السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفتح العثماني والتّعافي أيّام المراديين

وكانت تونس خلال نفس الفترة تعاني من الاستعمار الأسباني ، ثم سخّر الله لها سنة 977هـ/1569م علي باشا صاحب الجزائر فأمّنها وفرّ سلطانها أبو العباس أمامه وأقام عليها رمضان باشا واليا من قبل العثمانيين، فلم يستطع الصّمود أمام الجيش الأسباني وتراجع إلى القيروان قبل أن يخلفه حيدر باشا الذي اعتصم بالمهديّة وضرب بها النقد الذهبي المشهور بالحيدري . "واشتد الأمر على الذين بالقيروان وضاقت بهم البلاد " (ابن أبي الدينار المؤنس ، ص 199). إلا أنهم استطاعوا المقاومة وتوحيد جهد الغاضبين على حكم الأسبان من النصارى وكاتب أهلها إخوانهم بطرابلس والجزائر يطلبون الإغاثة فاستجابوا لهم. وانطلقت جموعهم من القيروان نحو تونس وناوشوا أهلها القتال، وقدّر الله أن وصل مدد الأسطول من الآستانة ودخلت الجيوش العثمانيّة تونس منصورة سنة 981هـ/1573م.

وقد حفظ الأتراك للقيروان نصرتهم للإسلام وبقيت مشيخة أهلها في ذرية محمّد الغرياني وأعفي سكانها من الضرائب الفلاحيّة.

ولمّا استتب الأمن وقامت الدولة المراديّة ، صرف لها مراد الأول بعض اهتمامها وجدّد سقوف جامعها الأعظم ، ونحا نحو حمودة باشا ( 1041-1076هـ/1631-1666م) في البّر بالمدينة فأعاد بناء مقام الصحابي أبي زمعة البلوي وجعل لأهل القيروان صدقة سنيّة وتصدى لبني سعيد الذين كانوا يتطاولون علي أهل القيروان ويهلكون زرعهم فشرّدهم واستأصل شرّهم و عيّن علي الحناشي واليا على المدينة فصلح أمرها .

وخلال الفتنة بين محمّد وعلي ابني مراد باي امتحنت المدينة مدّة عشر سنوات (1087-1097هـ/1676-1686م) كانت خلالها محل كرّ و فرّ بين الجيوش المتقابلة وقد مالت القيروان لمحمد الذي اتّخذها عاصمة له واهتم بعمارتها فجدّد بناء المقام الصحابي وبئر روطة وبني الجامع والمدرسة الحنفيّة وهيّأ أسواقها وتعهد دورها وأصلح الطرق المؤدّية إليها.

ولم يدم هذا الرخاء إلا يسيرا حيث قاست المدينة الويلات خلال حكم مراد الثالث(1110هـ/1699م) الذي نقم على أهلها وقتل فقيهها وشريفها أبي عبد الله محمّد العواني وأكل من لحمه . فلما خرج بمحله الشتاء خافه أهل القيروان فأغلقوا أبوابها دونه ونابذوه، فحاصرهم وقاتلهم ، ولمّا عجزوا عن دفاعه، خرجوا إليه يطلبون الأمان ، فأمّنهم على أنفسهم وأغرمهم أموالا كثيرة ، وقبض على إمام الجامع الأعظم بها أبي العباس أحمد ابن إبراهيم الرمّاح، وعلى الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد الغرياني وأغرمهما أموالا كثيرة . ثم أباح نهبها سنة 1112هـ/1700م لخليل باي صاحب طرابلس الذي سانده في محنته أمام جند الجزائر. وقد أدى إسراف مراد الثالث في القتل وتمثيله بأهل القيروان إلى تأليب الناس عليه فما لبث إلاّ يسيرا حتى اغتاله إبراهيم الشريف سنة 1113هـ/1701م، قبل أن يؤول الأمر إلى حسين بن علي مؤسس دولة البايات الحسينيين.



الحلقة القادمة.

الدولة الحسينية وتنامي مكانة القيروان الروحية.

تحياتي.