المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستغفار خير دثار



عزتي بديني
2009-06-23, 09:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم





الاستغفار خير دثار

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله غافر الذنوب وساتر العيوب، والصلاة والسلام على إمام المستغفرين وقدوة الناس أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أيُّها المستمعون الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أمَّا بعد: فهذه كلماتٌ في الاستغفار، تبيِّن مفهومه وأهميته، وأحوال الناس فيه، وفضائله وصيغه.


معاشر المستمعين الكرام، الاستغفار طلب المغفرة، وهي: ستر الذنوب والعفو عنها، ووقاية شرِّها، هذا هو تعريف الاستغفار.

أمَّا أهميته؛ فالاستغفار من أجلِّ القُرُبات وأنفع الطاعات، وأعظم موانع إنفاذ الوعيد، والاستغفار ختام الأعمال الصالحة، فيُخْتَم به الصلاة، وقيام الليل، والصيام، والحجّ، وتُختم به المجالس، فإن كانت ذكرًا؛ كان كالطابع عليها، وإن كانت لغوًا؛ كان كفارة لها، ولمّا وفّى نبينا -صلى الله عليه وسلم- تبليغ الرسالة والجهاد في سبيل الله، وأقرَّ الله عينه بعز الإسلام، وظهور المسلمين، ودخول الناس في دين الله أفواجًا؛ أمره الله بالاستغفار، فكان التبليغ والجهاد عبادةً قد أكملها وأدَّاها فشُرِع له الاستغفار عَقِبها.

وبالجملة؛ فهذه حال العبد مع ربه في جميع أحواله، فهو يعلم أنَّه لا يوفِّي هذا المقام حقَّه، فهو أبدًا يستغفر عقب كلِّ عملٍ صالح، فكلُّ أحدٍ إذًا محتاجٌ إلى مغفرة الله ورحمته، ولا سبيل إلى النجاة بدون ذلك.

معاشر المستمعين الكرام: مِن الناس مَن لا يعرف مِن موجبات سخط الله وأسباب عقوبته إلَّا المعاصي التي شدَّدت الشريعة في النهي عنها، فإذا تابوا مِن عمل سيِّء؛ فإنَّما يتوبون منها، فهذه حال عامة المؤمنين.


أمَّا خاصة المؤمنين؛ فحالهم أكمل وأتمّ؛ فهم يعرفون أنَّ لكلِّ عمل سيِّء لوثةً في النفس تُبْعِد بها عن الكمال، ويروْن أنَّ لكلِّ عملٍ صالحٍ أثرًا في النفس يقرِّبها مِن الله -عزَّ وجل-، والتقصير في الصالحات يُعدُّ عند هؤلاء الكُمَّل من الذنوب التي تهبط بالنفس، وتُبْعِدها عن الله، فالنفس إذا قصَّرتْ فيها تتوب، وإذا استمرت؛ لم تأمن من النقائص والعيوب، ويختلف اتهام هؤلاء لأنفسهم باختلاف عِلْمهم بصفات النفس، وما يَعْرِض لها مِن الآفات في سيرها، وعلمهم بكمال الله، ومعنى القرب منه، واستحقاق رضوانه -عزَّ وجل-، ولهذا ترى هؤلاء الكمَّل يسارعون في الخيرات، ويبادرون إلى التوبة والاستغفار؛ لشعورهم بالنقص في العمل، والتقصير في حق رب الأرض والسموات، فلهؤلاء الكُمَّل شأن مع الاستغفار، فهم يمتثلون أمر ربهم بالاستغفار –كما مرّ-، فيختمون مجالسهم بكفارة المجلس: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، ويمتثلون أمر ربهم بختم صلاتهم بالليل بالاستغفار {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]، وإذا انتهوا من الصلاة المفروضة استغفروا ثلاثًا، وإذا أفاضوا في حجِّهم من حيث أفاض الناس؛ استغفروا الله -عزَّ وجل-، كما قال سبحانه: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 199]، ثم إنَّهم يختمون شهر رمضان بالاستغفار، فهو يكمِّل الصيام، ويُرقِّع ما تخرَّق منه باللغو والرَّفَث، فقد جاء في الحديث المرفوع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في فضل شهر رمضان: "ويُغْفَر فيه إلا لمن أبى، قالوا: يا أبا هريرة، ومن يأبى؟ قال: يأبى أن يستغفر الله".
قال ابن رجب -رحمه الله-: "ويُروى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يُرَقِّعه، فمن استطاع منكم أن يجيء بصومٍ مرقَّعٍ؛ فلْيفْعل"، وعن ابن المنذر -رحمه الله- قال: "معنى ذلك أنَّ الصيام جُنَّة من النار ما لم يخرقها، والكلام السيء يخرق هذه الجُنَّة، والاستغفار يرقِّع ما تَخَرَّق منها".

وكتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر.

أمَّا فضائل الاستغفار؛ فللاستغفار فضائل جمَّة، وأسرار بديعة، وبركات متنوعة، فمن ذلك زيادةً على ما مضى: أنَّ الاستغفار طاعةٌ لله، وأنَّه سبب لمغفرة الذنوب ورفعة الدرجات، ونزول الأمطار، والإمداد بالأموال والبنين، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [سورة نوح: 10-12].


والاستغفار سببٌ في زيادة القوة والمتاع الحسن، ودفع البلاء، وحصول الرحمة، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، وقال -عزَّ وجل- على لسان هود -عليه السلام-: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]، وقال تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال : 33]، وقال عزَّ وجل: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46]، قال لقمان -عليه السلام- لابنه: "يا بني، عوِّد لسانك الاستغفار، فإنَّ لله ساعاتٍ لا يَردُّ فيها سائلًا"، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا"، وقال أبو المنهال: "ما جاور عبد في قبره من جار، أحبَّ إليه من استغفار كثير"، وقال الحسن -رحمه الله-: "أكثروا من الاستغفار على موائدكم وفي طرقاتكم وفي أسواقكم، فإنَّكم لا تدرون متى تنزل الرحمة"، وقال قتادة -رحمه الله-: "إنَّ هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودواؤكم، فأمَّا داؤكم؛ فالذنوب، وأمَّا دواؤكم؛ فالاستغفار"، وقال بعضهم: "من أهمته ذنوبه؛ أكثر لها من الاستغفار".

وممَّا يدل على عِظم شأن الاستغفار أنَّ الله -عزَّ وجل- جمع بينه وبين التوحيد، كما في قوله تبارك وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد: 19].

وفي بعض الآثار: أن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "شهادة التوحيد تفتح باب الخير، والاستغفار يُغلق باب الشرّ".

أمَّا صيغ الاستغفار؛ فللاستغفار صيغٌ عديدة، وأفضلها أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثمَّ يثنِّي بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة، كما في حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلَّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنَّه لا يغفر الذنوب إلَّا أنت).

ومن صيغ الاستغفار: أستغفر الله الذي لا إله إلا هوَ الحيَّ القيومَ وأتوب إليه، قال -عليه الصلاة والسلام-: (من قاله؛ غُُفِر له وإن كان فرَّ مِن الزَّحف)[1] (http://www.muslimat.net/admin/index.php?action=maqal.add#_ftn1)، وفي كتاب عمل اليوم والليلة عن النَّسائي عن خبَّاب بن الأرتِّ -رضي الله عنه- قال: قلتُ يارسول الله، كيف نستغفر؟ قال: (قل: اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وتب علينا، إنَّك أنت التواب الرحيم).

وفيه أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "ما رأيتُ أحدًا أكثرَ أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم"[2] (http://www.muslimat.net/admin/index.php?action=maqal.add#_ftn2).
ومن أخصر صيغ الاستغفار وأشهرها: أستغفر الله، ورب اغفر لي.
معاشر المستمعين الكرام، هذا هو الاستغفار، وهذه هي أحوال الناس فيه، وتلك فضائله وصيَغُه، فما أحرانا أن تلهج ألسنتنا بالاستغفار!
وما أجمل أن يكون الاستغفار خير دثار لنا فيما نستقبله من أيام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



لفضيلة الشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد –حفظه الله-