المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رد شبهة تعدد الزوجات



قاصِف
2011-11-14, 04:52 PM
يشن الغربيون المتعصبون من رجال الدين والاستشراق والاستعمار حملة قاسية على الاسلام والمسلمين بسبب تعدد الزوجات، ويتخذون منها دليلاً على اضطهاد الاسلام للمرأة واستغلال المسلمين لها في إرضاء شهواتهم ونزواتهم. والغربيون في ذلك مكشوفو الهدف، مفضوحو النية، متهافتو المنطق.

1- فالاسلام لم يكن أول من شرع تعدد الزوجات، بل كان موجوداً في الأمم القديمة كلها تقريباً: عند الاثينيين، والصينيين، والهنود، والبابليين والأشوريين، والمصريين، ولم يكن له عند أكثر هذه الأمم حد محدود، وقد سمحت شريعة "ليكي" الصينية بتعدد الزوجات الى مائة وثلاثين امرأة، وكان عند أحد أباطرة الصين نحو من ثلاثين ألف امرأة!...

2- والديانة اليهودية كانت تبيح التعدد بدون حد، وأنبياء التوراة جميعاً بلا استثناء كانت لهم زوجات كثيرات، وقد جاء في التوراة أن نبي الله سليمان كان له سبعمائة امرأة من الحرائر وثلاثمائة من الإماء.





3- ولم يرد في المسيحية نص صريح بمنع التعدد، وإنما ورد فيه على سبيل الموعظة أن الله خلق لكل رجل زوجته.. وهذا لا يفيد على أبعد الاحتمالات إلا الترغيب بأن يقتصر الرجل في الأحوال العادية على زوجة واحدة، والاسلام يقول مثل هذا القول، ونحن لا ننكره، ولكن أين الدليل على أن زواج الرجل بزوجة ثانية مع بقاء زوجته الأولى في عصمته يعتبر زنى ويكون العقد باطلاً.
ليس في الأناجيل نص على ذلك، بل في بعض رسائل بولس ما يفيد أن التعدد جائز، فقد قال: "يلزم أن يكون الاسقف زوجا لزوجة واحدة" (انظر رسائل بولس الأولى تيموشاوس) ففي إلزام الأسقف وحده بذلك دليل على جوازه لغيره. وقد ثبت تاريخياً أن بين المسيحيين الأقدمين من كانوا يتزوجون أكثر من واحدة، وفي آباء الكنيسة الأقدمين من كان لهم كثير من الزوجات، وقد كان في أقدم عصور المسيحية من إباحة تعدد الزوجات في أحوال استثنائية وأمكنة مخصوصة. قال "وستر مارك" (Wester Mark) العالم الثقة في تاريخ الزواج: إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي الى القرن السابع عشر.

وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة (عباس محود العقاد :: حقائق الإسلام ص 177)
ويقول أيضاً في كتابه المذكور:

إن "ديارماسدت" ملك إرلندة كان لو زوجتان وسريتان. وتعددت زوجات الميروفنجيين غير مرة في القرون الوسطى. وكان لشرلمان زوجتان وكثير من السراري، كما يظهر من بعض قوانينه ان تعدد الزوجات لم يكن مجهولاً بين رجال الدين أنفسهم. وبعد ذلك بزمن كان فيليب اوفاهيس وفردريك وليام الثاني البروسي يبرمان عقد الزواج مع اثنتين بموافقة القساوسة اللوثرين. وأقر ماتر لوثر نفسه تصرف الأول منهما كما أقره ملانكنون. وكان لوثر يتكلم في شتى المناسبات عن تعدد الزوجات بغير اعتراض، فإنه لم يحرم بأمر من الله، ولم يكن ابراهيم – وهو مثل المسيحي الصادق – يحجم عنه إذ كان له زوجتان. نعم إن الله أذن بذلك لأناس من رجال العهد القديم في ظروف خاصة ولكن المسيحي الذي يريد أن يقتدي بهم، يحق له أن يفعل ذلك متى تيقن أن ظروفه تشبه تلك الظروف، فإن تعدد الزوجات على كل حال أفضل من الطلاق. وفي سنة 1650 ميلادية بعد صلح وسنفاليا، وبعد أن تبين النقص في عدد السكان من جراء حروب الثلاثين. أصدر مجلس الفرنكيين بنورمبرج قراراً يجيز للرجل أن يجمع بين زوجتين. بل ذهبت بعض الطوائف المسيحية الى ايجاب تعدد الزوجات، ففي سنة 1531 نادى اللامعمدانيون في مونستر صراحة بأن المسيحي – حق المسيحي – ينبغي أن تكون له عدة زوجات، ويعتبر المورمون كما هو معلوم أن تعدد الزوجات نظام الهي مقدس (نقل ذلك الأستاذ العقاد في كتابة المرأة في القرآن الكريم ص 132-133).


ويقول الأستاذ العقاد ( عباس محمود العقاد ) : ومن المعلوم أن اقتناء السراري كان مباحاً – أي في المسيحية – على اطلاقه كتعدد الزوجات، مع اباحة الرق جملة في البلاد الغربية، لا يحده إلا ما كان يحد تعدد الزوجات، من ظروف المعيشة البيتية، ومن سورية جلب الرقيقات المقبولات للتسري من بلاد أجنبية، وربما نصح بعض الأئمة – عند النصارى – بالتسري لاجتناب الطلاق في حالة عقم الزوجة الشرعية. ومن ذلك ما جاء في الفصل الخامس عشر من كتاب الزواج الأمثل للقديس اوغسطين، فانه يفضل التجاء الزوج الى التسري بدلاً من تطليق زوجته العقيم. وتشير موسوعة العقليين الى ذلك. ثم تعود الى الكلام عن تعداد الزوجات فتقول: إن الفقيد الكبير جروتيوس دافع عن الآباء الاقدمين فيما أخذه بعض الناقدين المتأخرين عليهم من التزوج بأكثر من واحدة، لانهم كانوا يتحرون الواجب ولا يطلبون المتعة من الجمع بين الزوجات. وقال جرجي زيدان: "فالنصرانية ليس فيها نص صريح يمنع اتباعها من التزوج بامرأتين فأكثر، ولو شاؤا لكان تعدد الزوجات جائزاً عندهم، ولكن رؤساؤها القدماء وجدوا الاكفتاء بزوجة واحدة أقرب لحفظ نظام العائلة واتحادها – وكان ذلك شائعاً في الدولة الرومانية – فلم يعجزه تأويل آيات الزواج حتى صار التزوج بغير امرأة حراماً كما هو مشهور".


4- ونرى المسيحية المعاصرة تعترف بالتعدد في افريقيا السوداء، فقد وجدت الارسالية التبشيرية نفسها أمام واقع اجتماعي وهو تعدد الزوجات لدى الافريقيين الوثنيين، ورأوا أن الاصرار على منع التعدد يحول بينهم وبين الدخول في النصرانية، فنادوا بوجوب السماح للافريقيين المسيحيين بالتعدد الى غير حد محدود، وقد ذكر السيد نورجيه مؤلف كتاب "الاسلام والنصرانية في أواسط افريقية" (ص 92-98) هذه الحقيقة ثم قال: "فقد كان هؤلاء المرسلون يقولون إنه ليس من السياسة أن نتدخل في شؤون الوثنيين الاجتماعية التي وجدناهم عليها، وليس من الكياسة أن نحرم عليهم التمتع بأزواجهم ماداموا نصارى يدينون بدين المسيح، بل لا ضرر من ذلك ما دامت التوراة وهي الكتاب الذي يجب على المسيحيين أن يجعلوه اساس دينهم تبيح هذا التعدد، فضلاً على أن المسيح قد أقر ذلك في قوله: "لا تظنوا أني جئت لأهدم بل لأتمم" 1. هـ. وأخيراً أعلنت الكنيسة رسمياً السماح للافريقيين النصارى بتعدد الزوجات الى غير حد!...


5- والشعوب الغربية المسيحية وجدت نفسها تجاه زيادة عدد النساء على الرجال عندها – وبخاصة بعد الحربين العالمينين – إزاء مشكلة اجتماعية خطيرة لا تزال تتخبط في ايجاد الحل المناسب لها. وقد كان من بين الحلول التي برزت، اباحة تعدد الزوجات. فقد حدث أن مؤتمراً للشباب العالمي عقد في "مونيخ" بألمانيا عام 1948 واشترك فيه بعض الدارسين المسلمين من البلاد العربية: وكان من لجانه لجنة تبحث مشكلة زيادة عدد النساء في ألمانيا أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب، وقد استعرضت مختلف الحلول لهذه المشكلة وتقدم الأعضاء المسلمون في هذه اللجنة باقتراح اباحة تعدد الزوجات. وقوبل هذا الرأي أولاً بشيء من الدهشة والاشمئزاز، ولكن أعضاء اللجنة اشتركوا جميعاً في مناقشته فتبين بعد البحث الطويل أنه لا حل غيره، وكانت النتيجة أن أقرت اللجنة توصية المؤتمر بالمطالبة باباحة تعدد الزوجات لحل المشكلة. وفي عام 1949 تقدم أهالي "بون" عاصمة ألمانيا الاتحادية بطلب الى السلطات المختصة يطلبون فيه أن ينص في الدستور الألماني على اباحة تعدد الزوجات (الدكتور محمد يوسف في أحكام الشخصية ص 121) ونشرت الصحف في العام الماضي أن الحكومة الألمانية أرسلت الى مشيخة الأزهر تطلب منها نظام تعدد الزوجات في الاسلام لأنها تفكر في الاستفادة منه كحل لمشكلة زيادة النساء ثم أتبع ذلك وصول وفد من علماء الألمان اتصلوا بشيخ الأزهر لهذه الغاية، كما التحقت بعض الألمانيات المسلمات بالأزهر لتطلع بنفسها على أحكام الإسلام في موضوع المرأة عامة وتعدد الزوجات خاصة. وقد حدثت محاولة قبل هذه المحاولات في ألمانيا أيام الحكم النازي لتشريع تعدد الزوجات، فقد حدثنا زعيم عربي اسلامي كبير أن هتلر حدثه برغبته في وضع قانون يبيح تعدد الزوجات، وطلب اليه أن يضع له في ذلك نظاماً مستمداً من الاسلام، ولكن قيام الحرب العالمية الثانية حالت بين هتلر وبين تنفيذ هذا الأمر.


وقد سبق أن حاول "أدوارد السابع" مثل هذه المحاولة فأعد مرسوماً يبيح فيه التعدد ولكن مقاومة رجال الدين قضت عليه (الغلاييني: الإسلام روح المدنية ص 228) ثم إن المفكرين الغربيين الاحرار أثنوا على تعدد الزوجات، وبخاصة عند المسلمين. فقد عرض "جروتيوس Grotius" العالم القانوني المشهور لموضوع تعدد الزوجات فاستصوب شريعة الآباء العبرانيين والانبياء في العهد القديم (العقاد: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 177) وقال الفيلسوف الألماني الشهير "شوبنهور": في رسالته "كلمة عن النساء". "إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبنى بمساواتها المرأة بالرجل، فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا، وضاعفت علينا واجباتنا، على أنها ما دامت أباحت للمرأة حقوقاً مثل الرجل كان من اللازم أن تمنحها أيضاً عقلاً مثل عقله!...". إلى أن يقول... "ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجاً يتكفل بشؤنها، والمتزوجات عندنا نفر قليل، وغيرهن لا يُحصَين عدداً، تراهن بغير كفيل: بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت وهي هائمة متحسرة، ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السلفى، يتجشمن الصعاب ويتحملن شاق الأعمال، وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار ففي مدينة (لندن) وحدها ثمانون ألف بنت عمومية (هذا على عهد شوبنهور!..) سفك دم شرفهن على مذبحة الزواج ضحية الاقتصار على زوجة واحدة، ونيتجة تعنت السيدة الأوروبية وما تدعيه لنفسها من الأباطيل".


"أما آن لنا أن نعدّ بعد ذلك تعدد الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره"؟ "إذا رجعنا الى أصول الأشياء لا نجد ثمة سبباً يمنع الرجل من التزوج بثانية إذا أصيبت إمرأته بمرض مزمن تألم منه، أو كانت عقيماً، أو على توالي السنين أصبحت عجوزاً، ولم تنجح "المورمون" (فرقة من البروتستانت تبيح تعدد الزوجات وتمارسه فعلاً ولها كنائسها المنتشرة في أوروبا وأمريكا) في مقاصدها إلا بإبطال هذه الطريقة الفظيعة: طريقة الاقتصار على زوجة واحدة"(الغلاييني: الإسلام روح المدنية ص 224) .


وتحدث "غوستاف لوبون" في "حضارة العرب" عن تعدد الزوجات عند المسلمين وهو الذي عاش بنفسه سنوات طويلة في بلاد الشرق والاسلام فقال "لا نذكر نظاماً اجتماعياً أنحى الأوروبيون عليه باللائمة كمبدأ تعدد الزوجات، كما أننا لا نذكر نظاماً أخطأ الأوروبيون في إدراكه كذلك المبدأ فيرى أكثر مؤرخي أوروبة إتزاناً أن مبدأ تعدد الزوجات حجر الزاوية في الاسلام، وأنه سبب انتشار القرآن، وأنه علة انحطاط الشرقيين ونشأ عن هذه المزاعم الغربية على العموم أصوات سخطٍ رحمة بأولئك البائسات المكدّسات في دوائر الحريم فيراقبهن خصيان غلاظ، ويُقتلن حينما يكرههن سادتهن!... ذلك الوصف مخالف للحق، وأرجو أن يثبت عند القارئ الذي يقرأ هذا الفصل بعد أن يطرح عنه أوهامه الأوروبية جانباً، أن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقول به، ويزيد الأسرة ارتباطاً، ويمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تراهما في أوروبة. وأقول قبل إثبات ذلك: إن مبدأ تعدد الزوجات ليس خاصاً بالاسلام، فقد عرفه اليهود والفرس والعرب وغيرهم من أمم الشرق قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ولم تر الأمم التي دخلت الاسلام فيه غنما جديداً إذن، ولا نعتقد مع ذلك وجود ديانة قوية تستطيع أن تحول الطبائع فتبتدع أو تمنع مثل ذلك المبدأ الذي هو وليد جو الشرقيين وعروقهم وطرق حياتهم. تأثير الجو


والعرق من الوضوح بحيث لا يحتاج الى ايضاح كبير، فبما أن تركيب المرأة الجثماني وأمومتها وأمراضها الخ... مما يكرهها على الابتعاد عن زوجها في الغالب. وبما أن التأيم المؤقت مما يتعذر في جو الشرق، ولا يلائم مزاج الشرقيين، كان مبدأ تعدد الزوجات ضربة لازب. وفي الغرب، حيث الجو والمزاج أقل هيمنة، لم يكن مبدأ الاقتصار على زوجة واحدة في غير القوانين، لا في الطبائع حيث يندُر!. ولا أرى سبباً لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين أدنى مرتبة من مبدأ تعدد الزوجات السّري عند الغربيين! مع أنني أبصر بالعكس ما يجعله أسنى منه، وبهذا ندرك مغزى تعجب الشرقيين الذين يزورون مدننا الكبيرة من احتجاجنا عليهم، ونظرهم الى هذا الاحتجاج شزراً. ثم ينقل غوستاف لوبون ملاحظات العالم المتدين "لوبليه" في كتابه "عمال الشرق" عن الضرورة التي تدفع أرباب الأسر الزراعية في الشرق الى زيادة عدد نسائهم، وكون النساء في هذه الأسر هن اللائي يحرضن أزواجهن على البناء بزوجات أُخَر من غير أن يتوجعن. وختم ذلك بقوله: إن رأي الأوروبيين (في تعدد الزوجات) ناشئ عن نظرهم الى الأمر من خلال مشاعرهم، لا من خلال مشاعر الآخرين. وقال: ويكفي إنقضاء بضعة أجيال لإطفاء أوهام أو احداثها(حضارة العرب 482-486).


ويقول وستر مارك في تاريخه: إن مسألة تعدد الزوجات لم يفرغ منها بعد تحريمه في القوانين الغربية وقد يتجدد النظر في هذه المسألة كرة بعد أخرى، كلما تحرجت أحوال المجتمع الحديث فيما يتعلق بمشكلات الأسرة. ثم تساءل: هل يكون الاكتفاء بالزوجة الواحدة ختام النظم ونظام المستقبل الوحيد في الأزمنة المقبلة؟. ثم أجاب قائلاً: إنه سؤال أجيب عنه بآراء مختلفة، إذ يرى سبنسر أن نظام الزوجة الواحدة هو ختام الأنظمة الزوجية، وأن كل تغيير في هذه الأنظمة لا بد أن يؤدي الى هذه النهاية. وعلى نقيض ذلك يرى الدكتور ليبون Lepon أن القوانين الأوروبية سوف تجيز التعدد. ويذهب الأستاذ اهرنفيل Ehrenbel إلى حد القول بأن التعدد ضروري للمحافظة على بقاء "السلالة الآرية". ثم يعقب وستر مارك بترجيح الاتجاه الى توحيد الزوجة إذا سارت الأمور على النحو الذي أدى الى تقريره (العقاد: المرأة في القرآن الكريم ص 134).

في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - ضرورات التعدد الاجتماعية

وإذا نحن حاكمنا الموضوع محاكمة منطقية بعيدة عن العاطفة وجدنا للتعدد حسناته وسيآته. وحسناته ليست من حيث التعدد ذاته، فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب الى الفطرة، وأحصن للأسرة، وأدعى الى تماسكها، وتحاب أفرادها، ومن أجل ذلك كان هو النظام الطبيعي الذي لا يفكر الانسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات، وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن، وتضفي عليه الحسنات. والضرورات هنا تنقسم الى إجتماعية وشخصية.

ضرورات التعدد الاجتماعية:

أما الضرورات الاجتماعية التي تلجئ إلى التعدد فهي كثيرة نذكر منها حالتين لا ينكر أحد وقوعهما:


1- عند زيادة النساء على الرجال في الأحوال العادية، كما هو الشأن في كثير من البلدان كشمال أوروبا، فإن النساء فيها في غير أوقات الحروب وما بعدها تفوق الرجال بكثير، وقد قال لي طبيب في دار للتوليد في هلسنكي (فنلندا) أنه من بين كل أربعة أطفال أو ثلاثة يولدون يكون واحد منهم ذكراً والباقون إناثاً. ففي هذه الحالة يكون التعدد أمراً واجباً أخلاقياً واجتماعياً، وهو أفضل بكثير من تسكع النساء الزائدات عن الرجال في الطرقات لا عائل لهن ولا بيت يؤويهن، ولا يوجد إنسان يحترم استقرار النظام الاجتماعي يفضل انتشار الدعارة على تعدد الزوجات، إلا أن يكون مغلوباً على هواه، كأن يكون رجلاً أنانياً يريد أن يشبع غريزته الجنسية دون أن يحمل نفسه أي التزامات أدبية أو مادية نحو من يتصل بهن، ومثل هؤلاء خراب على المجتمع، واعداء للمرأة نفسها، وليس مما يشرف قضية الاقتصار على زوجة واحدة أن يكونوا من أنصارها، وحياتهم هذه تسخر منهم ومن دعواهم. ومنذ أوائل هذا القرن تنبه عقلاء الغربيين إلى ما ينشأ من منع تعدد الزوجات من تشرد النساء وانتشار الفاحشة وكثرة الأولاد غير الشرعيين، وأعلنوا أنه لا علاج لذلك إلا السماح بتعدد الزوجات.


فقد نشرت جريدة (لاغوص ويكلي ركورد) في عددها الصادر بتاريخ 20 نيسان 1901 نقلاً عن جريدة (لندن تروث) بقلم إحدى السيدات الإنجليزيات ما يلي: "لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر الى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وإن شاركني فيه الناس جميعاً!! لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة، ولله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكامل الشفاء وهو "الاباحة للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة" وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محال وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة". "إن هذا التحديد بواحدة هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن الى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة". "أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاً وعاراً وعالة على المجتمع، فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب الهُون، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن.. إن إباحة تعدد الزوجات تجعل كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين" (مجلة المنار لرشيد رضا (4/485-486)). وتدل الاحصائيات التي تنشر في أوروبا وأمريكا عن ازدياد نسبة الأولاد غير الشرعيين زيادة تقلق الباحثين الاجتماعيين، وهؤلاء ليسوا إلا نتيجة عدم اقتصار الرجل على امرأة واحدة، وكثرة النساء اللاتي لا يجدن طريقاً مشروعاً للإتصال الجنسي.


2- عند قلة الرجال عن النساء قلة بالغة نتيجة الحروب الطاحنة، أو الكوارث العامة. وقد دخلت أوروبا حربين عالميتين خلال ربع قرن، ففني فيهما ملايين الشباب، وأصبحت جماهير من النساء ما بين فتيات وما بين متزوجات، قد فقدن عائلهن، وليس أمامهن – ولو وجدن عملاً – إلا أن يتعرفن على المتزوجين الذي بقوا أحياء، فكانت النتيجة أن عملن باغرائهن على خيانة الأزواج لزوجاتهن، أو انتزاعهم من أحضان زوجاتهن ليتزوجن بهم. وقد وجدت النساء المتزوجات في هذه الأحوال من القلق وتجرع الهجر والحرمان ما يفوق مرارة انضمام زوجة أخرى شرعية الى كل واحدة منهن، وقامت في بعض بلاد أوروبا – وبخاصة في ألمانيا – جمعيات نسائية تطالب بالسماح بتعدد الزوجات، أو بتعبير أخف وقعاً في أسماع الغربيين وهو "إلزام الرجل بأن يتكفل امرأة أخرى غير زوجته". وضرورات الحروب ونقصان الرجال فيها لا تدع مجالاً للمكابرة في أن الوسيلة الوحيدة لتلافي الخسارة البالغة بالرجال هو السماح بتعدد الزوجات. وهذا الفيلسوف الانجليزي "سبنسر" برغم مخالفته لفكرة تعدد الزوجات، يراها ضرورة للأمة التي يفنى رجالها في الحروب. ي

قول "سبنسر" في كتابه "أصول علم الاجتماع":


إذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب ولم يكن لكل رجل من الباقين إلا زوجة واحدة، وبقيت نساء عديدات بلا أزواج، ينتج عن ذلك نقص في عدد المواليد لا محالة، ولا يكون عددهم مساوياً لعدد الوفيات، فاذا تقاتلت أمتان مع فرض أنها متساويتان في جميع الوسائل المعيشية وكانت إحداهما لا تستفيد من جميع نسائها بالأستيلاد، فإنها لا تستطيع أن تقاوم خصيمتها التي يستولد رجالها جميع نسائها، وتكون النتيجة أن الأمة الموحدة للزوجات تفنى أمام الأمة المعددة للزوجات" (دائرة معارف وجدي (4/692) مادة زوج) هـ. ونحن نقول زيادة على هذا إن الأمم المتحاربة ولو كانت كلها ممن تذهب إلى وحدة الزوجة، إلا أن الأمة المغرقة في الترف هي تتعرض للفناء أمام الأمة التي هي أقل حضارة وأقرب الى الفطرة، لأن نساء الأمة المتحضرة المغرقة في الترف تميل دائماً الى الإقلال من النسل كما هو في فرنسا، بخلاف الأمة الأخرى فإنها تنجب أكثر كما هو في روسيا، فلا بد للأمة الأولى من أن تلجأ إلى تعدد الزوجات لتسدرك نقصان التناسل فيها...

في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - ضرورات التعدد الشخصية

قاصِف
2011-11-14, 04:54 PM
هناك حالات كثيرة قد تلجئ الانسان الى التعدد، نذكر منها على سبيل المثال:


1- أن تكون زوجته عقيماً، وهو يحب الذرية، ولا حرج عليه في ذلك، فحب الأولاد غريزة في النفس الإنسانية: ومثل هذا ليس أمامه إلا أحد أمرين: إما أن يطلق زوجته العقيم، أو أن يتزوج أخرى عليها، ولا شك في أن الزواج عليها أكرم باخلاق الرجال ومروؤاتهم من تطليقها، وهو في مصلحة الزوجة العاقر نفسها، وقد رأينا بالتجربة أنها – في مثل هذه الحالة – تفضل أن تبقى زوجة ولها شريكة أخرى في حياتها الزوجية، على أن تفقد بيت الزوجية، ثم لا أمل لها بعد ذلك فيمن يرغب في الزواج منها بعد أن يعلم أن طلاقها كان لعقمها، هذا هو الأعم الأغلب، إنها حينئذ مخيرة بين التشرد أو العودة الى بيت الأب، وبين البقاء في بيت زوجها لها كل حقوق الزوجية الشرعية وكرامتها الاجتماعية، ولها مثل ما للزوجة الثانية من حقوق ونفقات. نحن لا نشك في أن المرأة الكريمة العاقلة تفضل التعدد على التشرد، ولهذا رأينا كثيراً من الزوجات العقم يفتشن لأزواجهن عن زوجة أخرى تنجب لهم الأولاد.

2- أن تصاب الزوجة بمرض مزمن أو معد أو منفر بحيث لا يستطيع معه الزوج أن يعاشرها معاشرة الأزواج، فالزوج هنا بين حالتين: إما أن يطلقها وليس في ذلك شيء من الوفاء ولا من المروءة ولا من كرم الأخلاق، وفيه الضياع والمهانة للمرأة المريضة معاً، وإما أن يتزوج عليها أخرى ويبقيها في عصمته، لها حقوقها كزوجة، ولها الانفاق عليها في كل ما تحتاج اليه من دواء وعلاج، ولا يشك أحد في أن هذه الحالة الثانية أكرم وأنبل، وأضمن لسعادة الزوجة المريضة وزوجها على السواء...


3- أن يشتد كره الزوج لها بحيث لم ينفع معه علاج التحكيم والطلاق الأول ولا الثاني، وما بينهما من (هدنة) العدة التي تمتد في كل مرة ثلاثة أشهر تقريباً، وهنا يجد الزوج نفسه أيضاً بين حالتين: إما أن يطلقها ويتزوج غيرها، وإما أ يبقيها عنده لها حقوقها المشروعة كزوجة، ويتزوج عليها أخرى، ولا شك أيضاً في أن الحالة الثانية أكرم للزوجة الأولى، وأكثر غرماً على الزوج، ودليل على وفائه ونبل خلقه، وهو في الوقت نفسه أضمن لمصلحة الزوجة خصوصاً بعد تقدم السن وإنجاب الأولاد.

4- أن يكون الرجل بحكم عمله كثير الأسفار، وتكون إقامته في غير بلدته تستغرق في بعض الأحيان شهوراً، وهو لا يستطيع أن ينقل زوجته وأولاده معه كلما سافر، ولا يستطيع أن يعيش وحيداً في سفره تلك الأيام الطويلة، وهنا يجد نفسه كرجل بين حالتين. إما أن يفتش عن امرأة يأنس بها عن غير طريق مشروع، ولسي لها حق الزوجة، ولا لأولادها – الذين قد يأتون نتيجة اتصال الرجل بها – حقوق الأولاد الشرعيين، وإما أن يتزوج أخرى ويقيم معها إقامة مشروعة في نظر الدين والأخلاق والمجتمع، وأولادها منه أولاد شرعيون يعترف بهم المجتمع، وينشؤون فيه كراماً كبقية المواطنين، واعتقد أن المنطق الهادئ والتفكير المتزن، والحل الواقعي، كل ذلك يفضل التعدد على الحالة الأولى.


5- بقيت حالة أريد أن أكون فيها صريحاً أيضاً، وهي أن يكون عنده من القوة الجنسية، ما لا يكتفي معه بزوجته، إما لشيخوختها، وإما لكثرة الأيام التي لا تصلح فيها للمعاشرة الجنسية – وهي أيام الحيض والحمل والنفاس والمرض وما أشبهها – وفي هذه الحالة نجد الأولى والأحسن أن يصبر على ما هو فيه، ولكن: إذا لم يكن له صبر فماذا يفعل؟ انغمض أعيننا عن الواقع وننكره كما تفعل النعامة أم نحاول علاجه؟ وبماذا نعالجه؟ نبيح له الاتصال الجنسي المحرم؟ وفي ذلك إيذاء للمرأة الثانية التي اتصل بها، وضياع لحقوقها وحقوق أطفالها، عدا ما فيه من منافاة لقواعد الدين والأخلاق؟ أم نبيح له الزواج منها زواجاً شرعياً تصان فيه كرامتها، ويعترف لها بحقوقها، ولأولادهم بنسبهم الشرعي معه؟ هنا تتدخل مبادئ الأخلاق والحقوق فلا تتردد في تفضيل الحالة الثانية على الأولى. ولا بد لي هنا من ذكر حديث جرى بيني وبين أحد الغربيين يلقي ضوءً على هذا الموضوع.

حين سافرت إلى أوروبا في عام 1956 موفداً من جامعة دمشق في رحلة استطلاعية للجامعات والمكتبات العامة، كان ممن اجتمعت بهم في لندن "البروفسور إندرسون" رئيس قسم قوانين الأحوال الشخصية الشرقية في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لندن، وجرى بيننا – فيما جرى من الأحاديث – نقاش حول تعدد الزوجات في الإسلام.

سألني أندرسون: ما رأيك في تعدد الزوجات؟

قلت له: نظام صالح يفيد المجتمعات في كثير من الظروف إذا نفذ بشروطه!

قال: أنت إذا على رأي محمد عبده بوجوب تقييده!!

قلت: قريباً من رأيه لا تماماً، فإني أرى أن يقيد بقدرة الزوج على الانفاق على الزوجة الثانية ليمكن تحقيق العدل بين الزوجات كما طلب الإسلام.

قال: وهل مثلك في هذا العصر يدافع عن تعدد الزوجات؟


قلت: إني أسألك فأجبني بصراحة! من كانت عنده زوجة فمرضت مرضاً معدياً أو منفرداً لا أمل بالشفاء منه. وهو في مقتبل العمر والشباب فماذا يفعل؟ هل أمامه إلا ثلاث حالات: أن يطلقها، أو يتزوج عليها، أو أن يخونها ويتصل بغيرها اتصالاً غير مشروع؟

قال: بل هناك رابعة، وهي: أن يصبر ويعف نفسه عن الحرام.

قلت: وهل كل انسان يستطيع أن يفعل ذلك؟

قال: نحن المسيحيين نستطيع أن نفعل ذلك بتأثير الإيمان في نفوسنا.
فتبسمت وقلت: أتقول هذا وأنت غربي؟ أنا أفهم أن يقول هذا القول مسلم أو مسيحي شرقي، فقد يسطيع أن يكف نفسه عن الحرام، لأن محيطه لا يهيء له وسائل الاختلاط بالمرأة في كل ساعة يشاء وأنى يشاء، ولأن تقاليده وأخلاقه لا تزالان تسيطران على تصرفاته، ولأن الدين لا يزال له تأثير في بلاده. أما أنتم الغربيون الذين لم تتركوا وسيلة للاتصال بالمرأة والاختلاط بها والتأثير عليها واغوائها إلا فعلتم، حتى لم تعودوا تستطيعون أن تعيشوا ساعة من نهار أو ليل دون أن تروا المرأة أو تخالطوها منذ تغادرون البيت حتى تعودوا اليه، أنتم الذين يضج مجتمعكم بالأندية والبارات والمراقص، وتغص شوارعكم بالأولاد غير الشرعيين.. تدعون أن دينكم يمنعكم من خيانة الزوجة المريضة؟ وكيف ذلك وخيانات الزوجات الجميلات الصحيحات الشابات تملأ أخبارها اعمدة الصحف والكتب، وتصك الآذان، وتشغل دوائر القضاء؟

قال: إنني أخبرك عن نفسي، فأنا أستطيع أن أضبط نفسي وأصبر.

قلت: حسناً، فكم تبلغ نسبة الذين يضبطون أنفسهم من المسيحيين الغربيين أمثالك بالنسبة إلى الذين لا يصبرون.

قال: لا أنكر أنهم قليلون جداً.

قلت: وهل ترى أن التشريع يوضع للقلة التي يمكن أن تعد بعدد الأصابع، أم للكثرة والجمهرة من الناس؟ وما فائدة التشريع الذي لا يستطيع تطبيقه إلا أفراد محدودون؟


فسكت وانتهت المناقشة فيما بيننا، أقول هذا لأبين أن الذين يزعمون بأن الغريزة الجنسية ليست كل شيء في حياة الانسان، وأن هنالك قيما أثمن وأغلى كالوفاء والصبر يحرص عليها الحر الكريم، وأن تبرير التعدد بالحاجة الجنسية هو هبوط بالانسان الى مستوى الحيوان... هذا الكلام وأمثاله، كلام جميل، وخيال خصب، قيل في ظل غير هذه الحضارة، ومن غير هؤلاء الذين يتكلمون هذا الكلام.. لو قيل من عباد زهّاد تعف ألسنتهم وأقلامهم وأعينهم عما حرم الله من زينة المرأة ومفاتنها: واهواء الحياة وشهواتها! أما من أولئك فلا، وخير لهم أن يحترموا واقع الحياة التي تعيشها الانسانية ويعالجوا مشاكلها بصراحة الحكيم المجرب، لا بمراوغة المجادل المكابر...

سؤال غريب

أما وقد ذكرت المبررات الشخصية والاجتماعية لتشريع تعدد الزوجات، فإني أحب أن أتعرض لسؤال غريب سألتني إياه طالبة في الجامعة حين كنت اتحدث الى طلابي عن موضوع تعدد الزوجات، قالت:
إذا كانت المبررات التي ذكرتموها تبيح تعدد الزوجات، فلماذا لا يباح تعدد الأزواج عند وجود المبررات نفسها بالنسبة الى المرأة؟


وكان جوابي فيه شيء من التلميح فهمته تلك الفتاة وتفهمه امثالها من النساء وهو أن المساواة بين الرجل والمرأة في أمر التعدد مستحيلة طبيعة وخلقه، ذلك لأن المرأة في طبيعتها لا تحمل إلا في وقت واحد، مرة واحدة في السنة كلها، أما الرجل فغير ذلك، فمن الممكن أن يكون له أولاد متعددون من نساء متعددات، ولكن المرأة لا يمكن إلا أن يكون لها مولود واحد من رجل واحد. فتعدد الأزواج بالنسبة الى المرأة يضيع نسبة ولدها الى شخص معين، وليس الأمر كذلك بالنسبة الى الرجل في تعدد زوجاته. وشيء آخر وهو أن للرجل رئاسة الأسرة في جميع شرائع العالم فاذا أبحنا للزوجة تعدد الأزواج فلمن تكون رئاسة الأسرة؟ أتكون بالتناوب؟ أم للأكبر سناً؟ ثم إن الزوجة لمن تخضع؟ أتخضع لهم جميعاً وهذا غير ممكن لتفاوت رغباتهم؟ أم تخص واحداً دون الآخرين، وهذا ما نسخطهم جميعاً إن السؤال فيه من الطرافة أكثر مما فيه من الجدية؟.
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - مساوئ التعدد
وهنا نجد من الانصاف أن نذكر مساوئ التعدد بعد أن ذكرنا محاسنه.

1- فمن أهم مساوئه ما ينشأ بين الزوجات من عداء وتحاسد وتنافس يؤدي الى تنغيص عش الزوجية، وانشغال بال الزوج بتوافه الخصام بين الزوجات، مما يجعل حياته معهن جحيما لا يكاد يطاق، وحياتهن فيما بينهن نكداً لا يكاد ينتهي. وقد اطلعت أثناء تبييض هذه المحاضرة على أبيات للمرحوم الشيخ عبدالله العلمي الغزي الدمشقي أوردها في تفسيره لسورة يوسف – الذي طبع حديثاً – يصور عذاب المتزوج باثنتين (1/285) :

تزوجت اثنتين لفرط جهلي ... ... وقد حاز البلى زوجُ إثنتين
فقلت أعيش بينهما خروفاً ... ... أُنَعّم بين أكرم نعجتين
فجاء الأمر عكس الحال دوماً ... ... عذاباً دائماً ببليّتين
رضا هذي يحرك سُخط هذى ... ... فما اخلوا من احدى السخطتين


وكثيراً ما يهيج الشر بينهن أن احداهن تكون أحب الى قلب الزوج من الآخرى أو من أخراهن، فيكون الحسد الذي لا يغثأ حدته الى حكمة الزوج، وهيهات إلا من أوتي أخلاق النبيين وعقل الفلاسفة والحكماء!
2- إن هذا العداء ينتقل غالباً إلى أولاد الزوجات، فينشأ الأخوة وبينهم من العداء والبغضاء ما يؤدي في الكثير الغالب إلى متاعب للأسرة، وللأب خاصة ما يكون له أسوأ الآثار في إستقرار الحياة الزوجية وسعادتها.
3- إن الزوج لا يمكنه العدل بين زوجاته في المحبة – كما أخبر الله تعالى – مهما حرص على العدل في النفقة والمعاملة، وفي ميل الزوج الى زوجته الجديدة إيحاش لقلب زوجته الأولى، وإيلام لها حيث تشعر أن زوجها كان لها خالصاً، فأصبح لها من ينافسها في حبه وعواطفه ومسكنه ومأكله ومشربه، إن الحب لا يقبل مشاركة ولا مزاحمة، فكيف يقر للزوجة الأولى قرار بعد هذا الشريك المزاحم الجديد؟ وأي عذاب هذا الذي تستطيع أن تتحمله ودونه كل عذاب؟


4- وقد قيل في مساوئ التعدد إنه سبب من أسباب تشرد الطفولة في بلادنا، كما قيل مثله عن الطلاق. ولكن التدقيق في دراسة التشرد وأسبابه وأماكنه يرد هذه الدعوى ونذكر من ذلك أمراً بسيطاً، وهو أن التعدد في بلادنا كثيراً ما يقع في الريف، ويقصد منه أن يكون للأب أولاد كثيرون يساعدونه في زراعة الأرض التي يملكها، وهو لا يكون غالباً إلا من الموسرين كما تدل عليه الاحصاءات، ولا وجود للتشرد في الريف، ولا في أولاد الموسرين، وإنما هو موجود في المدن الكبرى وفي أولاد الفقراء، وفي اليتامى وأبناء المجرمين والمشردين، فللتشرد عوامل اجتماعية خاصة ليس تعدد الزوجات ولا الطلاق من أسبابه (انظر في هذا الموضوع البحث القيم الذي كتبه الأستاذ المحقق محمد أبو زهرة في كتابيه: تنظيم الإسلام للمجتمع, عقد الزواج وآثاره , وانظر الإحصاء الدقيق الذي نشره الدكتور عبد الرحمن الصابوني في كتابه "مدى حرية الزوجين في الطلاق" وهو الذي نال به الدكتوراة في الحقوق من جامعة الأزهر). إن المساوئ الثلاثة الأولى هي التي تسلّم في مساوئ تعدد الزوجات، ولكن: أي نظام لا مساوئ له؟ ثم أي شيء في الدنيا يجري كما يحب كل إنسان ويهواه؟ على أن التدين الصحيح والتربية الخلقية الكاملة يخففان كثيراً من هذه الأضرار حتى كأنها لا وجود لها. إن نظام التعدد لا ينفذ غالباً إلا عند الضرورات، وللضرورات احكامها، وهو في رأيي كالعملية الحربية: فيها آلام، وفيها ضحايا، ولكن إذا كانت لا بد منها، كانت دفاعاً مشروعاً يتحمل في سبيله كل تضحية وكل ألم، وإذا لم تكن ضرورية كانت عملاً جنونياً لا يقدم عليه عاقل، وهذا هو تماماً موقف كل إنسان وكل مجتمع من قضية التعدد.


ثم إن شعور المرأة بالألم لمزاحمة زوجة أخرى لها، لا يدفعه منع التعدد فما دام الرجل يتطلع الى امرأة أخرى، فبماذا تحول زوجته دون انصراف عواطفه الى تلك المرأة؟ إنه يستطيع أن يخونها، وأن يواصل تلك المرأة سراَ ويعاشرها سراً، وقد تعلم ذلك ولكنها لا تستطيع أن تفعل معه شيئاً، كما هو الواقع في حياة الغربيين، وفي حياة كثير من المنحرفين في بلادنا أليس الأكرم لها ولزوجها وللمرأة الأخرى أن يكون هذا اللقاء بعلمها ورضاها، وأن يكون مشروعاً على سنة الله ورسوله كما يقولون؟ والرجل الذي يقتصر على امرأة واحدة ولا يحب زوجته، ألا يؤلمها ذلك؟ ألا ينغص عيشها؟ ألا يفقدها السعادة والهناء في حياتها الزوجية؟ ولكنها ماذا تستطيع أن تفعل معه؟ أتجبره على حبها؟ هذا مستحيل! أتحبسه في بيتها؟ أتتوسل اليه بالرقى والتعاويذ؟ ان الحب كما لا يقبل المزاحمة لا يقبل الاكراه فاذا ابتليت الزوجة بمن لا يحبها كان ذلك في الكتاب مقدوراً، ولا سبيل الى دفع عذابها النفسي وألمها بسبب ذلك، فاما ان تخسر الزوج كلها بالطلاق، واما أن تخسر نصفه بالتعدد، فأيهما أكثر خسارة لها وأشد إيلاماً؟

في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - التعدد نظام أخلاقي

إن نظام التعدد – وبخاصة نظامه في الاسلام – نظام أخلاقي إنساني. اما إنه أخلاقي فلأنه لا يسمح للرجل أن يتصل بأي امرأة شاء، وفي أي وقت شاء. إنه لا يجوز له أن يتصل بأكثر من ثلاث نساء زيادة عن زوجته. ولا يجوز له أن يتصل بواحدة منهن سراً، بل لا بد من إجراء العقد وإعلانه ولو بين نفر محدود، ولا بد من أن يعلم أولياء المرأة بهذا الاتصال المشروع ويوافقوا عليه، أو أن لا يبدوا عليه اعتراضاً، ولا بد من تسجيله – بحسب التنظيم الحديث – في محكمة مخصصة لعقود الزواج، أو يستحب أن يولم الرجل عليه، وأن يدعو لذلك أصدقاءه، وأن يضرب له الدفوف (الموسيقى) مبالغة في الفرح والإكرام.


وأما أنه انساني فلأنه يخفف الرجل به من أعباء المجتمع بإيواء امرأة لا زوج لها ونقلها الى مصاف الزوجات المصونات المحصنات. ولأنه يدفع ثمن اتصاله الجنسي مهراً وأثاثاً ونفقات تعادل فائدته الاجتماعية من بناء خلية اجتماعية تنتج للأمة نسلاً عاملاً. ولأنه لا يخلي بين المرأة التي اتصل بها وبين متاعب الحمل وأعبائه، بل يتحمل قسطاً من ذلك ينفقه عليها أثناء حملها وولادتها. ولأنه يعترف بالأولاد الذين أنجبهم هذا الاتصال الجنسي، ويقدمهم للمجتمع ثمرة من ثمرات الحب الشريف الكريم، يعتز هو بهم، وتعتز أمته في المستقبل بهم. إن نظام التعدد، يحدد الانسان فيه شهوته الى قدر محدود، ولكنه يضاعف أعباءه ومتاعبه ومسؤولياته الى قدر غير محدود. لا جرم ان كان نظاماً أخلاقياً يحفظ الأخلاق، إنسانياً يشرف الانسان.
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - تعدد الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني


وأين هذا من التعدد الواقع في حياة الغربيين حتى تحداهم أحد كتابهم أن يكون أحدهم وهو على فراش الموت يدلي باعترافاته للكاهن، تحداهم أن يكون فيهم واحد لا يعترف للكاهن بأنه اتصل بامرأة غير امرأته ولو مرة واحدة في حياته. إن هذا التعدد عند الغربيين واقع من غير قانون، بل واقع تحت سمع القانون وبصره. إنه لا يقع باسم الزوجات، ولكنه باسم الصديقات والخليلات. إنه ليس مقتصراً على أربعة فحسب، بل هو الى ما نهاية له من العدد. إنه لا يقع علناً تفرح به الأسرة، ولكن سراً لا يعرف به أحد. إنه لا يلزم صاحبه بأية مسؤولية مالية نحو النساء اللاتي يتصل بهن، بل حسبه أن يلوث شرفهن، ثم يتركهن للخزي والعار والفاقة وتحمل آلام الحمل والولادة غير المشروعة. إنه لا يلزم صاحبه بالاعتراف بما نتج عن هذا الاتصال من أولاد، بل يعتبرون غير شرعيين، يحملون على جباههم، خزي السفاح ما عاشوا، لا يملكون أن يرفعوا بذلك رأساً. إنه تعدد قانوني من غير أن يسمى تعدد الزوجات، خال من كل تصرف أخلاقي أو يقظة وجدانية، أو شعور إنساني. إنه تعدد تبعث عليه الشهوة والانانية، ويفر من تحمل كل مسؤولية. فأي النظامين ألصق بالأخلاق، وأكبح للشهوة، وأكرم للمرأة، وأدل على الرقي، وأبر بالانسانية؟

شغب الأوروبيين


بعد هذا يحق لك أن تتعجب من إثارة الغربيين للضجة على الاسلام والمسلمين حول تعدد الزوجات، ونتساءل: ألا يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم ليسوا على حق في إثارة هذه الضجة على الإسلام؟ ألا يشعرون بأنهم حين يضجون من تفكك الأسرة، وتكاثر الأولاد عاماً بعد عام، يعترفون ضمناً بأنهم لا يستطيعون أن يقتصروا على امرأة واحدة؟ ألا يشعرون بأن من يقتصر على أربعة خير ممن يجدد كل ليلة زوجة؟ وأن من يلتزم نحو من يتصل بها بمسؤوليات أدبية ومالية أنبل ممن يتخلى أمامها عن كل مسؤولية. ألا يشعرون أن انجاب نصف مليون ولد بصورة مشروعة أكرم وأحسن للنظام الاجتماعي من انجابهم بصورة غير مشروعة! في اعتقادي أنهم يشعرون بذلك لو تخلو عن غرورهم من جهة وتعصبهم من جهة أخرى. أما الغرور فهو اعتقادهم أن كل ما هم عليه حسن وجميل، وأن ما عليه غيرهم من الأمم والشعوب – وبخاصة المستضعفة منها – سيء وقبيح. وأما التعصب فهو هذا الذي ما يزالوا يتوارثونه جيلاً بعد جيل ضد الاسلام ونبيه وقرآنه. حين كنت في دبلن (ارلندا) عام 1956 زرت مؤسسة الآباء اليسوعيين فيها، وجرى حديث طويل بيني وبين الأب المدير لها، وكان مما قلته له: لماذا تحملون على الاسلام ونبيه وبخاصة في كتبكم المدرسية بما لا يصح أن يقال في مثل هذا العصر الذي تعارفت فيه الشعوب والتقت الثقافات؟

فأجابني: نحن الغربيين لا نستطيع أن نحترم رجلاً تزوج تسع نساء!...

قلت له: هل تحترمون نبي الله داود، ونبيه سليمان؟

قال: بلى! وهما عندنا من أنبياء التوراة!


قلت: إن نبي الله داود كان له تسع وتسعون زوجة! كملهن بمائة بالزواج من زوجة قائدة أوريا كما هو معلوم "ونبي الله سليمان كانت له – كما جاء في التوراة – سبعمائة زوجة من الحرائر، وثلاثمائة من الجواري وكن أجمل أهل زمانهن، فلم يستحق احترامكم من يتزوج ألف امرأة، ولا يستحق من يتزوج تسعاً؟ لماذا لا يستحق احترامكم من تزوج تسعاً، ثمانية منهن ثيبات، وأمهات، وبعضهن عجائز، والتاسعة هي الفتاة البكر الوحيدة التي تزوجها طيلة عمره؟

فسكت قليلاً وقال: لقد أخطأت التعبير أنا أقصد أننا نحن الغربيين لا نستسيغ الزواج بأكثر من امرأة، ويبدوا لنا أن من يعدد الزوجات غريب الأطوار، أو عارم الشهوة!

قلت: فما تقولون في داود وسليمان وبقية أنبياء بني اسرائيل الذين كانوا جميعاً معددين للزوجات بدءً من ابراهيم عليه السلام؟

فسكت ولم يحر جواباً...

في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - تشريع التعدد في القرآن

جاء في القرآن الكريم في أول سورة النساء {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 03]. وجاء في السورة نفسها: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً} [النساء: 129]. تفيد هاتان الآياتان بمجموعهما كما فهمها جمهور المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وعصور الاجتهاد فما بعدها: الاحكام التالية:

(1/77)

1- اباحة تعدد الزوجات حتى الأربع، فلفظ "انكحوا" وإن كان لفظ أمر إلا أنه هنا للاباحة لا للايجاب، وعلى ذلك جمهور المجتهدين في مختلف العصور لا نعلم في ذلك خلافاً. ولا عبرة بمن خالف ذلك من أهل الأهواء والبدع فذهبوا الى أن الآية تفيد إباحة التعدد بأكثر من أربعةن وهذا ناشئ من جهلهم ببلاغة القرآن وأساليب البيان العربي، ومن جهلهم بالسنة كما قال القرطبي رحمه الله.

2- أن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، فمن لم يتأكد من قدرته على العدل "لم يجز" له أن يتزوج بأكثر من واحدة، ولو تزوج كان العقد صحيحا بالاجماع ولكنه يكون آثما. وقد أجمع العلماء – وأيده تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله – أن المراد بالعدل المشروط هو العدل المادي في المسكن واللباس والطعام والشراب والمبيت وكل ما يتعلق بمعاملة الزوجات مما يمكن فيه العدل.

3- أفادت الآية الأولى اشتراط القدرة على الانفاق على الزوجة الثانية وأولادها، بناء على تفسير قوله تعالى {أن لا تعولوا} أن لا تكثر عيالكم، وهذا هو التفسير المأثور عن الشافعي رحمه الله. قال البيهقي في "أحكام القرآن" الذي جمعه من كلام الشافعي رحمه الله في مصنفاته: وقوله: "ألا تعولوا" أي لا يكثر من تعولون اذا اقتصر المرأة على واحدة، وإن أباح له أكثر منها" (ص 260). وهذا يفيد ضمناً اشتراط القدرة على الانفاق لمن أراد التعدد، إلا أنه شرط ديانة لا قضاء.

4- وأفادت الآية الثانية أن العدل في الحب بين النساء غير مستطاع وأن على الزوج أن لا يميل عن الأولى كل الميل فيذرها كالمعلقة، لا هي مطلقة، بل عليه أن يعاملها باللطف والحسنى بما استطاع، عسى أن يصلح قلبها ويكسب مودتها. وقد فهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية كما ذكرناه، فكان حين يعدل بين زوجاته يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يعني بذلك حبه لعائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته.

كتبه / الدكتور مصطفى السباعي