مختلف, تحية طيبة, وبعد:

1. مختلف, أنت قلت لي: (ولكن ما هو الشيء الذي أعجز البشر في رسائل اﻷنبياء؟؟ دون الخوض طبعا بصحة الحوادث التي لم نرها!), ثمَّ تقول لي: (ولكنها تحتاج الدليل انها حدثت). ألم تقل أنَّك تريد شيئا أعجز البشر دون الخوف في صحته؟ وعليه, كان جوابك الطبيعي: نعم, هذه الأمور إن حدثت فهي معجزة للبشر.

2. قولك: (أو سمّه ما شئت: لكنه ليس حادثاً تاريخياً). خذ حادثًا تاريخيًّا على صحة النبوة: (عام الفيل). إنَّ عام الفيل فيه ذكرى لمن كان له قلب, أو ألقى السمع وهو شهيد.

3. قولك: (والنكى انه بحسب قولك لم يؤمن به!!). آمن به, ثمَّ انقلب على عقبه, حاله حال من تكبر وتجبر: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ﴾, (المدثر: 23).

4. قولك: ("من الوضوح والقوة والجمال": أي وضوح في هذه الكلمة..(كهعيص)؟). لقد وقعت بما ترجوني ألا أفعله, وهو اقتطاع الكلام, فأنا قلت: (فإن في أسلوبه من الوضوح والقوة والجمال ما يعجز البشر عن أن يصلوا إليه), و(كهيعص) كلمة, وليس أسلوبًا, وخذ هذا الرابط لتأخذ الجواب عليها:
(ملحظ: ضع الراط متصلا؛ لتفتح الصفحة من دون فراغات).

http://www.anti-el7ad.
com/site/play-15546.html

5. مختلف, القرآن يتحداك في أن تأتي بسورة من مثل سوره, ويأذن لك في أن يظاهرك جميع الأدباء والبلغاء والشعراء والحكماء والأمراء, بل يأذن لك في طلب عون الجنِّ إن كنت تستطيع إليهم سبيلا, وبهذا يكون القرآن قد أنصفك؛ فإمَّا أن تأتي بسورة, وإمَّا أن تقرَّ بأنَّك عاجز.

6. نأتي للآيات:
- ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً﴾. يقول الخازن في (لباب التأويل في معاني التنزيل): اعلم أن الله عز وجل لما أمر آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض وجعلها مستقرا لهم, أنزل عليهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح الدين والدنيا, فكان مما أنزل عليهم اللباس الذي يحتاج إليه في الدين والدنيا.
إذن, من أوجه التأويل أنَّها نزلت نزولا حقيقيا. فتأمَّل.

- ﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾. لقد طلب كفار قريش أن ينزل الله من السماء كنزًا على نبيه, فالإنزال هنا من السماء؛ لأن هذا ما أراده الكفار.

- ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾. يقول الخازن: وقيل إن الحيوان لا يعيش إلا بالنبات, والنبات لا يقوم إلا بالماء, وهو ينزل من السماء, فكان التقدير: أنزل الماء الذي تعيش به الأنعام. وقيل إن أصول هذه الأصناف خلقت في الجنة, ثم أنزلت إلى الأرض.
فالإنزال ههنا هو إنزال حقيقي, سواء أكان للمطر على وجه أو للأصناف على وجه آخر.

- ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾.
ü لو نظرت في كتب التفاسير, لعلمت أنَّ الإنزال هنا كان من السماء, وهو من معجزات موسى عليه السلام.
ü لقد عجبت من قولك: (وهذه اﻵية أضيفها ﻷنها من نفس السورة (الحديد):...الحديد 57)!! ألهذه الدرجة سوغت لك نفسك؟!

ü إنَّ هذا التصرف منك, يجعلني لا أثق بك حقَّ الثقة, ويبدو أنَّك لن تقر بالحق إذا ثبت لك, وأرجو من الله أن يكون ما وقعت به خطأ من غير قصد مع أن قولك (نفس السورة) ينفي أنك مخطئ!!

ü إنَّ هذا التصرف منك يضطرني إلى أن أقول لك: لقد منَّ الله عليَّ بحفظ كتابه, وإنَّي أرى الآيات مصطفة في ذهني كما هي في المصحف, فقراءتي التي من الصدور لا تختلف عن قراءة السطور, وإنِّي أعلم موقع الآية أهي في جهة اليمين أم الشمال, أهي في الأعلى أم في الأسفل أم في الوسط, وإني لأعلم أول كلمة في الصفحة وآخر كلمة في الصفحة, وإني لأرجو الله أن يمنَّ عليَّ لأعلم رقم الآيات آية آية, اللهم آمين.

ü وإنَّا لنعلم أرقام السور, وعدد آياتها, وسورة الحديد رقمها: (57), وعدد آياتها: (29). ونكتتك هي: الحديد: 57. فإنَّ رقم آية البقرة هو (57), ورقم سورة الحديد: (57).

ü وإنَّي لا أذكر هذا مفاخرةً, بل تحذيرًا لك من أن تعبث بسورة أو آية أو حرف أو حركة, والموت حُقَّ علينا إن ظفر عابث بأن يعبث فيما جعله الله أمانة في أعناقنا.

ü هذه آية أنت نقلتها: ﴿مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾. الكلمات المميزة قد غيرت فيها الحركة؛ فهذه: (مِنْ) هكذا تكون: ﴿مِنَ﴾, أي تجعل السكون فتحة. وهذه: (ذَلِكُمْ) هكذا تكون: ﴿ذَلِكُمُ﴾, أي تجعل السكون ضمة.

7. والآن ننتقل للآيات الذي ذكر فيها الإنزال من السماء حقيقة:
- ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾, (البقرة: 4).
- ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾, (المائدة: 112). وقد نزلت.
- ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾, (فصلت: 30).
- ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾, (القدر: 4).

8. والآن نأتي لفهم الآية: ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾, (الحديد: 25).

- لقد جمع الله_ سبحانه _بين إنزالين في الآية نفسها متتاليين متتابعين: إنزال الكتب وإنزال الحديد: ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ...وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾.

- هذا الجمع ليس عبثًا, ولا يجوز أن يقع إن لم يكن من الجنس نفسه على سنن العرب في كلامهم؛ لذلك ترى المفسرين يرفضون تفسير من قال عن هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾, (يوسف: 24): إنَّ الهمين مختلفان, وقد جاء في أضواء البيان:" وَتَأْوِيلُ الْهَمِّ بِأَنَّهُ هَمَّ بِضَرْبِهَا، أَوْ هَمَّ بِدَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ بَعِيدٌ مِنَ الظَّاهِرِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ".

- فإن كان ذلك كذلك, فإنَّ إنزال الحديد هو نفسه إنزال الكتاب, ومقطوع أنَّ إنزال الكتاب كان من السماء بواسطة جبريل_ عليه السلام _من خارج مجموعتنا الشمسية, والعلم الحديث أثبت أنَّ الحديد من خارج المجموعة الشمسية؛ لذلك كان ذلك.

- والمتدبر لسياق الآية, يرى أنَّ الله أرسل الرسل, ثمَّ أنزل الكتاب, ثمَّ أنزل الحديد, ثمَّ ذكر نصرته ورسله بالغيب, والقرآن كتاب أحكمت آياته, ومنفي عنه العبث, فما فائدة ذكر الحديد مع الكتاب, ثمَّ نصرة الله والرسول؟

- والجواب على هذا السؤال هو: إنَّ الله أيد رسوله محمدًا بالقرآن, وجعله حجة له, وذكر أصل الحديد الذي لم يكتشف إلا في هذا العصر بعد التقدم العلمي, فكان ذكر الحديد من حيث أصله هو تأييدًا من الله لرسوله كتأييد القرآن؛ لأنَّه أنَّى لأميٍّ قبل قرون متطاولة أن يكتشف أصل الحديد إذا لم يكن ذلك من وحي الله له.

- والله لم يذكر أنَّه أنزل معدنًا إلا الحديد, وما كان هذا عبثًا, فتأمَّل.

9. قولك:"فأورد لي دليل علمي على أن الحديد لم يكن يوجد على اﻷرض".
- لقد أثبت العلم الحديث أنَّ أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة‏,‏ ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية.
- ثمَّ إنَّ قولك: (انتشر الحديد عبر الفضاء وأصبح جزءاً من اﻷرض كما غيرها من الكواكب) ليس فيه ما يعارض, فهو كما ذكرتَ: انتشر الحديد عبر الفضاء, وأصبح جزءًا من الأرض, أي: إن الأرض لم تنفصل عن الشمس وفيها حديد, بل أصبح فيها حديد وجزءًا منها.

10. قولك: (أورد لك مقوله لعليّ بن أبي طالب ابن عم رسول اﻹسلام عندما أرسل من يحاجج الخوارج حيث قال: لا تُحَاجِجُوهُم بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَمَّاْلُ أَوْجُهٍ [أي يحمل وجوهاً كثيرة ويقبل التأويل], وهذا ببساطه تسهيل لما يُسمى تدليساً بالإعجاز العلمي, لكنه تسهيل لنقضه على حدّ سواء!).
- نص المقولة هو: يا ابن عباس, جادلهم بالسنة ولا تجادلهم بالقرآن؛ فإن القران حمَّال أوجه.
- ومعنى المقولة هو: السنة تفصل مجمل القرآن, وتقيد مطلقه, وتخصص عامه. وفيها قرائن تبين المعنى المطلوب من الآية التي تحمل على أوجه.
- وآيات القرآن نوعان: محكمة ومتشابهة, والمتشابهة هي حمالة الأوجه, أمَّا المحكم؛ فإنه لا يحمل إلا وجهًا واحدًا.
- والأوجه هي التي تكون حسب اللغة العربية, والقواعد الشرعية, فليس الأمر مطلقًا لعنانه.
- وإذا كان موضع الاستدلال: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ يحتمل الأوجه؛ فإنَّ القرينة هي التي تعين مقصد الآية, وهذا الذي حصل, فتدبر.

11. الآن ننتقل لآية أخرى.