(4)
معنى قوله تعالى : " وقَضَى " :
ومن أوهام هؤلاء القوم ما قيل على لسانهم دون دليل وبرهان عن معنى القضاء وتأويله بما يخدم نواياهم الخبيثة بغير دليل سوى إتباع الهوى .
لذلك يجب تناول المعنى لغة وإصطلاحاً للوصول والوقوف على المعنى والمراد السليم .
فمن الجانب اللغوي :
يأتي القضاء بمعاني متعددة ، فالقضاء يكون بمعنى الحكم ، وقضى أي حكم .
وقد يكون بمعنى الفراغ ، وقد يكون بمعنى الآداء والإنهاء .
وقد يكون بمعنى الصنع والتقدير .
والقضاء من الدروع المحكمة ، ويقال الصلبة .[1]
وإصطلاحاً :
يأتي المعنى في القرءان الكريم أيضاً يأتي على وجوه كثيرة ولكلٍ منهم معناه .
قال القرطبي رحمه الله :
قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم : القضاء يستعمل في اللغة على وجوه : فالقضاء بمعنى الأمر كقوله تعالى :
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ( 23 ) الإسراء
معناه أمر
والقضاء بمعنى الخلق كقوله :
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ( 12 ) فصلت
يعني خلقهن
والقضاء بمعنى الحكم كقوله تعالى :
فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ( 72 ) طه
يعني احكم ما أنت تحكم
والقضاء بمعنى الفراغ كقوله :
قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ( 41 ) يوسف
أي فرغ منه
ومنه قوله تعالى :
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ( 200 ) البقرة
وقوله تعالى :
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ ( 10 ) الجمعة
والقضاء بمعنى الإرادة كقوله تعالى :
َإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 117 ) البقرة
والقضاء بمعنى العهد كقوله تعالى :
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 44 ) القصص [2]
والمعنى ههنا في الآيات هو قضاء الأمر من الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي عليه المفسرين .
قال الرازي رحمه الله :
القضاء معناه الحكم الجزم البت الذي لا يقبل النسخ .
والدليل عليه أن الواحد منا إذا أمر غيره بشيء فإنه لا يقال: إنه قضى عليه، أما إذا أمره أمرا جزما وحكم عليه بذلك الحكم على سبيل البت والقطع، فههنا يقال: قضى عليه ولفظ القضاء في أصل اللغة يرجع إلى إتمام الشيء وانقطاعه .[3]
وقال بن عطية رحمه الله :
" قضى " في هذه الآية هي بمعنى أمر والزم وأوجب عليكم وهكذا قال الناس وأقول إن المعنى " وقضى ربك " أمره " ألا تعبدوا إلا إياه " وليس في هذه الألفاظ الأمر بالاقتصار على عبادة الله فذلك هو المقضي لا نفس العبادة وقضى في كلام العرب أتم المقضي محكما والمقضي هنا هو الأمر .[4]
وهذا كما قلنا ما عليه المفسرين ، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة [5]
ولا مجال بعد ذلك لتأويل جاهل للقضاء بعد أن قُدم الدليل والبرهان
والحمد لله رب العالمين
_____________________________________________
[1] الصحاح 6 / 2494 .
[2] الجامع لأحكام القرءان 10 / 236 .
[3] مفاتيح الغيب 10 / 147 .
[4] المحرر الوجيز 4 / 447 .
[5] النكت والعيون 3 / 237 .
المفضلات