اليهودية ديانة وثنية؟!-بقلم مصطفى أنشاصي-


لابد لنا هنا أن نوضح نقطة ذات أهمية كبيرة لها علاقة بفكرة التوحيد عند اليهود، وهي: أن اليهودية دين وعقيدة توحيد وثنية، تقوم على الخرافة والأسطورة، وليس دينا ـ رسالةـ سماويا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، كما يحاول اليهود وأنصارهم من العلماء الغربيين الترويج له، ويفرضوا علينا إجراء حوارات دينية مع اليهود تحت دعوى حوار الأديان ـ مع تحفظنا على هذا المصطلح ـ وذلك لأن ما يسمى بالديانة اليهودية اليوم قد تأكد بشكل قاطع ونهائي أنها ليست الرسالة السماوية التي نزلت على سيدنا موسى عليه السلام، ولكنها دين وثني قد تم تأسيسه في بابل، بعد أن دمر نبوخذ نصر دولة يهوذا عام 586 ق.م، وحرق هيكلهم المزعوم وسباهم إلى بابل، وهي خليط من المعتقدات والخرافات والأساطير البابلية، وغيرها من الديانات الوثنية التي كانت منتشرة في منطقة الهلال الخصيب ووادي النيل آنذاك. ويعتقدون أن "يهوه" هو إلههم الخاص من دون جميع المخلوقات، وأنهم هم وحدهم "شعبه المختار" من دون بقية شعوب الأرض، لأن بقية شعوب الأرض ليسوا بشر، ولكنهم "جوييم" حيوانات خلقت على هيئة الإنسان لتليق بخدمة "الشعب المقدس للرب يهوه". أي أنه إله قبلي، ودين عنصري.
يقول البروفيسور (إلس روفكن) في كتابه "صياغة التاريخ اليهودي": "أن فكرة التوحيد وتطبيقها لدى اليهود، لم ترتكز على أسس دينية أو روحية بقدر ما ارتكزت على ضرورات سياسية واقتصادية". ويكشف أنها عقيدة وثنية تؤمن بتعدد الآلهة، قائلاً: "ظهرت فكرة التوحيد لدى اليهود ورسخت بناء على مقتضيات معينة تاريخها محدد بدقة، وهو تاريخ الكتبة والفريسيين في بابل، أي حوالي العام 400 قبل الميلاد، وهي الفترة التي "ألفوا" فيها الأسفار الخمسة الأولى من التوراة. ومن هؤلاء المشككين من يعتمد على برهان لغوي ظريف، إذ أن أول كلمة كتبت من قبل الفريسيين هي "في البدء خلق الله السموات والأرض"، (تكوين 1:1)، وفي النص العبري (في البدء خلقت الآلهة السماوات والأرض)، وفيما يلي ذلك، وبناء على استنتاج البروفيسور رفكن، اعتمد الكتبة صفة المفرد عوضاً عن الجمع لوصف الإله".
أما الفكرة المنتشرة والشائعة عند المؤرخين وعلماء الآثار من مسلمين وغير مسلمين، عن أخذ اليهود عن الكنعانيين فكرة "الإله الواحد" فأنها فكرة خاطئة، وإلا ما كانوا اعتبروا (اليهودية دين سماوي). وذلك لأن بني إسرائيل الذين دخلوا فلسطين كانوا يعرفون فكرة "الإله الواحد" عن طريق أنبيائهم، وأجدادهم من لدن إبراهيم عليه السلام مروراً بموسى عليه السلام إلى وداود وسليمان عليهما السلام. ولكن الصواب: أن اليهود بعد إقامتهم في فلسطين لأن نفوسهم مريضة وجبلتهم شريرة، ولأنهم معاندون ومكابرون، وطبعهم الكفر والمعصية، فقد عمدوا إلى أحد آلهة الكنعانيين فعبدوه، وأعطوه الصفات الشريرة التي تتناسب وطبائعهم وميولهم النفسية، وكذلك غذوه باتجاهاتهم السياسية منذ البداية.
إلـه اليهــود كنـعانـي
ذلك أنه بلغ تأثير (الحضارة الكنعانية) على اليهود إلى درجة أنها غزتهم في عقيدتهم، حيث اقتبس اليهود منها كل ما استطاعوا، حتى فكرة "الإله الواحد"، كما يقول المؤرخين. يقول رجاء جارودي: "فحين التقى الكنعانيون والعبرانيون في المرحلة الأولى كان هناك رفض متبادل بين المؤمنين بالإله (يهوه) والمؤمنين بالإله (إيل) ثم ضعف اهتمام العبرانيين بإلههم مع استمرار توطنهم في كنعان، وقوي إحساسهم بإله المواطنين الأصليين حتى أنهم تبنوا اسمه (إيل) وجمعوه على (إيلوهيم)".
وقد أدخلوا عليه بعض التغييرات يقول (ول ديورانت): "يبدو أن اليهود (الفاتحين) لفلسطين عمدوا إلى أحد آلهة كنعان فصاغوه في الصورة التي كانوا هم عليها وجعلوا منه إلهاً صارماً ذا نزعة حربية صعب المراس". كما أن "يهوه" بقي عند اليهود إله لا يُحدد ولا يُوصف، وأن طبيعته لا يحدها قيد ولا شرط، وبناءاً على ذلك لم يضعوا له تمثال، ولم يتخيلوه على أي صورة كالكنعانيين وغيرهم. كما أننا لا نجد له زوجه أو ولد كآلهة الكنعانيين. وكثيراً ما كان يغضب الرب على شعبه لأنه كان يعبد آلهة الكنعانيين ويشعل لها ناراً، ويبني لها معابد...إلخ، وهذا دليل على أن "يهوه" كان إله مثله مثل بقية آلهة الكنعانيين.
وهذه هي الحقيقة التي يتفق عليها العلماء أكثر من غيرها، إذ يرون أن "إله اليهود (يهوه) هو تطور طبيعي وبطيء من مرحلة تعدد الآلهة التي مر بها اليهود، شأنهم شأن القبائل البدائية الأخرى، تلك الآلهة التي كان (يهوه) مجرد واحد منها، إلى مرحلة الإله الواحد، وقد يكون نتيجة هذا التطور تلك الحرب الشعواء التي يشنها (يهوه)، من خلال التوراة، على غيره من الآلهة والتي بقيت آثارها عالقة في أذهان اليهود المتعددي الآلهة بالفطرة". كما أن "يهوه" خلال تطوره البطيء كما يقول (هومير سميث) قد اتخذ "(في فوضى تعدد الأديان، الكثير من خصائص آلهة إسرائيل المتعددة)، والصفة المشتركة لأكثر آلهة القبائل القديمة هي الحجر والنار، وتشترك هاتان الصفتان معا لتشكلا جبلاً بركانياً، وهو رمز القوة الهائلة: "هو ذا اسم الرب (يهوه) يأتي من بعيد غضبه مضطرم والحريق شديد وشفتاه ممتلئتان سخطاً ولسانه كنار آكلة وروحه كسيل طاغ يبلغ إلى العنق فيغربل الأمم من البوار .. إشعيا 30: 27 ـ 28".
كما يعتبر الأستاذ أندرسون عقيدة التوحيد اليهودية عقيدة وثنية، فيقول: "إن الوحدانية التي كانوا (الكنعانيون) يدركونها في ذلك الوقت لم تكن وحدانية تفكير ولكنها وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب". ويصف الدكتور (أنيس فريحة) "يهوه": "إن (يهوه) كما تصوره الكاتب اليهودي مجرد إنسان قدير عظيم ينزل إلى الفردوس ليتحدث إلى آدم ويأمر قابيل وهابيل أن يقدما قرابين فيقبل لواحد منهما ويرفض قرابين الآخر".
إله يهودي له زوجة وأبناء
إذن فكرة "الإله الواحد" أو التوحيد عند اليهود، التي تم استعارتها من الكنعانيين هي فكرة وثنية، تقوم على توحيد الآلهة في إله واحد. أو تغليب إله على بقية الآلهة. وهذه العقيدة خلاف عقيدة الوحدانية التي دعا لها جميع الأنبياء والرسل، والتي كان عليها بني إسرائيل قبل إقامتهم في فلسطين، وتأثرهم بـ(الحضارة الكنعانية). وقد يكون أصل فكرة التوحيد عند الكنعانيين يعود إلى ما كان عليه "ملكي صادق" الذي عرف عبادة الله العلي القدير، وبارك سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما عاش في ضيافته، كما ذكرت التوراة.، وقد يكون ملكي صادق أحد أتباع أنبياء الله هود وصالح عليهما السلام، الذين يؤكد المؤرخون هجرتهم بعد نزول العقاب الإلهي بقوميهما الكافرين إلى فلسطين وجوارها من بلاد الشام.
وإن كان اليهود في بداية عهدهم لم يتخذوا لإلههم زوجة مثل الأقوام الأخرى؛ إلا أنهم في بعد ذلك أصبح لألههم زوجة وأبناء كما يكشف ذلك البروفيسور اليهودي (إسرائيل شاحاك). الذي يؤكد على ما ذهب له العلماء السابقين من أن الديانة اليهودية ليست ديانة توحيدية كما يتوهم البعض ـ على حد تعبيره ـ ولكنها ديانة وثنية! فقد كتب: "أن الديانة اليهودية هي، وكانت دائماً، ديانة توحيد كما يُعرف في الوقت الراهن كثير من العلماء التوراتيين، وكما تُبين أي قراءة متأنية للعهد القديم بسهولة، فإن هذا الرأي اللا تاريخي خاطئ تماماً. هناك في كثير من ، إن لم نقل في كل أسفار العهد القديم حضور وسلطة لأرباب آخرين معترف بهم صراحة، لكن يهوه أقوى الأرباب، غيور جداً من منافسيه ويحظر على شعبه عبادتهم. ولا يظهر إلا في نهاية التوراة فقط، لدى بعض الأنبياء المتأخرين، إنكار لوجود جميع الأرباب ما عدا يهوه".
ويواصل حديثه بالقول: أن ما يعنينا هنا ليس اليهودية التوراتية (أي ما ورد في التوراة) بل اليهودية الكلاسيكية، إن الثانية خلال بضع مئات من سنواتها الأخيرة، كانت بمعظمها بعيدة كل البعد عن التوحيد الخالص. وهذا ينطبق أيضاً على الحقائق المهيمنة في الأرثوذكسية اليهودية في الوقت الراهن، وهي استمرار مباشر لليهودية الكلاسيكية، لقد جاء انحطاط التوحيد من خلال انتشار الصوفية اليهودية (القبالاه) التي ظهرت في القرنين الثاني والثالث عشر. وبحسب اعتقاد القبالاه فإنه {لا يُحكم الكون من جانب إله واحد بل من جانب أرباب عدة ذوي شخصيات وتأثيرات مختلفة تنبثق من علة أولى بعيدة مبهمة. وإذا أقصينا كثير من التفاصيل جانباً، نستطيع تلخيص تلك المنظومة على النحو التالي: هناك أولاً إله يدعى (الحكمة) أو (الأب) ثم إلهة تدعى (الحكمة) أو (الأم) وقد انبثقا أو وِلِدا من العلة الأولى. انبثق عن زواج الاثنين زوج من الآلهة الأصغر: (الابن) يدعى أيضاً بأسماء كثيرة أخرى مثل (الوجه الأصغر) أو ( المبارك المقدس)، والابنة تدعي أيضاً (السيدة) أو ("ماترونيت" وهي كلمة مشتقة من اللاتينية) و(شخينة) أو (الملكة) ..إلخ، ثمة ضرورة لتوحيد (الابن) و(الابنة) إلا إن مكائد الشيطان تحول دون ذلك، وهو يمثل في هذه المنظومة شخصية هامة جداً ومستقلة.
وقد تولت العلة الأولى كي تتيح لهما التوحد، لكنهما أصبحا أكثر بُعداً من السابق بسبب السقوط (أو الهبوط) وتمكن الشيطان، فعلاً، من الاقتراب كثيراً من (الابنة) المقدسة وحتى من اغتصابها (سواء بالرمز أو الواقع. تختلف الآراء) وقد خُلق الشعب اليهودي لسد القطيعة التي أحدثها آدم وحواء، وفي جبل سيناء تحقق هذا الأمر لفترة معينة: و(الابن)، الذي تجسد في موسى، توحد بالابنة (شخنية). ولكن. لسوء الحظ، تسببت خطيئة العجل الذهبي بالانفصال مرة أخرى، لكن توبة الشعب اليهودي رتقت الشَق نوعاً ما.
بنفس القدر، يقترن كل حدث في التاريخ التوراتي اليهودي باتحاد أو انفصال الزوجين السماويين}.

,ekdm hg]dhkjdk hgHvqdjdk hgdi,]dm , hglsdpdm