المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اختلاف المسلمين في بداية الصيام ونهايته



سيل الحق المتدفق
2012-07-24, 09:16 AM
اختلاف المسلمين في بداية الصيام ونهايته


في أول شهر رمضان من كل عام يثور جدل كبير بين الناس حول اثبات رؤية الهلال ووجوب الصوم ، ومما يؤسف له أن يعتمد البعض على رؤيته الشخصية ، أو يعتمد على الحساب الفلكي وحده في تحديد بداية الشهر ، أو يأخذ بأقوال فقهية مرجوحة ، فتحدث فتن في البلد الواحد ، فضلا عن الأسرة الواحدة ، وهذا على خلاف ما شرعه الله من التواد والتحاب والتآلف بين المسلمين .

وسأتناول هذا الفصل في ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : اختلاف المطالع معتبر شرعا .
المبحث الثاني : خطأ من اعتمد على الحساب الفلكي وحده وألغى الرؤية .
المبحث الثالث : خطر الاختلاف بين أهل البلد الواحد في بداية الصيام ونهايته .

سيل الحق المتدفق
2012-07-25, 10:11 AM
المبحث الأول
اختلاف المطالع معتبر شرعا



ان كثير من المسلمين في هذه الأيام يرون أن اختلاف المسلمين في الصيام والافطار أمر منكر لا يجيزه الشرع ، وأنه مظهر من مظاهر الضعف والوهن الذي أصاب المسلمين ، وعلامة على تفرقهم وتشتتهم ، وهو خطأ وجهل بالدين ، لأن اختلاف المطالع معتبر شرعا ، ويدل على ذلك حديث كريب مع ابن عباس رضي الله عنهما .

فعن كريب مولى ابن عباس ، أن أم الفضل بنت الحارث ، بعثته إلى معاوية بالشام ، قال: فقدمت الشام ، فقضيت حاجتها ، واستهل علي رمضان وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس ، وصاموا وصام معاوية ، فقال : " لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين ، أو نراه ، فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ ، فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ صحيح : أخرجه مسلم في صحيحه (1087) ، والترمذي في "جامعه" (693) ، والنسائي في "المجتبى" (2111) ، وابن خزيمة في "صحيحه" (1916) ] .

قال الترمذي : " حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم " .

قلت : وهو حديث وان كان موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما الا انه في حكم المرفوع الى النبي صلى الله عليه وسلم ، لقول ابن عباس المتقدم : " هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، فصرح بأنه من أمره صلى الله عليه وسلم ، والحديث ظاهر الدلالة على ان اختلاف المطالع أمر واقع وثابت بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشمس ، وأنه معتبر شرعا ، فلكل بلد رؤيتهم ، وان رؤيته الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنها .

قال الفقيه الحنفي ابن عابدين في رسالته : " تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان" : "اعلم أن مطالع الهلال تختلف باختلاف الأقطار والبلدان ، فقد يُرى الهلال في بلد دون آخر... فتحقّق اختلاف المطالع مما لا نزاع فيه " [ مجموعة رسائل ابن عابدين ، 1/250 ] .

فاختلاف مطالع الهلال أمر واقع وثابت ، فمن المحسوس لبمشاهد أن الليل يدخل في مكان قبل الآخر، وكذلك النهار ، وهو يشبه الصلاة ، فلم يكن من الممكن أن يتفق ويتحد المسلمين في الصلوات الخمس ، ولا حتى في صلاة واحدة منها ، مادامت ديارهم متنائية ، وأقطارهم متباعدة ، اذ يدخل وقتها في بلد ، ولا يدخل في آخر ، وكذلك لا يجوز أدائها قبل دخول وقتها لأن الصلاة موقوتة لقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ) [النساء : 103] ، فكما أن الوقت المعين للصلاة يعتبر شرطا من شروطها ، لا تصح الا بدخوله ، ولا يقال : ان ذلك يدل على تفرق المسلمين ، واختلاف كلمتهم ، فكذلك الصيام ، لأن الاعتبار برؤية واحدة فقط لبلد ، والزامها سائر البلدان قد يدخل في المحظور ، فتجعل أهل بلد يصومون يوم الشك وهو صوم منهي عنه ، أو تجعل أهل بلد يفطرون أول يوم من رمضان ، أو يصومون أول أيام عيد الفطر ، وكل ذلك منهي عنه . والله المستعان .

سيل الحق المتدفق
2012-07-26, 04:50 PM
المبحث الثاني
خطأ من اعتمد على الحساب الفلكي وحده وألغى الرؤية



[ هذه المادة تحت الانشاء حاليا ، ويتم تهيئتها حاليا للنشر لاحقا ]

سيل الحق المتدفق
2012-07-26, 04:57 PM
المبحث الثالث
خطر الاختلاف بين أهل البلد الواحد في بداية الصيام ونهايته




أعلم أخي وفقك الله أن الله عزوجل ورسوله – صلى الله عليه وسلم – قد حرما التنازع والفرقة والاختلاف ، وبينا أنها بذور الفشل وذهاب الريح والراية ، قال تعالى : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) [الشورى : 13] ، وقال عزوجل : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) [البقرة : 176] ، وقال جل في علاه : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [آل عمران : 105] .

وجاء في السنة المطهرة عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : سمعت رجلا قرأ آية ، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية ، وقال : " كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا " [صحيح : أخرجه البخاري في "صحيحه" (2410) و (3476) و (5062) ] ، وهذا غيض من فيض خشية الاطالة .

أما خبر : " اختلاف أمتي رحمة " فهو حديث مختلق لا أصل له ، وباطل في متنه ، فلو كان الاختلاف رحمة ، لكان الاتفاق عذاب وسخطة ، وهذا مما لا يقبله عاقل .

فكيف بالاختلاف بين أهل البلد الواحد في عبادة مثل الصيام ، فتصوم فرقة ، وتفطر فرقة أخرى !! أليس هذا دليل على ضعف وتفرق المسلمين ؟!

فعن أبي هريرة (http://alsakandry02.blogspot.com/2012/02/blog-post_8820.html)رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون " .

وسأنقل لكم كلام نفيس للعلامة الألباني رحمه الله في فقه هذا الحديث بعد أن أورده في "السلسلة الصحيحة" (ج 1 / ص 443 وما بعدها / رقم 224) : ( قال الترمذي عقب الحديث :" وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس ".

وقال الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 72) : " فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية " .

وذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " (3 / 214) ، وقال : " وقيل: فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم ويفطر ، دون من لم يعلم، وقيل: إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما، كما لم يكن للناس " .

وقال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي : " والظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل ، وليس لهم التفردفيها، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة ، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة ، وعلى هذا ، فإذا رأى أحد الهلال ، ورد الإمام شهادته ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك " .

قلت : وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر، فبينت له أنه لا عبرة برأيه وأن عليه اتباع الجماعة فقالت:" النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس " .

قلت : وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم ، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية ، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - ولو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والتعبيد وصلاة الجماعة ، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعضوفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء ، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها ، وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء ، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه ، فروى أبو داود (1 / 307) أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا، فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها ، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا ! فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ ! قال : الخلاف شر . وسنده صحيح. وروى أحمد (5 / 155) نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين .

فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم ، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد ، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان ، بحجة كونهم على خلاف مذهبهم ! وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك ، ممن يصوم ويفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين ، معتدا برأيه وعلمه ، غير مبال بالخروج عنهم ، فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم ، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور ، فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ) انتهى كلام العلامة الألباني رحمه الله .

نقول لمن يصومون مع بلد غير بلدهم ، ان الذي يأمر بالصيام أو الفطر هو ولي أمر البلد أو نائبه ، وليس الأمر متروكا للأفراد يصوم من يشاء ، ويفطر من يشاء ، فتتفرق كلمة المسلمين في البلد الواحد ، ويكثر النزاع والخلاف ، فكيف يزعم التوحد مع المسلمين من لم يتوحد مع أهل بلده في أبسط مظاهر التوحد ، وهو توحد العبادة !!


العودة للصفحة الرئيسية للموسوعة الرمضانية (http://www.albshara.com/showthread.php?t=45030)