المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة: (عِصْمَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ). بين الداعي و al kharek.



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 [8] 9 10 11 12

الداعي
2009-07-09, 06:23 AM
الداعي (http://www.albshara.com/member.php?u=10384) http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/4834albshara.gif
مواطن بدأ نشاطه
تاريخ التسجيل بالموقع: December, 2008
المداخلات: 80



http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/4835albshara.gif


قبل الولوج في تفنيد ما سبق, وقبل الشروع في دحضه لا بدَّ ممًّا يلي:
عصمة الأنبياء, وعصمة النبي محمد_ عليهم السلام _تبدأ عندما يصبح الواحد فيهم نبيًّا, وعصمتهم ضابطها التبليغ؛ فكلُّ ما من شأنه أن يطعن في التبليغ فهم معصومون منه, فلمَّا ثبت لدينا_ نحن المسلمين _أن المعاصي تخل في التبليغ, وفي كون النبي قدوةً, قال العقل بعصمتهم منها, وهكذا في كلِّ أمر.
والنسيان الذي يعصم منه النبيُّ, أيُّ نبيٍّ هو الذي يخلُّ في التبليغ. فلمَّا كان نسيان الوحي قبل التبليغ مُخلًّا في التبليغ حصلت فيه العصمة حتى يُبلِّغه, فإذا بلَّغه لا ضير في نسيانه مع تكفل الله له بتذكُّره؛ لأنَّ النسيان من فطرة الإنسان وجبلته التي جبل عليها, ولا يستطيع أن يتحكم فيه؛ لأنَّه ليس في مقدوره, ولو كان كذلك, لما نسي امرؤ شيئًا حفظه بعدما تجشم مشاقِّ الحفظ وعنته!!
والنقد في هذه العصمة يكون بأحد أمرين:
1. أن يثبت المناظر أن النبي قد قام بما يخلُّ في التبليغ في المفهوم الإسلامي, كأن يثبت أنه زنا خلال نبوته, أو سرق, أو عبد وثنًا.
2. أن يثبت أن مفهوم العصمة خاطئ حسب وجهة النظر الإسلامية. فمثلاً لا يرى المسلمون بأسًا في عصمة نبيهم إذا نسي آية بعد تبليغها ثمَّ هيَّأ الله له الظروف لتذكرها. فإن كان المناظر يرى هذا خاطئًا, فنقبل قوله, ويكون حجَّةً علينا بشرطين اثنين:
أ‌- أن يكون ما يريد تِبْيِانَ خطئه مما يعتقد صوابه في العصمة لديهم مع الدليل. فمثلاً, إذا أراد المناظر أن ينتقد نسيان النبي للآية حتى ولو تذكرها فيما بعد, عليه أن يثبت لنا أن المسيحيين يقولون: إنَّ عصمة النبي تشمُل حفظ آيات ما يكتب, فلوقا يحفظ إنجيله عن ظهر قلب, ولا ينساه قطُّ, وسليمان يحفظ نشيد الأنشاد عن ظهر قلب, ولا ينساه قطُّ, وبطرس يحفظ رسالتيه عن ظهر قلب, ولا ينساهما قطُّ, وموسى يحفظ أسفاره عن ظهر قلب, ولا ينساهم قطُّ, وأن يوثق أن هذا الكلام كان صحيحًا, وهكذا دواليك. أمَّا أن ينتقد المناظر شيئًا لا نعتقد صوابه نحن, ولا يعتقد صوابه هو, فهذا هو التعنت والكبر, وهذا هو الضلال المبين, وهذا لا يقبله عقلي سوي, ولا تستسيغه فطرة سليمة!!
ب‌- أن يأتي بالبرهان الساطع, والسلطان المبين, والحجة الدامغة, والدليل الخريت على صدق معتقده, وزيف معتقد المناظر المقابل له.
وبغير هذين الشرطين لا نقبل أن نناقش ما يقول, ولا طائل من تحته, ولا فائدة كذلك.

__________________

ثمَّ تكونُ خلافةً على منهاجِ النبوةِ. فتحت القسطنطينية, والآن ننتظر فتح روما: فما موقفك من تحقيق هذه البشرى؟

ذو الفقار
2009-07-11, 10:59 AM
فنص القرآن او الكتاب المقدس نأتى به مصحوبا بالتفسير ولكن المعانى والصياغات فمن مصادر أخرى


جمع فاسد بالتأكيد فهو يجمع بين القرآن والكتاب المقدس وكأن كلاهما نصه مصدره الوحي

فنحن نؤمن أن القرآن كلام الله لفظاً وكتوباً بلفظه فى المصحف

أما الكتاب المقدس فهم يؤمنون بأنه وحي سماوي كتبه البشر بقلمهم وبتعبيراتهم



أكمل يا أخي زادك الله علما

الداعي
2009-07-12, 01:38 AM
الداعي (http://www.albshara.com/member.php?u=10384) http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/5148albshara.gif
مواطن بدأ نشاطه
تاريخ التسجيل بالموقع: December, 2008
المداخلات: 81



http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/5149albshara.gif القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).




الزميل المناظر, القراء الكرام, مرحبًا وسهلاً بكم.

برنامج هذه المداخلة هو الآتي:
1. القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).
2. القول الفصل في (النسيان بعد التبليغ).
3. تفسير وأسباب نزول آية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾, (الحج: 52).
أولا_ القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).
للفظ في أصول الفقه مباحث من حيث اعتباره, وهي_:
1. تقسيم اللفظ باعتبار الدال وحده.
2. تقسيم اللفظ باعتبار المدلول وحده.
3. تقسيم اللفظ باعتبار الدال والمدلول.
ونحن سنقصر حديثنا على ما يعنينا من هذه الاعتبارات, ألا وهو: (تقسيم اللفظ باعتبار الدال وحده). لأنَّه يتحدث عن مبحث (المنطوق والمفهوم) الذي هو مناط هذه المسألة.
نقسم اللفظ باعتبار الدال وحده، أي باعتبار دلالة الألفاظ، إلى ثلاثة أقسام:
أحدها دلالة المطابَقة وهي دلالة اللفظ على تمام مسماه، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، وسمي بذلك لأن اللفظ طابَق معناه.
والثاني دلالة التضمن وهي دلالة اللفظ على جزء المسمى، كدلالة الإنسان على الحيوان فقط أو على الناطق فقط، وسمي بذلك لتضمنه إيّاه أي سمي تضمناً لكون المعنى المدلول في ضمن الموضوع له.
والثالث دلالة الالتزام وهي دلالة اللفظ على لازمه، كدلالة الأسد على الشجاعة، وسمي بذلك لكون المعنى المدلول لازماً للموضوع له. والمعتبَر باللزوم هو اللزوم الذهني أي إنّما تُتصور دلالة الالتزام في اللازم الذهني وهو الذي ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ، سواء أكان لازماً في الخارج أيضاً مع اللزوم الذهني كالسرير والارتفاع، أم غير لازم في الخارج كالعمى والبصر. ولا يأتي ذلك في اللازم الخارجي فقط، فإنه إذا لم ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ لم تحصل الدلالة البتة. وهذا اللزوم شرط وليس بموجب، يعني أن اللزوم بمجرده ليس هو السبب في حصول دلالة الالتزام بل السبب هو إطلاق اللفظ واللزوم شرط.
المنطوق: دلالة الخطاب على الحكم إن كانت من اللفظ فهي دلالة المنطوق، وإن كانت من المعنى الذي دل عليه اللفظ فهي دلالة المفهوم. والمنطوق هو ما دل عليه اللفظ قطعاً في محل النطق، أي ما فُهم من اللفظ مباشرة من غير واسطة ولا احتمال، فتَخرج دلالة الاقتضاء لأنها لم تُفهم قطعاً بل احتمالاً, ولم تُفهم مباشرة من اللفظ وإنما يقتضيها ما فُهم من اللفظ.
المفهوم: هو ما فُهم من اللفظ في غير محل النطق، أي هو ما دل عليه مدلول اللفظ، يعني المعنى الذي دل عليه معنى اللفظ. فالمنطوق ما فُهم من دلالة اللفظ. أمّا المفهوم فهو ما فُهم من مدلول اللفظ كقوله تعالى: ﴿ولا تقُل لهما أفّ﴾، فإن دلالة اللفظ هي لا تتأفف لهما، وهذا هو المنطوق، ولكن مدلول اللفظ وهو النهي عن التأفيف يُفهم منه لا تضربهما، فيكون مفهوم قوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أفّ﴾ هو لا تضربهما. فتحريم ضرب الوالدين المفهوم من قوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أفّ﴾ قد دل عليه مفهوم الآية. فالخطاب فيه قد دل على الحكم بالمفهوم, وهو المسمى بالدلالة المعنوية والدلالة الالتزامية.
وذلك لأن اللفظ ينقسم باعتبار الدال وحده إلى ثلاثة أقسام: هي المطابَقة والتضمّن والالتزام. فالمطابَقة هي دلالة اللفظ على تمام معناه، والتضمن دلالة اللفظ على جزء المسمى، وكلاهما دلالة من اللفظ قطعاً من غير احتمال، أي دلالة من اللفظ مباشرة، ولذلك كانا من المنطوق. أمّا دلالة الالتزام فهي دلالة اللفظ على لازم معناه، فهي حقيقتها مدلول المعنى وليس مدلول اللفظ، وقد دل عليها اللفظ بشكل غير مباشر أي من دلالته على المعنى لا من لفظه، أي أن المعنى فُهم من اللفظ لا في محل النطق، يعني فُهم من معنى اللفظ. وهو ما يسميه بعضهم (المنطوق غير الصريح).
وعليه فالمفهوم هو دلالة الالتزام، وحيث أن دلالات اللفظ باعتبار الدال وحده محصورة في هذه الدلالات الثلاث، وحيث أن دلالة المطابَقة ودلالة التضمن هما من المنطوق، فلَم تبق إلا دلالة واحدة هي دلالة الالتزام وهي من المفهوم، فتكون كل دلالة من الدلالات إذا لم تكن من المنطوق فهي من المفهوم. فتكون دلالة اللفظ محصورة بالمنطوق والمفهوم. فإذا لم تكن من المنطوق فهي من المفهوم ولا يوجد غير ذلك. وعلى هذا تكون دلالة الاقتضاء ودلالة التنبيه والإيماء ودلالة الإشارة من المفهوم، وكذلك يكون مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة من المفهوم.
· دلالة الاقتضاء: هي التي يكون اللازم فيها مستفاداً من معاني الألفاظ، وذلك بأن يكون شرطاً للمعنى المدلول عليه بالمطابَقة. واللازم قد يكون العقل يقتضيه، وقد يكون الشرع يقتضيه، إما لضرورة صدق المتكلم، وإما لصحة وقوع الملفوظ به.
· دلالة التنبيه والإيماء: إنما تقع فيما يدل على العلّيّة، وهي أن يكون التعليل لازماً من مدلول اللفظ وضعاً، لا أن يكون اللفظ دالاً بوضعه عن التعليل، يعني أن اللفظ لا يدل بوضعه على التعليل، إذ لو دل لَما كان من دلالة التنبيه والإيماء، بل إن مدلول اللفظ وضعاً يلزم منه بحسب وضع اللغة معنى آخر غير ما دل عليه اللفظ، فالدلالة على المعنى الآخر اللازم لمدلول اللفظ حسب وضع اللغة هي الدلالة بالتنبيه والإيماء.
· دلالة الإشارة: هي أن يكون الكلام قد سيق لبيان حكم أو دل على حكم ولكنه يُفهم منه حكم آخر غير الحكم الذي سيق لبيانه أو جاء ليدل عليه، مع أن هذا الحكم الآخر لم يكن مقصوداً من الكلام، فدلالة الكلام على هذا الحكم الذي لم يُسَق له ولم يدل عليه ولكن يُفهم منه، هي دلالة الإشارة.
· مفهوم الموافقة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافِقاً لمدلوله في محل النطق. يعني أن ما فُهم من مدلول اللفظ من معان وأحكام يكون موافِقاً لما فُهم من اللفظ نفسه. فالمعنى اللازم لمدلول اللفظ إذا كان موافقاً لذلك المدلول فهو مفهوم الموافَقة، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب، والمراد به معنى الخطاب.
· مفهوم المخالفة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفاً لمدلوله في محل النطق، يعني أن ما فُهم من مدلول اللفظ من معانٍ وأحكام يكون مخالفاً لما فُهم من اللفظ نفسه. فالمعنى اللازم لمدلول اللفظ إذا كان مخالفاً لذلك المدلول فهو مفهوم المخالَفة. ويسمى دليل الخطاب ولحن الخطاب، وذلك كمفهوم الصفة، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد.
الآن نأتي لتطبيق ما سبق ذكره على آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾:
1. من الاعتبارات التي يبحثها الأصوليون: (تقسيم اللفظ باعتبار الدال والمدلول), أي باعتبار اللفظ والمعنى, وهو سبعة أقسام, هي: (المنفرد والمتباين والمترادف والمشترك والمنقول والحقيقة والمجاز). ولفظ (الرجز) لفظ مشترك, أي ذات دلالات متعددة, وهي: العذاب, والقذر, والأوثان, والمأثم, وغير ذلك. وقد فسَّر المفسرون لفظ (الرجز) في الآية بعدة تفسيرات, ولم يتفقوا على معنى واحد؛ قال مجاهد وعكرمة: يعني الأوثان, وعن ٱبن عباس: والمأثم فاهجر؛ أي فاترك. وعن إبراهيم النَّخَعيّ: الرُّجز الإثم. وفسر كذلك بالعذاب؛ لأنه معناها الأصلي. ولمَّا رأينا المفسرين قد اختلفوا في المراد من لفظ (الرجز), فلم يتفقوا على أنه الأوثان, أي الأصنام؛ لما علمنا ذلك سقط الاستدلال بهذه الآية على كون النبي e كان متلبسًا في عبادة الأوثان؛ لأن القاعدة الأصولية هي: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال), فلما كان من المحتمل أن يكون الرجز غير الأوثان, سقط الاستدلال بهذه الآية؛ لأنها آية متشابهة, أي ظنية الدلالة, وليست قطعية الدلالة, أي لا يفهم منها معنىً واحدٌ فقط, بل يفهم منها أكثر من معنى, فلو كانت الآية هي: (والأصنام فاهجر), لعلمنا أنَّ الآية قطعية الدلالة, أي تدل على شيء واحد لا يفهم غيره, وهو الأوثان. إذن, لما كانت هذه الآية محتملة للأوثان ولغيرها لم تعد صالحة للاستدلال, بل الدليل يجب أن يكون قطعيًّا, وهذه آية ظنية, والقاعدة الأصولية: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال). وعلى هذا, على المناظر أن يبحث عن نصٍّ قطعي الدلالة, وليس ظني الدلالة.
2. لو فرضنا فرضًا جدليًا, وقلنا: إنَّ هذه الآية قطعية الدلالة, أي إن الرجز هنا معناه الأصنام فقط, فهل تصلح الآية في كونها دليلاً على أنَّ النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان من قبل البعثة؟ لِنَرَ ذلك:
· الآية تقول: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, ومنطوق الآية يفيد الأمر بهجر الأصنام, فلا تدل الآية قطعًا في محلِّ النطق أن النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان, بل الآية تدل قطعًا في محلّ النطق على تحريم التقرب من الأوثان. نعم, هذا هو منطوق الآية.
· والمعنى على هذا لا يستقيم شرعًا؛ لأنَّ النبي e لم يهجر الأصنام, بل كان يمرُّ بجانبها عند الكعبة, وهجرها يعني عدم الاقتراب منها, وهنا الشرع يقتضي لازمًا؛ ليصح الملفوظ به, فبدلالة الاقتضاء يكون تقدير الكلام هو: (وعبادةَ الرجزِ فاهجر), فدلالة الاقتضاء اقتضت إبراز لفظ العبادة الذي هو لازم للفظ. فالمنطوق لم نفهم منه الأمر بهجر عبادة الرجز, بل فهمنا منه الأمر بهجر الرجز, أي بهجر الأصنام. أما بالمفهوم_ وهو هنا دلالة الاقتضاء _علمنا أن لازم اللفظ يتطلب تقدير لفظ العبادة, ففهمنا من الأمر هجر عبادة الرجز, وليس هجر الرجز, فجائز الاقتراب من الأوثان وعدم هجرها, ولكن عبادتها هي التي غير جائزة. وهذا حتى يصح الكلام الملفوظ به شرعًا. وهي هنا كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾, فمنطوق الآية هو سؤال القرية, ومفهوم الآية حسب دلالة الاقتضاء هو سؤال أهل القرية, وليس القرية, لكن هذا يقتضيه العقل, وليس الشرع.
· جاءت الآية تحرم عبادة الأوثان, وبدلالة الإشارة نفهم أنَّ قريشًا كانت وثنية, ولم تكن مجوسية ولا صابئة ولا كتابية. وبدلالة الإشارة نفهم أن النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان. نعم, هذه نتيجة تصحُّ لو لم تُعارض منطوقًا صريحًا, فالقاعدة الشرعية هي: (المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق), أي المنطوق غير الصريح لا يقوى على معارضة المنطوق الصريح.
· ونضرب هنا مثلا على دلالة الإشارة (إشارة النص): يقول البقاعي في تفسير الآية رقم: (11) من النساء ما يلي:" ولما بان سهم الذكر مع الأنثى بعبارة النص (منطوق النص)، وأشعر ذلك بأن لهن إرثاً في الجملة وعند الاجتماع مع الذكر، وفُهم بحسب إشارة النص (دلالة الإشارة) وهي ما ثبت بنظمه، لكنه غير مقصود، ولا سبق له النص, حكم الأنثيين إذا لم يكن معهن ذكر، وهو أن لهما الثلثين، وكان ذلك أيضاً مفهماً لأن الواحدة إذا كان لها مع الأخ الثلث كان لها ذلك مع الأخت إذا لم يكن ثمَّ ذكر من باب الأولى، فاقتضى ذلك أنهن إذا كن ثلاثاً أو أكثر ليس معهم ذكر استغرقن التركة، وإن كانت واحدة ليس معها ذكر لم تزد على الثلث؛ بَيْنَ (غير) أن الأمر ليس كذلك- كما تقدم -بقوله مبيناً إرثهن حال الانفراد: ﴿فإن كن﴾ أي الوارثات ﴿نساء﴾ أي إناثاً. ولما كان ذلك قد يحمل على أقل الجمع، وهو اثنتان حقيقة أو مجازاً حقق ونفى هذا الاحتمال بقوله: ﴿فوق اثنتين﴾ أي لا ذكر معهن ﴿فلهن ثلثا ما ترك﴾ أي الميت، لا أزيد من الثلثين ﴿وإن كانت﴾ أي الوارثة ﴿واحدة﴾ أي منفردة، ليس معها غيرها ﴿فلها النصف﴾, أي فقط". والشرح: البقاعي استنبط حكمًا شرعيًّا بدلال الإشارة, ألا وهو: (إذا كانت الوارثات ثلاثةً أو أكثر, وليس معهنَّ ذكر فلهنَّ التركة جميعًا لا يبقين منها شيئًا), فلمَّا كان المنطوق وهو قول الله: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾, مخالفًا لدلالة الإشارة التي تجعل النساء أكثر من اثنتين يرثن التركة كلَّها وليس ثلثيها, فلما كان هذا لا قيمة للنتيجة التي استنبطها بدلالة الإشارة؛ لأن المفهوم (دلالة الإشارة) لا تقوى على معارضة المنطوق, النص الصريح. واستنبط حكمًا آخر بدلالة الإشارة, ألا وهو: (إذا كانت الوارثة أنثى واحدة, وليس معها ذكر, فلا يجوز أن ترث أكثر من ثلث التركة), فلمَّا كان المنطوق وهو قول الله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾, مخالفًا لدلالة الإشارة, لم نلتفت لدلالة الإشارة, بل التزمنا منطوق النص؛ لأنها لا تقوى على معارضته.
· إذن, فهمنا بدلالة الإشارة أنَّ النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان, فهذه نتيجة تصحُّ لولا حديثان يتعارض منطوقهما مع مفهوم الإشارة, أي دلالة الإشارة. والحديثان هما:
1) يقول النبي e:" لما نشأت بُغِّضت إلي الأوثان وبُغِّض إلي الشعر، ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين, كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد، حتى ما هممت بسوء بعدهما حتى أكرمني الله برسالته", رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
2) وقوله في قصة بحير حين استحلف النبي e باللات والعزى؛ إذ لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة فاختبره بذلك؛ فقال له النبي e:" لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما".أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة.
· هذان الحديثان بمنطوقهما ينفيان عن النبي e أنَّه كان متلبسًا بعبادة الأوثان, والآية بدلالة الإشارة تعارض هذين الحديثين بمنطوقهما, والقاعدة الأصولية: (المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق). فلا عبرة باستنتاج دلالة الإشارة بما أنه عارض منطوق النصوص.
3. الآن نأتي لطريقة زميلنا المناظر في تطبيق الدلالات؛ لأنَّ نتيجته التي أتانا بها هي نتيجة لتطبيقه دلالاتِ النصوص؛ إذ يقول: (تلك نتيجة مستنبطة بتطبيق مبحث الدلالات على الموضوع وعلى الأخص المنطوق الغير صريح). وقد مهد المناظر حديثه ببعض الشرح عن (المنطوق غير الصريح), ثمَّ انتقل للاستنباط. فهل كان موفقًا زميلنا المناظر في استنباطاته؟! لنرَ ذلك:
· في الحقيقة بدأ زميلنا بداية سليمة صحيحة, فقال: (3- دلالة الإشارة ما يخصنا فى الموضوع). فدلالة الإشارة هي التي تعنينا في موضوعنا من حيث كون النبي e كان متلبسًا بالأصنام, أي بعبادتها. ثمًّ نكص عن هذه البداية السليمة إلى أخرى سقيمة, فقال: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). لماذا غير مرتبط بالموضوع؟ ألم تقل قبل كلمات قليلة: (ما يخصنا في الموضوع)؟!
· هذا التناقض والاضطراب الذي وصل إليه زميلنا, جعله يستنبط استنباطات ما أنزل الله بها من سلطان. والغريب العجيب أنه يقول لي: (من الواضح أن الزميل الذى يصف نفسه بالمناظر قد راعه ما سطرته بصدد اللغة العربية)!! هل يروعني ما وقعتَ به من زيغ في الاستنباطات اللغوية حسب دلالات النص؟! ثمَّ إنني طالبُ حقٍّ, ولن أتردد بالإذعان لكلِّ حقٍّ تبينه لي, وهذا عهد منِّي لك. وأرجو أن تكون كذلك.
· يقول زميلنا المناظر: (سبق القول: فعل الامر الايجابي هو الذى يأمر فيه المتكلم المخاطب بفعل امر معين كنشاط ايجابى من المأمور اما فعل الأمر السلبي فهو الذى يأتى فى صياغة تأمر المخاطب او المأمور بترك فعل معين او الكف و الإمتناع عنه كنشاط سلبى من المأمور وبالعقل يفهم من ذلك ( دلالة اقتضاء لصحة الكلام عقلا ) فى فعل الامر الايجابي ان المخاطب او المأمور لم يكن يفعل الشئ الذى أمر به قبل توجيه الأمر له وإلا فاذا كان يفعله فما جدوى ان يؤمر بفعله وهو اصلا يفعله بل من المنطقى ان تأتى الصياغة لتطالبه بالإستمرار فى فعله او الثبات على فعله ( عن طريق دلالة إيماء تفيد ذلك ) بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي مثل ( كعادتك ، كدأبك ، كشأنك ...الخ ) اما فى فعل الامر السلبي والذى يتم فيه أمر الشخص المخاطب بترك امر معين او الكف عنه فلا يعقل ان يتم مطالبة شخص بترك شئ معين بفعل امر سلبي مالم يكن فاعلا له والا لأصبح ذلك مجرد لغو لا طائل من وراءه ( دلالة إقتضاء لصحة القول عقلا ) وانما من العقل ان تأتى الصياغة لتأمره بالثبات على الترك ( دلالة ايماء ) لتفصح عن حالة المأمور فى الماضى), وهذا نصٌّ فيه مغالطات كثيرة, وأمور كنتَ ترفضها من قبل ثمَّ تثبتها الآن, وهذا بيانه فيما يلي:
ü أيها الزميل, ألا ترجع إلى تعريفات الدلالات التي وضعتها أنت, أو التي جئتك أنا بها, ثمَّ تنظر إلى الفجوة بين تعريفاتها وبين تطبيقاتك؟!
ü تعتبر أنَّ الأمر الإيجابي يدلُّ على أنَّ المأمور به كان تاركًا له حسب دلالة الاقتضاء, وهذا خطل ما بعده خطل؛ لأنَّ دلالة الاقتضاء سميت كذلك؛ لأن المعنى الذي دل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا أو عقلا. فعندما أقول لك: (احمل القلم), هل يوجد أمر يتعارض مع صحة المعنى شرعًا أو عقلاً؟ قطعًا لا يوجد. لكن لو قلت لك: (استمسك بالآخرة), فإنَّ منطوق النص هو (الأمر بالتمسك بالآخرة), وهذا كلام لا يصحُّ عقلاً, فبدلالة الاقتضاء يجب أن نقدر كلامًا مضمرًا حتى يصح اللفظ, فنقول: (استمسك بالأعمال التي تنجيك بالآخرة). أمَّا ادعاؤك أن هذا الأمر الإيجابي يدل على أن المأمور به كان تاركًا له حسب دلالة الاقتضاء فهو خطأ, فلا دخل لدلالة الاقتضاء في هذا أصلا!! ولو قلت بدلالة الإشارة نفهم أنَّ المأمور به كان تاركًا له لقبلنا منك ذلك, ولكنك قلت: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). فأنت نفيت أصلاً أن يكون لدلالة الإشارة أي صلة بالموضوع.
ü ثمَّ إنَّك هنا, نسفت ما كنت تتبناه من قبل في مداخلاتك, فلما قلنا لك يقول الله Y: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾, فهذا الله يأمر نبيه بالتقوى مع أنه يتقيه, كنت تقول لنا: (فأين فعل الامر السلبي الذى يطالب بالكف او الامتناع, كلاهما فعل امر ايجابي), ثم نراك الآن تقول: (فى فعل الامر الايجابي ان المخاطب او المأمور لم يكن يفعل الشئ الذى أمر به قبل توجيه الأمر له وإلا فاذا كان يفعله فما جدوى ان يؤمر بفعله وهو اصلا يفعله), فلماذا هذا التناقض يا زميل؟ فقد أثبتنا لك أن الله Y أمر نبيه بالتقوى مع أنه كان قائمًا بها, أي أمر بشيء والنبي e يفعله.
ü وكذلك الحال مع فعل الأمر السلبي, فأنت تعتبر أنَّ فعل الأمر السلبي يدلُّ على أن المأمور به كان قائمًا بالفعل حسب دلالة الاقتضاء, وهذا خطل ما بعده خطل؛ لأنَّ دلالة الاقتضاء سميت كذلك؛ لأن المعنى الذي دل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا أو عقلا. فعندما أقول لك: (اترك القلم), هل يوجد أمر يتعارض مع صحة المعنى شرعًا أو عقلاً؟ قطعًا لا يوجد. لكن لو قلت لك: (اترك الدنيا), فإنَّ منطوق النص هو (الأمر بترك الدنيا), وهذا كلام لا يصحُّ عقلاً, فبدلالة الاقتضاء يجب أن نقدر كلامًا مضمرًا حتى يصح اللفظ, فنقول: (اترك ملذات الدنيا وزينتها). فالأمر بترك الدنيا هو أمر بترك زينتها وملذاتها حسب دلالة الاقتضاء. أمَّا ادعاؤك أن هذا الأمر السلبي يدل على أن المأمور به كان قائما به حسب دلالة الاقتضاء فهو خطأ, فلا دخل لدلالة الاقتضاء في هذا أصلا!! ولو قلت بدلالة الإشارة نفهم أنَّ المأمور به كان قائما به لقبلنا منك ذلك, ولكنك قلت: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). فأنت نفيت أصلاً أن يكون لدلالة الإشارة أي صلة بالموضوع.
ü قولك: (بل من المنطقى ان تأتى الصياغة لتطالبه بالإستمرار فى فعله او الثبات على فعله ( عن طريق دلالة إيماء تفيد ذلك ) بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي مثل ( كعادتك ، كدأبك ، كشأنك ...الخ )). قولك هذا فيه مغالطات شتى؛ ذلك أنَّك لم تستطع إدراك حقيقة (دلالة الإيماء والتنبيه)؛ فدلالة الإيماء والتنبيه هي التي تنبِّهك على علِّة النص, وتومئ إليها, نحو: يقول النبي e:" من مس فرجه فليتوضأ"؛ فبدلالة الإيماء نفهم أنَّ مس الفرج علَّة للوضوء. ولننظر إلى التعريف الذي سقته أنت: (اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا. والمراد بالوصف: اللفظ المقيد لغيره سواء كان شرطا أو غاية أو استثناء. ومعنى: لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا: أي: لو لم يكن اقتران الوصف بحكم أو نظيره لتعليل الحكم لكان بعيدا). ففي الحديث اقترن وصف بحكم لتعليل الحكم؛ أما الوصف, فهو الشرط: (من مسَّ). وأمَّا الحكم, فهو وجوب الوضوء: (فليتوضأ)؛ وعلة الوضوء هو مس الفرج. أي اقترن في الحديث مس الفرج_ وهو وصف _بوجوب الوضوء_ وهو الحكم _لإفادة أنَّ مسَّ الفرج علَّة لوجوب الوضوء. والآن نأت لمثالك, ألا وهو: (احمل القلم كعادتك). أنت قلت: (بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي), ولكنَّ لفظ (كعادتك) ليس شرطًا, بل هو تشبيه. ثمَّ إنَّه لا يفيد تعليل الأمر بحمل القلم, فكان بعيدًا؛ لأنه لم يقترن لتعليله. فلا يوجد هنا أيُّ وجود لدلالة الإيماء. وحتى يصبح المثال صحيحًا نقول: (من كانت عادته حمل القلم فليحمله). فهنا اقترن وصف, وهو: (من كانت عادته) بحكم, وهو: (فليحمله). أي علل الأمر بحمل القلم بكونه كان عادةً له. وعليه, فكلُّ ما قيل بخصوص دلالة الإيماء لا ينطبق على معنى دلالة الإيماء, فقولنا: (احمل القلم كعادتك), لا دخل له بدلاة الإيماء, لا من قريب أو بعيد.
ü قولك: (وانما من العقل ان تأتى الصياغة لتأمره بالثبات على الترك ( دلالة ايماء ) لتفصح عن حالة المأمور فى الماضى). وليس هنا ما نقوله أكثر مما قلناه في النقطة السابقة, غير أن الأمر يكون سلبيًّا. فقولك: (اترك القلم كعادتك) لا يوجد فيه شرط. ولنصصحه نقول: (من كانت عادته ترك القلم فليتركه). وطبق ما قلناه من قبل ها هنا. أي لا دخل لدلالة الإيماء فيما قلته أنت, أيها الزميل.
ü أيها الزميل, ما جئتنا به من تعريفات للدلالات اللغوية لا غبار عليه, ولكنَّ المشكلة أنَّك لا تستطيع أن تُنْزِلَ هذه الدلالات منازلها, ولا تدرك وقائعها, ولا تتقن مسالكها, ولا تفطن لحقيقتها, وقد قلت لك من قبل: (إتيانك_ أيها المناظر _لا نثق به؛ لأنَّ هذه الأمور يحتاج المرء إلى علم رفيع في اللغة العربية حتى يدرك حقيقتها, ولا أريد هنا أن أختبرك في مدى إدراكك لما نسخته ولصقته, بل أريد أمرًا فاصلاً: من أعلم بما ذكرت: أنت أم الإمام ابن كثير؟! قطعًا, لا يلتفت إلى رأي أيِّ شخص ما لم يكن عنده من العلم ما عند ابن كثير, وهذا أمر يقبله أولو الألباب, وترضاه ذوو النهى. إذن, ليس المهم أن تقص وتلصق, بل المهم أن يشهد لك أهل العلم بالقدرة على فهم ما جئت به من مباحث أصول الفقه اللغوية). وأرجو أن تقبل نصيحتي لك, ألا وهي: (إذا أردت أن تتكلم عن دلالات النص, فعليك أن تبدأ بتحسين كتابتك الإملائية, ثمَّ تحسين قواعدك النحوية, ثم إتقان الناحية الأسلوبية في التعبير (بلاغة). وبعد أن تصبح لك قدم راسخةفيما سبق, عليك أن تذهب لأصوليِّ في الفقه؛ ليشرح لك دلالات النص). هذه نصيحة صادقة لك, وإن عزمت على المضيِّ قُدُمًا في الحديث عن الدلالات اللغوية, فإنه يصدق عليك المثل العربي: (تَزَبَّبَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَصْرَم).
· وثمَّة مشكلة تقع بها كثيرًا, ألا وهي: (إنك تحاول أن تمنطق اللغة العربية). فمثلاً تقول كثيرًا: (والا لأصبح ذلك مجرد لغو لا طائل من وراءه). والحقُّ أنَّ أساليب التعبير في اللغات لا تخضع للمنطق, بل عليك أن تلتزم أساليب اللغة التي تدرسها, فتقول من أساليبهم كذا, ومن أساليبهم كذا, ثمَّ تقف. وليس لك الحقُّ في تخطئة أي أسلوب. فمثلا أتينا لك بأسلوب من أساليب العرب تحت عنوان: (بابُ نظم للعرب لا يقولُه غيرهم). وَخُذْ أسلوبًا آخر من أساليب العرب, ألا وهو: (المدح بطريقة الذم). المنطق لا يقبل أن تذمَّ شخصًا في معرض مدحه ويكون مدحًا, ولكنَّ اللغة العربية خالفت المنطق, وأتت بهذا الأمر. فليرجع إلى كتب البلاغة للوقوف على كلام العرب مدحًا في ذمٍّ. وقلنا لك أن تأمر شخصًا بفعل وهو يفعله من البلاغة العربية, وأن تأمر شخصًا بترك فعل لا يفعله من البلاغة العربية, ولكنَّك لم تلتفت إلى كلامي, ولم تعره أدنى اهتمام, وبقيت سادرًا فيما أنت فيه. وهذه هي النقطة التالية في البحث.
· الذي تعتبره مخالفًا للمنطق هو من أساليب البلاغة العربية. وأنت تقول لي: (اولا الأساليب البلاغية فى اللغة العربية معروفة ومنذ أمد بعيد ولها أغراض محددة ومعروفة ، و تستخدم هذه الأساليب فى خدمة تلك الأغراض فالبلاغة ليست بمدعاة لكل شخص فى رفض المعنى الصريح القاطع الدلالة تحت مبرر البلاغة او تبرير الخطأ اللغوى او المنطقى بالبلاغة بدون إيضاح ما هو هذا الغرض البلاغى ام انها بلاغة بدون غرض. فما هو هذا الغرض البلاغى المقصود من وراء توجيه الأمر لشخص تارك للرجز اصلا بتركه مع ملاحظة ان بن كثير لم يشير الى وجود اى شئ بلاغى فى النص بل إكتفى بنفى المعنى الصريح القاطع الدلالة للنص بقوله). ونقول إزاءه ما يلي:
ü لو أنَّك رجعت إلى كتب البلاغة لما قويت يمينك على ما خطَّ قلمك. فأغراض البلاغة محددة ومعروفة, ولو كانت معروفةً لديك لما قلت: (فما هو هذا الغرض البلاغى المقصود من وراء توجيه الأمر لشخص تارك للرجز اصلا بتركه).
ü يقول الهاشمي:" وقد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي, وهو (الإيجاب والإلزام) إلى معان أخرى: تستفاد من سياق الكلام, وقرائن الأحوال, كالدعاء, والالتماس, والإرشاد, والتهديد, والتعجيز, والإباحة, والتسوية, والإكرام, والامتنان, والإهانة, والدوام, والتمني, والاعتبار, والإذن, والتكوين, والتخيير, والتأديب, والتعجب", (جواهر البلاغة, ص: 54_55). وهنا الحديث عن صيغ الأمر بنوعيها: الإيجابي والسلبي. وما يعنينا هنا هو الغرض الحادي عشر, ألا وهو: (الدوام), فقد نستفيد من الأمر بنوعيه حسب السياق وقرائن الأحوال الدوام, أي مطالبة الشخص بالديمومة, سواء أكانت سلبية أو إيجابية.
ü الغرض البلاغي من آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ واحد من اثنين حسب آراء العلماء: فأما الأول: الدوام, أي دم على هجرانها. وأمَّا الثاني: أسلوب (إياك أعني, واسمعي يا جارة). معلوم أنه e لا يفعل شيئاً من ذلك ولم يثبت عليه، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره في ضمن خطابه e. والقاعدة الأصولية هي: (خطاب النبي e خطاب لأمته ما لم يرد دليل التخصيص).
ü طبعًا, العرب كانت تعرف هذا بسليقتها, لأجل هذا لا تجد ابن كثير يشير إلى الأمور البلاغية على وجه التفصيل؛ لأنه كان أمرًا معلومًا لديهم.
ü وحتى أضيء الطريق لزميلنا المناظر, فإنِّي آتٍ له بآية لا تبقي عذرًا لمعتذر, ولا حجةً لمحتج, ألا وهي قول الله Y: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾, (الحج: 30). هذه الآية الثلاثون من الحج, وهي آية مدنية وليست مكية, أي نزلت تخاطب المؤمنين وهم في المدينة المنورة (يثرب), وقد كانوا وقتئذٍ خيرَ مَنْ عُرِفَ من المؤمنين, فهم صحابة رسول الله e, مهاجرين وأنصار, وهم ملتزمون بتوحيد الله الواحد القهار, وهم أبعد ما يكون عن الرجس والأقذار, وهم خير الناس بعد المصطفين الأخيار, وها هو الواحد الجبار, يأمرهم أمرًا سلبيًّا في ترك عبادة الأصنام, وهم برآء من هذه الآثام. وهذه هي قمة البلاغة العربية, أن تخرج من مقصود الأمر إلى بغية سوية, فالحمد لله على آلائه الجسيمة, ونعمائه العظيمة. وبهذه الآية التي يطالبنا بها زميلنا المناظر تنشرح الصدور, وتهنأ النفوس, وتطمئن القلوب, والحمد لله ربِّ العالمين.
ü وقولك: (فطلبتك منك ان تأتي بمثال مثله تماما لكي نفهم), قد أجبناه, وجئناك بمثال مثله.
4. وهنا أنقل أقوالاً أخرى للمفسرين في قوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾:
· يقول البقاعي في تفسيره: (﴿والرجز﴾ أي كل قذر فإنه سبب الدنايا التي هي سبب العذاب، قال في القاموس: الرجز بالكسر والضم: القذر وعبادة الأوثان والعذاب والشرك. ﴿فاهجر﴾ أي جانب جهاراً وعبادة، ليحصل لك الثواب كما كنت تجانبها سراً وعادة، فحصل لك الثناء الحسن حتى أن قريشاً إنما تسميك الأمين ولا تناظر لك أحداً منها).
· تفسير المنتخب: (والعذاب فاترك، أي: دُمْ على هَجْر ما يوصل إلى العذاب).
· تفسير النيسابوري: (هو بالكسر والضم العذاب, والمراد: اهجر ما يؤدي إليه من عبادة الأوثان وغيرها, أي: أثبت على هجره, مثل: اهدنا).
· تفسير الألوسي: (ولما كان المخاطب بهذا الأمر هو النبي e, وهو البريء عن ذلك, كان من باب (اياك أعني واسمعي) أو المراد (الدوام والثبات) على هجر ذلك).
· قال القرطبي:" وأنه e كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم، ولا أشرك بالله، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر, ولا حضر حلف المطر, ولا حلف المطيبين، بل نزهه الله وصانه عن ذلك".
5. وهنا نقف مع التفسير الذي ساقه لنا زميلنا المناظر, ألا وهو: (﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾, يقول: وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: «وَحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ» ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, يقول: الذي أثقل ظهرك فأوهنه، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر، قد أوهنه السفر، وأذهب لحمه: هو نِقْضُ سَفَر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾, قال: ذنبك. وقوله: ﴿أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, قال: أثقل ظهرك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, قال: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يعني: الشرك الذي كان فيه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ قال: شرح له صدرَه، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ، فوضعه. وفي قوله: ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ قال: أثقله وجهده، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل، حتى يصير نِقْضاً بعد أن كان سميناً ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ قال: ذنبك الذي أنقض ظهرك: أثقل ظهرَك، ووضعناه عنك، وخفَّفنا عنك ما أثقل ظهرَك).
· لقد فسر بعض المفسرين الآية بقولهم: (كانت للنبيّ e ذنوب قد أثقلته). ويتساءل زميلنا قائلاً: (ما هو هذا الذنب الذي يثقل الظهر؟ هل هي صغائر؟ فهل الصغائر تثقل الظهر؟), والجواب:
ü قال القرطبي: (والوزر: الذنب؛ أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية؛ لأنه كان e في كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنما ولا وثنا.....فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه. ﴿الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ أي أثقله وأوهنه. قال: وإنما وصفت ذنوب، الأنبياء بهذا الثقل، مع كونها مغفورة، لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها).
ü نعم, الصغائر تثقل الظهر لمن كان تقيًّا؛ لأنَّه شديد الاستحضار لعظمة الله وجبروته وفضله ونعمه, فترى الواحد فيهم إن قام بصغائر الذنوب ثمَّ عاد لرشده مذعورًا خائفًا, يصدق عليه قوله Y: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾, وما هذا إلا لكثرة اشتغالهم بها, وندمهم عليها, وتحسرهم على أنفسهم: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾.
ü هذا مع الإنسان التقي, فما بالك مع أتقى الناس وأخشاهم لله, محمد e؟! لا جرم أنَّه إذا قام بأدنى ذنب في الجاهلية سوف يثقل ظهره.
ü في المقابل, ترى من استحكمت الران على قلبه, والغشاوة على بصره, والأكنة في سمعه, تراه يشرك بالله, ويزني, ويسرق, ويقتل. ولا يؤثر فيه شيء مما قام فيه, بل هو في دعة ورغد عيش, لا يلقي أدنى بال لما اقترفه من الفواحش والمنكرات.
ü إذن, التقي؛ صغائر الذنوب تثقل ظهره. والغوي؛ كبائر الذنوب لا تؤثر فيه!!
ü وعلى كلِّ حال, لو أنَّه_ حسب زعمك _ كانت الذنوب التي أثقلت ظهر النبي e هي كبائر الذنوب, فكبائر الذنوب ليس محصورة في عبادة الأوثان, فلا دليل في هذه الآية حسب التفسير أنه كان يعبد الأوثان, وتخصيص الأوثان من دون مخصص لا قيمة له؛ لأنه بلا دليل.
· المشكلة تكمن في هذا التفسير, ألا وهو: (حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يعني: الشرك الذي كان فيه). ولكنَّ الله يأبى إلا أن يتمَّ نوره:
ü هذه الرواية تعتريها مشكلة كبيرة؛ لأنه اعتبر الذنوب التي أثقلت الظهر هي الشرك الذي كان فيه النبي محمد e, أي أنَّه كان عابدًا للأوثان.
ü يقول ابن المبارك:" الإسناد من الدين. ولولا الإسناد, لقال من شاء ما شاء". وقال ابن حزم:" نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي e مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل". وتاريخ الرجال هو الذي أماط اللثام عن الرواة الكذابين, قال سفيان الثوري:" لما استعمل الرواة الكذب, استعملنا لهم التاريخ". وهنا سوف نخضع سند هذه الرواية حتى نعالجها بعلم الحديث.
ü سند الرواية هو: (حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد), والسند الكامل هو: (حدثت عن الحسين بن فرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبيد بن سليمان), ومعالجته كالتالي:
ü يقول الطبري: (حُدِّثْتُ), وهنا مشكلة؛ فمن حدَّث الطبري؟ إنَّ جهل شيخ الطبري كفيل في درء هذه الرواية؛ لأنَّنا لا نأخذ من مجاهيل. ولكن لا بأس من الإكمال.
ü (الحسين بن فرج): جاء في التكميل: (هذا إسناد واه، الحسين بن فرج متروك، وكذبه بعضهم).
ü (الفضل بن خالد): أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3 / 2 / 61) ولم يذكر فيه جرحا أوتعديلا. أي هو جهول. نوع المجهول: «مجهول الحال»، وهو من روى عنه اثنان فأكثر لكن لم يوثَّق. حكم روايته: الردُّ (على الصحيح الذي قاله الجمهور), كذا في «شرح النخبة», ص: 136.
ü (عبيد بن سليمان): قال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا بأس به, وهو أحب إلي من جويبر, وذكره ابن حبان في الثقات.
ü وعليه, هذه رواية مردودة, لا تقوى على الوقوف, فما بالك_ أيها القارئ _بالاستدلال بها. لا يكون هذا.
6. والآن نقف عند رواية الغرانيق وقفة لطيفة. وجاء فيها: (ومضى رسول الله e في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده, وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليهما، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود). واستنبط زميلنا من هذا النصِّ أنَّ النبي e قد سجد للأصنام, ليس قبل البعثة, بل وهو نبيٌّ. وظنَّ بتوهُّمه هذا أنَّه نال من عصمة النبي e, فخرَّت مع ذلك نبوَّته, وبان كذبه!! وإزاء هذا نقول:
· الجزء الذي يعنينا لحدِّ هذه اللحظة هو السجود الذي حصل في هذه الرواية.
· وهنا نقول لزميلنا: مما جاء في الرواية: (وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده, وسجد جميع من في المسجد من المشركين). فالرواية تذكر أنَّ النبي e سجد, ولم تذكر شيئًا آخر, ولم يرد فيها أنَّ النبي e سجد للَّلاتِ والعزى ومناة الثالثة الأخرى, فكيف فهمت أنَّ النبي e سجد للأصنام؟! أهذا فهم استنبطته بدلالة المطابقة؟ أم بدلالة التضمين؟ أم بدلالة الاقتضاء؟ أم بدلالة الإيماء والتنبيه؟ أم بدلالة الإشارة؟ أم بمفهوم الموافقة؟ أم بمفهوم المخالفة, أم بدلالة لا يعرفها أحد غيرك؟! من السهل أن تزعم, وأنَّى لك أن تثبت ما تزعم!!
· نلاحظ هذا النص: (وسجد في آخر السورة). فلماذا سجد النبي e في آخر السورة؟ الجواب: آخر آية في سورة النجم هي: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾, (النجم: 62). إذن, في آخر السورة أمر الله I وتعالى النَّاس بالسجود لله وحده من دون الأصنام, فسجد النبي e, وسجد المسلمون اقتداءً بنبيِّهم e, وما سجدوا إلا لله I, ولم يسجدوا لأحد من دونه.
· ولا أدري كيف يستسيغ عاقل أن ينطق بما ادعاه زميلنا من حيث كون النبي e سجد للأصنام في آخر السورة التي يذمُّ بها الأصنام, إذ جاء في سورة النجم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾, (النجم: 23). فهل هناك عاقل يذمُّ الأصنام ثمَّ يسجد لها بعدما ذمَّها؟! رحمةً بعقولنا يا قوم!!
· نلاحظ هذا النص: (وسجد جميع من في المسجد من المشركين). فلماذا يسجد المشركون؟ في الحقيقة لم يسجد المشركون فقط, بل سجد الإنس والجان والشجر والحجر في آخر السورة. قال البخاري: حدثنا أبو مَعْمَر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:" سجد النبي e بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". وروى البزار عن أبي هريرة:" أن النبي كتبت عنده سورة النجم فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم", وإسناده صحيح. وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة:" سجد النبي بآخر النجم والجن والإنس والشجر".
· وما هذا السجود إلا لعظمة هذه السورة, وخصوصًا آخر آياتها, ألا وهي: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾, (النجم: 42_62).
· فأمَّا المسلمون, فقد سجدوا اقتداءً بنبيِّهم e, وأمَّا الشجر والحجر, فلعظمة آيات الله في سورة النجم, يقول الله I: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾, (الرحمن: 6). وأمَّا الجنُّ؛ فلأنَّ هذه الآيات تهدي إلى الرشد, يقول الله U: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾, (الجن: 2). وأمَّا المشركون_ فكما قال القاضي عياض _؛فلأنها أول سجدة نزلت. وقد نبَّه الله I نبيَّه محمدًا على هذا السجود, أي من تلك الأصناف, فقال له: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾, (الحج: 18).
· وعليه, من زعم أنَّ النبي e سجد للأصنام بناءً على هذه الروايات فهو واهم, ولا يملك برهانًا ولا دليلا, ولا حجة ولا سلطانا, والحمد لله ربِّ العالمين.
7. ومما يتصل بهذا المبحث_ أيضًا _قول زميلنا: (ثم تأتي لي برأي الزهري ..وما ادراك ما الزهري هل تحب ان اكلمك عنه و ماذا قالوا عنه ؟؟ ام فقط تأخذون ما يوافقك هواكم و حينما نتحدث عن قول للزهري تخرجون لنا انه كاذب و ضعيف و مدلس؟؟؟ فقط لانه يقول كلام لا يعجبكم ..و ما يعجبكم تحتجون به؟؟؟). وإزاء هذا نقول:
· زميلنا المناظر يرفض أدنى إشارة إلى تفسير الآية السليم, ويريد أن نقرَّه على فهم خاصٍّ جدًّا به, لم يصرح به مفسر, ولم يشِ به محدِّث. وقد حاول أن ينسب فهمه لأمهات كتب التفسير, وأنَّى له ذلك؟! إنَّ لهذه الأمِّة رجالا عدولا, يحملون العلم وفهمه عن سلفهم الفاضل, وقد قال عنهم النبي e:" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله: ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين", رواه البيهقي.
· نعم, أحبُّ أن تكلمني عن الزهري, وأنا سأكلمك عنه. والقارئ وحده يحكم من هو (الكاذب والضعيف والمدلس). ترجم له ابن الجوزي في كتابه (صفوة الصفوة), فقال:
178 - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري, يكنى أبا بكر:
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: (ما أرى أحدا جمع بعد رسول الله e ما جمع إبن شهاب). وقال مالك بن أنس: (ما أدركت فقيها محدثا غير واحد). فقلت: من هو؟ فقال: (ابن شهاب الزهري). وعنه أنه قال: (إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم والله لقد أدركت هاهنا وأشار إلى مسجد رسول الله e سبعين رجلا كلهم يقول قال فلان قال رسول الله e فلم آخذ عن أحد منهم حرفا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن, ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن). وقال أيوب: (ما رأيت أحدا أعلم من الزهري). فقال صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: (ما رأيت أحدا أعلم من الزهري). وعن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: (أما أعلمهم بقضايا رسول الله e وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب, وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير, ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحرا إلا فجرته_ قال عراك _فأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه). وعن معمر, قال رجل من قريش: قال لنا عمر بن عبد العزيز: أتأتون الزهري؟ قلنا: نعم. قال: (فائتوه؛ فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه) قال والحسن ونظراؤه يومئذ أحياء. وقال سفيان: (مات الزهري يوم مات وليس أحد أعلم بالسنة منه). وعن الليث قال: (ما رأيت عالما قط أجمع من إبن شهاب ولا أكثر علما منه, ولو سمعت ابن شهاب يحدث في الترغيب لقلت لايحسن إلا هذا, وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب لقلت لايحسن إلا هذا, وإن حدث عن الأعراب والأنساب لقلت لا يحسن إلا هذا, وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه جامعا).
· أكتفي أنا بهذا القدر, وإن أردت زدتك. وأنتظر أن تحدثني عنه.
8. ومما يتعلق بهذا المبحث قول زميلنا: (لانه ببساطه شديده هذا حديث ..وكتب بعد وفاه نبي الاسلام ..فمن ادراك انه حقيقي و انه فعلا قال هذا؟؟ فأيهما اصدق حديث ام ايه قرأنيه؟؟ وان كان هذا حديث ..فقل لي متي قاله و اين قاله و لمن ..فهل قاله لقريش فعلا؟؟؟). وهنا نقول:
· من السهل أن تزعم, وأنَّى لك أن تثبت ما تزعم!!
· الحديث الذي يرديه خائبًا بفهمه وأقواله لا يجد بأسًا زميلنا في قوله: (وكتب بعد وفاه نبي الاسلام). قل ما شئت, ولكن في المناظرة العلمية كلام مثل هذا من دون توثيقٍ يسيئ إليك, وتبقى الشمس ساطعة. عندما تقول هذا حديث كتب بعد نبي الإسلام, فإمَّا أن تثبت, وإمَّا أن تمسك عليك قلمك, فلا يسطر مثل هذه الأمور في مناظرة علمية. إن كنت تحسب الأحاديث النبوية منطة للكذب والتدليس, فأنت واهم, وقد منَّ الله علينا بعلم الحديث الذي لم تحظَ به أمَّة من الأمم, أو ملَّة من الملل. أحب أن أذكرك: (إنَّك تتحدث عن أحاديث خضعت لعلم الحديث, ولا تحسب نفسك تتحدث عن قول الآباء هنا). أي: اذهب إلى كتب الجرح والتعديل, وأثبت زعمك الذي لا قيمة له من دون كلام أهل الحديث. ثمَّ لماذا لا تقول هذا عن قصة الغرانيق؟ عفوًا, لقد تذكرت أنَّها تخدمك!!
· وهذه إرشادات لك, خذها تجد ما تبتغي: أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 125- 128)، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 26، 27) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 142، 144) وعزاه للبيهقي. وعن علي بن أبي طالب قال:" سمعت رسول الله e يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد من ذلك, ثم ما هممت بعدها بشيء حتى أكرمني الله برسالته". رواه البزار, ورجاله ثقات.
9. ثمَّ نأتي الآن إلى ما رددت به على مبحث: (باب نظم للعرب لا يقوله غيرهم):
· قولك: (حد فهم حاجه يا شباب؟؟؟ واحد راح لواحده مثلا و رجعته خائب ..كلمه اعادته بمعني انه ذهب من امامها .اذن ليس شرطا ان يكون اسفا ..فالجاهل بالاساليب اللغويه هو من يلبس الحق بالباطل و لا يفهم معني ما يقول .اعانك الله). لقد طالبناك بتوثيق هذه المداخلة, وأظهرت للجميع أنَّك تتحدث من دون دليل, ولم تستطع أن تثبت أن من معاني (عاد) (ذهب). فمن هو الذي يلبس الحق بالباطل يا زميل؟! ومن هو الذي لا يفهم معنى ما يقول؟! ومن هو الذي يأتي بمعان ليست في المعاجم؟! الحكم للقارئ النزيه.
· قولك: (ما هي الجمله او البيت حتي نفهم معني الكلام ؟؟؟ عاد فلان شيخا ثم ماذا ؟؟ هل فهم معني الجمله اصلا؟؟ زياده في التوضيح من فضلك). الجملة كاملة, وذات معنى تام, وهي: (عاد فلان شيخًا). وليس ذنبي أنَّك لا تدرك معاني الكلام, وقد ذكرت لك المصادر, فلماذا لم ترجع إليها؟ إذن, لا تملك تفنيدًا لها.
· قولك: (في التفسير تجد ان كلمه تعود هنا بمعني تصير الي ملتنا ..فاللعب كله في كلمه (عاد) فقط. اما الرجز في الايه واضحه و الهجر ايضا و اضح .فلم يقول ان الهجر له معني اخر). أمَّا التفسير, فإنَّها تأتي بمعنى (صرنا) أو (أصبحنا) أو (دخلنا), وهذا يسمى تضمينًا في اللغة العربية. أما الهجر فله معاني كثيرة, ولكن في الآية لها معنى ضد الوصل, وقد بينا لك الغرض البلاغي.
· قولك: (كالعاده لم يشرح الايه و التفسير حتي لا يفتضح الامر. فالمعني هنا ان يخرجونهم من النور الي الظلمات بمعني ان هناك من أمن بعيسي _علي حسب التفسير_و لم يؤمن بمحمد فهو خرج من نور الايمان الصحيح بعيسي الي الظلام بعدم الايمان بمحمد. اي انهم كانوا فعلا في نور). أي عادة يا زميل, بل أنت الذي تأتي بما يخدمك, ولا تلقي بالا لما سواه. يقول القرطبي: (ولفظ الآية مستغن عن هذا التخصيص، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب ، وذلك أن من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن كفر بعد وجود النبي صلى الله عليه وسلم الداعي المرسل فشيطانه مغويه ، كأنه أخرجه من الإيمان إذ هو معه معد وأهل للدخول فيه ، وحكم عليهم بالدخول في النار لكفرهم ؛ عدلا منه ، لا يسأل عما يفعل). وجاء في معاني القرآن للأخفش: ("يَحْكُم بأنَّهم كذاك" كما تقول: "قَدْ أَخْرَجُك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط. وتقول: "أَخْرَجَنِي فُلانُ من الكِتْبَةِ" ولم تكن فيها قط. أي: لَمْ يجعَلْني من أهلها ولا فيها). وجاء في معاني القرآن للنحاس: (فان قيل مامعنى يخرجونهم من النور الى الظلمات ولم يكونوا في نور قط؟ فالجواب: انه يقال رأيت فلانا خارج الدار وان لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وان لم يكن كان فيه). فأي أمر يفتضح أيها الزميل؟ عدم إدراكك لهذه المسائل لا تقذف به الناس.
· قولك: (اذن جميع ما قلته انت تم الرد عليه). من أيِّ المعاجم جذر (ع_و_د), أي (عاد) معناه (ذهب)؟! هل تملك ردًّا؟
10. قولك: (واذا لم تستطع ان تدرك ماذا قال بن كثير او ماذا سطرت فى التعقيب فلا تحجر على ذهن المتابع بإدعاءك اننى لم اوثق ما قلت وبخاصا انك لم تطرح اى تفنيد لهذا حتى الآن). أرجو أن يكون التفنيد سهل الفهم لديك. والقارئ هو من يحكم: من الذي يدرك ما يكتب, ومن الذي لا يعي ما يقول. والحقُّ أنَّك لم توثق, والحكم للقارئ.
11. قولك: (هكذا اذا تحدث مع شخص باللغه الاجنبيه ..فلن تقبل منه كلامه لان كلامه به اخطأ في اللغه العربيه ..ركز في المضمون حبيبي لكي ينير الله لك الطريق و تعرف الحق و الحق يحررك). حتى المضمون به مغالطات, وقد بيناها لك في هذه المداخلة.
12. قولك: (اذا قلت لك يا الداعي لا تدخل اصبعك في مفتاح الكهرباء, فهل يعني ذلك انك ادخلت اصبعك), وقولك: (من فمك ادينك يا عزيزي. مالي انا و مال الكهرباء متوصله ام لآ. فأنت قلت اضع يدي فيه لالعب ..اذن قد وضعت اصبعك في كل الاحوال. فليس من المعقول ان تقول لك والدتك لا تضع اصبعك في مفتاح الكهرباء وانت بعيد او تعمل شئ اخر فهكذا من فمك ادينك و شكرا لك), وقولك: (مضمون سؤالى الذى اعتبرته إستنكارى هو عن مدى إفصاح النهى عن الماضى). أرجو من القارئ أن يقارن بين هذه الأقوال, ثم لينظر: هل ثمة علاقة بينها؟
13. قولك: (فهل يعقل أن يجيب شخص على سؤال إستنكارى بالإيجاب المحتمل والنفى المحتمل فى نفس الآوان ويظل سؤال إستنكارى). بما أنَّ المجيب غير السائل, فنعم, يعقل؛ لأنَّ السؤال يبقى على أصله استنكاريًّا, والجواب يأتي ليدحض استنكار السائل. وبهذا الدحض, لا يصبح الاستنكاري استفساريًّا, بل يبقى على حاله استنكاريًّا.
14. قولك: (حينما اتيك بمثال لا تاتي لي بشئ نادرا جدا او شاذ لتجعله قاعده). لم أجعله قاعدة, وإنما هو محتمل. والقاعدة: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال).
15. هكذا نكون قد أنهينا الرد على القسم الأول, وبقي قسمان. سأضعهما في أقرب فرصة ممكنة.
16. والحمد لله ربِّ العالمين.





__________________

ثمَّ تكونُ خلافةً على منهاجِ النبوةِ. فتحت القسطنطينية, والآن ننتظر فتح روما: فما موقفك من تحقيق هذه البشرى؟




الداعي (http://www.albshara.com/member.php?u=10384) http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/5148albshara.gif
مواطن بدأ نشاطه
تاريخ التسجيل بالموقع: December, 2008
المداخلات: 81



http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/5149albshara.gif القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).




الزميل المناظر, القراء الكرام, مرحبًا وسهلاً بكم.

برنامج هذه المداخلة هو الآتي:
1. القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).
2. القول الفصل في (النسيان بعد التبليغ).
3. تفسير وأسباب نزول آية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾, (الحج: 52).
أولا_ القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).
للفظ في أصول الفقه مباحث من حيث اعتباره, وهي_:
1. تقسيم اللفظ باعتبار الدال وحده.
2. تقسيم اللفظ باعتبار المدلول وحده.
3. تقسيم اللفظ باعتبار الدال والمدلول.
ونحن سنقصر حديثنا على ما يعنينا من هذه الاعتبارات, ألا وهو: (تقسيم اللفظ باعتبار الدال وحده). لأنَّه يتحدث عن مبحث (المنطوق والمفهوم) الذي هو مناط هذه المسألة.
نقسم اللفظ باعتبار الدال وحده، أي باعتبار دلالة الألفاظ، إلى ثلاثة أقسام:
أحدها دلالة المطابَقة وهي دلالة اللفظ على تمام مسماه، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، وسمي بذلك لأن اللفظ طابَق معناه.
والثاني دلالة التضمن وهي دلالة اللفظ على جزء المسمى، كدلالة الإنسان على الحيوان فقط أو على الناطق فقط، وسمي بذلك لتضمنه إيّاه أي سمي تضمناً لكون المعنى المدلول في ضمن الموضوع له.
والثالث دلالة الالتزام وهي دلالة اللفظ على لازمه، كدلالة الأسد على الشجاعة، وسمي بذلك لكون المعنى المدلول لازماً للموضوع له. والمعتبَر باللزوم هو اللزوم الذهني أي إنّما تُتصور دلالة الالتزام في اللازم الذهني وهو الذي ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ، سواء أكان لازماً في الخارج أيضاً مع اللزوم الذهني كالسرير والارتفاع، أم غير لازم في الخارج كالعمى والبصر. ولا يأتي ذلك في اللازم الخارجي فقط، فإنه إذا لم ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ لم تحصل الدلالة البتة. وهذا اللزوم شرط وليس بموجب، يعني أن اللزوم بمجرده ليس هو السبب في حصول دلالة الالتزام بل السبب هو إطلاق اللفظ واللزوم شرط.
المنطوق: دلالة الخطاب على الحكم إن كانت من اللفظ فهي دلالة المنطوق، وإن كانت من المعنى الذي دل عليه اللفظ فهي دلالة المفهوم. والمنطوق هو ما دل عليه اللفظ قطعاً في محل النطق، أي ما فُهم من اللفظ مباشرة من غير واسطة ولا احتمال، فتَخرج دلالة الاقتضاء لأنها لم تُفهم قطعاً بل احتمالاً, ولم تُفهم مباشرة من اللفظ وإنما يقتضيها ما فُهم من اللفظ.
المفهوم: هو ما فُهم من اللفظ في غير محل النطق، أي هو ما دل عليه مدلول اللفظ، يعني المعنى الذي دل عليه معنى اللفظ. فالمنطوق ما فُهم من دلالة اللفظ. أمّا المفهوم فهو ما فُهم من مدلول اللفظ كقوله تعالى: ﴿ولا تقُل لهما أفّ﴾، فإن دلالة اللفظ هي لا تتأفف لهما، وهذا هو المنطوق، ولكن مدلول اللفظ وهو النهي عن التأفيف يُفهم منه لا تضربهما، فيكون مفهوم قوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أفّ﴾ هو لا تضربهما. فتحريم ضرب الوالدين المفهوم من قوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أفّ﴾ قد دل عليه مفهوم الآية. فالخطاب فيه قد دل على الحكم بالمفهوم, وهو المسمى بالدلالة المعنوية والدلالة الالتزامية.
وذلك لأن اللفظ ينقسم باعتبار الدال وحده إلى ثلاثة أقسام: هي المطابَقة والتضمّن والالتزام. فالمطابَقة هي دلالة اللفظ على تمام معناه، والتضمن دلالة اللفظ على جزء المسمى، وكلاهما دلالة من اللفظ قطعاً من غير احتمال، أي دلالة من اللفظ مباشرة، ولذلك كانا من المنطوق. أمّا دلالة الالتزام فهي دلالة اللفظ على لازم معناه، فهي حقيقتها مدلول المعنى وليس مدلول اللفظ، وقد دل عليها اللفظ بشكل غير مباشر أي من دلالته على المعنى لا من لفظه، أي أن المعنى فُهم من اللفظ لا في محل النطق، يعني فُهم من معنى اللفظ. وهو ما يسميه بعضهم (المنطوق غير الصريح).
وعليه فالمفهوم هو دلالة الالتزام، وحيث أن دلالات اللفظ باعتبار الدال وحده محصورة في هذه الدلالات الثلاث، وحيث أن دلالة المطابَقة ودلالة التضمن هما من المنطوق، فلَم تبق إلا دلالة واحدة هي دلالة الالتزام وهي من المفهوم، فتكون كل دلالة من الدلالات إذا لم تكن من المنطوق فهي من المفهوم. فتكون دلالة اللفظ محصورة بالمنطوق والمفهوم. فإذا لم تكن من المنطوق فهي من المفهوم ولا يوجد غير ذلك. وعلى هذا تكون دلالة الاقتضاء ودلالة التنبيه والإيماء ودلالة الإشارة من المفهوم، وكذلك يكون مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة من المفهوم.
· دلالة الاقتضاء: هي التي يكون اللازم فيها مستفاداً من معاني الألفاظ، وذلك بأن يكون شرطاً للمعنى المدلول عليه بالمطابَقة. واللازم قد يكون العقل يقتضيه، وقد يكون الشرع يقتضيه، إما لضرورة صدق المتكلم، وإما لصحة وقوع الملفوظ به.
· دلالة التنبيه والإيماء: إنما تقع فيما يدل على العلّيّة، وهي أن يكون التعليل لازماً من مدلول اللفظ وضعاً، لا أن يكون اللفظ دالاً بوضعه عن التعليل، يعني أن اللفظ لا يدل بوضعه على التعليل، إذ لو دل لَما كان من دلالة التنبيه والإيماء، بل إن مدلول اللفظ وضعاً يلزم منه بحسب وضع اللغة معنى آخر غير ما دل عليه اللفظ، فالدلالة على المعنى الآخر اللازم لمدلول اللفظ حسب وضع اللغة هي الدلالة بالتنبيه والإيماء.
· دلالة الإشارة: هي أن يكون الكلام قد سيق لبيان حكم أو دل على حكم ولكنه يُفهم منه حكم آخر غير الحكم الذي سيق لبيانه أو جاء ليدل عليه، مع أن هذا الحكم الآخر لم يكن مقصوداً من الكلام، فدلالة الكلام على هذا الحكم الذي لم يُسَق له ولم يدل عليه ولكن يُفهم منه، هي دلالة الإشارة.
· مفهوم الموافقة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافِقاً لمدلوله في محل النطق. يعني أن ما فُهم من مدلول اللفظ من معان وأحكام يكون موافِقاً لما فُهم من اللفظ نفسه. فالمعنى اللازم لمدلول اللفظ إذا كان موافقاً لذلك المدلول فهو مفهوم الموافَقة، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب، والمراد به معنى الخطاب.
· مفهوم المخالفة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفاً لمدلوله في محل النطق، يعني أن ما فُهم من مدلول اللفظ من معانٍ وأحكام يكون مخالفاً لما فُهم من اللفظ نفسه. فالمعنى اللازم لمدلول اللفظ إذا كان مخالفاً لذلك المدلول فهو مفهوم المخالَفة. ويسمى دليل الخطاب ولحن الخطاب، وذلك كمفهوم الصفة، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد.
أي استفسار للقارئ الكريم, سواء في تبسيط الكلام, أو في ضرب أمثلة عليه, فيستطيع هذا على هذا الرابط:
http://www.**************/forum/showthread.php?t=31298
الآن نأتي لتطبيق ما سبق ذكره على آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾:
1. من الاعتبارات التي يبحثها الأصوليون: (تقسيم اللفظ باعتبار الدال والمدلول), أي باعتبار اللفظ والمعنى, وهو سبعة أقسام, هي: (المنفرد والمتباين والمترادف والمشترك والمنقول والحقيقة والمجاز). ولفظ (الرجز) لفظ مشترك, أي ذات دلالات متعددة, وهي: العذاب, والقذر, والأوثان, والمأثم, وغير ذلك. وقد فسَّر المفسرون لفظ (الرجز) في الآية بعدة تفسيرات, ولم يتفقوا على معنى واحد؛ قال مجاهد وعكرمة: يعني الأوثان, وعن ٱبن عباس: والمأثم فاهجر؛ أي فاترك. وعن إبراهيم النَّخَعيّ: الرُّجز الإثم. وفسر كذلك بالعذاب؛ لأنه معناها الأصلي. ولمَّا رأينا المفسرين قد اختلفوا في المراد من لفظ (الرجز), فلم يتفقوا على أنه الأوثان, أي الأصنام؛ لما علمنا ذلك سقط الاستدلال بهذه الآية على كون النبي e كان متلبسًا في عبادة الأوثان؛ لأن القاعدة الأصولية هي: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال), فلما كان من المحتمل أن يكون الرجز غير الأوثان, سقط الاستدلال بهذه الآية؛ لأنها آية متشابهة, أي ظنية الدلالة, وليست قطعية الدلالة, أي لا يفهم منها معنىً واحدٌ فقط, بل يفهم منها أكثر من معنى, فلو كانت الآية هي: (والأصنام فاهجر), لعلمنا أنَّ الآية قطعية الدلالة, أي تدل على شيء واحد لا يفهم غيره, وهو الأوثان. إذن, لما كانت هذه الآية محتملة للأوثان ولغيرها لم تعد صالحة للاستدلال, بل الدليل يجب أن يكون قطعيًّا, وهذه آية ظنية, والقاعدة الأصولية: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال). وعلى هذا, على المناظر أن يبحث عن نصٍّ قطعي الدلالة, وليس ظني الدلالة.
2. لو فرضنا فرضًا جدليًا, وقلنا: إنَّ هذه الآية قطعية الدلالة, أي إن الرجز هنا معناه الأصنام فقط, فهل تصلح الآية في كونها دليلاً على أنَّ النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان من قبل البعثة؟ لِنَرَ ذلك:
· الآية تقول: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, ومنطوق الآية يفيد الأمر بهجر الأصنام, فلا تدل الآية قطعًا في محلِّ النطق أن النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان, بل الآية تدل قطعًا في محلّ النطق على تحريم التقرب من الأوثان. نعم, هذا هو منطوق الآية.
· والمعنى على هذا لا يستقيم شرعًا؛ لأنَّ النبي e لم يهجر الأصنام, بل كان يمرُّ بجانبها عند الكعبة, وهجرها يعني عدم الاقتراب منها, وهنا الشرع يقتضي لازمًا؛ ليصح الملفوظ به, فبدلالة الاقتضاء يكون تقدير الكلام هو: (وعبادةَ الرجزِ فاهجر), فدلالة الاقتضاء اقتضت إبراز لفظ العبادة الذي هو لازم للفظ. فالمنطوق لم نفهم منه الأمر بهجر عبادة الرجز, بل فهمنا منه الأمر بهجر الرجز, أي بهجر الأصنام. أما بالمفهوم_ وهو هنا دلالة الاقتضاء _علمنا أن لازم اللفظ يتطلب تقدير لفظ العبادة, ففهمنا من الأمر هجر عبادة الرجز, وليس هجر الرجز, فجائز الاقتراب من الأوثان وعدم هجرها, ولكن عبادتها هي التي غير جائزة. وهذا حتى يصح الكلام الملفوظ به شرعًا. وهي هنا كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾, فمنطوق الآية هو سؤال القرية, ومفهوم الآية حسب دلالة الاقتضاء هو سؤال أهل القرية, وليس القرية, لكن هذا يقتضيه العقل, وليس الشرع.
· جاءت الآية تحرم عبادة الأوثان, وبدلالة الإشارة نفهم أنَّ قريشًا كانت وثنية, ولم تكن مجوسية ولا صابئة ولا كتابية. وبدلالة الإشارة نفهم أن النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان. نعم, هذه نتيجة تصحُّ لو لم تُعارض منطوقًا صريحًا, فالقاعدة الشرعية هي: (المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق), أي المنطوق غير الصريح لا يقوى على معارضة المنطوق الصريح.
· ونضرب هنا مثلا على دلالة الإشارة (إشارة النص): يقول البقاعي في تفسير الآية رقم: (11) من النساء ما يلي:" ولما بان سهم الذكر مع الأنثى بعبارة النص (منطوق النص)، وأشعر ذلك بأن لهن إرثاً في الجملة وعند الاجتماع مع الذكر، وفُهم بحسب إشارة النص (دلالة الإشارة) وهي ما ثبت بنظمه، لكنه غير مقصود، ولا سبق له النص, حكم الأنثيين إذا لم يكن معهن ذكر، وهو أن لهما الثلثين، وكان ذلك أيضاً مفهماً لأن الواحدة إذا كان لها مع الأخ الثلث كان لها ذلك مع الأخت إذا لم يكن ثمَّ ذكر من باب الأولى، فاقتضى ذلك أنهن إذا كن ثلاثاً أو أكثر ليس معهم ذكر استغرقن التركة، وإن كانت واحدة ليس معها ذكر لم تزد على الثلث؛ بَيْنَ (غير) أن الأمر ليس كذلك- كما تقدم -بقوله مبيناً إرثهن حال الانفراد: ﴿فإن كن﴾ أي الوارثات ﴿نساء﴾ أي إناثاً. ولما كان ذلك قد يحمل على أقل الجمع، وهو اثنتان حقيقة أو مجازاً حقق ونفى هذا الاحتمال بقوله: ﴿فوق اثنتين﴾ أي لا ذكر معهن ﴿فلهن ثلثا ما ترك﴾ أي الميت، لا أزيد من الثلثين ﴿وإن كانت﴾ أي الوارثة ﴿واحدة﴾ أي منفردة، ليس معها غيرها ﴿فلها النصف﴾, أي فقط". والشرح: البقاعي استنبط حكمًا شرعيًّا بدلال الإشارة, ألا وهو: (إذا كانت الوارثات ثلاثةً أو أكثر, وليس معهنَّ ذكر فلهنَّ التركة جميعًا لا يبقين منها شيئًا), فلمَّا كان المنطوق وهو قول الله: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾, مخالفًا لدلالة الإشارة التي تجعل النساء أكثر من اثنتين يرثن التركة كلَّها وليس ثلثيها, فلما كان هذا لا قيمة للنتيجة التي استنبطها بدلالة الإشارة؛ لأن المفهوم (دلالة الإشارة) لا تقوى على معارضة المنطوق, النص الصريح. واستنبط حكمًا آخر بدلالة الإشارة, ألا وهو: (إذا كانت الوارثة أنثى واحدة, وليس معها ذكر, فلا يجوز أن ترث أكثر من ثلث التركة), فلمَّا كان المنطوق وهو قول الله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾, مخالفًا لدلالة الإشارة, لم نلتفت لدلالة الإشارة, بل التزمنا منطوق النص؛ لأنها لا تقوى على معارضته.
· إذن, فهمنا بدلالة الإشارة أنَّ النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان, فهذه نتيجة تصحُّ لولا حديثان يتعارض منطوقهما مع مفهوم الإشارة, أي دلالة الإشارة. والحديثان هما:
1) يقول النبي e:" لما نشأت بُغِّضت إلي الأوثان وبُغِّض إلي الشعر، ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين, كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد، حتى ما هممت بسوء بعدهما حتى أكرمني الله برسالته", رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
2) وقوله في قصة بحير حين استحلف النبي e باللات والعزى؛ إذ لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة فاختبره بذلك؛ فقال له النبي e:" لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما".أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة.
· هذان الحديثان بمنطوقهما ينفيان عن النبي e أنَّه كان متلبسًا بعبادة الأوثان, والآية بدلالة الإشارة تعارض هذين الحديثين بمنطوقهما, والقاعدة الأصولية: (المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق). فلا عبرة باستنتاج دلالة الإشارة بما أنه عارض منطوق النصوص.
3. الآن نأتي لطريقة زميلنا المناظر في تطبيق الدلالات؛ لأنَّ نتيجته التي أتانا بها هي نتيجة لتطبيقه دلالاتِ النصوص؛ إذ يقول: (تلك نتيجة مستنبطة بتطبيق مبحث الدلالات على الموضوع وعلى الأخص المنطوق الغير صريح). وقد مهد المناظر حديثه ببعض الشرح عن (المنطوق غير الصريح), ثمَّ انتقل للاستنباط. فهل كان موفقًا زميلنا المناظر في استنباطاته؟! لنرَ ذلك:
· في الحقيقة بدأ زميلنا بداية سليمة صحيحة, فقال: (3- دلالة الإشارة ما يخصنا فى الموضوع). فدلالة الإشارة هي التي تعنينا في موضوعنا من حيث كون النبي e كان متلبسًا بالأصنام, أي بعبادتها. ثمًّ نكص عن هذه البداية السليمة إلى أخرى سقيمة, فقال: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). لماذا غير مرتبط بالموضوع؟ ألم تقل قبل كلمات قليلة: (ما يخصنا في الموضوع)؟!
· هذا التناقض والاضطراب الذي وصل إليه زميلنا, جعله يستنبط استنباطات ما أنزل الله بها من سلطان. والغريب العجيب أنه يقول لي: (من الواضح أن الزميل الذى يصف نفسه بالمناظر قد راعه ما سطرته بصدد اللغة العربية)!! هل يروعني ما وقعتَ به من زيغ في الاستنباطات اللغوية حسب دلالات النص؟! ثمَّ إنني طالبُ حقٍّ, ولن أتردد بالإذعان لكلِّ حقٍّ تبينه لي, وهذا عهد منِّي لك. وأرجو أن تكون كذلك.
· يقول زميلنا المناظر: (سبق القول: فعل الامر الايجابي هو الذى يأمر فيه المتكلم المخاطب بفعل امر معين كنشاط ايجابى من المأمور اما فعل الأمر السلبي فهو الذى يأتى فى صياغة تأمر المخاطب او المأمور بترك فعل معين او الكف و الإمتناع عنه كنشاط سلبى من المأمور وبالعقل يفهم من ذلك ( دلالة اقتضاء لصحة الكلام عقلا ) فى فعل الامر الايجابي ان المخاطب او المأمور لم يكن يفعل الشئ الذى أمر به قبل توجيه الأمر له وإلا فاذا كان يفعله فما جدوى ان يؤمر بفعله وهو اصلا يفعله بل من المنطقى ان تأتى الصياغة لتطالبه بالإستمرار فى فعله او الثبات على فعله ( عن طريق دلالة إيماء تفيد ذلك ) بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي مثل ( كعادتك ، كدأبك ، كشأنك ...الخ ) اما فى فعل الامر السلبي والذى يتم فيه أمر الشخص المخاطب بترك امر معين او الكف عنه فلا يعقل ان يتم مطالبة شخص بترك شئ معين بفعل امر سلبي مالم يكن فاعلا له والا لأصبح ذلك مجرد لغو لا طائل من وراءه ( دلالة إقتضاء لصحة القول عقلا ) وانما من العقل ان تأتى الصياغة لتأمره بالثبات على الترك ( دلالة ايماء ) لتفصح عن حالة المأمور فى الماضى), وهذا نصٌّ فيه مغالطات كثيرة, وأمور كنتَ ترفضها من قبل ثمَّ تثبتها الآن, وهذا بيانه فيما يلي:
ü أيها الزميل, ألا ترجع إلى تعريفات الدلالات التي وضعتها أنت, أو التي جئتك أنا بها, ثمَّ تنظر إلى الفجوة بين تعريفاتها وبين تطبيقاتك؟!
ü تعتبر أنَّ الأمر الإيجابي يدلُّ على أنَّ المأمور به كان تاركًا له حسب دلالة الاقتضاء, وهذا خطل ما بعده خطل؛ لأنَّ دلالة الاقتضاء سميت كذلك؛ لأن المعنى الذي دل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا أو عقلا. فعندما أقول لك: (احمل القلم), هل يوجد أمر يتعارض مع صحة المعنى شرعًا أو عقلاً؟ قطعًا لا يوجد. لكن لو قلت لك: (استمسك بالآخرة), فإنَّ منطوق النص هو (الأمر بالتمسك بالآخرة), وهذا كلام لا يصحُّ عقلاً, فبدلالة الاقتضاء يجب أن نقدر كلامًا مضمرًا حتى يصح اللفظ, فنقول: (استمسك بالأعمال التي تنجيك بالآخرة). أمَّا ادعاؤك أن هذا الأمر الإيجابي يدل على أن المأمور به كان تاركًا له حسب دلالة الاقتضاء فهو خطأ, فلا دخل لدلالة الاقتضاء في هذا أصلا!! ولو قلت بدلالة الإشارة نفهم أنَّ المأمور به كان تاركًا له لقبلنا منك ذلك, ولكنك قلت: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). فأنت نفيت أصلاً أن يكون لدلالة الإشارة أي صلة بالموضوع.
ü ثمَّ إنَّك هنا, نسفت ما كنت تتبناه من قبل في مداخلاتك, فلما قلنا لك يقول الله Y: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾, فهذا الله يأمر نبيه بالتقوى مع أنه يتقيه, كنت تقول لنا: (فأين فعل الامر السلبي الذى يطالب بالكف او الامتناع, كلاهما فعل امر ايجابي), ثم نراك الآن تقول: (فى فعل الامر الايجابي ان المخاطب او المأمور لم يكن يفعل الشئ الذى أمر به قبل توجيه الأمر له وإلا فاذا كان يفعله فما جدوى ان يؤمر بفعله وهو اصلا يفعله), فلماذا هذا التناقض يا زميل؟ فقد أثبتنا لك أن الله Y أمر نبيه بالتقوى مع أنه كان قائمًا بها, أي أمر بشيء والنبي e يفعله.
ü وكذلك الحال مع فعل الأمر السلبي, فأنت تعتبر أنَّ فعل الأمر السلبي يدلُّ على أن المأمور به كان قائمًا بالفعل حسب دلالة الاقتضاء, وهذا خطل ما بعده خطل؛ لأنَّ دلالة الاقتضاء سميت كذلك؛ لأن المعنى الذي دل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا أو عقلا. فعندما أقول لك: (اترك القلم), هل يوجد أمر يتعارض مع صحة المعنى شرعًا أو عقلاً؟ قطعًا لا يوجد. لكن لو قلت لك: (اترك الدنيا), فإنَّ منطوق النص هو (الأمر بترك الدنيا), وهذا كلام لا يصحُّ عقلاً, فبدلالة الاقتضاء يجب أن نقدر كلامًا مضمرًا حتى يصح اللفظ, فنقول: (اترك ملذات الدنيا وزينتها). فالأمر بترك الدنيا هو أمر بترك زينتها وملذاتها حسب دلالة الاقتضاء. أمَّا ادعاؤك أن هذا الأمر السلبي يدل على أن المأمور به كان قائما به حسب دلالة الاقتضاء فهو خطأ, فلا دخل لدلالة الاقتضاء في هذا أصلا!! ولو قلت بدلالة الإشارة نفهم أنَّ المأمور به كان قائما به لقبلنا منك ذلك, ولكنك قلت: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). فأنت نفيت أصلاً أن يكون لدلالة الإشارة أي صلة بالموضوع.
ü قولك: (بل من المنطقى ان تأتى الصياغة لتطالبه بالإستمرار فى فعله او الثبات على فعله ( عن طريق دلالة إيماء تفيد ذلك ) بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي مثل ( كعادتك ، كدأبك ، كشأنك ...الخ )). قولك هذا فيه مغالطات شتى؛ ذلك أنَّك لم تستطع إدراك حقيقة (دلالة الإيماء والتنبيه)؛ فدلالة الإيماء والتنبيه هي التي تنبِّهك على علِّة النص, وتومئ إليها, نحو: يقول النبي e:" من مس فرجه فليتوضأ"؛ فبدلالة الإيماء نفهم أنَّ مس الفرج علَّة للوضوء. ولننظر إلى التعريف الذي سقته أنت: (اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا. والمراد بالوصف: اللفظ المقيد لغيره سواء كان شرطا أو غاية أو استثناء. ومعنى: لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا: أي: لو لم يكن اقتران الوصف بحكم أو نظيره لتعليل الحكم لكان بعيدا). ففي الحديث اقترن وصف بحكم لتعليل الحكم؛ أما الوصف, فهو الشرط: (من مسَّ). وأمَّا الحكم, فهو وجوب الوضوء: (فليتوضأ)؛ وعلة الوضوء هو مس الفرج. أي اقترن في الحديث مس الفرج_ وهو وصف _بوجوب الوضوء_ وهو الحكم _لإفادة أنَّ مسَّ الفرج علَّة لوجوب الوضوء. والآن نأت لمثالك, ألا وهو: (احمل القلم كعادتك). أنت قلت: (بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي), ولكنَّ لفظ (كعادتك) ليس شرطًا, بل هو تشبيه. ثمَّ إنَّه لا يفيد تعليل الأمر بحمل القلم, فكان بعيدًا؛ لأنه لم يقترن لتعليله. فلا يوجد هنا أيُّ وجود لدلالة الإيماء. وحتى يصبح المثال صحيحًا نقول: (من كانت عادته حمل القلم فليحمله). فهنا اقترن وصف, وهو: (من كانت عادته) بحكم, وهو: (فليحمله). أي علل الأمر بحمل القلم بكونه كان عادةً له. وعليه, فكلُّ ما قيل بخصوص دلالة الإيماء لا ينطبق على معنى دلالة الإيماء, فقولنا: (احمل القلم كعادتك), لا دخل له بدلاة الإيماء, لا من قريب أو بعيد.
ü قولك: (وانما من العقل ان تأتى الصياغة لتأمره بالثبات على الترك ( دلالة ايماء ) لتفصح عن حالة المأمور فى الماضى). وليس هنا ما نقوله أكثر مما قلناه في النقطة السابقة, غير أن الأمر يكون سلبيًّا. فقولك: (اترك القلم كعادتك) لا يوجد فيه شرط. ولنصصحه نقول: (من كانت عادته ترك القلم فليتركه). وطبق ما قلناه من قبل ها هنا. أي لا دخل لدلالة الإيماء فيما قلته أنت, أيها الزميل.
ü أيها الزميل, ما جئتنا به من تعريفات للدلالات اللغوية لا غبار عليه, ولكنَّ المشكلة أنَّك لا تستطيع أن تُنْزِلَ هذه الدلالات منازلها, ولا تدرك وقائعها, ولا تتقن مسالكها, ولا تفطن لحقيقتها, وقد قلت لك من قبل: (إتيانك_ أيها المناظر _لا نثق به؛ لأنَّ هذه الأمور يحتاج المرء إلى علم رفيع في اللغة العربية حتى يدرك حقيقتها, ولا أريد هنا أن أختبرك في مدى إدراكك لما نسخته ولصقته, بل أريد أمرًا فاصلاً: من أعلم بما ذكرت: أنت أم الإمام ابن كثير؟! قطعًا, لا يلتفت إلى رأي أيِّ شخص ما لم يكن عنده من العلم ما عند ابن كثير, وهذا أمر يقبله أولو الألباب, وترضاه ذوو النهى. إذن, ليس المهم أن تقص وتلصق, بل المهم أن يشهد لك أهل العلم بالقدرة على فهم ما جئت به من مباحث أصول الفقه اللغوية). وأرجو أن تقبل نصيحتي لك, ألا وهي: (إذا أردت أن تتكلم عن دلالات النص, فعليك أن تبدأ بتحسين كتابتك الإملائية, ثمَّ تحسين قواعدك النحوية, ثم إتقان الناحية الأسلوبية في التعبير (بلاغة). وبعد أن تصبح لك قدم راسخةفيما سبق, عليك أن تذهب لأصوليِّ في الفقه؛ ليشرح لك دلالات النص). هذه نصيحة صادقة لك, وإن عزمت على المضيِّ قُدُمًا في الحديث عن الدلالات اللغوية, فإنه يصدق عليك المثل العربي: (تَزَبَّبَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَصْرَم).
· وثمَّة مشكلة تقع بها كثيرًا, ألا وهي: (إنك تحاول أن تمنطق اللغة العربية). فمثلاً تقول كثيرًا: (والا لأصبح ذلك مجرد لغو لا طائل من وراءه). والحقُّ أنَّ أساليب التعبير في اللغات لا تخضع للمنطق, بل عليك أن تلتزم أساليب اللغة التي تدرسها, فتقول من أساليبهم كذا, ومن أساليبهم كذا, ثمَّ تقف. وليس لك الحقُّ في تخطئة أي أسلوب. فمثلا أتينا لك بأسلوب من أساليب العرب تحت عنوان: (بابُ نظم للعرب لا يقولُه غيرهم). وَخُذْ أسلوبًا آخر من أساليب العرب, ألا وهو: (المدح بطريقة الذم). المنطق لا يقبل أن تذمَّ شخصًا في معرض مدحه ويكون مدحًا, ولكنَّ اللغة العربية خالفت المنطق, وأتت بهذا الأمر. فليرجع إلى كتب البلاغة للوقوف على كلام العرب مدحًا في ذمٍّ. وقلنا لك أن تأمر شخصًا بفعل وهو يفعله من البلاغة العربية, وأن تأمر شخصًا بترك فعل لا يفعله من البلاغة العربية, ولكنَّك لم تلتفت إلى كلامي, ولم تعره أدنى اهتمام, وبقيت سادرًا فيما أنت فيه. وهذه هي النقطة التالية في البحث.
· الذي تعتبره مخالفًا للمنطق هو من أساليب البلاغة العربية. وأنت تقول لي: (اولا الأساليب البلاغية فى اللغة العربية معروفة ومنذ أمد بعيد ولها أغراض محددة ومعروفة ، و تستخدم هذه الأساليب فى خدمة تلك الأغراض فالبلاغة ليست بمدعاة لكل شخص فى رفض المعنى الصريح القاطع الدلالة تحت مبرر البلاغة او تبرير الخطأ اللغوى او المنطقى بالبلاغة بدون إيضاح ما هو هذا الغرض البلاغى ام انها بلاغة بدون غرض. فما هو هذا الغرض البلاغى المقصود من وراء توجيه الأمر لشخص تارك للرجز اصلا بتركه مع ملاحظة ان بن كثير لم يشير الى وجود اى شئ بلاغى فى النص بل إكتفى بنفى المعنى الصريح القاطع الدلالة للنص بقوله). ونقول إزاءه ما يلي:
ü لو أنَّك رجعت إلى كتب البلاغة لما قويت يمينك على ما خطَّ قلمك. فأغراض البلاغة محددة ومعروفة, ولو كانت معروفةً لديك لما قلت: (فما هو هذا الغرض البلاغى المقصود من وراء توجيه الأمر لشخص تارك للرجز اصلا بتركه).
ü يقول الهاشمي:" وقد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي, وهو (الإيجاب والإلزام) إلى معان أخرى: تستفاد من سياق الكلام, وقرائن الأحوال, كالدعاء, والالتماس, والإرشاد, والتهديد, والتعجيز, والإباحة, والتسوية, والإكرام, والامتنان, والإهانة, والدوام, والتمني, والاعتبار, والإذن, والتكوين, والتخيير, والتأديب, والتعجب", (جواهر البلاغة, ص: 54_55). وهنا الحديث عن صيغ الأمر بنوعيها: الإيجابي والسلبي. وما يعنينا هنا هو الغرض الحادي عشر, ألا وهو: (الدوام), فقد نستفيد من الأمر بنوعيه حسب السياق وقرائن الأحوال الدوام, أي مطالبة الشخص بالديمومة, سواء أكانت سلبية أو إيجابية.
ü الغرض البلاغي من آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ واحد من اثنين حسب آراء العلماء: فأما الأول: الدوام, أي دم على هجرانها. وأمَّا الثاني: أسلوب (إياك أعني, واسمعي يا جارة). معلوم أنه e لا يفعل شيئاً من ذلك ولم يثبت عليه، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره في ضمن خطابه e. والقاعدة الأصولية هي: (خطاب النبي e خطاب لأمته ما لم يرد دليل التخصيص).
ü طبعًا, العرب كانت تعرف هذا بسليقتها, لأجل هذا لا تجد ابن كثير يشير إلى الأمور البلاغية على وجه التفصيل؛ لأنه كان أمرًا معلومًا لديهم.
ü وحتى أضيء الطريق لزميلنا المناظر, فإنِّي آتٍ له بآية لا تبقي عذرًا لمعتذر, ولا حجةً لمحتج, ألا وهي قول الله Y: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾, (الحج: 30). هذه الآية الثلاثون من الحج, وهي آية مدنية وليست مكية, أي نزلت تخاطب المؤمنين وهم في المدينة المنورة (يثرب), وقد كانوا وقتئذٍ خيرَ مَنْ عُرِفَ من المؤمنين, فهم صحابة رسول الله e, مهاجرين وأنصار, وهم ملتزمون بتوحيد الله الواحد القهار, وهم أبعد ما يكون عن الرجس والأقذار, وهم خير الناس بعد المصطفين الأخيار, وها هو الواحد الجبار, يأمرهم أمرًا سلبيًّا في ترك عبادة الأصنام, وهم برآء من هذه الآثام. وهذه هي قمة البلاغة العربية, أن تخرج من مقصود الأمر إلى بغية سوية, فالحمد لله على آلائه الجسيمة, ونعمائه العظيمة. وبهذه الآية التي يطالبنا بها زميلنا المناظر تنشرح الصدور, وتهنأ النفوس, وتطمئن القلوب, والحمد لله ربِّ العالمين.
ü وقولك: (فطلبتك منك ان تأتي بمثال مثله تماما لكي نفهم), قد أجبناه, وجئناك بمثال مثله.
4. وهنا أنقل أقوالاً أخرى للمفسرين في قوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾:
· يقول البقاعي في تفسيره: (﴿والرجز﴾ أي كل قذر فإنه سبب الدنايا التي هي سبب العذاب، قال في القاموس: الرجز بالكسر والضم: القذر وعبادة الأوثان والعذاب والشرك. ﴿فاهجر﴾ أي جانب جهاراً وعبادة، ليحصل لك الثواب كما كنت تجانبها سراً وعادة، فحصل لك الثناء الحسن حتى أن قريشاً إنما تسميك الأمين ولا تناظر لك أحداً منها).
· تفسير المنتخب: (والعذاب فاترك، أي: دُمْ على هَجْر ما يوصل إلى العذاب).
· تفسير النيسابوري: (هو بالكسر والضم العذاب, والمراد: اهجر ما يؤدي إليه من عبادة الأوثان وغيرها, أي: أثبت على هجره, مثل: اهدنا).
· تفسير الألوسي: (ولما كان المخاطب بهذا الأمر هو النبي e, وهو البريء عن ذلك, كان من باب (اياك أعني واسمعي) أو المراد (الدوام والثبات) على هجر ذلك).
· قال القرطبي:" وأنه e كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم، ولا أشرك بالله، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر, ولا حضر حلف المطر, ولا حلف المطيبين، بل نزهه الله وصانه عن ذلك".
5. وهنا نقف مع التفسير الذي ساقه لنا زميلنا المناظر, ألا وهو: (﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾, يقول: وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: «وَحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ» ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, يقول: الذي أثقل ظهرك فأوهنه، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر، قد أوهنه السفر، وأذهب لحمه: هو نِقْضُ سَفَر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾, قال: ذنبك. وقوله: ﴿أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, قال: أثقل ظهرك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, قال: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يعني: الشرك الذي كان فيه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ قال: شرح له صدرَه، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ، فوضعه. وفي قوله: ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ قال: أثقله وجهده، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل، حتى يصير نِقْضاً بعد أن كان سميناً ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ قال: ذنبك الذي أنقض ظهرك: أثقل ظهرَك، ووضعناه عنك، وخفَّفنا عنك ما أثقل ظهرَك).
· لقد فسر بعض المفسرين الآية بقولهم: (كانت للنبيّ e ذنوب قد أثقلته). ويتساءل زميلنا قائلاً: (ما هو هذا الذنب الذي يثقل الظهر؟ هل هي صغائر؟ فهل الصغائر تثقل الظهر؟), والجواب:
ü قال القرطبي: (والوزر: الذنب؛ أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية؛ لأنه كان e في كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنما ولا وثنا.....فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه. ﴿الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ أي أثقله وأوهنه. قال: وإنما وصفت ذنوب، الأنبياء بهذا الثقل، مع كونها مغفورة، لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها).
ü نعم, الصغائر تثقل الظهر لمن كان تقيًّا؛ لأنَّه شديد الاستحضار لعظمة الله وجبروته وفضله ونعمه, فترى الواحد فيهم إن قام بصغائر الذنوب ثمَّ عاد لرشده مذعورًا خائفًا, يصدق عليه قوله Y: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾, وما هذا إلا لكثرة اشتغالهم بها, وندمهم عليها, وتحسرهم على أنفسهم: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾.
ü هذا مع الإنسان التقي, فما بالك مع أتقى الناس وأخشاهم لله, محمد e؟! لا جرم أنَّه إذا قام بأدنى ذنب في الجاهلية سوف يثقل ظهره.
ü في المقابل, ترى من استحكمت الران على قلبه, والغشاوة على بصره, والأكنة في سمعه, تراه يشرك بالله, ويزني, ويسرق, ويقتل. ولا يؤثر فيه شيء مما قام فيه, بل هو في دعة ورغد عيش, لا يلقي أدنى بال لما اقترفه من الفواحش والمنكرات.
ü إذن, التقي؛ صغائر الذنوب تثقل ظهره. والغوي؛ كبائر الذنوب لا تؤثر فيه!!
ü وعلى كلِّ حال, لو أنَّه_ حسب زعمك _ كانت الذنوب التي أثقلت ظهر النبي e هي كبائر الذنوب, فكبائر الذنوب ليس محصورة في عبادة الأوثان, فلا دليل في هذه الآية حسب التفسير أنه كان يعبد الأوثان, وتخصيص الأوثان من دون مخصص لا قيمة له؛ لأنه بلا دليل.
· المشكلة تكمن في هذا التفسير, ألا وهو: (حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يعني: الشرك الذي كان فيه). ولكنَّ الله يأبى إلا أن يتمَّ نوره:
ü هذه الرواية تعتريها مشكلة كبيرة؛ لأنه اعتبر الذنوب التي أثقلت الظهر هي الشرك الذي كان فيه النبي محمد e, أي أنَّه كان عابدًا للأوثان.
ü يقول ابن المبارك:" الإسناد من الدين. ولولا الإسناد, لقال من شاء ما شاء". وقال ابن حزم:" نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي e مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل". وتاريخ الرجال هو الذي أماط اللثام عن الرواة الكذابين, قال سفيان الثوري:" لما استعمل الرواة الكذب, استعملنا لهم التاريخ". وهنا سوف نخضع سند هذه الرواية حتى نعالجها بعلم الحديث.
ü سند الرواية هو: (حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد), والسند الكامل هو: (حدثت عن الحسين بن فرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبيد بن سليمان), ومعالجته كالتالي:
ü يقول الطبري: (حُدِّثْتُ), وهنا مشكلة؛ فمن حدَّث الطبري؟ إنَّ جهل شيخ الطبري كفيل في درء هذه الرواية؛ لأنَّنا لا نأخذ من مجاهيل. ولكن لا بأس من الإكمال.
ü (الحسين بن فرج): جاء في التكميل: (هذا إسناد واه، الحسين بن فرج متروك، وكذبه بعضهم).
ü (الفضل بن خالد): أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3 / 2 / 61) ولم يذكر فيه جرحا أوتعديلا. أي هو جهول. نوع المجهول: «مجهول الحال»، وهو من روى عنه اثنان فأكثر لكن لم يوثَّق. حكم روايته: الردُّ (على الصحيح الذي قاله الجمهور), كذا في «شرح النخبة», ص: 136.
ü (عبيد بن سليمان): قال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا بأس به, وهو أحب إلي من جويبر, وذكره ابن حبان في الثقات.
ü وعليه, هذه رواية مردودة, لا تقوى على الوقوف, فما بالك_ أيها القارئ _بالاستدلال بها. لا يكون هذا.
6. والآن نقف عند رواية الغرانيق وقفة لطيفة. وجاء فيها: (ومضى رسول الله e في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده, وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليهما، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود). واستنبط زميلنا من هذا النصِّ أنَّ النبي e قد سجد للأصنام, ليس قبل البعثة, بل وهو نبيٌّ. وظنَّ بتوهُّمه هذا أنَّه نال من عصمة النبي e, فخرَّت مع ذلك نبوَّته, وبان كذبه!! وإزاء هذا نقول:
· الجزء الذي يعنينا لحدِّ هذه اللحظة هو السجود الذي حصل في هذه الرواية.
· وهنا نقول لزميلنا: مما جاء في الرواية: (وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده, وسجد جميع من في المسجد من المشركين). فالرواية تذكر أنَّ النبي e سجد, ولم تذكر شيئًا آخر, ولم يرد فيها أنَّ النبي e سجد للَّلاتِ والعزى ومناة الثالثة الأخرى, فكيف فهمت أنَّ النبي e سجد للأصنام؟! أهذا فهم استنبطته بدلالة المطابقة؟ أم بدلالة التضمين؟ أم بدلالة الاقتضاء؟ أم بدلالة الإيماء والتنبيه؟ أم بدلالة الإشارة؟ أم بمفهوم الموافقة؟ أم بمفهوم المخالفة, أم بدلالة لا يعرفها أحد غيرك؟! من السهل أن تزعم, وأنَّى لك أن تثبت ما تزعم!!
· نلاحظ هذا النص: (وسجد في آخر السورة). فلماذا سجد النبي e في آخر السورة؟ الجواب: آخر آية في سورة النجم هي: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾, (النجم: 62). إذن, في آخر السورة أمر الله I وتعالى النَّاس بالسجود لله وحده من دون الأصنام, فسجد النبي e, وسجد المسلمون اقتداءً بنبيِّهم e, وما سجدوا إلا لله I, ولم يسجدوا لأحد من دونه.
· ولا أدري كيف يستسيغ عاقل أن ينطق بما ادعاه زميلنا من حيث كون النبي e سجد للأصنام في آخر السورة التي يذمُّ بها الأصنام, إذ جاء في سورة النجم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾, (النجم: 23). فهل هناك عاقل يذمُّ الأصنام ثمَّ يسجد لها بعدما ذمَّها؟! رحمةً بعقولنا يا قوم!!
· نلاحظ هذا النص: (وسجد جميع من في المسجد من المشركين). فلماذا يسجد المشركون؟ في الحقيقة لم يسجد المشركون فقط, بل سجد الإنس والجان والشجر والحجر في آخر السورة. قال البخاري: حدثنا أبو مَعْمَر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:" سجد النبي e بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". وروى البزار عن أبي هريرة:" أن النبي كتبت عنده سورة النجم فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم", وإسناده صحيح. وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة:" سجد النبي بآخر النجم والجن والإنس والشجر".
· وما هذا السجود إلا لعظمة هذه السورة, وخصوصًا آخر آياتها, ألا وهي: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾, (النجم: 42_62).
· فأمَّا المسلمون, فقد سجدوا اقتداءً بنبيِّهم e, وأمَّا الشجر والحجر, فلعظمة آيات الله في سورة النجم, يقول الله I: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾, (الرحمن: 6). وأمَّا الجنُّ؛ فلأنَّ هذه الآيات تهدي إلى الرشد, يقول الله U: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾, (الجن: 2). وأمَّا المشركون_ فكما قال القاضي عياض _؛فلأنها أول سجدة نزلت. وقد نبَّه الله I نبيَّه محمدًا على هذا السجود, أي من تلك الأصناف, فقال له: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾, (الحج: 18).
· وعليه, من زعم أنَّ النبي e سجد للأصنام بناءً على هذه الروايات فهو واهم, ولا يملك برهانًا ولا دليلا, ولا حجة ولا سلطانا, والحمد لله ربِّ العالمين.
7. ومما يتصل بهذا المبحث_ أيضًا _قول زميلنا: (ثم تأتي لي برأي الزهري ..وما ادراك ما الزهري هل تحب ان اكلمك عنه و ماذا قالوا عنه ؟؟ ام فقط تأخذون ما يوافقك هواكم و حينما نتحدث عن قول للزهري تخرجون لنا انه كاذب و ضعيف و مدلس؟؟؟ فقط لانه يقول كلام لا يعجبكم ..و ما يعجبكم تحتجون به؟؟؟). وإزاء هذا نقول:
· زميلنا المناظر يرفض أدنى إشارة إلى تفسير الآية السليم, ويريد أن نقرَّه على فهم خاصٍّ جدًّا به, لم يصرح به مفسر, ولم يشِ به محدِّث. وقد حاول أن ينسب فهمه لأمهات كتب التفسير, وأنَّى له ذلك؟! إنَّ لهذه الأمِّة رجالا عدولا, يحملون العلم وفهمه عن سلفهم الفاضل, وقد قال عنهم النبي e:" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله: ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين", رواه البيهقي.
· نعم, أحبُّ أن تكلمني عن الزهري, وأنا سأكلمك عنه. والقارئ وحده يحكم من هو (الكاذب والضعيف والمدلس). ترجم له ابن الجوزي في كتابه (صفوة الصفوة), فقال:
178 - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري, يكنى أبا بكر:
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: (ما أرى أحدا جمع بعد رسول الله e ما جمع إبن شهاب). وقال مالك بن أنس: (ما أدركت فقيها محدثا غير واحد). فقلت: من هو؟ فقال: (ابن شهاب الزهري). وعنه أنه قال: (إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم والله لقد أدركت هاهنا وأشار إلى مسجد رسول الله e سبعين رجلا كلهم يقول قال فلان قال رسول الله e فلم آخذ عن أحد منهم حرفا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن, ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن). وقال أيوب: (ما رأيت أحدا أعلم من الزهري). فقال صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: (ما رأيت أحدا أعلم من الزهري). وعن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: (أما أعلمهم بقضايا رسول الله e وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب, وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير, ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحرا إلا فجرته_ قال عراك _فأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه). وعن معمر, قال رجل من قريش: قال لنا عمر بن عبد العزيز: أتأتون الزهري؟ قلنا: نعم. قال: (فائتوه؛ فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه) قال والحسن ونظراؤه يومئذ أحياء. وقال سفيان: (مات الزهري يوم مات وليس أحد أعلم بالسنة منه). وعن الليث قال: (ما رأيت عالما قط أجمع من إبن شهاب ولا أكثر علما منه, ولو سمعت ابن شهاب يحدث في الترغيب لقلت لايحسن إلا هذا, وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب لقلت لايحسن إلا هذا, وإن حدث عن الأعراب والأنساب لقلت لا يحسن إلا هذا, وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه جامعا).
· أكتفي أنا بهذا القدر, وإن أردت زدتك. وأنتظر أن تحدثني عنه.
8. ومما يتعلق بهذا المبحث قول زميلنا: (لانه ببساطه شديده هذا حديث ..وكتب بعد وفاه نبي الاسلام ..فمن ادراك انه حقيقي و انه فعلا قال هذا؟؟ فأيهما اصدق حديث ام ايه قرأنيه؟؟ وان كان هذا حديث ..فقل لي متي قاله و اين قاله و لمن ..فهل قاله لقريش فعلا؟؟؟). وهنا نقول:
· من السهل أن تزعم, وأنَّى لك أن تثبت ما تزعم!!
· الحديث الذي يرديه خائبًا بفهمه وأقواله لا يجد بأسًا زميلنا في قوله: (وكتب بعد وفاه نبي الاسلام). قل ما شئت, ولكن في المناظرة العلمية كلام مثل هذا من دون توثيقٍ يسيئ إليك, وتبقى الشمس ساطعة. عندما تقول هذا حديث كتب بعد نبي الإسلام, فإمَّا أن تثبت, وإمَّا أن تمسك عليك قلمك, فلا يسطر مثل هذه الأمور في مناظرة علمية. إن كنت تحسب الأحاديث النبوية منطة للكذب والتدليس, فأنت واهم, وقد منَّ الله علينا بعلم الحديث الذي لم تحظَ به أمَّة من الأمم, أو ملَّة من الملل. أحب أن أذكرك: (إنَّك تتحدث عن أحاديث خضعت لعلم الحديث, ولا تحسب نفسك تتحدث عن قول الآباء هنا). أي: اذهب إلى كتب الجرح والتعديل, وأثبت زعمك الذي لا قيمة له من دون كلام أهل الحديث. ثمَّ لماذا لا تقول هذا عن قصة الغرانيق؟ عفوًا, لقد تذكرت أنَّها تخدمك!!
· وهذه إرشادات لك, خذها تجد ما تبتغي: أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 125- 128)، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 26، 27) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 142، 144) وعزاه للبيهقي. وعن علي بن أبي طالب قال:" سمعت رسول الله e يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد من ذلك, ثم ما هممت بعدها بشيء حتى أكرمني الله برسالته". رواه البزار, ورجاله ثقات.
9. ثمَّ نأتي الآن إلى ما رددت به على مبحث: (باب نظم للعرب لا يقوله غيرهم):
· قولك: (حد فهم حاجه يا شباب؟؟؟ واحد راح لواحده مثلا و رجعته خائب ..كلمه اعادته بمعني انه ذهب من امامها .اذن ليس شرطا ان يكون اسفا ..فالجاهل بالاساليب اللغويه هو من يلبس الحق بالباطل و لا يفهم معني ما يقول .اعانك الله). لقد طالبناك بتوثيق هذه المداخلة, وأظهرت للجميع أنَّك تتحدث من دون دليل, ولم تستطع أن تثبت أن من معاني (عاد) (ذهب). فمن هو الذي يلبس الحق بالباطل يا زميل؟! ومن هو الذي لا يفهم معنى ما يقول؟! ومن هو الذي يأتي بمعان ليست في المعاجم؟! الحكم للقارئ النزيه.
· قولك: (ما هي الجمله او البيت حتي نفهم معني الكلام ؟؟؟ عاد فلان شيخا ثم ماذا ؟؟ هل فهم معني الجمله اصلا؟؟ زياده في التوضيح من فضلك). الجملة كاملة, وذات معنى تام, وهي: (عاد فلان شيخًا). وليس ذنبي أنَّك لا تدرك معاني الكلام, وقد ذكرت لك المصادر, فلماذا لم ترجع إليها؟ إذن, لا تملك تفنيدًا لها.
· قولك: (في التفسير تجد ان كلمه تعود هنا بمعني تصير الي ملتنا ..فاللعب كله في كلمه (عاد) فقط. اما الرجز في الايه واضحه و الهجر ايضا و اضح .فلم يقول ان الهجر له معني اخر). أمَّا التفسير, فإنَّها تأتي بمعنى (صرنا) أو (أصبحنا) أو (دخلنا), وهذا يسمى تضمينًا في اللغة العربية. أما الهجر فله معاني كثيرة, ولكن في الآية لها معنى ضد الوصل, وقد بينا لك الغرض البلاغي.
· قولك: (كالعاده لم يشرح الايه و التفسير حتي لا يفتضح الامر. فالمعني هنا ان يخرجونهم من النور الي الظلمات بمعني ان هناك من أمن بعيسي _علي حسب التفسير_و لم يؤمن بمحمد فهو خرج من نور الايمان الصحيح بعيسي الي الظلام بعدم الايمان بمحمد. اي انهم كانوا فعلا في نور). أي عادة يا زميل, بل أنت الذي تأتي بما يخدمك, ولا تلقي بالا لما سواه. يقول القرطبي: (ولفظ الآية مستغن عن هذا التخصيص، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب ، وذلك أن من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن كفر بعد وجود النبي صلى الله عليه وسلم الداعي المرسل فشيطانه مغويه ، كأنه أخرجه من الإيمان إذ هو معه معد وأهل للدخول فيه ، وحكم عليهم بالدخول في النار لكفرهم ؛ عدلا منه ، لا يسأل عما يفعل). وجاء في معاني القرآن للأخفش: ("يَحْكُم بأنَّهم كذاك" كما تقول: "قَدْ أَخْرَجُك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط. وتقول: "أَخْرَجَنِي فُلانُ من الكِتْبَةِ" ولم تكن فيها قط. أي: لَمْ يجعَلْني من أهلها ولا فيها). وجاء في معاني القرآن للنحاس: (فان قيل مامعنى يخرجونهم من النور الى الظلمات ولم يكونوا في نور قط؟ فالجواب: انه يقال رأيت فلانا خارج الدار وان لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وان لم يكن كان فيه). فأي أمر يفتضح أيها الزميل؟ عدم إدراكك لهذه المسائل لا تقذف به الناس.
· قولك: (اذن جميع ما قلته انت تم الرد عليه). من أيِّ المعاجم جذر (ع_و_د), أي (عاد) معناه (ذهب)؟! هل تملك ردًّا؟
10. قولك: (واذا لم تستطع ان تدرك ماذا قال بن كثير او ماذا سطرت فى التعقيب فلا تحجر على ذهن المتابع بإدعاءك اننى لم اوثق ما قلت وبخاصا انك لم تطرح اى تفنيد لهذا حتى الآن). أرجو أن يكون التفنيد سهل الفهم لديك. والقارئ هو من يحكم: من الذي يدرك ما يكتب, ومن الذي لا يعي ما يقول. والحقُّ أنَّك لم توثق, والحكم للقارئ.
11. قولك: (هكذا اذا تحدث مع شخص باللغه الاجنبيه ..فلن تقبل منه كلامه لان كلامه به اخطأ في اللغه العربيه ..ركز في المضمون حبيبي لكي ينير الله لك الطريق و تعرف الحق و الحق يحررك). حتى المضمون به مغالطات, وقد بيناها لك في هذه المداخلة.
12. قولك: (اذا قلت لك يا الداعي لا تدخل اصبعك في مفتاح الكهرباء, فهل يعني ذلك انك ادخلت اصبعك), وقولك: (من فمك ادينك يا عزيزي. مالي انا و مال الكهرباء متوصله ام لآ. فأنت قلت اضع يدي فيه لالعب ..اذن قد وضعت اصبعك في كل الاحوال. فليس من المعقول ان تقول لك والدتك لا تضع اصبعك في مفتاح الكهرباء وانت بعيد او تعمل شئ اخر فهكذا من فمك ادينك و شكرا لك), وقولك: (مضمون سؤالى الذى اعتبرته إستنكارى هو عن مدى إفصاح النهى عن الماضى). أرجو من القارئ أن يقارن بين هذه الأقوال, ثم لينظر: هل ثمة علاقة بينها؟
13. قولك: (فهل يعقل أن يجيب شخص على سؤال إستنكارى بالإيجاب المحتمل والنفى المحتمل فى نفس الآوان ويظل سؤال إستنكارى). بما أنَّ المجيب غير السائل, فنعم, يعقل؛ لأنَّ السؤال يبقى على أصله استنكاريًّا, والجواب يأتي ليدحض استنكار السائل. وبهذا الدحض, لا يصبح الاستنكاري استفساريًّا, بل يبقى على حاله استنكاريًّا.
14. قولك: (حينما اتيك بمثال لا تاتي لي بشئ نادرا جدا او شاذ لتجعله قاعده). لم أجعله قاعدة, وإنما هو محتمل. والقاعدة: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال).
15. هكذا نكون قد أنهينا الرد على القسم الأول, وبقي قسمان. سأضعهما في أقرب فرصة ممكنة.
16. والحمد لله ربِّ العالمين.





__________________

ثمَّ تكونُ خلافةً على منهاجِ النبوةِ. فتحت القسطنطينية, والآن ننتظر فتح روما: فما موقفك من تحقيق هذه البشرى؟




الزميل المناظر, القراء الكرام, مرحبًا وسهلاً بكم.
برنامج هذه المداخلة هو الآتي:
1. القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).
2. القول الفصل في (النسيان بعد التبليغ).
3. تفسير وأسباب نزول آية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾, (الحج: 52).
أولا_ القول الفصل في آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, (المدثر: 5).
للفظ في أصول الفقه مباحث من حيث اعتباره, وهي_:
1. تقسيم اللفظ باعتبار الدال وحده.
2. تقسيم اللفظ باعتبار المدلول وحده.
3. تقسيم اللفظ باعتبار الدال والمدلول.
ونحن سنقصر حديثنا على ما يعنينا من هذه الاعتبارات, ألا وهو: (تقسيم اللفظ باعتبار الدال وحده). لأنَّه يتحدث عن مبحث (المنطوق والمفهوم) الذي هو مناط هذه المسألة.
نقسم اللفظ باعتبار الدال وحده، أي باعتبار دلالة الألفاظ، إلى ثلاثة أقسام:
أحدها دلالة المطابَقة وهي دلالة اللفظ على تمام مسماه، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، وسمي بذلك لأن اللفظ طابَق معناه.
والثاني دلالة التضمن وهي دلالة اللفظ على جزء المسمى، كدلالة الإنسان على الحيوان فقط أو على الناطق فقط، وسمي بذلك لتضمنه إيّاه أي سمي تضمناً لكون المعنى المدلول في ضمن الموضوع له.
والثالث دلالة الالتزام وهي دلالة اللفظ على لازمه، كدلالة الأسد على الشجاعة، وسمي بذلك لكون المعنى المدلول لازماً للموضوع له. والمعتبَر باللزوم هو اللزوم الذهني أي إنّما تُتصور دلالة الالتزام في اللازم الذهني وهو الذي ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ، سواء أكان لازماً في الخارج أيضاً مع اللزوم الذهني كالسرير والارتفاع، أم غير لازم في الخارج كالعمى والبصر. ولا يأتي ذلك في اللازم الخارجي فقط، فإنه إذا لم ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ لم تحصل الدلالة البتة. وهذا اللزوم شرط وليس بموجب، يعني أن اللزوم بمجرده ليس هو السبب في حصول دلالة الالتزام بل السبب هو إطلاق اللفظ واللزوم شرط.
المنطوق: دلالة الخطاب على الحكم إن كانت من اللفظ فهي دلالة المنطوق، وإن كانت من المعنى الذي دل عليه اللفظ فهي دلالة المفهوم. والمنطوق هو ما دل عليه اللفظ قطعاً في محل النطق، أي ما فُهم من اللفظ مباشرة من غير واسطة ولا احتمال، فتَخرج دلالة الاقتضاء لأنها لم تُفهم قطعاً بل احتمالاً, ولم تُفهم مباشرة من اللفظ وإنما يقتضيها ما فُهم من اللفظ.
المفهوم: هو ما فُهم من اللفظ في غير محل النطق، أي هو ما دل عليه مدلول اللفظ، يعني المعنى الذي دل عليه معنى اللفظ. فالمنطوق ما فُهم من دلالة اللفظ. أمّا المفهوم فهو ما فُهم من مدلول اللفظ كقوله تعالى: ﴿ولا تقُل لهما أفّ﴾، فإن دلالة اللفظ هي لا تتأفف لهما، وهذا هو المنطوق، ولكن مدلول اللفظ وهو النهي عن التأفيف يُفهم منه لا تضربهما، فيكون مفهوم قوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أفّ﴾ هو لا تضربهما. فتحريم ضرب الوالدين المفهوم من قوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أفّ﴾ قد دل عليه مفهوم الآية. فالخطاب فيه قد دل على الحكم بالمفهوم, وهو المسمى بالدلالة المعنوية والدلالة الالتزامية.
وذلك لأن اللفظ ينقسم باعتبار الدال وحده إلى ثلاثة أقسام: هي المطابَقة والتضمّن والالتزام. فالمطابَقة هي دلالة اللفظ على تمام معناه، والتضمن دلالة اللفظ على جزء المسمى، وكلاهما دلالة من اللفظ قطعاً من غير احتمال، أي دلالة من اللفظ مباشرة، ولذلك كانا من المنطوق. أمّا دلالة الالتزام فهي دلالة اللفظ على لازم معناه، فهي حقيقتها مدلول المعنى وليس مدلول اللفظ، وقد دل عليها اللفظ بشكل غير مباشر أي من دلالته على المعنى لا من لفظه، أي أن المعنى فُهم من اللفظ لا في محل النطق، يعني فُهم من معنى اللفظ. وهو ما يسميه بعضهم (المنطوق غير الصريح).
وعليه فالمفهوم هو دلالة الالتزام، وحيث أن دلالات اللفظ باعتبار الدال وحده محصورة في هذه الدلالات الثلاث، وحيث أن دلالة المطابَقة ودلالة التضمن هما من المنطوق، فلَم تبق إلا دلالة واحدة هي دلالة الالتزام وهي من المفهوم، فتكون كل دلالة من الدلالات إذا لم تكن من المنطوق فهي من المفهوم. فتكون دلالة اللفظ محصورة بالمنطوق والمفهوم. فإذا لم تكن من المنطوق فهي من المفهوم ولا يوجد غير ذلك. وعلى هذا تكون دلالة الاقتضاء ودلالة التنبيه والإيماء ودلالة الإشارة من المفهوم، وكذلك يكون مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة من المفهوم.
· دلالة الاقتضاء: هي التي يكون اللازم فيها مستفاداً من معاني الألفاظ، وذلك بأن يكون شرطاً للمعنى المدلول عليه بالمطابَقة. واللازم قد يكون العقل يقتضيه، وقد يكون الشرع يقتضيه، إما لضرورة صدق المتكلم، وإما لصحة وقوع الملفوظ به.
· دلالة التنبيه والإيماء: إنما تقع فيما يدل على العلّيّة، وهي أن يكون التعليل لازماً من مدلول اللفظ وضعاً، لا أن يكون اللفظ دالاً بوضعه عن التعليل، يعني أن اللفظ لا يدل بوضعه على التعليل، إذ لو دل لَما كان من دلالة التنبيه والإيماء، بل إن مدلول اللفظ وضعاً يلزم منه بحسب وضع اللغة معنى آخر غير ما دل عليه اللفظ، فالدلالة على المعنى الآخر اللازم لمدلول اللفظ حسب وضع اللغة هي الدلالة بالتنبيه والإيماء.
· دلالة الإشارة: هي أن يكون الكلام قد سيق لبيان حكم أو دل على حكم ولكنه يُفهم منه حكم آخر غير الحكم الذي سيق لبيانه أو جاء ليدل عليه، مع أن هذا الحكم الآخر لم يكن مقصوداً من الكلام، فدلالة الكلام على هذا الحكم الذي لم يُسَق له ولم يدل عليه ولكن يُفهم منه، هي دلالة الإشارة.
· مفهوم الموافقة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافِقاً لمدلوله في محل النطق. يعني أن ما فُهم من مدلول اللفظ من معان وأحكام يكون موافِقاً لما فُهم من اللفظ نفسه. فالمعنى اللازم لمدلول اللفظ إذا كان موافقاً لذلك المدلول فهو مفهوم الموافَقة، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب، والمراد به معنى الخطاب.
· مفهوم المخالفة: هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفاً لمدلوله في محل النطق، يعني أن ما فُهم من مدلول اللفظ من معانٍ وأحكام يكون مخالفاً لما فُهم من اللفظ نفسه. فالمعنى اللازم لمدلول اللفظ إذا كان مخالفاً لذلك المدلول فهو مفهوم المخالَفة. ويسمى دليل الخطاب ولحن الخطاب، وذلك كمفهوم الصفة، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد.
أي استفسار للقارئ الكريم, سواء في تبسيط الكلام, أو في ضرب أمثلة عليه, فيستطيع هذا على هذا الرابط:
http://www.**************/forum/showthread.php?t=31298
الآن نأتي لتطبيق ما سبق ذكره على آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾:
1. من الاعتبارات التي يبحثها الأصوليون: (تقسيم اللفظ باعتبار الدال والمدلول), أي باعتبار اللفظ والمعنى, وهو سبعة أقسام, هي: (المنفرد والمتباين والمترادف والمشترك والمنقول والحقيقة والمجاز). ولفظ (الرجز) لفظ مشترك, أي ذات دلالات متعددة, وهي: العذاب, والقذر, والأوثان, والمأثم, وغير ذلك. وقد فسَّر المفسرون لفظ (الرجز) في الآية بعدة تفسيرات, ولم يتفقوا على معنى واحد؛ قال مجاهد وعكرمة: يعني الأوثان, وعن ٱبن عباس: والمأثم فاهجر؛ أي فاترك. وعن إبراهيم النَّخَعيّ: الرُّجز الإثم. وفسر كذلك بالعذاب؛ لأنه معناها الأصلي. ولمَّا رأينا المفسرين قد اختلفوا في المراد من لفظ (الرجز), فلم يتفقوا على أنه الأوثان, أي الأصنام؛ لما علمنا ذلك سقط الاستدلال بهذه الآية على كون النبي e كان متلبسًا في عبادة الأوثان؛ لأن القاعدة الأصولية هي: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال), فلما كان من المحتمل أن يكون الرجز غير الأوثان, سقط الاستدلال بهذه الآية؛ لأنها آية متشابهة, أي ظنية الدلالة, وليست قطعية الدلالة, أي لا يفهم منها معنىً واحدٌ فقط, بل يفهم منها أكثر من معنى, فلو كانت الآية هي: (والأصنام فاهجر), لعلمنا أنَّ الآية قطعية الدلالة, أي تدل على شيء واحد لا يفهم غيره, وهو الأوثان. إذن, لما كانت هذه الآية محتملة للأوثان ولغيرها لم تعد صالحة للاستدلال, بل الدليل يجب أن يكون قطعيًّا, وهذه آية ظنية, والقاعدة الأصولية: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال). وعلى هذا, على المناظر أن يبحث عن نصٍّ قطعي الدلالة, وليس ظني الدلالة.
2. لو فرضنا فرضًا جدليًا, وقلنا: إنَّ هذه الآية قطعية الدلالة, أي إن الرجز هنا معناه الأصنام فقط, فهل تصلح الآية في كونها دليلاً على أنَّ النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان من قبل البعثة؟ لِنَرَ ذلك:
· الآية تقول: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾, ومنطوق الآية يفيد الأمر بهجر الأصنام, فلا تدل الآية قطعًا في محلِّ النطق أن النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان, بل الآية تدل قطعًا في محلّ النطق على تحريم التقرب من الأوثان. نعم, هذا هو منطوق الآية.
· والمعنى على هذا لا يستقيم شرعًا؛ لأنَّ النبي e لم يهجر الأصنام, بل كان يمرُّ بجانبها عند الكعبة, وهجرها يعني عدم الاقتراب منها, وهنا الشرع يقتضي لازمًا؛ ليصح الملفوظ به, فبدلالة الاقتضاء يكون تقدير الكلام هو: (وعبادةَ الرجزِ فاهجر), فدلالة الاقتضاء اقتضت إبراز لفظ العبادة الذي هو لازم للفظ. فالمنطوق لم نفهم منه الأمر بهجر عبادة الرجز, بل فهمنا منه الأمر بهجر الرجز, أي بهجر الأصنام. أما بالمفهوم_ وهو هنا دلالة الاقتضاء _علمنا أن لازم اللفظ يتطلب تقدير لفظ العبادة, ففهمنا من الأمر هجر عبادة الرجز, وليس هجر الرجز, فجائز الاقتراب من الأوثان وعدم هجرها, ولكن عبادتها هي التي غير جائزة. وهذا حتى يصح الكلام الملفوظ به شرعًا. وهي هنا كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾, فمنطوق الآية هو سؤال القرية, ومفهوم الآية حسب دلالة الاقتضاء هو سؤال أهل القرية, وليس القرية, لكن هذا يقتضيه العقل, وليس الشرع.
· جاءت الآية تحرم عبادة الأوثان, وبدلالة الإشارة نفهم أنَّ قريشًا كانت وثنية, ولم تكن مجوسية ولا صابئة ولا كتابية. وبدلالة الإشارة نفهم أن النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان. نعم, هذه نتيجة تصحُّ لو لم تُعارض منطوقًا صريحًا, فالقاعدة الشرعية هي: (المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق), أي المنطوق غير الصريح لا يقوى على معارضة المنطوق الصريح.
· ونضرب هنا مثلا على دلالة الإشارة (إشارة النص): يقول البقاعي في تفسير الآية رقم: (11) من النساء ما يلي:" ولما بان سهم الذكر مع الأنثى بعبارة النص (منطوق النص)، وأشعر ذلك بأن لهن إرثاً في الجملة وعند الاجتماع مع الذكر، وفُهم بحسب إشارة النص (دلالة الإشارة) وهي ما ثبت بنظمه، لكنه غير مقصود، ولا سبق له النص, حكم الأنثيين إذا لم يكن معهن ذكر، وهو أن لهما الثلثين، وكان ذلك أيضاً مفهماً لأن الواحدة إذا كان لها مع الأخ الثلث كان لها ذلك مع الأخت إذا لم يكن ثمَّ ذكر من باب الأولى، فاقتضى ذلك أنهن إذا كن ثلاثاً أو أكثر ليس معهم ذكر استغرقن التركة، وإن كانت واحدة ليس معها ذكر لم تزد على الثلث؛ بَيْنَ (غير) أن الأمر ليس كذلك- كما تقدم -بقوله مبيناً إرثهن حال الانفراد: ﴿فإن كن﴾ أي الوارثات ﴿نساء﴾ أي إناثاً. ولما كان ذلك قد يحمل على أقل الجمع، وهو اثنتان حقيقة أو مجازاً حقق ونفى هذا الاحتمال بقوله: ﴿فوق اثنتين﴾ أي لا ذكر معهن ﴿فلهن ثلثا ما ترك﴾ أي الميت، لا أزيد من الثلثين ﴿وإن كانت﴾ أي الوارثة ﴿واحدة﴾ أي منفردة، ليس معها غيرها ﴿فلها النصف﴾, أي فقط". والشرح: البقاعي استنبط حكمًا شرعيًّا بدلال الإشارة, ألا وهو: (إذا كانت الوارثات ثلاثةً أو أكثر, وليس معهنَّ ذكر فلهنَّ التركة جميعًا لا يبقين منها شيئًا), فلمَّا كان المنطوق وهو قول الله: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾, مخالفًا لدلالة الإشارة التي تجعل النساء أكثر من اثنتين يرثن التركة كلَّها وليس ثلثيها, فلما كان هذا لا قيمة للنتيجة التي استنبطها بدلالة الإشارة؛ لأن المفهوم (دلالة الإشارة) لا تقوى على معارضة المنطوق, النص الصريح. واستنبط حكمًا آخر بدلالة الإشارة, ألا وهو: (إذا كانت الوارثة أنثى واحدة, وليس معها ذكر, فلا يجوز أن ترث أكثر من ثلث التركة), فلمَّا كان المنطوق وهو قول الله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾, مخالفًا لدلالة الإشارة, لم نلتفت لدلالة الإشارة, بل التزمنا منطوق النص؛ لأنها لا تقوى على معارضته.
· إذن, فهمنا بدلالة الإشارة أنَّ النبي e كان متلبسًا بعبادة الأوثان, فهذه نتيجة تصحُّ لولا حديثان يتعارض منطوقهما مع مفهوم الإشارة, أي دلالة الإشارة. والحديثان هما:
1) يقول النبي e:" لما نشأت بُغِّضت إلي الأوثان وبُغِّض إلي الشعر، ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين, كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد، حتى ما هممت بسوء بعدهما حتى أكرمني الله برسالته", رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
2) وقوله في قصة بحير حين استحلف النبي e باللات والعزى؛ إذ لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة فاختبره بذلك؛ فقال له النبي e:" لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما".أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة.
· هذان الحديثان بمنطوقهما ينفيان عن النبي e أنَّه كان متلبسًا بعبادة الأوثان, والآية بدلالة الإشارة تعارض هذين الحديثين بمنطوقهما, والقاعدة الأصولية: (المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق). فلا عبرة باستنتاج دلالة الإشارة بما أنه عارض منطوق النصوص.
3. الآن نأتي لطريقة زميلنا المناظر في تطبيق الدلالات؛ لأنَّ نتيجته التي أتانا بها هي نتيجة لتطبيقه دلالاتِ النصوص؛ إذ يقول: (تلك نتيجة مستنبطة بتطبيق مبحث الدلالات على الموضوع وعلى الأخص المنطوق الغير صريح). وقد مهد المناظر حديثه ببعض الشرح عن (المنطوق غير الصريح), ثمَّ انتقل للاستنباط. فهل كان موفقًا زميلنا المناظر في استنباطاته؟! لنرَ ذلك:
· في الحقيقة بدأ زميلنا بداية سليمة صحيحة, فقال: (3- دلالة الإشارة ما يخصنا فى الموضوع). فدلالة الإشارة هي التي تعنينا في موضوعنا من حيث كون النبي e كان متلبسًا بالأصنام, أي بعبادتها. ثمًّ نكص عن هذه البداية السليمة إلى أخرى سقيمة, فقال: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). لماذا غير مرتبط بالموضوع؟ ألم تقل قبل كلمات قليلة: (ما يخصنا في الموضوع)؟!
· هذا التناقض والاضطراب الذي وصل إليه زميلنا, جعله يستنبط استنباطات ما أنزل الله بها من سلطان. والغريب العجيب أنه يقول لي: (من الواضح أن الزميل الذى يصف نفسه بالمناظر قد راعه ما سطرته بصدد اللغة العربية)!! هل يروعني ما وقعتَ به من زيغ في الاستنباطات اللغوية حسب دلالات النص؟! ثمَّ إنني طالبُ حقٍّ, ولن أتردد بالإذعان لكلِّ حقٍّ تبينه لي, وهذا عهد منِّي لك. وأرجو أن تكون كذلك.
· يقول زميلنا المناظر: (سبق القول: فعل الامر الايجابي هو الذى يأمر فيه المتكلم المخاطب بفعل امر معين كنشاط ايجابى من المأمور اما فعل الأمر السلبي فهو الذى يأتى فى صياغة تأمر المخاطب او المأمور بترك فعل معين او الكف و الإمتناع عنه كنشاط سلبى من المأمور وبالعقل يفهم من ذلك ( دلالة اقتضاء لصحة الكلام عقلا ) فى فعل الامر الايجابي ان المخاطب او المأمور لم يكن يفعل الشئ الذى أمر به قبل توجيه الأمر له وإلا فاذا كان يفعله فما جدوى ان يؤمر بفعله وهو اصلا يفعله بل من المنطقى ان تأتى الصياغة لتطالبه بالإستمرار فى فعله او الثبات على فعله ( عن طريق دلالة إيماء تفيد ذلك ) بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي مثل ( كعادتك ، كدأبك ، كشأنك ...الخ ) اما فى فعل الامر السلبي والذى يتم فيه أمر الشخص المخاطب بترك امر معين او الكف عنه فلا يعقل ان يتم مطالبة شخص بترك شئ معين بفعل امر سلبي مالم يكن فاعلا له والا لأصبح ذلك مجرد لغو لا طائل من وراءه ( دلالة إقتضاء لصحة القول عقلا ) وانما من العقل ان تأتى الصياغة لتأمره بالثبات على الترك ( دلالة ايماء ) لتفصح عن حالة المأمور فى الماضى), وهذا نصٌّ فيه مغالطات كثيرة, وأمور كنتَ ترفضها من قبل ثمَّ تثبتها الآن, وهذا بيانه فيما يلي:
ü أيها الزميل, ألا ترجع إلى تعريفات الدلالات التي وضعتها أنت, أو التي جئتك أنا بها, ثمَّ تنظر إلى الفجوة بين تعريفاتها وبين تطبيقاتك؟!
ü تعتبر أنَّ الأمر الإيجابي يدلُّ على أنَّ المأمور به كان تاركًا له حسب دلالة الاقتضاء, وهذا خطل ما بعده خطل؛ لأنَّ دلالة الاقتضاء سميت كذلك؛ لأن المعنى الذي دل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا أو عقلا. فعندما أقول لك: (احمل القلم), هل يوجد أمر يتعارض مع صحة المعنى شرعًا أو عقلاً؟ قطعًا لا يوجد. لكن لو قلت لك: (استمسك بالآخرة), فإنَّ منطوق النص هو (الأمر بالتمسك بالآخرة), وهذا كلام لا يصحُّ عقلاً, فبدلالة الاقتضاء يجب أن نقدر كلامًا مضمرًا حتى يصح اللفظ, فنقول: (استمسك بالأعمال التي تنجيك بالآخرة). أمَّا ادعاؤك أن هذا الأمر الإيجابي يدل على أن المأمور به كان تاركًا له حسب دلالة الاقتضاء فهو خطأ, فلا دخل لدلالة الاقتضاء في هذا أصلا!! ولو قلت بدلالة الإشارة نفهم أنَّ المأمور به كان تاركًا له لقبلنا منك ذلك, ولكنك قلت: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). فأنت نفيت أصلاً أن يكون لدلالة الإشارة أي صلة بالموضوع.
ü ثمَّ إنَّك هنا, نسفت ما كنت تتبناه من قبل في مداخلاتك, فلما قلنا لك يقول الله Y: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾, فهذا الله يأمر نبيه بالتقوى مع أنه يتقيه, كنت تقول لنا: (فأين فعل الامر السلبي الذى يطالب بالكف او الامتناع, كلاهما فعل امر ايجابي), ثم نراك الآن تقول: (فى فعل الامر الايجابي ان المخاطب او المأمور لم يكن يفعل الشئ الذى أمر به قبل توجيه الأمر له وإلا فاذا كان يفعله فما جدوى ان يؤمر بفعله وهو اصلا يفعله), فلماذا هذا التناقض يا زميل؟ فقد أثبتنا لك أن الله Y أمر نبيه بالتقوى مع أنه كان قائمًا بها, أي أمر بشيء والنبي e يفعله.
ü وكذلك الحال مع فعل الأمر السلبي, فأنت تعتبر أنَّ فعل الأمر السلبي يدلُّ على أن المأمور به كان قائمًا بالفعل حسب دلالة الاقتضاء, وهذا خطل ما بعده خطل؛ لأنَّ دلالة الاقتضاء سميت كذلك؛ لأن المعنى الذي دل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا أو عقلا. فعندما أقول لك: (اترك القلم), هل يوجد أمر يتعارض مع صحة المعنى شرعًا أو عقلاً؟ قطعًا لا يوجد. لكن لو قلت لك: (اترك الدنيا), فإنَّ منطوق النص هو (الأمر بترك الدنيا), وهذا كلام لا يصحُّ عقلاً, فبدلالة الاقتضاء يجب أن نقدر كلامًا مضمرًا حتى يصح اللفظ, فنقول: (اترك ملذات الدنيا وزينتها). فالأمر بترك الدنيا هو أمر بترك زينتها وملذاتها حسب دلالة الاقتضاء. أمَّا ادعاؤك أن هذا الأمر السلبي يدل على أن المأمور به كان قائما به حسب دلالة الاقتضاء فهو خطأ, فلا دخل لدلالة الاقتضاء في هذا أصلا!! ولو قلت بدلالة الإشارة نفهم أنَّ المأمور به كان قائما به لقبلنا منك ذلك, ولكنك قلت: (النوع الاخير دلالة الإشارة وهو غير مرتبط بالموضوع). فأنت نفيت أصلاً أن يكون لدلالة الإشارة أي صلة بالموضوع.
ü قولك: (بل من المنطقى ان تأتى الصياغة لتطالبه بالإستمرار فى فعله او الثبات على فعله ( عن طريق دلالة إيماء تفيد ذلك ) بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي مثل ( كعادتك ، كدأبك ، كشأنك ...الخ )). قولك هذا فيه مغالطات شتى؛ ذلك أنَّك لم تستطع إدراك حقيقة (دلالة الإيماء والتنبيه)؛ فدلالة الإيماء والتنبيه هي التي تنبِّهك على علِّة النص, وتومئ إليها, نحو: يقول النبي e:" من مس فرجه فليتوضأ"؛ فبدلالة الإيماء نفهم أنَّ مس الفرج علَّة للوضوء. ولننظر إلى التعريف الذي سقته أنت: (اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا. والمراد بالوصف: اللفظ المقيد لغيره سواء كان شرطا أو غاية أو استثناء. ومعنى: لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا: أي: لو لم يكن اقتران الوصف بحكم أو نظيره لتعليل الحكم لكان بعيدا). ففي الحديث اقترن وصف بحكم لتعليل الحكم؛ أما الوصف, فهو الشرط: (من مسَّ). وأمَّا الحكم, فهو وجوب الوضوء: (فليتوضأ)؛ وعلة الوضوء هو مس الفرج. أي اقترن في الحديث مس الفرج_ وهو وصف _بوجوب الوضوء_ وهو الحكم _لإفادة أنَّ مسَّ الفرج علَّة لوجوب الوضوء. والآن نأت لمثالك, ألا وهو: (احمل القلم كعادتك). أنت قلت: (بإضافة شرط خاص لصيغة الامر الايجابي), ولكنَّ لفظ (كعادتك) ليس شرطًا, بل هو تشبيه. ثمَّ إنَّه لا يفيد تعليل الأمر بحمل القلم, فكان بعيدًا؛ لأنه لم يقترن لتعليله. فلا يوجد هنا أيُّ وجود لدلالة الإيماء. وحتى يصبح المثال صحيحًا نقول: (من كانت عادته حمل القلم فليحمله). فهنا اقترن وصف, وهو: (من كانت عادته) بحكم, وهو: (فليحمله). أي علل الأمر بحمل القلم بكونه كان عادةً له. وعليه, فكلُّ ما قيل بخصوص دلالة الإيماء لا ينطبق على معنى دلالة الإيماء, فقولنا: (احمل القلم كعادتك), لا دخل له بدلاة الإيماء, لا من قريب أو بعيد.
ü قولك: (وانما من العقل ان تأتى الصياغة لتأمره بالثبات على الترك ( دلالة ايماء ) لتفصح عن حالة المأمور فى الماضى). وليس هنا ما نقوله أكثر مما قلناه في النقطة السابقة, غير أن الأمر يكون سلبيًّا. فقولك: (اترك القلم كعادتك) لا يوجد فيه شرط. ولنصصحه نقول: (من كانت عادته ترك القلم فليتركه). وطبق ما قلناه من قبل ها هنا. أي لا دخل لدلالة الإيماء فيما قلته أنت, أيها الزميل.
ü أيها الزميل, ما جئتنا به من تعريفات للدلالات اللغوية لا غبار عليه, ولكنَّ المشكلة أنَّك لا تستطيع أن تُنْزِلَ هذه الدلالات منازلها, ولا تدرك وقائعها, ولا تتقن مسالكها, ولا تفطن لحقيقتها, وقد قلت لك من قبل: (إتيانك_ أيها المناظر _لا نثق به؛ لأنَّ هذه الأمور يحتاج المرء إلى علم رفيع في اللغة العربية حتى يدرك حقيقتها, ولا أريد هنا أن أختبرك في مدى إدراكك لما نسخته ولصقته, بل أريد أمرًا فاصلاً: من أعلم بما ذكرت: أنت أم الإمام ابن كثير؟! قطعًا, لا يلتفت إلى رأي أيِّ شخص ما لم يكن عنده من العلم ما عند ابن كثير, وهذا أمر يقبله أولو الألباب, وترضاه ذوو النهى. إذن, ليس المهم أن تقص وتلصق, بل المهم أن يشهد لك أهل العلم بالقدرة على فهم ما جئت به من مباحث أصول الفقه اللغوية). وأرجو أن تقبل نصيحتي لك, ألا وهي: (إذا أردت أن تتكلم عن دلالات النص, فعليك أن تبدأ بتحسين كتابتك الإملائية, ثمَّ تحسين قواعدك النحوية, ثم إتقان الناحية الأسلوبية في التعبير (بلاغة). وبعد أن تصبح لك قدم راسخةفيما سبق, عليك أن تذهب لأصوليِّ في الفقه؛ ليشرح لك دلالات النص). هذه نصيحة صادقة لك, وإن عزمت على المضيِّ قُدُمًا في الحديث عن الدلالات اللغوية, فإنه يصدق عليك المثل العربي: (تَزَبَّبَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَصْرَم).
· وثمَّة مشكلة تقع بها كثيرًا, ألا وهي: (إنك تحاول أن تمنطق اللغة العربية). فمثلاً تقول كثيرًا: (والا لأصبح ذلك مجرد لغو لا طائل من وراءه). والحقُّ أنَّ أساليب التعبير في اللغات لا تخضع للمنطق, بل عليك أن تلتزم أساليب اللغة التي تدرسها, فتقول من أساليبهم كذا, ومن أساليبهم كذا, ثمَّ تقف. وليس لك الحقُّ في تخطئة أي أسلوب. فمثلا أتينا لك بأسلوب من أساليب العرب تحت عنوان: (بابُ نظم للعرب لا يقولُه غيرهم). وَخُذْ أسلوبًا آخر من أساليب العرب, ألا وهو: (المدح بطريقة الذم). المنطق لا يقبل أن تذمَّ شخصًا في معرض مدحه ويكون مدحًا, ولكنَّ اللغة العربية خالفت المنطق, وأتت بهذا الأمر. فليرجع إلى كتب البلاغة للوقوف على كلام العرب مدحًا في ذمٍّ. وقلنا لك أن تأمر شخصًا بفعل وهو يفعله من البلاغة العربية, وأن تأمر شخصًا بترك فعل لا يفعله من البلاغة العربية, ولكنَّك لم تلتفت إلى كلامي, ولم تعره أدنى اهتمام, وبقيت سادرًا فيما أنت فيه. وهذه هي النقطة التالية في البحث.
· الذي تعتبره مخالفًا للمنطق هو من أساليب البلاغة العربية. وأنت تقول لي: (اولا الأساليب البلاغية فى اللغة العربية معروفة ومنذ أمد بعيد ولها أغراض محددة ومعروفة ، و تستخدم هذه الأساليب فى خدمة تلك الأغراض فالبلاغة ليست بمدعاة لكل شخص فى رفض المعنى الصريح القاطع الدلالة تحت مبرر البلاغة او تبرير الخطأ اللغوى او المنطقى بالبلاغة بدون إيضاح ما هو هذا الغرض البلاغى ام انها بلاغة بدون غرض. فما هو هذا الغرض البلاغى المقصود من وراء توجيه الأمر لشخص تارك للرجز اصلا بتركه مع ملاحظة ان بن كثير لم يشير الى وجود اى شئ بلاغى فى النص بل إكتفى بنفى المعنى الصريح القاطع الدلالة للنص بقوله). ونقول إزاءه ما يلي:
ü لو أنَّك رجعت إلى كتب البلاغة لما قويت يمينك على ما خطَّ قلمك. فأغراض البلاغة محددة ومعروفة, ولو كانت معروفةً لديك لما قلت: (فما هو هذا الغرض البلاغى المقصود من وراء توجيه الأمر لشخص تارك للرجز اصلا بتركه).
ü يقول الهاشمي:" وقد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي, وهو (الإيجاب والإلزام) إلى معان أخرى: تستفاد من سياق الكلام, وقرائن الأحوال, كالدعاء, والالتماس, والإرشاد, والتهديد, والتعجيز, والإباحة, والتسوية, والإكرام, والامتنان, والإهانة, والدوام, والتمني, والاعتبار, والإذن, والتكوين, والتخيير, والتأديب, والتعجب", (جواهر البلاغة, ص: 54_55). وهنا الحديث عن صيغ الأمر بنوعيها: الإيجابي والسلبي. وما يعنينا هنا هو الغرض الحادي عشر, ألا وهو: (الدوام), فقد نستفيد من الأمر بنوعيه حسب السياق وقرائن الأحوال الدوام, أي مطالبة الشخص بالديمومة, سواء أكانت سلبية أو إيجابية.
ü الغرض البلاغي من آية: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ واحد من اثنين حسب آراء العلماء: فأما الأول: الدوام, أي دم على هجرانها. وأمَّا الثاني: أسلوب (إياك أعني, واسمعي يا جارة). معلوم أنه e لا يفعل شيئاً من ذلك ولم يثبت عليه، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره في ضمن خطابه e. والقاعدة الأصولية هي: (خطاب النبي e خطاب لأمته ما لم يرد دليل التخصيص).
ü طبعًا, العرب كانت تعرف هذا بسليقتها, لأجل هذا لا تجد ابن كثير يشير إلى الأمور البلاغية على وجه التفصيل؛ لأنه كان أمرًا معلومًا لديهم.
ü وحتى أضيء الطريق لزميلنا المناظر, فإنِّي آتٍ له بآية لا تبقي عذرًا لمعتذر, ولا حجةً لمحتج, ألا وهي قول الله Y: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾, (الحج: 30). هذه الآية الثلاثون من الحج, وهي آية مدنية وليست مكية, أي نزلت تخاطب المؤمنين وهم في المدينة المنورة (يثرب), وقد كانوا وقتئذٍ خيرَ مَنْ عُرِفَ من المؤمنين, فهم صحابة رسول الله e, مهاجرين وأنصار, وهم ملتزمون بتوحيد الله الواحد القهار, وهم أبعد ما يكون عن الرجس والأقذار, وهم خير الناس بعد المصطفين الأخيار, وها هو الواحد الجبار, يأمرهم أمرًا سلبيًّا في ترك عبادة الأصنام, وهم برآء من هذه الآثام. وهذه هي قمة البلاغة العربية, أن تخرج من مقصود الأمر إلى بغية سوية, فالحمد لله على آلائه الجسيمة, ونعمائه العظيمة. وبهذه الآية التي يطالبنا بها زميلنا المناظر تنشرح الصدور, وتهنأ النفوس, وتطمئن القلوب, والحمد لله ربِّ العالمين.
ü وقولك: (فطلبتك منك ان تأتي بمثال مثله تماما لكي نفهم), قد أجبناه, وجئناك بمثال مثله.
4. وهنا أنقل أقوالاً أخرى للمفسرين في قوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾:
· يقول البقاعي في تفسيره: (﴿والرجز﴾ أي كل قذر فإنه سبب الدنايا التي هي سبب العذاب، قال في القاموس: الرجز بالكسر والضم: القذر وعبادة الأوثان والعذاب والشرك. ﴿فاهجر﴾ أي جانب جهاراً وعبادة، ليحصل لك الثواب كما كنت تجانبها سراً وعادة، فحصل لك الثناء الحسن حتى أن قريشاً إنما تسميك الأمين ولا تناظر لك أحداً منها).
· تفسير المنتخب: (والعذاب فاترك، أي: دُمْ على هَجْر ما يوصل إلى العذاب).
· تفسير النيسابوري: (هو بالكسر والضم العذاب, والمراد: اهجر ما يؤدي إليه من عبادة الأوثان وغيرها, أي: أثبت على هجره, مثل: اهدنا).
· تفسير الألوسي: (ولما كان المخاطب بهذا الأمر هو النبي e, وهو البريء عن ذلك, كان من باب (اياك أعني واسمعي) أو المراد (الدوام والثبات) على هجر ذلك).
· قال القرطبي:" وأنه e كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم، ولا أشرك بالله، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر, ولا حضر حلف المطر, ولا حلف المطيبين، بل نزهه الله وصانه عن ذلك".
5. وهنا نقف مع التفسير الذي ساقه لنا زميلنا المناظر, ألا وهو: (﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾, يقول: وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: «وَحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ» ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, يقول: الذي أثقل ظهرك فأوهنه، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر، قد أوهنه السفر، وأذهب لحمه: هو نِقْضُ سَفَر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾, قال: ذنبك. وقوله: ﴿أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, قال: أثقل ظهرك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾, قال: كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يعني: الشرك الذي كان فيه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ قال: شرح له صدرَه، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ، فوضعه. وفي قوله: ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ قال: أثقله وجهده، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل، حتى يصير نِقْضاً بعد أن كان سميناً ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ قال: ذنبك الذي أنقض ظهرك: أثقل ظهرَك، ووضعناه عنك، وخفَّفنا عنك ما أثقل ظهرَك).
· لقد فسر بعض المفسرين الآية بقولهم: (كانت للنبيّ e ذنوب قد أثقلته). ويتساءل زميلنا قائلاً: (ما هو هذا الذنب الذي يثقل الظهر؟ هل هي صغائر؟ فهل الصغائر تثقل الظهر؟), والجواب:
ü قال القرطبي: (والوزر: الذنب؛ أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية؛ لأنه كان e في كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنما ولا وثنا.....فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه. ﴿الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ أي أثقله وأوهنه. قال: وإنما وصفت ذنوب، الأنبياء بهذا الثقل، مع كونها مغفورة، لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها).
ü نعم, الصغائر تثقل الظهر لمن كان تقيًّا؛ لأنَّه شديد الاستحضار لعظمة الله وجبروته وفضله ونعمه, فترى الواحد فيهم إن قام بصغائر الذنوب ثمَّ عاد لرشده مذعورًا خائفًا, يصدق عليه قوله Y: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾, وما هذا إلا لكثرة اشتغالهم بها, وندمهم عليها, وتحسرهم على أنفسهم: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾.
ü هذا مع الإنسان التقي, فما بالك مع أتقى الناس وأخشاهم لله, محمد e؟! لا جرم أنَّه إذا قام بأدنى ذنب في الجاهلية سوف يثقل ظهره.
ü في المقابل, ترى من استحكمت الران على قلبه, والغشاوة على بصره, والأكنة في سمعه, تراه يشرك بالله, ويزني, ويسرق, ويقتل. ولا يؤثر فيه شيء مما قام فيه, بل هو في دعة ورغد عيش, لا يلقي أدنى بال لما اقترفه من الفواحش والمنكرات.
ü إذن, التقي؛ صغائر الذنوب تثقل ظهره. والغوي؛ كبائر الذنوب لا تؤثر فيه!!
ü وعلى كلِّ حال, لو أنَّه_ حسب زعمك _ كانت الذنوب التي أثقلت ظهر النبي e هي كبائر الذنوب, فكبائر الذنوب ليس محصورة في عبادة الأوثان, فلا دليل في هذه الآية حسب التفسير أنه كان يعبد الأوثان, وتخصيص الأوثان من دون مخصص لا قيمة له؛ لأنه بلا دليل.
· المشكلة تكمن في هذا التفسير, ألا وهو: (حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يعني: الشرك الذي كان فيه). ولكنَّ الله يأبى إلا أن يتمَّ نوره:
ü هذه الرواية تعتريها مشكلة كبيرة؛ لأنه اعتبر الذنوب التي أثقلت الظهر هي الشرك الذي كان فيه النبي محمد e, أي أنَّه كان عابدًا للأوثان.
ü يقول ابن المبارك:" الإسناد من الدين. ولولا الإسناد, لقال من شاء ما شاء". وقال ابن حزم:" نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي e مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل". وتاريخ الرجال هو الذي أماط اللثام عن الرواة الكذابين, قال سفيان الثوري:" لما استعمل الرواة الكذب, استعملنا لهم التاريخ". وهنا سوف نخضع سند هذه الرواية حتى نعالجها بعلم الحديث.
ü سند الرواية هو: (حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد), والسند الكامل هو: (حدثت عن الحسين بن فرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبيد بن سليمان), ومعالجته كالتالي:
ü يقول الطبري: (حُدِّثْتُ), وهنا مشكلة؛ فمن حدَّث الطبري؟ إنَّ جهل شيخ الطبري كفيل في درء هذه الرواية؛ لأنَّنا لا نأخذ من مجاهيل. ولكن لا بأس من الإكمال.
ü (الحسين بن فرج): جاء في التكميل: (هذا إسناد واه، الحسين بن فرج متروك، وكذبه بعضهم).
ü (الفضل بن خالد): أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3 / 2 / 61) ولم يذكر فيه جرحا أوتعديلا. أي هو جهول. نوع المجهول: «مجهول الحال»، وهو من روى عنه اثنان فأكثر لكن لم يوثَّق. حكم روايته: الردُّ (على الصحيح الذي قاله الجمهور), كذا في «شرح النخبة», ص: 136.
ü (عبيد بن سليمان): قال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا بأس به, وهو أحب إلي من جويبر, وذكره ابن حبان في الثقات.
ü وعليه, هذه رواية مردودة, لا تقوى على الوقوف, فما بالك_ أيها القارئ _بالاستدلال بها. لا يكون هذا.
6. والآن نقف عند رواية الغرانيق وقفة لطيفة. وجاء فيها: (ومضى رسول الله e في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده, وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليهما، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود). واستنبط زميلنا من هذا النصِّ أنَّ النبي e قد سجد للأصنام, ليس قبل البعثة, بل وهو نبيٌّ. وظنَّ بتوهُّمه هذا أنَّه نال من عصمة النبي e, فخرَّت مع ذلك نبوَّته, وبان كذبه!! وإزاء هذا نقول:
· الجزء الذي يعنينا لحدِّ هذه اللحظة هو السجود الذي حصل في هذه الرواية.
· وهنا نقول لزميلنا: مما جاء في الرواية: (وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده, وسجد جميع من في المسجد من المشركين). فالرواية تذكر أنَّ النبي e سجد, ولم تذكر شيئًا آخر, ولم يرد فيها أنَّ النبي e سجد للَّلاتِ والعزى ومناة الثالثة الأخرى, فكيف فهمت أنَّ النبي e سجد للأصنام؟! أهذا فهم استنبطته بدلالة المطابقة؟ أم بدلالة التضمين؟ أم بدلالة الاقتضاء؟ أم بدلالة الإيماء والتنبيه؟ أم بدلالة الإشارة؟ أم بمفهوم الموافقة؟ أم بمفهوم المخالفة, أم بدلالة لا يعرفها أحد غيرك؟! من السهل أن تزعم, وأنَّى لك أن تثبت ما تزعم!!
· نلاحظ هذا النص: (وسجد في آخر السورة). فلماذا سجد النبي e في آخر السورة؟ الجواب: آخر آية في سورة النجم هي: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾, (النجم: 62). إذن, في آخر السورة أمر الله I وتعالى النَّاس بالسجود لله وحده من دون الأصنام, فسجد النبي e, وسجد المسلمون اقتداءً بنبيِّهم e, وما سجدوا إلا لله I, ولم يسجدوا لأحد من دونه.
· ولا أدري كيف يستسيغ عاقل أن ينطق بما ادعاه زميلنا من حيث كون النبي e سجد للأصنام في آخر السورة التي يذمُّ بها الأصنام, إذ جاء في سورة النجم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾, (النجم: 23). فهل هناك عاقل يذمُّ الأصنام ثمَّ يسجد لها بعدما ذمَّها؟! رحمةً بعقولنا يا قوم!!
· نلاحظ هذا النص: (وسجد جميع من في المسجد من المشركين). فلماذا يسجد المشركون؟ في الحقيقة لم يسجد المشركون فقط, بل سجد الإنس والجان والشجر والحجر في آخر السورة. قال البخاري: حدثنا أبو مَعْمَر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:" سجد النبي e بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". وروى البزار عن أبي هريرة:" أن النبي كتبت عنده سورة النجم فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم", وإسناده صحيح. وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة:" سجد النبي بآخر النجم والجن والإنس والشجر".
· وما هذا السجود إلا لعظمة هذه السورة, وخصوصًا آخر آياتها, ألا وهي: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾, (النجم: 42_62).
· فأمَّا المسلمون, فقد سجدوا اقتداءً بنبيِّهم e, وأمَّا الشجر والحجر, فلعظمة آيات الله في سورة النجم, يقول الله I: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾, (الرحمن: 6). وأمَّا الجنُّ؛ فلأنَّ هذه الآيات تهدي إلى الرشد, يقول الله U: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾, (الجن: 2). وأمَّا المشركون_ فكما قال القاضي عياض _؛فلأنها أول سجدة نزلت. وقد نبَّه الله I نبيَّه محمدًا على هذا السجود, أي من تلك الأصناف, فقال له: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾, (الحج: 18).
· وعليه, من زعم أنَّ النبي e سجد للأصنام بناءً على هذه الروايات فهو واهم, ولا يملك برهانًا ولا دليلا, ولا حجة ولا سلطانا, والحمد لله ربِّ العالمين.
7. ومما يتصل بهذا المبحث_ أيضًا _قول زميلنا: (ثم تأتي لي برأي الزهري ..وما ادراك ما الزهري هل تحب ان اكلمك عنه و ماذا قالوا عنه ؟؟ ام فقط تأخذون ما يوافقك هواكم و حينما نتحدث عن قول للزهري تخرجون لنا انه كاذب و ضعيف و مدلس؟؟؟ فقط لانه يقول كلام لا يعجبكم ..و ما يعجبكم تحتجون به؟؟؟). وإزاء هذا نقول:
· زميلنا المناظر يرفض أدنى إشارة إلى تفسير الآية السليم, ويريد أن نقرَّه على فهم خاصٍّ جدًّا به, لم يصرح به مفسر, ولم يشِ به محدِّث. وقد حاول أن ينسب فهمه لأمهات كتب التفسير, وأنَّى له ذلك؟! إنَّ لهذه الأمِّة رجالا عدولا, يحملون العلم وفهمه عن سلفهم الفاضل, وقد قال عنهم النبي e:" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله: ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين", رواه البيهقي.
· نعم, أحبُّ أن تكلمني عن الزهري, وأنا سأكلمك عنه. والقارئ وحده يحكم من هو (الكاذب والضعيف والمدلس). ترجم له ابن الجوزي في كتابه (صفوة الصفوة), فقال:
178 - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري, يكنى أبا بكر:
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: (ما أرى أحدا جمع بعد رسول الله e ما جمع إبن شهاب). وقال مالك بن أنس: (ما أدركت فقيها محدثا غير واحد). فقلت: من هو؟ فقال: (ابن شهاب الزهري). وعنه أنه قال: (إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم والله لقد أدركت هاهنا وأشار إلى مسجد رسول الله e سبعين رجلا كلهم يقول قال فلان قال رسول الله e فلم آخذ عن أحد منهم حرفا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن, ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن). وقال أيوب: (ما رأيت أحدا أعلم من الزهري). فقال صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: (ما رأيت أحدا أعلم من الزهري). وعن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: (أما أعلمهم بقضايا رسول الله e وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب, وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير, ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحرا إلا فجرته_ قال عراك _فأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه). وعن معمر, قال رجل من قريش: قال لنا عمر بن عبد العزيز: أتأتون الزهري؟ قلنا: نعم. قال: (فائتوه؛ فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه) قال والحسن ونظراؤه يومئذ أحياء. وقال سفيان: (مات الزهري يوم مات وليس أحد أعلم بالسنة منه). وعن الليث قال: (ما رأيت عالما قط أجمع من إبن شهاب ولا أكثر علما منه, ولو سمعت ابن شهاب يحدث في الترغيب لقلت لايحسن إلا هذا, وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب لقلت لايحسن إلا هذا, وإن حدث عن الأعراب والأنساب لقلت لا يحسن إلا هذا, وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه جامعا).
· أكتفي أنا بهذا القدر, وإن أردت زدتك. وأنتظر أن تحدثني عنه.
8. ومما يتعلق بهذا المبحث قول زميلنا: (لانه ببساطه شديده هذا حديث ..وكتب بعد وفاه نبي الاسلام ..فمن ادراك انه حقيقي و انه فعلا قال هذا؟؟ فأيهما اصدق حديث ام ايه قرأنيه؟؟ وان كان هذا حديث ..فقل لي متي قاله و اين قاله و لمن ..فهل قاله لقريش فعلا؟؟؟). وهنا نقول:
· من السهل أن تزعم, وأنَّى لك أن تثبت ما تزعم!!
· الحديث الذي يرديه خائبًا بفهمه وأقواله لا يجد بأسًا زميلنا في قوله: (وكتب بعد وفاه نبي الاسلام). قل ما شئت, ولكن في المناظرة العلمية كلام مثل هذا من دون توثيقٍ يسيئ إليك, وتبقى الشمس ساطعة. عندما تقول هذا حديث كتب بعد نبي الإسلام, فإمَّا أن تثبت, وإمَّا أن تمسك عليك قلمك, فلا يسطر مثل هذه الأمور في مناظرة علمية. إن كنت تحسب الأحاديث النبوية منطة للكذب والتدليس, فأنت واهم, وقد منَّ الله علينا بعلم الحديث الذي لم تحظَ به أمَّة من الأمم, أو ملَّة من الملل. أحب أن أذكرك: (إنَّك تتحدث عن أحاديث خضعت لعلم الحديث, ولا تحسب نفسك تتحدث عن قول الآباء هنا). أي: اذهب إلى كتب الجرح والتعديل, وأثبت زعمك الذي لا قيمة له من دون كلام أهل الحديث. ثمَّ لماذا لا تقول هذا عن قصة الغرانيق؟ عفوًا, لقد تذكرت أنَّها تخدمك!!
· وهذه إرشادات لك, خذها تجد ما تبتغي: أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 125- 128)، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 26، 27) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 142، 144) وعزاه للبيهقي. وعن علي بن أبي طالب قال:" سمعت رسول الله e يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد من ذلك, ثم ما هممت بعدها بشيء حتى أكرمني الله برسالته". رواه البزار, ورجاله ثقات.
9. ثمَّ نأتي الآن إلى ما رددت به على مبحث: (باب نظم للعرب لا يقوله غيرهم):
· قولك: (حد فهم حاجه يا شباب؟؟؟ واحد راح لواحده مثلا و رجعته خائب ..كلمه اعادته بمعني انه ذهب من امامها .اذن ليس شرطا ان يكون اسفا ..فالجاهل بالاساليب اللغويه هو من يلبس الحق بالباطل و لا يفهم معني ما يقول .اعانك الله). لقد طالبناك بتوثيق هذه المداخلة, وأظهرت للجميع أنَّك تتحدث من دون دليل, ولم تستطع أن تثبت أن من معاني (عاد) (ذهب). فمن هو الذي يلبس الحق بالباطل يا زميل؟! ومن هو الذي لا يفهم معنى ما يقول؟! ومن هو الذي يأتي بمعان ليست في المعاجم؟! الحكم للقارئ النزيه.
· قولك: (ما هي الجمله او البيت حتي نفهم معني الكلام ؟؟؟ عاد فلان شيخا ثم ماذا ؟؟ هل فهم معني الجمله اصلا؟؟ زياده في التوضيح من فضلك). الجملة كاملة, وذات معنى تام, وهي: (عاد فلان شيخًا). وليس ذنبي أنَّك لا تدرك معاني الكلام, وقد ذكرت لك المصادر, فلماذا لم ترجع إليها؟ إذن, لا تملك تفنيدًا لها.
· قولك: (في التفسير تجد ان كلمه تعود هنا بمعني تصير الي ملتنا ..فاللعب كله في كلمه (عاد) فقط. اما الرجز في الايه واضحه و الهجر ايضا و اضح .فلم يقول ان الهجر له معني اخر). أمَّا التفسير, فإنَّها تأتي بمعنى (صرنا) أو (أصبحنا) أو (دخلنا), وهذا يسمى تضمينًا في اللغة العربية. أما الهجر فله معاني كثيرة, ولكن في الآية لها معنى ضد الوصل, وقد بينا لك الغرض البلاغي.
· قولك: (كالعاده لم يشرح الايه و التفسير حتي لا يفتضح الامر. فالمعني هنا ان يخرجونهم من النور الي الظلمات بمعني ان هناك من أمن بعيسي _علي حسب التفسير_و لم يؤمن بمحمد فهو خرج من نور الايمان الصحيح بعيسي الي الظلام بعدم الايمان بمحمد. اي انهم كانوا فعلا في نور). أي عادة يا زميل, بل أنت الذي تأتي بما يخدمك, ولا تلقي بالا لما سواه. يقول القرطبي: (ولفظ الآية مستغن عن هذا التخصيص، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب ، وذلك أن من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن كفر بعد وجود النبي صلى الله عليه وسلم الداعي المرسل فشيطانه مغويه ، كأنه أخرجه من الإيمان إذ هو معه معد وأهل للدخول فيه ، وحكم عليهم بالدخول في النار لكفرهم ؛ عدلا منه ، لا يسأل عما يفعل). وجاء في معاني القرآن للأخفش: ("يَحْكُم بأنَّهم كذاك" كما تقول: "قَدْ أَخْرَجُك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط. وتقول: "أَخْرَجَنِي فُلانُ من الكِتْبَةِ" ولم تكن فيها قط. أي: لَمْ يجعَلْني من أهلها ولا فيها). وجاء في معاني القرآن للنحاس: (فان قيل مامعنى يخرجونهم من النور الى الظلمات ولم يكونوا في نور قط؟ فالجواب: انه يقال رأيت فلانا خارج الدار وان لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وان لم يكن كان فيه). فأي أمر يفتضح أيها الزميل؟ عدم إدراكك لهذه المسائل لا تقذف به الناس.
· قولك: (اذن جميع ما قلته انت تم الرد عليه). من أيِّ المعاجم جذر (ع_و_د), أي (عاد) معناه (ذهب)؟! هل تملك ردًّا؟
10. قولك: (واذا لم تستطع ان تدرك ماذا قال بن كثير او ماذا سطرت فى التعقيب فلا تحجر على ذهن المتابع بإدعاءك اننى لم اوثق ما قلت وبخاصا انك لم تطرح اى تفنيد لهذا حتى الآن). أرجو أن يكون التفنيد سهل الفهم لديك. والقارئ هو من يحكم: من الذي يدرك ما يكتب, ومن الذي لا يعي ما يقول. والحقُّ أنَّك لم توثق, والحكم للقارئ.
11. قولك: (هكذا اذا تحدث مع شخص باللغه الاجنبيه ..فلن تقبل منه كلامه لان كلامه به اخطأ في اللغه العربيه ..ركز في المضمون حبيبي لكي ينير الله لك الطريق و تعرف الحق و الحق يحررك). حتى المضمون به مغالطات, وقد بيناها لك في هذه المداخلة.
12. قولك: (اذا قلت لك يا الداعي لا تدخل اصبعك في مفتاح الكهرباء, فهل يعني ذلك انك ادخلت اصبعك), وقولك: (من فمك ادينك يا عزيزي. مالي انا و مال الكهرباء متوصله ام لآ. فأنت قلت اضع يدي فيه لالعب ..اذن قد وضعت اصبعك في كل الاحوال. فليس من المعقول ان تقول لك والدتك لا تضع اصبعك في مفتاح الكهرباء وانت بعيد او تعمل شئ اخر فهكذا من فمك ادينك و شكرا لك), وقولك: (مضمون سؤالى الذى اعتبرته إستنكارى هو عن مدى إفصاح النهى عن الماضى). أرجو من القارئ أن يقارن بين هذه الأقوال, ثم لينظر: هل ثمة علاقة بينها؟
13. قولك: (فهل يعقل أن يجيب شخص على سؤال إستنكارى بالإيجاب المحتمل والنفى المحتمل فى نفس الآوان ويظل سؤال إستنكارى). بما أنَّ المجيب غير السائل, فنعم, يعقل؛ لأنَّ السؤال يبقى على أصله استنكاريًّا, والجواب يأتي ليدحض استنكار السائل. وبهذا الدحض, لا يصبح الاستنكاري استفساريًّا, بل يبقى على حاله استنكاريًّا.
14. قولك: (حينما اتيك بمثال لا تاتي لي بشئ نادرا جدا او شاذ لتجعله قاعده). لم أجعله قاعدة, وإنما هو محتمل. والقاعدة: (عند الاحتمال, يسقط الاستدلال).
15. هكذا نكون قد أنهينا الرد على القسم الأول, وبقي قسمان. سأضعهما في أقرب فرصة ممكنة.
16. والحمد لله ربِّ العالمين.


__________________


ثمَّ تكونُ خلافةً على منهاجِ النبوةِ. فتحت القسطنطينية, والآن ننتظر فتح روما: فما موقفك من تحقيق هذه البشرى؟

الداعي
2009-07-14, 04:20 PM
al kharek (http://www.albshara.com/member.php?u=1689) http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/5322albshara.gif
ابو سيفين
تاريخ التسجيل بالموقع: November, 2006
المداخلات: 4,252


الإنذارات: 2


http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/5323albshara.gif



سلام المسيح له المجد يقول الاخ الفاضل


عصمة الأنبياء, وعصمة النبي محمد_ عليهم السلام _تبدأ عندما يصبح الواحد فيهم نبيًّا

وهنا تم حسم وقت العصمة على انها تبدأ مع النبوة وبالتالى سيثير تساؤلات


اولا إذا كان النبى او الرسول غير معصوم قبل النبوة فمن المتصور ارتكابه لمعاصي فلماذا يختاره الله لحمل الرسالة وهو يرتكب معاصي ولماذا لم يعصمه الله قبل النبوة وهو العالم إنه سيحمل الرسالة فيما بعد


ثانيا حول ما إذا كانت العصمة تسبق التشريع أم تأتى بعده مع العلم ان مصدر الوحى هو الله والعاصم هو الله وهو ايضا مصدر التشريع وهل لا يوجد امور فعلها رسول الاسلام بعد النبوة ثم اتى تشريع فيما بعد حرمها


ثالثا مسألة العصمة ستفتح تلقائيا تساؤلا حول ما إذا كان الأنبياء مسيرون ام مخيرون وستفتح الباب لبحث عدل الله ومساوته بين العباد





وعصمتهم ضابطها التبليغ؛ فكلُّ ما من شأنه أن يطعن في التبليغ فهم معصومون منه, فلمَّا ثبت لدينا_ نحن المسلمين _أن المعاصي تخل في التبليغ, وفي كون النبي قدوةً, قال العقل بعصمتهم منها, وهكذا في كلِّ أمر.


تلك المفاهيم مصدرها ما يسمى بعلم الجرح والتعديل وعلى الأخص شرط العدالة وهو كمنهج وضع لبحث صحة ومصداقية الروايات والأحاديث المنسوبة لرسول الاسلام وتم الاعتماد جزئيا على فحص الرجال الرواة لتلك الروايات ولما كانت الرواية بحاجة لبحث وتمحيص وهى الهدف من بيان صحتها وصحة نسبها لرسول الإسلام تم اللجوء لفحص عدالة الرواة وتم اشتراط ان لا يكون اى منهم مجروح بالفسق او الفجور او ارتكاب ايا من تلك المعاصي وأفترضوا ان تلك المعاصي تخل فى التبليغ والمصداقية وهو ما تم عكسه فى امر العصمة فلما كانت الرواية ثابتة عن الرسول ( قرأن مثلا ) وتم إفتراض انه رسول وتم إفتراض أن المعاصي تخل فى التبليغ فلا يعقل أن يرتكب الرسول معاصي بما يخل بالتبليغ واذا تم فحص كافة ما سبق منطقيا يفضح بطلانه حيث تم التأسيس على العديد من المقدمات بدون فحص او تدقيق لبيان صحته وما يبنى على خطأ فهو خطأ وما يبنى على باطل فهو باطل وكافة ما سبق منهج باطل فكافة البشر يرتكبون اخطاء ومعاصي وغير معصومين من الخطأ والذى لا يرتكب افعال فسق او فجور لا يشترط ان يكون غير كاذب او غير مدعى وبخاصة إذا كان كذبه لم يكتشف او لم يفضح ومن يرتكب اعمال الفسق لا يفترض انه كاذب او مدعى بالضرورة ولا تزر وازرة وزر أخرى





والنسيان الذي يعصم منه النبيُّ, أيُّ نبيٍّ هو الذي يخلُّ في التبليغ. فلمَّا كان نسيان الوحي قبل التبليغ مُخلًّا في التبليغ حصلت فيه العصمة حتى يُبلِّغه, فإذا بلَّغه لا ضير في نسيانه مع تكفل الله له بتذكُّره؛ لأنَّ النسيان من فطرة الإنسان وجبلته التي جبل عليها, ولا يستطيع أن يتحكم فيه؛ لأنَّه ليس في مقدوره, ولو كان كذلك, لما نسي امرؤ شيئًا حفظه بعدما تجشم مشاقِّ الحفظ وعنته!!


العصمة تعنى المنع والنسيان من السهو ولما كان النسيان من فطرة البشر فلا يتصور وجود بشر لا ينسي وهو ما قد يخل بالعصمة فى التبليغ ولكن إذا تدخلت العصمة فى النسيان منعته وحجبته وإذا كان الرسول او النبي معصوم من النسيان وقت التبليغ فقط فينبغى معرفة لحظة التبليغ تلك كانت متى وبدقة وهل كان الرسول او النبي وقتها ناسيا للوحى ام متذكرا له


ولنري تلك الروايه مثلا


في حديث أخرجه الستة عن الزهري وغيره (انهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنها رسول الله . فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلما سلم لببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها ؟ قال أقرأنيها رسول الله . فقلت : كذبت ! فوالله ان رسول الله . لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها . فانطلقت به اقوده إلى رسول الله فقلت : يا رسول الله سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حرف لم تقرئنيها ، وأنت أقرأتني سورة الفرقان . فقال رسول الله أرسله يا عمر فقال: أقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها فقال رسول الله هكذا أنزلت ! ثم قال رسول الله أقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله. فقال رسول الله هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله : (ان هذا القران انزل على سبعة أتحرف فاقرأوا ما تيسر منه) . راجع الطبري 1/24 وابن حجر في الفتح 12/248 والبخاري 8/215 و3/226 والخصومات 2/61 واستتابة المرتدين


فتلك الروايات توضح بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يكن هناك وقت محدد للتبليغ وأن رسول الإسلام كان ينسي الوحى وإلا لما كان قد قرأ السورة لعمر بطريقة تخالف ما قرأه للشخص الآخر او لكان يقرأ كل سورة بأحرفها السبعة للكافة ودفعة واحدة فأسطورة الأحرف السبعة طرحت لتبرير نسيانه لما إدعى أنه وحى وإذا كان الله أنزل القرآن على احرف سبعة او عشرة تيسيرا للبشر لما جرأ عثمان على حرق الزيادة





1. أن يثبت المناظر أن النبي قد قام بما يخلُّ في التبليغ في المفهوم الإسلامي, كأن يثبت أنه زنا خلال نبوته, أو سرق, أو عبد وثنًا.


تم الرد عليه ببطلان الاساس الذى بنى عليه هذا الشرط بالإضافة الى غموض المعايير المتعلقة بالمعاصي المطروحة فما أعده زنا لن تعده كذلك وما سأعده سرقة او قتل أو عبادة اوثان لن تقره





2. أن يثبت أن مفهوم العصمة خاطئ حسب وجهة النظر الإسلامية. فمثلاً لا يرى المسلمون بأسًا في عصمة نبيهم إذا نسي آية بعد تبليغها ثمَّ هيَّأ الله له الظروف لتذكرها. فإن كان المناظر يرى هذا خاطئًا, فنقبل قوله, ويكون حجَّةً علينا بشرطين اثنين: أ‌- أن يكون ما يريد تِبْيِانَ خطئه مما يعتقد صوابه في العصمة لديهم مع الدليل. فمثلاً, إذا أراد المناظر أن ينتقد نسيان النبي للآية حتى ولو تذكرها فيما بعد, عليه أن يثبت لنا أن المسيحيين يقولون: إنَّ عصمة النبي تشمُل حفظ آيات ما يكتب, فلوقا يحفظ إنجيله عن ظهر قلب, ولا ينساه قطُّ, وسليمان يحفظ نشيد الأنشاد عن ظهر قلب, ولا ينساه قطُّ, وبطرس يحفظ رسالتيه عن ظهر قلب, ولا ينساهما قطُّ, وموسى يحفظ أسفاره عن ظهر قلب, ولا ينساهم قطُّ, وأن يوثق أن هذا الكلام كان صحيحًا,



كان لك ان تشترط هذا عند توافر امرين بين العقيدة الاسلامية وغيرها اولهم ان يكون من ذكرتهم فى شرطك أميين ولا يعرفون القراءة والكتابة ويستدعون آخرون لكتابة الوحى ثانيهم أن تكون صلاتهم تستدعى تلاوة اجزاء من الوحى شفاهية وليست قراءة مثل هذا الشرط يعتبر تشتيت وخروج عن الموضوع





وهكذا دواليك. أمَّا أن ينتقد المناظر شيئًا لا نعتقد صوابه نحن, ولا يعتقد صوابه هو, فهذا هو التعنت والكبر, وهذا هو الضلال المبين, وهذا لا يقبله عقلي سوي, ولا تستسيغه فطرة سليمة!! ب‌- أن يأتي بالبرهان الساطع, والسلطان المبين, والحجة الدامغة, والدليل الخريت على صدق معتقده, وزيف معتقد المناظر المقابل له. وبغير هذين الشرطين لا نقبل أن نناقش ما يقول, ولا طائل من تحته, ولا فائدة كذلك


انك بغير الشرطين و خاصه الثاني ان اثبت لك زيف معتقدك و صدقي معتقدي لن تكلم الحوار اي ندخل في مناظره حول الاسلام و المسيحيه عموما و الا لن تكمل النقاش ؟؟؟ هل اعتبر هذا انسحاب من المناظره ام ماذا؟؟ عموما نرجوا الرد علي ما في هذه المداخله اولا و ننتهي من كل شئ فيها ثم نبدأ في اخذ نقطه نقطه اثرتها في اخر مداخله سلام

ذو الفقار
2009-07-20, 09:51 AM
مسألة العصمة ستفتح تلقائيا تساؤلا حول ما إذا كان الأنبياء مسيرون ام مخيرون وستفتح الباب لبحث عدل الله ومساوته بين العباد


أما هذه فتبين المستوى الحقيقي للمخروق وأنه لم يعي حرفاً مما قلت أخي الداعي

لا حول ولا قوة إلا بالله

أسمعت لو ناديت حياً ** ولكن لا حياة لمن تنادي

الداعي
2009-07-20, 02:30 PM
أما هذه فتبين المستوى الحقيقي للمخروق وأنه لم يعي حرفاً مما قلت أخي الداعي

لم ترَ شيئًا بعد, وما تخفي عقولهم أعظم!!

لقد كدت أجزم أن المخروق في أزمة لم يشهد لها مثيلاً طوال حياته, ولست أنا مَْن يُخصم من شخص لا يدري: أأنبياؤه مسيرون أم مخيرون في التبليغ. علمًا أنهم يقولون بتسييرهم, وكتابهم يقول بتخييرهم, وهذه لا تبقي ولا تذر..

صبرًا- ذا الفقار -صبرًا, فما رأيتَ شيئًا كُبرًا, إنَّ ما هو آت سينزل عليه المصائب تترى, وأنَّى له أن يخدش عصمة خير الأنام أو ينال منها أمرًا, إنَّ هذا من دونه خرط القتاد ونواله سيكون عسرًا يتلو خسرًا, فانتظر سير المناظرة وانتظر نصرًا مؤزرًا.

اللهم منَّ علينا به.

إسلام علي
2009-07-21, 03:25 PM
اللهم منَّ علينا به.
اللهم آمين أخي الداعي
بارك الله فيكم ورزقك من الأجر أوفاه

ismael-y
2009-07-23, 08:48 PM
يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية ، كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا " وأخرجه البخاري في الجامع الصحيح

1-و هل يطلبون منا ان نتخد النبي الها من غير الله
قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى
2-لقد قال أنسيتها مما يدل على أنه ليس نسيان الاية بل تدكر الاية في لحظة من اللحظات او ظرف من الظروف مثلا قد يصاب الانسان بمصيبة في نفسه أو ماله او و لده فيغضب مثلا يم يسمع قارئ بيقرأ ان الله مع الصابرين و بشر الصابرين أو حديث الغضب من الشيطان و هكدا فيقول الرجل رحم الله فلان أدكرني باية كدا و حديث كدا اي في موضع تدره في ظرف ما
3- لو كان نسيها ما ادكره ادن بوجودها اصلا و انها من القرآن أو ليس هدا عصمة
4-الرواية فيها دليل على ان الدين محفوظ و كتابه محفوظ حتى و لو مات النبي صلى اله عليه و سلم

الداعي
2009-08-04, 09:55 PM
جزاكم الله_ يا إخوتي _خير الجزاء, وأجزل لكم العطاء.

al kharek (http://www.albshara.com/member.php?u=1689) http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7065albshara.gif
مواطن غير عادي
تاريخ التسجيل بالموقع: November, 2006
المداخلات: 4,338


الإنذارات: 2


http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7066albshara.gif



في انتظار الاخ الداعي


و الاجابه علي اهم سؤال


ما هو سبب نزول الايه رقم 52 من سوره الحج بالدليل و البرهان و ما هو تفسيرها بالدليل و البرهان


و طبعا الرد علي اخر مداخله و اخذ الموضوع نقطه نقطه

الداعي
2009-08-04, 10:00 PM
الداعي (http://www.albshara.com/member.php?u=10384) http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7069albshara.gif
مواطن بدأ نشاطه
تاريخ التسجيل بالموقع: December, 2008
المداخلات: 95



http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7070albshara.gif




شكرًا_ أيها الزميل _على انتظارك لي حتى انتهيت من الفصل الصيفي, وبإذن الله نشرع في إكمال ما به بدأنا, ابتغاء الوصول للحق.
وكما قلتَ:

عموما نرجوا الرد علي ما في هذه المداخله اولا و ننتهي من كل شئ فيها ثم نبدأ في اخذ نقطه نقطه
أي, لن ألج في نقاط جديدة قبل الانتهاء من نقاط محددة؛ لأنَّه مما يثقل الظهر في المناظرات هو فتح عشر نقاط, دفعةً واحدة. فلن نبدأ بأسباب النزول, نزول آية الحج التي لم نبدأها بعد قبل الانتهاء من كلِّ شيء قبلها. والله الموفق.