المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إيران من الداخل - الخطر الايراني يتمدد



سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 12:23 AM
الأزمة الإيرانية سقوط القناع عن الوجه الحقيقي للولي الفقيه
أحمد أبا خليل

خطبة (المرشد الأعلى) للثورة الإيرانية علي خامنئي في جامعة طهران يوم الجمعة الموافق لـ 19 من يونيو 2009م، وتعليقه على الاحتجاجات التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية وضعت علامات استفهام كثيرة أمام مكانة المرشد الأعلى لدى الشعب الإيراني، بل حول ثبات بدعة ما يسمى بـ ( الولي الفقيه) [1].
هذه البدعة التي نشأت على يد أحمد التراقي مؤلف كتاب « عوائد الأيام » في أصول الفقه، والمتوفى عام 1829م.
وطبقها الخميني لأول مرة عام 1979م؛ ليكون أول مرشد أعلى في الجمهورية الإيرانية.
فما يسمونه بـ (الولي الفقيه) يُفترض أن يسمو فوق السياسة حتى لا ينحاز لطرف ضد طرف؛ ليكون ذلك الحَكَم الذي يفصل بين المتنازعين، ومن ثَمَّ يكون هو حارسَ الدين ومنقذ الشعب من أيَّة أزمة قد يتعرض لها وفقاً لِمَا تقتضيه هذه البدعة الدينية السياسية.
ولكن خامنئي بدلاً من ذلك جعل نفسه طرفاً في النزاع بانحيازه للرئيس المنتهية ولايته (محمود أحمدي نجاد) انحيازاً وضعه في صِدام مع ملايين الغاضبين والمحتجين على نتائج الانتخابات التي يرونها مزوَّرة.
هذا الموقف من خامنئي بخطبته التاريخية التي فاقت التصورات في قسوتها أدخلت إيران فيما يمكن وصفه بالعملية الديناميكية؛ لإعادة تشكيل العلاقة بين المرشد الأعلى أياً كان هو والشعب.
وهو الأمر الذي يهدد إلى حد كبير ركائز الاستقرار السياسي في النظام الإيراني على المديَيْن (المتوسط والبعيد).
فالمرشد الأعلى أو مرشد الثورة أو الولي الفقيه أياً كانت التسمية هو أهم منصب في إيران اليوم؛ لأنه القائد الأعلى بموجب الدستور الإيراني الحالي؛ وما رئيس الجمهورية إلا منفذ لسياساته؛ فقد ادعت المادة الخامسة من الدستور الإيراني أن ولاية الأمة في ظل غيبة الإمام [2] (المزعومة) تؤول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة؛ ليدير شؤون البلاد.
ومؤهلات الولي الفقيه وفقاً للدستور هي: العلم، والعدالة، والمروءة، والفقه الواسع بظروف العصر، والشجاعة، والفطنة، والذكاء، والقدرة على إدارة الأمور.
وهذه الصفات التي يتمتع بها الولي الفقيه تعطي له صلاحيات واسعة جداً في الجمهورية لا ينافسه فيها منصب آخر؛ إذ إن له الحق في تعيين وعزل نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور، وتعيين وعزل رئيس السلطة القضائية الذي بدوره يُعيِّن النصف الآخر من أعضاء مجلس صيانة الدستور!
كما له الحق في تعيين وعزل رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، والقائد الأعلى لقوات الحرس الثوري، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
وكتطبيق عمليٍّ لهذه الصلاحيات وهذه المكانة نسرد حادثتين تاريخيتين تؤكدان أن المرشد هو رأس الدولة والمهيمن على مفاصل الحياة فيها؛ فقد قام الخميني بإقالة أبي الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الأول عام 1981م عندما خالف تعليماته!
وفي الحادثة الأخرى وجَّه الخميني رسالة شديدة اللهجة إلى علي خامنئي عام 1988م عندما كان رئيساً للجمهورية؛ وذلك لمَّا اعترض على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس المحافظة على الدستور.
ومن ثَمَّ؛ فإنه ما من شك في أن علي خامنئي هو قائد إيران الحقيقي دستورياً وفعلياً، وشرعيته يستقيها من الفكر السياسي الشيعي وتطبيقاته العملية في عهد الخميني أولاً، وما تم غرسه في ضمير الشيعة من أوهام حول بدعة الولي الفقيه ثانياً.
وبناءً عليه، كان يُفترض بخامنئي أن يكون محافظاً على حقوق الشعب الذي يؤمن بمصداقية و (قداسة) خامنئي (بحكم الصفات التي يُفتَرض أن يتحلى بها كما نص على ذلك الدستور) ولذلك؛ فهو أقرب السياسيين لهم كما ينبغي أن يكون، وهو الذي يلجأ إليه الشعب؛ لنيل حقوقه التي قد يعتدي عليها النافذون في الدولة.
ولكن خامنئي - وبحماقة سياسية لا يُحسد عليها - آثر أن يتصادم مع قطاع كبير من الشعب؛ ليضع منصب الولي الفقيه بذلك في مفترق طرق.
فما حدث في هذه الأزمة وخاصة بعد خطبة خامنئي وما تلاها من أحداث كشفت القناع عن وجه (الولي الفقيه) وهبطت بمكانته (المقدسة) وجعلت منه لاعباً سياسياً لا يختلف عن غيره من السياسيين المتنفذين، قد يصيب وقد يخطئ، وله مصالح يدافع عنها، كما له منافسون على منصبه، قد يزيحونه عنه متى حانت الفرصة لذلك.
فتعبير خامنئي عن انحيازه لنجاد قبل الانتخابات كان خطأً تكرر للمرة الثانية، باعتبار أنه انحاز له في انتخابات 2005م ضد (علي أكبر هاشمي رفسنجاني) الذي حفظها له في نفسه، كما أمعن في الخطأ عندما بارك فوزه ونفى وجود تزوير في الانتخابات وهدَّد منافسيه، وحذر أنصارهم من التظاهر.
لذلك أصبح خامنئي خصماً لهؤلاء المحتجِّين الذين لا يُعَدُّون بالآلاف ولا بمئات الآلاف وإنما بالملايين! إذن هو خصم للشعب.
ما حدث بعد الخطبة كان مفاجأة لخامنئي الذي راهن على مكانته، وظن أنه سيحسم الأمور ببضع كلمات أمام حشد من المصفِّقين والمكبِّرين؛ فقد تحدى المحتجون تحذيرات خامنئي، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات مليونية، واشتبكوا مع قوات الأمن، وسقط عدد من المحتجين ما بين قتيل وجريح أمام مرأى ومسمع من الرأي العام العالمي (بواسطة الصور الملتقطة عبر الجوالات والمبثوثة عبر مواقع الإنترنت كمَوقِعَي يوتيوب وتويتر).
وماذا يعني هذا التحدي؟ إنه بكل بساطة يعني: أن كلمة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية لم تعد مسموعة كما كانت، أو كما ينبغي لها أن تكون.
وهذا التحدي الشعبي لخطبة خامنئي إنما هو تحدٍّ لِمَا زعمه الخميني من أن ولاية الفقيه كولاية الرسول - عليه الصلاة والسلام - فالولي الفقيه بالنسبة للخميني معيَّن من قِبَل الإمام المهدي الغائب، ولذلك لا يجوز الاعتراض على قراراته بناءً على الحديث المنسوب إلى المهدي الذي يقول: « إن الراد على الفقهاء كالراد علينا، وكالراد على الله ».
وكانت هذه الكلمات موجهة في رسالة توبيخية من الخميني إلى خامنئي نفسه في الحادثة التاريخية السالفة الذكر.
وقد تعلَّم خامنئي من كبيرهم هذا (الخميني) أن الولي الفقيه ذو كلمة مسموعة ونافذة ولا أحد يجرؤ على كسرها، ولذلك كانت خطبته شديدة القسوة وذات نبرة تهديدية، ظناً منه أن الأزمة ستنتهي بكلمة منه، وسيبارك الشعب فوز نجاد، كما باركها هو، ولكن الرياح جرت على عكس ما اشتهى خامنئي و (خادمه) نجاد والمحافظون (خُدَّام الثورة).
فمنافسو نجاد الذين يوصفون بالمعتدلين - وإن كانوا جميعهم من أبناء الثورة والمخلصين لها، كما قال خامنئي في خطبته - رفضوا نتائج الانتخابات التي أعلن من خلالها عن فوز المتشدد أحمدي نجاد وطالبوا بإلغائها وإعادة فرز الأصوات، كما وقفوا في وجه خامنئي وعلى رأسهم (مير حسين موسوي) ونالوا تأييد رفسنجاني الواسع النفوذ ومحمد خاتمي وعدد من علماء الدين الذين يوصفون بآيات الله.
وأبرزهم حسين منتظري أكبر مرجع ديني في حوزة قم الذي نطق بعد عشرين عاماً من العزلة والصمت وحذَّر من سقوط النظام، وأكد أن ما جرى تحت مرأى ومسمع خامنئي « يختلف عن الإسلام وطريق النبي - عليه السلام - في الحكم والأداء العلوي »، وإذا كان خامنئي بانحيازه للفائز بالتزوير، قد خالف الإسلام وطريقة النبي - عليه الصلاة والسلام - في الحكم، فأية شرعية دينية يتمتع بها؟ ولماذا يبقى أصلاً مرشداً للثورة؟
وهذا ما نعتقد أن رفسنجاني وغيره يدبِّرونه ضد خامنئي المتهاوي من على عرشه؛ ربما حفاظاً على أسس الثورة، وربما انتقاماً من خامنئي الذي أيَّد نجاد ضد رفسنجاني عام 2005م.
كانت الحكمة السياسية تقتضي - كما أسلفت - ألَّا يتصادم خامنئي مع شعبه، وكان الأجدر به أن يكون نصيراً للقانون؛ فلو أنه تعاطف مع الاحتجاج الشعبي، وطالب بإعادة فرز الأصوات من أجل تطبيق القانون والوصول إلى الحقيقة فلربما حظي بشعبية أكبر و (كاريزما) قد تضاهي (كاريزما) الخميني في زمانه، ولكن الحماقة السياسية أعيت من يداويها؛ فقد أظهر خامنئي للشعب الإيراني حقيقة أنه لا يتوانى عن سحقه في سبيل استمرار هيمنته على مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إيران من خلال وصول مَنْ يراهم خاضعين له تماماً إلى السلطة واستيلائهم على مختلف المناصب الكبرى في الدولة.
ولا شك أن هذا يتعارض مع ما أسماه خامنئي في خطبته بـ (الديمقراطية الدينية) هذا المصطلح الذي قال عنه المراقبون: إنه غير موجود في أي علم من العلوم السياسية والاجتماعية، وإنه من التدليس الذي يُطبِّقه خامنئي على الشعب الإيراني؛ فأية ديمقراطية تمنع التظاهرات السلمية، وتقتل المشاركين فيها؟ وهل هناك شيء اسمه ديمقراطية دينية أصلاً؟ فإما أن ذلك جهل من خامنئي أو تدليس، وكلاهما لا ينبغي على المرشد أن يتصف بهما.
كما أظهر خامنئي في خطبته كم هو متناقض مع نفسه؛ حيث أعلن عن إجراءات للتحقيق في صحة ادعاءات أنصار منافسي نجاد، وفي الوقت ذاته بارك فوز نجاد ونفى وجود تزوير، مؤكداً أن الانتخابات كانت نزيهة ولا تشوبها شائبة، مستدلاً على ذلك بأن التزوير لا يمكن أن يحصل في عشرة ملايين صوت بين نجاد وموسوي أشد المنافسين له.
وعلى الرغم من أن خامنئي قال: إن الانتخابات لم تَشُبها شائبة، نجد أن مجلس صيانة الدستور (أكبر مؤسسة تشريعية في إيران) يعلن أن ثَمَّةَ انتهاكات انتخابية في خمسين إقليماً، ولكن المجلس الذي يُعيِّن خامنئي نصف أعضائه، والنصف الآخر يُعيِّنُهم رئيس القضاء المعيَّن - أصلاً - من قِبَل خامنئي لا يمكن أن يتصادم مع كلمة المرشد الأعلى، فزعم أن هذه الانتهاكات لا تؤثر في الانتخابات؛ ومع ذلك يُعلِن عن إعادة فرز عشوائي لـ 10% من الأصوات... لماذا هذا الإعلان طالما أن هذه الانتهاكات لا تؤثر؟
ولماذا هذا التراجع طالما أن هذه الانتخابات بنظر المجلس هي الأصح في تاريخ الثورة؟ وكذلك ما فائدة إعادة الفرز هذه في حين أن خامنئي بارك فوز نجاد، وسيتم الاحتفال بتنصيبه رئيساً لإيران للمرة الثانية؟
ألم يكن من المفترض أن ينتظر خامنئي نتيجة إعادة الفرز احتراماً لهذه الإجراءات القانونية؟ هذه تناقضات واضحة أسقطت القناع الذي يغطي الوجه الحقيقي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية.
إن إيران بأسسها الثورية ومناصبها المبتدعة وعلى رأسها منصب (الولي الفقيه) تَمرُّ بأزمة شرعية وتصارع من أجل البقاء.
وإن خرجت من هذه الأزمة بتسويات معينة أو لصالح طَرَف على حساب الآخر؛ فإن ما حدث لن يمر مرور الكرام وإنما سيعيد تشكيل الخريطة السياسية الإيرانية...
ولكن ما شكل هذه الخريطة الجديدة؟ لعلَّ الأيام القادمة ستظهر تفاصيلها، والتي يبدو أنها لن تكون لصالح النظام وبدعة (الولي الفقيه).



(1) ولاية الفقيه بدعة شيعية في بدايات القرن التاسع عشر طرحها عالمهم (أحمد التراقي) في كتابه (عوائد الأيام)، وتبناها الخميني عام 1979م بثورته على الشاه آنذاك، وعارضها علماء شيعة كبار منهم أحمد الطبطبائي القمي، و موسى الموسوي، و محمد جواد مغنية. انظر كشف حقيقتها في كتاب: محمد مال الله (نقد ولاية الفقيه) الناشر دار الصحوة بالقاهرة، ط عام 1409هـ - البيان -.
(2) غيبة الإمام خرافة أشاعها التشيُّع الصفوي، وقد ناقشها بموضوعية وعلمية الباحث الشيعي الاثني عشري الأستاذ (أحمد الكاتب) في كتاب له: عن نفيه الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر) وإبطال زعم وجوده؛ ولذلك تعرض إلى نقد ومهاجمة القوم وتكفيرهم إياه، وتعرض كتابه للنقد الانفعالي من عشرات منهم دون أن يتمكن أي واحد أن يبطل قوله - البيان -.


رابط :
http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2893

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 12:25 AM
عصمة الأئمة بين أهل السنة والشيعة من خلال (منهاج السنة النبوية)


أحمد بن عبد الرحمن الصويان

من الكتب الجليلة التي ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية)، ردّ فيه على كتاب: (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة) لابن المُطَهّر الحلي الرافضي، وقد طبع أخيراً بعناية الدكتور محمد رشاد سالم (رحمه الله)
، وتأتي أهمية هذا السفر الجليل لعدة أسباب، أذكر منها:
1- أنّ الشيعة من أقدم الفرق ظهوراً في التاريخ الإسلامي، ومن أكثرها انتشاراً في العصر الحاضر.
2- أن ابن تيمية اهـتم بالردّ عليهم معتمداً على النقل الدقيق من أكثر كتبهم رواجاً وانتشاراً في عصره.
3- أن ابن المطهر الحلي الذي ردّ عليه ابن تيمية كان يُعدّ عند الإمامية أفضلهم في زمانه، بل يقول بعضهم: ليس في بلاد المشرق أفضل منه في جنس العلوم مطلقاً [1].
4- يُعدّ كتاب (منهاج السنة النبوية) من أوسع كتب أهل السنة وأجمعها في الرد على الشيعة الإمامية خاصة، وقد استوعب ابن تيمية فيه الرد على كثير من شبهاتهم وافتراءاتهم التي كانوا وما زالوا يرددونها، ويكتبون فيها الرسائل والمدونات.
5- وحيث إن مذهب الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة فإنّهم جهمية في الصفات، قدرية على مذهب المعتزلة، رافضة في الصحابة [2] فإن ابن تيمية استطرد استطرادات نفيسة للرد على الجهمية والمعتزلة والفلاسفة.. وغيرهم من طوائف المبتدعة ورؤوس الضلال.
وقد ناقش ابن تيمية في هذا الكتاب مسائل متعددة أثارها ابن المطهر في أبواب مختلفة، ولعلّ من أهم هذه المسائل وأجمعها:
أولاً: منزلة الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين)، ومواقفهم بعد وفاة النبي، والرد على المطاعن والأكاذيب التي ذكرها ابن المطهر.
ثانياً: الإمامة والعصمة.
ثالثاً: منهج أهل السنة في الصفات والقدر، ومقارنته بمنهج الرافضة وأشياخهم المعتزلة، والرد على أكاذيبهم ومخازيهم.
وسوف أقتصر في هذه المقالة على مقارنة مختصرة بين منهجي أهل السنة والرافضة في عصمة الأئمة من خلال هذا السفر الجليل.
عصمة الأئمة عند الشيعة:
لعل موضوع الإمامة هو الموضوع الرئيس الذي يدور حوله كتاب ابن المطهر: (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة)، ولذا: فإنه أبرز الموضوعات التي تكلم عنها فيما بعد شيخ الإسلام ابن تيمية في: (منهاج السنة النبوية)، وسوف أشير في هذا المبحث إلى منهج الرافضة في التلقي عن أئمتهم، ثم أختمه ببيان منهج أهل السنة في العصمة.
* أقسام الأئمة الاثني عشر:
ذكر ابن تيمية أن: (أصول الدين عند الإمامية أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، فالإمامة هي آخرالمراتب، والتوحيد والعدل والنبوة قبل ذلك) [3].
ويقسم ابن تيمية الأئمة الاثني عشر أربعة أقسام:
القسم الأول: علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين (رضي الله عنهم) وهم صحابة أجلاء، لا يُشَكّ في فضلهم وإمامتهم، ولكن شَرِكَهُم في فضل الصحبة خلق كثير، وفي الصحابة من هو أفضل منهم [4] بأدلة صحيحة عن النبي.
القسم الثاني: علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر [5]، وهؤلاء من العلماء الثقات المعتد بهم، وقد أشار ابن تيمية في مواضع عديدة إلى تقديرهم ومحبتهم، وجواز تقليدهم لمن عجز عن الاستدلال، حالهم في ذلك كحال بقية علماء الأمة [6].
القسم الثالث: علي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي بن موسى الجواد، وعلي بن محمد بن علي العسكري، والحسن بن علي بن محمد العسكري.
وقد أثنى ابن تيمية على الأئمة الثلاثة: علي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وجعفر بن محمد، ثم قال: (وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين، فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين، وأما ما يختص به أهـل العلم، فهذا لم يُعرف عنهم، ولهذا: لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده) [7].
القسم الرابع: محمد بن الحسن العسكري المنتظر.
وهذا من غرائب الشيعة، حيث لم يُرَ له عينٌ ولا أثر، ولا سُمع له حسّ ولا خبر.
والشيعة يجعلون له مشاهد ينتظرونه عندها، كمشهد سامراء [8].!
أصول الشرعيات عند الرافضة وغلوهم في الأئمة:
ذكر ابن تيمية في عدة مواضع: أن الرافضة الإمامية أصّلوا لهم أصولاً اعتمدوها في كلّ ما يُنقل عن أئمة البيت، وهذه الأصول هي:
الأصل الأول: أن هؤلاء الأئمة معصومون كعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأصل الثاني: أن كل ما يقوله هؤلاء الأئمة منقولٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأصل الثالث: أن إجماع العترة حجة، ثم يدّعون أن العترة هم الاثنا عشر، ويدعون أن ما يُنقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه [9].
قال ابن تيمية بعد أن ذكر هذه الأصول: (فهذه أصول الشرعيات عندهم، وهي أصول فاسدة كما سنبين ذلك في موضعه، لا يعتمدون على القرآن ولا على الحديث ولا على الإجماع، إلا لكون المعصوم منهم، ولا على القياس وإن كان واضحاً جليّاً) [10].
فالرافضة إذن بالغوا في أئمتهم، وجعلوا: (الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين) [11]، بل إنهم جعلوا الإمامة: (أحد أركان الإيمان) [12].
ومن غلوّ الرافضة في الأئمة: اعتقادهم أن (كل واحد من هؤلاء قد بلغ الغاية في الكمال) [13].
والرافضة: (تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وغلاتهم يقولون: إنهم أفضل من الأنبياء، لأنهم يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدتها النصارى في المسيح) [14].
(وكذلك الرافضة غلوا في الرسل، بل في الأئمة، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم) [15].
ولهذا: فإن الغلو لا يوجد في (طائفة أكثر مما يوجد فيهم، ومنهم من ادعى إلهية البشر، وادعى النبوة في غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وادعى العصمة في الأئمة، ونحو ذلك مما هو أعظم مما يوجد في سائر الطوائف) [16].
وتزعم الرافضة أن (كل ما أفتى به الواحد من هؤلاء فهو منقول عنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-) [17].
ثم ترتب على هذا الغلو أن (الرافضة تزعم أن الدين مُسَلّم إلى الأئمة، فالحلال ما حللوه، والحرام ما حرموه، والدين ما شرعوه) [18].
وحقيقة قول الرافضة: أنهم (يُريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو قول الرسول الذي بعثه الله إلى جميع المؤمنين، بمنزلة القرآن والمتواتر من السنة) [19].
ومن عجائب بعضهم: ترجيحهم للقول الذي لا يُعرف قائله؛ لأنّ المنتظر المعصوم يقول به. فكان دينهم مبنيّاً على مجهول ومعدوم..! [20]
انحراف الرافضة في الأئمة:
مع ذلك الغلو والتعظيم الشديد للأئمة، فإن الرافضة وقعوا في الأمور التالية:
الأمر الأول: اختلافهم في تعيين الأئمة:
اختلفت الرافضة في تعيين أولئك الأئمةاختلافاً متبايناً، وكل فرقة من فرقهم تدعي أنها هي التي على الحق، بدون حجة أو برهان [21].
الأمر الثاني: مخالفتهم لأئمتهم:
مع أن الرافضة يغلون في الأئمة وتعظيمهم، إلا أنهم لم يأخذوا بأقوالهم، ولم يقتدوا بهم؛ ولهذا قال ابن تيمية: (لا نُسلّم أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت: لا الاثنا عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي (رضي الله عنه) وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة... والنقل بذلك مستفيضٌ في كتب أهل العلم، بحيث إن معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل البيت يوجب علماً ضروريّاً بأن الرافضة مخالفون لهم لا موافقون لهم) [22].
الأمر الثالث: أن الرافضة لا يهتمون بتمييز المنقولات عن الأئمة، ولا خبرة لهم بالأسانيد ومعرفة الثقات:
قال ابن تيمية: (وعمدتهم في الشرعيات ما نُقل لهم عن بعض أهل البيت، وذلك النقل منه ما هو صدق، ومنه ما هو كذب عمداً أو خطأً وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه كأهل المعرفة بالحديث) [23].
الأمر الرابع: كذب الرافضة على أئمتهم:
لم يقف الرافضة مع أئمتهم عند حد القصور في تمييز المنقولات عنهم، بل تعدوه إلى الكذب والافتراء؛ قال ابن تيمية: (الكذب على هؤلاء [يعني: الأئمة الاثني عشر] في الرافضة أعظم الأمور، لا سيما على جعفر بن محمد الصادق، فإنه ما كُذب على أحدٍ ما كُذب عليه، حتى نسبوا إليه: كتاب الجَفْر والبطاقة، والهفت.
وفي الجملة: فمن جرّب الرافضة في كتابهم وخطابهم علم أنهم من أكذب خلق الله، فكيف يثق القلب بنقلِ من كثر منهم الكذب قبل أن يعرف صدق الناقل؟) [24].
الأمر الخامس: اتباع الرافضة لشيوخهم لا لأئمتهم:
قال ابن تيمية: (إن الأئمة الذين يُدّعى فيهم العصمة قد ماتوا منذ سنين كثيرة، والمنتظر له غائب أكثر من أربعمئة وخمسين سنة، وعند آخرين هو معدوم لم يوجد، والذين يُطاعون شيوخٌ من شيوخ الرافضة، أو كتب صنفها بعض شيوخ الرافضة، وذكروا أن ما فيها منقول عن أولئك المعصومين، وهؤلاء الشيوخ المصنفون ليسوا معصومين بالاتفاق، ولا مقطوعاً لهم بالنجاة.
فإذن: الرافضة لا يتبعون إلا أئمة لا يقطعون بنجاتهم ولا سعادتهم، فلم يكونوا قاطعين لا بنجاتهم ولا بنجاة أئمتهم الذين يُباشرونهم بالأمر والنهي، وهم أئمتهم حقّاً، وإنهم في انتسابهم إلى أولئك بمنزلة كثير من أتباع شيوخهم الذين ينتسبون إلى شيخ قد مات من مدة، ولا يدرون بماذا أمر، ولا عن ماذا نهى، بل له أتباع يأكلون أموالهم بالباطل ويصدّون عن سبيل الله، يأمرونهم بالغلو في ذلك الشيخ وفي خلفائه وأن يتخذوهم أرباباً) [25].
الأمر السادس: سخافة قول الرافضة في أئمتهم:
مع أن الإمامة عند الرافضة من أهم مطالب الدين، وأشرف مسائل المسلمين، إلا أنهم: (قد قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين) [26].
وقال ابن تيمية أيضاً: (ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام ونسبه يعني: المنتظر، لم يظفر بشيء من مطلوبه، ولا وصل إليه شيء من تعليمه وإرشاده، ولا أمره ولا نهيه، ولا حصل له من جهته منفعة ولا مصلحة أصلاً، إلا إذهاب نفسه وماله، وقطع الأسفار، وطول الانتظار بالليل والنهار، ومعاداة الجمهور لداخل في سرداب، ليس له عمل ولا خطاب، ولو كان موجوداً بيقين لما حصل به منفعة لهؤلاء المساكين، فكيف وعقلاء الناس يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس، وأن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم يُعقب، كما ذكر ذلك محمد بن جرير الطبري، وعبد الباقي بن قانع، وغيرهما من أهل العلم بالنسب؟!..) [27].
الأمر السابع: شرك الرافضة في أئمتهم:
من غلوّ الرافضة في الأئمة: أنهم حوّلوا حبهم لهم إلى شرك وعبادة لغير الله (تعالى)، قال ابن تيمية: (.. وكذلك الرافضة غلوا في الرسل، بل في الأئمة، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم، فتجدهم يُعطلون المساجد التي أمر الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، فلا يصلون فيها جمعة ولا جماعة، وليس لها عندهم كبير حُرمة، وإن صلوا فيها صلوا وحداناً، ويُعظمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، وقد ثبت في الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما فعلوا)..) [28].
(وقد صنف شيخهم ابن النعمان، المعروف عندهم بالمفيد وهو شيخ الموسوي والطوسي كتاباً سماه: (مناسك المشاهد)، جعل قبور المخلوقين تُحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس، وهو أول بيت وضع للناس فلا يُطاف إلا به، ولا يُصلى إلا إليه، ولم يأمر الله إلا بحجه.
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين، بل هذا من دين المشركين) [29].
منهج أهل السنة في العصمة:
بعد هذا العرض لمنهج الرافضة في التلقي عن أئمتهم وأشياخهم، أنتقل إلى عرض منهج أهل السنة في هذا الباب:
أولاً: الطاعة المطلقة لا تكون لمخلوق إلا للرسل (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين):
قال ابن تيمية: (والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المبلغ عن الله أمره ونهيه، فلا يُطاع مخلوق طاعة مطلقة إلا هو، فإذا جعل الإمام والشيخ كأنه إله يُدعى مع مغيبه وبعد موته، ويستغاث به، ويطلب منه الحوائج والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يُريد وينهى عما يُريد كان الميت مُشبّهاً بالله (تعالى) والحي مشبّها برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيخرجون عن حقيقة الإسلام الذي أصله شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله) [30].
وقال أيضاً: (المعصوم تجب طاعته مطلقاً بلا قيد، ومخالفه يستحق الوعيد، والقرآن إنما أثبت هذا في حق الرسول خاصة؛ قال (تعالى): } وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً{ [الجن: 23]، فدل القرآن في غير موضع على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد، وإن قُدّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي فرق به بين أهل الجنة وأهل النار، وبين الأبرار والفجار، وبين الحق والباطل، وبين الغي والرشد، والهدى والضلال، وجعله القسيم الذي قسم الله به عباده إلى شقي وسعيد، فمن اتبعه فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي، وليست هذه المرتبة لغيره.
ولهذا اتفق أهـل العلم (أهل الكتاب والسنة) على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهو الذي يسأل الناس عنه يوم القيامة، كما قال (تعالى): } فَلَنَسْئَلَنَّ الَذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المُرْسَلِينَ{ [الأعراف: 6]..) [31].
ثانياً: أهل السنة لا ينتصرون إلا لقول الرسول:
قال ابن تيمية: (فليس الضلال والغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة، الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنهم خاصته، وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيره، إلا إذا اتبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله) [32].
ثالثاً: ليس أحدٌ من البشر واسطة بين الله وخلقه في الخلق والرزق: قال ابن تيمية: (ليس أحد من البشر واسطة بين الله وخلقه في رزقه وخلقه، وهداه ونصره، وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته، لا سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل. وأما خلقه ورزقه، وهداه ونصره، فلا يقدرعليه إلا الله (تعالى)، فهذا لا يتوقف على حياة الرسل وبقائهم، بل ولا يتوقف نصر الخلق ورزقهم على وجود الرسل أصلاً، بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة أو غيرهم، وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر، وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر، أو أن أحداً من البشر يتولى ذلك كله، ونحو ذلك، فهذا كله باطل) [33].
رابعاً: الردّ عند التنازع لا يكون إلا لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم-: ذكر ابن تيمية قول الله (تعالى): { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59]، ثم قال: (فأمر الله المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول، ولو كان للناس معصوم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمرهم بالرد إليه، فدل القرآن على أنه لا معصوم إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم-) [34]. وقال في موضع آخر: (فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى الله والرسول، فمن أثبت شخصاً معصوماً غير الرسول-صلى الله عليه وسلم-، أوجب ردّ ما تنازعوا فيه إليه، لأنه لا يقول عنده إلا الحق كالرسول-صلى الله عليه وسلم-، وهذا خلاف القرآن) [35].
خامساً: مقالة أهل السنة في العصمة:
ذكر ابن تيمية بأن أهل السنة: (متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله (تعالى)، وهذا هو مقصود الرسالة، فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين، بحيث لا يجوز أن يستقرّ في ذلك شيء من الخطأ) [36].
ولهذا فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (معصومٌ في التبليغ بالاتفاق، والعصمة المتفق عليها: أنه لا يُقر على خطأ في التبليغ بالإجماع) [37].
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المعصوم: (الذي لا ريب في عصمته، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد، الذي فرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والنور والظلمة، وأهل السعادة وأهل الشقاوة..) [38].
من أجل ذلك فإن أهل الحديث: (جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو إمامهم المعصوم، عنه يأخذون دينهم، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وكل قول يخالف قوله فهو مردود عندهم وإن كان الذي قاله من خيار المسلمين وأعلمهم وهو مأجور فيه على اجتهاده، لكنهم لا يُعارضون قول الله وقول رسوله بشيء أصلاً: لا نقل نُقل عن غيره، ولا رأي رآه غيره.
ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه: إما للفظ حديثه، وإما لمعناه، فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث، وقوم تفقهوا في ذلك وعرفوا معناه، وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول) [39].
سادساً: لا عصمة لأحدٍ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قال ابن تيمية: (والقاعدة الكلية في هذا ألا نعتقد أن أحداً معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ) [40].
سابعاً: العصمة لمجموع الأمة:
قال ابن تيمية: (والله (تعالى) قد ضمن العصمة للأمة، فمن تمام العصمة أن يجعل عدداً من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه، حتى لا يضيع الحق، ولهذا: لما كان في قول بعضهم من الخطأ في مسائل، كبعض المسائل التي أوردها، كان الصواب في قول الآخر، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً) [41].
وقال أيضاً: (.. فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة، والحق لا يخرج عنهم قط، وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول، وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع، فإنما يُخالف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفاً للسنة الثابتة..)[42].
وقال أيضاً في بيان الواجب على المسلم: (ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً، إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاًعاماً، إلا للصحابة (رضي الله عنهم أجمعين)؛ فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا أجمعوا لم يُجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل قولٍ قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسلّماً إلى عالم واحدٍ وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم..) [43].
ثامناً: طاعة الأئمة والولاة في المعروف لا في المعاصي:
قال ابن تيمية: (.. النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاجتماع والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقاً، بل أمر بطاعتهم في طاعة الله دون معصيته، وهذا يُبيّن أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ليسوا معصومين..) [44].
وذكر أيضاً أن أهل السنة: (لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يُجوّزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، وإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه مثل: أن يأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله، ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يَجُز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق، فأهل السنة لا يُطيعون ولاة الأمور مطلقاً، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما قال (تعالى): { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] فأمر بطاعة الله مطلقاً، وأمر بطاعة الرسول لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله: { مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }[النساء: 80]، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك، فقال: { وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }، ولم يذكر لهم طاعة ثالثة، لأن ولي الأمر لا يُطاع طاعة مطلقة، إنما يُطاع في المعروف) [45].
:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد) (http://www.albayan.co.uk/page.aspx?ID=182)


(*) طبع طبعة علمية محققة، مراجعة على ثلاثة عشر مصدراً خطيّاً، بالإضافة إلى مراجعته على طبعة بولاق، وعلى كتاب (منهاج الكرامة) لابن المطهر، المطبوع في إيران عام 1880م، وظهرت هذه الطبعة في تسعة مجلدات كبار، خصص التاسع منها للفهارس، ونشرته جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.
(1) (4/127) و (5/461).
(2) انظر: (4/131) و (8/10).
(3) (1/99) وانظر: (3/484).
(4) انظر: (1/169).
(5) موسى بن جعفر قد يُلحق بالقسم الثالث.
(6) انظر: (2/243، 244).
(7) (6/387).
(8) انظر: (1/113، 114) و (1/44-46).
(9) انظر: (1/69) و (5/164، 165).
(10) (1/69).
(11) (1/74).
(12) (1/106).
(13) (4/104).
(14) (1/481، 482).
(15) (1/474).
(16) (2/34).
(17) (2/462) و (5/164).
(18) (1/482) و (5/176).
(19) (5/165).
(20) انظر (1/89، 90) و (6/442).
(21) انظر: (3/369-484) و (4/17، 18).
(22) (4/16، 17).
(23) (1/69).
(24) (2/464-467) وانظر: (4/54، 55).
(25) (3/488، 489).
(26) (1/100).
(27) (1/121، 122).
(28) أخرجه: البخاري (1/91) (2/88 و102، 103)، ومسلم (1/ 376، 377).
(29) (1/474-476).
(30) (3/490).
(31) (6/190، 191)، وانظر: (4/182).
(32) (6/368).
(33) (1/97).
(34) (3/381).
(35) (6/190).
(36) (1/470، 471)، وانظر: (2/396).
(37) (2/410).
(38) (6/417)، وانظر: (6/384).
(39) (5/165، 166).
(40) (6/196)، وانظر: (4/310).
(41) (3/408، 409).
(42) (5/166، 167).
(43) (5/262)، وانظر: (6/409 و461).
(44) (1/115، 116).
(45) (3/387)، وانظر: (1/82 و84، 85).


رابط :
http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2896

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 12:34 AM
الروم حاضرة... والفرس عائدة... والعرب نائمة...
أمير سعيد

اندثار الدول وظهورها رهين مقادير الله - سبحانه - تمضي بها سننه ووفقها تسير، أيام يداولها الله بين الناس، فتارة هذه تَغِْلب، وأخرى تدافعها تلك فتُغلَب.
مد وجزر، غلبة واندحار، هكذا تجري الأحداث بالدول والأمم، ومنها دولتا الفرس و الروم، القوتان العظميان على مدى قرون طويلة، واللتان تبدوان الآن للعالم بثياب أكثر إبهاراً وأوفر تقنية، من دون أن تفارقهما خصوصية لازمت علاقتهما عبر الزمان، فلا التاريخ يعود القهقرى، ولا السنن تفارق مستجدات الحاضر.
} الـم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍيَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ { (الروم:1-7)
هكذا تُليت حلقة واحدة من حلقات الصراع المزمن بين الفرس و الروم في محكم التنزيل على أسماع العالم، وفي أول مرة كان التأثير العربي مقتصراً على الرصد والمتابعة والميل لانتصار هذا الطرف أو ذاك، سواء أكان هذا الرصد من كفار قريش أم من المسلمين، فالغلبة الفارسية أسعدت من يناظرها من أهل الأوثان، والكرَّة الرومية فرح لها المسلمون برغم أنهم كانوا على موعد قريب مع منازلة الروم.
التفاعل حينئذ كان سيداً وإن ارتدى لبوس المراقب؛ كون الفريقين (المسلم والوثني القرشي) أقل استعداداً للدخول كخصم قوي لأي من القوتين الأعظم حينئذ، فهو مراقب حذق يرمق المستقبل بعين ثاقبة.
لم يكن يعيب المسلمين العرب يومها ألاَّ يشاركوا في هذه المعركة، فتلك ليست معركتهم الآن؛ ففي الأفق معركتهم قادمة، ومن بين سنابك الخيل كان الغبار يوشك أن يطامن بعد أن أثارته كتائب الفتوح ليكشف عن نصر على تلكما الدولتين العتيدتين، أَلَقُ النصر الإسلامي وعبقه غمر المدائن الفارسية و أنطاكية الرومية حاضرتي الإمبراطوريتين المتراميتين الأطراف، سنوات قليلة ما لبثت أن انقضت على نزول الوحي بهذه الآيات حتى ارتفعت البيارق الخضراء في الشرق والغرب، وقرون مضت بعد ذلك، وكاد التاريخ يكرر نفسه في مناخ مختلف، استطالةٌ فارسية ورومية وانكماشٌ عربي رهيب، بَنَتْ الإمبراطوريتان نفسيهما، وأعادتا توطيد أركان حكميهما، ولم يعد العربُ استراتيجياً للفترة المكيّة بل إلى مجاهل التاريخ؛ فدولتا الحيرة الموالية للفرس والمناذرة الموالية للروم قبل الإسلام كانتا أحسن حالاً من الحالة العربية المزرية.
هنا الروم غُلبت من جديد، مُنِيَت بهزيمة تكتيكية نافذة من دون طلقة واحدة، وبعد هيمنة شبه مطلقة رومية (غربية) على العالم وعلى قلبه المتوسط؛ لملمت فارس (إيران) جراح إمبراطوريتها الضائعة لتضع الحصان أمام العربة الأمريكية الطائشة، ومهما قيل من بعد عن تنسيق (إيراني / أمريكي) أو (فارسي / رومي) استصحاباً لجملة من المعطيات المؤكدة في هذا المضمار؛ فإن الضربة الفارسية كانت أسبق من كل حدس رانه باحث استراتيجي أو خبير أممي تغص بهم مراكز الدراسات الأمريكية، إذ الحاصل قنوات إيرانية قد سالت فيها مياه الخليج و دجلة و الفرات و الليطاني، وأوراق طاشت من الحقيبة الأمريكية في لحظة دولية فارقة، وفي حاضر أمريكي مأزوم.
الروم حاضرة، والفرس عائدة، والعُرب غائبة، هذه المعادلة وذاك المشهد، والتاريخ يطرق الأجراس ويقرع الطبول؛ بيد أن الآذان بعدُ صماء، أو ربما سمعت بـ (مهران بن بهرام) القائد الفارسي في (عين التمر) التي كانت تضم إلى جواره القائد النصراني العربي (عقة بن أبي عقة) على قبائل (تغلب) النصرانية إبان زحف (خالد بن الوليد) إليها (12هـ)، ولم تأبه لشرحه لقادته الفرس لما نزل عن دعوة (عقة) له بترك القتال له، متخلياً عن القتال للأخرق ( عقة): « دعوني، فإني لم أرد إلا ما هو خير لكم (أي للفرس) وشر لهم (أي الروم)، إنه قد جاءكم من قتل ملوككم، وفل حدكم (أي المسلمين)، فاتقيته بهم، فإن كانت لهم على (خالد) فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا، فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء »، فما قاله (مهران) لم يكن يحمل إلا أجندة يقرأ منها (ملالي فارس) في هذه اللحظة سياستهم في العراق وغير العراق، « دعوني، فإني لم أرد إلا ما هو خير لكم (أي لإيران) وشر لهم ( أي الأمريكان)، إنه قد جاءكم من أضاع إمبراطوريتكم، وفل حدكم، فاتقيته بهم، فإن كانت لهم على المقاومة فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا، فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء »!
ثمة تعاون بغير جدل، لكنه أفضى إلى إيجاد حالة صراعية جديدة، الصوت الأعلى فيها انفراداً وتمايزاً للإمبراطورية الصاعدة التي غلبت الروم في معركة إقليمية وتسليحية نوعية، وجازت بها من إستراتيجية الاحتواء المزدوج الأمريكية ( لإيران والعراق) إبَّان حكمَيْ (ريجان و بوش الأول)، وتفادت إستراتيجية الحروب الاستباقية إلى أمد في عهدَيْ (كلينتون والأولى لبوش الثاني) إلى إستراتيجية الاحتواء المزدوج من جديد، ولكن هذه المرة بلاعب مختلف هو اللاعب الفارسي الذي بضربة واحدة نفذ إستراتيجيته الخاصة باحتواء الولايات المتحدة والعراق!
إن هناك بالتأكيد أكثر من اعتراض قد ينشأ على هذا التفسير؛ فدونه تفسيرات أخرى ترى الإمبراطورية الفارسية الجديدة مقدمة على حتفها باستعداء الروم بكل جبروتهم العسكري ونفوذهم الواسع، وأن صعودها هو عنوان تآكلها بعد أن أصبحت خطراً على حلف الأطلسي برمته، من الشرق التركي صاحب أكبر قوة أرضية في أوروبا إلى الغرب الأمريكي صاحب أكبر آلة عسكرية جوية وبحرية ودفاعية في العالم، وهذا مفهوم ومعتبر، وآخر يرمي كراته دوماً في سلة تتسع لقواسم تجمع الدولتين (الإيرانية والأمريكية) في معاداة العرب، وعلى مرمى البصر ترى حاجة الأخيرة للأولى في فك الدول العربية، وإعادة تركيبها وفقاً لـ (سايكس - بيكو) جديدة لا تضمن أمريكا استقرارها دون الارتكان لشريك آخر غير « إسرائيل »، ضارباً الذكر صفحاً عن انطلاق السياستين (الإيرانية والأمريكية) من أجندتين غير متطابقتين بطبيعة الحال والمصالح والأيديولوجيات المختلفة، وهو تفسير أيضاً معتبر لكنه مفرط في أحادية منطقه بعض الشيء وتعززه عدة شواهد، منها:
- أن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الصوت الزاعق في رفض المشروع النووي الإيراني هي بالأساس من وضعت لبنة تأسيسه، وفي العام (1974م) كانت (إيران والولايات المتحدة) توقعان اتفاقية تزويد أمريكا لإيران بالوقود النووي، بعدما اشترى الشاه (رضا بهلوي) أول مفاعل نووي أمريكي لمركز ( أمير باد) للأبحاث النووية.
- أن الولايات المتحدة الأمريكية وإن كُبلت اليوم عن تنفيذ ضربة تكتيكية للطموح النووي الإيراني؛ فإنها لم تكن كذلك إبَّان الهجوم الصهيوني على المفاعل العراقي (1981م) حين كان المشروع العراقي يبدأ خطواته الأولى، وكان بمقدورها أن تجهض البرنامج النووي الإيراني في مهده، لكنها لم ترَ داعياً لذلك في أي وقت حتى الآن.
- أن من شأن النمو العسكري الإيراني أن يزعج جيران إيران، ما يمد الرقعة الزمنية الترهيبية اللازمة لبقاء الشراكة (الأمريكية / الخليجية) على خلفية الحاجة الدائمة لبقاء القوات الأمريكية في المنطقة العربية، بما يستبقي السيوف لزمن ممتد خارج الأغماد بعد سنوات ثلاث من انهيار الدولة العراقية، ويدعم الأطماع الغربية الشرهة في بلاد العرب.
- أن العلاقات (الإيرانية / الأمريكية) كانت دوماً محل التقاء بعيداً عن « تطفل » الإعلام، رشح منها فضيحة تسليح إيران في عهد (ريجان)، وتصريح (أبطحي) مستشار (خاتمي) سابقاً « لولانا ما سقطت بغداد وكابول »، والتعاون الممتد فيما قبل الإعلان العلني عن نية التفاوض بين البلدين في العراق، والذي جاء مقترحاً على لسان رئيس المجلس الأعلى للثورة في العراق (عبد العزيز الحكيم) وعززه الموافقة الإيجابية من جانب (علي لاريجاني) الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي والمكلف بالملف النووي، وهناك مؤشرات عديدة تشير إلى علاقة براجماتية تجمع بين « الشيطان الأكبر » و « أحد أقطاب محور الشر » أمريكا وإيران، أو الروم والفرس، فالحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران منذ الثورة الإيرانية تخترقه هي على الدوام بحسب ( كنت تيمرمن) الباحث الأشهر في وكالة الاستخبارات الأمريكية للشؤون الإيرانية القائل: « أمريكا نفسها لا تنفذ هذا الحظر »، كما أن وزير خارجية أمريكا السابق (كولن باول) كان يعتقد وقت شغله منصبه أن: « إيران ليست في موقع يسمح لها بالإضرار كثيراً بالمصالح الأميركية في المنطقة » وفق صحيفة (كيهان 8/4/2001م)، أما النفط الذي تملك إيران من احتياطه ( 10%)، و (25%) من احتياطيات الغاز الطبيعي فـ « من الذي يستطيع أن يمنع إنتاج 2.5 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني في الوقت الذي وصلت أسعار النفط إلى ما وصلت إليه مؤخراً؟ » كما يقول (باتريك كلاوسون) نائب مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، ومن ذا يتجاهل 70 مليون نسمة هم عدد سكان إيران وأكبر سوق محتمل للولايات المتحدة في المنطقة، ومن يطلق اليد الأمريكية في الإفادة من نفط بحر (قزوين) وترتيب أوضاع دول آسيا الوسطى إذا لم تعقد تفاهماً - لا مغامرة غير محسوبة - مع إيران؟! ومن يغض طرفه عن 12 رجل أعمال إيرانيين كانوا من كبار المتبرعين لحملة (بوش) الماضية ( الشرق الأوسط 9/6/2001م)، أو يغمض عينيه عن مليوني إيراني نقلوا حوزاتهم العلمية واستثماراتهم المالية الضخمة في بلاد « الشيطان الأكبر »، ونثروا في جنباتها (آياتهم وملاليهم) ومنهم آية الله (حسن قزويني) أحد مستشاري (بوش) الدينيين، ومراكزهم الدينية التي سمحت لهم الدولة الرومية العظمى بأن ينشئوا أكبر مركز ديني ينسب للمسلمين فيها؟ وأرمد من فاته الاطلاع على غابة القنوات الفضائية المرتبطة بإيران في سماء المنطقة، وأولها كان السبق فيه لمنظمة توصف في أدبيات السياسة الأمريكية بـ « الإرهابية »؛ والمقصود بالطبع (حزب الله) اللبناني الشيعي.
هذه التفسيرات وتلك الاعتراضات لها وجاهتها بالتأكيد كما أسلفت، ولكن ما الذي يدعونا لئلا نصهر هذه الاعتراضات والتفسيرات في بوتقة تجمع الشواهد لا للتعارض؛ وإنما لمحاولة النظر من جديد للأمور بنظرة أكثر شمولاً مستصحبة تجربة تاريخية ثرية وموحية؟ يقول (أ. د محمد السعيد عبد المؤمن) أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة (عين شمس) عن المشروع النووي منذ بدايته في زمن ( الشاه): « يبدو أن (الشاه) قد استطاع أن يعزف على أوتار عقائدية وقومية عند الإيرانيين، فالطاقة النووية تمثل في الوجدان الإيراني قمة الوصول بـ (النار) ذات القيمة الخاصة التي تصل إلى درجة التقديس لغايتها، فلم ينظر الإيرانيون إلى ما سوف ينفقه (الشاه) على هذا المشروع نفس نظريتهم لما أنفقه على احتفال مرور ألفين وخمسمائة عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، فرغم أن كليهما يمجدان الشخصية الإيرانية إلا أن الأول أدخل إلى الوجدان والعقائد من الثاني، وعندما نجحت الثورة الإسلامية في إسقاط (الشاه ونظامه) قضت على آثار الملكية كلها، وأوقفت مشروعاتها إلا ما ارتبط منها بالجانب الوجداني العقائدي للإيرانيين، ومنها المشروع النووي الذي أصبح إرثًا قوميًّا، على نظام الجمهورية الإسلامية أن يتحمل تبعاته، وإلا فقد أهليته في نظر الشعب »، فلوعة غياب الدولة الفارسية بجبروتها ونارها المقدسة ما زالت تعمل مفاعيلها التأثيرية النافذة في الوجدان الإيراني، ولم تندمل الجراح التي خلَّفَها انطفاء النار المقدسة قبل أربعة عشر قرناً باتقادها نفطياً من جديد مع الثورة النفطية التي اجتاحتها قبل نصف قرن، وإنما استوجب تأمينُها قوة نووية وصعوداً (تسليحياً وسياسياً) موائماً للرغبة العارمة في إعادة الإمبراطورية الفارسية مجدداً.
ولنرجع ثانية إلى التفسيرات المتعارضة في ظاهرها، جاهدين في لملمتها في صيغةٍ من خلالها يمكن المزج بين التاريخ والحاضر؛ فمن حيث المبدأ لابد من الإقرار بأن الإمبراطوريتين (الرومية والفارسية) وجدتا محطات التقاء على مر التاريخ؛ تخندقتا فيها ضد عدو مشترك، ففي العام الثاني عشر للهجرة وإثر انتصار المسلمين في (ذات السلاسل) كان على القائدَيْن الفارسيين (الأندر زغر) و (بهمن جاذويه) أن يتحالفا مع نصارى الحيرة و قبائل بني تغلب بـ « مباركة » من الدولة الرومية التي تربطها بهما روابط دينية في معركة أليس الصغرى ( نهر الدم)، ولم يكن هذا إلا تكراراً لما تم قبل أربعة أشهر في معركة (عين التمر)، من « تفاهم » بين الفرس والمتعاطفين مع الروم.
وبعد انهيار الإمبراطورية الفارسية بستة قرون شهد العالم (650 هـ) تحالفاً قوياً بين الدولة الصفوية (وريثة الإمبراطورية الفارسية و البرتغاليين ضد العثمانيين، يقول الدكتور (محمد عبد اللطيف هريدي): « وهكذا بدلاً من أن يضع الصفويون يدهم في يد العثمانيين لحماية الحرمين الشريفين من التهديد البرتغالي، ولتطهير البحار الإسلامية منهم وضعوا أنفسهم في خدمة الأسطول البرتغالي، لطعن الدولة العثمانية من الخلف، ورغم انتصار العثمانيين عليهم؛ فإن الحروب معهم كانت استنزافاً لجهود العثمانيين على الساحة الأوروبية، وعرقلة للفتوح الإسلامية » [الحروب العثمانية الفارسية ص 70]، بيد أن التاريخ سائده يتحدث عن تعارض في المصالح بين الإمبراطوريتين، يتحدث أيضاً عن حضارة ( بالمعنى المدني لها) لأرض فارس تؤهلها لأن تصعد أو تسعى بإصرار لأن تتبوأ مكانها قوة عالمية مرهوبة في العالم وإن وجدت نفسها في حقبة رومية إن جاز التعبير، فقبل أن نطنب في عرض أدوات فارس لكسر هيمنتها أو اختصار مدتها الزمنية، نعود إلى صفحات التأريخ الصراعية الأبرز هذه المرة:
- معركة (حرَّان) في العام (53) قبل الميلاد في زمن (يوليوس قيصر):
أبيد فيها الجيش الرومي على يد (أورود الفرثي) الفارسي عن بكرة أبيه.
- معركة (نصيبين) حوالي العام 100 قبل الميلاد في زمن الإمبراطور الروماني (تراجان): تكبَّد فيها الرومان خسائر فادحة في مسعاهم لتوسيع الإمبراطورية بعد أن نجحوا قبلها في ضم أغلب ممتلكات الفرس، وكان زمن استطالة للرومان على الفرس.
- المعركة الكبرى والاستيلاء على (أنطاكية) أواسط القرن الثالث الميلادي زمن (سابور) الجند الفارسي: أعطى قادة الرومان الجزية بصغار لـ (سابور).
- محاصرة القسطنطينية من قبل (كسرى الثاني) والاستيلاء على آسيا الوسطى: لم يحصل مثل هذا النصر لفارسي من قبل ولا من بعد، وفي المعركة التي جرت بـ (أذرعات) وفقاً لجمهور المفسرين نزلت الآيات: }الـم * غُلِبَتِ الرُّومُ { (الروم: 1-2) سنة 614 م.
- انتصار (هرقل) على (كسرى): وهو ما بشرت به الآيات } وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ { (الروم: 3-4)، وحدث في يوم بدر، أو يوم بيعة الرضوان، أو يوم الحديبية، مثلما ذكر (الإمام القرطبي) في تفسير الآية.
وهو ما يشي بالحالة الأرِقة الدائمة في السجال الحربي بين الإمبراطوريتين العظميين على مر القرون السالفة للإسلام.
والآن تسعى دولة الفرس من جديد للصعود بأدوات تؤهلها لأن تعود إلى الواجهة من جديد، لتغييرها للمعادلة النووية في العالم، واستخدام لغة دبلوماسية بارعة، ومراكمة أوراق لعبتها مع الروم بذكاء مَرَدَ عليه حكماء فارس على مر القرون، ولئن ضيَّقت الولايات المتحدة الأمريكية عليها الخناق في زمن بسطت فيه قوتها العسكرية والاقتصادية الضخمة على العالم، لقد وجدت دولة الفرس ما يعوضها عن هذا الجفاف مع الدولة العظمى، فمدت علاقاتها المتينة مع أوروبا و آسيا، فإيران الآن تشتري الآلات من ألمانيا، والحاسبات والأجهزة العلمية من فرنسا، والمصانع العسكرية من روسيا و الصين وما يرافقها من تجهيزات لا عسكرية، ألم يك لافتاً أن تعارض روسيا والصين بشدة قراراً أممياً ضد إيران؟
وأن يعتبر رئيس الوزراء الفرنسي (دومي### دو فيلبان) أن العمل العسكري « ليس الحل » موضحاً: « لقد اختبرنا سابقاً سيناريو مماثلاً لا يؤدي إلى نتيجة كما حصل في العراق ». (الوكالات 5/5/2006م)، وأن يُشِير الرئيس الأمريكي فور إعلان نظيره الإيراني عن دخول إيران النادي النووي إلى التباحث مع الشركاء في أوروبا خاصة وألمانيا تحديداً؟ ففي الحقيقة إيران تدير معركتها مع الولايات المتحدة الأمريكية نيابة عن روسيا والصين، وهذه الأخيرة تتساوق سياستها الحالية مع تاريخها الذي كانت فيه ضنينة بالحروب، وتسعى لاستخدام أدوات أخرى للاحتفاظ بقوتها العسكرية لوقت الضرورة، كلا الدولتين لهما مصالح عسكرية واقتصادية جَمَّة لا تقفان عند حد الصفقات التسليحية الهائلة ولا الاستثمار والإمداد النفطي؛ وإنما تتعدى ذلك إلى نشاطات اقتصادية وسياسية أخرى (نسأل عرضاً: لماذا وجدت فارس اليوم ضالتها في دول غير كتابية؟!)، أما فرنسا التي أدار مرشد الثورة السابق (الخوميني) معركته مع ( الشاه) انطلاقاً منها، فهي تحتفظ بعلاقات نفطية متميزة تخترق بها شركة ( توتال) الفرنسية جدران الحظر الأمريكية وهمهمات حقوق الإنسان الأوروبية، وأما ألمانيا فإمدادها لإيران بالمعدات الثقيلة لم يبرئ ساحتها من التورط في تزويد إيران بمعدات الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم.
إذن الفرس تعود بحبال من الناس متينة، وحين نتحدث هنا عن الفرس فليس بدافع رغبة في جلب تسمية أضحت غوراً في أغماق التاريخ؛ بل لأن هذه التسمية حاضرة فعلاً في لغة السياسة الإيرانية ذاتها، وإلا فلماذا رهنت إيران مشاركتها الرياضية في دورة الألعاب بـ (قطر) هذا العام بعدول الدولة المنظمة عن تسمية الخليج العربي بـ « الفارسي »؟ ولماذا احتجت لدى مجلة (انترناشيونال جيوجرافيك) العالمية لتدفعها إلى تسمية الخليج بالفارسي بدلاً من العربي أو حتى الإسلامي برغم كون جميع حواضره من العرب بدءاً من الأهواز إلى الإمارات؟
ولماذا تكاد تخلو قيادة إيران من غير الفرس فيما عدا (خاتمي) وقلة أخرى برغم كونهم لا يتجاوزون (52%) من الإيرانيين؟
الحالة الدولية تتبدل ملامحها هذه الأيام، وفي غياب الفضائيات وأدوات التخاطب والمعلوماتية عبر الإنترنت وأجهزة الاتصالات الحديثة، كان المسلمون والعرب معنيّين بتشكل خريطة الصراع في محيطهم وأبعد من محيطهم، الأدوات كانت بدائية والنفوس كانت طموحة أبيّة، ثمة إدراك لدائرة الدول ومدى تأثيرها على موازين الصراع، } وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ { (الروم: 4-5)، ليس فرح المتفرجين الصائحين كما في ملاعب الكرة، بل فرح نصرٍ يرومونه من خلال مشاركة في صناعة الأحداث، يبدأ من هنا، من قلب مكة، من مركز الأرض إلى « أدنى الأرض »؛ إذ الأحداث لا يصنعها النائمون، وحيث لا غرو أن يكون المسلمون في مهد دعوتهم خارج المعادلة الدولية حينئذ؛ فإن انكسار النفوس لابدّ وأن يلازم قوماً تسيَّدوا، وأذابوا ملح الإمبراطورتين العظميين في بحار حضارتهم، ثم نكسوا على رؤوسهم، وقد غار الماء وعاد الملح.
وصارت المعادلة الدولية تخلو إلا من الروم وفارس، وحتى كرَّة مرجُوَّة سيظل الحاضر بدوننا، وسنظل بانتظار مخبوء القدر، }لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُوَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ { (الروم: 4-7).

رابط :
http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2890 (http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2890)

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 12:36 AM
المحافظون والإصلاحيون في إيران.. من يحل عمامة الفقيه؟!
أمير سعيد

مرت حادثة تفجير قنبلة بواسطة (انتحاري) أو مؤقتة في مرقد مرشد الثورة الإيرانية الأول الخميني بفتور، ولم تسترعِ انتباه أحد، وكأنها تخص قبر مجهول في جبل كردي، ولم تُثِر كثيراً حفيظة الشعب الإيراني، ولا الإعلام الثوري، ولا الجهات الأمنية المعنية؛ فلم نسمع شيئاً عمَّن يقف وراء الإرهابي الانتحاري الذي لم تُكشف هويته حتى الآن!
ولم تنتش أقلام الناطقين باسم الحوزة القُمِّيَّة من صحفيي إيران وآلتها الإعلامية الفارسية والإنجليزية والعربية، ولا كتَّاب التومان [1] العرب بترديد حديث (النواصب، التكفيريين، الوهابيين...) الذين تم اتهامهم فوراً بالمسؤوليةعن تفجير مرقَدَي (علي الهادي و الحسن العسكري) في سامراء قبل ثلاثة أعوام، وهي الحادثة التي حولت وجه الأحداث في العراق، واستفزت ميليشيات إيران في العراق لتخريب 100 مسجد سُنِّي خلال 24 ساعة فقط من التفجير، وفقاً لبيان للحزب الإسلامي حينها، وفُرِض تعتيم هائل على المجازر بحق العراقيين السُّنة، والتي بدأت بذبح الصحفية (أطوار بهجت) التي حصلت على معلومات تقود إلى مرتكبي التفجير الذي لم يكن في النهاية إلا شرارة مؤقتة؛ لتفجير العنف ضد السُّنة، وصافرة البداية؛ لتفريغ بغداد من السُّنة أو كسر شوكتهم فيها على الأقل.
هل هان الخميني على أتباعه لهذه الدرجة؟ (للحد الذي يستنكفون عن النياحة واللطم على مرقده) وهو الغائب الحاضر على لسانَي (نجاد وموسوي) في صراعهما المحترم على الرئاسة الإيرانية، أم أنهم مشغولون أكثر بالتركة عنه؟ وهل كان الفاعل واحداً في سامراء و طهران، وأراد هذه المرة هدفاً لم ينجح في تحقيقه فسارع إلى تبريد الملف فوراً، لكي لا يُفسح المجال للقيل والقال؟ وهل يطيب لأهل طهران تفجير مراقدهم بأيديهم، تحمَرُّ أنوفهم إذا قيل إن من فَجَّرها سُنِّيون؟!
قد يكون من الواجب الإجابة عن تلك الأسئلة بشكل مستقل، إلَّا أنه ليس هذا هو مناط المقصود، فالشاهد أن الخميني الذي أقيمت له احتفالية كبيرة في ذكرى وفاته قُبَيل الانتخابات بقليل، لم يُستفَز أحدٌ للتنديد بمحاولة تفجير مرقده أو التشويش بها على الأحداث! وغالب الظن أن تلك العملية لم تكن إلا إحدى حلقات الصراع الداخلي بين أركان الحكم في طهران و قُم، وتمَّت على أيدي تابعي إحدى الأجهزة الأمنية الإيرانية ذاتها، وقد تكون هي أيضاً مَنْ فَجَّرت مرقَدَي (الإمامين الإثني عشريين) في سامراء بعد عام واحد من تصعيد محافظ بلدية طهران ( محمود أحمدي نجاد) إلى سُدَّة الرئاسة الإيرانية (يونيو 2005م) عَبْر عملية انتخابية رئاسية تم فيها تخفيض عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح هاشمي رفسنجاني من 17 مليوناً إلى 10 ملايين لتترجَّح كفَّة مرشح المرشد الأعلى الإيراني (علي خامنئي) محمود أحمدي نجاد، وهو في ذلك الوقت - أيضاً - مرشح المرجع الشيعي (مصباح يزدي) المصنَّف أحد رؤوس المحافظين في إيران.
كان المطلوب حينها أن يباشر الرئيس الجديد (نجاد) دوراً في الداخل والمحيط الإقليمي تحت مظلَّة من (البروباجندا) الإعلامية الرامية إلى تصدير الأزمة الداخلية للخارج، واستيراد المبررات الثورية للداخل المحتَقِن، بموازاة ذلك رفع السقف (الثوري) المُصاحب للبرنامج النووي الإيراني ومحطاته المصيرية الأخيرة.
قام نجاد بالمطلوب جيداً في العراق، وأحدث ضجيجاً مطلوباً للمشروع النووي، وحاول تجييش الشعب الإيراني من جديد خلف لافتة التحدي الثوري للقوى الغربية، لكنه لم يفلح بالتأكيد في تسويق ذلك بالداخل، كما لم ينجح في إبعاد الخصوم السياسيين للمرشد الأعلى (خامنئي).
مشكلة نجاد الحقيقية فيما تَبَدَّى أنه جاء في لحظة متأخرة كثيراً؛ لترميم بناء بدأ يتشقق من كل مكان، فأرهقه الترميم بدلاً من أن يساعده على القيام.
غير أن مشكلة خامنئي أعمق منه؛ فالرجل يحاذر من تيارين متصارعين يقف بينهما ثالث شديد البراجماتية يقوده الداهية (هاشمي رفسنجاني) الذي أزاحه المرشد في انتخابات 2005 فلم يغفرها له، ويقود الأول (مصباح يزدي) المتشدد، وهو الأب الروحي لنجاد، و (الإصلاحي) محمد خاتمي الرئيس الإيراني السابق وفاقه الآن شعبية زعيم المعارضة القوي (مير موسوي).
عندما سمح خامنئي لمير موسوي بالترشح للرئاسة - وقد كان بوسعه منعه ابتداءً لو كان الأمر لم يزل بيده عملياً، وهو لم يعد كذلك بعد أن فَقَد بعض أوراق دستورية مهمة لم يعد بمقدوره استخدامها وقت الحاجة - كان المرشد يدرك أنه يناوش به القوى التي تريد وراثته حياً من المحافظين، أو الحد من مكانته كلية من ( الإصلاحيين) والبراجماتيين، وكان يعلم أنه لا يمكنه أن يُخْرِج التيارين الأخيرين من الحَلَبة من دون أن يدفع فاتورة باهظة جداً قد تُكلِّفه منصبه.
لكنَّ نجاد لم يُلْجم المناوئين للمرشد، ولم يتمكن من تمرير سيناريو (التعيين الانتخابي) له دون خسائر؛ فقد فتح الإعلان عن فوز نجاد في انتخابات يونيو 2009 أبواب النار على المرشد؛ إذ لم تكن التربة الإيرانية مهيأة لاستنبات الوهم من جديد، والأسباب كثيرة في تغيُّر تلك التربة، ليس للأحسن بالضرورة، وإنما لِما يُعاكس طموحات الملتصقين بمرقد (الإمام) أيّاً كان.
والإمام الخميني قال يوماً: (أنا أزعم وبكل جراءة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفضل من أهل الكوفة) [2]، لكن هذه الملايين لم تعد الآن أفضل من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - حاشا صحابة رسول الله عمَّا يقول الخميني - بل قائمين بـ (بدعة غير مشروعة) على حد قول خامنئي واصفاً مظاهرات طهران المناوئة له، وهم - في ذلك - مندفعون بأفكار مختلفة تماماً عن تلك التي استطاع الداهية الخميني تجييشهم بها قبل ثلاثين عاماً.
الأمر في الواقع مختلف، والبيئة الحاضنة للجماهير اليوم تُغَاير تلك قبل عقود ثلاثة، والتغيُّر السريع في بِنْيَة المجتمع الإيراني واشية بأن الأمر أكثر مما يفوق طاقة (المحافظين) و (الإصلاحيين) معاً.
البيئة الجديدة:
في مجتمع نصف المليون مُعمَّماً، وعاصمة نصف المليون بَغِيّاً، يصعب ألا يصطدم الباحثون بِكمٍّ هائل من التناقضات الحاكمة لمزاج هذا المجتمع الذي يزيد تعداده عن 70 مليون نسمة، والتي رَشَح بشأنها أرقام لا تلبي شهية الدارسين، لكنها تعطي انطباعاً عن هذه البيئة الحاضنة للثورة الدينية ونقيضها في آن واحد.
وفي بلد يُجرِّم ويدعو ملاليه إلى البعد عن المخدرات، يصبح تقرير المخدرات العالمي الصادر من الأمم المتحدة في عام 2005، عن مدمني الأفيون في العالم، والذي يشير إلى أنه يوجد في إيران أعلى نسبة من المدمنين في العالم برقم يقارب 3 % من تعداد السكان، يصبح مثيراً لحفيظة المبشِّرين بالثورة الإيرانية خارج حدودها.
الأخطر أن الإيرانيين ذاتهم اعترفوا على لسان رئيس الشؤون الثقافية السابق لبلدية طهران محمد علي زام قبل تسعة أعوام بأن مجتمعهم القائم تحت ظل حكم ولاية الفقيه لا يصلي ثمانون بالمائة منه! بحسب زام ولا يركعون لله في بلاد تريد أن تصدِّر ثورتها الإسلامية للعالم الإسلامي [3]، علاوة على أرقام أخرى ساقها في مؤتمره الصحفي الجريء، حين تحدث عن (تجاوز نسبة الإباحية الجنسية الستين بالمائة، وتزايد نسبة الزنا خلال السنتين الأخيرتين فقط بنسبة 635%، وانخفاض معدَّل عُمْر الزناة من 27 سنة إلى 20 سنة).
الأرقام الرسمية تتحدث عن أن ثلث الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، ومعدلات بطالة رهيبة تلامس النسبة ذاتها، وتدفع نحو‏180‏ ألف جامعي إيراني للهجرة كل عام إلى أوروبا، و أمريكا الشمالية، و أستراليا، و نيوزيلندا من الدولة النفطية التي تملك الاحتياطي النفطي الثاني في العالم (132 مليار برميل) وذلك بحسب أرقام إيرانية رسمية.
بينما يغادرها ذَوُو العقول لدرجة أن الأطباء الإيرانيين في كندا أصبحوا أكثر من الأطباء الإيرانيين في إيران ذاتها‏! والأهم أن الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً صاروا يمثلون أكثر من 70% من تعداد السكان، وهم لم يشهدوا الثورة الخمينية، ولا عاصروا الحرب مع العراق إلا صغاراً، وحتى أولئك الذين عاصروها لم تعد العراق تُمثِّل لهم الآن عدواً تنبني عليه عقيدة قتالية وثورية، وحتى ( الشيطان الأكبر) الولايات المتحدة لم يعد أحد من هؤلاء يُصدِّق أن الملالي الذين يكتسبون شرعية بعدائها، ومنهم بيدقهم (أحمدي نجاد) أنهم في حالة عداء حقيقي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وإن كانوا في حالة عداء حقيقية، فما الثمن الذي يتوجب على الشباب العاطل دفعه لهذا العداء الملتبِس، وما الدافع له في ظل تعاون إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق؟ الشباب الإيراني الذي يهوله منظر النساء الإيرانيات في الخارج سواء في دبي أو أوروبا أو حتى في الصين التي أضحى الزائرون لها يتحدثون عن منافسة الإيرانيات للصينيات في (الممارسات غير الأخلاقية)، يعجب لحرص الملالي على تصدير الثورة إلى أقصى بلاد إفريقيا و آسيا.
لماذا يدفع الفقراء في إيران ثمن الحرب في لبنان؟ وكثير من هذه الأسئلة التي تتزاحم لدى الواقعيين من الشباب الإيراني.
إن كثيرين من أنصار إيران في لبنان كتموا غيظهم في أعقاب حرب لبنان 2006، وهم يتساءلون: لماذا ندفع ثمن البرنامج النووي الإيراني من حياتنا واستقرارنا، مع أنه لم يسقط زجاج بيت واحد في طهران مقابل ذلك؟ فإن كان الثمن قد جاء على الفور إنقاذياً عبر (المال النظيف)؛ فإن الجانب الآخر هو أيضاً بدأ يتململ قائلاً: ولماذا ندفع نحن ثمن مقامرة (حسن نصر الله)؟
ثمَّة حراك حقيقي يدور لدى النخبة الإيرانية والشباب الذي لم تعد هتافات الثورة في ظل العولمة تطربه، لا سيما أن الأرقام التي تتحدث عن ترك الصلاة وغيرها لا تُشَجِّع كثيراً على تعويل أصحاب العمائم على هؤلاء للمحافظة على مكتسبات الثورة، في مقابل أن هؤلاء الشباب - وهم الغالبية من الشعب الإيراني - لا يجدون أنفسهم متحمِّسين لدفع فاتورة العداء الظاهري للغرب، وتصدير الثورة ودفع أموال حول العالم في جُهْدٍ تنوء به خزائن الإمبراطوريات الضخمة دون طائل مادي مرتجى للمجتمع الإيراني.
تحت لافتة الدفاع عن البلاد والإسلام والمذهب تم تجييش الشباب في الحقبة الأولى للثورة ومنهم نجاد ضد العراق، وتحت اللافتة نفسها تدفقت الميليشيات لا سيما جيش القدس والحرس الثوري للمساهمة في احتلال العراق إلى جانب الأمريكيين، وتوقع الإيرانيون أن تَحُلَّ عليهم (بركة) النفط العراقي المسلوب عبر عصابات التهريب، لكن هذه (البركة) لم ينلها كالعادة إلا أصحاب العمائم، الذين تضخمت ثرواتهم لحدِّ بعيد، حتى في ظل حكم الرئيس (الزاهد) نجاد، وهو الذي جاء مبشِّراً في الفترة الأولى بالقضاء على الفساد في مؤسسات الحكم، والشيء ذاته يقال عن فائض الميزانية قبل الأزمة الاقتصادية العالمية الإيرانية من ارتفاع أسعار النفط، والتي حصلت إبان حكم نجاد (الزاهد)، لكن شيئاً من ذلك لم ينعكس على أصحاب أكشاك الصفيح حول المدن الكبرى، ولم يغيِّر شيئاً من أرقام البطالة وتأخُّرِ سِنِّ الزواج والفساد والمخدرات.
إن شيئاً من ذلك لا يشجع الناخبين على التصويت لأصحاب العمائم، وإذا كان النظام لا يسمح إلا بالتصويت لمن يَمُر من فلاتر الملالي الضيقة فقط؛ فليكن التصويت لمن هم أقرب لطموح الشباب والفقراء والأقليات المضطهدة والمهمَّشة، حتى لو كانوا من أمثال رئيس وزراء حكومة الخميني السابقة مير حسين موسوي الذين لم يزالوا يبكون المؤسس وأيام حكمه.
الخريطة السياسية والتصدع المتوالي:
قبل سبع سنوات كانت جموع الطلبة تهتف (ليُشْنق المرشد، ليمت خامنئي) وكتبت حينها كغيري أن (الحمم لم تزل في جوف البركان) وأن (المنتظَر ألا تكون مظاهرات الطلاب القادمة مجرد حركة احتجاجية عارضة؛ لأن وقود الثورة متوافر لها وبكثرة)، لكن ما كان في الماضي حبيس التكهنات، صار اليوم حقيقة؛ إذ كسرت تلك الاضطرابات كل البرامج الإيرانية الثورية، وجعلت رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام (رئيس مجلس الخبراء) يكرر تصريحاته المثيرة للجدل بأن (المهدي خرافة)، ونتيجةً لذلك فإن (الولي الفقيه) بدوره خرافة أخرى، وبناءً عليه؛ فإن إعلان رفسنجاني الولاء المطلق هو إعلان عن ولاء يخص المنافع الدنيوية من وراء هذا النظام القائم على التوازنات التي بلغت حدود التناقضات في الأزمة الأخيرة.
ما حقيقة جناحي المحافظين والإصلاحيين؟
في الواقع إن ما يحدث في إيران يخرج كثيراً عن رغبة فريقين في الحكم يُسمَّيان: (المحافظين والإصلاحيين)؛ فكلاهما في النهاية جزء من النظام وإن اختلفت الاتجاهات؛ فمنتهى طموح الشباب في الشارع الإيراني يتجاوز بكثير وعود الإصلاحيين (واستُخدم المصطلحان لاشتهارهما، وإلا فليس هؤلاء محافظين بالمعنى الإيجابي، ولا أولئك إصلاحيون بالمعنى الشرعي)، لكن من الغبن أن ننكر التغيُّر في المزاج السياسي المفضي إلى تغيُّر تابع في أفكار ورؤى الإصلاحيين.
والإصلاح لدى الساسة في إيران معناه تقييد ولاية الفقيه، وتعزيز العمل المؤسسي، ومنح قَدْرٍ من الحريات للأقليات والأعراق في إيران، ومزيد من ( الحرية) للمرأة بمفهومها الغربي.
وقد كانت فترة حكم خاتمي اختباراً لرغبة الإصلاحيين في تغيير وجه إيران وتعاملها مع الخارج، وقد أدت سياسة خاتمي إلى تطبيع علاقات الجمهورية مع معظم دول الاتحاد الأوروبي، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الكويت في العام 1999م، وفي تعزيز العلاقات مع السعودية وتوقيع اتفاقية أمنية معها، وتحسين العلاقات مع بقية دول الجوار، وإطلاق (حوار الحضارات)، وشَهدَتْ أيام حكمه قيام ثلثي أعضاء البرلمان الإيراني بإرسال خطاب إلى المرشد الأعلى ( علي خامنئي) أيدوا فيه فصل الدين عن الدولة، كما وقَّع نحو ‏250‏ مثقفاً إيرانياً على خطاب آخر يدعون فيه إلى إقامة نظام ديمقراطي على غرار النُّظُم الديمقراطية الغربية يسمح بمساءلة المسؤولين باعتبارهم أشخاصاً عاديين وليسوا فوق القانون‏.
لكن مساعي الرئيس السابق محمد خاتمي اصطدمت بصخرة المرشد عندما حاولت تقييد سلطاته، وهو ما أدى في النهاية إلى انزواء التيار الإصلاحي بعدما أطلق المحافظون حملتهم لإخراج الإصلاحيين من الحكم، ونجحوا بعد منع 1250 مرشحاً إصلاحياً من الترشح للبرلمان، وهو ما أدى في النهاية إلى مجيء نجاد في عام 2005م؛ لإعادة الهيبة إلى المرشد الأعلى، ولتقليم أظافر الإصلاحيين ولجم طموحاتهم، مع أن هذه الهيبة لم تعد في الواقع بعدما تنازع المحافظون والإصلاحيون والبرجماتيون للإفادة منها.
لم يتمكن علي خامنئي من إزاحة الإصلاحيين بقسوة هذه المرة في الانتخابات الرئاسية؛ لأن المِرْجَل الشعبي لا بد من فتح بعض صِمَاماته الشعبية من خلال بعض القوى الإصلاحية التي تنتمي روحياً إلى النظام، وتُعدُّ واحدة من إفرازاته.
ولم يتمكن من فرض نجاد مباشرة؛ حيث يقف رفسنجاني الرجل القوي في موقع معاكس له تماماً، ويأخذ رفسنجاني على عاتقه الثأر من هذا التلميذ النجيب لخامنئي الخادم له وفق ما تقتضيه المصلحة الدينية الافتراضية.
داهية عهد ما بعد الخميني!
رفسنجاني (تاجر الفستق، البرجوازي البرجماتي، داهية عَهْدِ ما بعد الخميني) لم يَعُد في وفاق منذ فترة مع المرشد الأعلى، وهو مستعد للذهاب بأي اتجاه حفاظاً على مصالحه وأسرته الثرية التي تتوسع استثماراتها في مزارع الفستق وتجني أرباحاً (ثورية) كبيرة تذهب بعضها إلى بنوك أوروبا، وهو القادر على اتخاذ سياسة ونقيضها متى كانت المصلحة في ذلك!!
بـ (كذبة بيضاء) وَضَعَ خامنئي في سُدَّة الولاية العظمى، بعدما قال لكبار المرجعيات: إن الخميني قد « أسَرَّ إليه بما يفيد بأن خامنئي هو خليفته » قبل وفاته برغم أن خامنئي لم يكن الأجدر علمياً بتولي المنصب ودونه منتظري وغيره، وبخفَّة سياسية لعب دوراً محورياً في ترجيح كفَّة خاتمي على نوري في انتخابات 1996 بعدما كان المرشد يدعم الأخير.
وردها له المرشد في انتخابات 2005م عندما زوَّر الانتخابات لمصلحة أحمدي نجاد، مثلما أفاد بذلك (راي تاكيه) في كتابه القيِّم (إيران الخفية) [4]، مطيحاً بسبعة ملايين صوت من رصيد رفسنجاني لحساب نجاد: قال خامنئي في الانتخابات الأخيرة: « ليس من المعقول أن يكون التزوير في 11 مليون صوت »، ثم عاد رفسنجاني ودعم موسوي الإصلاحي ليحشر خامنئي في زاوية الخضوع، وليبدأ مرحلة كسر عظام عتيدة، قد تظل لحين ملتحفة بعباءة الوحدة والوفاق بينما تضمر احتقاناً مرشحاً للانفجار في أي لحظة.
أسدى خامنئي لنجاد - الذي لن يعدو قدره في الحقيقة كتكنوقراطي غير معمَّم لا مطامع له في حكم إيران - من كرسي الولي الفقيه خدمةً عندما وضعه على سدة الرئاسة تحت لافتة محاربة الفساد، لكن نجاد جاء به (الفساد)، وشهد عهده تسخيناً غير مقبول داخلياً مع دول العالم المختلفة، في مقابل إخفاق كبير في التنمية ولجم الفساد الذي مسَّ وزراء نجاد أنفسهم وحاصرهم في أكثر من ملف لا سيما الأخلاقي كوزير الداخلية الإيراني ومسؤولي بلديتين أخريين.
هِياج نجاد الذي أُريد له أن يعزز من سلطة الولي الفقيه [5]، أوهنها، وفتح شهية كبيرة للإصلاحيين للجم المرشد، وكان من قَبلُ قد اضطر إلى الإفراج عن أكبر المراجع الدينية أهمية في إيران (حسين علي منتظري) الذي هو في الحقيقة أحق بالمنصب المهيمن في النظام السياسي الإيراني، كما فتح شهية مصباح يزدي - الزعيم الروحي لنجاد - للشراكة بالحكم عبر مجلس شورى للولي الفقيه برغم تدني شعبية يزدي مؤخراً، تَأثُّراً بأداء نجاد السياسي داخلياً، وخارجياً، وتأثُّراً بمواقفه وفتاواه المتشددة التي أوجبت قتل أدباء وصحفيين.
ثم مؤخراً نسبت إليه صحيفة (الكوياريه ديلاسيرا) الإيطالية (2009/6/ 13) عَبْرَ مصادر أمريكية لم تسمِّها فتوى بإباحة دم المرشَّحَين الرئاسِيَّيْن موسوي وكروبي!
مواقف نجاد، ومحازبيه أضعفت وضع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وعززت من حظوظ الإصلاحيين في الشارع الإيراني، لكن من يا تُرى هؤلاء الإصلاحيون؟ إن أبرزهم في الحقيقة هو موسوي أحد أبواق الثورة الأشداء خلال ترؤسه صحيفة متشددة (جمهوري إسلامي) إبان حكم الخميني؛ حيث دافع عن الثورة بمقالات قوية حينها، ورئيس وزراء إيران في أحلك أيام الثورة الدموية.
أما أبرز داعميه بعد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي؛ فهو رفسنجاني الذي رفض إيقاف الحرب العراقية الإيرانية، والمتهم بإدارة أموال الخمس لمصالحه وأولاده، والإفادة من الثورة لتحقيق ثروة، على حين كان نجاد ورفاقه يلعقون الدم على حدود العراق.
إن ما يمكن للمرء الخلوص إليه من قراءة المشهد السياسي في إيران، أن ثمة جناحين أو أكثر يحكمان النظام الإيراني، غير أن روافدهما الشعبية تختلف جذرياً عن مطامع الساسة الذين يديرون معارك النفوذ بطريقة عصيَّة على فهم البسطاء، وكلها بالتأكيد تحت ذرائع الحفاظ على الثورة، سواءٌ عبر تعزيز سلطتها أو تطوير وإصلاح أدائها، وفي النهاية يبقى الهمُّ الشعبي بعيداً نوعاً ما عمَّا يضمره الساسة ( معتدلوهم ومتشددوهم).
أما فيما يخص الشعوب الإسلامية خارج إيران؛ فأمور أخرى تخالف أحلام تجار الفستق والنفط والبازار الديني في قُمْ وطهران، وتتعلق بوضع الأقليات السُّنية والعربية في إيران بعد الأزمة، ومستقبل نشر التشييع حول العالم، والاختيار بين إمبراطورية علمانية في نهاية المطاف، أو إمبراطورية طائفية، وكلاهما تطمع فيما وراء الخليج العربي، ما بين الطاووس والعمامة، وكلاهما له رمزيته وتأثيره.
ستكون إيران - إصلاحية أو محافظة - دولة مؤثرة لها استراتيجيتها ومصالحها وتطلعاتها وأحلامها التي تصوغها بأي لغة تريد، لكنها ستكتب بها أجندتها على أي حال، وربما تقوى بـ (الإصلاح) أكثر من المحافظة على رتابة نظام الثورة الجاثم على صدور الإيرانيين، والتي تصرفت خلال السنوات الست الماضيات كإمبراطورية تتوسع أفقياً دون غطاء كثيف من الاقتصاد والعسكرية والسياسة؛ فخسرت كثيراً على الصعيد المعنوي، وانكشفت خارجياً كما انكشفت داخلياً، وباتت على مفترق خطير، واستحقاق مصيري.
بقي شخص لم يسقط سهواً من الحديث، هو الرئيس (الإصلاحي المعتدل) محمد خاتمي كأحد أكبر داعمي (الإصلاحي) موسوي، تذكَّروه جيداً، إنه الرجل الذي وقَّع مع الإدارة الأمريكية صك تدمير العراق...
اشتُهر كسرى أنوشروان بالحكمة والاعتدال وتحقيق العدل في مملكته، لكنه في سبيل تحقيق ذلك رفض العقيدة المزدكية وأعاد الزرادشتية للفرس، وأزهق ( في ضحوة واحدة - أرواح - مائة ألف زنديق - مزدكي - وصلبهم )[6]؛ فسمي لذلك أنوشروان أي الروح العالية!
تُرى هل كان أنوشروان إصلاحياً أم محافظاً؟
:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد) (http://www.albayan.co.uk/page.aspx?ID=182)


(1) اسم العملة الإيرانية.
(2) كتاب الوصية السياسية الإلهية، ص 27.
(3) بي بي سي 7/7/2000م.
(4) ص 59.
(5) ولاية الفقيه نظرية اخترعها الخميني وأسس بواسطتها ثورته عام 1979م وعارضها كثير
من علماء وآيات إيران وغيرها من علماء الشيعة ومنهم آية الله منتظري وآية الله طبطبائي القمي والعلامة موسى الموسوي من إيران ومحمد جواد مغنية ومحمد حسين فضل الله من لبنان، انظر: الحقيقة وولايه الفقيه ونقدها علمياً في كتاب (فقه ولاية الفقيه) لمحمد مال الله - البيان.
(6) ابن الأثير/الكامل ج 1 ص 336.


رابط :
http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2894

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 12:51 AM
النظام الإيراني والتقيّة الكبرى!
حامد خلف العُمري

ما إن بدأت الأوضاع في إيران تخرج عن سيطرة النظام الحاكم، وما إن شعر علي خامنئي باهتزاز كرسيه، نتيجة الزلزال الذي أحدثه ما ذُكر من التزوير الذي صاحب الانتخابات الرئاسية (والتي هي في حقيقتها لا تعدو كونها انتخابات لاختيار سكرتير المرشد) حتى لجأ النظام الإيراني إلى سلاحين من أَشْهَر أسلحته التقليدية.
الأول: سلاح الهراوة الغليظة لحدِّ القتل.
الثاني: سلاح (التقية السياسية) والرأي السياسي، وأعني: (الدخول في حرب تصريحات واتهامات مع الدول الغربية والدولة العبرية)؛ بهدف صرف أنظار الشعب عن أزمته التي يعيشها، وإشغاله بمعركة مُفتَعَلة، بُغْيَة إعادة توحيده ورصِّه من جديد خلف قائده الأعلى.
والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام الإيراني لهذه الاستراتيجية، بل إن تاريخه معها قديم قِدَم الثورة الخمينية!
وهو وإن فشل - إلى ساعة كتابة هذه السطور - في كتم صوت الشعب الهادر، إلا أنه لا زال يراهن على إقناعه بأن كل تلك المعارضات إنما هي؛ بسبب تدخُّل الدول الغربية والدولة العبرية في شؤونه الداخلية، ولكي تكتمل فصول المسرحية؛ فقد أعلنت القيادة الصهيونية (المستفيدة من تصريحات نجاد، والمقْتَاتة على مزاعمه بإزالتها من على الخريطة) تأييدها للثوار، بل صرحت بأنها ستسعى لإقامة علاقات دبلوماسية مع زعيمهم في حال فوزه.
ومن الواضح أن هذا الموقف الصهيوني يهدف إلى إضعاف جانب الثُّوار؛ لأن أي تأييد صهيوني لهم سيثير حولهم الكثير من الشبهات، ومن ثَمَّ سيُعزِّز من موقف خصومهم الذين يتهمونهم بالتآمر والتعاون مع الأعداء (المزعومين).
وبعيداً عن الأحداث الجارية في إيران؛ فإني أود أن أستعرض تاريخ النظام الإيراني التوسعي مع هذا النوع من (التقية السياسية) ومدى نجاحه في تسويقها والاستفادة منها.
وقبل أن أبدأ، فقد يكون من الموضوعي أن أُثبت أولاً (نظرية عدم صدق النظام الإيراني في عدائه للغرب والدولة العبرية)، بل وإثبات العكس، وذلك عبر شواهد وأدلَّة واقعية وتاريخية؛ حتى لا يبقى الكلام مجرد دعوى.
فمن الأدلة التاريخية، فضيحة (إيران جيت) الشهيرة، أو قصة التعاون العسكري بين إيران و أمريكا، والتي حدثت في ثمانينيات القرن الماضي.
فبينما كانت الحرب الكلامية بين البلدين في ذروتها، وبينما كان الخميني وأتباعه يصبُّون لعناتهم على ما يسمونه بـ (الشيطان الأكبر) كان الرئيس الإيراني (أبو الحسن بني صدر) يعقد اتفاقاً، في باريس مع نائب الرئيس الأمريكي (بوش الأب) وبحضور مندوب الموساد (آري بن ميناشيا) لتزويد إيران بأنواع متطورة من السلاح الأمريكي عن طريق الدولة الصهيونية؛ ليستخدمها الجيش الإيراني في حربه ضد العراق؛ وذلك مقابل مبلغ مقداره 410.217.100 دولار أمريكي، وقد كشفت الوثائق التي أفرج عنها أرشيف الأمن القومي الأمريكي بتاريخ 10/11/2006، تفاصيل مُهِمَّة حول هذه القضية.
ومن الأدلة كذلك ما صرح به نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية السابق، محمد علي أبطحي، في ختام مؤتمر « الخليج وتحديات المستقبل » والذي عُقِدَ في (أبو ظبي) بتاريخ 13/1/2004م؛ حيث قال بالحرف الواحد: « إن إيران قَدَّمَت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان و العراق، وإنه لولا التعاون الإيراني لَمَا سقطت كابول و بغداد بهذه السهولة ».
بل إنه قد يكون من المضحك أن تعلم أن القوات الأمريكية في العراق، هي مَنْ تولَّى حماية الرئيس الإيراني عند زيارته للعراق العام الماضي، من ساعة وصوله حتى مغادرته!
أما على صعيد علاقة إيران بالدولة الصهيونية، فيكفي ما صرح به وزير الخارجية في حكومة نتنياهو « ديفيد ليفي » حيث قال: (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام: إن إيران هي العدو) [1].
وكذلك ما أثبته شارون في مذكراته؛ حيث قال صراحةً: (لم أرَ في الشيعة أعداءً للدولة العبرية على المدى البعيد، عدونا الحقيقي هو المنظمات الإرهابية الفلسطينية) [2].
والحقيقة أن المجال لا يتسع لتَتَبُّع المزيد من الأدلة والوثائق أو التصريحات، وأظن أن من أراد ذلك فلن يصعب عليه؛ فهناك عشرات الوثائق والمقالات المنشورة، والتي تناولت هذا الجانب [3].
ومع ذلك فلا يزال بيننا من يعتقد بأن إيران هي حاملة راية الجهاد والمقاومة ضد أمريكا والدولة الصهيونية، والمصيبة أن ذلك ليس قاصراً على العوام، بل يتعداهم إلى طبقات من المثقفين! ويبقى السؤال: ما الذي يدفع إيران لتَصَنُّع العداء لتلك الدول؟ ولماذا لا تصرح بعلاقاتها معها، كما في عهد الشاه؟ ولماذا تبادلها تلك الدول تصريحات العداء الزائفة؟
لتَصَنُّع إيران العداوة للغرب أسباب:
يبدو - والله أعلم - أن في ظهور إيران كمقاوم لأمريكا أو الدولة العبرية، وكقائد لِمَا يسمى بمعسكر الممانعة مصلحة مشتركة لتلك الأطراف مجتمعة؛ لأن ذلك يحقق هدفين مزدوجين:
الأول: وهو ما يُعبِّر عنه بعضهم بالحاجة الوجودية للدولة العبرية؛ فمن المعلوم أن هذه الدولة تحب أن تبدو دائماً بمظهر الضعيف المحدق به الخطر والمحاط بسياج من الدول المعادية، ما يُمكِّنها من الحصول على مساعدات وأسلحة الدول الغربية الكبرى؛ وقد رأينا كيف تحالف العالم بأسره معها لمنع تهريب السلاح لحماس، ولذلك فهي - كما أشرت - تستغل تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين يتوعدون بإزالتها من الخريطة؛ لإقناع الرأي العام الغربي بحاجتها للدعم المستمر، وكذلك لجعله يتفهم ما تقوم به من أعمال إرهابية ضد المدنيين في فلسطين أو لبنان.
الثاني: وهو ما قد يخفى على الكثيرين من تلميع المذهب الشيعي وتسويقه؛ بهدف مزاحمة الإسلام السُّني غير المتفق مع المشروع الغربي، ويتم ذلك عَبْر تقديم المذهب الشيعي كمذهب يقوم في الأساس على مبدأ الثورة والمقاومة للعدو دون مواربة، وقد لمسنا تأثُّر الكثير منا - ولا أقصد العوام فقط - بخطابات حسن نصر الله و محمود أحمدي نجاد النارية والمتكررة ضد العدو الصهيوني!
وهذا الهدف يندرج تحت الهدف الأمريكي الأكبر الساعي إلى إحداث نوع من التوازن بين قوى المنطقة، واستخدامها كأدوات لضرب بعضها ببعض، وقد كان من آثار هذا الهدف إطلاق أمريكا يد إيران في العراق؛ بسبب وجود أكثرية سُّنية تسعى أمريكا للحد من حجمها، بينما نراها تكفُّ نفس اليد في لبنان؛ لضعف أهل السُّنة هناك، ولموالاة قياداتهم لأمريكا.
ولا تزال الوقائع تؤكد لنا أن العداء الإيراني لأمريكا والدولة العبرية يبقى في أكثره مجرد تصريحات وتهديدات فارغة لا يسندها أي تحرك حقيقي، عدا ما يكون من مناورات تكتيكية، وأعني بالتحديد مواجهات حزب الله مع الدولة الصهيونية، والتي ثبت أنها مواجهات تكتيكية مُقنَّنة ومرتبطة بالحسابات الإيرانية فحسب، وليس من ورائها أيُّ نصر للأمة، وإلا فما تفسير تَفرُّج حزب الله على ما حدث في غزة إبَّان العدوان الصهيوني الأخير عليها، بل والمسارعة في نفي تورطه في عمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان؟
ويدرك المتتبع لاستراتيجيات هذا التنظيم، أنه إنما أريد له أن يوجد في جنوب لبنان كبديل للميليشيات النصرانية التي فشلت في الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية في لبنان؛ لأنه أقدر على منع الفصائل الفلسطينية المسلحة من الوصول إلى نقاط التماس مع العدو.
أليست إيران داعمة للجهاد والمقاومة الفلسطينية؟
ولسائل أن يسأل ذلك السؤال.
فأقول: إن ما نشاهده من احتفاء إيران بقيادات حماس وفَتْح أذرعتها لقادة الجهاد في فلسطين، لا يعدو - فيما أحسبه - سوى أنه مناورة وتقية سياسية أخرى!
أحسب أن الإخوة في حماس أذكى من أن تنطلي عليهم؛ فإيران لا تعطي شيئاً لوجه الله، ومَنْ قتل الفلسطينيين وشرَّدهم في العراق وألجأهم إلى ترك بيوتهم والعيش في العراء، لا يمكن أن يرحمهم في فلسطين!!
ولو كانت إيران صادقة في دعمها لحماس، لأنفذت وعدها الذي قطعته إبان فوز حماس بالانتخابات، والمتمثل في إعطائها مبلغ خمسين مليون دولار.
ويبقى أن الذي أعطى الفرصة كاملة لإيران للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وتَزَعُّم الساحة الإسلامية، إنما هو الموقف العربي السلبي تجاه المقاومة وتراجع الدور الريادي لبعض الدول العربية.
تساؤلات مشروعة تفرض نفسها:
ولتتأكد أخي القارئ الكريم من أن العلاقة بين أمريكا أو الدولة الصهيونية وإيران إنما هي علاقة تعاون استراتيجي وليس العكس؛ فإني أسوق هنا بعض التساؤلات التي أتمنى منك أن تتأمل فيها بموضوعية:
1 - كم عدد الحروب التي اندلعت بين إيران وأمريكا أو الدولة الصهيونية منذ انطلاق الثورة حتى الآن؟
2 - هل حدث أن استُهدِفَت مواقع استراتيجية إيرانية على غرار ما حدث للمفاعل العراقي؟ الواقع يشهد أن أمريكا إنما خاضت الحروب ضد أعداء إيران التاريخيين:
- أفغانستان التي ما زالت مشاعر الغضب الطائفي والعنصري الإيراني تتأجج ضدها؛ بسبب عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان الغلزائين ( 1722 - 1729م).
- والعراق الذي تصدى للزحف الصفوي الجديد بقيادة الخميني.
بينما بقيت إيران في مأمن بفضل قدرتها على الاستفادة من نقاط الالتقاء بين مشروعها التوسعي والمشروع الأمريكي، تلك النقاط التي خرجت إدارة أوباما الجديدة ببعضها إلى العلن، عبر اجتماعات تنسيق المواقف ضد طالبان!
أمَّا ما يربط إيران بالدولة الصهيونية تحديداً؛ فهناك مَنْ يرى أنه أبعد من تاريخ تأسيس الدولتين؛ إذ لا يزال اليهود يشعرون بالمنَّة التاريخية للفرس.
وذلك؛ بسبب تخليص القائد الفارسي (قورش) لليهود من السبي البابلي، ولقد وُجدت منظمات شبابية يهودية في طهران تحت اسم « قورش الكبير »، ويمكن اعتبار مرحلة حُكْم الشاه بأنها الفترة التي شهدت أكبر وضوح لطبيعة العلاقة بين إيران والدولة الصهيونية، قبل انطلاق « التقيَّة » أو الثورة الخمينية التي لم تغيِّر في حقيقة العلاقة الشيء الكثير.
والغريب أن يكون اليهود الفرس هم الأكثر سفكاً لدماء الفلسطينيين من غيرهم فنائب رئيس الحكومة الصهيونية « شاؤول موفاز » صاحب الخطة العسكرية لمواجهة الانتفاضة، والتي كانت نتيجتها مجزرة نابلس و جنين هو يهودي فارسي من مواليد طهران عام 1948، وقد هاجرت أسرته إلى فلسطين عام 1957، و « دان حالوتس » رئيس القوات الجوية الصهيونية السابق والملقب بـ « جنرال الاغتيالات » والذي كانت أبشع مجازره في يوليو 2002م حينما أعطى أوامره بقصف مبنىً سكني؛ لاغتيال أحد قادة حركة حماس.
واستشهد في تلك المجزرة 14 مدنياً بينهم 9 أطفال، ينتمي هو الآخر لعائلة يهودية مهاجرة من « هاجور » الإيرانية.
ختاماً:
مع تأكُّدي من أنه لا يوجد عداء حقيقي (أيديولوجي) بين إيران وتلك الدول ( بل لا يوجد في أدبيات المذهب الاثنى عشري ما يحث عليه!) فإني لا أستطيع نفي وجود بعض الخلافات المصلحية، أو خلافات التنافس على مناطق النفوذ، وهذا النوع من الخلاف يمكن أن تَحُلَّه الصفقات السياسية، بعكس الخلاف ( الأيديولوجي) الذي لا يمكن للصفقات السياسية إنهاؤه، وهذا ينسحب أيضاً على خلافات التيارات المنبثقة عن هذين المشروعين والموجودة في عالمنا العربي وخاصة في دول الخليج، ولذلك من السهولة عليك ملاحظة التعاون والتنسيق بين التيارات التغريبية والطائفية في تلك البلدان ضد التيارات السُّنية، وخاصة ( السلفي).
ويبقى السؤال:
هل سينجح نظام الملالي التوسعي في خديعة شعبه هذه المرة، كما خدعه من قَبْل، وكما خدع الكثير من العرب العاطفيين؟ أم أن الشعب الذي يعيش منه ما يقارب الأربعة عشر مليون شخص تحت خط الفقر - بحسب تقرير للبنك المركزي الإيراني -، والذي ملَّ من إهدار ثرواته على مشاريع أصحاب العمائم التوسعية، سيقول كلمته؟



(1) جريدة هآرتس اليهودية 1/6/1997م.
(2) « مذكرات شارون، ترجمة أنطوان عبيد - ص 576 ».
(3) انظر على سبيل المثال: « قصة التعاون الإيراني الإسرائيلي »، عز الدين بن حسين القوطالي.



http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2895

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 12:54 AM
انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها(2/1)
خالد بن محمد حامد


(تقديس القبور والأضرحة) مفهوم لم يعرفه الإسلام ولو في إشارة يسيرة، بل جاءت نصوصه الثابتة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تفضي إلى ذلك المفهوم الذي يمثل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك؛ فمن الأقوال القاطعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يدع مجالاً لتوهم نسخ أو تخصيص أو تقييد ما جاء عنه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) [1] ، وعنه: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [2] .. هذا في قبره الشريف وفي كل قبر، وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته) [3]، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن (يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) وفي زيادة صحيحة لأبي داود: (أو أن يكتب عليه) [4] .. ولعن (المتخذين عليها [أي القبور] المساجد والسُرج) [5] .
من النور إلى الظلمات:
وعلى ذلك سار سلفنا الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان (ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام، لا في الحجاز، ولا اليمن، ولا الشام، ولا العراق، ولا مصر، ولا خراسان، ولا المغرب، ولم يكن قد أحدث مشهد، لا على قبر نبي، ولا صاحب، ولا أحد من أهل البيت، ولا صالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدَثة بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس، وتفرقت الأمة، وكثر فيهم الزنادقة الملبّسون على المسلمين، وفشت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك من دولة المقتدر في أواخر المئة الثالثة؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القدّاحية في أرض المغرب، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر) [6].
(ولم يكن في العصور المفضلة (مشاهد) على القبور، وإنما كثر بعد ذلك في دولة بني بويه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، وكان بها زنادقة كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في بني بويه من الموافقة لهم على بعض ذلك. ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم، فبنوا المشاهد المكذوبة كمشهد علي -رضي الله عنه- وأمثاله...) [7].
(... وفي دولتهم أُظهر المشهد المنسوب إلى علي -رضي الله عنه- بناحية النجف، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي - رضي الله عنه- بقصر الإمارة بالكوفة) [8] .
فعندما بدأت المحدَثات تدب في حياة المسلمين، كان منها ذلك الأمر الجلل (فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد وتعطيل المساجد... ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى صنف كبيرهم (ابن النعمان) كتاباً في (مناسك حج المشاهد) وكذبوا فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه، وغيروا ملته، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب) [9].
الرواد الأوائل:
وعلى ذلك يتضح أن الذين بذروا بذورَ شرك القبور كانوا رافضة، وهذا ما تؤكده لنا عالمة الآثار الدكتورة سعاد ماهر فهمي عندما تسرد أوائل الأضرحة ذات القباب، فتقول: (.. ويليها من حيث التاريخ: ضريح إسماعيل الساماني [10] المبني سنة 296 هـ في مدينة بخارى، ثم ضريح الإمام علي - رضي الله عنه - في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ، ثم ضريح محمد بن موسى في مدينة قم بإيران سنة 366 هـ، ثم ضريح (السبع بنات) في الفسطاط سنة 400هـ، وقد احتفظت لنا جبّانة أسوان بمجموعة كبيرة من الأضرحة ذات القباب التي يرجع تاريخ معظمها إلى العصر الفاطمي في القرن الخامس الهجري) [11].
فبدايات تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة ارتبطت تاريخياً بأسماء: القرامطة، وبني بويه، والفاطميين (العبيديين)، والسامانيين، والحمدانيين... وجميعهم روافض وإن تفاوتوا في درجة الغلو [12] .
على أن الدكتورة سعاد ماهر تذكر لنا (أن أقدم ضريح في الإسلام أقيمت عليه قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري، وقد عُرف هذا الضريح باسم (قبة الصليبية)، ويوجد في مدينة سامرّا بالعراق على الضفة الغربية لنهر دجلة إلى الجنوب من قصر العاشق...، ويقول الطبري: إن أم الخليفة العباسي استأذنت في بناء ضريح منفصل لولدها فأذن لها؛ إذ كانت العادة قبل ذلك أن يدفن الخليفة في قصره، فأقامت قبة الصليبية في شهر ربيع الثاني سنة 284هـ، وقد ضم الضريح إلى جانب المنتصر الخليفة المعتز والمهتدي، وتعتبر قبة الصليبية [13] أول قبة في الإسلام) [14] .
ولكن الدكتورة سعاد تذكر لنا الأضرحة (ذات القباب) فقط، ولا ندري هل كانت قبل قبة الصليبية أضرحة أخرى ليست ذات قباب أم لا؟
عانق الجبت مع الطاغوت:
على أن الذي يعنينا في هذا المقام هو أن (تقديس القبور والأضرحة) أمر حادث في الإسلام، وإحداثه لم يرتبط بأهل التقوى والعلم، بل ارتبط بأصحاب الدعوات الهدامة وأهل السلطان، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل ذلك في قوله تعالى عن أصحاب الكهف: { قَالَ الَذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً } [الكهف: 21] فالذين أرادوا اتخاذ مسجد على قبور الفتية هم أهل الغلبة.
ولعلنا نلمح أن في ذلك جنساً من اتباع سَنَن من كانوا قبلنا في تعانق الجبت مع الطاغوت عند حدوث الانحراف العقدي، وذلك كما في قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ.. } [النساء: 51]؛ حيث يتآزر دعاة الأوهام والخرافة مع أصحاب الطاعة والتشريع من دون الله، ويتبادلون الأدوار أحياناً، فتجد الكهان والمنجمين والسحرة يطلبون الطاعة ممن يؤمن بخرافاتهم ويحلون له الحرام، ويُحرمون عليه الحلال، كما أنهم يمدون أصحاب السلطان والطاعة بالشرعية التي هم في حاجة إليها، وتجد أصحاب السلطان ممن يُطاعون في معصية الله يستشيرون الخرافيين ويقربونهم ويفسحون المجال للترويج لبدعهم بين الناس.. ولا شك أن لكل ذلك أثراً في الواقع.
دينهم وديدنهم:
كما أن مكانة القبور والأضرحة (المقدسة)! غير قابلة للمساومة في دين الرافضة؛ فطائفة البهرة الإسماعيلية (من غلاة الرافضة) ذات نشاط واسع في عمارة وتجديد المساجد ذات الأضرحة بحجة الاهتمام بالعمارة الإسلامية، وبخاصة في مصر... والقبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير في دمشق وهو القبر المنسوب إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ما زال مكتوباً عليه إلى الآن: قام بعمارة البناية الضخمة عليه والمسجد حولها والقبة المزخرفة:
محمد بن حسين نظام وأولاده من طائفة الشيعة [15] .
وأيضاً فإن أصحاب الأضرحة الكبرى ممن ينسب إلى التصوف هم في الحقيقة من غلاة الشيعة الباطنية؛ حيث (من العراق انطلق أحد أتباع الرفاعي إلى مصر، وهو (أبو الفتح الواسطي) (جد إبراهيم الدسوقي) لنشر دعوتهم الباطنية بها، وقد كان ذلك في العهد الأيوبي، وبعد موت الواسطي جاء (البدوي) ليخلفه في دعوته تلك، وقد توزع هؤلاء الدعاة في مصر، فكان (الدسوقي) بدسوق و (أبو الحسن الشاذلي) بالإسكندرية، و (أبو الفتح الواسطي) ما بين القاهرة وطنطا والإسكندرية، ولما مات الواسطي حل محله البدوي بطنطا، وجميعهم من فلول العبيديين الذين طردهم صلاح الدين الأيوبي من مصر، ثم حاولوا العودة تحت ستار التصوف والزهد... كما أن كلاّ من ابن بشيش وابن عربي قد تتلمذا على يد (أبي مدين) بالمغرب) [16] .
(وفي أواخر عهدهم أنشأ الفاطميون المشهد الحسيني عام 550هـ عندما شعروا بأن سلطتهم قد ضعفت ليجذبوا إليهم المصريين، وعهدوا إلى ابن مرزوق القرشي (564هـ (تربية مريدي الصوفية، فانتظم أتباعه في طوائف وطرق لنشر الدعوة الشيعية؛ إلا أن هذه التنظيمات انهارت بانهيار الدولة الفاطمية وتحول المشهد الحسيني إلى ضريح صوفي) [17] .
والحاصل: أن تقديس القبور وزيارة المشاهد تقليد شيعي في نشأته، فالشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور؛ حيث تتبعوا أو زعموا قبور من مات قديماً ممن يعظمونهم من آل البيت، وراحوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد ومزارات، ثم جاء الصوفية فنسجوا على هذا المنوال، فجعلوا أهم مشاعرهم هو زيارة القبور وبناء الأضرحة والطواف بها والتبرك بأحجارها، والاستغاثة بالأموات [18] .
الحاجة أمّ الاختراع:
وأصبح تقديس القبور والأضرحة لازماً من لوازم الطرق الصوفية؛ بحيث لا يتصور أحد وجود طريقة صوفية من غير ضريح أو أكثر تقدسه.. ومع تمكن الداء من جسد الأمة ظهرت (الحاجة) إلى تعدد الأضرحة والمزارات لتلبي رغبات من صرعتهم الأوهام، وضاق بالقبوريين أن يتحروا ثبوت قبور الأولياء المشهورين لدى جمهورهم، ولأن الحاجة أُمّ الاختراع كما يقال فقد وجدوا لهذه الأزمة بعض المخارج والحيل:
- فظهر ما يسمى بأضرحة الرؤيا، تقول الدكتورة سعاد ماهر: (ظهر في العصور الوسطى وخاصة في أوقات المحن والحروب التي لا تجد فيها الشعوب من تلوذ به غير الواحد القهار أن يتلمسوا أضرحة آل البيت والأولياء للزيارة والبركة والدعاء ليكشف الله عنهم السوء ويرفع البلاء، ومن ثم: ظهر ما يعرف بأضرحة الرؤيا، فإذا رأى ولي من أولياء الله الصالحين في منامه رؤيا مؤداها أن يقيم مسجداً أو ضريحاً لأحد من أهل البيت أو الولي المسمى في الرؤيا فكان عليه أن يقيم الضريح أو المسجد باسمه) [19] .
وتلك كانت الدعوى نفسها التي أقيمت عليها (مزارات الشهداء) عند النصارى (وكان ذلك إبان القرن الخامس الميلادي؛ حيث أصبح لكل قرية مزار لشهيد يحوي عظاماً لبعض الموتى المجهولين، أخرجت من القبور، ومنحت كل التبجيل والاحترام، دون أدنى دليل يثبت أنها على الأقل بقايا مسيحيين، ويُخلع على هذه الرفات أسماء وألقاب لائقة، وفي حالات كثيرة كان المرجع الوحيد في هذا الشأن (حلم) أو (رؤيا) لكاهن أو راهب) [20] .
وعلى ذلك لا يلزم أن يكون الولي المقام الضريح باسمه ثبت وجوده في ذلك المكان، بل لا يلزم أن يكون وطئت قدمه أرض تلك البلاد أصلاً، ومن هنا ظهرت أضرحة مزعومة ومكذوبة في طول البلاد وعرضها، وتعددت الأضرحة للولي الواحد في أكثر من قُطْر، ولتسويغ ذلك الخطل نسجوا خرافة واضحة الزور والبهتان، فقالوا: إن الأرض لأجسام الأولياء كالماء للسمك، فيظهرون بأماكن متعددة ويزار كل مكان قيل عنه إنه فيه نبي كريم أو ولي عظيم [21].
- ومن الحيل الرائجة لإقامة ضريح أو مشهد: نسج الكرامات حول الشخص المزعوم بأنه ولي، أو حول المكان المزعوم بأنه مكان قبر ولي.
فمما ينسج حول الأشخاص: ما حدث مع (الشيخ) صالح أبي حديد الذي كان وبعض صحبه من قطاع الطريق، وحين كشف أمره هرب ولجأ إلى بيت مغنية مشهورة، فأخفته وادعت أنه مجنون ووضعت في رجليه قيداً من حديد، وقد اعتقل لسانه من شدة الخوف، ثم أشاعت هي والمجتمعون من حوله أن له كرامات وإخباراً بالمغيبات، فأقبل عليه الناس بالهدايا والنذور حتى ذاع صيته، وزاره الخديوي إسماعيل واستبشر به وبنى له قبراً بقبة عالية بعد وفاته ووقف عليه الأرض وغيرها[22] .
ومن ذلك: مسجد في حلب يعرف بمسجد العريان، يعتقده أهل المحلة الموجود بها، ويقولون: إنه عرف بالعريان؛ لأنه في أكثر أوقاته يتجرد من ثيابه، ويدّعون أن ذلك لغلبة الحال عليه [23] .
الواقع الأليم.. شبكة أضرحة:
ولغفلة جموع كثيرة من الأمة عن حقيقة دينها فقد أنبتت هذه الجذور شبكة واسعة من القبور والأضرحة (المقدسة) عمت معظم أنحاء العالم الإسلامي، بل إن بعض الباحثين يقدر عدد الأضرحة في القطر الذي يعيش فيه بما لا يقل عن عدد المدن والقرى في هذا القطر، حيث يقول: (وأضرحة الأولياء التي تنتشر في مدن مصر ونحو ستة آلاف قرية: هي مراكز لإقامة الموالد للمريدين والمحبين، ويمكننا القول: إنه من الصعب أن نجد يوماً على مدار السنة ليس فيه احتفال بمولد ولي في مكان ما بمصر) [24]، بل أصبحت القرى التي تخلو من الأضرحة مثار تندر وتهكم سدنة الأضرحة، فقد ذكر الدكتور زكريا سليمان بيومي أن من القرى التي تخلو من أضرحة الأولياء: (بِيّ العرب) و (أبو سنيطة) و (ميت عفيف) وهي جميعاً مركز الباجور منوفية، وأطلق المشايخ أمثلة شعبية على بخل هذه القرى وخلوها من البركة ما زالت سارية بين الناس حتى الآن! [25] .
ولكي ندرك حجم المأساة أكثر سنورد بعض ما تيسر من نماذج توضح حجم انتشار هذه الأضرحة في بعض بقاع العالم الإسلامي، وبالطبع، فليس من بلد به ضريح إلا وله مريدون ممن يعتقدون فيه..
فمن بين ألوف الأضرحة المنسوبة إلى الأنبياء والصحابة والأولياء في العالم الإسلامي يشتهر في مصر من بين أكثر من ستة آلاف ضريح (على تقدير من أشرنا إليهم (أكثر من ألف ضريح [26] ، (ويذكر صاحب الخطط التوفيقية علي باشا مبارك أن الموجود في زمنه في القاهرة وحدها مئتان وأربعة وتسعون ضريحاً) [27]، أما خارج القاهرة فيوجد (على سبيل المثال في مركز فوّة.. (81) ضريحاً، وفي مركز طلخا (54)، وفي مركز دسوق (84)، وفي مركز تلا (133)، وهي الأضرحة التابعة للمجلس الصوفي الأعلى، بخلاف الأضرحة التابعة للأوقاف أو غير المقيدة بالمجلس الصوفي) [28] كما يوجد في أسوان أحد المشاهد يسمى مشهد (السبعة وسبعين ولياّ) [29] .
وتنقسم الأضرحة إلى كبرى وصغرى، وكلما فخم البناء واتسع وذاع صيت صاحبه زاد اعتباره وكثر زواره. فمن الأضرحة الكبرى في القاهرة: ضريح الحسين، وضريح السيدة زينب، وضريح السيدة عائشة، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح الإمام الشافعي، وضريح الليث ابن سعد... وخارج القاهرة تشتهر أضرحة: البدوي بطنطا، وإبراهيم الدسوقي بدسوق، وأبي العباس المرسي بالإسكندرية، وأبي الدرداء بها أيضاً، وأبي الحسن الشاذلي بقرية حميثرة بمحافظة البحر الأحمر، وأحمد رضوان بقرية البغدادي بالقرب من الأقصر، وأبي الحجاج الأقصري بالأقصر أيضاً، وعبد الرحيم القنائي بقنا...
أما في الشام فقد أحصى عبد الرحمن بك سامي سنة (1890م) في دمشق وحدها 194ضريحاً ومزاراً، بينما عد نعمان قسطالي المشهور منها 44 ضريحاً، وذكر أنه منسوب للصحابة أكثر من سبعة وعشرين قبراً، لكل واحد منها قبة ويزار ويتبرك به.
وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية كان يوجد 481 جامعاً يكاد لا يخلو جامع فيها من ضريح، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب إلى أبي أيوب الأنصاري في الآستانة (القسطنطينية).
وفي الهند يوجد أكثر من مئة وخمسين ضريحاً مشهوراً يؤمها الآلاف من الناس.
وفي بغداد كان يوجد أكثر من مئة وخمسين جامعاً في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وقلّ أن يخلو جامع منها من ضريح، وفي الموصل يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة [30] .
وفي معظم مناطق أوزبكستان كثير من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة والمشائخ ورجال العلم والأولياء، وأصبحت هذه القبور مزارات يفد إليها مريدوها جماعات وأفراداً، يدعون ويبكون، ومن أهم تلك المزارات ضريح قثم بن العباس ابن عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سمرقند، وضريح الإمام البخاري في قرية خرتنك [31] .
بين الحقيقة والوهم:
وإذا كان ذكر أسماء الأضرحة المشهورة في العالم الإسلامي قد يشق على المتابع فسنذكر هنا طرفاً من الأضرحة المكذوبة والمشكوك في نسبتها: فضريح الحسين بالقاهرة (كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم) [32]، (فإنه معلوم باتفاق الناس: أن هذا المشهد بني عام بضع وأربعين وخمسمئة، وأنه نقل من مشهد بعسقلان، وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمئة.. فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين - رضي الله عنه- قول بلا حجة أصلاً..) [33] .
وقد ورد عن المشائخ: ابن دقيق العيد وابن خلف الدمياطي وابن القسطلاني والقرطبي صاحب التفسير وعبدالعزيز الديريني إنكارهم أمر هذا المشهد، بل ذكر عن ابن القسطلاني أن هذا المشهد مبني على قبر نصراني [34] .
وإضافة إلى مشهدي عسقلان والقاهرة هناك ضريح آخر في سفح جبل الجوشن غربي حلب ينسب إلى رأس الحسين -رضي الله عنه- أيضاً، وهو من أضرحة الرؤيا، وكذلك توجد أربعة مواضع أخرى يقال إن بها رأس الحسين: في دمشق، والحنانة بين النجف والكوفة، وبالمدينة عند قبر أمه فاطمة رضي الله عنها، وفي النجف بجوار القبر المنسوب إلى أبيه -رضي الله عنه-، وفي كربلاء حيث يقال: إنه أعيد إلى جسده [35] .
ورغم أن المحققين يقولون إن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع، إلا أن القبر المنسوب إليها والذي أقامه الشيعة في دمشق هو (القبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير إليه...) [36] .
ولا يقل عنه جماهيرية ذلك الضريح المنسوب إليها في القاهرة، والذي لم يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل محمد علي باشا بسنوات معدودة كما يذكر أحمد زكي باشا [37] ، ويقول علي مبارك في الخطط التوفيقية: (لم أرَ في كتب التاريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات)[38] .
وأهل الإسكندرية بمصر يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن أبا الدرداء مدفون في الضريح المنسوب إليه في مدينتهم، ومن المقطوع به عند أهل العلم أنه لم يدفن في تلك المدينة [39] .
ومن أضرحة الرؤيا: مشهد السيدة رقية بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالقاهرة، أقامته زوجة الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، وذلك بلا خلاف [40]، ومنها كذلك: ضريح السيدة سكينة بنت الحسين ابن علي رضي الله عنهم [41]، ويذكر المقريزي في خططه (2/45) جملة من الأضرحة المزعومة، منها: (قبر في زقاق المزار تزعم العامة ومن لا علم عنده أنه قبر يحيى بن عقب، وأنه كان مؤدباً للحسين بن علي بن أبي طالب، وهو كذب مختلق وإفك مفترى، كقولهم في القبر الذي بحارة برجوان إنه قبر جعفر الصادق، وفي القبر الآخر إنه قبر أبي تراب النخشبي... إلى غير ذلك من أكاذيبهم) [42] .
ومن أشهر الأضرحة أيضاً: ضريح الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنجف بالعراق، وقد مرّ بنا سابقاً كلام ابن تيمية رحمه الله من أنه قبر مكذوب، وأن علياً -رضي الله عنه- دفن بقصر الإمارة بالكوفة [43] .
وفي البصرة عدد من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة منها: قبر عبد الرحمن بن عوف رغم أنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع[44] .
وفي بلدة الرها من أعمال حلب ضريح يقال إنه لجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما مع أن جابراً توفي في المدينة[45] .
وفي مدينة نصيبين بالشام (حالياً بجنوب تركيا) قبة يزعمون أنها لسلمان الفارسي، مع أنه -رضي الله عنه- مدفون في المدائن [46] .
ويضيف ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال: إنه قبر أُبَيّ بن كعب، وقد اتفق أهل العلم على أن أبيّاً لم يقدم دمشق، وإنما مات بالمدينة، فكان بعض الناس يقول: إنه قبر نصراني، وهذا غير مستبعد... فلا يستبعد أنهم [اي: النصارى] ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر من يعظمه
المسلمون ليوافقوهم على تعظيمه) [47] .. وما لم يستبعده رحمه الله حدث مثله في العصر الحاضر (ففي الجزائر كان الشعب هناك يؤم ضريحاً في بعض المناطق الشرقية ويتبرك بأعتابه، ثم اكتُشف أن هذا القبر كان لراهب مسيحي، ولم يصدق الناس ذلك حتى عثروا على الصليب في القبر) [48] .
وفي دمشق أيضاً: قبور منسوبة إلى أمهات المؤمنين: عائشة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة رضوان الله عليهن مع أنهن مدفونات بالمدينة المنورة، وفيها كذلك قبر لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع أنها ماتت في مكة بعد مقتل ولدها عبد الله بن الزبير بأيام قليلة [49] .
وينسب الناس في الشام قبراً إلى (أم كلثوم) و (رقية) بنتي رسول الله (وقد اتفق الناس على أنهما ماتتا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة تحت عثمان، وهذا إنما هو بسبب اشتراك الأسماء؛ لعل شخصاً يسمى باسم من ذكر توفي ودفن في موضع من المواضع المذكورة، فظن الجهال أنه أحد من الصحابة) [50] ، (ومنها (قبر خالد) بحمص، يقال: إنه قبر خالد بن يزيد بن معاوية...، ولكن لما اشتهر أنه خالد، والمشهور عند العامة خالد بن الوليد: ظنوا أنه خالد بن الوليد، وقد اختلف في ذلك: هل هو قبره أو قبر خالد بن يزيد) [51].
ولعل لهذا السبب أيضاً وجد ضريح (سيدي خالد بن الوليد) بكفر الحما مركز أشمون منوفية بمصر، وضريح (الشيخ عمار بن ياسر) بناحية بني صالح تبع مركز الفشن [52] .
انفراط العقد:
وفي دمشق كذلك ضريح يدعي الناس أنه لرأس يحيى بن زكريا عليهما السلام يقع في قلب المسجد الأموي، وله قبة وشباك، وله نصيبه من التمسح والدعاء، وبجانب المسجد الأموي قبر القائد صلاح الدين الأيوبي، وإلى جانبه في القبة قبر عماد الدين زنكي، وقبور أخرى تزار ويتوسل بها... وفيها قبور أخرى كثيرة كقبر زيد بن ثابت، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، والراجح أنه قبر معاوية بن يزيد بن معاوية، أما قبر معاوية الصحابي فقيل إنه بحائط دمشق الذي يقال إنه قبر هود عليه السلام، وفي دمشق أيضاً قبور كثير من التابعين والقواد العظماء، ومعظم ما يقال عن هذه القبور تخرصات و تكهنات معظمها من وضع الشيعة والصوفية، وإلا فليس هناك دليل مادي يثبت قبر كل فرد بعينه [53] .
وإضافة إلى ضريح دمشق المنسوب ليحيى بن زكريا عليهما السلام فإن له مزاراً آخر في صيدا جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر، وله أيضاً مقام ثالث في الجامع الأموي بحلب؛ حيث توجد حجرة تعرف بـ (الحضرة النبوية) يقال إن بها رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام في صندوق جرن، وقيل إن بها عضواً من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام في صندوق مرمر [54].
وفي حلب أيضاً:(مسجد يعرف بمسجد النبي، منسوب إلى نبي يدعى كالب بن يوفنا من سبط يهوذا) [55].
ونحو الجنوب إلى معان بشرقي الأردن يوجد مزار النبي هارون، ولا يوجد عند أهل هذه الناحية مقام أشد إكراماً ولا أوفر آياتٍ منه!، كما يوجد في شرقي الأردن أيضاً مقام النبي هوشع (يوشع) على قمة جبل بالقرب من السلط، وهو مبني بحجارة قديمة يرتئي الباحثون أن أكثرها يرتقي إلى عهد الصليبيين!، كما يوجد في غربي الكرك مزار النبي نوح، وفي بادية البلقاء وموآب يوجد مقام (الخضر الأخضر) [56] .
كما يوجد ضريح آخر للخضر عليه السلام في مغارة بمعرة النعمان بشمال سورية بالشام، ويوجد بها كذلك ضريح آخر ليوشع عليه السلام، وفي معرة النعمان أيضاً يوجد ضريح شيث عليه السلام، مع أن هناك جامعاً كبيراً في الموصل يسمى بجامع النبي شيث داخله ضريح يعتقد الناس أنه مدفون فيه، ولم يكن هذا القبر معروفاً قبل القرن الحادي عشر للهجرة، حيث رأى أحد ولاة الموصل في ذلك القرن مناماً يدل على موضع القبر، فبنى الضريح [57] .
ومن المقابر المكذوبة باتفاق أهل العلم القبر المنسوب إلى هود عليه السلام بجامع دمشق، فإن هوداً لم يجئ إلى الشام [58] . وهناك قبر منسوب إليه في حضرموت، وفي حضرموت أيضاً قبر يزعم الناس أنه لصالح عليه السلام، رغم أنه مات بالحجاز، وله أيضاً عليه السلام قبر في يافا بفلسطين، التي بها كذلك مزار لأيوب عليه السلام [59] .
ويونس عليه السلام له ضريح في بلدة حلحول بفلسطين، وضريح آخر بقرية نينوى قرب الموصل بالعراق، وثالث في غار بضيعة قرب نابلس بفلسطين، وكلها يُدّعى أن فيها قبره عليه السلام [60] ، وفي نابلس أيضاً ضريح الأسباط إخوة يوسف عليه السلام، وله عليه السلام قبر في مسجد الخليل بمدينة الخليل بفلسطين، وفي المسجد نفسه ضريح إبراهيم عليه السلام، وكذا: أضرحة تنسب إلى إسحاق ويعقوب عليهما السلام [61] .
ورغم وجود مزار لداود عليه السلام في قضاء كلّز من أعمال حلب بسورية، إلا أن له مزاراً آخر في جنوب غرب صيدا بلبنان، التي في جانبها الشرقي مزار شمعون يزعم الناس أنه من أنبياء بني إسرائيل، وله نفسه مزار آخر في قضاء كلّز أيضاً، وفي صيدا أيضاً مزار (صيدون) يزعم الناس أيضاً أنه من أنبياء بني إسرائيل [62] .
وذكر الفيروزآبادي في تعريفه لبلدة قرب نابلس تسمى (عَوْرَتا): (قيل بها قبر سبعين نبياً، منهم: عزير، ويوشع) [63] .
وبعد هذا السرد إليك ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في نسبة قبور الأنبياء، فقد حكى عن طائفة من العلماء (منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء، لا يصح شيء منها إلا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أثبت غيره أيضاً قبر الخليل عليه السلام[64] ، ويقول أيضاً: (وأما قبور الأنبياء: فالذي اتفق عليه العلماء هو قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن قبره منقول بالتواتر، وكذلك قبر صاحبيه، وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان المعروف هو قبره... ولكن ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية، وليس حفظ ذلك من الدين) [65] .
وماذا بعد؟
ولم يقف الأمر عند حد نسبة القبور زوراً إلى شخصيات لها نصيبها من الحب والاحترام لدى الناس، بل وصل الادعاء إلى اختلاق بعض هذه الشخصيات من الوهم والعدم ونسبة الأضرحة إليها، فمن ذلك: قبر في طريق بلدة (طورخال) بتركيا لصحابي أسموه (كيسك باش! (، وفي معرة النعمان ضريح لرجل يدعى (عطا الله) يزعمون أنه صحابي أيضاً [66] .
وذكر المقريزي أن في القاهرة قبراً على يسرة من خرج من باب الحديد ظاهر زويلة، يزعمون أنه لصحابي يدعى: زارع النوى! [67].
وفي مدينة الشهداء بمصر ضريح داخل مسجد منسوب إلى (شبل) بن الفضل بن العباس عم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، رغم أن المصادر العلمية تتفق على أن الفضل بن العباس -رضي الله عنه- لم ينجب إلا بنتاً واحدة اسمها (أم كلثوم) [68] .
وأخيراً:
فإننا ربما لا ننتهي إذا حاولنا استقصاء حقيقة القبور والأضرحة المنتشرة في
أنحاء العالم الإسلامي، والتي على فرض ثبوت صحة نسبتها فإن إقامة المساجد عليها وممارسة الأفعال التي اعتاد الناس على القيام بها حولها.. ليس من دين الله في شيء، بل يقع معظمه في دائرة المحرمات بدرجاته المختلفة، ومنها ما قد يصل إلى حد الشرك المخرج من الملة.
ولكن إذا ثبت أن ديننا ينهى عن تلك الأفعال، وثبت أن سوس الجهل والأوهام يرتع ناخراً في فسطاط الخرافة، فما الذي يدفع مرتادي الأضرحة والمعتقدين فيها إلى ولوج هذا الكيان والتمسك به؟!
:: انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها(1/2)

--------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجه الإمام أحمد، 2/367، وأبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود، ح/1769.
(2) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل 2/246، وصححه الألباني في تحذير الساجد، ص25.
(3) أخرجه مسلم في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبور، وأبو داود والترمذي والنسائي.
(4) أخرجه مسلم في الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر، وأبو داود، ح/3226، وانظر: صحيح سنن أبي داود للألباني، ح/ 2763.
(5) أخرجه الترمذي وأبو داود والإمام أحمد، وقال أحمد محمد شاكر في تعليقه على (سنن الترمذي) 2/137: (الشواهد التي ذكرناها ترفعه إلى درجة الصحة لغيره، إن لم يكن صحيحاً بصحة إسناده هذا)، وضعف الألباني لفظ (السرج)، انظر: الضعيفة، ح/225.
(6) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج/ 27، ص466.
(7) السابق، ص 167.
(8) السابق، ص 466.
(9) السابق: ص161 162.
(10) ينتسب السامانيون إلى رجل فارسي يسمى (سامان)، كان مجوسياً واعتنق الإسلام أواخر عهد الدولة الأموية، وإسماعيل المذكور هو: إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان، آلت زعامة السامانيين إليه عام 279هـ، وتوفي سنة 295هـ انظر: التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر،
ج/6، ص91، 107،.
(11) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1، ص46.
(12) انظر: التاريخ الإسلامي، ج 6، ص149.
(13) نسبة إلى موقع الضريح عند تقاطع طريقين.
(14) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ج1، ص46.
(15) انظر: شهر في دمشق، لعبد الله بن محمد بن خميس، ص 67.
(16) بدع الاعتقاد، لمحمد حامد الناصر، ص: 247، نقلاً عن (السيد البدوي دراسة نقدية) للدكتور عبد الله صابر.
(17) عمار علي حسن، الصوفية والسياسة في مصر، ص88.
(18) انظر: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، لعبد الرحمن عبد الخالق، ص: 427.
(19) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1، ص102 103.
(20) موالد مصر المحروسة، لعرفة عبده علي، ص71.
(21) الانحرافات العقدية، ص285.
(22) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، د زكريا سليمان بيومي
ص125، والانحرافات العقدية، ص299 300، وبدع الاعتقاد ص267.
(23) انظر: الانحرافات العقدية، ص300.
(24) عرفة عبده علي، موالد مصر المحروسة، ص7.
(25) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص126.
(26) د سعاد ماهر فهمي، مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1 ص 44.
(27) الانحرافات العقدية، ص293.
(28) د زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص127، 153.
(29) انظر: الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي، مصطفى عبد الله شيحة، ص152.
(30) انظر: الانحرافات العقدية، ص289، 294، 295.
(31) انظر: مجلة (دراسات إسلامية) العدد الأول سنة 1418هـ، مقال.
(مسلمو أوزبكستان)، لعبد الرحمن محمد العسيري، ص217، 218.
(32) مجموع الفتاوى، ج27، ص451، وانظر: ص465.
(33) السابق، ص456.
(34) السابق، ص485، ص493.
(35) انظر: الانحرافات العقدية، ص288، ومجلة (لغة العرب)، ج7 السنة السابعة (1929م)، ص557- 561، ومعالم حلب الأثرية، عبد الله حجار.
(36) عبد الله بن محمد بن خميس، شهر في دمشق، ص 67.
(37) سمير شاهين، الوثنية في ثوبها الجديد، ص81.
(38) السابق.
(39) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج2، ص33.
(40) مصطفى عبد الله شيحة، مرجع سابق، ص143.
(41) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1، ص102.
(42) عن مقال: تأملات في حقيقة أمر أولياء الله الصالحين، لحسين أحمد أمين، مجلة العربي، ع/226، رمضان 1397هـ، ص135.
(43) انظر أيضاً: مجموع الفتاوى ج27، ص493.
(44) الانحرافات العقدية، ص291.
(45) السابق، وانظر: مجموع الفتاوى، ج27، ص494.
(46) السابق، ص290.
(47) مجموع الفتاوى، ج27، ص460.
(48) الانحرافات العقدية، ص288.
(49) انظر: السابق، ص290، ومجموع الفتاوى، ج27، ص170.
(50) مجموع الفتاوى، ج27، ص494.
(51) السابق، ص492.
(52) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص159، هامش 4،
ص138.
(53) انظر: عبد الله بن محمد بن خميس، شهر في دمشق، ص 66، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج27، ص447، ص491.
(54) الانحرافات العقدية، ص278، 279.
(55) السابق، ص 284.
(56) انظر: المزارات في شرقي الأردن، بقلم الخوري بولس سلمان، مجلة المشرق،
11/11/ 1920م، ص902- 910.
(57) انظر: الانحرافات العقدية، ص282 283.
(58) انظر: مجموع الفتاوى ج27، ص491، ص484.
(59) الانحرافات العقدية، ص283، ص281.
(60) انظر: السابق، ص281، ص282.
(61) السابق، ص282، ص281.
(62) نفسه، ص281، ص280.
(63) القاموس المحيط، مادة (ع و ر).
(64) مجموع الفتاوى، ج27، ص446.
(65) السابق، ص444.
(66) انظر: الانحرافات العقدية، ص290، ص291.
(67) حسين أحمد أمين، مرجع سابق.
(68) انظر: الوثنية في ثوبها الجديد، سمير شاهين، ص82.



http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2900

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 01:05 AM
انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها(2/2)

خالد بن محمد حامد

لا تحمل الخرافة في ذاتها قوة الدفع اللازمة لاستمرار ترويجها لدى المصابين بها؛ فهي لا تصمد أمام الحقائق العقلية والشرعية في حلبة صراع الأفكار، ومع ذلك فقد استمر داء تقديس القبور والأضرحة، بل انتشر واستفحل حتى إنه يذكر عن عدد الذين يحضرون مولد البدوي أو الدسوقي في مصر مثلاً أنهم : يقدرون بالملايين من البشر[1]، فما هي العوامل التي ساعدت على هذا الانتشاروالاستمرار ؟
إن المتأمل في شأن القبورية يستطيع القول : إنه لم يكن السبب في هذا الانتشار عاملاً واحداً، بل هناك عدة عوامل متشابكة عملت جميعها على ذلك الانتشار والاستمرار، نذكر منها : العوامل الدينية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية .. وإليك بيان بعض هذه العوامل :
العوامل الدينية :
فـ (فلسفة القبورية) تعد من أهم عوامل استفحال داء تقديس القبور والأضرحة، وأعني بذلك : مع تقديم مسوّغات لهذه الممارسات، ووجود الفراغ (التوحيدي) لدى القبوريين مع بقاء الدافع الفطري في (التأله) لدى البشر عموماً، كما أن القبوريين توهموا سهولة الدخول تحت طقوس القبور والأضرحة مقابل تخليهم عما عدوه صعوبة تكاليف التوحيد الخالص، فكانوا كما قال فيهم ابن قيم الجوزية نقلاً عن أبي الوفاء بن عقيل رحمهما الله : (لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ... )[2] ، فإذا أضفنا إلى ذلك : ترويج مشايخ القبورية لشبهات ساقطة على أنها أدلة شرعية وحقائق دينية تسمح بهذه الطقوس لازداد تأثير هذا العامل في ترسيخ فتنة القبورية، لذلك فإننا نلمح أن انتشار هذا الداء يتناسب عكسيّاً مع تصاعد أمرين :
الأمر الأول : محاولة القضاء على الدين عموماً والعمل على قتل فطرة الإيمان بالغيبيات في القلوب، الأمر الذي يصرف هذه الفطرة إلى نوع آخر من الإيمان بنوع تأليه للمادة والعقل بدلاً من الغيب والخرافة، وهذا ما ظهر واضحاً عقب الانقلاب العلماني على الخلافة العثمانية، (ويذكر رشيد رضا لعباد القبور ما فعله ملاحدة الأتراك عندما استلموا الحكم، فقد حارب هؤلاء البدع والخرافات وعبادة القبور، وقاموا بنبش قبور بعض الأولياء، وعرضوا أمام الناس رميم عظامهم وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم وعن مراقدهم، بله أن يجلبوا النفع أو يدفعوا الضر عن الناس)[3] .
الأمر الثاني : ملء الفراغ التوحيدي الذي شغلته الخرافة عندما تألهت القلوب للأضرحة والقبور وساكنيها، كما يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله : (من غَمَرَ قلبه بمحبة الله تعالى وذكره، وخشيته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، أغناه ذلك عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه)[4] ، لذا : رأينا أن انتشار هذا الداء تناقص نسبياً في الأماكن والأوقات التي نمت فيها الصحوة الإسلامية المباركة، التي أخذت على عاتقها الدعوة إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك كبيره وصغيره، والرد على شبهات أهل الزيغ، وهنا يبرز الدور الخطير سلباً وإيجاباً الذي يمكن أن يقوم به العلماء والدعاة، فعلى الرغم من جهود مشكورة لكثير من العلماء والدعاة الذين بينوا للناس حقيقة التوحيد وحذروهم من الوقوع في الشرك إلا أن القبوريين خادعوا أنفسهم ووجدوا ملاذاً لهم في بعض من ينسب إلى العلم والدين فأبوا إلا أن يُصغوا آذانهم ويفتحوا مغاليق قلوبهم لكل من ساهم بقول أو فعل في التلبيس على الناس وفتنتهم عن دينهم الحق .
وإليك إيضاحاً لبعض مواقف هؤلاء الداعين بأقوالهم أو أفعالهم إلى القبورية :
فحضور هؤلاء المشائخ لهذه الأماكن وعدم إنكارهم لما يحدث فيها، بل مشاركتهم في طقوسها في أحيان كثيرة .. فتنَ كثيراً من الدهماء . فمما يذكره الجبرتي بعد وصف المنكرات التي تحدث في أحد الموالد (مولد العفيفي) : ( .. ويجتمع لذلك أيضاً الفقهاء والعلماء ... ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار، بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة، ولو لم يكن كذلك لأنكره العلماء ... فضلاً عن كونهم يفعلونه .. )[5] .
ويقول محمد أحمد درنيقة : (وهذه الأمور كانت تجري في بيت الله ويراها ويسمعها العلماء الذين لا يفعلون شيئاً للتخلص من هذه الانحرافات، لا، بل ... ذهب بعض العلماء إلى تهنئة هذه الفئة بهذا الموسم الشريف والدعاء لهم بأن يطول بهم العمر لإحياء مثله أعواماً عديدة . يرى رشيد رضا أن هذا السكوت من قِبَل العلماء قد أوقع في ذهن العامة أن هذه الأعمال وأضرابها من مهمات الدين)[6] .
ومن المواقف المعاصرة العديدة في ذلك : أنه (قد زعم الخليفة الحالي للسيد البدوي في مولد عام 1991م : (أن السيد البدوي موجود معك أينما كنت، ولو استعنت به في شدتك وقلت : يا بدوي مدد، لأعانك وأغاثك) ! قال ذلك أمام الجموع المحتشدة بسرادق وزارة الأوقاف في القاهرة أمام العلماء والوزراء، وقد تناقلته الإذاعات وشاشات التلفاز)[7] .
ليس هذا فحسب، بل تؤلف الكتب في الدعوة إلى ذلك، ويتواطأ (العلماء) في إقرارها، فقد ذكر رشيد رضا أن أحد (المنسوبين للعلم) ألّف كتاباً يدعو فيه إلى ذلك التوجه (المنافي للحنيفية)، (وواطأه على ضلاله وإضلاله (63) عالماً أزهرياً كما ادعى، وذكر أسماءهم وإمضاءات أكثرهم بخطوطهم، وبنى على هذا أنه انعقد الإجماع؛ لأن سائر علماء الأزهر يوافقونهم فيه، وأنه يجب على جميع المسلمين اعتقاده والعمل به .. )[8] ..
والأمر تجاوز التنظير والتسويغ ليصل إلى الممارسة الفعلية كما يقوم بها أي خرافي، فهذا (أحد المشايخ الكبار في عهد إسماعيل باشا كتب شكوى ضده وأرسلها بالبريد إلى طنطا، ومنها إلى قبر السيد البدوي، حيث تقوم محكمته داخل قبره ! )[9]، (ولما وقع صراع بين الأحناف والشوافع حول مشيخة الأزهر بسبب تعيين أحد مشايخ الأحناف شيخاً للأزهر، هرع الشوافع بقيادة الشيخ محمد بن الجوهري الشافعي إلى ضريح الإمام الشافعي، ولم يزالوا فيه حتى نقضوا ما أبرمه العلماء والأمراء وردوا المشيخة إلى الشافعية ! )[10] .
وانظر إلى إنكارهم .. لأي شيء وقع ؟ ! : (فعندما صودر أولاد سعد الخادم وهم سدنة ضريح السيد البدوي هاج العلماء في الأزهر وامتنعوا عن التدريس إنكاراً لمن قام بمصادرته، ولم يعودوا إلا بعد أن طيبت خواطرهم ووعدوا بتلبية رغبتهم)[11] .
ثم انظر إلى إقرارهم .. على أي شيء وقع ؟ : (ذكر الشيخ رشيد رضا أنه كان مرة في قبة الإمام الشافعي، وكان ثَمّ جماعة من أكابر علماء الأزهر وأشهرهم، فأذن المؤذن العصر مستدبراً القبلة، فقال لهم : لِمَ لم يستقبل هذا المؤذن القبلة كما هي السنة ؟ فقال أحدهم : إنه يستقبل ضريح الإمام ! .. وذكر أيضاً أنهم لا ينكرون على من يستقبل قبر الإمام في صلاته)[12] .
ثم هم لا يسكتون على من يقوم بواجب إنكار المنكر حقيقة، بل ينكرون على من ينكر المنكر الشركي، (كما حدث حين اعترض الواعظ الرومي (التركي) في سنة 1711م ... وأبدى رأيه في اعتباره زيارة الأضرحة وإيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل أعتابهم من قبيل الكفر، بل وطالب بهدم الأضرحة والتكايا، فثار عليه مشايخ الأزهر الصوفية وأصدروا فتوى بكرامات الأولياء وتوسطوا لدى الحاكم السياسي حتى نفاه)[13] .
فما الذي يحمل هؤلاء (العلماء) على تلك الممارسات ؟
يحملهم على ذلك ما يحمل غيرهم من دهماء القبوريين :
فهم يرون أن ذلك من شعائر الدين، حتى إن أحد علماء الأزهر كتب مقالاً يقول فيه لمنكر وجود السيدة زينب في هذا القبر ووجود رأس الحسين في القبر المنسوب إليه : (إنك (جئت تفجأ المسلمين في اعتقاداتهم المقدسة النبوية، فإنك تريد أن تطيّر البقية من دينه( [14] .
وهم يعتقدون في القبور والأضرحة وأصحابها الضر والنفع، تماماً مثلما يعتقد الدهماء والعامة من القبوريين، (ويبين رشيد رضا أن الذي دفع العلماء إلى السكوت عن هذه الأمور خوفهم من الوقوع في قضية إنكار الكرامات أو الاعتراض على الأولياء الذي يخشى معه أن يلحقوا بهم الأذى والضرر)[15] ، وليس أدل على ذلك من أنه (في أيام حكم السلطان المملوكي جقمق قيل لأحد العلماء أن يفتي بإبطال مولد البدوي لما يحدث فيه من زنا وفسق ولواط وتجارة مخدرات، وما يشيعه الصوفية من أن البدوي سيشفع لزوار مولده، فأبى هذا العالم أن يفتي، قائلاً ما معناه : إن البدوي ذو بطش شديد)[16] ..
فإذا كان هذا هو حال شريحة من العلماء المقتدى بهم، فماذا يُنتظر من العامة والدهماء ؟ .. إن الذي يعرض منهم عن السماع للعلماء الربانيين ويتخذ مثل هؤلاء قدوة وأسوة فلا بد أن يتخبط من مس الخرافة والأوهام .
العوامل النفسية :
يرتبط بما سبق بعض الأسباب النفسية التي تعمل على انتشار تقديس القبور والأضرحة واستمراره، حيث يمثل (الخوف) منها الذي نتج عن الاعتقاد فيها حاجزاً لمنع هدم الأسطورة التي قامت عليها، وكذلك تمثل (المسرة والحبور) الناتجين عن الاعتقاد فيها أيضاً أحد المرغبات في استمرار هذا الكيان .
وهذا ما يذكره الأستاذ عبد المنعم الجداوي عن تجربته القبورية .. (شيء آخر أشعل في فؤادي لهباً يأكل طمأنينتي في بطء .. أن الدكتور [الذي يدعوه إلى الكفر بهذه الطقوس الوثنية] يضعني في مواجهة صريحة ضد أصحاب الأضرحة الأولياء، والخطباء على المنابر صباح مساء يعلنونها صريحة : إن الذي يؤذي ولياً فهو في حرب مع الله سبحانه وتعالى .. وأنا لا أريد أن أدخل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة؛ لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب معه جل جلاله )[17] .
وعن أحد أسباب عشقهم يقول : ( ... لأني أحب أشعارهم، وأحب موسيقاهم وألحانهم التي هي مزيج من التراث الشعبي، وخليط من ألحان قديمة متنوعة ... أو ناي مصري حزين ينفرد بالأنين مع بعض أشعارهم التي تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبه ... وكل حجتي التي أبسطها في معارضة (الدكتور) أنه وأمثاله من الذين يدعون إلى (التوحيد) لا يريدون للدين روحاً، وإنما يجردونه من الخيال ! )[18] ..
ولعل ذلك الخيال الذي كان يريد للدين أن يسبح فيه هو ما عبّر عنه بقوله : (أحياناً أخترع لهم كرامات، أو أتصورها، أو أتخيلها .. )[19] .
وهنا تلعب الإشاعات ونسج الأكاذيب دوراً مهماً في بناء العامل النفسي؛ فالصوفية دأبوا على تحذير الناس من غضب (الأولياء)، (وقد صاغوا هذه الأفكار المخيفة في صورة حكايات مرعبة حول رجال لهم سمعتهم العلمية ومكانتهم الفقهية اعترضوا على الصوفية فأذاقهم طواغيتهم من العذاب الأليم ألواناً)[20] .. وليس هذا الإرهاب النفسي مع العلماء والفقهاء فقط، (فمع أن الحكام من المماليك كانوا يسيرون في ترهات أباطيل الصوفية ويقيمون لهم الخوانق والرباطات والزوايا، فلم تخل قصص التخويف من تخويفهم، وأطلقوا على البدوي لقب : العطاب)[21] ..
فإذا كان هذا الحال هو ما يشاع بين العلماء والحكام فما بالنا بما يروج بين دهماء الناس ويؤثر على نفسيتهم المستسلمة لهذا الداء ؟ .. لننظر إلى بعض الصور : فأهالي الإسكندرية بمصر يتحدثون بكثرة عن الكرامات التي تحدث لضريح أبي الدرداء، (ويذكرون على سبيل المثال ما حدث عندما أرادت بلدية الإسكندرية سنة 1947م نقل الضريح إلى مكان آخر ... وبدأت فعلاً في تنفيذ المشروع، ولكن واحداً من العمال الذين يعملون في نقل الضريح توقفت يداه وأصيب بالشلل !، فامتنع باقي العمال عن العمل ... واضطرت البلدية أن ترضخ لاعتقاد العامة وأبقت الضريح كما هو[22]) .
ومما رصده الشيخ رشيد رضا بخصوص هذه الظاهرة أنه (شاع لدى العامة أن من تعوّد على حضور هذه الموالد أو على إنفاق شيء فيها، ثم امتنع عن قيامه بعادته تلك : لا بد أن يصاب بنكبة أو مصيبة .. )[23] .
فماذا لو تم بالفعل إبطال أحد الموالد ؟ ! .. (حدث أن السلطان جقمق أبطل مولد البدوي لما فيه من الوثنيات الموبقات والفواحش بين الرجال والنساء، وحدث لبعض المقيمين بإبطال هذا المولد ابتلاء لهم ... فمنهم من عزل من منصبه، ومنهم من أمر السلطان بنفيه، ومنهم من وضع في السجن، فأشاع الصوفية أن كل ذلك من عمل البدوي؛ لأنه غضبان عليهم)[24] فآلة الحرب النفسية الصوفية تعمل على كل حال .
وهناك بعد آخر في العامل النفسي، وهو أن أضرحة الأولياء تمثل للعامة تعويضاً وهميّاً لانتصارها أوقات الاستبداد والتسلط السياسي؛ (فالإنسان المقهور يكون بحاجة إلى قوة تحميه تجسدت في الأولياء، فهم المحامون والملاذ؛ ويتضح هذا جليّاً في كرامات الأولياء؛ فهي تشكل النقيض تماماً لوضعية الإنسان المقهور، وحيث ترسم صورة الإنسان المتفوق ضد الإنسان المهان واقعيّاً، وتجسد أماني المغلوبين في الخلاص من خلال وجود نموذج الولي صاحب الخوارق الذي يفلت من قيود الزمان والمكان، ولذا : نرى أن الجماهير المقهورة تتجمع حول أضرحة الأولياء كما يتجمع أعضاء حزب معين حول شخص زعيمهم)[25] .
النساء والعامل النفسي في استفحال داء القبور والأضرحة :
لوحظ من خلال متابعة الواقع وتتبع الوقائع أن للنساء دوراً ملحوظاً في ترويج تقديس القبور والأضرحة والمزارات، نشأةً وارتياداً :
فأم الخليفة العباسي المنتصر هي أول من أنشأ قبة في الإسلام كما مر ذكره في حلقة سابقة، ويذكر أن الخيزرانة أم هارون الرشيد هي أول من كسا الحجرة النبوية الشريفة، وصارت من بعدها سنة الملوك والسلاطين[26]، ويذكر أيضاً أنها أول من حوّل البيت الذي ولد فيه الرسول إلى مسجد [27]، كما قامت والدة السلطان العثماني عبد العزيز بترميم قبب مسجد الزبير بن العوام بالبصرة وتكبيره [28] .
ويسجل الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الملقب عند الحنفية بالإمام الرباني ومجدد الألف الثاني ظاهرة كثرة ارتياد النساء للقبور والأضرحة في الهند فيقول : (وأكثر النساء مبتليات بهذا الاستمداد الممنوع عنه بواسطة كمال الجهل فيهن، يطلبن دفع البلية من هذه الأسماء الخالية عن المسميات، ومفتونات بأداء مراسم الشرك وأهل الشرك، خصوصاً وقت عروض مرض الجدري ... بحيث لا تكاد توجد امرأة خالية من دقائق هذا الشرك .. إلا من عصمها الله تعالى .. )[29] .
كما لوحظ أيضاً تخصيص بعض الأضرحة والمزارات بالنساء، كمزار (بنات العين) بالأردن الذي يعرف بـ (المستشفى النسائي)، وضريح الشيخة مريم التي (اشتهرت ببركتها في الشفاء من العقم)، وضريح الشيخة صباح بطنطا التي اشتهرت بالبركة ذاتها ![30] ... إلى غير ذلك من الأضرحة والمزارات الخاصة بالنساء، بينما لم يبلغ علمنا اهتمام الرجال بتخصيص أضرحة تقتصر عليهم وحدهم أو يزعمون أن لها ميزات تخصهم دون غيرهم .
ولعل ذلك راجع إلى طبيعة نفسية النساء التي تغلب عليها العاطفة والانبهار بالمظاهر، كما يتعاظم فيهن الإحساس الفطري بالضعف البشري وحاجتهن إلى قوة خفية تجبر هذا الضعف، ولعل لهذا السبب أيضاً جاء في السنة النبوية تخصيص النساء بالزجر الشديد عن أن يكن زوارات للقبور، فعن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (لعن زوارات القبور) [31]، وورد فيهن كذلك أنهن أكثر أتباع الدجال ( ... فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه)[32] .
العوامل الاجتماعية :

حيث تمثل المسايرة الاجتماعية والمجاملات دوراً مهماً في انتشار هذا الداء وعدم الانخلاع عنه، وهذا ما يسجله الأستاذ عبد المنعم الجداوي في تجربته أثناء خروجه من الاعتقادات القبورية، وذلك عندما وجد نفسه في صراع بين ما اعتقده من خطأ هذه الاعتقادات الباطلة وما يمليه عليه الواجب الاجتماعي من ضرورة مجاملة ابنة خالته وأسرتها، بمشاركته لهم في الوفاء بنذر تقديم (القربان) إلى السيد البدوي؛ حتى يعيش ابنهم الوحيد كما يعتقدون[33] .
ويدخل في هذه العوامل أيضاً : صفة الهيبة والوجاهة الاجتماعية التي يخلعها تقديس القبور والأضرحة على سدنتها وخدمها والقائمين عليها، مما يصعب معه إلا على من رحم الله الاعتراف بخطأ الاعتقادات والممارسات التي تقام وتنسج حول هذه الأضرحة؛ الأمر الذي يعني تخليهم عن هذه المكانة التي أكسبتها لهم الأضرحة والقبور، فلقد (كان سادن الضريح سيداً مطاعاً وشخصاً مهاباً، يستمد طاعته وهيبته من الضريح الذي يقوم على سدانته ... وكانت سدانة الأضرحة وظيفة متوارثة يرثها الأبناء عن الآباء، وتنتقل في عقبهم وذراريهم، ولا ينزعها منهم إلا ظالم كما يزعمون، ولم تكن لتنزع من أسرة إلا ليعهد بها إلى أسرة أخرى)[34] .
ويدخل في هذه العوامل كذلك : التفاخر بين أهل القرى والمدن والمحلات بهذه القبور والأضرحة؛ حيث يعتبر المعتقدون فيها أن وجود ضريح وخاصة إذا كان من ذوي الشهرة والمكانة من دواعي فخرهم بين أهل البلاد الأخرى، يقول الغزي بعد أن ذكر الخلاف في دفين الجامع الأموي بحلب : (وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده)[35] .. ومن هذا الوجه أيضاً : الاهتمام بالأضرحة باعتبارها آثاراً وتراثاً تاريخياً ينبغي عدم تضييعه، فالدكتورة سعاد ماهر ترثي وتأسف لحال ضريح (ذي النون المصري)، حيث تقول : (والضريح في مكان مهجور خرب وبحالة سيئة للغاية، ومكانه بجوار مسجد سيدي عقبة بن عامر بجبانة الإمام الليث، وإني أناشد وزارة الأوقاف أن تعيد بناء ضريح أول صوفي في مصر الإسلامية، بل ومن أبرز متصوفي الرعيل الأول في العالم الإسلامي كله)[36] .
فكيف بعد هذا كله يستمعون لمن يقول لهم : إن بقاء هذا الكيان عار على عقيدتهم ودينهم وعقولهم ؟
العوامل الاقتصادية :
ونستطيع أن نطلق عليها : المنافع المادية، وهذه المنافع ظهرت مصاحبة لهذا الداء، فمنذ القدم استعمل الشيعة القبور والأضرحة والعتبات المقدسة وسيلة للتكسب والعيش، مثل الفاتحة والقصاص، وجعلوا شعارهم لزوم المشاهد والقبور[37]، وعندما راجت هذه التجارة وازدهرت ظهر من يبتكر للناس أصنافاً من هذه الأضرحة لزيادة دخله، وهذا ما يذكره ابن تيمية رحمه الله، حيث يقول : ( .. حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان، وكان أحدهما قد اتخذ قبراً تجبى إليه أموال ممن يزوره وينذر له من الضلال، فعمد الآخر إلى قبر، وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف، وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة)[38] ، واستمرت هذه البضاعة رائجة عند أهل الوهم والدجل حتى أضحى استمرار تقديس القبور والأضرحة ضماناً لاستمرار تدفق مورد رزق مهم لكثير من فئات المنتفعين بترويج هذا الداء .
ويقف على رأس هؤلاء المنتفعين : سدنة الأضرحة وخدمها والقائمون عليها، فقد مثّلت هذه الأضرحة مراكز حضرية جذابة، مما دعا الأهالي إلى (بناء مساكن حول الأضرحة، وأصبحت الأضرحة بذلك وسط المدن والقرى توحي للسكان باستمرار هذه العادات .
ومن أهم العادات التي تبعت هذه العادة : تقديم النذور والصدقات، وهو أمر أثّر في مزيد من الإقبال على العمل في هذه الأضرحة ..[39]، فصناديق النذور شكّلت وعاءً استثمارياً مهماً لمروجي الخرافة، و (مما يوضح أهمية هذا المورد بالنسبة للمجلس الصوفي وكافة الطرق التابعة له أيضا : الموقف الشديد الذي وقفوه ضد المفتي حين أصدر فتوى شرعية ببطلان النذور شرعاً، واعتبار الباب الثالث من لائحة الطرق الصوفية الذي يقر ويبيح هذه النذور مخالفاً للشرع والدين ... وهذا الأمر يدعو البعض لتفسيره بأنه دفاع عن مصالح طبقية أكثر من كونه دفاعاً عن مبادئ شرعية . ومن الموارد المهمة أيضاً : الصدقات التي كان يمنحها أصحاب الجاه والقادرون سواء أكان عطاؤها سراً أم جهراً، وسواء أكانت عينية أم نقدية .. )[40] .
ليس ذلك فحسب، بل يضاف إلى ذلك : الموارد الرسمية كالأوقاف التي كانت توقف على هذه الأضرحة وخدامها وسدنتها، والإعانات المالية والعينية التي تصرف لهم من وزارتي الأوقاف والشؤون الاجتماعية[41] ، وهكذا صار لهذه الأضرحة (ألوف من السدنة يعيشون في رغد وثراء من ورائها، وكانوا يتوارثون هذه الوظائف ... ويكفي أن تعلم أن ما كان يصل إلى ضريح الجيلاني في السنة من أموال الزائرين، يفوق ما كانت تنفقه الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين في السنة الواحدة أضعافاً مضاعفة)[42] .
والأمر لا يقتصر فقط على الأوقاف والصدقات والنذور التي يدفعها المعتقدون في الأضرحة لدفع الضرر عن أنفسهم أو لشكر نعمة، والتي تمثل المصدر الرئيس لهذا الدخل، بل يتعداه إلى كل الطرق الموصلة إلى المال بما فيها الاحتيال على السذج المعتقدين في هذه الأضرحة، فعند تغيير كسوة الضريح وعمامة الولي يمزقون الكسوة والعمامة القديمتين إلى قصاصات صغيرة، وهنا (تظهر العملية التجارية غير الرسمية التي يقوم بها خدم المسجد، فيبيعون هذه القصاصات نظير مبالغ كبيرة)[43] ، وبالطبع يتم ذلك وسط تهافت هؤلاء المعتقدين في الأضرحة للحصول على أي بركة من (ريحة) الولي .. وربما لأجل مثل هذه النشاطات وغيرها ذكر الجبرتي عن سدنة الأضرحة أنهم أغنى الناس ![44] .
ويتحدث الدكتور زكريا سليمان بيومي عن أهمية فئة خدام الأضرحة باعتبارها مركز ثقل دعائي واقتصادي للطرق الصوفية فيقول : ( ... فئة خدام الأضرحة، التي تشكل أكبر فئة من حيث العدد والأهمية الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للطرق الصوفية، فهم بمثابة مراكز متناثرة في كل مصر لنثر أساليب هذه الطرق والدعوة لها، ويروجون للاعتقاد في الأولياء بكل مراتبهم، ويكثرون من ذكر كراماتهم وخوارقهم، مدفوعين إلى ذلك بدافع الانتماء للطرق من خلال عملهم، وبدافع أساسي وهو أن هذه الأضرحة تمثل مصدر معيشتهم ... وكانت هذه الأضرحة تستوعب عدداً كبيراً من الخدم، فمن الممكن أن نجد أسرة كاملة تخدم في ضريح واحد، ولم تكن هذه الوظيفة مقصورة على الفقراء والمحتاجين، بل كانت لما تدره من دخل كبير مغرية لفئات متعددة؛ فنجد مشايخ طرق كبيرة يسعون لهذه الوظيفة، بل ويفضلونها أحياناً على مشيخة الطرق .. )[45] .
فكيف يهدمون بأيديهم الكيان الذي يغلون من وراء إقامته مصدر دخلهم ورغد عيشهم ؟ لا بد أنهم سينافحون بكل ما يملكون لاستمرار هذا الكيان، إلا من رحمه الله ولفظ من قلبه حب الدنيا وشهواتها .
ومن المنتفعين باستمرار وجود كيان الأضرحة والقبور : (آلاف من الفقراء الذين يتعيشون بجوار الأضرحة ويستفيدون من الموالد، وهذا أمر واضح عياناً بياناً، لاحظه الباحث في كل الأضرحة التي زارها، وخاصة الحسين والسيدة زينب .. ) [46]، ولقد كان الفلاحون يحرصون على المشاركة في الولائم التي تقام حول الضريح، حيث (يقصدون بها استجلاب البركة)[47] .. كما أن هناك مئات الأسر التي تتعيش على استمرار الأضرحة من خلال المقاهي والمطاعم والفنادق وغيرها من الخدمات المنتشرة حول كل ضريح، إضافة إلى السيارات ووسائل المواصلات التي تغدو وتروح على حساب الزوار[48] .
ومن الموارد المهمة التي ارتبطت بتقديس القبور والأضرحة : ما يجري في الاحتفالات والموالد التي تقام لهذه الأضرحة التي (اعتبرها رجال الصوفية مواسم للإرشاد وتعليم الآداب الاجتماعية والدينية، وكمدارس شعبية للوعظ والإرشاد الديني .. ) [49]، ولكنها تحولت إلى بؤر متحركة لنشر المفاسد والانحرافات، وقد تعددت هذه الموالد وكثرت حتى إنها لم تكن تقام أحياناً (بمناسبة تاريخ وفاة صاحب الضريح أو مولده، وكان يصادف أحياناً أن تقام في مواسم الحصاد ... ونادراً ما كان يحدث مولد لشيخين في ليلة واحدة إلا إذا كانت المسافة بينهما بعيدة حيث كان مشايخ الطرق يحرصون على ترتيب هذه الموالد بحيث يتمكنون من الانتقال بينها .. )[50] ، وقد كانت ليالي الموالد تصل في بعض الأحيان إلى شهرين ونصف[51] ، يصاحبها نشاط وافر لفئام من المنشدين والمداحين والمشببين الذين يحيون هذه الموالد بشتى أنواع الاحتفالات، ومنها ما يطلقون عليه : (الذكر)، (وقد اعتاد من يحضر (الذكر) أو يمارسه أو يشاهده خصوصاً في السرادقات المقامة أمام المسجد من أن يقوم بدفع (النقوط)، وهي المبالغ التي تدفع للمنشد لتشجيعه على حسن الأداء، وهي في هذه المناسبة تعتبر تحية لولي الله نفسه، حيث يعتقد بأن هذه النقوط هدية ترد إلى مقدمها من جانب الولي صاحب المولد، سوف يردها في شكل آخر، فينعم عليه بكثير من الهبات التي تتمثل في زيادة الدخل ووفرة المحصول وسداد الديون ... ) [52]، أما النشاطات الأخرى : فـ (يبدو الجامع كتلة من الأنوار المبهرة، وتنتشر السرادقات حوله في ساحته وفي المنطقة المحيطة به، وتظل المطاعم والمقاهي تستقبل روادها طوال (24) ساعة، ومع غروب الشمس ليس هناك موطئ لقدم، ضجيج الميكروفونات يتصاعد من جميع السرادقات ... روائح البخور والعطارة والشواء تتضوع في الأجواء، شوادر الحمص والحلوى بأنواعهتا تشارك بالإعلان عن بضاعتها في الضجيج العام، باعة الشاي على الأرصفة، وباعة المسابح والطراطير الملونة ولعب الأطفال..)[53] ..
فهي أنشطة حياتية متكاملة، وهذا ما أكده علي مبارك باشا، فيقول : (وفي هذه الموالد ما لا يخفى على أحد من المزايا والمنافع، كمنفعة من يكترى منهم الدواب أو المراكب أو سكة الحديد للمضي إليه والانصراف عنه، ومنفعة من يكون فيه من الفراشين والطباخين وغيرهم من أرباب الحرف والصناع وأصحاب الدور التي تكترى والأشياء التي تشترى، ثم ما يكون فيه من سعة التجارة، فإنا نرى كثيراً من التجار في طنطا وغيرها من سائر مدن مصر يعلقون أداء ديونهم وقضاء بعض شؤونهم على هذا المولد .. )[54] .
وبالطبع : فخلف كل نشاط جمهور من المنتفعين الذين يحرصون على استمرار هذه الموالد التي تقام حول الأضرحة ضماناً لتدفق مورد رزقهم .
وأخيراً : فإن من العوامل الاقتصادية لاستمرار تقديس القبور والأضرحة : اهتمام بعض الدول بهذه الأضرحة باعتبار ما تدره الأنشطة المرتبطة بها وحصيلة صناديق نذورها والأوقاف التي توقف عليها ... أحد الموارد الاقتصادية للدولة التي بها مثل هذه الأضرحة .

:: انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها(1/2) (http://www.albayan.co.uk/albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2900)
:: انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها(2/2)


(1) انظر : موالد مصر المحروسة، ص40، والأضرحة وشرك الاعتقاد، ص64، وعقيدة المسلم، لمحمد الغزالي، ص76 .
(2) إغاثة اللهفان، ج 1، ص195 .
(3) عن : السيد محمد رشيد رضا، إصلاحاته الاجتماعية والدينية، لمحمد أحمد درنيقة، ص223- 224 .
(4) إغاثة اللهفان، ج 1، ص214 .
(5) عن : هذه هي الصوفية، لعبد الرحمن الوكيل، ص161، وجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، د شمس الدين السلفي، ص1004 .
(6) السيد محمد رشيد رضا، إصلاحاته الاجتماعية والدينية، ص208 .
(7) محمد حامد الناصر، بدع الاعتقاد، ص256، عن : السيد البدوي، دراسة نقدية، وانظر : الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص121 .
(8) مجلة المنار، ج3، م33، ص216 .
(9) الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص116 .
(10) الانحرافات العقدية، ص352 .
(11) السابق، ص306 .
(12) السابق، ص350 .
(13) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص83 84 .
(14) مجلة المنار، ج3، م33، ص 222 .
(15) محمد أحمد درنيقة، مرجع سابق، ص 207 .
(16) د عبد الكريم دهينة، الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص 120 .
(17) اعترافات كنت قبورياً، ص 9 10 .
(18) السابق، ص12 .
(19) السابق، ص 8 .
(20) د عبد الكريم دهينة، الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص125 .
(21) السابق، 127 .
(22) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، د سعاد ماهر فهمي، ج2، ص 33 .
(23) محمد أحمد درنيقة، مصدر سابق، ص211 .
(24) الأضرحة وشرك الاعتقاد، ص127 .
(25) د مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكيولوجية الإنسان المقهور، ص149- 150، انظر : الصوفية والسياسة، ص180 .
(26) انظر : الانحرافات العقدية، ص275 .
(27) انظر : مقال (تأملات في حقيقة أمر أولياء الله الصالحين)، ص134 135 .
(28) انظر : الانحرافات العقدية، 292 .
(29) عن : جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، د شمس الدين السلفي الأفغاني، ص452، ولزيادة توضيح مثل هذه الأحوال، انظر : الانحرافات العقدية، ص311، ومقال (مسلمو أوزبكستان)، مجلة (دراسات إسلامية)، ع/1، ص 218، ومقال (تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين)، مجلة العربي، ع/226، ص135 .
(30) انظر : المزارات في شرقي الأردن، ص907، وموالد مصر المحروسة، ص53، والانحرافات العقدية، ص336 .
(31) أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وهكذا حكم الألباني على الحديث، انظر : مشكاة المصابيح، ح/ 1770، وصحيح سنن ابن ماجه، ح/1281 .
(32) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل، 2/67، وابن ماجه، وهو صحيح لغيره، انظر : الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، لمصطفى العدوي، ص497 .
(33) انظر : اعترافات كنت قبورياً، ص 20 .
(34) الانحرافات العقدية، ص 306 .
(35) السابق، ص 280 .
(36) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج 1، ص 134 .
(37) انظر : الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، لعبد الرحمن عبد الخالق، ص 427 .
(38) مجموع الفتاوى، ج 27، ص 459 .
(39) د زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص 129 .
(40) السابق، ص 104 105 .
(41) انظر : السابق، ص 99 102 .
(42) محمد حامد الناصر، بدع الاعتقاد، ص 267 .
(43) هيام فتحي دربك، مقال (موالد الأولياء في مصر)، المجلة العربية، ع/131، ص 43، 44.
(44) انظر : الانحرافات العقدية، ص 309 .
(45) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص 126، 127 .
(46) عمار علي حسن، الصوفية والسياسة في مصر، ص 110 .
(47) السابق، ص 129 .
(48) انظر : شهر في دمشق، لعبد الله بن محمد الخميس، ص 67 .
(49) الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة، ص 130 .
(50) السابق، ص 106 .
(51) انظر : السابق .
(52) هيام فتحي دربك، مصدر سابق، ص 44 .
(53) موالد مصر المحروسة، ص50، وانظر : ص 51 55 .
(54) عن : (السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر)، لمحمد فهمي عبد اللطيف، ص 127 .
(( مجلة البيان ـ العدد [132] صــ 40 شعبان 1419 - ديسمبر 1998 ))

http://www.albayan.co.uk/article.aspx?ID=1759

سيل الحق المتدفق
2013-07-04, 01:08 AM
علماء الشيعة والنسب الهاشمي

د . سليمان الظفيري

كنت في جلسة مع بعض الأساتذة الشرعيين قبل سنوات فقلت: لماذا لا نحقق وندقق في قضية النسب الهاشمي التي كثرت كثرة فاحشة عند علماء الشيعة ولا سيما العجم منهم؟
وهذه القضية مهمة؛ لأن تفنيدها وكسر أضلاعها مما يساهم في تفتيت كثير من باطل الشيعة ولا سيما هذه التكأة أعني أهل البيت وتسترهم خلف هذا الاسم الشريف اللامع.
غير أن هؤلاء الإخوة منهم من سكت، ومنهم من قال الأمر فيه صعوبة؛ وذلك لأن النسب الهاشمي لا يعدو أن يكون نسباً يملكه صاحبه فقط فلا توجد سجلات عامة يمكن للباحث الاستفادة منها وتحقيق الدخيل في النسب.
وقفات مع هذا الادعاء:
أولاً:العادة المعروفة عند علماء الشيعة أن من كان هاشمياً فإنه يلبس العمامة السوداء، ومن كان من غير بني هاشم فإنه يلبس العمامة البيضاء.
وهذه العادة سارية مثل القانون في جميع البلاد التي يكون فيها للشيعة علماء مثل إيران و العراق وغيرها من البلاد.
ولكننا نجد هؤلاء الهاشميين فيما زعموا ألقابهم منسوبة إلى مدن من مدن البلاد الأعجمية مثل الميلاني والأردبيلي والخميني والخوئي.
وهؤلاء أحدهم لا يعرف نسب أجداده وإلا لانتسب إليهم بدل أن ينتسب إلى أسماء المدن.
وهذه الحقيقة المرة يقف الباحث إزاءها ويتعجب من كثرة من ينتسب إلى النسب الهاشمي بهذه الكثرة العظيمة من علماء الشيعة؛ ثم بعد ذلك هم ينتسبون إلى مدينة من مدن إيران؛ مما يدل على عدم قناعة أحدهم بهذا النسب.
ثانياً:من شعارات الشيعة المعروفة: (التقية ديني ودين آبائي، ومن لا تقية له لا دين له)، فإذا عرف هذا لاح لنا أن الكذب في هذه القضية له نصيب كبير.
ثالثاً:مما يشكك بهذه الدعوى رغبة علماء الشيعة في اللغة الفارسية واهتمامهم العظيم بها حتى إن الخوئي كان بالنجف يدرس باللغة الفارسية، وبنو هاشم هم عرب ولغتهم اللغة العربية وسيدهم صلى الله عليه وسلم هو أفصح من نطق بالضاد؛ فكيف لا يدعوهم هذا إلى الاهتمام بلغة القرآن الكريم ولغة سيدهم ( سيد بني هاشم) والإنسان ميال إلى أصله؟!
رابعاً:من المضحكات في هذه الدعوى أن المدعو التيجاني التونسي مؤلف كتاب (ثم اهتديت) الذي زعم أنه كان تيجانياً صوفياًَ ثم صار شيعياً جلداً قال وهو يتكلم عن مذهب الشيعة وعن ترجيحه الفاشل له: « وأبي أخبرني بأننا أصولنا من العراق، وأن نسبنا ينتهي إلى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ».
أقول وبهذه السهولة بحث في ذكرياته القديمة ودفاتره العتيقة إن كان صدق فإذا به سيد هاشمي يستطيع أخذ الخمس، وتأوي إليه كل راغبة ببركة المتعة لعلو أرومته ونصاعة نسبه!!
خامساً:شكك الدكتور موسى الموسوي بنسب الخميني (النسب الهاشمي)؛ وذلك لأن أصله من الهند؛ فقد جاء جده من الهند واستقر في مدينة خومين وتديرها؛ فلماذا قطع الخميني صلته بأقاربه؛ والعهد ليس ببعيد؛ فلا يعرف له صلة بقومه وأقاربه؛ فعلامَ يدل هذا؟[1].
أقول: يدل هذا على سر سعي الخميني إلى إخفائه تلك الصلة، وأن وراء الأكمة ما وراءها.
سادساً:ذكر الأستاذ أحمد الكاتب أن الخوئي كان أبوه يلبس العمامة البيضاء فلما صعد الخوئي بدأ يلبس العمامة السوداء[2]!
وهذا معناه أنه زوَّر نسبه وادعى الهاشمية.
سابعاً:ومما يزيد الشبهة قوة ما وقع من حوادث وقعت في النجف كشفت المغطى بستور غليظة؛ وقد سجلها بعض علماء الشيعة العائدين؛ إذ يقول: « توفي أحد السادة المدرسين في الحوزة النجفية، فغسلت جثمانه مبتغياً بذلك وجه الله، وساعدني في غسله بعض أولاده، فاكشتفت أثناء الغسل أن الفقيد الراحل غير مختون »[3].
والختان شائع عند المسلمين واليهود ولا يعمله النصارى، وهذا السيد الفقيد محسوب على بني هاشم؛ فهل بعد هذا التزوير في الدين والنسب تُصدَّق دعواهم؟! ويقول أيضاً: « وهناك بعض السادة في الحوزة لي عليهم ملاحظات تثير الشكوك حولهم والريب؛ وأنا والحمد لله دائب البحث والتحري للتأكد من حقيقتهم »[4].
أي حقيقة: حقيقة الدين، أم حقيقة النسب؟ لا شك أنه يريد حقيقة الدين: هل هم يهود، أم نصارى، أم مجوس؟ فهؤلاء أساتذة الحوزة من السادة (من بني هاشم) هذه حقيقتهم؛ فماذا تكون حقيقة السادة السياسيين؟
اعترافات خطيرة:
في السنوات الأخيرة تاب ثلة من علماء الشيعة من أباطيلهم، واعترفوا بفساد العقيدة الشيعية، ومن هؤلاء الشيخ حسين الموسوي مؤلف كتاب: (لله ثم للتاريخ) حيث ذكر أحوالاً سافلة في تزوير النسب الهاشمي بأبخس الأثمان وأحط الأحوال.
ويحسن بي أن أنقل كلامه حول النسب الهاشمي وتزويره في النجف إذ يقول: « ويحسن بنا أن ننبه إلى أن الفقهاء والمراجع الدينية يزعمون أنهم من أهل البيت؛ فترى أحدهم يروي لك سلسلة نسبه إلى الكاظم (عليه السلام). اعلم أنه يستحيل أن يكون هذا الكم الهائل من فقهاء العراق وإيران و سوريا و لبنان ودول الخليج والهند و باكستان وغيرها من أهل البيت، ومن أحصى فقهاء العراق وجد أن من المحال أن يكون عددهم الذي لا يحصى من أهـل البيت؛ فكيف إذا ما أحصينا فقهاء البلاد الأخرى ومجتهديها؟ لا شك أن عددهم يبلغ أضعافاً مضاعفة؛ فهل يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً من أهل البيت؟
وفوق ذلك فإن شجرة الأنساب تباع وتشترى في الحوزة؛ فمن أراد الحصول على شرف النسبة لأهل البيت فما عليه إلا أن يأتي بأخته أو امرأته إذا كانت جميلة إلى أحد السادة ليتمتع بها، أو أن يأتيه بمبلغ من المال وسيحصل بإحدى الطريقتين على شرف النسبة وهذا أمر معروف في الحوزة.
لذلك أقول لكم: لا يغرنكم ما يضعه بعض السادة والمؤلفين عندما يضع أحدهم شجرة نسبه في الصفحة الأولى من كتابه ليخدع البسطاء والمساكين كي يبعثوا له أخماس مكاسبهم »[5].
وبعد فإن نبينا صلى الله عليه وسلم نهانا عن الطعن في الأنساب، وأنها من الجاهلية وأخلاقها؛ غير أن الأمر هنا يتعلق بالدين والافتراء عليه، والتعلق بالنسب الهاشمي الشريف لتضليل العباد وتكفيرهم وهدم الإسلام والتفريق بين أبنائه؛ فكان على من علم أن ينصح ويحذر المسلمين، وعسى أن تكون هذه الكلمات طليعة لأقلام أخرى تساهم في إماطة اللثام عن وجه الحقيقة في هذه القضية الخطيرة.
:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد) (http://www.albayan.co.uk/page.aspx?ID=182)


(1) انظر: الخميني في الميزان، د موسى الموسوي، ص 148.
(2) وقد ذكر ذلك في المسجد المركزي في لندن لبعض إخواننا من طلبة العلم، والكاتب هذا في علماء الشيعة الذين يدعون إلى تصحيح المذهب ونبذ الخرافات، وقد نقض الإمامة الشيعية بأدلة
قوية، وله كتاب في ذلك اسمه: (تطور الفكر الشيعي).
(3) انظر: لله ثم للتاريخ، حسين الموسوي، ص 101، ط 4 دار الأمل القاهرة.
(4) المصدر السابق.
(5) لله ثم للتاريخ، مصدر سابق، ص 771 72.


http://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=2883