقت توبتة سقط عنه الحد على الرأي الراجح. وسقوط الحد لا يعنى إسقاط العقوبة بالكلية، فقد ينتقل إلى التعزير المناسب.


كما أود أن ألفت النظر هنا إلى حقيقة مهمة في أمر الحدود، وهو: أن الإسلام لا يركض وراء إقامة الحد، ولا يتشوف إلى تنفيذ العقوبة، فيمن اقترف ما يستحقها، ولا يضع أجهزة للتصنت على العصاة، أو ينصب لهم (كاميرات) خفية تصورهم حين ارتكاب جرائمهم، ولا يسلط الشرطة الجنائية أو (المباحثية) تتجسس على الناس المخالفين للشرع حتى تقبض عليهم متلبسين. بل نجد توجيهات الإسلام هنا حاسمة كل الحسم في صيانة حرمات الناس الخاصة، وتحريم التجسس عليهم، وتتبع عوراتهم، لا من قبل الأفراد، ولا من قبل السلطات الحاكمة. روى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس ليلة مع عمر بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمونه ( أي يقصدونه ) حتى إذا دنوا منه، إذا باب مجاف ( أي مغلق ) على قوم، لهم فيه أصوات مرتفعة، فقال عمر - وأخذ بيد عبد لرحمن-: أتدري بيت من هذا؟ قال: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب ( أي يشربون الخمر ) فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه: نهانا الله عز وجل، فقال: ( ولا تجسسوا) ، فقد تحسسنا ! فانصرف عمر عنهم وتركهم ).


وروى أبو داود والحاكم أيضاً عن زيد بن وهب، قال: أتى رجل ابن مسعود، فقال: هل لك في الوليد بن عقبة، ولحيته تقطر خمراًٍ ؟! فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهانا من التجسس، إن يطهر لنا نأخذه. وروي أيضاً عن أربعة من الصحابة: جبير بن نفير، وكثير بن مرة، والمقدام بن معديكرب، وأبي أمامة الباهلي - رضي الله عنهم - عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ( إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم). بل نرى التعاليم النبوية الصريحة ترغب أبلغ الترغيب في ستر المسلم على نفسه، وعلى غيره.


وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد أن أقام الحد على ماعز الأسلمي، قام فقال: (اجتنبوا هذه القاذورة،التي نهى الله عنها، فمن ألمّ ( أي تورط في شيء منها) فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا منفعه ( أي يكشف عن جريمته ) نقم عليه كتاب الله) يعني: حكم الله. وكان الرسول عليه الصلاة و السلام قد أقام الحد على ماعز، بعد أن جاء إليه أربع مرات مقراً بجريمته، وبعد أن حاول النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يبعد عنه التهمة، ويلقنه ما يدل على عدم استيفاء أركان الجريمة، ولكنه أمر. ومثله المرأة الغامدية. وقد جاء عن أبى بردة عن أبيه قال: كنا أصحاب محمد نتحدث لو أن ماعزاً وهذه المرأة، لم يجيئا في الرابعة، لم يطلبهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال لهزال - الذي دفع ماعزاً للاعتراف عند النبي (صلى الله عليه وسلم): لو سترته لكان خيراً لك). وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( من ستر أخاه المسلم في الدنيا، ستره الله في الدنيا والآخرة). وعنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ( لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) . فإذا كان الحديث السابق في مثوبة ستر عورة المسلم، فهذا الحديث عام في ستر الإنسان على الإنسان: ستر أي عبد من عباد الله على آخر. وعن كثير مولى عقبة بن عامر: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ( من رأى عورة فسترها، كان كمن استحيا موؤودة من قبرها). وكذلك نجد التوجيهات الإسلامية صريحة في التحريض على العفو والصفح فيما كان من الحدود متعلقاً بحقوق العباد، مثل السرقة، بشرط ألا تصل إلى سلطة القضاء. فهناك لا مجال لعفو ولا شفاعة. وفي هذا جاء حديث عبد الله بن عمر: ( تعافوا الحدود بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب).


وقال ابن مسعود: ( إني لأذكر أول رجل قطعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتى بسارق، فأمر بقطعه، وكأنما أسف وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ( أي بدا عليه الأسى) فقالوا: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه؟ قال: ( وما يمنعني؟ لا تكونوا أعواناً للشيطان على أخيكم! إنه لا ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه، إن الله عفو يحب العفو: ( وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم). وكان الرجل يأتي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فيعترف بأنه أتى ما يوجب الحد، فلا يسأله عن هذا الحد: ما هو؟ وكيف اقترفه؟ بل يعتبر اعترافه هذا - الذي قد يعرضه للعقوبة - توبة من ذنبه، وندماً على ما فرط منه، فهو كفارة له. ولا سيما إذا أقام الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فقد روى أبو داود في باب ( في الرجل يعترف بحد ولا يسميه) عن أبي أمامة: أن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي. قال : ( توضأت حين أقبلت ) ؟ قال: نعم. قال: ( هل صليت معنا حين صلينا ) ؟ قال: نعم. قال : ( اذهب، فإن الله تعالى قد عفا عنك ). ومن ثم ذهب من ذهب من علماء السلف إلى أن من حق الإمام أو القاضي أن يسقط الحد بالتوبة إذا ظهرت أماراتها، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والمحقق ابن القيم. وهو ما أختاره حين (نقنن) عقوبات الحدود في عصرنا.


إن مما يلحق بما ذكرناه من حرص الإسلام على الستر والعفو في قضايا الحدود: ما أصبح معروفا في الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه المتبوعة، وهو: درء الحدود بالشبهات. وقد جاء في ذلك حديث رواه الحاكم وصححه يقول: (ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ بالعقوبة). نعم إن الحافظ الذهبي اعترض على تصحيح الحاكم للحديث، ولكن الأحاديث التي سقناها من قبل تشد عضده. وكذلك ما صح عن الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه من قوله: ( ادرأوا الحدود بالشبهات). وما ثبت من فعله. من إيقاف حد السرقة عام المجاعة، لوجود شبهة الحاجة، وموافقة الصحابة - وفيهم الفقهاء وأهل العلم والفتوى - له في ذلك، ومثل هذا يعتبر نوعاً من الإجماع. فإنهم لا يسكتون جميعاً على باطل، ولا يجمعون على ضلالة. ولا يعتبر هذا إسقاطاً للحد كما يذكر بعض الكاتبين، بل إن الحد لم يجب أصلاً ! لعدم استفاء كل أركانه وشروطه.


ومثل ذلك: ما روى من عدم إقامته الحد على الغلامين اللذين سرقا من سيدهما؛ لأنه رأى أنهما لم يسرقا إلا لظلم السيد لهما، وعدم إعطائهما ما يكفيهما من الحاجات اللازمة لها. ولا عجب أن سامحهما مقدراً ظروفهما، ثم وجه تهديده إلى مخدومهما بأنه سيقطع يده هو، إذا اضطرا إلى السرقة مرة أخرى ! ومن قرأ كتب الفقه وجد فيه أشياء كثيرة ذكرها الفقهاء باعتبارها شبهات تمنع إقامة الحد. وبعضها يعتبر ضرباً من التمحل أو الادعاء، ولكنهم رأوا أن أدنى شك يفسر لصالح المتهم.


خلاصة ما سبق انه يجب تطهير المجتمع من أسباب الإغراء والفتنة فكما بين القرآن الكريم أنه قطع السبيل على اسباب الزنا و ليس الزنا نفسه فقال ( ولا تقربوا الزنا ..)، وسد الذرائع إلى الفساد. وأهم من ذلك كله الأمر بتزويج الأيامى من الرجال والنساء، ومخاطبة المجتمع كله بذلك، باعتباره مسؤولاً مسؤولية تضامنية: ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم ). ومسؤولية المجتمع هنا -وعلى رأسه الحكام - تتمثل في تيسير أسباب الارتباط الحلال، إلى جوار سد أبواب الحرام، وذلك بإزاحة العوائق المادية والاجتماعيه أمام راغبي الزواج، من غلاء المهور، والإسراف في الهداايا والدعوات والولائم والتأثيث، وما يتصل بذلك من شؤون، ومساعدتهم- مادياً وأدبياً - على تكوين بيوت مسلمة. فليست إقامة الحد إذن هي التي تحل المشكلة، والواقع أن الحد هنا لا يمكن أن يقام بشروطه الشرعية إلا في حالة الإقرار في مجلس القضاء، أربع مرات، على ما يراه عدد من الأئمة، أو شهادة أربعة شهود عدول برؤية الجريمة رؤية مباشرة أثناء وقوعها، ومن الصعب أن يتاح ذلك. فكأن القصد هنا هو منع المجاهرة بالجريمة. أما من ابتلى بها مستتراً فلا يقع تحت طائلة العقاب الدنيوي وأمره في الآخرة إلى الله سبحانه.


يتبع بأذن الله تعالى ...

مهندس احمد امام
2011-09-15, 10:16 PM
السؤال الثالث : اذن انت تتحدث عن شئ هلامى لا يمكنك ان تمسك به - فأى تشريع تتكلمه عنه ؟! الاواء حتماً تلعب دائماً دورها !!!

إن الأصول العامة التي ندعو إليها واضحة بينة. ولقد أوهم بعض الذين كتبوا مشككين أو معارضين للدعوة إلى تطبيق الشريعة، أوهموا أن الشريعة المدعو إلى تطبيقها مادة ( هلامية ) رجراجة غير محددة ولا منضبطة، يستطيع كل حاكم أو كل فريق أن يفسرها كما يشاء. حتى وجدنا من يقول: أي إسلام تدعوننا إليه، وتطالبوننا بتحكيمه ؟ فقد رأينا الإسلام الذي ادعى بعض الحكام تطبيقه اليوم يختلف من بلد إلى آخر. فهناك إسلام السودان، وإسلام إيران، وإسلام باكستان، وإسلام السعوديه !! أو كما عبر أحدهم بصراحة: إسلام النميري، أم إسلام الخميني، أم إسلام ضياء الحق، أم إسلام آل سعود !! ونقول لهؤلاء: إن الإسلام هو الإسلام، غير مضاف إلى أحد إلا إلى من شرعه أو من بلغه. فهو إسلام القرآن والسنة، ولا يرتبط باسم شخص إلا باسم محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي بعثه الله بشيرً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. ومهما اختلفت التفسيرات، أو اختلفت التطبيقات لشريعة الإسلام، فستظل هناك دائرة غير ضيقة ولا هينة، تمثل الوحدة الاعتقادية والفكرية والشعورية والسلوكية للأمة. تلك هي دائرة ( القطعيات ) التي أجمعت عليها الأمة فكراً وعملاً، ورسخت في عقولها وقلوبها وحياتها على امتداد القرون الأربعة عشر، التي قطعتها هذه الأمة. هناك قطعيات في العقيدة والفكر .. وقطعيات في العبادة والشعائر، وقطعيات في الشريعة والنظم، وقطعيات في الأخلاق والآداب .. وكلها مما لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان، كما يقولون. وهذه القطعيات وحدها هي أساس التشريع، ومحوره، وهى التي تحدد الاتجاه والأهداف، وترسم النهج والطريق، وتميز الملامح والقسمات. وأما ما عدا القطعيات من أحكام وأنظمة، فهو لم يترك لعبث الأهواء المتسلطة، أو شطحات الأفكار الجامحة، أو لاستبداد السلطات المتحكمة، تفهمه كما تريد، وتفسره كما يحلو لها، دون أصل تستند إليه، ولا برهان تعول عليه. كلا .. بل هناك ( أصول ) و ( قواعد ) وضعها أئمة الإسلام، للاستيثاق من ثبوت النص الشرعي أولاً، ثم لفهم دلالته ثانياً، ثم للاستنباط فيما لا نص فيه ثالثاً.
ومن ثم وجد علم أصول الفقه، وقواعد الفقه، وأصول الحديث، وأصول التفسير، ونحوها من المعينات اللازمة للفهم والاستنباط. ولا بأس أن تتعدد المدارس في الفهم والاستنباط، على أن يقوم ذلك على أصول منهجية علمية مبنية على الدليل، لا على الهوى أو التقليد. وربما كان هذا الخلاف مصدر إثراء للفكر الإسلامي، والعمل الإسلامي، إذا وضع في إطاره الصحيح.

يتبع بأذن الله تعالى ...

سمير صيام
2011-09-16, 05:03 AM
متابع بأذن الله

مهندس احمد امام
2011-09-16, 11:55 PM
و لكن .. أليست قوانيننا التى نحيا بها الان انسب لعصرنا و اوقع ... فلماذا نأتى بتشريع لا يناسب هذا العصر الذى نعيش فيه ؟!

إذا كان التشريع عندنا نحن المسلمين جزءاً لا يتجزأ من ديننا، فلا يتم إيماننا إلا بالحكم به والاحتكام إليه، ولا خيار لنا في ذلك بعد التزامنا بالإسلام، والرضا به ديناً وشرعة ومنهاجاً: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ). فإن تحكيم الشريعة فيه معنى آخر يتصل بأصالتنا وقوميتنا، فالقوانين الوضعية التي نحكم بمقتضاها في بلادنا العربية والإسلامية، قوانين أجنبية عنا دخيلة علينا، لم تنبت في أرضنا، ولم تستمد أحكامها من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا ومسلماتنا. ولهذا أحلت ما نعتقده حراماً، وحرمت ما نعتقده حلالاً، وأسقطت ما نعتقده واجباً. والعودة إلى أحكام الشريعة تعني التحرر من بقايا الاستعمار في المجال التشريعي، والرجوع إلى منابعنا الأصيلة، نستقي منها ما لا نصلح بغيره، لأن فيه هداية ربنا، وأصالة تراثنا، المتجاوب مع أنفسنا وتطلعاتنا، والمعبر عن حقيقة اتجاهنا، والمحقق لأهدافنا وحاجتنا. لقد كان دخول القوانين الوضعية إلى بلادنا، أشبه بدخول اليهود إلى فلسطيننا، بدأ تسللاً خفياً، ثم انتهى اغتصاباً علنياً. إن الذي يقرأ كيف دخل القانون الوضعي إلى بلد كمصر، سبق غيره في ذلك ليأخذه العجب كل العجب. كيف تم ذلك العدوان في بساطة تثير غضب الحليم. وحسبك أن هذا القانون وضعه شخص لا تتعدى ثقافته العلمية أو المهنية درجة المتوسط. وهو محام أرمني أتمه في وقت أقل مما يستغرقه وضع كتاب صغير جداً. والحقيقة أنه لم يضع قانوناً، بل نقله بجملته نقلاً حرفياً، كما قال الأستاذ ( مسينا ) أحد المستشارين الإيطاليين في المحاكم المختلطة في مصر. وقد وصف هذه القوانين بأنها: (مجمعة من هنا وهناك على غير أصول وضع القوانين وفقاً لحاجات الجماعة ومصالحها).
ويقول (مسينا): ( وإن شبح زعيم المدرسة التاريخية ( سافيني ) لترتعد فرائصه من تصور استيراد أو اقتراض أمة لتشريعاتها ). ولكن هذه القوانين استوردت أو اقترضت دون حاجة إليها، ولا طلب لها، ولا رغبة فيها، ودون أن تستشار الأمة في شأنها، كأن الأمر لا يخصها ولا يتعلق بحياتها. وما كان لهذه القوانين أن تدخل وتبقى، لولا أن الاحتلال هو الذي أدخلها وحماها، بأسنة رماحه. واليوم تطالب الشعوب العربية والإسلامية بإكمال استقلالها بالعودة إلى أحكام شريعتها، وهو أمر نادى به كبار رجال القانون الوضعي نفسه، الذين أتيح لهم أن يدرسوا فقه الشريعة، ويطلعوا على بعض كنوزه وأسراره.

ومن أبرز هؤلاء علامة القانونيين العرب الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الذي أشاد بقيمة الفقه الإسلامي وأصالته وغناه في أكثر من كتاب وأكثر من مناسبة، وخصوصاً في المراحل الأخيرة من عمره، بعد أن تعمق أكثر في قراءة مصادر الفقه، و كتابه الشهير (مصادر الحق في الفقه الإسلامي) ففي محاضرة له نشرتها الأهرام في (1/1/1937 ) يقول. ( وإني زعيم لكم بأن تجدوا في ذخائر الشريعة الإسلامية من المبادئ والنظريات ما لا يقل في رقى الصياغة وفي إحكام المصنعة، عن أحدث المبادئ والنظريات وأكثرها تقدماً في الفقه العالمي).

كما يجدر في أن أنبه هنا على أمور أساسية :

أولها: أن الأشياء التي تخالف فيها القوانين الوضعية الأحكام الشرعية وان لم تكن كبيرة في مساحتها وكمها - هي في غاية الأهمية بالنظر إلى نوعها وكيفها ووظيفتها. مثل تحريم الربا - في القانون المدني - الذي شدد القرآن وشددت السنة في وعيد من ارتكبه، ومثل إقامة الحدود على جرائم معينة قدر لها الشرع عقوبات منصوصا عليها حقا له تعالى. وذلك لأن هذه الأحكام وأشباهها هي التي تميز حضارة عن حضارة وأمة عن أمة. فتحريم الربا - كإيتاء الزكاة - من أبرز ما يميز نظاما اقتصاديا عن آخر، وهما بالفعل من أخص خصائص الاقتصاد الإسلامي. وتحريم الزنا والفاحشة ما ظهر منها وما بطن، وكل ما يؤدى إلى ذلك، وتقرير العقوبة عليه، ومثله تحريم المسكرات: تعاطياً واتحاراً وصنعاً، وإيجاب العقوبة عليها … إلى غير ذلك مما جاءت الحدود عقاباً عليه مما يميز الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات التي لا ترى بأساً في إباحة الزنا ما دام بالتراضي وإباحة الشذوذ الجنسي، برغم منافاته للفطرة السوية، وللرجولة الكريمة، وجوره على الجنس الآخر. وكذلك إباحة الخمور والمسكرات، مع ما ثبت بالقطع من أضرارها المادية والمعنوية على الفرد وعلى الأسرة وعلى المجتمع.

ثانيها: أنه لا يكفى أن تكون القوانين الوضعية متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. لأن مجرد هذا الاتفاق - بالمصادفة - لا يمنحها الصبغة الإسلامية، لا يضفي عليها الشريعة الإسلامية. إنما الواجب أن ترد إلى الشريعة، وتنطلق منها، بحيث ترتبط بالفلسفة العامة للإسلام، وبالمقاصد الكلية للشريعة، وتستند إلى الأدلة الشرعية الجزئية في مختلف مواد الأحكام في شتى القوانين، وفق الأصول المرعية عند فقهاء المسلمين جميعاً. وبهذا يكون لهذه القوانين شرعيتها وقدسيتها لدى الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، وينقاد لها طواعية واختياراً، لأنه يتعبد له تبارك وتعالى بقبولها والخضوع لها. فخضوعه لها ليس خضوعاً لبرلمان وضعها، ولا لحكومة قررتها، بل هو طاعة لله الذي شرعها لخير عباده، وانقياده لها تجسيد لإيمانه ورضاه بحكم الله ورسوله: ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون) وفرق كبير بين التزام المسلم بموجب العقد بناء على النظرية الفلانية أو أن الفيلسوف الفلاني يقول: إن العقد شريعة المتعاقدين، وبين التزامه بذلك لأن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود).(وافوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولاً) .

ثالثها: أن الشريعة الإسلامية كل لا يتجزأ، ولا يجوز أخذ بعضها وترك بعضها، ولو كان هذا المتروك 0ا% أو 5% أو حتى1% أو واحدا في الألف.
فقد قال الله تعالى لرسوله: ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )، وذلك لأن الذي يتنازل عن البعض القليل يوشك أن يتنازل عن الجل، بل عن الكل ! ومن تم أنكر القرآن أبلغ الإنكار على بنى إسرائيل في تجزئتهم للدين، وأخذهم لبعض أحكام كتابهم وإعراضهم عن البعض الآخر، فقال تعالى مقرعاً لهم: ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض،فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذب، وما الله بغافل عما تعملون) و من المعلوم انه لن يعاتب الله اهل الكتاب و يعاقبهم فى كتاب المسلمين على هذا ثم يسامح المسلمين عليه . وكما لا يقبل من مسلم أن يرفض شيئا - مهما قلّ - من القرآن الكريم، ويعتبر بذلك كافراً، فكذلك لا يقبل منه أن يرفض أي حكم قطعي ثابت من أحكام الشريعة مما علم من الدين بالضرورة، ورفضه لهذا يعتبر كفراً بالإسلام يخرجه من الملة، ويعزله عن الأمة، ويستحق به عقوبة الردة، لأنه يتضمن استدراكاً على الله تعالى وتعالماً من العبد على ربه، واتهاماً له سبحانه بقصور علمه وحكمته أو بقصور جوده رحمته، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

رابعها: أن البلاد الإسلامية تتفاوت تفاوتاً بعيداً في موقفها من التشريع الإسلامي. فهناك من يلتزم بتحكيم الشريعة من ناحية المبدأ، وإن كان عليه مآخذ تكثر أو تقل من ناحية التطبيق. وهناك من حاول أن يستمد قانونه المدني من رحاب الشريعة وفقهها الرحب، ولكن بقي قانونه الجزائي غربياً وضعياً. وهناك من اجترأوا على قوانين الأسرة أو الأحوال الشخصية، وهى المنطقة التي بقيت خالصة للشريعة في أكثر الأقطار المسلمة، حتى وجدنا بلداً عربياً يبيح الزنى ولا يعاقب عليه ما دام بالتراض، فى حين يعتبر الزواج من أخرى جريمة تستحق العقاب. وهذا ما جعل أحد الأذكياء في ذلك البلد العربي في شمال إفريقية - وقد تزوج امرأة ثانية زواجاً شرعياً، غير موثق قانونياً بطبيعة الحال، حين ضبط في بيت تلك الزوجة: أن يقول: إنها عشيقتي ! فلم يسعهم إلا أن يطلقوا سراحه متأسفين، فقد كانوا يظنونها زوجة له ! ( اللهم لك الحمد ان رحمتنا من امثال هؤلاء الحكام ).
وقد جعل ذلك البلد الطلاق بيد المرأة، وغيّر قانون العقوبات، في شأن من وجد امرأته تخونه في بيت الزوجية، ووجد معها رجلاً أجنبياً في فراشه، فأخذته الغيرة وقتله. فقد كان يحكم عليه قديماً بخمس سنوات، مراعاة لظروفه، فغيرت العقوبة إلى الحكم بالإعدام.

يتبع بأذن الله تعالى ...

مهندس احمد امام
2011-09-19, 04:07 PM
إذن فهناك عدة قضايا يجب ان نعلم رأيكم فيها فربما لا تتوافق هذه الافكار و شرائح المجتمع الذى نعيش فيه .. فما هو موقفكم من الاقباط , و موقفكم من المرأه , و ماذا عن البنوك , و ماذا عن السياحه , و ماذا عن الغناء و المسرحيات و الافلام و الفنون عموماً ؟

القضيه الاولى - قضية الاقباط :

المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على عقيدة وفكرة "أيديولوجية" خاصة، منها تنبثق نظمه و أحكامه وآدابه وأخلاقه. هذه العقيدة أو الفكرة "الأيديولوجية" هي الإسلام، وهذا هو معنى تسميته "المجتمع الإسلامي" فهو مجتمع اتخذ الإسلام منهاجًا لحياته ودستورًا لحكمه، ومصدرًا لتشريعه وتوجيهه في كل شئون الحياة وعلاقاتها، فردية واجتماعية، مادية ومعنوية، محلية ودولية.
ولكن ليس معنى هذا أن المجتمع المسلم يحكم بالفناء على جميع العناصر التي تعيش في داخله وهي تدين بدين آخر غير الإسلام. كلا .. إنه يقيم العلاقة بين أبنائه المسلمين وبين مواطنيهم من غير المسلمين على أسس وطيدة من التسامح والعدالة والبر والرحمة، وهي أسس لم تعرفها البشرية قبل الإسلام، وقد عاشت قرونًا بعد الإسلام، وهي تقاسي الويل من فقدانها، ولا تزال إلى اليوم، تتطلع إلى تحقيقها في المجتمعات الحديثة، فلا تكاد تصل إليها في مجتمع ما، وفي وقت ما، إلا غلب عليها الهوى والعصبية، وضيق الأفق والأنانية، وجرتها إلى صراع دام مع المخالفين في الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون.

وأساس هذه العلاقة مع غير المسلمين قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة: 8 - 9).فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعًا، ولو كانوا كفارًا بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله.ولأهل الكتاب من بين غير المسلمين منزلة خاصة في المعاملة والتشريع . والمراد بأهل الكتاب: من قام دينهم في الأصل على كتاب سماوي، وإن حُرِّفَ وبُدِّلَ بعدُ، كاليهود والنصارى الذين قام دينهم على التوراة والإنجيل. فالقرآن ينهى عن مجادلتهم في دينهم إلا بالحسنى، حتى لا يُوغِر المِراءُ الصدورَ، ويوقد الجدل والَّلدَدُ نار العصبية والبغضاء في القلوب، قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أُنزِل إلينا وأُنزِل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) (العنكبوت: 46).


ويبيح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب، والأكل من ذبائحهم، كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات، مع ما قرره القرآن من قيام الحياة الزوجية على المودة والرحمة في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم: 21).، وهذا في الواقع تسامح كبير من الإسلام، حيث أباح للمسلم أن تكون ربة بيته، وشريكة حياته وأم أولاده غير مسلمة، وأن يكون أخوال أولاده وخالاتهم من غير المسلمين.قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) (المائدة: 5).

وهذا الحكم في أهل الكتاب وإن كانوا في غير دار الإسلام، أما المواطنون المقيمون في دار الإسلام فلهم منزلة ومعاملة خاصة، وهؤلاء هم "أهل الذمة" . فما حقيقتهم؟ لقد جرى العرف الإسلامي على تسمية المواطنين من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي باسم "أهل الذمة" أو "الذميين".


و"الذمة" كلمة معناها العهد والضمان والأمان، وإنما سموا بذلك؛ لأن لهم عهد الله وعهد الرسول، وعهد جماعة المسلمين: أن يعيشوا في حماية الإسلام، وفي كنف المجتمع الإسلامي آمنين مطمئنين، فهم في أمان المسلمين وضمانهم، بناء على "عقد الذمة" بينهم وبين أهل الإسلام . فهذه الذمة تعطي أهلها "من غير المسلمين" ما يشبه في عصرنا "الجنسية" السياسية التي تعطيها الدولة لرعاياها، فيكتسبون بذلك حقوق المواطنين ويلتزمون بواجباتهم. فالذمي على هذا الأساس من "أهل دار الإسلام" كما يعبر الفقهاء (انظر شرح السير الكبير للسرخسي ج ـ 1 ص140 والبدائع للكاساني ج ـ 5 ص 281 والمغني لابن قدامة ج ـ 5 ص 516) أو من حاملي "الجنسية الإسلامية" كما يعبر المعاصرون .(انظر التشريع الجنائي الإسلامي للشهيد عبد القادر عودة ج ـ 1 ص 307 فقرة 232، وأحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، للدكتور عبد الكريم زيدان ص 63 - 66 فقرة 49 - 51). وعقد الذمة عقد مؤبد، يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم، وتمتعهم بحماية الجماعة الإسلامية ورعايتها، بشرط بذلهم "الجزية" والتزامهم أحكام القانون الإسلامي في غير الشئون الدينية، وبهذا يصيرون من أهل "دار الإسلام".فهذا العقد ينشئ حقوقًا متبادلة لكل من الطرفين: المسلمين وأهل ذمتهم، بإزاء ما عليه من واجبات.

فما الحقوق التي كفلها الشرع لأهل الذمة، وما واجباتهم؟


يتبع بأذن الله تعالى ...

مهندس احمد امام
2012-08-28, 09:22 AM
للرفع ...