الحمد لله عدد ورق الأشجار أما بعد :

في البداية أنوّه إلى شيئ مهم حول قول أخي عبد الحق :

وقولك اهل السنة والجماعة فالكل عليها ولا يحتكرها

أقول أن هذه حال كل الطوائف هداهم الله ، فالكل يزعم بانه أهل سنة وجماعة ، وخفي على هؤلاء أن العبرة ليست بالكلام والرغبة في الاتباع والإيمان والاعتراف بمصادر التشريع في الإسلام فقط وإنما الأمر يتجاوز ذلك إلى حسن فهم النص والعلم بمعناه الصحيح، ذلك الفهم الذي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله وعليه وسلم وسلف هذه الأمة .

فإن فهم النصوص فهمًا صحيحًا يؤدي إلى ضبط التصور، وبالتالي صحة العمل، وإن عدم الفهم الصحيح يؤدي إلى أخطاء وضلالات، قَلَّت أو كثرت، فكلٌ بحسبه .. فما البدع الكبرى والصغرى التي ظهرت على مدى تاريخ الإسلام إلا بسبب الفهم الخاطئ للنصوص .


يقول الشاطبي في «الاعتصام» عند الكلام عن استدلال أهل البدع « كان الواجب على المبتدع أن يأخذ الاستدلال مأخذ أهله العارفين بكلام العرب وكليات الشريعة ومقاصدها، كما كان السلف الأول يأخذونها»

ثم أرجع السبب في ذلك « إما لعدم الرسوخ في معرفة كلام العرب والعلم بمقاصده، وإما لعدم الرسوخ في العلم بقواعد الأصول التي من جهتها تستنبط الأحكام الشرعية، وإما لعدم الأمرين جميعًا »


فما ظهرت البدع وعمت جهالة أهلها إلا بسبب فهمهم السقيم للنصوص الشرعية التي يؤمنون بحجيّتها .

أصبح الكل يرفع شعار : "أنا من أهل السنة والجماعة" ثم يفسّر النص على هواه .. وهذه هي أصل البدعة أساساً .

وثمة فارق شاسع بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم من أهل البدع والانحرافات أحب الإشارة إليه ، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بالقرآن والسنة أولا كمصدر تشريعي ثم يؤمنون بنصوصهما كما آمن بها من سلف بفهم من سلف . فأما غيرهم فيؤمنون بأهوائهم وبمعتقداتهم أولا ثم يبحثون في القرآن وفي السنة عن أدلة تدعم تلك الأهواء والمعتقدات .. فوقعوا في المحظور .. وابتدعوا في دين الله ماليس منه .. فضلوا وأضلّوا .

وعندنا من كلام أخي عبد الحق دليل على ذلك هو أقرب مايمكننا أن نضرب به مثالا ..

يقول عبد الحق :
اماقولك لا اعترف بالعارف وفضله على العالم كفضل العالم على الجاهل فاضرب مثالا بين الايمان والايقان لغويا اقول انا مؤمن بنجاح زيد وانا متيقن بنجاحه فالفرق واضح الايقان ابلغ دلالة حسيا ومعنويا وذوقيا في مواطن اخرى وعلى ذلك واعبد ربك حتى ياتيك اليقين.وهي المعرفة.
فما قال أحد بأن "اليقين" معناه المعرفة إلا الملاحدة .

وقد نقل الطبري في تفسيره عن كثير من السلف تأويلهم لليقين في هذه الآيات بالموت.

وقال القرطبي: والمراد استمرار العبادة مدة حياته، كما قال العبد الصالح: وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. انتهى.

وفي الصحيح من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء -امرأة من الأنصار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون، وقد مات قالت أم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله أكرمه" فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، فمن؟ قال أما هو، فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، والحديث رواه البخاري وغيره.

ومعرفة الله معرفة يقينية يستوي فيها المؤمن والكافر على السواء .. : "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" .

ولو كان اليقين بمعنى المعرفة بالله كما يقول أخونا عبد الحق لكان كل العارفين بالله في نار جهنم وبئس المصير .. حاكيا عن أهل النار قولهم : "قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ*وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ*وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ*وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ"
فهاهم أهل النار قد أتاهم اليقين كما أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهل يقول عاقل بعد ذلك بأن اليقين هو المعرفة ؟

يقول الإمام بن كثير : ويستدل على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة يسقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه. ولله الحمد والمنة. انتهى

الحق أن عبد الحق قد أوقع أهل التصوف بين كماشة الشرك والإلحاد في مداخلته السابقة .. فإما أن يؤمنوا بأن اليقين هو المعرفة فهم بذلك قد اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قد عبد الله على غير معرفة ، حتى أتته المعرفة .. لقوله تعالى : "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" . وإما أن يصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في النار مع العارفين بالله لقول أهل النار "حتى أتانا اليقين" .

بل وحتى لو فسرنا قوله تعالى : "حتى يأتيك اليقين" بمعنى "لكي يأتيك اليقين" وفسرنا اليقين بأنه المعرفة .. فإن الصوفية حينها تنخلع من جذورها ،لأن الولاية حينها ستتحقق بمجرد العبادة . أليس كذلك ؟

دُرنا إذن في حلقة مفرغة حتى انتهى بنا المطاف إلى ما كنا ندعوا إليه في المداخلة الأولى حين قلت :

باب الولاية مفتوح لعامة الناس وليس للخواص كما امتلأت به كتب التصوف وليس فقط للأئمة كما امتلأت به كتب الشيعة ويؤيد ذلك حديث الرجل الذي أقسم للنبي صلى الله عليه وسلم ألا يزيد على الأركان الخمس شيئا ولا ينقص منها ((أفلح أن صدق)) وفي رواية ((دخل الجنة أن صدق)).

فالولاية إذن تُستحق بمجرد العبادة على الوجه الذي ارتضاه الله ورسوله لأهل الإسلام .. دون ابتداع أو غلو أو وساطة .

وهذا هو ما أدندن حوله منذ بدَأ الحوار .. : "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون" .

غير أن أهل التصوف غالبا ما يرون في أنفسهم الانتقاص والاحتقار وعدم استحقاق الولاية لله لذلك هم دائما يطلبونها بواسطة شخص آخر يُسمّونه باطلا بالعارف بالله يسلكون معه الطريقة التي يرى هو أنها توصلهم إلى مدارج السالكين للوصول إلى حضرة القدس والتمتع بلذة الأنس والغيب عن عالم الحس ، وكأن ماعند الله لا يُطلب إلا بواسطةٍ بين العبد وربه بعد تغييب الذهن والإدراك والحس ، حتى سمَاهم البعض بالدراويش .. وزادوا على الدين ركناً سادساً سمّوه بالإحسان .
وان كان التصوف ركن من اركان الدين وهو الاحسان



حول خطورة وأهمية الفهم الصحيح للنصوص الشرعية أنصح الضيف الكريم بالاستماع إلى هذه المحاضرة التي ألقاها فضيلة العلامة أبو إسحاق الحويني بعنوان "الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية" :
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson...1211&series_id=

النقطة الأخرى التي أحببت أن أتناولها هي حول قول عبد الحق هدانا الله وإياه :
وقولك الاولياء ليسوا افضل من الخلق اقول بعد الانبياء والصحابة مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم اشدكم بلاءا الانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل

فهذا الحديث أخرجه أحمد ، والترمذي في الزهد ، والنسائي في الكبرى ، وابن ماجه في الفتن وغيرهم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وليس فيه: ((ثم الأولياء(( .. فهو بهذا اللفظ غير معروف .. وللرواية طرق كثيرة لم يُذكر في أي منها كلمة الاولياء .. فلا أدري صراحة لماذا اختار الأخ عبد الحق هذه الرواية بالذات والتي تحوي لفظة "الأولياء" الغير معروفة .. (لعل القارئ الفطن يدري) .



وقولك ان الشاذلي وابو العباس وغيرهم تحدثوا عن كراماتهم وما شابهه هذا افتراءوبهتان عليهم

لقد اتّهمت الشيخ الجليل الولي العارف بالله الصدّيق القطب الغوث محمد بن أبي القاسم الحميري بالكذب والبهتان ..

فهذه صورة فاتحة مخطوطة كتاب "درّة الأسرار" التي تحكي عن كرامات السيد أبي الحسن الشاذلي ، والتي نقلتُ منها قصة استئذانه النبي لدخول المدينة المنورة حتى أذن رسول الله له ..


وهذه هي الصفحة التي نقلت منها هذا الدجل الذي يطلق عليه الصوفية اسم الكرامة :



ولو شئت فقم بتحميل الكتاب كاملا لتتعرف على بعض من خرافات هذا الشاذلي وشطحاته التي لا يًصدّقها إلا مختل .

هذا رابط الكتاب :
http://www.archive.org/details/DurratAlAsrar
قال صلى الله عليه وسلم من عمل بما علم اورثه الله علم ما لا يعلم

هذا حديث موضوع ، لا أصل له .



وقولك تعريف الولاية الى ثلاث الا تراه غلو ونسبت العجز لله ان يخلق امثال الاصناف التى ذكرتها بالاستثناء رسول الله

لم تفهم مقصدي يا أخي ..



أنا لم أتحدث عن حجر الولاية بين هؤلاء الثلاثة فقط حتى تتهمني بأنني نسبت العجز إلى الله .. اتمنى ان تقرأ كلامي جيدا وأن (تفهمه فهما صحيحا) في المرات القادمة ..

انا أتحدث عن جواز الشهادة لرجل معيّن بأنه ولي .. ونقلت كلام بن تيمية رحمه الله في ذلك وتحديده لثلاث حالات فقط يمكن لنا فيها الحكم على شخص معيّن بأنه ولي من اولياء الله .. ثم قلت بعدها :
ولقد نهانا الله تعالى عن أن يزكي الواحد منا نفسه مع كون الواحد منا أعلم بنفسه من غيره فقال ) فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (. فكيف نستطيع أن نحكم على غيرنا بولايته وتقواه، و بصدق ظاهره وباطنه سره وعلانيته مع الله!.


الكلام واضح طبعا .

وفي حديث ضعيف قال صلى الله عليه وسلم الشريعة افعالي والحقيقة احوالي.

تقصد "الشريعة أقوالي، والطريقة أفعالي، والحقيقة أحوالي"

هذا ليس بحديث أصلا ، لأنه موضوع ومكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فاما قولك بأن للشريعة ظاهر وباطن .. فهذا مما ورثته الصوفية عن أهل الضلال والانحراف من إخوانهم الشيعة .. وفي ذلك أحيلك على هذا الرابط ، ففهيه من الفائدة ما يغني عن كثرة الحديث وإطالة المشاركة .


ملحوظة :
أرجو منك يا عبد الحق أن تقوم بتنسيق مداخلتك جيدا والعناية بها حتى يسهل على القارئ متابعتك ، وأن تلقى آيات الله اهتماماً عندك فتكتبها بشكلها الصحيح .

أنتظر تعليقك إن أردت التعليق وإلا فأخبرني لأنتقل إلى نقطة أخرى ، ففي جعبتي الكثير .

السلام عليكم