ونفعتني نصيحة أبي بعد عشرين سنة



يقول :

في طفولتي كنت أرى والدي يحافظ على الصلوات في المسجد ,
وظل والدي لسنوات يشجعني على الصلاة , حتى إن أكثر شئ كان يردده عندما يراني
ويسلم علىّ هو " هل صليت " , حتى لو دخل البيت ليلاً ووجدني نائماً فإنه كان يوقظني برفق
قائلاً : أصليت العشاء , وكنت - للأسف - في كل الحالات أقول له : نعم صليت , وطبعاً كنت
في كثير من الأحيان أكذب عليه , لا خوفاً من العصا لأنه كان لا يضربني , بل شفقة من أن
يحزن قلبه الطيب بسبب تخلفي عن الصلاة , كنت أشعر حين أكذب عليه أنه يدرك أنني لم أصلِّ ,
وعلى الرغم من ذلك كان يشجعني قائلا : بارك الله فيك يا بني , بل كان يخرج ما في جيبه من
منتجات مزرعتنا المتنوعة ويعطيه لي مكافأة على صلاتي , والعجيب أنه لم يقل لي يوما " يا كذاب " ,
لقد كانت مفاجأته لي على كذبي أشد من السياط على جسدي , كم كانت مفاجأته تؤلمني كل ليلة ...



مرت الأيام والشهور وأنا على حالي من الكذب وأبي على حاله من الصبر والتغافل ,
وفجأة توفي أبي رحل عن الدنيا وعمري اثنا عشر عاماً , رحل وتركني وأنا لا أصلي إلا قليلا ,
ومرت السنون وأنا في غفلة من أمري , وسافرت إلى اليمن - وعمري 36 سنة - لأعمل مدرساً ,
وهناك حدث لي ما لم يكن متوقعاً , فذات يوم دخلت أحد المساجد أريد صديقاً لي , فقال لي :
تعالَ فاقرأ معنا القرآن , فأخذت من يده المصحف محرجا , وجاء على الدور في القراءة ,
وكانت أول أية قرأتها هي قوله تعالى :

" فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " ,



فاهتز قلبي , واقشعر بدني , وسال دمعي , أخذت أردد الآية وأبكي , وكأن هذه الآية
قد نزلت من أجلي , لقد تذكرت ما كان يفعله معي والدي منذ أكثر من عشرين سنة ,
وخفت أن أكن ممن خلف السوء الذي جاء بعد أبيه وضيع الصلاة , وساعتها قررت ألا
أضيع صلاة لأكون خير خلف لخير سلف , ومن يومها لي عشرين عاما أحرص ألا
تفوتني تكبيرة الإحرام في جميع الصلوات في المسجد ,

وأسأل الله تعالى أن يسامحني على ما مضى ,

رحمك الله يا أبي ,

كم أشتاق لهداياك البسيطة التي كنت تحضرها لي ,

فأنا اليوم - بصدق – أصلي



منقول