المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهدفُ التقرُّب إلى الله



عزتي بديني
2008-12-07, 11:18 PM
الهدفُ التقرُّب إلى الله


شُرع لنا في يوم النَّحر أن نتقرَّب إلى اللهِ بذبحِ الأضاحي عبادةً لله، وقربةً نتقرَّب بها إلى الله، والله-جل وعلا-قد حثّنا على ذلك،

قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ}[الأنعام:162، 163]،

وقال-جلّ وعلا-: {فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ}[التكاثر:2]، وكان نبيّكم-صلى الله عليه وسلم- كثيرَ الصلاةِ، كثيرَ النحر، وقد حثَّ-صلى الله عليه وسلم- على الأضاحي ورغَّب فيها بقولِه وفعلِه،

فمِن قوله-صلى الله عليه وسلم- ما ثبت عنه أنّه قال: (ما عمل ابنُ آدم يومَ النحر أحبّ إلى الله من إراقة دمٍ، وإنّه يأتي يومَ القيامة بقرونِها وأظلافها وأشعارها، وإنَّ الدّم ليقع من الله بمكانٍ قبلَ أن يقَع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا)، وقال-صلى الله عليه وسلم-لمّا سُئل: ما هذه الأضاحي؟ قال: (سنّةُ أبيكم إبراهيم)، قالوا: ما لنا منها؟ قال: (بكلِّ شعرةٍ حسنة)، قالوا: الصوف؟ قال: (وبكلِّ شعرةٍ من الصوف حسَنة)، ونبيّكم-صلى الله عليه وسلم- حافَظ عليها مدَّةَ بقائِه في المدينة، فما أخَلّ بها سنَةً من السنين، منذ هاجَر إلى أن توُفّي-صلى الله عليه وسلم-، وكان يُعلِن هذه السّنّة ويظهرها للملأ، قال أنس-رضي الله عنه-: كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا صلَّى يومَ النّحر أُتي بكبشَين أقرنَين أملحَين، فرأيتُه واضِعًا قدمَه على صفاحِهما، يسمِّي ويكبِّر، فيذبحهما بيدِه-صلواتُ اللهِ وسلامه عليه-، ممَّا يدلّ على عظيمِ هذه السّنّة.

أيّها المسلم: ليسَ الهدفُ منها اللّحم، ولكنَّها قربةٌ تتقرّب بها إلى الله، قال الله-جلّ وعلا-: {لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ}[الحج:37]، إذًا فذبحُها أفضلُ من الصدقة بثمنِها.

والمسلم يضحِّي عن نفسِه وعن أهلِ بيتِه، أحيائِهم وأمواتِهم، فإنَّ نبيَّنا-صلى الله عليه وسلم-كانَ يضَحِّي بكبشَين؛ أحدُ الكبشين عن محمّد وآل محمد، والثاني عمَّن لم يضَحِّ مِن أمّة محمّد-صلوات الله وسلامه عليه-، فضحِّ عن نفسك، وضحِّ عن أهل بيتك، قليلٍ وكثير.

وسنّة محمّد-صلى الله عليه وسلم- دلَّت على أنَّ الشاةَ الواحدة تغني الرجلَ وأهلَ بيته، قال أبو أيوب الأنصاري-رضي الله عنه- لمّا سُئل عن الأضاحي في عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: كان الرّجل منّا يضحّي بشاةٍ واحدة عنه وعن أهل بيته، حتى تباهى الناس فكانوا كما ترى. بمعنى أنَّ الرجلَ إذا ذبح أضحيةً واحدة عنه وعن أهل بيتِه الأحياءِ منهم والأموات وأشركهم جميعًا في ثوابها نالهم ذلك الثوابُ بفضل الله، فليس الهدف التعدّد، إنّما الهدفُ التقرّب إلى الله.


أيّها المسلم، وأمّا الوصايا التي أوصى بِها الأمواتُ فينفّذها المسلم كما كانت لا يزيد ولا ينقص، لا يُدخل فيها من ليس منها، ولا يخرج منها من هو فيها، وإذا عجز ريع الأوقاف عن الأضحية في عام فأخِّرها ولو عامًا آتيًا، وإذا كان الرجلُ قد أوصَى بعدّة أضاحي وعجز في ثلثه عن القيام بها كلّها فلا بأسَ أن تجعلَها في شاةٍ واحدة وتُشرَّك الجميع، إذا كان الموصي واحدًا أوصى بعدةِ أضاحي فلم يكن غلّة ذلك الوقف تغطّي الجميعَ.
إنَّ نبيّنا-صلى الله عليه وسلم- جعل للأضاحي وقتَ ابتداء، فابتداءُ ذبحها من بعد نهاية صلاةِ عيد النحر، يقول-صلى الله عليه وسلم- : (من صلَّى صلاتَنا ونسك نسكنا فقد أصاب السنّة، ومن ذبَح قبل الصلاةِ فليُعِد مكانَها أخرى).

وبيَّن-صلى الله عليه وسلم- السِّنَّ المعتبَر في الأضاحي، وأنَّها الثني أو الجذع مِن الضأن، وفي الإبل خمس سنين، وفي البَقر سنتان، وفي المَعز سنة، وفي الجذع من الضأن ستة أشهر، فلا يجزئ الأضاحي إلا مِن بهيمة الأنعام؛ من الإبل والبقر والغنم.
ولا بدَّ من سلامتها من العيوب التي تمنَع الإجزاء؛ لأن المقصدَ التقربُ إلى الله بالطيِّب، قال تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ}[البقرة:267]،

فنهى-صلى الله عليه وسلم- أن يُضحَّى بالعوراء البيّن عورها، وهي التي انخسفت عينُها أو برزت فلا تبصِر بها ولو كانت قائمة، ونهى أن يضحَّى بالمريضة البيّن مرضُها، والتي ظهر أثر المرض عليها في مشيِها في أكلِها في شربِها، ونهى بأن يضحَّى بالعرجَاء البيّن ضلعُها، ونهى أن يضحَّى بالعجفاء الهزيلة التي لا تُنْقِي.

وجاء أيضًا النهيُ عن أعضَب القرن والأذن؛ ما كان القطع في الأذن أو القرن أكثر من النصف، وكُره نقصٌ فيها، قال علي-رضي الله عنه-: أمرنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن نستشرِف العينَ والأذن، فكلّ ذلك مكروهٌ التضحيةُ به، أمَّا العيوب الأربعة من العرَج والعوَر والمرَض والهُزال فتلك لا تجزئ مطلقًا، وما كان أشدَّ منها كذلك.

أيّها المسلم: تقرَّب إلى الله بها، وتولَّ ذبحَها إن كنت تقدر على ذلك اقتداءً بنبيّك-صلى الله عليه وسلم-، واحضُر ذبحَها فإنّها من شعائِر الدين، وعظِّموها كما أمركم بذلك ربّكم، واذبَحوا أضاحيكم في بلادِكم، ولا تكِلوها إلى مَن لا تعلَمون أمانته ونزاهتَه مِن أولئك الذين يطلبون إخراجَها والتبرّع بها ليتولَّوا ذبحَها في غيرِ بلادِكم، وكثيرٌ منهم ليسُوا على مستَوى المسؤولية في ذلك، فتولّوا بأنفسِكم الإشرافَ على هذه السّنّة، الإشرافَ على هذه العبادة ومباشرتَها، فإنَّها طاعةٌ لله وقربة تتقرّبون بها إلى الله.
يُروى في الحديث وإن كانَ فيه مقال أنَّ النبيّ-صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: (قُومي إلى أضحيتِك فاشهديها، فإنّه يُغفَر لك بأوَّل قطرةٍ من دمها).

لا شكَّ أنَّها طاعةٌ لله، وقربة يتقرّب بها العبادُ إلى الله، يُحيون سنّة نبيّهم -صلى الله عليه وسلم- وسنّة أبيهم إبراهيم، يتقرّبون بذلك إلى الله، ليس الهدفُ اللحم، ولكن الهدف العبادة لله؛ ليرغِموا أعداءَ الإسلام الذين يتقرَّبون إلى قبور الأموات، ويذبَحون لهم وينذرون لهم، والمسلمُ يتقرَّب بذبحِه إلى الله طاعةً لله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:162، 163].
ليس الهدفُ غلاء الثمَن مطلقًا، إنّما الهدفُ السلامة من العيوب، وخيرُ الأمور أوساطُها، ولا يلزَم التقصِّي في أغلى الثمَن وفي نحوِ ذلك، فإنَّ الهدفَ الطاعةُ، والمهمّ السلامة من العيوب، وخلوّها من العيوب التي تمنَع الإجزاءَ أو التي تنقص الثوابَ، فاتقوا الله يا عباد الله، وتقرَّبوا إلى الله بما يُرضيه.


نقلًا من موقع المنبر
للشيخ: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ -حفظه الله-

مُسلمة
2008-12-07, 11:23 PM
جزاكم الله كل خير
ونفع بكم
....
عيدكم مبارك

عزتي بديني
2008-12-08, 03:24 AM
جزاك ربي الجنان

مرورك أسعدني غاليتي