1البقرة الآية 22.

ص -118- اللصوص. وقول
الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان.لا تجعل فيها فلانا؛ هذا كله به شرك"، رواه ابن أبي حاتم.
فقد بين ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هذه الأشياء من الشرك، والمراد به الشرك الأصغر، والآية عامة تشمل الشرك الأكبر والشرك الأصغر؛ فابن عباس - رضي الله عنهما- نبه بهذه الأشياء بالأدنى "وهو الشرك الأصغر"على الأعلى"وهو الشرك الأكبر"، ولأن هذه الألفاظ تجري على ألسنة كثير من
الناس؛ إما جهلاً، أو تساهلاً.
ومن هذه الأشياء:
1- الحلف بغير الله - عز وجل -:
وهو شرك؛ كما روى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك"، رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم.
وقوله:"فقد كفر أو أشرك": يحتمل أن يكون هذا شكّا من الراوي، ويحتمل أن يكون (أو) بمعنى الواو؛ فيكون قد كفر وأشرك، ويكون من الكفر الذي هو دون الكفر الأكبر؛ كما أنه من الشرك الأصغر.
وقد من
الناس اليوم من يحلف بغير الله؛ كمن يحلف بالأمانة، أو يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول: وحياتي وحياتك يا فلان... وما أشبه هذه الألفاظ، وقد سمعنا ما ورد في الأحاديث من النهي عن الحلف بغير الله - عز وجل، واعتباره كفراً أو شركا؛ لأن الحلف بالشيء تعظيم له، والذي يجب أن يُعظم ويُحلف به هو الله - عز وجل - والحلف بغيره شرك وجريمة عظمى.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن
ص -119- أحلف بغيره صادقا".
ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر، لكن الشرك - وهو الحلف بغير الله - أكبر من الكبائر، وإن كان شركا أصغر.
فيجب على المسلم أن يتنبه لهذا، ولا تأخذه العوائد الجاهلية؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا؛ فليحلف بالله أو ليصمت"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم"... إلى غير ذلك من النصوص التي تأمرنا إذا أردنا أن نحلف أن نقتصر على الحلف بالله وحده ولا نحلف بغيره.
ويجب على من حلف بالله أن يرضى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من حلف بالله؛ فليصدق، ومن حلف له بالله؛ فليرض، ومن لم يرض؛ فليس من الله".
2- الشرك في الألفاظ:
ومن الشرك الأصغر الشرك في الألفاظ؛ مثل قول: ما شاء الله وشئت. فقد روى الإمام أحمد والنسائي عن قتيلة؛ أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولن: والكعبة! فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت".
وروى النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما؛ "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله ندًا؟! قل: ما شاء الله وحده".
فدل الحديثان وما جاء بمعناهما على منع قول: ما شاء الله وشئت، وما شابهه من الألفاظ؛ مثل: لولا الله وأنت، ما لي إلا الله وأنت... لأن العطف بالواو يقتضي التسوية بين المتعاطفين، وهذا شرك؛ فالواجب أن يعطف ب "ثم"، فيقال: ما شاء الله ثم شئت، أو شاء فلان، لو لا الله ثم أنت، أو:
ص -120- ثم فلان، ما لي إلا الله ثم أنت... لأن العطف ب "ثم" يقتضي الترتيب والتعقيب، وأن مشيئة العبد تأتي بعد مشيئة الله - تعالى، لا مساوية لها؛ كما :{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}1؛ فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله - تعالى؛ فالعبد وإن كانت له مشيئة - خلافا للجبرية؛ فمشيئة تابعة لمشيئة الله، ولا يقدر على أن يشاء شيئا إلا إذا كان قد شاءه؛ خلافا للقدرية من المعتزلة وغيرهم، الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله، تعالى الله عما يقولون.
3- الشرك في النيات والمقاصد:
ومن الشرك الأصغر الشرك في النيات والمقاصد، وهو ما يسمى بالشرك الخفي؛ كالرياء، وهو نوعان:
أ- الرياء: وهو مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة؛ لقصد رؤية
الناس لها؛ فيحمدون صاحبها.
والفرق بين الرياء وبين السمعة: أن الرياء لما يرى من العمل كالصلاة، والسمعة لما كالقراءة والوعظ والذكر.
ويدخل في ذلك تحدث الإنسان عن أعماله وإخباره بها.
وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}2.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في معنى الآية: "أي: كما أن الله واحد ل إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له؛ فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالص من الرياء المقيد

--------------------------------