وقد ضمنالإسلام لأعضاء الأقليات غير الإسلامية حقوقاً عديدة من أهمها:

1
ـ حقالعبادة: ضمن الإسلام لأهل الذمة حق العبادة ضماناً مطلقاً، فلا إكراه في الدين بنصالقرآن، ولا يُجبَر أحد ولا يُضغَط عليه لترك دينه إلى غيره. « ادع إلى سبيل ربكبالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيلهوهو أعلم بالمهتدين » (سورة النحل 125).

وذهب القرضاوي وغيره إلى أنه لايحق للمسلم أن يُحاسب غير المسلم على معتقداته حتى ولو كان كافراً. وفضلاً عن إباحةزواج المسلم بكتابية فإن علي عبد الواحد وافي يرى أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجتهالكتابية من أداء عباداتها وشعائرها، بل إن بعض المذاهب ترى أنه ينبغي له أن يصحبهاإلى حيث تؤدي هذه العبادات في كنيستها أو بيعتها إذا رغبت في ذلك.

ويوضحالشيخ محمد الغزالي أن الإسلام لم يفرض على الكتابيين ترك أديانهم، بل طالبهم ـماداموا يؤثرون دينهم القديم ـ أن يدعوا الإسلام وشأنه، يعتنقه من يعتنقه دونتَهجُّم مر أو جدل يسيء. بل إن الإسلام كفل في الحرية الدينية لأهل الكتاب حريةإقامة الشعائر في أماكن عبادتهم، وحقهم في تجديد ما تَهدَّم منها، وبناء الجديدمنها، ودق نواقيسهم إيذاناً بصلاتهم، بل لهم إخراج صلبانهم في يوم عيدهم.

وبالنسـبة لبناء الكنائـس ودور العبـادة، أورد الشـيخ القرضاوي عهد عمربتأمين الكنائس القائمة وقت الفتح الإسلامي، ثم أورد عهد خالد "لهم أن يضربوانواقيسهم في أية ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلاة، وأن يُخرجواالصلبان في أيام عيدهم". وذكر بشأن بناء الكنائس الجديدة أن من فقهاء المسلمين منيجيزها في الأمصار الإسلامية، وحتى في البلاد التي فتحها المسلمون عنوة، "إذا أذنلهم إمام المسلمين بناء على مصلحة رآها"، وذلك على مـذهب الزيدية وابن قـاسم. وأوردأمثلة من مصر، وما ذكره المقريزي "وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلامبلا خوف".

2
ـ قدر من الاستقلال الثقافي والديني: ويستند هذا الحق إلى أمرالله سبحانه وتعالى لرسوله (عليه الصلاة والسلام) أن احكم بين الناس بالعدل « وإنجاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم » (سورة المائدة 42)، أي أنه يمكن أن يُتركواوشأنهم يطبقون قوانينهم في مجال حياتهم الخاصة. وقد كان ليهود بني قريظة بعض الحقوقفي إدارة شئونهم الخاصة (أي أن العلاقة مع الدولة كانت فيدرالية إلى حدٍّ ما، إن صحالتعبير). وبالفعل، كان من حق الأقليات أن ينظموا أمورهم الداخلية بالكيفية التيتلائمهم، فكان لهم حق تعليم أبنائهم تعاليم دينهم، وأن تسود قوانين الأسرة الخاصةبهم وأحكامهم الخاصة، وكانت لهم محاكمهم الخاصة، أي أن الإسلام ضمن قدراً كبيراً منالإدارة الذاتية للأقليات.

3
ـ حمايتهم ضد العدوان الخارجي والظلمالداخلي: يذكر شمس الدين الرملي الشافعي أن دفع الضرر عن أهل الذمة واجب كدفعه عنالمسـلمين:

أ) العدوان الخارجي: من حقوق أهل الذمة حمايتهم من الاعتداءعليهم بحفظهم ومنع ما يؤذيهم وفك أسرهم ودفع من يقصدهم بأذى "ولو كانوا منفردينببلد". وينقل عن ابن حزم في مراتب الإجماع "إن من كان في ذمتنا [من أهل الكتاب]وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع [أي بالخيل]والسلاح ونموت دون ذلك، صيانةً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليهوسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة". ولقد أصر شيخ الإسلام ابن تيمية فيتفاوضه مع قائد التتار على إطلاق من تم أسره من أهل الذمة مع إطلاق المسلمين حيثقال: "لا نرضى إلا بامتثال جميع الأساري من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا ولا ندعأسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملّة".

ب) حمايتهم ضد الظلم الداخلي:من حقوق أهل الذمة أيضاً حمايتهم من الظلم الداخلي، ونُقل عن رسول الله (صلى اللهعليه وسلم) قوله "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منهشيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه [أي خصيمه] يوم القيامة". وقوله (صلى الله عليهوسلم) "من أذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة". وقوله (صلى اللهعليه وسلم) "من أذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد أذى الله". وفيما ذكره ابنعابدين أن "ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثماً". ومن كتب الفقه نجد قول القرافيالمالكي: "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا، لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا (أيحمايتنا)، وذمتنا وذمة الله تعالى وذمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودينالإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة فقد ضيَّع ذمة الله وذمة رسولهوذمة دين الإسلام". وحق الحماية المقرر لأهل الذمة يتضمن حماية دمائهم وأنفسهموأبدانهم وحماية أموالهم وأعراضهم كما أسلفنا القول، فكلها مكفولة باتفاق المسلمين.ومن قتل ذمياً غير حربي قُتل، ومن سرقه قُطعت يده. وبلغ من رعاية الإسلام لحرمةأموالهم وممتلكاتهم أنه يحترم ما يعدونه ـ حسب دينهم ـ مالاً وإن لم يكن مالاً فينظر المسلمين (كالخمر والخنزير). ومن حقوقهم تأمينهم عند العجز أو الشيخوخة أوالفقر، فالضمان الاجتماعي في الإسلام يشمل المسلمين وغير المسلمين.

قالالإمام أبو يوسف صاحب كتاب الخراج: "وحدثني عمر بن نافع عن أبي بكر قال: مرَّ عمر (رضي الله عنه) بباب قوم وعليه سائل يسأل، وكان شيخاً ضرير البصر فضرب عمر عضده،وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: اسألالجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسلبه إلى خازن بيت المال وقال له: انظر هذا وضرباءه. فو الله ما أنصفناه، أكلناشبيبته ثم نخذله عند الهرم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، والفقراء هم الفقراءالمسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ثم وضع عنه الجزية وعن ضربائه". قال أبوبكر: "أنا شهدت ذلك من عمر ورأيت ذلك الشيخ".

وقد أباح الإسلام لأهل الذمةحرية العمل والكسب، ومزاولة ما يختارونه من مهن، ومباشرة ما يرتاحون إليه من نشاطاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين الذين يعيشون معهم. ولا يرى الإسلام أي حرج فيأن يشتغل مسلم عند أهل الكتاب أو يشتغل أهل الكتاب عند مسلم، أما عن تولِّي غيرالمسلمين الوظائف العامة، فذكر لأهل الذمة « الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين،إلا ما غلبت عليه الصبغة الدينية، كالإمامة ورئاسة الدولة، والقيادة في الجيشوالقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات لأن الإمامة والرئاسة العامة في الدينوالدنيا وهي خلافة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقيادة الجيش ليست عملاً مدنياًصرفاً، بل هي من أعمال العبادة لكونها جهاداً، والقضاء حكم بالشريعة الإسلامية فلايُطلَب من غير المسلم أن يحكم بما لا يؤمن به. وأشار في ذلك إلى ما صرح به الماورديمن جواز تقليد الذمي وزارة التنفيذ دون وزارة التفويض. ولذا كان اشتغال اليهودوالنصـارى في الوظائـف الكبيرة والصغـيرة أمـراً شـائعاً في بلاد الإسلام. ومع هذايرى طارق البشري أنه في العصر الحديث، بعد أن أصبحت الدولة كياناً مركباً متداخلاً،وأصبح القرار السياسي نتيجة دراسة خبراء ومستشارين، فإن من الممكن لأهل الذمة أنيتقلدوا أية مناصب (إلا تلك المناصب ذات الصيغة الدينية، بطبيعة الحال).

وفيما يتصل بعقد الذمة في الدولة (الإسلامية) الحديثة فكما يرى العوا ليسله محل من الوجود إذ أن تلك الدولة لم تقم على حق الفتح، حتى يكون هناك عهد ذمةلأهل تلك البلاد، بل قامت على حق التحرر من الاستعمار، ذلك التحرر الذي شارك فيصنعه كل من المسلمين والمسيحيين، ومن ثم أصبح الإطار القانوني الذي يحكم تلكالعلاقة هو المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات. بل يمكن القول بأن قاعدة "لهم مالنا وعليهم ما علينا" يُعاد استعمالها في أجلى صورها، ويبقى حق المسلمين فيها هو حقالأغلبية في كل بلاد الدنيا، ويظلل المجتمع بأسره فكرة النظام العام التي تسمحبتطبيق القوانين الإسلامية واحترام كل من الأغلبية والأقلية لها.

إن موقفالإسلام من أهل الذمة لا يستند إلى حالة عاطفيـة أو عقلية وإنما إلى قاعدة قانونيةفقهية وإلى الرؤية الإسلامية للكون. ولعل الواقعة التالية التي يذكرها ميخائيلشـاروبيم في الكافي تبلور هذه الفكرة. فمن المعروف أن الوالي عباس الأول، الذيتولَّى الحكم قبل محمد سعيد، كان شديد النقمة على النصارى، وأخرج منهم كثيرين منخدمة الدولة، وأراد أن يدبر إخراجهم من وطنهم وإبعادهم إلى السودان، ولزمه لتنفيذهذا الأمر أن يستصدر من الأزهر فتوى بجوازها، فطلب إلى الشيخ الباجوري، شيخ الجامعالأزهر وقتها، الرأي في جواز إبعادهم، فرفض الشيخ إنفاذ رغبة الوالي قائلاً: « إنهإن كان يعني الذميين الذين هم أهل البلاد وأصحابها، فالحمد للّه لم يطرأ على ذمةالإسلام طارئ، ولم يستول عليها خلل، وهم في ذمته إلى اليوم الآخر». إن القاعدةالفقهية الخاصة بأهل الذمة وحقوقهم المطلقة مسألة ثابتة لا تحتمل النقاش.

ولكن، لا يستند الدين الإسلامي في موقفه من أهل الذمة إلى القاعدةالقانونية والفقهية وحسب، وإنما هناك أيضاً التسامح كعنصر تكميلي، وهذا هو معنى «البر والقسطاس»، فهي عبارة تؤكد أن الموقف الإسلامي من أعضاء الأقليات لا يستندإلى العدل الاجتماعي (المستند إلى هيكل القانون) وحسب، وإنما إلى الإحسان (المستندإلى التسامح الشخصي) أيضاً. وبمعنى آخر لابد من القسطاس أي العدل (البراني) والبر (الجواني). ولذا يحض القرآن على البحث عن الرقعة المشتركة بين المسلمين وأهل الذمة. « ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنابالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون » (سورةالعنكبوت 46).

ويشير الشيخ القرضاوي في علاقة المسلمين بغيرهم إلى ما لايدخل في نطاق الحقوق التي تنظمها القوانين، وهو الروح التي تبدو من حسن المعاشرةولطف المعاملة ورعاية الجوار وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان، ومنإكرام الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب، وزيارتهم وعيادة مرضاهم والتعاملمعهم. وقد أجاز الفقهاء للمسلم أن يوصي أو يوقف شيئاً من ماله لغير المسلمين من أهلالذمة، وتكون هذه الوصية أو الوقف أمراً نافذاً.

وبوسعنا أن ننتقل الآن منالمعيارية الإسلامية إلى ممارسات المسلمين التاريخية، وأن نثير قضية مهمة وهي أنبعض التشريعات المنظمة للعلاقة مع الذميين كانت تحمل دلالة وظيفية وحسب. ولكن، بعدحين، نُسيت الوظيفة التي من أجلها تم التشريع وتحوَّل الحظر إلى رمز. فعلى سبيلالمثال، كان الذميون يُمنَعون من ركوب الخيل، وإن ركب الذمي الخيل فعليه أن يدلَّيبقدميه من ناحية واحدة لاعتبار أمني، أي لتأكيد أن الذمي لا يحمل السلاح. ولكن هذاطال نسيانه ولم يبق من أمر طريقة الركوب الخاصة سوى جانبه الرمزي وحده.

ويتبدَّى تحويل الوظيفة إلى رمز في قضية الغيار (الرداء) أيضاً. والواقع أنإلزام الذميين بلبس الغيار لم يُطبَّق في أيام الرسول، أما عند الفتح الإسلامي، فقدكان غيار السكان المحليين مختلفاً عن رداء العرب المسلمين حيث مُنع المحليون منارتداء زيّ العرب كضرورة أمنية في عصور الفتح. وكان الهدف من الاختلاف في الزيتأكيد التمايز وليس التميز، بمعنى أن الزيّ شكل من أشكال التعبير، أو هو لغة خاصةيتحدث بها الإنسان ويعبِّر بها عن هويته. والواقع أن التلمود ينصح اليهود بألايرتدوا ملابس مثل ملابس الفرس (العنصر السائد في الإمبراطورية الفارسية التي كانيعيش فيها اليهود). وفي العصر الأموي، استبدل بالغيار الزنار. ولعل الهدف منه كانإدارياً بحيث يمكن التمييز بين الذميين والمسلمين بما تقتضيه ضرورة تسيير شئونالدولة، وكان الزنار يشبه في ذلك بطاقة تحقيق الشخصية، ولكن بعض الفقهاء نسوا وظيفةالغيار الإدارية أو الأمنية العملية وفرضوا عليه مدلولاً رمزياً بحيث أصبح الهدفمنه الإذلال والتمييز.

ولا يمكن حسم هذه القضية إلا بالتمييز بين المعياريةالإسلامية (المثالية) والممارسات الإسلامية الواقعية،وهو تمييز ليس ممكناً وحسب فيإطار الإسلام وإنما حتمي وواجب لمن يؤمن بالإسلام ديناً يهديه سواء السبيل، ويتحركفي إطاره ويحتكم إلى منظومته القيمية والمعرفية.

وما يهمنا من وجهة نظر هذهالموسوعة أن نشير إلى أن التشريعات الإسلامية الخاصة بأهل الذمة (ومنهم أعضاءالجماعة اليهودية) لم تخلق قابلية لدى الجماعات اليهودية للتحول إلى جماعات وظيفية.

ويمكننا أن نضيف بعض العناصر الأخرى التي ساعدت على استقرار وضع الجماعاتاليهودية كأهل ذمة داخل التشكيل الحضاري الإسلامي وساهمت في عدم فرض دور وظيفي فريدأو متميِّز.

1
ـ لم يلعب اليهود دور «قاتل الرب» الذي يلعبونه في الرؤيةالمسيحية للكون ولذا فالرؤية الأخروية (الإسكاتولوجية، رؤية الخلاص النهائيالإسلامية) لم تفرض على اليهود دوراً مميَّزاً (كما هو الحال في المجتمعاتالمسيحية).

2
ـ لم ينظر إلى اليهود باعتبارهم الشعب الشاهد الذي يقف فيضعفه دليـلاً على عظمة الكنيسـة، وفي ذلته وهـزيمته دليلاً على انتصارها.

3
ـ لم ينظَر المجتمع الإسلامي إلى اليهودي من خلال مفهوم العودة الألفية التي ترى أنالخلاص لن يتحقق إلا بعودة اليهود إلى فلسطين وتنصيرهم.

4
ـ لا توجد علاقةحب وكُره بين الإسلام واليهودية كما هو الحال بين المسيحية واليهودية. فالمسيحيةتعتبر العهد القديم (كتاب اليهود المقدَّس) أحد كتبها المقدَّسة. كما أن الإسلام لايرى نفسه تحقيقاً لليهودية أو نفياً لها (كما حدث في المسيحية). فالإسلام يعترفبأنبياء اليهود وبالمسيح عليه السلام وبكتب اليهود والمسيحيين المقدَّسة. ولكنها معهذا لم تُتخذ كتباً مقدَّسة لأن الإسلام يرى أنها حُرِّفت. ويظهر الفرق بين موقفالمسيحية والإسلام من اليهود في أن الإسلام يشير إلى «شريعة اليهود» أما المسيحيةفتشير إلى «قانون اليهود» و«خرافة اليهود» بل «خيانة اليهود».

5
ـ ظهرالإسلام في منطقة هامشية بالنسبة لليهودية، على عكس المسيحية التي نشأت في فلسطينمركز اليهودية. وفي البداية استفاد اليهود من الحكم الروماني في قمع المسيحية (وفيصلب المسيح حسب الرؤية المسيحية). ولكن حينما قويت شوكةالمسيحية وتحولتالإمبراطورية إلى المسيحية قامت السلطة الرومانية بالقضاء على بقايا اليهودية فيفلسطين.

6
ـ لم يكن أعضاء الجماعات اليهودية يمثلون قوة سكانية ذات وزن فيالعالم الإسلامي.

7
ـ حرَّم الإسلام الربا ولكنه نظر للتجارة باعتبارهانشاطاً إنسانياً كريماً، ولذا مارسها المسلمون (واليهود والنصارى) ولم يحدث تمايزاقتصادي كبير لأعضاء الأقليات.

لكل هذه الأسباب لم يتحول كثير من أعضاءالجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، وكان هرمهم الوظيفي والمهني لا يختلف فيمجموعه عن الهرم الوظيفي والمهني السائد في المجتمع. هذا لا يعني أنه لم تتحولقطاعات منهم إلى جماعات وظيفية، فقد حدث هذا بلا شك ولكن بدون الشكل الحاد وبدونالتبلور الذي أخذته هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية. وقد اختلف الوضع تماماً معنهاية القرن التاسع عشر ومع وقوع كثير من البلدان العربية في قبضة الاستعمار الغربيووصول كثير من اليهود الإشكناز إذ تم تحويل الغالبية الساحقة لأعضاء الجماعاتاليهودية في العالم الإسلامي إلى جماعات وظيفية تقوم على خدمة الاستعمار الغربيوترعى مصالحه ويقوم هو بحمايتها، ولذا حصل كثير من أعضاء الجماعات اليهودية منأبناء البلاد على جنسية إحدى البلاد الغربية.