تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الثأر في الأسلام....بقلم الشيخ سعد الغامدي



أمـــة الله
2009-09-09, 01:49 AM
الثأر في الأســـلام



إن ظاهرة الثأر من أبشع الجرائم وأشنعها، ومن أسوأ الظواهر وأخطرها، إذا تفشَّت في مجتمع أو انتشرت في بيئة أوردت أهلها موارد الهلاك، إنها تفتح أبواب الشر، وتحوّل حياة الناس إلى صراعات لا تنتهي إلا بترميل النساء، ويُتْم الأبناء، والقضاء على الروابط الإنسانية، وتحويل الحياة إلى سلسلة من الاغتيالات على مذابح الأضغان العائلية، فيظهر في كل يوم دم من هنا ودم من هناك•


وظاهرة الثأر من العادات السيئة، ومن بقايا الجاهلية التي كانت منتشرة في الناس قبل الإسلام، فلما أشرق الإسلام بتعاليمه السمحة، قضى على هذه الظاهرة وشرع القصاص، حيث يطبق بالعدل، ويقوم به ولي الأمر، وليس آحاد الناس حتى لا تكون الحياة فوضى•


وما جرى في بعض بلدان المسلمين من قتل لعدد كبير معظمهم من الأبرياء شيء خطير، وشر مستطير، يندى له الجبين، لأنه يحدث في عصر وصلت فيه الثقافة المستنيرة، والحضارة الإسلامية قمتها.


ومن ذلك كان من واجب كل قطاعات المجتمع وهيئاته، الدينية منها والأمنية، والعلمية، والثقافية، والإعلامية، وغيرها، أن تؤدي الدور المنوط بها لمناهضة هذه الظاهرة، حتى لا تتكرر، فإن الإسلام قد طوى صفحة هذه الظاهرة حين أعلن رسول الله صل الله عليه وسلم في حجة الوداع، وفي حُشود المسلمين، وضع دم الثأر، وإنهاء هذه الظاهرة إلى غير رجعة، وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع•


كما أعلن ـ يومها أيضاً ـ حرمة الدماء والأموال والأعراض حين قال رسول الله صل الله عليه وسلم "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد"


وقرّر القرآن الكريم مشروعية القصاص، وليس الثأر، وجعله بيد الحاكم أو وليّ الأمر ليس بيد أفراد المجتمع، صيانة للحرمات، وحَقْناً للدماء، وتطبيقاً للعدالة، ونشر للاستقرار والأمن بين ربوع الأمة•


قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحرُّ بالحرِّ، والعبدُ بالعبدِ والأنثى بالأنثى فمن عُفِيَ لَهُ مِنَ أَخِيهِ شَيءٌ فاتباعٌ بالمعروفِ وأداء إليه بإحسانٍ ذلك تخفيفٌ مِنْ ربِّكُم ورحمةٌ فَمن اعتدى بعدَ ذلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أليمٌ• ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أُولي الألبابِ لعلَّكُم تتقون) البقرة:178 ـ 179•


وكان في الجاهلية حيَّان من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات، حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منَّا الحر منهم، والمرأة منَّا الرجل منهم، فنزل فيه: (الحرُّ بالحرِّ والعبدُ بالعبدِ والأنثى بالأنثى.


ومذهب الجمهور والأئمة الأربعة، أن الجماعة يقتلون بالواحد، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في غلام قتله سبعة، فقتلهم، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم.


وحُكِيَ عن الإمام أحمد رواية أن الجماعة لا يُقتلون بالواحد، ولا يقتل بالنفس إلا نفس واحدة•
وقد شرع القصاص لحكمة دقيقة وعظيمة وهي حياة النفوس، لأن القاتل حين يعلم أنه لو قُتل سيقتل قصاصاً منه ينكفَّ عن القتل، وينزجر فيكون في كفّه حياة لمن كان سيقتله، وحياة لنفسه التي كانت ستقتل قصاصاً منه•


ولقد عقَّب القرآن الكريم على أول جريمة قتل حدثت في الدنيا حين قتل أحد ابني آدم أخاه، ببيان حرية النفس الإنسانية وأن العدوان على نفس بغير حق عدوان على الإنسانية جمعاء، وأن الحفاظ على حياتها حفاظ على حياة الإنسانية، حيث قال الله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً المائدة:32•
ولابد من التعرف إلى أسباب ظاهرة الثأر، لإنهائها ومنعها وعدم تكرارها:


ـ فمن أسباب هذه الظاهرة:
<ضعف الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه، ولا شك أن ضعف الإيمان يكون بسبب ضعف الأعمال الصالحة وقلتها، وأن قوة الإيمان وزيادته تكون بزيادة الطاعات والقرب من الله سبحانه وتعالى، لأن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بزيادة الأعمال الصالحة وينقص بنقصها، فمن سمات المؤمنين الكاملين ما ذكره الله تعالى في قوله في وصف الكاملين في إيمانهم•


إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر اللهُ وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زداتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون• الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون• أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) الأنفال: 2 ـ 4 (الأنفال .)


فأصحاب الإيمان الكامل قلوبهم وجلة عند ذكر الله تعالى، ويزدادون إيماناً على إيمانهم حين تُتلى عليهم آياته، ويتوكلون على ربهم ويفوِّضون الأمر إليه، ويُوثّقون صلتهم بالله عن طريق الصلاة ويوثقون صلتهم بالمجتمع فينفقون مما رزقهم الله•


فحيث وجد الإيمان، وجدت قِيَمُه ومبادئه، وأخلاقه التي يتحلَّى بها المؤمنون، حيث يصبح بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتواصَوْن بالحق وبالصبر، ويتحلّون بالخلق الفاضل والصفح والتسامح والعفو والمحبة•


ـ ومن أسباب ظاهرة الثأر:
رواسب الحقد والضغائن وحب التشفِّي والانتقام من الآخر، والتباغض والتقاطع والتدابر، وقد نهى الإسلام عن هذه الرذائل التي تشعل نار البغضاء والانتقام، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث رواه البخاري ومسلم•


إن الشحْناء التي تنْدلع في نفوس بعض الناس هي التي تؤجّج نار الثأر عند بعض الناس، ولذا كان الوعيد الشديد لأهل الشحناء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال أَنْظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا رواه مسلم، ومعنى أنظروا أمهلوا•


ـ ومن أسباب ظاهرة الثأر:
التَّحريش بين النفوس، والإفساد وتغيير القلوب عندما يستجيب أصحابها لوساوس الشيطان عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم رواه مسلم، والتحريش: هو الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم•


وقد تبدأ ظاهرة الثأر في بعض قطاعات الحياة، وبعض دوائر الأعمال بين أفراد الناس ومن يتقلّدون بعض الأعمال فلا ينسى بعضهم حقده على الآخرين، فيبدو منه ما يُعرف عند البعض بتصفية الحسابات، فإن كان أخوه قد أساء إليه في شيء يسير يكيل له الصاع صاعين، ويثأر للماضي، ويسلك سبيل التشفِّي والظلم والعدوان•


وتتشكل ظاهرة الثأر وتتلوّن في كل بيئة أو موقع حسب أحوال الناس وعقولهم ونشأتهم، وما طُبعوا عليه من الخلال والصفات•


ـ ومن أسباب ظاهرة الثأر العصبية البغيضة، وهذه العصبية التي تظهر الآن، في بعض البلدان، هي من نوع العصبية القديمة التي كانت تتفجر بين الأوس والخزرج، إنها من بقايا الجاهلية ومن رواسب الماضي السحيق•


لقد كان بين الأوس والخزرج حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة، وثارات وإحن، وضغائن وفتن، فكان بينهم قتال شديد، ووقائع كثيرة، حتى جاء الإسلام، فدخلوا فيه، فأصبحوا بنعمة الله إخواناً•


وبعد أن أصلح الإسلام شأنهم وأصبحوا متحدين متعاونين، مرَّ رجل من اليهود بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الألفة والتعاون والوفاق، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكّرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب، ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوسهم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرَّة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجعل يسكّنهم، ويقول: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!، وتلا عليهم هذه الآية: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيِّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون) آل عمران: 103، فعندما تلا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية ندموا على ما كان منهم، وتصالحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح•


وهكذا نرى أن الإسلام قضى على تلك العصبية البغيضة، وقضى على الفرقة والشحناء، والحقد والبغضاء، وأسباب الصراعات التي يكون الثأر أحد نتائجها السيئة•


ومن عجب أن تطل هذه الظاهرة البغيضة برأسها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية وهي أبعد ما يكون عن الإسلام، وأصحابها في إيمانهم ضعف، إنهم يتحلّوا بفضائل الإسلام التي تدعو إلى العفو والتسامح، وإلى الأمن والاستقرار•
ولقد صفَّى الإسلام نفوس المسلمين منها تماماً، حتى في حروبهم مع أعدائهم، وجه الإسلام إلى العدل والصبر والتسامح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة رضي الله عنه حين استشهد، وقد مُثِّلَ به، فقال: لأمثِّلنَّ بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف، بخواتيم سورة النحل: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين• واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) النحل 125 ـ 126•
فكفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عمَّا أراد رواه الحاكم والبيهقي في الدلائل والبزَّار•

أمـــة الله
2009-09-09, 01:56 AM
الحل والعلاج لهذه الظاهرة


يتمثل في محاربة الدوافع المؤدية لارتكاب جرائم القتل والتي تم ذكرها آنفاً، وإليكم أهم الجوانب التي تؤدي إلى التخفيف من ظاهرة القتل العمد والأخذ بالثأر:


1- الحل الأول: نزاهة القضاء وعدالته، وهذا يتحقق بانتقاء القضاة العدول الذين يحكمون بما أنزل الله حتى يقفوا إلى جانب الحق، فإذا ما تم ذلك نكون أمام قضاء نزيه وعادل.


2- الإسراع في فض المنازعات والبت السريع في قضايا القتل المعروضة على المحاكم.


3- تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء بجدية وصرامة وحزم.


4- تجنب العنصرية في حالة القيام بالصلح بين الأطراف المتنازعة، وهنا المقصود دور المشايخ في حل قضايا القتل المعروضة عليهم، وتجنبهم الجشع في ذلك، وان يلتزموا الحق والعدل في أحكامهم.


5- التوعية الدينية والإرشاد من قبل المثقفين والمصلحين


الاجتماعيين وبث الدعاة بين القبائل والعزل والأرياف، حتى نخلص إلى مجتمع فاهم لقيم الإنسانية متمثلاً بالأخلاق الفاضلة.


6- تطبيق أحكام الشرع من قصاص وحدود وغير ذلك من العقوبات الشرعية والأخذ بمبادئ الإسلام السامية.


7- يتعلق بضرورة الاهتمام بنشر التعليم وبناء المزيد من المدارس في مختلف القرى والنجوع ، وتحمل تكاليف التعليم لغير القادرين.


8- فيدور حول دور رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية المختلفة في تحويل المجتمعات شبه اليدوية إلى مجتمعات يهتم أفرادها بالعمل ، ويدركون أن قيمة الإنسان ليست فيما يروى عنه عبر الأجيال بمن أخذ بثأره منه ، وإنما بما يقدم إلى وطنه من نفع وعطاء.


إنني أدعو الذين تحدثهم أنفسهم الأمَّارة بالسوء إلى البعد عن ظاهرة الثأر، أدعوهم إلى أن يتوبوا إلى الله تعالى حتى لا يصيبهم غضب الله وعقابه . وأدعو الذين يتورطون في هذه الظاهرة فيما دون القتل أن يحافظوا على أنفسهم فهذه الظاهرة قد تبدأ بما دون القتل من نحو اختلاف في الرأي، أو غضب من بعض الناس أو كراهية أو تنافس في أمور الدنيا إلى آخر تلك الأسباب التي تجعل بعض النفوس القاسية تضمر الشر ولا تنسى ما لم يعجبها من الآخر، فتلجأ إلى بعض وسائل الانتقام للنفس ولا تعفو عن الآخر••• وهذه صورة مصغَّرة لظاهرة الثأر البغيضة في مهدها•••



ولننظر إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو القدوة الحسنة ما انتقم لنفسه قط، عن عائشة رضي الله عنها قالت: <ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنْتَهك حرمة الله فينتقم لله تعالى رواه البخاري ومسلم•



كما أدعو الدعاة والمفكرين والكتاب والمسؤولين وجميع أهل العلم والخير والإصلاح أن يقوموا بدورهم في تصفية جيوب هذه الظاهرة، وأن تنهض الأسرة بواجبها ورسالتها، وبدلَ أن تورِّث أبناءها ظاهرة الثأر التي فيها مقت الله وغضبه، تورّث الأبناء مكارم الأخلاق وكظم الغيظ والعفو والتعاون على البر والتقوى، وعلى جميع قطاعات المجتمع تنقية المجتمع من شوائب الشر والرذائل، فإن وقاية المجتمع من الظواهر السلبية من أهم أسباب الأمن والاستقرار، وعلى الإعلام بكل وسائله أن يؤدي أشرف دور إيجابي في الدعوة إلى الله وإلى الحق، والله الهادي إلى سواء السبيل•







المحب لكم : سعد بن سعيد الغامدي
الأربعاء 24من جمادى الآخرة 1430هـ

فاتن
2010-01-08, 03:01 AM
الثأر وحرمة الدماء وأهميتها في نظر الشريعة الإسلامية



صحيفة 26سبتمبر
عبدالكريم عبدالحميد الخلف



الدوافع والأسباب المؤدية الى قتل العمد
بعد الوقوف على هذا الموضوع، واستقراء آراء الناس حوله تبين ان هنالك دوافع واسباباً تحرك القاتل لأن يرتكب هذه الجريمة الخطيرة وان يسفك الدم المحرم ظلماً وعدواناً، واليكم الدوافع والأسباب بالتفصيل:-


1- دوافع الأخذ بالثأر:
وهذه الدوافع (خطأ) شائع ومتأصل بين القبائل والطوائف، ومن أهم دوافع الأخذ بالثأر- الفخر والاعتزاز بأخذ الثأر، وارتكاب اخطر الجرائم الا وهي القتل عمداً، وهذا خلق جاهلي بعيد عن الحق والصواب والعقل، وبعيد عن منطق ومبادئ الشريعة الاسلامية السمحاء، ومناف للإنسانية والأخلاق.


2- دوافع النصرة العمياء:
والحمية العنصرية والانصياع المطلق والأخذ بالعرف الفاسد المخالف للنصوص الشرعية، وعلى سبيل المثال وصلني من شخص موثوق به بأن هنالك رجلاً يعمل طبيباً في احدى القبائل الموجودة في ربوع اليمن الحبيب، أتجنب ذكر مكانه، وبين قبيلة هذا الطبيب وقبيلة أخرى عداوة وقتل ودم، فهذا الطبيب يعمل في عيادته وينقذ المرضى ويداويهم لكي يستمروا في الحياة، وعندما يأتي دوره في الخروج الى نصب الكمائن لسفك الدماء والأخذ بالثأر دجج نفسه بالسلاح وانقلب من طبيب ينقذ أرواح الناس من الهلاك الى قاتل يسفك دمهم بغير حق.
فسئُل عن ذلك التناقض في أفعاله فقال: عُرف القبيلة ونظامها يقتضي ذلك، وإذا لم أفعل نُفيت من القبيلة واتُهمت بالجبن، وأصبحت في نظرهم خواراً بعد ان كنت كراراً، وربما قُتلت غدراً من قبل قبيلتي.



3- فهم الأمور على عكس معناها:
فمثلاً مفهوم النصرة مغلوط لدى الكثير من الناس، ويعتبرون النصرة واجبة للطائفة والقبيلة بغض النظر عن كونها ظالمة أو مظلومة، ويستشهدون على هذا المفهوم الخاطئ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«انصر أخاك ظالماً اومظلوماً» (15)


فنقول لهؤلاء أن معنى الحديث ليس كما يفسرونه، وأن معناه الصحيح اي كن الى جانب اخيك وانصره اذا كان مظلوماً وأما إذا كان ظالماً فعليك أن تعينه على ترك الظلم والإقلاع عنه ورد الحقوق الى أصحابها هذا هو معنى نصرك لأخيك ان كان ظالماً، أما أن تعينه وتنصره على ظلمه فهذا مخل في شرع الله سبحانه وتعالى.



4- العادات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الاسلامية والتي تحكم بها القبيلة والجماعة.


5- ومن الدوافع انتقاء افضل رجل من رجال الطرف الآخر وقتله وترك صاحب الجرم وهذا منافٍ للأصل الشرعي القائل لايؤخذ أحد بجريرة غيره مهما كانت صلة القرابة، وهذا الأصل قرره القرآن الكريم في كثير من آياته كقوله تعالى (ولاتكسب كل نفس الا عليها) (16) وقوله تعالى (ولاتزر وازرة وزر أخرى) (17) وقوله ( وان ليس للإنسان إلا ماسعى) (18)



فمخالفة هذا الأصل الشرعي والقيام بقتل من ليس له ذنب، إلا أنه أعقل وأفضل رجل في القبيلة فهذا ظلم ليس بعده ظلم وجور وسفك دم إنسان بغير ذنب ارتكبه، هذا الفعل وهذا التصرف الجاهلي يؤجج في النفوس الضغينة والعداوة والإقدام على ارتكاب جريمة القتل، والأخذ بالثأر مهما كانت النتائج، ومن يقتل غيره فيكون قد أتى بجريمة من أعظم وأعتى الجرائم وهذا ماجاء في الحديث الشريف المروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ان أعتى الناس على الله ثلاثة، من قتل في حرم الله أو قتل غير قاتله أو قتل لذحل الجاهلية» (19) والحديث صحيح.


وكلمة أعتى:
الواردة في الحديث اسم تفضيل مشتق من العتو وهو التجبر والتكبر.
وكلمة الذحل: أي الثأر، وطلب المكافأة، بجناية جنيت عليه من قتل وغير ذلك، أما دلالة الحديث فهي على النحو الآتي:-
الحديث دليل على أن هؤلاء الأصناف الثلاثة هم أزيد في العتو على غيرهم من العتاة:
فالأول: القاتل في الحرم الشريف فمعصية قتله تزيد على معصية من قتل في غير الحرم لذلك ذهب بعض الفقهاء الى تغليظ دية من قتل في الحرم خطأ.


والثاني: من قتل غير قاتله أي من كان له دم عند شخص فيقتل رجلاً آخر ليس له عنده دم سواء كان له مشاركة في القتل أو لم يكن له ذلك.


والثالث: أو لذحل الجاهلية والذحل هو كما تقدم الثأر، وهناك حديث آخر يدعم ماجاء في الحديث الأول، وهو مروي عن أبي شُريح الخزاعي انه صلى الله عليه وسلم قال:« أعتى الناس من قتل غير قاتله أو طلب بدم في الجاهلية من أهل الاسلام أو بصر عينه مالم تبصر»(20).



6- ومن دافع القتل العمد تباطؤ القضاء في حل مشاكل القتل التي تُعرض عليه، لأن تأخير البت في قضية القتل تتيح الفرصة للخصم ان يفكر بعملية الانتقام واخذ الثأر بيده لذلك نجد كثيراً من قضايا القتل العالقة في أروقة القضاء، وقد مضى عليها السنة والسنتان بل أكثر من ذلك ولطول المدة تضيع كثير من الحقائق حتى أن الشهود ينسون ماشاهدوه وماسمعوه، وعندها تضيع الحقوق ويشعر صاحب الحق بضياع حقه، فيلجأ الى أخذ حقه بنفسه، وبالتالي يقوم بارتكاب جريمة القتل، ولو ان القضاء لعب دوره بشكل جاد وبدون تأخير لماحدث ماحدث، من قتل وسفك للدم.



7- ومن دافع القتل العمد:
عدم نزاهة القضاء وتحيزه مع الفريق الأقوى ووقوفه مع من يدفع أكثر من المال، وهذا للأسف مانلاحظه في عصرنا، وهذا مجانب للحق ومخالف للشرع والاخلاق، والذي لايستطيع الدفع وبذل الأموال لهؤلاء يقوم بعملية القتل وسفك الدم وأخذ الثأر بيده.


8- ومن الدوافع انعدام التوعية الجادة في هذا المجال.


9- عدم فهم مقاصد الشريعة الاسلامية وبالتالي عدم تطبيق احكامها على الجُناة ولو أن أحكام الشريعة طُبقت، لما وجدت هذه الجرائم بهذا الشكل المزري.

الحل والعلاج لهذه الظاهرة
الحل في نظري محاربة الدوافع المؤدية لارتكاب جرائم القتل والتي تم ذكرها آنفاً، واليكم أهم الجوانب التي تؤدي الى التخفيف من ظاهرة القتل العمد والأخذ بالثأر:


1- الحل الأول: نزاهة القضاء وعدالته، وهذا يتحقق بانتقاء القضاة العدول الذين يحكمون بما أنزل الله حتى يقفوا الى جانب الحق، فاذا ما تم ذلك نكون أمام قضاء نزيه وعادل.


2- الإسراع في فض المنازعات والبت السريع في قضايا القتل المعروضة على المحاكم.


3- تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء بجدية وصرامة وحزم.


4- تجنب العنصرية في حالة القيام بالصلح بين الأطراف المتنازعة، وهنا المقصود دور المشايخ في حل قضايا القتل المعروضة عليهم، وتجنبهم الجشع في ذلك، وان يلتزموا الحق والعدل في احكامهم.


5- التوعية الدينية والإرشاد من قبل المثقفين والمصلحين الاجتماعيين وبث الدعاة بين القبائل والعزل والأرياف، حتى نخلص الى مجتمع فاهم لقيم الانسانية متمثلاً بالأخلاق الفاضلة.


6- تطبيق أحكام الشرع من قصاص وحدود وغير ذلك من العقوبات الشرعية والأخذ بمبادئ الاسلام السامية.


هذا والله ولي الهداية..
استاذ مشارك - جامعة ذمار