الثانية : هجرة الرسول.

1- الرسول يخرُج من مكة :

علِم قُريش بما كان من تحالُف بين محمد صلى الله عليْه وسلّم وأهل المدينة , فاجتمع رؤسائهم واتفقوا على قتله قبل أن يُهاجِر إلى المدينة ... فاجتمعوا حول باب الدار، ورسول الله داخله، ولكِنه خرج على القوم وهو يقرأ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس: 9]. فألقى الله النوم عليهم حتى لم يره أحد، ولم يزل عليه الصلاة والسلام سائراً حتى تقابل مع الصديق، وسارا حتى بلغا غار ثور فاختفيا فيه.

ثم كان من أمرهم ما كان مع سُراقة و الذي كشف مخبأهم وتبِعهم فلما غلب على عقله ما حل به و بخيله .. اسلم وأيقن أنه رسول رب العالمين , أسلم برسولية مُحمد النبي الهارب من صلصلة السيوف , والذي لا يمتلِك من متاع الدنيا شيئاً , أما سُراقة بسيفه وخيله و أموال قُريش كلها التي فاقت الوصف والتي حانت لتكون تحت أقدامه إن فتِك بمحمد ...!!!... هجر كل ذلِك و آمن بمحمد.

فكان مكافاة الله له ... بأن وعده الرسول صلى الله عليْه وسلّم و تنبأ له الرسول بمُلك كِسْرى ... كِسْرى ملِك الفُرس؟!! ..نعم .. من عرف من هم الفُرس وعاشر أهل ذلِك الزمان , لأيقن أنها أقرب للأساطير منها للنبوءات.

ومن يقدِر على الفٌُرس؟!! ...
ولكِن تحققت النبوءة وجلس سُراقة على عرش كِسْرى الفُرس ...!!


هجر أموال قُريش كلها وهجر الدنيا لأجل الله و رسول الله , فجائته الدنيا زاحِفة.

ولم يُهدده أحد بسيف ليترُك اموال وكنوز قُريش..يا سمير!!


2- الرسول يدخل يثرِب:
وأول من بصُر بمجسئه كان رجل من اليهود , فقال اليهودي بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جَدُّكُم -أي: حظكم- الذي تنتظرون، فثاروا إلى السلاح فتلقوا رسول الله بظهر الحرة.


3- عرب أهل المدينة كُلُها يلتفون حول رسول الله:
تحوَّل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة والأنصار محيطون به متقلدي سيوفهم، وهنا حدّث ولا حَرَج عن سرور أهل المدينة، فكان يومُ تحوله إليهم يومًا سعيدًا لم يُروا فرحين بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البَدرُ علينا ... من ثَنِيَّاتِ الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
أيُّها المبعوثُ فينا ... جئت بالأمرِ المُطاع





4- المؤاخاة بين الأوس و الخزرج ..و انتهاء حرب دامت قرونا:
ثم آخى الرسول بين الأنصار من الأوس و الخزرج .. وانتهت الفتنة و الدماء التي كانت بينهم قروناً من الزمان ... على يد رسول الله ... ووحّدهم الإسلام وعبادة الله الواحِد.


لا يُمكِن أن يكون هذا رسول حرب وقتل يا سمير ,
ولكِن رسول سلام وإسلام





5- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

لما تحول مع رسول الله أغلب المهاجرين بعد أن أذِن لهم بالهِجرة , وبعد أن نجى منهم من القتل من نجا , ونجا منهم من عذاب قريش بعد هجرة الرسول من نجا , جائوا إلى المدينة , فتنافس فيهم الأنصار، فحكَّموا القرعة بينهم، فما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقُرعة.

ومن يتأمل إلى هذه المحبة التي يستحيل أن تكون بتأثير بشر، بل بفضل من الله ورحمته، يفهم كيف انتصر هؤلاء الأقوام على معانديهم من المشركين وأهل الكتاب مع قلة العَدد والعُدد.

وكان الأنصار يؤثرون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ، في سورة الحشر: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذا أعلى درجات الأخوة .. وكان عليه الصلاة والسلام يقول لكل اثنين: "تآخيا في الله أخَوين أخوين" .


الآن ياسمير وقد أسلم كل هؤلاء وانتشر الإسلام في شمال وغرب الحِجاز كما رأيت أعلاه ... دون حرب .. بقي أن نعرِف ماذا حدث مع اليهود و مشركي مكة ...!!


تلك الحُقبة المظلومة والتي لم يجِد أعداء الإسلام شيئاً فيها إلا شوّهوه ..وأخرجوه عن حقيقته ومعناه .!!



6- السنة الأولى من الهجرة:

وكما ابتلى الله المُسلِمين في مكة بكفار قُريش , فقد ابتلاهم في المدينة باليهود ..و المُنافقين بقيادة عبدالله ابن أبي سلول .. ومع ذلشك وبرغم معرِفة رسول الله للمنافقين فرداً فرداً , فلم يقتُل منهم أحدا , وبرغم إزدياد كراهة اليهود للمُسلمين , وحِقدِهم عليهم خاصة بعد أن صدمهم كبير قبيلة بني قينُقاع اليهودية بإسلامه , فأسلم و شهِد بنبوة رسول الله ...وكان رسول الله يُنذِرهم من عذاب الله يوم القيامة , ولم يُقاتِلهم على مُعاداتهم له ولدعوته ... وكان الرسول أقوى عُدة وعتاداً ... فقد صار الآن في حمى الله ثم حِمى أكبر قبيلتين عربيتين في المدينة وهما الاوس و الخزرج , و التين كانا يغلِبان حتى على اليهود...


لو كان رسول الله يبحث عن مُلك دُنيوي , خاصة وقد دانت له المدينة كلها و آمنوا به
لكان طاح في اليهود قتلاً وسفكاً , و أكره اليهود و المنافقين على الدين وهو في إوج قُوّته

ولكِن هذا لم يحدُث قط يا سمير..!!

بل هادنهم و اعطاهُم الأمان ...!!



إذاً لم يكُن هناك حرب بين الرسول وأحد من العرب غير قُريش ..

ولم يكُن قد بدأ المُسلِمون بهذ الحرب كما علِمت و لكِن قُريش هم من بدأوا ..!!

ولم يُجبِر الرسول أحد من العرب على الإسلام بالسيف ... يا سمير..!

وبِرغم أن حرب قريش مشروعة ... فهم من قتّّلوا المسلمين وعذبوهم وبقروا بطونهم ورملوا نسائهم , وسلبوهم أموالهم ونهبوها , و طردوهم من ديارهم لا لشيء إلا أن قالوا ربُّنا الله ... بل لم يكفِهم ذلِك , بل تبِعوهم إلى الحبشة ليفتِكوا بِهِم ويقتُلوهُم .. و ظل المسلِمون صابِرين على أذى قريش إلى أن أتى أمر الله لهم بأن يُدافِعوا عن أنفسِهم ضِد من قاتلهم وشرّدهُم .. فنزلت آية العدالة الجهادية الأولى , ف {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39


هاهي أول آية تسمح لهم بالجهاد دفاعا عن أنفسهم و عن أموالهم و هذا حق مشروع لا اعتراض عليه عند كل الأمم... فأصل القتال في الإسلام هو الدفاع عن النفس أي أن نقاتل من يُقاتلنا و لا نعتدي على حرمة أحد ..


وهكذا ظلت المناوشات بين قريش و المسلمين , في هذا العام فيأسِر قريش من المسلمين من يأسِرون و يسلِبونه ماله و عتاده , ومن أسلم في قريش وأراد الخروج من مكة إلى رسول الله , فإنه يُجبر على ترك كل ماله وعتاده .. وظل المُسلِمون برغم الأمر الإلهي باستِرداد كرامتهم و الدفاع عن أنفسِهِم , فإنهم ظلوا لا يفعلون أكثر من إرسال سرايا تُرهِب سرايا قُريش القادِمة من الشام .. وظلت هكذا المناوشات بينهم...


ولم يكُن قِتال بعد ...!!
برغم إذن الله للمسلمين ان يُدافعوا على أنفسِهم
ولكِنهم لم يبدئوا أي قتال
بل هم من بدأوا ....!!!!
_______________________________


يتبع.