الفصل الرابع: الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتوقيف المد الراديكالي
لقد كانت الهجمات الإرهابية التي حدثت في 11 سبتمبر 2001 حافزا لإعادة تنظيم وتقييم الولايات المتحدة لبرامج الأمن القومي لديها. ففي البداية، تم تخصيص الكثير من الموارد والرعاية للأمن المادي للمواطنين الأمريكيين والمنطقة. كما أن النفقات التي تنفقها الحكومة التالية آخذة في الازدياد وقد تم عمل إعادة هيكلة تنظيمية من أجل دعم قدرة وفعالية النشاطات المخابراتية والعسكرية والنشاطات المبذولة من أجل تنفيذ القانون في الولايات المتحدة. وقد أدى هذا في النهاية إلى تأسيس وزارة الأمن القومي كما أدى إلى حدوث تغييرات رئيسية في نظام الاستخبارات.
وفي نفس الوقت، ومع الاعتراف بأن محاربة الإرهاب لم تكن فقط مسألة تقديم الإرهابيين للعدالة وإضعاف قوتهم، كان هناك مجهود مبذول لفهم ودراسة الموارد الغامضة للإرهاب. وقد وضحت وثيقة سبتمبر 2002 لاستراتيجية الأمن القومي المفهوم الدقيق للأمن والذي يؤكد على أهمية الظروف الداخلية للدول الأخرى: "سوف تشجع أمريكا التقدم الديمقراطي والانفتاح الاقتصادي لأن هذه تعد أساسيات للاستقرار المحلي والنظام الدولي". وكان يجب تدعيم هذه القضية على مدار السنوات العديدة التالية أي من صدور التقرير النهائي للجنة القومية الخاصة بدراسة الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11/9 حتى خطاب تولي الرئيس بوش لفترة رئاسة ثانية1.
لقد عمل بروز وظهور "أجندة الحرية" التي قدمها الرئيس بوش بشكل بلاغي من زيادة التوقعات بأن السياسة الماضية التي انتهجتها الولايات المتحدة في الأمن القومي للعمل على الاستقرار قد تغيرت بشكل كافي لتشكل تحديات أمام النظم الحاكمة القمعية والأوتوقراطية. ومع ذلك، فإن تشجيع الحرية والديمقراطية يمثل بالفعل في أحسن الأحوال خطوات تنموية نادرا ما تشتمل على تحديات صريحة للنظم الليبرالية. فعلى الرغم من وجود مؤشرات واعدة بالإصلاح تنعكس من خلال المزيد من حرية التعبير وتطور منظمات غير حكومية مؤيدة للديمقراطية في العالم الإسلامي إلا أن حلفاء أمريكا الرئيسيين في "الحرب على الإرهاب" مثل مصر وباكستان لم يظهروا تقدما ملموسا نحو نتائج ديمقراطية ليبرالية2.
منذ ظهورها من خلال سلسلة من الأحاديث والوثائق ذات المرجعية العالية، يمكن اعتبار "أجندة الحرية" هي "الاستراتيجية العليا" للولايات المتحدة. ومع ذلك، كان يجب عمل إعلان محدد لأهداف السياسة الخارجية المتعلقة بالموضوع، كما كان يجب تحديد الحلفاء في "حرب الأفكار" وأساليب إدراجهم في الحملة الشاملة3. وبالتالي تظل العلاقة بين بناء شبكات إسلامية معتدلة والمكونات الأمنية لـ "الحرب على الإرهاب" علاقة غير واضحة. وعلاوة على ذلك، من الممكن أن يبدوا هدف الأمن على الأمد القصير للحط من قدرة الإرهابيين والهدف الذي على الأمد الطويل الذي يسعى إلى تعزيز الديمقراطية، في وضع تصارع لا سيما فيما يتعلق بتعاون الولايات المتحدة مع الدول الصديقة، والتي تكون في نفس الوقت دول فاشيستية، بشأن قضايا الأمن.
برامج حكومة الولايات المتحدة والتحديات التي تواجهها في المستقبل
يركز هذا التقرير على بناء شبكات للمسلمين الليبراليين والمعتدلين، ولكن المشكلة الموضحة أعلاه تلقي الضوء على حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى ليس لديها بالنسبة لهذا الأمر وجهة نظر ثابتة حول من هم المعتدلون وكيف تقوم ببناء الشبكات في أحسن شكل. ولأنه لا توجد استراتيجية واضحة ومفهومة عالميا، لذا يتم السعي نحو اشتراك الولايات المتحدة في "حرب الأفكار" بشكل متكرر بأسلوب مقسم إلى أجزاء يركز على جهود الدولة المحددة وجهود المؤسسات، حيث تم ابتكار هذا الأسلوب عبر الطرق البرامجية التقليدية: إضفاء الصبغة الديمقراطية والسيطرة والمجتمع المدني والتطور الاقتصادي والتبادلات الثقافية والتعليمية وحق تفويض المرأة. والولايات المتحدة تحاول في العديد من هذه المجالات أن تحدد الأفراد والمؤسسات الموجودين حاليا والذين ينطبق عليهم صفة الاعتدال وتقوم بتقديم الدعم الفني والسياسي لهم. ومع ذلك، يعد بناء الشبكات من بين هذه المكونات المتباينة هدف واضح بشكل بسيط. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من أهدافهم الجيدة، تؤدي القليل من تلك الجهود إلى مقاييس موضوعية للنجاح تتيح إعداد ووضع ميزانية لرأس المال السياسي والبشري والمالي.
وبذلك تعرض الولايات المتحدة نفسها لثلاث مخاطر ويشكل كل منها عقبة نحو تحقيق البناء الناجح للشبكات: (1) التضليل، و(2) جهود ضائعة بسبب الازدواجية، و(3) فرص ضائعة. ففي الحالة الأولى، قد تعمل الولايات المتحدة من خلال برامج أو محادثين ينقصهم المصداقية المطلوبة لمناصرة القيم الليبرالية أو الذين قد يعارضوها بالفعل، مثال حزب العدالة والتنمية بالمغرب (PJD) أو الإخوان المسلمون الأردنيون (المعروفة أيضا باسم جبهة الحركة الإسلامية)4. وفي الحالة الثانية، قد تنفق المؤسسات المختلفة وحتى المكاتب داخل نفس المؤسسة الموارد وراء تحقيق نفس الهدف. وبدون وسائل الاتصال والتحكم والأمر الكافي داخل حكومة الولايات المتحدة، قد تتشابك وتداخل الجهود مسببة بذلك استهلاك نفقات على فرص غير ضرورية. وأخيرا، لأن عملية اختيار ودعم الشركاء تعرض كلا من الولايات المتحدة وشركائها لبعض المخاطر، قد يمنع المعدل الطبيعي لمقت المخاطر في البيروقراطيات الحكومية الدعم الفعال للمعتدلين والإصلاحيين مما يزيد من خطورة الإحساس بالعزلة الذي يشعر به المعتدلون الذين ينقصهم الدعم الذاتي. ومن أجل الأغراض التحليلية، من الممكن القول أن بناء الشبكات المعتدلة تتطور على ثلاث مستويات: (1) دعم وتعزيز الشبكات الحالية، و(2)تحديد الشبكات الممكنة وتعزيز بدايتها ونموها، و(3)تشجيع الظروف الرئيسية للتعددية والتسامح التي قد تثبت أنها مفضلة بشكل أكثر عن تنمية وتطوير هذه الشبكات. على الرغم من وجود عدد من برامج حكومة الولايات المتحدة لها آثار إيجابية في المستويين الأولين، تكمن معظم جهود الولايات المتحدة للتحديث في المستوى الثالث لأن البرامج التي تهدف إلى تحسين الظروف العامة تكون أكثر استقرارا من خلال الثقافات البيروقراطية- حيث من الممكن تطبيقها بشكل أسهل على إجراءات العمل القياسية كما أنها تواجه مستوى أقل من المخاطر.
فعلى سبيل المثال، قد أصبح استخدام الدبلوماسية العامة التقليدية في توضيح وتوصيل سياسة الولايات المتحدة هو المصدر الذي تستعين به وزارة الخارجية (وحديثا وكالة الاستخبارات الأمريكية) في تنفيذ نشاطاتها في خلال العقود العديدة الأخيرة حيث أن هذه هي الطريقة التي تطمئن لها الوكالة بشكل أكبر. بالإضافة إلى تفضيل الأفراد والمنظمات للبرامج التي تقع في المستوى الثالث، كما لوحظ مسبقا، يوجد الآن في العديد من مناطق العالم الإسلامي القليل من المؤسسات والشبكات المعتدلة القائمة بالفعل التي من الممكن أن تكون الولايات المتحدة شريكة فيها. ولسوء الحظ، عند تحديد فرص تشجيع تكوين شبكات معتدلة، يجب على الولايات المتحدة أن تصارع البيئات القمعية والمستويات العالية من المعاداة لأمريكا5.
نشر الديمقراطية
لقد ازدادت عدد الدول الديمقراطية في النظام الدولي بشكل مثير خلال القرن الماضي على الرغم من أن الشرق الأوسط
ما زال يعاني من "قلة الديمقراطية". فمن خلال مجتمع السياسة، يبدوا أن هناك إجماع على أن العمل على ضمان حدوث انتخابات حرة وعادلة هي خطوة ضرورية، لكنها غير كافية، نحو تحقيق الديمقراطية حيث أن كلا من حرية التعبير وحرية الدين وحرية التجمع وحرية المطالبة تتطلب تأسيس مؤسسات بها دعم ذاتي مؤسسة طبقا لقواعد القانون وحماية حقوق الأقليات والأجناس والشفافية في الحكومة. ومع ذلك فقد كان هناك حديثا "حركة ارتجاعية" ضد نشر وتعزيز الديمقراطية من بعض النظم الغير ليبرالية والشعوب التي تجمع، وإن يكن لأسباب مختلفة، بين خوف واستياء من التأثير الخارجي6.
تتعارض الصعوبات حتى في المناخ الجيد وجهود دعم الديمقراطية، لا سيما في الشرق الأوسط بشكل متكرر مع النظم الحاكمة التي تخشى من الديمقراطية لأن فيها تهديد لمصالحها السياسية ولأنها تعارضها من خلال القوانين التي تمنع تأسيس أحزاب سياسية معارضة أو التخويف من أي نشاط غير حكومي مؤيد للديمقراطية7. وتواجه جهود دعم وتعزيز الديمقراطية أيضا مقاومة من جماعات أخرى تشمل الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعد من أشهر هذه الجماعات. فعلى الجانب المحلي، أدت قلة الميزانية الفيدرالية والمقاومة العنيفة للجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة لتدعيم الديمقراطية في العراق وأفغانستان إلى تقليل الدعم بين الكونجرس والرأي العام الأمريكي لما يعتبره الكثير مهمة صعبة جدا ستؤدي إلى القليل من النتائج الملموسة. أضف إلى ذلك أنه بسبب أن العملية الليبرالية لنشر الديمقراطية من الممكن أن تقود إلى نتائج انتخابية غير ليبرالية، وهذا ملاحظ بشكل كبير في النصر الحديث الذي حظيت به حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الأراضي الفلسطينية، إلا أن هناك حذر متزايد بشأن الفاشستيين العلمانيين الضاغطين لفتح نظمهم السياسية عند وجود مخاطر من أن الإسلاميين المتطرفين سوف يحلوا محلهم.