5451 - ( إنه سيولد لك بعدي ولد ، فسمه باسمي وكنه بكنيتي . قاله لعلي ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 776 :
$منكر بهذا اللفظ$
أورده ابن القيم في "تحفة المودود" (ص 83-84- الهندية ######### ساكتاً عليه ، فقال : وقال ابن أبي خثيمة في "تاريخه" : حدثنا ابن الأصبهاني : حدثنا علي بن هاشم عن فطر عن منذر عن ابن الحنفية قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ... فذكره ، وزاد :
فكانت رخصة من رسول الله صلي الله عليه وسلم لعلي .
قلت : ورجاله ثقات ؛ على كلام في علي بن هاشم - وهو ابن البريد - ، وهو صدوق ، ولكنه شيعي ، وقد تكلم بعضهم فيه من قبل حفظه ، فقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 110) :
"كان غالياً في التشيع ؛ مم يروي المناكير عن المشاهير ؛ حتى كثر ذلك في رواياته ، مع ما يقلب من الأسانيد" .
وجرى على ظاهر إسناده : الأخ عبدالقادر أرناؤوط ؛ فقال في تعليقه على "التحفة" (ص 143 - دار البيان) :
"وإسناده حسن" !
فلم يتنبه لكون ابن البريد قد خالفه الثقات في لفظه ، على ما فيه من ضعف في حفظه كما تقدم ، وهم :
1- أبو أسامة حماد بن أسامة ؛ قال : عن فطر به ، ولفظه :
قال علي للنبي صلي الله عليه وسلم : إن ولد لي غلام بعدك ؛ أسميه باسمك ، وأكنيه بكنيتك ؟ قال :
"نعم" .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 668) : حدثنا أبو أسامة به .
ومن طريقه : أخرجه أبو داود (4967) ، وعن هذا البيهقي (9/ 309) .
2- وكيع بن الجراح ؛ قال : حدثنا فطر به ، وزاد :
فكانت رخصة من رسول الله صلي الله عليه وسلم لعلي .
أخرجه أحمد (1/ 95) : حدثنا وكيع به .
3 و 4- قال ابن سعد في "الطبقات" (5/ 91) : أخبرنا الفضل بن دكين وإسحاق بن يوسف الأزرق قالا : حدثنا فطر بن خليفة به .
والفضل بن دكين : كنيته أبو نعيم .
ومن طريقه : أخرجه البيهقي ، وكذا الحاكم (4/ 478) ، وقال :
"صحيح على شرط الشيخين" ! ووافقه الذهبي .
وأقول : إنما هو على شرط البخاري وحده ؛ فإن فطر بن خليفة لم يخرج له مسلم شيئاً ؛ علي أن البخاري روى له مقروناً .
5- أبو غسان ؛ قرنه الحاكم بأبي نعيم .
6- يحيى بن سعيد القطان : حدثنا فطر بن خليفة به .
أخرجه الترمذي (2846) ، وقال :
"هذا حديث صحيح" .
7- إبراهيم ؛ وهو ابن موسى ، أبو إسحاق الفراء الرازي .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (843) .
قلت : فهؤلاء سبعة ثقات حفاظ قد خالفوا علي بن هاشم في لفظه ؛ فلم يرفعوه إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، فلوأن واحداً منهم فقط خالفه ؛ لكان كافياً في الحكم على لفظه بالنكارة ، فكيف بهم مجتمعين ؟!
وإنما يقع المرء في مثل هذا الخطأ : من فوقه عند الظاهر السند ، دون إفراغ الجهد في تتبع الطرق والأسانيد والألفاظ ، والنظر فيها بعين الناقد البصير ! وهذا ما يفعله الجم الغفير من المشتغلين بالتخريج في العصر الحاضر ، بل وفيما قبله أيضاً .
واعلم أن الزيادة المتقدمة قد اتفق من ذكرنا من الثقات على ذكرها في الحديث دون الأول منهم ، وهي صريحة في أنها رخصة خاصة بعلي رضي الله عنه ، فلا يعارضها قوله صلي الله عليه وسلم :
"تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي" . متفق عليه . وقد قال الحافظ في "الفتح" (10/ 573) :
"روينا هذه الرخصة في "أمالي الجوهري" . وأخرجها ابن عساكر في الترجمة النبوية من طريقه ، وسندها قوي" .
وقد عزا الحديث لابن ماجه أيضاً ، وهو وهم ! وتقوية الحافظ لسند الحديث فيه إشعار بأنه لم يرتض إعلال البيهقي إياه بالانقطاع . وقد رد عليه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بما يوضح أن لا انقطاع فيه .
فإن قال قائل : ألا يقوي حديث الترجمة ما رواه ابن سعد (5/ 91-92) : أخبرنا محمد بن الصلت وخالد بن مخلد قالا : حدثنا الربيع بن المنذر الثوري عن أبيه قال :
وقع بين علي وطلحة كلام ، فقال له طلحة : لا كجرأتك على رسول الله صلي الله عليه وسلم ! سميت باسمه ، وكنيت بكنيته ، وقد نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يجمعهما أحد من أمته بعده ؟ فقال علي : إن الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله ، اذهب يا فلان ! فادع فلاناً وفلاناً - لنفر من قريش - ، قال : فجاءوا فقال : بم تشهدون ؟ قالوا : نشهد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
"إنه سيولد لك بعدي غلام ، فقد نحلته اسمي وكنيتي ، ولا تحل لأحد من أمتي بعده" ؟
والجواب : لا ؛ لأسباب :
الأول : أن الربيع بن المنذر الثوري لا يعرف حاله ؛ فقد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" ، وابن أبي حاتم ، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً .
الثاني : أنه منقطع بين منذر الثوري وعلي رضي الله عنه .
ويؤكد ذلك : أن الحاكم أخرجه في "علوم الحديث" (ص 190) من طريق أخرى عن ابن الصلت قال فيه : عن أبيه - أظنه - عن ابن الحنفية .
الثالث : أن لفظه مخالف أيضاً للفظ المحفوظ عن فطر بن خليفة برواية الثقات عنه كما تقدم ، وكذلك هو مخالف للفظ ابن الصلت عند الحاكم ؛ فإنه قال :

(/1)


.. فشهدوا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رخص لعلي أن يجمعهما ، وحرمهما على أمته من بعده .
ومثله في النكارة : ما رواه الحاكم - من طريق عبدالعزيز بن الخطاب - ، وأبو بكر القطيعي في زياداته في "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/ 676) ، ومن طريق الخطيب في "التاريخ" (11/ 218) ، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 245) - من طريق الحسن بن بشر - كلاهما عن قيس بن الربيع عن ليث عن محمد بن الأشعث عن ابن الحنفية عن علي مرفوعاً مختصراً بلفظ :
"يولد لك ابن ؛ قد نحلته اسمي وكنيتي" . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح ، والحسن بن بشر منكر الحديث" .
قلت : تعصيب الجناية به - وقد تابعه عبدالعزيز بن الخطاب ، كما ذكرنا ، وهو صدوق عند الحافظ - مما لا يجوز .
وإنما العلة من قيس بن الربيع ؛ أو شيخه الليث - وهو ابن أبي سليم - ؛ فإنهما ضعيفان .
(/2)
5452 - ( ما سميتموه ؟ فقلنا : محمداً . فقال : هذا اسمي ، وكنيته أبو القاسم ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 780 :
$ضعيف جداً$
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/ 187/ 459) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" ، والحاكم (3/ 374-375) من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان عن محمد بن عبدالرحمن مولى آل طلحة عن عيسى بن طلحة : حدثتني ظئر لمحمد بن طلحة قالت :
لما ولد محمد بن طلحة ؛ أتينا به النبي صلي الله عليه وسلم ؛ فقال : ... فذكره .
سكت عنه الحاكم ، وكأنه لوهائه . وقد قال الذهبي عقبه :
"قلت : أبو شيبة واه" . وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 49) :
"رواه الطبراني ، وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة ، وهو متروك" .
وقال الحافظ في "التقريب" : "متروك الحديث" .
قلت : فالعجب منه ؛ كيف أورد الحديث في "الفتح" (10/ 573) من رواية الطبراني من طريق عيسى بن طلحة .. ولم يذكر أن فيه هذا المتروك ، بل إنه أوهم القراء أنه صحيح ؛ لأنه احتج به لقول من قال : إن النهي الثابت في "الصحيح" عن التكني بكنيته صلي الله عليه وسلم خاص بزمانه صلي الله عليه وسلم . وقال :
"وهذا أقوى" .
وأعجب من ذلك : أن الطبراني نفسه جزم في مكان آخر من "المعجم" (19/ 242) أن النبي صلي الله عليه وسلم هو الذي كناه ؛ فقال في ترجمة محمد بن طلحة بن عبيدالله :
"ولد في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ، وسماه محمداً ، وكناه أبا القاسم" !
ثم ساق بسند آخر قصة أخرى ؛ فيها نهي عمر عن أن يدعى محمداً ! وإن محمد بن طلحة قال له : أذكرك الله يا أمير المؤمنين ! فوالله ! لمحمد صلي الله عليه وسلم سماني محمداً .
ورواه أحمد أيضاً (4/ 216) . وسنده صحيح .
وليس فيه عندهما أنه كناه أبا القاسم ، فهذا يؤكد بطلان ما رواه أبو شيبة من التكنية . والله أعلم .
وقد روي خلافه ؛ فقال ابن أبي خيثمة : وقيل : إن محمد بن طلحة لما ولد ؛ أتى طلحة النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : أسمه محمداً ، وأكنيه أبا القاسم . فقال :
"لا تجمعهما له ، هو أبو سليمان" .
ذكره ابن القيم في "التحفة" (ص 47 - هندية) .
قلت : وهذا أولى بالصحة ؛ لموافقته للأحاديث الصحيحة ، وإن كنت لم أقف على إسناده .
(/1)
5453 - ( لا يأخذ أحدكم من طول لحيته ، ولكن من الصدغين ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 782 :
$ضعيف جداً$
رواه ابن عدي (260/ 2) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 323-324) ، والخطيب في "تاريخه" (5/ 187) عن عفير بن معدان عن عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً . وقال ابن عدي :
"عفير بن معدان ؛ عامة رواياته غير محفوظة" . وفي "التقريب" :
"ضعيف" .
قلت : ولبعضه شاهد موقوف ؛ أخرجه المحاملي في "الأمالي" (ج 12/ رقم 65) عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : (ثم ليقضوا تفثهم) قال :
التفث : حلق الرأس ، وأخذ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والوقوف بعرفة والمزدلفة .
ورجاله كلهم ثقات ؛ إلا أن هشيماً كثير التدليس ، وقد عنعنه ؛ ولولا ذاك لحكمت على إسناده بالصحة .
ثم وجدت الإمام الطبري قد أخرج هذا الأثر في تفسير الآية المذكورة (17/ 109) من طريق هشيم قال : أخبرنا عبدالملك عن عطاء عن ابن عباس به .
فقد صرح هشيم بالإخبار ؛ فأمنا بذلك شر تدليسه ؛ فصح إسناده والحمد لله .
ثم روى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية :
(ثم ليقضوا تفثهم) : رمي الجمار ، وذبح الذبيحة ، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار ، والطواف بالبيت والصفا والمروة .
قلت : وإسناده صحيح .
ثم روى نحوه في قص اللحية عن مجاهد مثله .
وسنده صحيح .
وكان الباعث على تخريج حديث الترجمة ورود سؤال من أحد الإخوان السلفيين عن صحته ، وأرانيه في رسالة بيده بعنوان : "إعفاء اللحى وقص الشارب" للشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي ، فأمرته أن يخرجه من "تاريخ بغداد" ؛ فأريته ضعفه بسبب عفير بن معدان ، فرأيت تخريجه في هذه "السلسلة" تعميماً للفائدة ، ولأنبه على بعض الأمور :
أولاً : أن الشيخ المذكور أورد الحديث من رواية الخطيب ساكتاً عليه عقب نقله عن النووي قوله :
"والمختار تركها على حالها ، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً" .
والحديث ؛ مع ضعفه حجة عليه ؛ لأنه صريح في جواز الأخذ من (الصدغين) تثنية (الصدغ) : جانب الوجه من العين إلى الأذن . والمراد :
الشعر الذي فوقه .
ثانياً : لم يورد جملة الصدغين ؛ فلا أدري أكان ذلك عمداً أو سهواً ؟!
ثالثاً : يبدو أن المؤلف لم يكن دقيقاً في نقل الأحاديث من مصادرها الأصيلة ، ولعله كلف بعض الطلبة بنقلها ، وتصحيح تجارب الرسالة ؛ فقد رأيت فيها بعض الأخطاء التي لا تحتمل ، فانظر إلى قوله (ص 4) :
"ولمسلم : قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "خالفوا المجوس ؛ لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب" ..." !
هكذا وقعت هذه الجملة التعليلية : "لأنهم كانوا ..." بين الهلالين المزدوجين ؛ وليست من الحديث لا عند مسلم ولا عند غيره ، وإنما هي من كلام المؤلف ! فكان حقها أن تقع بعد الهلالين الأخيرين . فالظاهر أن الشيخ لم يشرف بنفسه على تصحيح تجارب الرسالة .
والحديث ؛ قطعة من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :
"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس" . رواه مسلم (1/ 153) .
وقد أورده الشيخ في الصفحة التالية (5) دون هذه الجملة الأخيرة : "خالفوا المجوس" ، وقدمها في الصفحة التي قبل هذه ، ومعها الإدراج الذي أشرت إليه آنفاً .
رابعاً : ذكر (ص 7) حديث زيد بن أرقم مرفوعاً بلفظ :
"من لم يأخذ شاربه فليس منا" ، وقال : "صححه الترمذي" !
وأقول : نص الحديث عند الترمذي (2762) : ".. من شاربه .." بزيادة : "من" ، وكذلك هو في "المشكاة" (4438) برواية آخرين ، وكذلك رواه ابن حبان (1481 - موارد) ، والضياء المقدسي .
ولا يخفى الفرق بين هذا وبين ما وقع في الرسالة ؛ فإن الأول يدل على أن الأخذ إنما هو من بعض الشارب ، وليس كله كما يرى المؤلف ، وذلك بقص ما طال على الشفة ، وهو المراد بالحف والجز الوارد في بعض الأحاديث الصحيحة ؛ كما بينته السنة العملية . وراجع لهذا "آداب الزفاف" (ص 120) .
خامساً : قال (ص 14) : "ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة ؛ لفعل ابن عمر" . وعلق عليه ، فقال :
"الحجة في روايته لا في رأيه ؛ ولا شك أن قول الرسول وفعله أحق وأولى بالاتباع من قول غيره أو فعله ؛ كائناً ما كان" !
فأقول : نعم ؛ لكن نصب المخالفة بين النبي صلي الله عليه وسلم وابن عمر خطأ ؛ لأنه ليس هناك حديث من فعله أنه كان صلي الله عليه وسلم لا يأخذ من لحيته . وقوله :
"وفروا اللحى" ؛ يمكن أن يكون على إطلاقه ، فلا يكون فعل ابن عمر مخالفاً له ، فيعود الخلاف بين
العلماء إلى فهم النص . وابن عمر - باعتباره راوياً له - يمكن أن يقال : الراوي أدرى بمرويه من غيره ، لا سيما وقد وافقه على الأخذ منها بعض السلف كما تقدم ، دون مخالف له منهم فيما علمنا . والله أعلم .
(/1)
ثم وقفت على أثر هام يؤيد ما تقدم من الأخذ ، مروياً عن السلف ؛ فروى البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 263/ 1) : أخبرنا أبو طاهر الفقيه : حدثنا أبو عثمان البصري : حدثنا محمد بن عبدالوهاب : أنبأنا يعلى بن عبيد : حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم قال :
كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها . يعني : الليحة .
قلت : وهذا إسناد جيد ؛ من فوق البصري كلهم ثقات من رجال "التهذيب" .
وأما أبو عثمان البصري ؛ فهو عمرو بن عبدالله ؛ كما في ترجمة محمد بن عبدالوهاب - وهو الفراء النيسابوري - من "التهذيب" . وقد ذكره الحافظ الذهبي في وفيات سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة ، وسمى جده "درهماً المطوعي" ، ووصفه بأنه :
"مسند نيسابور" في كتابه "تذكرة الحفاظ" (4/ 847) .
وأما أبو طاهر الفقيه ؛ فهو من شيوخ الحاكم المشهورين الذين أكثر عنهم في "المستدرك" ، وشاركه في الرواية عنه تلميذه البيهقي ؛ واسمه : محمد بن محمد ابن محمش الزيادي ، أورده الذهبي في "التذكرة" أيضاً في وفيات سنة عشر وأربع مئة ، ووصفه بأنه :
"مسند نيسابور العلامة" . وله ترجمة في "طبقات الشافعية" للسبكي (3/ 82) .
(/2)
5454 - ( إن الأقلف لا يترك في الإسلام حتى يختن ؛ ولو بلغ ثمانين سنة ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 787 :
$موضوع$
رواه البيهقي (8/ 324) من طريقين عن أبي علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي : حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن أبيه علي رضي الله عنه قال :
وجدنا في قائم سيف رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصحيفة ... فذكره . وقال البيهقي :
"وهذا حديث ينفرد به أهل البيت عليهم السلام بهذا الإسناد" !
قلت : هذا كلام لا يروي ولا يشفي .
ونحوه قول ابن القيم في "تحفة المودود في أحكام المولود" (ص 56) - بعد أن عزاه (ص 54) للبيهقي وأقره على ما قال - :
"حديث لا يعرف ، ولم يروه أهل الحديث ، ولم يخرج إلا من هذا الوجه وحده ، تفرد به موسى بن إسماعيل عن آبائه بهذا السند ، فهو نظير أمثاله من الأحاديث التي تفرد بها غير الحفاظ المعروفين بحمل الحديث" !
قلت : وكأنه يشير إلى أن علة الحديث جهالة موسى بن إسماعيل بن موسى هذا ، وهو - وإن كان كما يشير - ؛ فإني لم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال المعتمدة عندنا .
وكذلك أبوه إسماعيل بن موسى .
وإنما أوردهما النجاشي في "رجاله" (ص 19،292) ، ولم يزد في ترجمتيهما على أن ذكر لهما بعض الكتب من رواية محمد بن محمد بن الأشعث هذا ؛ ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً ، كما هو الغالب عليه .
والحقيقة التي تجب أن تقال : إن تعصيب علة الحديث بهذين
الرجلين العلويين خطأ ؛ لأن ابن الأشعث هذا متهم ، أورده الذهبي في "الميزان" ؛ وقال :
"قال ابن عدي : كتبت عنه ، وحمله شدة تشيعه أن أخرج إلينا نسخة قريباً من ألف حديث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن آبائه بخط طري عامتها مناكير . فذكرنا ذلك للحسين بن علي بن الحسين بن عمر بن علي بن الحسين بن علي العلوي شيخ أهل البيت بمصر ؛ فقال : كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة ، ما ذكر قط أن عنده رواية لا عن أبيه ولا عن غيره . قال السهمي :
سألت الدارقطني عنه فقال : آية من آيات الله ! وضع ذلك الكتاب ، يعني : (العلويات)" .
قلت : فهذا الأفاك هو آفة الحديث .
فالعجب من البيهقي - ثم ابن قيم
الجوزية - كيف لم يبينا ذلك ؟! فلعلهما لم يستحضرا ترجمته . والله أعلم .
هذا حال
الرجل عند علمائنا .
وأما عند الشيعة ؛ فقد أورده النجاشي في "رجاله" (ص 268) ، فقال :
"ثقة ، من أصحابنا ، سكن مصر ، له كتاب "الحج" ؛ ذكر فيه ما روته العامة عن جعفر بن محمد عليه السلام في الحج" !!
كذا قال ! ولم يتعرض لذكر النسخة التي أشار إليها ابن عدي وما فيها من المناكير ، ولا لكتابه "العلويات" الذي وضعه ، كما شهد بذلك الإمام الدارقطني ! وما ذاك إلا لتعصب الشيعة لأصحابهم ، وعدم اهتمامهم بعلم أئمتنا ونقدهم إياهم ، ومع ذلك ؛ فإن بعض معاصريهم اليوم يدعون إلى التقريب بين السنة والشيعة ! وهذا في رأيي مستحيل ؛ ما لم يتفقوا معنا على القواعد العلمية الصحيحة التي لا تحابي سنياً ولا شيعياً ، وهيهات هيهات !
وللطرف الأول من الحديث شاهد من رواية أو الأسود قالت : سمعت منية بنت عبيد بن أبي برزة تحدث عن جدها أبي برزة عن النبي صلي الله عليه وسلم : في الأقلف يحج بيت الله ؟ قال :
"لا ؛ حتى يختتن" .
أخرجه البيهقي (8/ 324) . وعزاه ابن القيم لرواية ابن المنذر ، وقال :
"هذا إسناد مجهول لا يثبت" .
قلت : يشير إلى حال منية هذه ؛ بكسر النون بعدها تحتانية ؛ قال الحافظ في "التقريب" ، و "اللسان" :
"لا يعرف حالها" .
قلت : وأشار إلى ذلك الذهبي في "الميزان" ؛ بإيراده إياها في "فصل النسوة المجهولات" .
ثم أورد في "الكنى" أم الأسود هذه ، فقال :
"مولاة أبي زرعة ، عن منية بنت عبيد وأم نائلة . قال النسائي في آخر "الضعفاء" : غير ثقة" .
ثم قدر تخريجه فيما يأتي برقم (5526) .
(/1)
5455 - ( كان يحفي شاربه ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 790 :
$ضعيف جداً$
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 166) وقد ذكره من حديث أم عياش :
"رواه الطبراني ، وفيه عبدالكريم بن روح ، وهو متروك" !
قلت : والمراد بـ (الطبراني) عند الإطلاق ؛ إنما هو "المعجم الكبير" من "معاجمه" الثلاثة . على هذا جرى هو وغيره من الحفاظ ، وإليه عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" ! ولم أره في ترجمة أم عياش من المجلد الخامس والعشرين ، وقد طبع أخيراً بهمة أخينا الفاضل حمدي عبدالمجيد السلفي - جزاه الله خيراً - ، وقد أورد لها فيه (ص 91-92) خمسة أحاديث ، ليس منها حديث الترجمة ؛ فلعله أورده في غيرها لمناسبة ما !
وليس هو في "المعجم الصغير" ؛ فإنه ليس فيه أي حديث ؛ كما يستفاد من كتابي "الروض النضير" ، وقد كنت رتبت به "المعجم الصغير" على أسماء الصحابة ، ورتبت تحتها أحاديث كل منهم على الحروف .
ولا هو في "المعجم الأوسط" ، وإنما فيه من الخمسة حديثان في ترجمة محمد بن أحمد بن هشام الحربي (2/ 21) رقم (5401،5402) ، وقد كنت رقمت أحاديثه ، وفهرست أسماء رواته من الصحابة ، وذكرت أرقام أحاديث كل واحد منهم تحت اسمه ، فلم أجد في اسم أم عياش سوى الرقمين المذكورين ؛ ولكن النسخة التي فهرستها فيها - مع الأسف - خرم ، وأستبعد أن يكون الحديث فيما سقط منها ؛ لأن أحداً لم يعزه "لأوسط الطبراني" ، ولأن الحافظ ابن حجر لم يعزه في "الإصابة" إلا لابن منده . فالله أعلم .
والحديث ؛ قال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" :
"إسناده ضعيف ، وقول المؤلف : حسن ؛ غير حسن" .
وإنما أخذ تحسين السيوطي من الرمز له بالحسن في "الجامع" ! والاعتماد على رموزه فيه ؛ مما لا يحسن ؛ لأسباب كنت ذكرتها في مقدمة كتابي : "صحيح الجامع" و "ضعيف الجامع" .
ثم إن مما يحسن التنبيه عليه : أن ثاني تلك الأحاديث الخمسة قد رواه ابن ماجه أيضاً ، وفيه عبدالكريم هذا ، فنقل الشيخ حمدي السلفي عن "الزوائد" أنه قال :
"وعبدالكريم مختلف فيه" !
فهذا القول من البوصيري مؤلف "الزوائد" غير دقيق ، وذلك ؛ لأن أحداً لم يصرح بتوثيقه ، كل ما في الأمر أن ابن حبان أورده في كتاب "الثقات" ، وقال :
"يخطىء ويخالف" .
هكذا ذكروا في "تهذيب المزي" و "تهذيبه" للعسقلاني ! وهذا في نقدي من الأمور التي ينبغي أن يؤخذ على ابن حبان في كتابه هذا "الثقات" ؛ فإن من كان من شأنه أن يخطىء ويخالف ؛ كيف يكون ثقة ؟!
إن وصفه إياه بهاتين الصفتين يجعله بكتابه "الضعفاء" أليق من كتابه "الثقات" ، كما لا يخفى على أولي النهى ! ولذلك ؛ جزم الحافظ في "التقريب" بضعف عبدالكريم هذا . وقال الذهبي في "الكاشف" :
"فيه لين" .
ولذلك ؛ فإنه لم يحسن صنعاً حين نقل قول ابن حبان السابق دون أن يعزوه إلى كتابه "الثقات" ، وتبعه على ذلك الخزرجي في "الخلاصة" ؛ لأن هذا الصنيع يوهم من لا علم عنده أنه قال ذلك في كتابه "الضعفاء" ؛ لما ذكرته آنفاً . وقد أورد فيه ابن حبان جماعة من الضعفاء ؛ لقوله فيهم : "كان يخطىء" ونحوه . فانظر مثلاً ترجمة إسحاق بن إبراهيم (1/ 134) ، وأيمن بن نابل (1/ 183) ، وثابت بن زهير (1/ 206) ، والصباح بن يحيى (1/ 377) ؛ بل قال في جعفر ابن الحارث أبي الأشهب (1/ 212) :
"كان يخطىء في الشيء بعد الشيء ، ولم يكثر خطؤه حتى يصير من المجروحين في
الحقيقة ؛ ولكنه ممن لا يحتج به إذا انفرد ، وهو من الثقات يقرب" .
وذكر نحوه في آخرين ؛ فانظر (1/ 260،262،353) .
ومما لا يرتاب فيه عارف بهذا الفن : أن قوله في الراوي :
"يخطىء ويخالف" ؛ إن لم يكن أقرب إلى الجرح من قوله في أبي الأشهب هذا :
".. ولم يكثر خطؤه ..." ؛ فليس هو خيراً منه .
وبعد ؛ فإن تناقض ابن حبان في بعض الرواة معلوم عند العارفين به ، فكثيراً ما يورد الراوي الواحد في كتابيه : "الثقات" و "الضعفاء" ، فهذا الراوي قريب منه ؛ إلا أنه أورده في "الثقات" ، ووصفه فيه بصفة الضعفاء !!
وجملة القول : أن الحديث ضعيف الإسناد جداً ، ولم أجد في معناه غيره ؛ اللهم ؛ إلا ما رواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 449) من طريق حماد بن سلمة قال : أخبرنا عبيدالله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن ابن جريج : أنه قال لابن عمر :
رأيتك تحفي شاربك ؟! قال :
رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يحفي شاربه .
قلت : وهذا إسناد ظاهره
الصحة ؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ؛ غير أن حماد بن سلمة إنما أخرج له البخاري تعليقاً ، وقد تكلم فيه بعضهم ؛ قال الحافظ في "التقريب" :
"أثبت
الناس في ثابت ، وتغير حفظه بأخرة" . وقال الذهبي في "الميزان" :
"وكان ثقة ، له أوهام" . وقال في "الكاشف" :
"هو ثقة صدوق يغلط ، وليس في قوة مالك" .
قلت : وأنا أظن أن هذا الحديث من أغلاطه ؛ وذلك ؛ لأن المحفوظ عن عبيدالله ابن عمر - وهو العمري المصغر - عن سعيد عن ابن جريج قال :
(/1)
قلت لابن عمر : أربع خلال رأيتك تصنعهن ، لم أر أحداً يصنعهن ؟! قال : ما هي ؟ قال : رأيتك تلبس هذه النعال السبتية ، ورأيتك تستلم هذين الركنين اليمانيين ؛ لا تستلم غيرهما ، ورأيتك لا تهل حتى تضع رجلك في الغرز ، ورأيتك تصفر لحيتك ؟! قال :
أما لبسي هذه النعال السبتية ؛ فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يلبسها ، أو يتوضأ فيها ، ويستحبها .
وأما استلام هذين الركنين ؛ فإني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يستلمهما ، لا يستلم غيرهما .
وأما تصفيري لحيتي ؛ فإني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يصفر لحيته .
وأما إهلالي إذا استوت بي راحلتي ؛ فإني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز واستوت به راحلته أهل .
أخرجه أحمد (2/ 17-18) : حدثنا يحيى عن عبيدالله به .
قلت : ويحيى : هو ابن سعيد القطان الإمام ؛ قال الحافظ :
"ثقة متقن حافظ ، إمام قدوة" .
قلت : فهذا هو الحديث ؛ ساقه هذا الحافظ المتقن عن عبيدالله بن عمر بتمامه ؛ فأخطأ عليه حماد بن سلمة ، فلم يسقه بتمامه ، وذكر مكان الخلة : إحفاء الشارب .
وكذلك رواه الإمام مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ؛ مثل رواية يحيى عن عبيدالله .
وأخرجه الشيخان وغيرهما عن مالك به ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1554) .
وكذلك رواه الطيالسي (1928) عن العمري عن سعيد به .
ولعل أصل الحديث الذي وهم فيه حماد - على ما بينا - موقوف على ابن عمر ؛ فقد علقه البخاري (10/ 334 - فتح) بقوله :
"وكان ابن عمر يحفي شاربه ، حتى ينظر إلى بياض الجلد ؛ ويأخذ هذين ؛ يعني : بين الشارب واللحية" .
لكن في سنده ضعف ؛ فقد قال الحافظ :
"وصله أبو بكر الأثرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال : رأيت ابن عمر يحفي شاربه حتى لا يترك منه شيئاً . وأخرج الطبري من طريق عبدالله بن أبي عثمان : رأيت ابن عمر يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله" .
قلت : عمر بن أبي سلمة ضعفه جمع . وقال الحافظ :
"صدوق يخطىء" .
وعبدالله بن أبي عثمان - وهو القرشي - ؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه :
"صدوق ؛ لا بأس بحديثه" .
قلت : فإن صح السند إليه - كما هو الظاهر - ؛ فهو جيد ؛ ولكنه لا يصلح شاهداً لرواية عمر بن أبي سلمة ؛ لأن المتبادر من حديثه خلافها ؛ لأن قوله : يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله ؛ صريح - أو كالصريح - في أنه كان لا يحفيه ؛ وإلا ؛ لو أراد الإحفاء لم يكن لقوله : أعلاه وأسفله ؛ معنى كما هو ظاهر .
وقريب من حديث ابن أبي عثمان هذا : ما رواه البيهقي (1/ 151) من طريق أخرى عن ابن عمر :
أنه كان يستعرض سبلته فيجزها ، كما تجز الشاة أو يجز البعير .
ورجاله ثقات ؛ غير شيخ شيخ البيهقي أبي بكر محمد بن جعفر المزكي ؛ فلم أعرفه .
لكن الظاهر أنه لم يتفرد به ؛ فقد سكت عنه الحافظ في "الفتح" (10/ 348) ؛ وعزاه للطبري أيضاً ، وهو في طبقة المزكي هذا بل أعلى .
ويقويه ما عند البيهقي أيضاً من طريق ابن عجلان عن عبيدالله بن أبي رافع قال :
رأيت أبا سعيد الخدري ، وجابر بن عبدالله ، وابن عمر ، ورافع بن خديج ؛ وأبا أسيد الأنصاري ، وابن الأكوع ، وأبا رافع ينهكون شواربهم حتى الحلق .
وإسناده حسن ؛ إن كان شيخ ابن عجلان : عبيدالله بن أبي رافع هذا ؛ فقد قال البيهقي عقبه :
"كذا وجدته . وقال غيره : عن عثمان بن عبيدالله بن أبي رافع ، وقيل : ابن رافع" .
وكأنه يعني بـ "غيره" : إبراهيم بن سويد ؛ فقد قال : حدثني عثمان بن عبيدالله بن رافع : أنه رأى أبا سعيد الخدري ... إلخ ؛ إلا أنه لم يذكر أبا رافع معهم .
أخرجه الطبراني (1/ 212/ 668) . وقال الهيثمي (5/ 166) :
"وعثمان هذا لم أعرفه" !
كذا قال هنا ! وقال في موضعين آخرين (5/ 163،164) :
"وعثمان ؛ ذكره ابن أبي حاتم ، ولم يضعفه" !
قلت : وقال (3/ 156) :
"روى عنه ابن أبي ذئب" .
قلت : وإبراهيم بن سويد أيضاً - كما ترى في هذه الرواية - ، وهو إبراهيم بن سويد بن حبان المدني ، وهو ثقة . وهو أقوى من محمد بن عجلان ، فروايته أرجح .
وروى أيضاً إبراهيم بن طهمان : عند الطبراني (2/ 196/ 1740 و 4/ 262/ 4240) في أثر آخر .
فقد روى عن عثمان هذا ثلاثة من الثقات ، فالنفس تطمئن لروايته ، ولا سيما وقد وثقه ابن حبان (3/ 177) . فالإسناد حسن . والله أعلم .
لكن قد خالف ابن عمر ومن معه من الصحابة جمع آخر منهم :
فأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 255/ 3218) ، والبيهقي - واللفظ له - من طريق شرحبيل بن مسلم الخولاني قال :
رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يقصون (ولفظ الطبراني : يقمون) شواربهم ، ويعفون لحاهم ، ويصفرونها : أبوأمامة الباهلي ، وعبدالله بن بسر ، وعتبة ابن عبدالسلمي ، والحجاج بن عامر الثمالي ، والمقدام بن معدي كرب الكندي ؛ كانوا يقصون (ولفظ الطبراني : يقمون) شواربهم مع طرف الشفة .
قلت : وإسناده جيد ، كما قال الهيثمي (5/ 167) .
(/2)
وسكت عنه الحافظ ، ووقع فيه وهم فاحش ؛ فإنه لم يذكر فيه قوله : كانوا يقصون ... إلخ ، بل ذكره عقب رواية عبيدالله بن أبي رافع المتقدم ؛ فإنه قال عقبها :
"لفظ الطبري . وفي رواية البيهقي : يقصون ..." إلخ !
فأوهم أنها رواية في حديث عبيدالله ، وإنما هي من رواية شرحبيل ! فلعل هذا الخلط من أحد النساخ أو الطباع .
وإذا عرفت ما تقدم ؛ يتبين لك أن الإحفاء غير ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلاً ، وإنما ثبت عن بعض الصحابة ، كما ثبت عن بعضهم خلافه ، وهو إحفاء ما على طرف الشفة ، وهو الذي من فعله صلي الله عليه وسلم في شارب المغيرة كما سيأتي بعد صفحات . وهذا الإحفاء هو المراد بالأحاديث القولية الآمرة بالإحفاء وما في معناها ، وليس أخذ الشارب كله ؛ لمنافاته لقوله صلي الله عليه وسلم :
"من لم يأخذ من شاربه ...". والأحاديث يفسر بعضها بعضاً ، وهو الذي اختاره الإمام مالك ، ثم النووي وغيره ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى .
واختار الطحاوي الإحفاء ، وأجاب عن حديث المغيرة بقوله :
"فليس فيه دليل على شيء ؛ لأنه يجوز أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم فعل ذلك ولم يكن بحضرته مقراض يقدر على إحفاء الشارب" !
قلت : وهذا الجواب ظاهر التكلف ؛ فإن النبي صلي الله عليه وسلم كان في بيته ؛ لأن في الحديث - كما تقدم - أن المغيرة كان ضيفاً عليه صلي الله عليه وسلم لما قص شاربه ، فهل يعقل أن لا يكون عنده صلي الله عليه وسلم مقراض بل مقاريض ؛ إذا تذكرنا أنه كان له تسع زوجات ؟!
فلعل الطحاوي لم يستحضر ضيافة المغيرة عليه صلي الله عليه وسلم ، أو أنها لم تقع له ، وهذا هو الأقرب الذي يقتضيه حسن الظن به ؛ لأنه إنما روى الحديث مختصراً .
وكذلك ذكره الشوكاني (1/ 101) ، وقال عقبه - بعد أن حكى خلاصة كلام الطحاوي بقوله : "قال : وهذا لا يكون معه إحفاء" - :
"ويجاب عنه أنه محتمل ، ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة ، وهو إن صح كما ذكر ؛ لا يعارض تلك الأقوال منه صلي الله عليه وسلم" !
قلت : وجواب الشوكاني أبعد عن الصواب من جواب الطحاوي ؛ لأن الاحتمال المذكور باطل ؛ لا يمكن تصوره من كل من استحضر قص الشارب على السواك .
وأما ترجيح أقواله صلي الله عليه وسلم ؛ فهو صحيح لو كانت معارضة لفعله معارضة لا يمكن التوفيق ، وليس الأمر كذلك ؛ لما سبق بيانه .
واعلم أن الباعث إلى تخريج هذا الحديث : أنني رأيت الشوكاني ذكره من حديث ابن عباس نقلاً عن ابن القيم ، فارتبت في ذلك ، فرجعت إلى كتابه "زاد المعاد" ؛ فرأيته فيه بلفظ : كان يجز شاربه .
فعرفت أنه تحرف على الشوكاني أو
الناسخ أو الطابع لفظ : (يجز) إلى : (يحفي) ! ويؤكد ذلك أن ابن القيم قال عقب حديث ابن عباس هذا مباشرة :
"قال الطحاوي : وهذا (يعني : الجز) الأغلب فيه الإحفاء ، وهو يحتمل الوجهين" .
قلت : فلو كان لفظ الحديث : (يحفي) ؛ لما صح تفسيره بما ذكر ، كما هو ظاهر .
ثم اعلم أن حديث ابن عباس ورد من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً بألفاظ ؛ هذا أحدها .
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/ 333) .
والثاني : بلفظ :
كان يقص شاربه .
أخرجه الإمام أحمد (1/ 301) ، والدينوري في "المجالسة" (26/ 25-26) ، وعنه ابن عساكر في "التاريخ" (2/ 166/ 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (11725) ، وزادوا :
وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه .
والثالث : بلفظ :
كان يقص أو يأخذ من شاربه ، وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله .
أخرجه الترمذي (2761) من طريق إسرائيل عن سماك به .
واللفظان قبله أخرجهما من ذكرنا من طريق حسن بن صالح عن سماك به .
والحسن بن صالح وإسرائيل ؛ كلاهما ثقة . فالظاهر أن هذا الاختلاف في لفظه ؛ إنما هو من سماك بن حرب ؛ فإنه متكلم فيه إذا روى عن عكرمة ؛ قال الحافظ في "التقريب" :
"صدوق ، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة ، وقد تغير بأخرة ؛ فكان ربما يلقن" .
أقول هذا تحقيقاً للرواية ، وإلا ؛ فلا فرق عندي بين هذه الألفاظ الثلاثة من حيث الدراية ؛ فإن لفظ : (يجز) هو بمعنى : (يقص) ، وبمعناه اللفظ الآخر : (يأخذ من شاربه) ؛ فإن (من) تبعيضية ؛ فهو كقوله صلي الله عليه وسلم :
"من لم يأخذ من شاربه فليس منا" . أخرجه الترمذي وغيره وصححوه .
وقد جاء بيان صفة الأخذ في السنة العملية ؛ فإليها المرجع في تفسير النصوص القولية المختلف في فهمها ؛ فإن من القواعد المقررة : أن الفعل يبين القول حتى لو كان من كلام الله تعالى .
وإليك ما وقفت عليه من السنة :
أولاً : عن المغيرة بن شعبة قال :
ضفت النبي صلي الله عليه وسلم ذات ليلة .. وكان شاربي وفى ، فقصه لي على سواك .
رواه أبو داود وغيره . وإسناده صحيح ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (182) و "مختصر الشمائل" (140) .
وفي رواية للطحاوي والبيهقي :
فدعا بسواك وشفرة ، فوضع السواك تحت الشارب ، فقص عليه .
ثانيا : عن أيوب السختياني عن يوسف بن طلق بن حبيب :
(/3)
أن حجاماً أخذ من شارب النبي صلي الله عليه وسلم ، فرأى شيبة في لحيته ... الحديث .
رواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 433) .
قلت : ورجاله ثقات ؛ غير يوسف بن طلق بن حبيب ؛ فلم أعرفه ! ومن المحتمل أن يكون قوله : (يوسف بن) خطأ من
الناسخ أو الطابع ، أو محرفاً عن شيء ؛ كأن يكون (أبي يوسف طلق بن حبيب) ؛ فإن طلقاً هذا قد ذكر المزي في الرواة عنه من "تهذيبه" : أيوب السختياني . فإذا ثبت هذا الاحتمال ؛ فيكون الإسناد صحيحاً مرسلاً ؛ فهو شاهد قوي لما قبله .
ثالثاً : عن مندل عن عبدالرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا :
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأخذ الشارب من أطرافه .
أخرجه ابن سعد (1/ 449) .
لكن مندل هذا - وهو ابن علي العنزي - ضعيف لسوء حفظه .
وعبدالرحمن بن زياد لم أعرفه ، ويحتمل أن يكون عبدالرحمن بن زياد ؛ تابعي روى له الترمذي . أو عبدالرحمن بن زياد مولى بني هاشم ، وكلاهما مقبول عند الحافظ . والله أعلم .
(/4)
5456 - ( فما عدلت بينهما ؛ يعني : في القبلة ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 803 :
$موضوع$
ذكر البيهقي من حديث أبي أحمد بن عدي : حدثنا القاسم بن مهدي : حدثنا يعقوب بن كاسب : حدثنا عبدالله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس :
أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلي الله عليه وسلم ، فجاء بني له ، فقبله ، وأجلسه في حجره ، ثم جاءت بنيته ، فأجلسها إلى جنبه ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : ... فذكره .
كذا أورده ابن القيم في "تحفة المودود في أحكام المولود" (ص 76 - هندية) ، وكأنه ساقه بسنده لتبرأ ذمته منه . ولما بدأت في أواخر محرم 1404 هـ باختصار الكتاب المذكور ، كان من منهجي فيه أن أحذف منه لم يصح من الأحاديث والأحكام ، ولما وصلت إلى هذا الحديث كان لا بد من دراسة سنده ، فتبين لي أنه مما يجب حذفه ؛ لأن إسناده ضعيف جداً ؛ آفته القاسم بن مهدي شيخ ابن عدي ، وهو القاسم بن عبدالله بن مهدي الإخميمي ؛ قال فيه الدارقطني :
"متهم بوضع الحديث" .
وذكر له الذهبي حديثاً موضوعاً باطلاً ، ولما حكى عن ابن عدي أنه قال : "وهو عندي لا بأس به" تعقبه بقوله :
"قلت : قد ذكرت له حديثاً باطلاً ، فيكفيه" .
قلت : وأنا أظن أن هذا الحديث من أباطيله أيضاً .
ثم وجدت له متابعاً في "كامل ابن عدي" ، وأشار إلى تحسينه ، فنقلته إلى "الصحيحة" (3098) .
(/1)





5457 - ( إن نطفة الرجل بيضاء غليظة ، فمنها يكون العظام والعصب ، وإن نطفة المرأة صفراء رقيقة ، فمنها يكون الدم واللحم ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 804 :
$ضعيف$
أخرجه أحمد (1/ 465) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 213/ 10360) من طريقين عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه قال : قال عبدالله :
مر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فجعل
الناس يقولون : هذا رسول الله . فقال يهودي : إن كان رسول الله فسأسأله عن شيء ، فإن كان نبياً علمه . فقال : يا أبا القاسم ! أخبرني ؛ أمن نطفة الرجل يخلق الإنسان أم من نطفة المرأة ؟ فقال : ... فذكره . والسياق للطبراني ؛ وزاد أحمد :
فقام اليهودي فقال : هكذا كان يقول من قبلك .
ومن هذا الوجه : رواه البزار في "مسنده - كشف الأستار) (ق 218/ 1 - المصورة) - ولم يسق لفظه - ، وقال :
"لا نعلم رواه عن القاسم هكذا إلا عطاء ، وعنه إلا أبو كدينة" !
قلت : اسمه يحيى بن المهلب البجلي ، وهو صدوق من رجال البخاري ؛ لكنه قد توبع ؛ فإنه عند الطبراني عن حمزة الزيات - وهو من رجال مسلم - عن عطاء بن السائب .
فالعلة من عطاء ؛ فإنه كان اختلط .
وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (8/ 241) ، فقال :
"رواه أحمد ، والطبراني ، والبزار بإسنادين ، وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك ، وثقه ابن حبان ، وضعفه غيره ، وبقية رجاله ثقات ، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب ، وقد اختلط" !
قلت : في هذا التخريج تسامح كبير لا يعبر عن الواقع ! فإن رواية عامر بن مدرك - عند البزار - ليس فيها هذا التفصيل الذي في رواية عطاء ؛ فإن لفظ عامر :
"ماء
الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا ؛ غلب الشبه" .
وعامر هذا - وإن كان لين الحديث ؛ فإن - لحديثه شواهد في "صحيح مسلم" وغيره ، خرجت بعضها في "الصحيحة" (1342) ؛ بخلاف حديث عطاء ؛ فإن ما فيه من العظام والعصب ، واللحم والدم ؛ لم يرد في شيء من تلك الشواهد ، فكان منكراً ، ولذلك ؛ خرجته هنا .
ولحديث عامر شاهد من حديث ابن عباس نحوه ؛ وزاد في آخره :
"وإن اجتمعا ؛ كان منها ومنه" . قالوا : صدقت .
أخرجه البزار (2375) : حدثنا السكن بن سعيد : حدثنا أبو عامر عبدالملك ابن عمرو : حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس به . وقال :
"لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ، وقد روي عن غيره من وجوه ، وفي حديث ابن عباس زيادة" .
قلت : يشير إلى ما ذكرت من الزيادة فيما أظن . وفي ثبوتها نظر عندي ؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة المشار إليها آنفاً .
وأيضاً فـ (مسلم) الراوي عن مجاهد ؛ إن كان هو (الملائي الأعور) ؛ فهو ضعيف ، وإن كان هو (مسلماً البطين) ؛ فهو ثقة ، وقد روى كلاهما عن مجاهد ؛ كما في "تهذيب المزي" .
فمن الصعب - والحالة هذه - تحديد هذه - تحديد المراد منهما هنا ، وبخاصة أنهما لم يذكرا في شيوخ إبراهيم بن طهمان ؛ لكن الحديث بالأول منهما أشبه . والله أعلم .
والسكن بن سعيد - شيخ البزار - لم أعرفه !
(/1)
5458 - ( يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم ؛ تأجج أفواههم ناراً . فقيل : من هو ؟ قال : ألم تر أن الله يقول : (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) ... الآية ) ؟! .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 806 :
$موضوع$
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 1797) ، وعنه ابن حبان في "صحيحه" (2580 - موارد) ، والواحدي في "الوسيط" (1/ 151-152/ 1) من طريق يونس بن بكير : حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث عن أبي برزة مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد موضوع ؛ آفته نافع هذا أو زياد .
والأول : هو نفيع أبو داود الأعمى ؛ كما جزم به في "التهذيب" ، وهو متروك . وقد كذبه ابن معين ؛ كما في "التقريب" . وقال فيه ابن حبان في "الضعفاء" (3/ 55) :
"كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهماً ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار" .
فإن قيل : فكيف روى له هذا الحديث في "الصحيح" ؟!
فأقول : الظاهر - والله أعلم - أنه توهم أنه غير نفيع هذا ، ومع ذلك ؛ فإنه لم يورده في التابعين من "الثقات" ؛ بخلاف ما فعله في الراوي عنه : زياد بن المنذر ، كما يأتي .
والآخر : زياد بن المنذر - وهو أبو الجارود الثقفي - ؛ قال الحافظ :
"رافضي ، كذبه يحيى بن معين" .
قلت : وأورده ابن حبان أيضاً في "الضعفاء" ، وقال :
"كان رافضياً ، يضع الحديث في مثالب أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ، ويروي في فضائل أهل البيت أشياء ما لها أصول ، لا تحل كتابة حديثه" . قال الحافظ عقبه في "التهذيب" :
"قلت : وفي "الثقات" لابن حبان : "زياد بن المنذر . روى عن نافع بن الحارث ، وعنه يونس بن بكير" . فهو هو ، غفل عنه ابن حبان" .
قلت : وفي "الميزان" ترجمة أخرى ؛ قال عقب (ابن المنذر) المتقدم :
"زياد بن المنذر ، أبو حازم ، شيعي ، ضعفه أبو حاتم ، ولم يذكره ولده عبدالرحمن في كتابه" .
قلت : وكذلك لم يذكره الحافظ في "اللسان" ، فكأنه ذهب عليه ، أو سقط من قلم بعض النساخ . وإنما أورده رجلاً آخر من زياداته ، ونسبه (الطائي) ، ثم أفاد أنه انقلب اسمه على الراوي ، وأن الصواب : (المنذر بن زياد) ، فلعل ابن حبان توهم أيضاً أن زياداً هذا : هو أبو حازم الذي ضعفه أبو حاتم . والله أعلم .
وبالجملة ؛ فآفة الحديث هو أو شيخه نفيع . وبالأول أعله ابن عدي ؛ فقال الحافظ في "تخريج الكشاف" (4/ 39) - بعد ما عزاه لـ "صحيح ابن حبان" - :
"وفي إسناده زياد أبو المنذر ، كذبه ابن معين . وشيخه نافع بن الحارث ، ضعيف أيضاً ، وقد أورده ابن عدي في "الضعفاء" في ترجمة زياد ، وأعله به" .
والحديث ؛ عزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضاً ، وابن مردويه من الوجه المتقدم .
وزاد عليهم السيوطي في "الدر" (2/ 124) : ابن أبي شيبة في "مسنده" ، والطبراني .
وإذا علمت حال إسناد هذا الحديث ؛ فقد أساء الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على "البيضاوي" (ق 101/ 2) ؛ حيث قال :
"رواه ابن حبان وغيره" !
فسكت عنه ؛ فأوهم صحته ! ولعله قلد في ذلك الحافظ ابن كثير ، فهو أولى بالانتقاد ؛ لما عرف به أنه من الحفاظ النقاد .
ولذلك ؛ اغتر بسكوته مختصر كتابه الشيخ الصابوني (1/ 361) ؛ فإنه سكت عليه ؛ وقد عزاه لابن مردويه فقط ‍‍‍‍!! وذلك قل من جل مما يدل على مبلغ معرفة
الرجل بهذا العلم .
وكذلك أشار إلى هذا الحديث : العلامة ابن القيم في "تحفة المودود" (ص 103) ساكتاً عليه ! وكان هو الباعث على تخريجه وتحقيق الكلام على إسناده ؛ لأتمكن من الإبقاء عليه أو حذفه من "مختصره" ، الذي أنا في صدده ، فقد حذفته .
(تنبيه) : وقع الحديث في "تفسير ابن كثير" بلفظ : "القوم" ! وواضح أنه خطأ مطبعي ، ومع ذلك خفي على الشيخ الصابوني ؛ فأورده كما وجده !
(/1)
5459 - ( نظرت - يعني : ليلة أسري به - ؛ فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشارفهم ، ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار يخرج من أسافلهم . قلت : يا جبريل ! من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ؛ إنما يأكلون في بطونهم ناراً ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 809 :
$ضعيف جداً$
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (4/ 184) عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : حدثنا النبي صلي الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال : نظرت ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ أبو هارون هذا - واسمه عمارة بن جوين - متروك ، ومنهم من كذبه .
والحديث ؛ عزاه السيوطي لابن أبي حاتم أيضاً ، وإسناده من هذا الوجه الواهي ؛ كما تراه في "تفسير ابن كثير" (1/ 456) .
وهو قطعة من الحديث الطويل جداً في الإسراء والمعراج ؛ أخرجه ابن جرير أيضاً (15/ 10-12) ، والبيهقي في "الدلائل" (2/ 136-142) من طريق أبي هارون المذكور . وقد ساقه ابن كثير بطوله في "تفسيره" من طريقه ، وقال :
"وهو مضعف عند الأئمة ، على غرابة الحديث وما فيه من النكارة" .
قلت : ومما فيه قوله :
"ثم مضيت هنية ؛ فإذا أنبأنا بنساء يعلقن بثديهن ، فسمعتهن يصحن إلى الله عز وجل . قلت : يا جبريل ! من هؤلاء النساء ؟ قال : هؤلاء الزناة من أمتك ..." الحديث بطوله .
وقصة النساء هذه ؛ مما أشار إليه ابن القيم أيضاً في "التحفة" (ص 103) ؛ دون أن ينبه على ضعفها ، بل ساقه مساق المسلمات ! والله المستعان .
(/1)
5460 - ( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم ؛ فأحسنوا أسماءكم ) .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 810 :
$ضعيف$
أخرجه أبو داود (4948) ، والدارمي (2/ 294) ، وابن حبان (1944) ، والبيهقي (9/ 306) ، وأحمد (5/ 194) ، وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (ق 29/ 1) ، والبغوي في "حديث علي بن الجعد" (9/ 110/ 1) ، ومن طريقه أبو محمد البغوي في "شرح السنة" (12/ 327/ 3360) ، وابن عساكر في "التاريخ" (6/ 17/ 1 و 8/ 529/ 2) كلهم من طريق داود بن عمرو عن عبدالله بن أبي زكريا الخزاعي عن أبي الدرداء مرفوعاً به . وقال أبو داود - معللاً إياه بالانقطاع - :
"ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء" .
وتبعه جمع ، فقال البيهقي عقبه :
"هذا مرسل ؛ ابن أبي زكريا لم يسمع من أبي الدرداء" .
وكذا قال المنذري في "الترغيب" (3/ 85) . وقال الحافظ في "الفتح" (10/ 577) :
"ورجاله ثقات ؛ إلا أن في سنده انقطاعاً بين عبدالله بن أبي زكريا - راويه عن أبي الدرداء - وأبي الدرداء ؛ فإنه لم يدركه" !
وفيما ذكره من التوثيق نظر ؛ فإن داود بن عمرو فيه كلام ؛ أورده الذهبي في "الميزان" ، وقال :
"وثقه ابن معين . وقال العجلي : ليس بالقوي ، انفرد بهذا الحديث" .
قلت : والحافظ نفسه ضعفه في "التقريب" بقوله فيه :
"صدوق يخطىء" .
ومن هذا التحقيق ؛ يتبين للباحث خطأ النووي في قوله في "الأذكار" :
"روينا في "سنن أبي داود" بالإسناد الجيد عن أبي الدرداء ..." فذكره !
وكذا ابن القيم في قوله في "تحفة المودود" (ص 36) :
"رواه أبو داود بسند حسن" !
ووهم مؤلف "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب" وهماً آخر أفحش من هذا ؛ فقال (ص 61-62) :
"رواه البخاري" !
ومن الغرائب : أن المناوي بعد أن نقل في "فيض القدير" تجويد النووي لإسناده ، وتعقبه بالانقطاع الذي نقلناه آنفاً عن البيهقي وغيره ، وجزم بقوله تبعاً لهم :
"فالحديث منقطع" !
عاد في كتابه الآخر "التيسير" - وهو مختصر الأول كما نص عليه في مقدمته - فقال :
"وإسناده جيد ؛ كما في "تهذيب الأسماء" وغيره" !
فما أسرع ما نسي !
(/1)