قال الله تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم )
و التوبة نوعان : توفيقه للتوبة أولاً ، ثم قبوله لها إذا اجتمعت شروطها .

( فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون )
هنا يتضح الفرق بين الحزن و الخوف ، فإذا كان المكروه قد مضى أحدث الحزن ، و إن كان منتظراً أحدث الخوف ، و على ذلك يكون المهتدون في أمن من ذلك كله .

( و آمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم )
يقيم الله - عز و جل - بهذه الآية الحجة العقلية على اليهود ، لأن أوصاف النبي - صلى الله عليه و سلم - مذكورة عندهم بالتفصيل و يعرفون بميعاد و مكان بعثته ، فمعنى كفرهم به أنهم يكفرون بما أنزل عليهم و هو التوارة .

( و استعينوا بالصبر و الصلاة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين )
لم يقل الله - عز و جل - الصبر على كذا لإرادته العموم ، فالمؤمن يحتاج للصبر على طاعة الله حتى يؤديها ، و عن معصية الله حتى يتركها ، و على أقدار الله المؤلمة فلا يسخط عليها .
ثم خص الخاشعين بالذكر لأن هذه الأمور تكون كبيرة أي شاقة إلا على الخاشعين ، لأن الخشوع و خشية الله و رجاء ما عنده هي التي توجب فعل الطاعات بصدر رحب رغبة في الثواب و خوفاً من العقاب .
&&&&
( ثم قست قوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )
و خصها الله - عز و جل - بالذكر لأن أقوى المعادن كالحديد و الرصاص تذوب بالنار ، أما الأحجار فلا .

( و إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله و بالوالدين إحساناً و ذي القربى و اليتامى و المساكين . و قولوا للناس حسناً )
خص الوالدين بالإحسان و نهى عن الإساءة إليهما حيث أن الأمر بالشئ نهي عن ضده ، ثم أمر بالإحسان إلى المستحقين للإحسان كذي القربى و اليتامي و المساكين ، ثم أمر الله - عو و جل - بالإحسان إلى الناس جميعاً فقال ( و قولوا للناس حسناً ) ... و ذلك من حكمة الله - تبارك و تعالى - لأن الإنسان مهما ملك فهو لا يسع الناس بماله ، لذلك أمرنا بما نقدر به على الإحسان للناس جميعاً و هو الإحسان بالقول .
&&&&
( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ )
كلمة ( كلما ) تفيد التكرار ، و وصفهم الله – عز و جل – بأنهم لا يؤمنون لأن عدم إيمانهم هو الذي حملهم على نقض العهود ...
فلو صدق إيمانهم لوفوا عهودهم ، فينطبق عليهم قول الله – تبارك و تعالى :
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .

( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ )
المراد بتلك الأسئلة أسئلة التعنت و الاعتراض كقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ، و لما كانت هذه النوعية من الأسئلة مذمومة قد تصل بصاحبها إلى الكفر ، ( و من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ) .

( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
خصَّهما الله بالذكر لأنهما مطالع الأنوار و مغاربها و لأنهما محل الآيات العظيمة ، فإذا كان مالكاً لها كان مالكاً لكل الجهات ، و بذلك عبر الله – عز و جل – عن المعنى بأقل و أدق الألفاظ و هذا قمة البلاغة .

(وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ )
كلمة ( قانتون ) تحمل معاني عظيمة رغم كونها كلمة واحدة ، فالقنوت لله نوعان :
* قنوت عام و هو خضوع الخلائق كلها من إنسان و حيوان و نبات و جماد لإرادة الله ، فلا يملك أحد من نفسه شيئاً .
* قنوت خاص و هو قنوت العبادة من المؤمنين ، كقوله تعالى ( و قوموا لله قانتين ) .
و بذلك بين الله عظمته و جلاله بكلمة واحدة فقط عبرت عن ربوبيته لكل الخلق و إلهيته للمؤمنين .
فالله – عز و جل – رب كل الخلق بما فيهم الكفرة ، و ربهم أي مربيهم أي المتولي لأمورهم فيخلقهم و يرزقهم و يكرمهم ، كما أنه إله للمؤمنين فقط لأنهم وحدهم من ارتضوا به إلهاً فالتزموا بأوامره و اجتنبوا نواهيه .