1021 - " من زارني بعد موتي ، فكأنما زارني في حياتي " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/89 ) :

باطل .

رواه الدارقطني في " سننه " ( ص 279 - 280 ) عن هارون أبي قزعة عن
رجل من آل حاطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و هكذا رواه المحاملي و الساجي كما في " اللسان " .
قلت : و هذا سند ضعيف ، و له علتان :
الأولى : الرجل الذي لم يسم ، فهو مجهول .
و الثانية : ضعف هارون أبي قزعة ، ضعفه يعقوب بن شيبة ، و ذكره العقيلي
و الساجي و ابن الجارود في " الضعفاء " ، و قال البخاري : لا يتابع عليه .
ثم ساق له هذا الحديث ، لكنه لم يذكر فيه حاطبا ، فهو مرسل ، و قد أشار إلى ذلك
الأزدي بقوله :
هارون أبو قزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل .
قلت : فهذه علة ثالثة ، و هي الاختلاف و الاضطراب على هارون في إسناده <1> ،
فبعضهم يوصله ، و بعضهم يرسله ، و قد اضطرب في متنه أيضا ، و بين ذلك كله
الحافظ بن عبد الهادي في " الصارم المنكي " ( ص 100 ) ; فليرجع إليه من شاء
التفصيل ، و بالجملة فالحديث واهي الإسناد ، و قد روي بإسناد آخر مثله في الضعف
أو أشد من حديث ابن عمر ، و سبق الكلام عليه مفصلا برقم ( 47 ) ، و اختلف
حافظان جليلان في أيهما أجود إسنادا ، على عجرهما و بجرهما ! فقال شيخ الإسلام
: أجودهما حديث ابن عمر ، و قال الذهبي : أجودهما حديث حاطب هذا ، و عزاه لابن
عساكر كما في " المقاصد " ( 413 ) ، و إذا قابلت إسناد أحدهما بالآخر ، و تأملت
ما فيهما من العلل ، تبين لك أن الصواب قول الذهبي ، لأن هذا الحديث ليس فيه
متهم بالكذب بخلاف حديث ابن عمر ; فإن فيه من اتهم بالكذب و وضع الحديث ، كما
بينته هناك ، و إذا عرفت هذا ، فقول السخاوي في " المقاصد " بعد حديث ابن عمر
المشار إليه ، و نقله عن ابن خزيمة و البيهقي أنهما ضعفاه :
و كذا قال الذهبي : طرقه كلها لينة ، لكن يتقوى بعضها ببعض ، لأن ما في رواتها
متهم بالكذب .
قلت : فهذا التعليل باطل ، لما ذكرنا من وجود المتهم في طريق ابن عمر ، و عليه
فالتقوية المشار إليها باطلة أيضا ، فتنبه .
و أما متن الحديث فهو كذب ظاهر ، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
تعالى ، و نقلنا كلامه في ذلك عند حديث ابن عمر المشار إليه ، فلا نعيده .
و مما سبق تعلم أن ما جاء في بعض كتب التربية الدينية التي تدرس في سورية تحت
عنوان : زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم :
أن هذا الحديث رواه الدارقطني و ابن السكن و الطبراني و غيرهم بروايات مختلفة
تبلغ درجة القبول ، لم يصدر عن بحث علمي في إسناده ، و لا نظر دقيق في متنه ،
الذي جعل من زار قبره صلى الله عليه وسلم ، بمنزلة من زاره في حياته ، و نال
شرف صحبته ، التي من فضائلها ما تحدث عنه صلى الله عليه وسلم بقوله :
" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده ، لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما
بلغ مد أحدهم و لا نصيفه " ! .
فمن كان بينه و بين هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هذا البون الشاسع في الفضل
و التفاوت ، كيف يعقل أن يجعله صلى الله عليه وسلم مثل واحد منهم ، بمجرد زيارة
قبره صلى الله عليه وسلم ، و هي لا تعدو أن تكون من المستحبات ؟ !
*--------------------------------------------------------------------------*
[1] كما اضطرب الرواة في إسناد هذا الحديث على ما عرفت ، اضطربوا أيضا في ضبط
اسم راويه هارون أبي قزعة ، فقيل فيه هكذا ، و قيل : هارون بن قزعة ، و قيل :
هارون بن أبي قزعة ، كما في التعليق المغني ، قول : و لعل الصواب الوجه الأول ،
فقد قال ابن عدي في " الكامل " ( 7/2588 ) :
و هارون أبو قزعة لم ينسب . اهـ .
(3/20)
________________________________________

1022 - " يا عمر ! ههنا تسكب العبرات " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/91 ) :

ضعيف جدا .

أخرجه ابن ماجه ( 2/221 ـ 222 ) و الحاكم ( 1/454 ) عن محمد بن عون عن نافع عن
ابن عمر قال :
" استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ،
ثم التفت ، فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي ، فقال : فذكره ، و قال الحاكم :
صحيح الإسناد ، و وافقه الذهبي .
قلت : و ذلك من أوهامهما ، فإن محمد بن عون هذا و هو الخراساني متفق على تضعيفه
، بل هو ضعيف جدا ، و قد أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " و قال :
قال النسائي : متروك ، و في " الميزان " و زاد :
و قال البخاري : منكر الحديث ، و قال ابن معين : ليس بشيء .
ثم ساق له الذهبي هذا الحديث مشيرا إلى أنه مما أنكر عليه ، و الظاهر أنه
الحديث الذي عناه أبو حاتم بقوله :
ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، روى عن نافع حديثا ليس له أصل .
ذكره ابن أبي حاتم ( 4/1/47 ) ، و ساق له في " التهذيب " هذا الحديث ثم قال :
و كأنه الحديث الذي أشار إليه أبو حاتم .
و قال الحافظ في " التقريب " : متروك .
(3/21)
________________________________________

1023 - " البحر هو جهنم " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/92 ) :

ضعيف .

أخرجه أحمد ( 4/223 ) و البخاري في " التاريخ الكبير " ( 1/1/71 و 4/2/414 )
و الحاكم ( 4/596 ) و البيهقي ( 4/334 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2/1
) من طريق أبي عاصم قال : حدثنا عبد الله بن أمية قال : حدثني محمد بن حيي قال
: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه مرفوعا به . و زادوا :
" فقالوا ليعلى ؟ فقال : ألا ترون أن الله عز وجل يقول : *( نارا أحاط بهم
سرادقها )* ، قال : لا والذي نفس يعلى بيده لا أدخلها ( و في رواية : لا أدخله
) أبد حتى أعرض على الله عز وجل ، و لا يصيبني منها ( و في الأخرى : منه ) قطرة
حتى ألقى الله عز وجل " . و قال الحاكم :
" صحيح الإسناد ، و معناه أن البحر صعب كأنه جهنم " . و وافقه الذهبي .
و ليس كذلك ، فإن محمد بن حيي هذا أورده البخاري و ابن أبي حاتم ( 3/2/239 )
برواية ابن أمية هذا فقط عنه ، و لم يذكرا فيه جرحا و لا تعديلا ، فهو مجهول
العين ، و نقل المناوي عن الذهبي أنه قال في " المهذب " :
" لا أعرفه " .
قلت : فكان حقه أن يورده في " الميزان " و لم يفعل ، و لم يستدركه عليه ابن حجر
في " اللسان " ، و إنما أورده في " التعجيل " كما أورده ابن أبي حاتم و قال :
" و ذكره ابن حبان في ( الثقات ) " .
قلت : و ابن حبان متساهل في التوثيق كما هو معروف .
(3/22)
________________________________________

1024 - " إن العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عيني الرحمن ، فإذا التفت قال له الرب :
يا ابن آدم إلى من تلتفت ؟ ! إلى من [ هو ] خير لك مني ؟ ! ابن آدم أقبل على
صلاتك فأنا خير لك ممن تلتفت إليه " .


قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/93 ) :

ضعيف جدا .

رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 24 ) و البزار في " مسنده " ( 553 - كشف
الأستار ) عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عطاء قال سمعت أبا هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره ، و السياق للعقيلي ، و لفظ البزار :
" بين يدي الرحمن " .
و روى العقيلي عن ابن معين أنه قال :
إبراهيم هذا ليس بشيء ، و عن البخاري أنه قال : سكتوا عنه ، و قال أحمد
و النسائي : متروك الحديث ، و قال ابن معين : ليس بثقة .
و من هذه الطريق رواه الواحدي في " الوسيط " ( 3/86/1 ) ، و الحديث أورده في
" المجمع " ( 2/80 ) و " الترغيب " ( 1/191 ) من رواية البزار ، و ضعفاه ،
و أورده ابن القيم في " الصواعق المرسلة " ( 2/39 ) بلفظ العقيلي ، ساكتا عليه
، و ليس بجيد ، و لذلك أوردته لأبين حقيقة حاله .
و رواه البزار ( 552 ) من حديث جابر نحوه من رواية الفضل بن عيسى الرقاشي عن
محمد بن المنكدر عن جابر ، و الفضل هذا منكر الحديث كما قال الحافظ في
" التقريب " .
(3/23)
________________________________________

1025 - " بل ائتمروا بالمعروف ، و تناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، و هوى
متبعا ، و إعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك و دع عنك العوام ، فإن من
ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين
رجلا يعملون مثل عمله " .


قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/94 ) :

ضعيف .

أخرجه أبو داود ( 2/437 ) و الترمذي ( 4/99 - تحفة ) و ابن ماجه ( 2/487 )
و ابن جرير في " تفسيره " ( 10/145 و 146 ) و الطحاوي في " المشكل " ( 2/64 -
65 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 1850 ) و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 18/7/2
) من طرق عن عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال : حدثني
أبو أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت : يا أبا ثعلبة كيف
تقول في هذه الآية : *( عليكم أنفسكم )* ؟ قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا
، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فذكره .
و قال الترمذي : حديث حسن غريب .
كذا قال ، و فيه عندي نظر ، فإن عمرو بن جارية و أبا أمية لم يوثقهما أحد من
الأئمة المتقدمين ، غير ابن حبان ، و هو متساهل في التوثيق كما هو معروف عند
أهل العلم ، و لذلك لم يوثقهما الحافظ في " التقريب " ، و إنما قال في كل منهما
: " مقبول " يعني عند المتابعة ، و إلا فلين الحديث كما نص عليه في " المقدمة "
من " التقريب " .
ثم إن عتبة بن أبي حكيم فيه خلاف من قبل حفظه ، و قال الحافظ فيه :
صدوق يخطىء كثيرا ، فلا تطمئن النفس لتحسين إسناد هذا الحديث ، لا سيما
و المعروف في تفسير الآية يخالفه في الظاهر ، و هو ما أخرجه أصحاب السنن و أحمد
و ابن حبان في " صحيحه " ( 1837 ) و غيرهم بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي
الله عنه أنه قام فحمد الله ، ثم قال : يا أيها الناس ! إنكم تقرأون هذه الآية
: *( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )* ، و إنكم
تضعونها على غير موضعها ، و إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن الناس إذا رأوا المنكر و لا يغيرونه يوشك أن يعمهم بعقابه " .
و قد خرجته في " الصحيحة " ( 1564 ) .
لكن لجملة " أيام الصبر " شواهد خرجتها في " الصحيحة " أيضا ، فانظر تحت
الحديثين ( 494 و 957 ) .
تنبيه : مع كل هذه العلل في هذا الحديث فقد صححه الشيخ الغماري في " كنزه "
و كأنه قلد في ذلك الترمذي دون أي بحث أو تحقيق ، أو أنه هواه الذي ينبئك عنه
تعليقه عليه الذي يستغله المتهاونون بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ;
و المخالف للآية السابقة ، والله المستعان .
(3/24)
________________________________________

1026 - " يا صاحب الحبل ألقه " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/95 ) :

ضعيف .

ذكره ابن حزم في " المحلى " فقال ( 7/259 ) :
روينا من طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان : " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رأى محرما محتزما بحبل فقال .. " فذكره ، و قال :
مرسل لا حجة فيه .
قلت : و هو كما قال ، و رجاله ثقات ، غير صالح بن أبي حسان فهو مختلف فيه ،
فقال البخاري : ثقة ، و قال النسائي : مجهول ، و قال أبو حاتم : ضعيف الحديث .
و في " التقريب " : صدوق من الخامسة .
قلت : و مع ضعف هذا الحديث ، فقد روي ما يخالفه ، و هو بلفظ :
رخص عليه السلام في الهميان للمحرم ، ذكره ابن حزم ( 7/259 ) فقال :
روينا من طريق عبد الرزاق عن الأسلمي عمن سمع صالحا مولى التوأمة أنه سمع ابن
عباس يقول ، فذكره مضعفا له .
قلت : و هو ظاهر الضعف ، فإن صالحا هذا ضعيف ، و الراوي عنه مجهول لم يسم .
و الأسلمي أظنه الواقدي و هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي و هو متروك .
قلت : و الصواب فيه الوقف ، فقد أخرج الدارقطني ( 261 ) و البيهقي ( 5/69 ) من
طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء و سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
" رخص للمحرم في الخاتم و الهميان " .
و شريك سيىء الحفظ ، لكنه لم يتفرد به ، فقد ذكره ابن حزم من طريق وكيع عن
سفيان عن حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس قال في الهميان للمحرم :
لا بأس به .
قلت : و هذا إسناد جيد موقوف ، و قد علقه البخاري ( 3/309 ) عن عطاء ، و وصله
الدارقطني من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن عطاء مثله .
قلت : و هذا سند صحيح ، و لهذا قال الحافظ في " الفتح " :
و هو أصح من الأول ، يعني من رواية شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن ابن عباس ، و
هو كما قال ، لما عرفت من حال شريك فمخالفته لسفيان لا تقبل ، لكن خفيت على
الحافظ طريق حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس التي ذكرنا ، فالصواب أنه صحيح عن
كل من ابن عباس ، و عطاء ، و هذا إنما تلقاه عنه ، و قد ورد نحوه عن عائشة أيضا
أنها سئلت عن الهميان للمحرم ؟ فقالت : و ما بأس ؟ ليستوثق من نفقته .
أخرجه البيهقي بسند صحيح عنها ، و رواه سعيد بن منصور بلفظ :
إنها كانت ترخص في الهميان يشده المحرم على حقويه ، و في المنطقة أيضا .
نقله ابن حزم عنه ، و سنده صحيح على شرط الشيخين .
و خلاصة القول : أن حديث ابن عباس هذا المخالف لحديث الترجمة ضعيف مرفوعا ،
صحيح موقوفا ، و فيه دليل على جواز شد الهميان و المنطقة للمحرم ، قال الحافظ :
قال ابن عبد البر : أجاز ذلك فقهاء الأمصار ، و أجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال
بعضه في بعض ، و لم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر ، و عنه جوازه .
و قد ذهب إلى جواز ذلك كله ابن حزم قال ( 7/259 ) :
لأنه لم ينه عن شيء مما ذكرنا قرآن و لا سنة ، *( و ما كان ربك نسيا )* .
(3/25)
________________________________________

1027 - " حريم البئر البدي خمسة و عشرون ذراعا ، و حريم البئر العادية خمسون ذراعا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/97 ) :

ضعيف .

أخرجه الدارقطني ( ص 518 ) من طريق الحسن بن أبي جعفر ، عن معمر عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و من طريق محمد
ابن يوسف بن موسى المقريء بسنده إلى إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري به ، و قال
: الصحيح من الحديث أنه مرسل عن ابن المسيب ، و من أسنده فقد وهم .
قلت : و في الطريق الأولى الحسن بن أبي جعفر ، و هو ضعيف كما قال الزيلعي
( 4/293 ) ، و في الطريق الأخرى محمد بن يوسف المقريء ، قال الحافظ في "
التلخيص " ( 256 ) :
و هو متهم بالوضع ، و أطلق عليه ذلك الدارقطني و غيره .
قلت : و لذلك جزم البيهقي بضعف الحديث ، فقال بعد أن علقه من هذين الطريقين
موصولا : و هو ضعيف .
و قد روي من طريق ثالثة عن الزهري به ، أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان
( 1/309 ) و الحاكم في " المستدرك " ( 4/97 ) من طريق عمر بن قيس المكي عن
الزهري .
قلت : و سكت عليه الحاكم ثم الذهبي فأساءا ، لأن عمر هذا متروك كما في "
التقريب " و قال في " التلخيص " : فيه ضعف .
قلت : و في هذا التعبير تساهل لا يخفى ، و قال الزيلعي بعد أن ذكره من طريق
الحاكم :
و سكت عنه ، قال عبد الحق في " أحكامه " : و المراسيل أشبه " .
قلت : و لا يشك في هذا من شم رائحة الحديث ، فإن الطرق كلها واهية عن الزهري به
موصولا ، مع مخالفتها لروايات الثقات الذين أرسلوه عن الزهري ، منهم إسماعيل بن
أمية عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرفوعا به .
أخرجه الحاكم و كذا أبو داود في " مراسيله " .
و أخرجه البيهقي من طريق يونس عن الزهري به إلا أنه أوقفه على ابن المسيب ، كما
في النسخة المطبوعة من " البيهقي " ، و أما الحافظ في " التلخيص " ، فقد نقل
عنه أنه رواه من هذه الطريق عن ابن المسيب مرسلا .
تنبيه : عزى الصنعاني في " سبل السلام " ( 3/78 ) هذا الحديث لأحمد عن
أبي هريرة ، و هو وهم منه ، فإن الحديث عنده ( 2/494 ) عنه بلفظ آخر و هو :
" حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل و الغنم " .
و هو بهذا اللفظ حسن عندي كما بينته في السلسلة الأخرى ( رقم : 251 ) .
(3/26)
________________________________________

1028 - " من اكتحل فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، و من لا فلا حرج ، و من استجمر فليوتر ،
من فعل فقد أحسن ، و من لا فلا حرج ، و من أكل مما تخلل فليلفظ ، و ما لاك
بلسانه فليبتلع ، من فعل فقد أحسن ، و من لا فلا حرج ، و من أتى الغائط فليستتر
، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني
آدم ، من فعل فقد أحسن ، و من لا فلا حرج " .


قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/99 ) :

ضعيف .

أخرجه أبو داود ( 1/6 ـ 7 ) و الدارمي ( 1/169 ـ 170 ) و ابن ماجه ( 1/140 ـ
141 ) و الطحاوي ( 1/72 ) و ابن حبان ( 132 ) مختصرا و البيهقي ( 1/94 و 104 )
و أحمد ( 2/371 ) من طريق الحصين الحبراني عن أبي سعيد ـ زاد بعضهم : الخير عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به ، و قال أبو داود :
أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : هو كما قال على ما هو الراجح في التحقيق كما بينته في " ضعيف سنن أبي
داود " ( رقم 9 ) ، لكن الراوي عنه الحصين الحبراني مجهول كما قال الحافظ في "
التلخيص " ( ص 37 ) و كذا في " التقريب " له ، و في " الخلاصة " للخزرجي .
و قال الذهبي : لا يعرف ، و أما توثيق ابن حبان إياه ، فمما لا يعول عليه لما
عرف من قاعدته في توثيق المجهولين ، كما فصلت القول عليه في " الرد على التعقيب
الحثيث " و لهذا لم يعرج الأئمة المذكورون على توثيقه ، و لم يعتمدوا عليه في
هذا و لا في عشرات بل مئات من مثله وثقهم هو وحده ، و حكموا عليهم بالجهالة ، و
لذلك وجدنا البيهقي أشار إلى تضعيف هذا الحديث بقوله عقبه :
و هذا إن صح ، فإنما أراد والله أعلم وترا يكون بعد ثلاث .
و إنما حمله على هذا التأويل أحاديث كثيرة تدل على وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار
، و النهي عن الاستنجاء بأقل من ذلك كحديث سلمان رضي الله عنه قال :
" ... و نهانا صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار " .
رواه مسلم و غيره .
فلو صح قوله في هذا الحديث : " و من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، و من لا
فلا حرج " ، وجب تأويله بما ذكره البيهقي ، و لكني أقول : لا حاجة بنا إلى مثل
هذا التأويل بعدما تبين لنا ضعفه و تفرد ذاك المجهول به .
و إذا عرفت هذا ، فلا تغتر بقول النووي في " المجموع " ( 2/55 ) :
هذا حديث حسن ! و لا بقول الحافظ نفسه في " الفتح " ( 1/206 ) :
إسناده حسن ، و لا بما نقله الصنعاني في " سبل السلام " عن " البدر المنير أنه
قال : حديث صحيح ، صححه جماعة ، منهم ابن حبان و الحاكم و النووي .
لا تغتر بأقوال هؤلاء الأفاضل هنا جميعا ، فإنهم ما أمعنوا النظر في سند الحديث
، بل لعل جمهورهم اغتروا بسكوت أبي داود عنه ، و إلا فقل لي بربك كيف يتفق
تحسينه مع تلك الجهالة التي صرح بها من سبق ذكره من النقاد : الذهبي
و العسقلاني و الخزرجي ؟ بل كيف يتمشى تصريح ابن حجر بذلك مع تصريحه بحسن
إسناده لولا الوهم ، أو المتابعة للغير بدون النظر في الإسناد ؟ ! و من ذلك قول
المؤلف <1> " معارف السنن شرح سنن الترمذي " ( 1/115 ) :
و هو حديث صحيح رجاله ثقات كما قال البدر العيني .
فإن هذا التصحيح ، إنما هو قائم على أن رجاله ثقات ، و قد تقدم أن أحدهم و هو
حصين الحبراني لم يوثقه غير ابن حبان ، و أنه لا يعتد بتوثيقه عند تفرده به ،
لا سيما مع عدم التفات أولئك النقاد إليه و تصريحهم بتساهل من وثقه .
فمن الغرائب و الابتعاد عن الإنصاف العلمي التشبث بهذا الحديث الضعيف المخير
بين الإيتار و عدمه لرد ما دل عليه حديث سلمان و غيره مما سبق الإشارة إليه من
عدم إجزاء أقل من ثلاثة أحجار ، مع إمكان التوفيق بينهما بحمل هذا لو صح على
إيتار بعد الثلاثة كما تقدم ، و أما قول ابن التركماني ردا لهذا الحمل : لو صح
ذلك لزم منه أن يكون الوتر بعد الثلاث مستحبا أمره عليه السلام به على مقتضى
هذا الدليل ، و عندهم لو حصل النقاء بعد الثلاث فالزيادة عليها ليست مستحبة ،
بل هي بدعة .
فجوابنا عليه : نعم هي بدعة عند حصول النقاء بالثلاثة أحجار ، فنحمل هذا الحديث
على الإيتار عند عدم حصول النقاء بذلك ، بمعنى أنه إذا حصل النقاء بالحجر
الرابع فالإيثار بعده على الخيار مع استحبابه ، بخلاف ما إذا حصل النقاء
بالحجرين فيجب الثالث لحديث سلمان و ما في معناه . وبالله التوفيق .
*--------------------------------------------------------------------------*
[1] هو الشيخ الفاضل محمد بن يوسف الحسيني البنوري ، و قد أهداه إلي بتاريخ
14/12/1383 هـ بواسطة أحد طلابنا في الجامعة الإسلامية ، جزاه الله خيرا . اهـ
.
(3/27)

________________________________________

1029 - " أما إنما لا تزيدك إلا وهنا ، انبذها عنك ، فإنك لو مت و هي عليك ما أفلحت
أبدا " .


قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/101 ) :

ضعيف .

أخرجه الإمام أحمد ( 5/445 ) : حدثنا خلف بن الوليد : حدثنا المبارك عن الحسن
قال : أخبرني عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل
حلقة أراه قال : من صفر - فقال : ويحك ما هذه ؟ قال : من الواهنة قال : فذكره .
قلت : و هذا سند ضعيف و له علتان :
الأولى : عنعنة المبارك و هو ابن فضالة فقد كان مدلسا ، وصفه بذلك جماعة من
الأئمة المتقدمين ، قال يحيى بن سعيد :
لم أقبل منه شيئا ، إلا شيئا يقول فيه : حدثنا .
و قال ابن مهدي : كنا نتبع من حديث مبارك ما قال فيه : حدثنا الحسن .
و مع ذلك فقد قال فيه الدارقطني :
لين ، كثير الخطأ ، يعتبر به ، و ذكر نحوه ابن حبان و الساجي .
الثانية : الانقطاع بين الحسن و عمران بن حصين ، فإنه لم يسمع منه كما جزم بذلك
ابن المديني و أبو حاتم و ابن معين ، قال الأولان :
لم يسمع منه ، و ليس يصح ذلك من وجه يثبت .
و قد أشار بذلك إلى مثل رواية المبارك هذه ، فإن صرح فيها كما ترى بأن الحسن
قال : أخبرني عمران بن حصين ، و في " المسند " ( 5/440 ) حديثان آخران من
هذا الوجه مع التصريح المذكور ، و قد أشار الإمام أحمد أيضا إلى تضعيف ذلك فقال
: قال بعضهم عن الحسن : حدثني عمران بن حصين إنكارا على من قال ذلك ، بل إنه
صرح بذلك في رواية أبي طالب عنه قال :
كان مبارك بن فضالة يرفع حديثا كثيرا ، و يقول في غير حديث عن الحسن : قال :
حدثنا عمران بن حصين ، و أصحاب الحسن لا يقولون ذلك ، قال في " التهذيب " :
يعني أنه يصرح بسماع الحسن منه ، و أصحاب الحسن يذكرونه عنه بالعنعنة .
قلت : قد تتبعت أصحاب الحسن و ما رووه عنه عن عمران في " مسند الإمام أحمد "
الجزء الرابع ، فوجدتهم جميعا قد ذكروا العنعنة ، و هم :
1 - أبو الأشهب ( ص 246 ) و هو جعفر بن حبان و ( 436 ) .
2 - قتادة ( 427 و 428 و 435 و 436 و 437 و 442 و 445 و 446 ) .
3 - أبو قزعة ( 429 ) .
4 - يونس ( 430 و 431 و 444 و 445 ) .
5 - منصور ( 430 ) .
6 - علي بن زيد بن جدعان ( 430 و 432 و 444 و 445 ) .
7 - حميد ( 438 و 439 و 440 و 443 و 445 ) .
8 - خالد الحذاء ( 439 ) .
9 - هشام ( 441 ) .
10 - خيثمة ( 439 و 445 ) .
11 - محمد بن الزبير ( 439 و 443 ) .
12 - سماك ( 445 و 446 ) .
كل هؤلاء - و هم ثقات جميعا باستثناء رقم ( 6 و 11 ) - رووا عن الحسن عن عمران
أحاديث بالعنعنة لم يصرحوا فيها بسماع الحسن من عمران ، بل في رواية لقتادة أن
الحسن حدثهم عن هياج بن عمران البرجمي عن عمران بن حصين بحديث : " كان يحث في
خطبته على الصدقة ، و ينهى عن المثلة " ، فأدخل بينهما هياجا ، و هو مجهول كما
قال ابن المديني و صدقه الذهبي .
نعم وقع في رواية زائدة عن هشام تصريحه بسماع الحسن من عمران ، فقال زائدة : عن
هشام قال : زعم الحسن أن عمران بن حصين حدثه قال : .. فذكر حديث تعريسه
صلى الله عليه وسلم في سفره و نومه عن صلاة الفجر .
و هذه الرواية صريحة في سماعه من عمران ، و لم أجد أحدا تعرض لذكرها في هذا
الصدد ، و لكني أعتقد أنها رواية شاذة ، فإن زائدة - و هو ابن قدامة - ، و إن
كان ثقة فقد خالفه جماعة منهم يزيد بن هارون و روح بن عبادة فروياه عن هشام عن
الحسن عن عمران به ، فعنعناه على الجادة .
أخرجه أحمد ( 4/441 ) ، و هكذا أخرجه ( 5/431 ) من طريق يونس عن الحسن عن عمران
به ، و وقع التصريح المذكور في رواية شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن
الحسن قال : كنت أمشي مع عمران بن حصين ... رواه أحمد ( 4/436 ) ، و هذه رواية
منكرة لأن شريكا سييء الحفظ معروف بذلك ، و قد خولف ، فرواه الأعمش عن خيثمة
عن الحسن عن عمران به معنعنا ، أخرجه أحمد ( 4/439 و 445 ) .
و خلاصة القول أنه لم يثبت برواية صحيحة سماع الحسن من عمران ، و قول المبارك
في هذا الحديث عن الحسن : قال : أخبرني عمران ، مما لا يثبت ذلك لما عرفت من
الضعف و التدليس الذي وصف به المبارك هذا .
و إن مما يؤكد ذلك أن وكيعا قد روى هذا الحديث عن المبارك عن الحسن عن عمران به
معنعنا مختصرا .
أخرجه ابن ماجه ( 2/361 ) .
و كذا رواه أبو الوليد الطيالسي : حدثنا مبارك به .
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1410 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "
( 18/172/391 ) ، و كذلك رواه أبو عامر صالح بن رستم عن الحسن عن عمران به .
أخرجه ابن حبان ( 1411 ) و الحاكم ( 4/216 ) و قال :
" صحيح الإسناد " ، و وافقه الذهبي !
قلت : و في ذلك ما لا يخفى من البعد عن التحقيق العلمي الذي ذكرناه آنفا ،
و أيضا فإن أبا عامر هذا كثير الخطأ كما في " التقريب " فأتى لحديثه الصحة ؟ !
و مثله قول البوصيري في " الزوائد " :
إسناده حسن لأن مبارك هذا هو ابن فضالة .
ذكره السندي ، و نحوه قول الهيثمي في " المجمع " ( 5/103 ) :
رواه أحمد و الطبراني و قال : إن مت و هي عليك وكلت إليها ، قال : و في رواية
موقوفة : " انبذها عنك ، فإنك لو مت و أنت ترى أنها تنفعك لمت على غير الفطرة "
، و فيه مبارك بن فضالة ، و هو ثقة ، و فيه ضعف ، و بقية رجاله ثقات !
قلت : لو كان ثقة اتفاقا و بدون ضعف لم يفرح بحديثه ما دام مدلسا ، و قد عنعنه
كما عرفت مما سبق ، فكن رجلا يعرف الرجال بالحق ، لا الحق بالرجال .
و من ذلك قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في " كتاب التوحيد " :
رواه أحمد بسند لا بأس به ! فقد عرفت ما فيه من البأس الذي بيناه في شرح
علتي الحديث ، و يمكن أن نستنبط من تخريج الهيثمي السابق للحديث علة ثالثة و هي
الوقف ، و هو الأشبه عندي ، و إن كان في إسنادها عند الطبراني ( رقم 414 ) محمد
بن خالد بن عبد الله : حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن ، موقوفا . فقد قال الحافظ
في ابن خالد هذا : ضعيف ، والله أعلم .
(3/28)
________________________________________

1030 - " إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن
يطيل غرته فليفعل " .


قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/104 ) :

مدرج الشطر الآخر .و إنما يصح مرفوعا شطره الأول ، و أما الشطر الآخر : " فمن استطاع .. " فهو من
قول أبي هريرة أدرجه بعض الرواة في المرفوع ، و إليك البيان :
أخرجه البخاري ( 1/190 ) و البيهقي ( 1/57 ) و أحمد ( 2/400 ) عن خالد بن يزيد
عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر أنه قال :
رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد ، و عليه سراويل من تحت قميصه ، فنزع سراويله
، ثم توضأ ، و غسل وجهه و يديه ، و رفع في عضديه الوضوء ، و رجليه ، فرفع في
ساقيه ، ثم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره و السياق
لأحمد ، و ليس عند البخاري ذكر السراويل و القميص و لا غسل الوجه
و الرجلين ، ثم أخرجه مسلم ( 1/149 ) و البيهقي أيضا من طريق عمرو بن الحارث عن
سعيد بن أبي هلال به .
أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه و يديه حتى كاد يبلغ المنكبين ، ثم غسل
رجليه حتى رفع إلى الساقين ، الحديث مثله ، و ابن أبي هلال مختلط عند الإمام
أحمد ، لكنه توبع ، فقد أخرجه مسلم و كذا أبو عوانة في " صحيحه " ( 1/243 )
و البيهقي ( 1/77 ) من طريق سليمان بن بلال : حدثني عمارة بن غزية الأنصاري عن
نعيم بن عبد الله المجمر قال :
" رأيت أبا هريرة يتوضأ ، فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع
<1> في العضد ، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله
اليمنى حتى أشرع في الساق ، ثم رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ، ثم قال : هكذا
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ، و قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء ، فمن استطاع منكم
فليطل غرته و تحجيله ، و قد تابعه ابن لهيعة عن عمارة بن غزية به نحوه ، و فيه
: و كان إذا غسل ذراعيه كاد أن يبلغ نصف العضد ، و رجليه إلى نصف الساق ، فقال
له في ذلك ، فقال : إني أريد أن أطيل غرتي ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء ، و لا يأتي أحد
من الأمم كذلك .
أخرجه الطحاوي ( 1/24 ) و رجاله ثقات ، غير أن ابن لهيعة سييء الحفظ ، و لكن لا
بأس به في المتابعات و الشواهد .
ثم أخرجه أحمد ( 2/334 و 523 ) من طريق فليح بن سليمان عن نعيم بن عبد الله به
بلفظ : أنه رقى إلى أبي هريرة على ظهر المسجد ، فوجده يتوضأ ، فرفع في عضديه ،
ثم أقبل علي فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره بلفظ :
" إن أمتي يوم القيامة هم الغر المحجلون ... " إلا أنه زاد : فقال نعيم : لا
أدري قوله : " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو من قول أبي هريرة !
قلت : و فليح بن سليمان و إن احتج به الشيخان ففيه ضعف من قبل حفظه ، فإن كان
قد حفظه ، فقد دلنا على أن هذه الجملة في آخر الحديث : " من استطاع ... " قد شك
نعيم في كونها من قوله صلى الله عليه وسلم ، و قد قال الحافظ في " الفتح "
( 1/190 ) :
و لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة و هم عشرة ، و
لا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه ، والله أعلم .
قلت : و قد فات الحافظ رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فذكره بهذه الجملة .
أخرجه أحمد ( 2/362 ) ، لكن ليث و هو ابن أبي سليم ضعيف لاختلاطه ، و قد حكم
غير واحد من الحفاظ على هذه الجملة أنها مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة ،
فقال الحافظ المنذري في " الترغيب " ( 1/92 ) :
و قد قيل : إن قوله : من استطاع إلى آخره ، إنما هو مدرج من كلام أبي هريرة
موقوف عليه ، ذكره غير واحد من الحفاظ ، والله أعلم .
قلت : و ممن ذهب إلى أنها مدرجة من العلماء المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية
و تلميذه ابن القيم ، فقال هذا في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " ( 1/316 )
: فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله
عليه وسلم ، بين ذلك غير واحد من الحفاظ ، و كان شيخنا يقول : هذه اللفظة لا
يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الغرة لا تكون في
اليد ، لا تكون إلا في الوجه ، و إطالته غير ممكنة ، إذ تدخل في الرأس فلا تسمى
تلك غرة .
قلت : و كلام الحافظ المتقدم يشعر بأنه يرى كونها مدرجة ، و ممن صرح بذلك
تلميذه إبراهيم الناجي في نقده لكتاب " الترغيب " ، المسمى بـ " العجالة
المتيسرة " ( ص 30 ) ، و هو الظاهر مما ذكره الحافظ من الطرق ، و من المعنى
الذي سبق في كلام ابن تيمية .
و من الطرق المشار إليها ما روى يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال :
دخلت على أبي هريرة و هو يتوضأ إلى منكبيه ، و إلى ركبتيه ، فقلت له : ألا
تكتفي بما فرض الله عليك من هذا ؟ قال : بلى ، و لكني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : مبلغ الحلية مبلغ الوضوء ، فأحببت أن يزيدني في حليتي .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1/40 ) و علقه أبو عوانة في " صحيحه "
( 1/243 ) ، و إسناده جيد ، و له طريق أخرى عند مسلم و غيره عن أبي حازم قال :
كنت خلف أبي هريرة و هو يتوضأ للصلاة ، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه ، فقلت له :
يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ؟ فقال : يا بني فروخ ! أنتم ههنا ؟ لو علمت أنكم
ههنا ما توضأت هذا الوضوء ، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية
من المؤمن حيث يبلغ الوضوء .
قلت : فليس هذه الطريق تلك الجملة " فمن استطاع ... " و لو كانت في حديث النبي
صلى الله عليه وسلم لأوردها أبو هريرة محتجا بها على أبي زرعة و أبي حازم
اللذين أظهرا له ارتيابهما من مد يده إلى إبطه ، و لما كان به حاجة إلى أن يلجأ
إلى الاستنباط الذي قد يخطيء و قد يصيب ، ثم هو لو كان صوابا لم يكن في الإقناع
في قوة النص كما هو ظاهر ، فإن قيل : فقد احتج أبو هريرة رضي الله عنه بالنص في
بعض الطرق المتقدمة و ذلك قوله عقب الوضوء : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتوضأ .
و الجواب : أن هذه الطريق ليس فيها ذكر الإبط ، و غاية ما فيها أنه أشرع في
العضد و الساق ، و هذا من إسباغ الوضوء المشروع ، و ليس زيادة على وضوئه
صلى الله عليه وسلم ، بخلاف الغسل إلى الإبط و المنكب ، فإن من المقطوع به أنه
زيادة على وضوئه صلى الله عليه وسلم لعدم ورود ذلك عنه في حديث مرفوع ، بل روي
من طرق عن غير واحد من الصحابة ما يشهد لما في هذه الطريق ، أحسنها إسنادا حديث
عثمان رضي الله عنه قال : هلموا أتوضأ لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فغسل وجهه و يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضد . الحديث ، رواه الدارقطني (
31 ) بسند قال الصنعاني في " السب " ( 1/60 ) : حسن ، و هو كما قال لولا عنعنة
محمد بن إسحاق ، فإنه مدلس .
على أن قوله في تلك الطريق : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ
أخشى أن تكون شاذة لأنه تفرد بها عمارة بن غزية دون من اتبعه على أصل الحديث عن
نعيم المجمر ، و دون كل من تابع نعيما عليه عن أبي هريرة ، والله أعلم .
و من التحقيق السابق يتبين للقراء أن قول الحافظ في " الفتح " ( 1/190 - 191 )
عقب إعلاله لتلك الزيادة بالإدراج ، و بعد أن ذكر رواية عمرو بن الحارث
المتقدمة و رواية عمارة بن غزية أيضا :
و اختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل ، فقيل : إلى المنكب و
الركبة ، و قد ثبت عن أبي هريرة رواية و رأيا ، و عن ابن عمر من فعله أخرجه ابن
أبي شيبة و أبو عبيد بإسناد حسن .
فأقول : قد تبين من تحقيقنا السابق أن ذلك لم يثبت عن أبي هريرة رواية ، و إنما
رأيا ، والذي ثبت عنه رواية ، فإنما هو الإشراع في العضد و الساق ، كما سبق
بيانه ، فتنبه و لا تقلد الحافظ في قوله هذا كما فعل الصنعاني ( 1/60 ) ، بعد
أن جاءك البيان .
ثم إن قوله في أثر ابن عمر المذكور : ... " بإسناد حسن فيه نظر عندي و ذلك أن
إسناده عند ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1/39 ) هكذا : حدثنا وكيع عن العمري
عن نافع عن ابن عمر أنه كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف .
قلت : فهذا إسناد ضعيف من أجل العمري و هذا هو المكبر و اسمه عبد الله بن عمر
ابن حفص بن عاصم ، قال الحافظ نفسه في " التقريب " : ضعيف ، و لذلك لم يحسنه في
" التلخيص " ، بل سكت عليه ثم قال عقبه ( ص 32 ) :
رواه أبو عبيد بإسناد أصح من هذا فقال : حدثنا عبد الله بن صالح : حدثنا الليث
عن محمد بن عجلان عن نافع ، و أعجب من هذا أن أبا هريرة يرفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم في رواية مسلم .
قلت : عبد الله بن صالح هو كاتب الليث المصري ، و هو ضعيف أيضا ، أورده الذهبي
في " الضعفاء " فقال :
قال أحمد : كان متماسكا ثم فسد ، و أما ابن معين فكان حسن الرأي فيه ، و قال
أبو حاتم : أرى أن الأحاديث التي أنكرت عليه مما افتعل خالد بن نجيح ، و كان
يصحبه ، و لم يكن أبو صالح ممن يكذب ، كان رجلا صالحا ، و قال النسائي : ليس
بثقة ، و قال الحافظ في " التقريب " :
صدوق كثير الخطأ ، ثبت في كتابه ، و كانت فيه غفلة .
قلت : فمثله لا يحتج بحديثه لاحتمال أن يكون مما أدخله عليه و افتعله خالد بن
نجيح ، و كان كذابا ، ففي ثبوت الإطالة المذكورة عن ابن عمر من فعله ، وقفة
عندي ، والله أعلم .
و ممن روى هذا الحديث بدون هذه الزيادة المدرجة عبد الله بن بسر المازني رضي
الله عنه مرفوعا بلفظ :
" أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء " .
أخرجه الترمذي ( 1/118 ) و صححه و أحمد ( 4/189 ) و لفظه أتم ، و سنده صحيح ،
و رجاله ثقات .
*--------------------------------------------------------------------------
[1] معناه أدخل الغسل فيهما . قاله النووي . اهـ .
(3/29)
***************************************

يتبع ان شاء الله ..................