المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 [42] 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54

ساجدة لله
2010-10-23, 06:51 AM
إن اللغة أو القوة هما الحقيقة (اللوجوس) وهما بديل مقولة المادة في الفلسفات المادية في عالم لا قوانين له ولا يتبع مُخطَطاً ولا يحركه شيء سوى دينامية كامنة فيه نابعة منه وغير مفهومة.

ولكن كيف تأتَّى لفلاسفة ما بعد الحداثة أن يدركوا غياب المرجعية والمعيارية وهيمنة القوة وسيطرة الصيرورة دون الاستناد إلى مرجعية ما ومعيارية ما ومعرفة بعالم عادل فيه كليات ثابتة؟ وكيف يكتبون وهم يعرفون أنهم لن يصلوا إلى شيء؟ لم لا يحجمون عن الكتابة والتفكير وكتابة المجلدات الفلسفية المعقدة؟ أليس من الأجدى لهم أن يبقوا في عالم الصيرورة الأكيدة الحسية ويحتسوا أفخر الخمور ويضاجعوا أجمل النساء والغلمان كما فعل الرومان في أواخر أيام الإمبراطورية، وكما يفعل الوثنيون العدميون عندما يشعرون بالعدمية تُطبق عليهم؟ ففي الخمر والنساء صيرورة ويقين الغياب والعدم. لا يُوجَد رد على هذا داخل النظام ما بعد الحداثي وإن كان دريدا قد حاول مرة الإجابة بقوله بأنه يعترف بأنه يقف داخل النظام الميتافيزيقي ويدرك هذا، أما الآخرون فيقفون في نظمهم الميتافيزيقية ولا يدركون هذه الحقيقة. وهذا هراء إذ تظل المشكلة قائمة: لم الكتابة المضنية إذن، وسهر الليالي، بدلاً من الصيرورة السهلة والانزلاق المستمر؟ من أجل مَنْ كل هذا العناء وكل هذه المعاناة؟

ساجدة لله
2010-10-23, 06:51 AM
3 ـ الترشيد:

لا يمكن، بطبيعة الحال، الحديث عن الترشيد في إطار ما بعد الحداثة، فهي ثورة ضد الترشيد وضد البحث عن الانعتاق من خلال المعرفة العلمية ومن خلال التكنولوجيا والنظريات العظمى. وتَصدُر ما بعد الحداثة عن الإيمان بأن ثمة قوى لغوية (ما بعد الحداثة اللغوية) أو تاريخية (ما بعد الحداثة الصراعية) غير واعية ولا يمكن التحكم فيها. وقد اكتشف الإنسان أن المشروع التحديثي والعقلانية المادية قد أنتجا روبسيير وستالين اللذين يقتلان بالطرق التقليدية باسم روح العالم والتاريخ، أما المشروع الحداثي واللاعقلانية المادية فقد أنتجا هتلر الذي يقتل بمنتهى الرشد من خلال أفران الغاز باسم الجايست، وأخيراً يظهر ريجان وبوش وكلينتون الذين يقتلون الجسد بالقنابل الذكية ويقتلون الروح من خلال التغليف الجيد والسلع باسم الإجراءات والحركة المستمرة.

ويُلاحَظ تزايد هيمنة المؤسسات البيروقراطية الحكومية وغير الحكومية، كما يُلاحَظ تصاعد معدلات التنميط والترشيد الذي يتزايد بشكل مخيف حتى تُصبح له حركيته المستقلة ويتزايد التجريد ويخضع كل شيء للتفاوض والتبادل بحيث يمكن تحويل أي شيء إلى شيء آخر. كما تتزايد السلع والمعلومات والمعارف. ولكن السلع لا تأتي بالسعادة بل تهيمن على الإنسان، فاستهلاكها يصبح الغاية النهائية من وجوده، فهو متمركز حولها وهو ما يؤدي إلى تَسلُّعه وإلى استقلالها المتزايد عن إرادته. والمعلومات لا تأتي للإنسان بالحكمة ولا تنير الواقع ولا تكشف المعنى بل تحجبه، فالأخبار تصبح قصصاً والوهم يصبح واقعاً ويتم "إخراج" كل شيء كما تُخرَج الأفلام، حتى الانتخابات أصبحت تشبه الأفلام، وحتي حياتنا الخاصة بدأنا في "إخراجها"، ويتداخل الأصل والصورة. ومع هذا، تستمر ثورة المعلومات والسلع بلا توقف. كل هذا يُولِّد إحساساً لدى الإنسان بأنه قد تحكَّم في كل شيء، والدليل على هذا وفرة المعلومات والسلع و"إخراجه" لكل شيء. ولكنه يحس أيضاً بعدم التحكم في المعلومات والسلع، فالعالم يُدار من الخارج تماماً، وهناك من يقرر ما يُنشَـر وما لا يُنشَر ويقرر معنى المعلومات، ويتزايد الإحسـاس بأن العلم والتكنولوجيا لا يمكن التحكم فيهما، بل هي التي تتحكم في الإنسان. والتقدم العلمي أتى بالخيرات المادية ولكنه أدَّى إلى ثقوب الأوزون وتراكم أسلحة الدمار التي تكفي لتدمير العالم عدة مرات.

وتظهر الهندسة الوراثية والاستنساخ والهندسة الاجتماعية والبيولوجيا الاجتماعية والمفاهيم السلوكية والحتمية التي تتضاءل معها مقدرات الإنسان. وبدلاً من التطور، يظهر مفهوم التطوير ويتم حوسلة الإنسان تماماً. ومع ظهور الكمبيوتر، تتغير رؤية الإنسان تماماً للكون ويصبح العالم وحدات رياضية تُدرَك هندسياً. وهكذا يدرك الإنسان أنه يعيش في حرية كاملة بلا قواعد ولا قصـص مع أنه في واقع الأمر يعيـش في قفـص حديدي. وهو عالم لا قانون له، عالم الحـرية الكاملـة، ولكن الحرية الكاملـة هي نفسها الصدفة الكاملـة. وبدلاً من التمرد على ما يحدث، يتقبل الإنسان نتائج الترشيد من الداخل والخارج ويقبل أن يُكتسَح بكل سرور وأن يتشيأ ويذعن للتحكم التكنوقراطي. وبدلاً من حلم التحكم، تظهر الرغبة في اللعب.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
4 ـ المعنى (والوحدة والتماسك) والتجاوز:

وجود المعنى هو وجود عنصر أفلت من قبضة الصيرورة، ولكن ما بعد الحداثة هو عالم صيرورة كاملة، كل الأمور فيه متغيِّرة، ولذا لا يمكن أن يوجد فيه هدف أو غاية. وقد حلت ما بعد الحداثة مشكلة غياب الهدف والغاية والمعنى بقبول التبعثر باعتباره أمراً نهائياً طبيعياً وتعبيراً عن التعددية والنسبية والانفتاح، وقبلت التَغيُّر الكامل والدائم. ولا تتحقق الوحدة أو التماسك فبدلاً من المركز تظهر عدة مراكز، وبدلاً من اليد الخفية الواحدة تظهر أيد خفية عديدة. كما تظهر الذات الحرة تماماً، ولكنها حرة داخل سياقها الخاص وعالمها الخاص وحدودها الضيقة، فهي حرية كاملة داخل حدود كاملة خاصة. أما العالم الخارجي، فهو عالم تحكمه الحتميات الصارمة والصدفة الكاملة، عالم لا مركز له ولا يُوجَد فيه نظام أفقي أو رأسي.

لكل هذا، فإن الإرادة المطلقـة داخل السـياق الفردي الخاص تصبح إرادة عاجزة داخل السياق الإنساني العام. ولهذا، يظهر اللعب بديلاً عن التحكم، والانزلاق والرقص بديلاً عن التخطيط، تماماً كما تحل القصة الصغرى محل الوعـي الإنسـاني الشـامل. في هـذا الإطار، لا يمكن التـمرد أو الثورة أو التجاوز. وفي واقع الأمر، يتصور البعض أن ما بعد الحداثة، بإصرارها على أن كل شيء خاضع للصيرورة وأن الواقع تعددي، هي أيديولوجيا ثورية تعددية. لكن ما لا يدركه هؤلاء هو أن ما بعد الحداثة دعوة للتسوية لا للمساواة، وأن تعدديتها إنكار للمعيارية ولأية نظم من أي نوع، وأنها قد تأخذ شكلاً بروميثياً في رفض فكرة الإله المتجاوز ولفكرة القداسة مع أن مضمونها معاد للإنسان بإنكارها له ولمركزيته ولفكر الطبيعة البشرية، ورجعيٌّ مغرق في الرجعية بسبب إنكارها أية معيارية يمكن أن يتم التغيير باسمها. فهي أيديولوجيا القبول البرجماتي للوضع القائم والإذعان والخنوع له والتكيف معه، أي اللعب مع الواقع بدلاً من تغييره، وبدلاً من الحديث عن معنى اللعب، يصبح الحديث عن لعب المعنى. والحل البرجماتي يتضمن إعادة تسمية الظواهر السلبية. وإذا هزمت السلع الإنسان، فإن الحل هو أن يذعن لها الإنسان ويعتبرها أعمالاً فنية ومصدر لذة حقيقية، بل تصبح الوفرة السلعية هدفاً نهائياً للمجتمع والإنسان. وإذا كان التحديث يفكك الإنسان، والحداثة ترصد موت الإنسان، فإن ما بعد الحداثة تتكيف مع موت الإنسان وتقبله باعتباره أمراً طبيعياً متوقعاً.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
5 ـ المنظومة الأخلاقية:

لأن الواقع لا اتجاه له، ولأن الكون لا ثبات فيه، ولأن الحقائق منفصلة عن القيمة، ولأن كل الأمور متساوية، بسبب كل هذا، لا يمكن قيام أية معيارية، ولا يمكن تأسيس نظم أخلاقية عامة، وإنما يمكن تأسيس اتفاقات محدودة الشرعية لا تتحدد في ضوء منظومة أخلاقية كلية وإنما في ضوء الوظيفة والنتيجة. كل ما يمكن التوصل إليه هو أخلاقيات برجماتية تأخذ شكل فلسفة القوة والهيمنة (للأقوياء) وفلسفة الإذعان والتكيف (للضعفاء)، إذ لا تُوجَد معايير متجاوزة للإنسان ولا تُوجَد وسيلة لتعريف الظلم والعدل.

والحديث عن قمع الإنسان لبعض رغباته وإرجاء تحقيق البعض الآخر مستحيل، فمثل هذا لا يمكن أن يتم إلا باسم كل متجاوز وفي إطار قصة عظمى. ومن هنا تصبح الرغبة والتعبير عنها معياراً أخلاقياً أساسياً. فما يُعبِّر عن الرغبة هو خير، وهذا ما يعني الانفتاح الكامل والسيولة، أما الإرجاء فهو مرتبط بالقوة والقمع وتصبح المنظومة الأخلاقية منظومة جمالية، إذ لا يوجد واقع ولا حقيقة وإنما تُوجَد أشكال من التناسق يصل إليها الإنسان بنفسه. والتجربة الإنسانية خطاب خيالي وحقيقة إمبريقية في آن واحد (على حد قول بول دي مان)، ومن المستحيل أن نقرر أيهما الواقع. وهذا التردد يجعل من الممكن غفران أي ذنب، مهما بلغ فحشه.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
6 ـ التاريخ والتقدم:

يختفي المركز والأطروحات الكلية والسببية، ومن ثم يستحيل الوصول إلى معرفة كلية، وتختفي الذات ويتراجع الموضـوع. وذاكرة الإنسـان، مسـتودع تجربته وتجارب السابقين والملكة التي يقوم من خلالها بمراكمة المعنى والإنجازات، تهتز هي الأخرى. فالحقائق تتغير، والإعلام يعطيه حقائق/قصصاً متعددة مفرطة في تعدديتها، والقواعد تتغير، فيختفي الإحساس بالتاريخ والاستمرار كما تختفي النماذج الخطية التطورية ويختفي أي نموذج تفسيري. ويظهر ما سماه أحدهم «ذاكرة الكلمات المتقاطعة»، أي معلومات متناثرة لا يربطها رابط. وينشأ الإحساس بأننا في الحاضر الأزلي، تَغيُّر مستمر بلا ماض ولا مستقبل. ويتحول التاريخ من تاريخ إلى مجرد زمان، لحظات جامدة، زمن مُسطَّح لا عمق له ملتف حول نفسه لا قسمات له ولا معنى. ويتزامن الحاضر والماضي والمستقبل تتساوى تماماً مثل تَساوي الذات والموضوع والإنسان والأشياء، ولكنها في الوقت نفسه متزامنة دون استمرار، فثمة انقطاع كامل. وإن بقي تاريخ، فهو يصبح كالأنتيكة، أشياء مبعثرة، وقائع منفصلة غير قابلة للتفسير تُشبه الصور المتجاورة التي تفصلها مساحات شاسعة، ولذا فإن الستينيات ليست حلقة في سلسلة تؤدي إلى التسعينيات وإنما هي حقبة تاريخية تنتمي إلى تاريخ قديم. وهذا يعني اختفاء القصة العظمى الإنسانية الشاملة لتظهر القصص الصغرى التي لا يتجاوز مغزاها حدودها والتي تؤكد التعددية والنسبية واختفاء مفهوم الإنسانية الشامل. كل هذا يعني اختفاء فكرة التقدم، وإن كان يواكبه إحساس بأن وتيرة التقدم قد تسارعت بشكل يفوق تَحكُّم الإنسان.

ونحن نذهب إلى أن ما بعد الحداثة هي أيديولوجية النظام العالمي الجديد، فبعد حرب فيتنام وتَصاعُد معدلات الاستهلاكية في العالم الغربي (وغير ذلك من الأسباب) اكتشف العالم الغربي والنظام العالمي القديم أن المواجهة المباشرة مع العالم الثالث وقوى المقاومة والجهاد أصبحت شبه مستحيلة، ولذا لابد من اللجوء للإغواء بدلاً من المواجهة فجدة النظام العالمي تكمن في الآليات وليس في الأهداف. ومن الصعب إغواء الشعوب المتماسكة ذات الرؤية القومية أو الدينية الواضحة، ولذا لابد من تسييل العالم والهجوم على الحدود المتعينة، حدود الذات (الوعي القومي ـ الذاكرة القومية ـ الرؤى القومية) وحدود الموضوع (السوق القومية ـ الدولة القومية ـ والمصالح القومية المشتركة). والنسبية الكاملة والقصص الصغرى وتَناثُر المعنى والنص المفتوح وما شابه ذلك من مصطلحات ومفاهيم هي خير آلية لتحقيق هذا.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
التفكيكيــــــة
«التفكيكية» ترجمة شائعة مباشرة ومعجمية لعبارة «دي كونستراكشن deconstruction»، ولكنها لا تنقل مضمون الكلمة الأجنبية التي قد يكون من الأفضل ترجمتها بكلمة «التقويضية» (سعد البازعي وميجان الرديلي) أو «الانزلاقية». ولكن كلمة «تفكيكـية» هي الأكثر شيـوعاً ومن هنا استخدامنا لها. وقد تحدَّث كارل مانهايم عن «ديستراكشن destruction»، وهو هدم كل الأيديولوجيات التي تُخادع ذاتها بالضرورة وتتصور أنها تفلت من التاريخانية النسبية ومن قبضة الصيرورة. كما استخدم هايدجر نفس الكلمة بنفس المعنى تقريباً، ففي كتابه كانط ومشكلة الميتافيزيقا، تَحدَّث عن الحاجة إلى إعادة النظر في تاريخ الأنطولوجيا الغربية بطريقة تهدف إلى كشف موضوع دراستها وتطوُّرها وهو ما يتطلب فك تقاليد الأنطولوجيا الجامدة المتكلسة من خلال عملية «هدم». وقد استخدم دريدا كلمة «هـدم» أو «تقـويض» (ديستراكشن) في بداية الأمـر ولكنه عدل عنه واسـتخدم بدلاً منها كلمة «تفكيك». ومع هذا، تظهر النزعة التقويضية بشكل صريح في حديثه عن إجهاد اللغة الذي سيؤدي إلى موت الكلام وحضارة الكتاب. وقد عرَّف هو نفسه التفكيكية بأنها "تهاجم الصرح الداخلي، سواء الشكلي أو المعنوي، للوحدات الأساسية للتفكير الفلسفي، بل تهاجم ظروف الممارسة الخارجية، أي الأشكال التاريخية للنسق التربوي لهذا الصرح والبنيات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية لتلك المؤسسة التربوية". وحيـث إنه لا يذكر بديلاً لهذه المؤسـسات كافة، فإن ما يهـدف إليـه هو تقويض وهدم حتى لو سماه «التفكيك».

وكلمة «تفكيك» تأتي في بعض الأدبيات مرادفة لمصطلح «ما بعد الحداثة»، ولكننا نذهب إلى أن التفكيكية إحدى أوجه ما بعد الحداثة، ففكر ما بعـد الحداثة فكر تقويضيّ معاد للعقلانية وللكليـات، سواء أكانت دينية أم مادية، فهو فكر يحاول أن يهرب تماماً من الميتافيزيقا ومن الحقيقة والمركزية والثبات ويحاول أن يظل غارقاً في الصيرورة. وتَصدُر ما بعد الحداثة عن الإيمان بأن أي نظام فلسفي أو ديني يستند إلى نقطة بدء ثابتة متجاوزة (أساس)، وفي حالة التصور الديني فإن نقطة البدء هي الإله الخالق المفارق للمادة. ولكن الأمر لا يختلف كثيراً في حالة النظم المادية (الصلبة)، فنقطة البدء هي مفهوم الكل المادي الثابت المتجاوز (الذي نشير إليه بأنه الطبيعة/المادة). هناك، إذن، لوجوس أساسي (الإله أو المادة) والعالم كله متمركز حول اللوجوس، ولا يمكن أن يُوجَد نظام دون مركز/لوجوس. وعادةً ما يَنتُج عن نقطة البدء ثنائية هي ثنائية الخالق والمخلوق (في النظم الدينية) أو ثنائية الكل والمركز والثبات مقابل الجزء والهامش والصيرورة. ويرى أنصار ما بعد الحداثة أن الثنائيات المتعارضة تظل في تعارضها ولعبها وحركتها إلى ما لا نهاية حيث تُوجَد نقطة أصل وأسـاس ثابتة. وهي تترجم نفسـها إلى تراتب هرمي. وداخل كل ثنائية، يحكم أحد أطراف الثنائية الطرف الآخر.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
وترى ما بعد الحداثة أن هذا الإيمان بالأصل الثابت المتجاوز (الإله أو الكل المادي المتجاوز) الذي يعلو على لعب الدوال وصيرورة المادة يتناقض تماماً مع الواقع المادي الذي يعيش فيه الإنسان وصيرورته الدائمة، فالمادية الحقة ضد الثبات وتؤمن بأن العالم بلا أصل.

كما يرى أنصار ما بعد الحداثة أن اللغة ليست أداة جيدة للتواصل، فثمة انفصال بين الدال والمدلول يؤدي إلى لعب الدوال المستقل عن إرادة المتكلم. فالإنسان لا يتحكم في اللغة بل إن اللغة هي التي تتحكم فيه. فاللغة تشبه المرأة اللعوب التي توهم المتحدث/الذكر، الذي يريد أن يُطوِّعها بأنها تطيع أمره، ولكنها في واقع الأمر تفعل عكس ما يريد تماماً.

لكل هذا يرى أنصار ما بعد الحداثة أن ثمة تناقضاًَ لا يمكن حسمه داخل كل نص يدعي لنفسه الثبات، هو التناقض بين ظاهره الثابت المتجاوز للصيرورة، وباطنه الواقع في قبضة الصيرورة وأن كل نص يحتوي على أفكار متسقة بشكل ظاهري، متعارضة بشكل فعلي. ولكن علاقة النص بالواقع لا تختلف عن علاقة الدال بالمدلول، أي أنها عـلاقة واهـية جداً لأن النص في واقـع الأمر يسـتند إلى ذاته ويُشير إلى ذاته ولا يُشير إلى أي شيء خارجه. وقد جعل أنصار ما بعد الحداثة همهم تفكيك كثير من الأفكار الأصولية (الدينية والمادية) وتوضيح استحالتها وتناقض الأساس الكامن داخلها، بحيث يظهر أن اللوجوس الذي يستند إليه نص أو ظاهرة إنما هو مجرد عنصر واحد من بين عناصر شتى، وأن الثنائيات الكامنة داخل نص ما ثنائيات متعارضة بشكل لا يمكن حسمه من خلال العودة إلى نقطة الأصل الثابتة، ومن ثم تسود حالة من الانزلاقية واللعب ويتهدم أي تراتب هرمي أو أي تنسيق للواقع.

في هذا الإطار يمكن القول بأن الرؤية الفلسفية هي «ما بعد الحداثة»، أما «التفكيكية» فهي منهجها في تفكيك النصوص وإظهار التناقض الأساسي الكامن فيها، وقد قيل إن الجراماتولوجي هو «علم الكتابة»، وذلك باعتبار أن الكتابة كتابة أصلية أو أولية، أما التفكيكية فهي الشكل الذي تأخذه حينما تتوجه إلى نصوص بعينها.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
والتفكيكية تحاول تفكيك/تقويض النص بأن تبحث داخله عما لم يقله بشكل صريح واضح (وهو ما يُشار إليه بعبارة «المسكوت عنه») وهي تعارض منطق النص الواضح المُعلَن وادعاءاته الظاهرة، بالمنطق الكامن في النص، كما أنها تبحث عن النقطة التي يتجاوز فيها النص القوانين والمعايير التي وضعها لنفسه، فهي عملية تعرية للنص وكشف أو هتك لكل أسراره وتقطيع لأوصاله وصولاً إلى أساسه الذي يستند إليه، فيتضح تناقض هذا الأساس وضعفه ونسبيته وصيرورته فتسقط عنه قداسته وزعمه بأنه كلٌ ثابتٌ متجاوزٌ.

ويصل النـص إلى طريق مسـدود إذ تظهر الهوة الموجودة داخلـه (العنصر الذي يهرب من قبضة كل النظم المعرفية). عندئذ، يظهر عدم تماسك النص وانعدام اتساقه الداخلي فيتعثر المعنى الظاهر ويتناثر، بعد أن كان متماسكاً وله مركزه الواضح، وتنزلق الدلالة من عالم تَرابُط الدال والمدلول إلى عالم من اللا تحدد ولا يرتبط فيه الدال بالمدلول.

وتتم عملية التفكيك على مرحلتين: يقوم الناقد بالتعمق في النص حتى يصل إلى الافتراضات الكامنة في النص ومنظوماته القيمية والهرمية وافتراضاته الأصولية وأساسه الميتافيزيقي الكامن (التمركز حول اللوجوس). أما المرحلة الثانية، فهي حين يبدأ الناقد في اكتشاف عنصر ممالئ في النص (تفصيلات هامشية ـ مصطلحات غير هامة متكررة ـ إشارات عابرة)، فيأخذها الناقد التفكيكي، ويظل يُعمِّق فيها ويُحِّملها بالمعاني حتى يبيِّن احتواء الكل الثابت المتجاوز على تفاصيل تُقوِّض من كليته وثباته وتجاوزه، وحتى يبيِّن مدى اشتراك الثنائيات في السمات رغم اختلافها، فهما ليسا متعارضين بما فيه الكفاية حتى يتداخل القطبان.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:52 AM
إن النقد التفكيكي لا يفكِّك النص ويعيد تركيبه ليبيِّن المعنى الكامن في النص (كما هو الحال مع النقد التقليدي) وإنما يحاول أن يكشف التوترات والتناقضات داخل النص وتعددية المعنى والانفتاح الكامل، بحيث يفقد النص حدوده الثابتة ويصبح جزءاً من الصيرورة ولعب الدوال، ومن ثم تختفي الثنائيات والأصول الثابتة والحقيقة والميتافيزيقا.
وقد أشار كثير من الدارسين إلى أن النقد التفكيكي يتسم بما يلي:

1 ـ النقد التفكيكي نقد ممل لأنه يقول الشيء نفسه عن النصوص كافة ونتيجته معروفة مسبقاً.

2 ـ لم يأت التفكيك بأي عنصر جديد، فكل العناصر موجودة في النقد التقليدي ولكنها مبالغ فيها ويتم تناولها بشكل لا تسمح به حدود النص.

3 ـ النقد التفكيكي نقد واحدي، فكل العناصر سيتم تفكيكها، وإن بقي عنصر سيأتي ناقد آخر ليكمل عملية التفكيك إلى أن ينتهي التفكيك بواحدية سائلة محضة.

4 ـ النقد التفكيكي نقد ثوري فيما يتعلق بتحليل خطاب الآخر، ولكنه رجعي في كل شيء آخر، فهو لا يمكن أن يطرح بدائل.

قبضة الصيرورة
«الصيرورة » من فعل «صار» وهي انتقال الشيء من حالة إلى أخرى وهي مرادفة للحركة والتغير. والصيرورة نقيض الثبات والسكون. أما «قبضة الصيرورة» فهي صورة من نحتنا ومن خلالها نبيِّن أن الإشكالية الأساسية في الفلسفة الغربية منذ عصر النهضة مع هيمنة الفلسفات العلمانية الشاملة (المادية) هي محاولة البحث عن مركز ثابت في عالم مادي كل ما فيه في حالة تَغيُّر وحركة، عالم لا ثبات فيه إلا للحركة ولا مطلق فيه إلا النسبي، وهي محاولة فاشلة فكل شيء يسقط، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، في قبضة الصيرورة، وهو ما يؤدي إلى غياب المركز وسقوط المرجعية وسيادة النسبية والعدمية.

وفلسفة ما بعد الحداثة هي الفلسفة التي تحاول أن تدفع بكل شيء إلى قبضة الصيرورة، ويتم ذلك من خلال نزع القداسة عن كل الظواهر وردها إلى عناصر مادية، خاضعة لقانون الحركة. وعلى المستوى اللغوي يتم فصل الدال عن المدلول وتبدأ لعبة الدوال وتسقط اللغة نفسها في قبضة الصيرورة.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:53 AM
انفصال الدال عن المدلول
«الدال» هو الجانب المحسوس ( بالإنجليزية: سنسبل sensible) من الكلمة، فهو الصورة الصوتية أو مساويها المرئي. أما «المدلول» فهو الجانب المعقول (المُدرَك بالعقل) من المعنى (بالإنجليزية: إنتليجيبل intelligible). وكان بوسعنا أن نقول ببساطة إن «الدال» هو «الاسم» و«المدلول» هو «المسمى»، وأن «الدال» هو «الكلمة التي تشير إلى شيء» و«المدلول» هو «الشيء الذي يُشار إليه». ولكن حيث إن كلمة «دال» لا تشير إلى الكلمات وحسب وإنما تشير إلى النظم الإشارية (علامات المرور ـ الرموز... إلخ)، فإننا نُؤثر استخدامها لأنها أكثر شمولاً. والدال مرتبط دائماً بالمدلول، ولكنه منفصل عنه، فالدال جزء من النظام الإشاري اللاشخصي أما المدلول فهو جزء من نظام المعنى.

ومن القضايا الأساسية التي تُثار في فلسفة اللغة في الغرب قضية علاقة الدال بالمدلول، وهي قضية معرفية، تشير إلى علاقة العقل بالواقع (والإنسان بالطبيعة/المادة)، فإن كانت علاقة الدال بالمدلول مباشرة وبسيطة فهذا يعني أن علاقة العقل بالواقع مباشرة وبسيطة، وأن عقل الإنسان سلبي يعكس الواقع دون تحوير أو تعديل أو إبداع، فالنموذج هنا تراكمي. والعكس صحيح. فإن كانت علاقة الدال بالمدلول غير مباشرة ومركبة، فهذا يعني أن علاقة العقل بالواقع (الحسي/المادي أي الطبيعة/المادة) علاقة مركبة وتعني استقلال العقل عن الواقع (الطبيعة/المادة(.