تــلــك الــحـــدّوتــة الــرائــعــة

إحترم قسطنطين في البداية نظام الحكم الرباعي الذي ضمن الإستقرار للأمبراطورية على مدى جيل كامل و لكن غاليريوس نفسه مات سنة 311 , و رأى قسطنطين أن الفرصة قد سنحت له .
في ربيع سنة 312 تحرك قسطنطين في أول حروبه الأهلية ضد صهره ماكسينتيوس المنكوب لكي يضمن السيطرة على إيطاليا و أفريقيا , و أباد أثناء هذا التحرك جيشا رومانيا بالكامل تقريبا بالقرب من مدينة تورين , و جيشا آخر في ضواحي رواما .

تكرر هراء إلى درجة الغثيان حول تلك الحرب , وهو تلك الحدّوتة عن " الكتابة فوق الشمس " التي بلـّغت قسطنطين بقدره القدسي . تقول الحدّوتة في أسوأ أشكالها أن جملة " بهذه العلامة سوف تقهر " و بجانبها علامة الصليب كانت مرئية للجيش بكامله . ربما كانت الكلمات لاتينية ‘In Hoc Signo Victor Seris’ في تشكيلة غيوم غامضة فريدة من نوعها في تاريخ علم الأرصاد الجوية .
و من جهة أخرى , قال أكثر من مؤلف ( مثلا , س .أنغوس , ديانات الأسرار . ص 23 Angus, The Mystery Religions, p236) إن الجملة كانت يونانية
('En Touto Nika'),مما يعني أنها كانت ستصبح غير واضحة للسواد الأعظم من كتلة الجيش . و إذن , مرة أخرى , ربما كانت باللغتين اللاتينية و اليونانية و مرئية بالكامل للجميع في جبهة سحابة ركامية !!


مع ذلك ,عند الحفر تحت هذه الحدّوتة نكتشف أن الرؤية في الواقع هي حلم حكاه قسطنطين بعد ذلك بعدة سنوات لسكرتيره لكتنتيوس ( عن موت المضطهدين الفصل 44, On the Death of the Persecutors, chapter xliv; ANF. vii, 318.)
ثم نمّقت هذه الحدّوتة و زخرفت بواسطة " وزير دعاية " الإمبراطور , الأسقف إيوسيبيوس في كتاب حياة قسطنطين ( Life of Constantine 1.xxvi-xxxi) . بل و إن ظهور " علامة الصليب " هي زيادة تمت إضافتها بعد ذلك بوقت طويل ( لأن الصليب لم يكن رمزا مسيحيا في زمن المعركة ـــ و لن يكون رمزا مسيحيا حتى القرن السادس !! ) . إن أي علامة دالة على حسن الطالع في ذاك الزمن كان يمكن ان تكون تشي ــ رهو Chi-Rho, وهي على نحو غامض تحتوي على الحرفين الأولين من كملة خريستوس Christos اليونانية التي تعني " محظوظ أو ميمون " و كذلك من كلمة كرونوس Chronosإله الزمن وفي نفس الوقت تضمين شعبي للربة ميثرا !

ربما ما هو اهم حول " أصل " هذه الأسطورة الخرافية هو ان " الحظ السحري " كان قد دخل لغة المسيحيين . لم يكن قسطنطين بحاجة إلى ان يكون مسيحيا , يكفي التضرع إلى رموزها للفوز بالرعاية الإلهية . و لكن هل تضرع قسطنطين فعلا و ابتهل للرموز المسيحية ؟؟
العملات المعدنية التي أصدرها بمناسبة إحتفاله بالنصر لا نرى فيها سوى الشمس القاهرة Sol Invictus , و قوس النصر الذي يخلد المناسبة و هو لا يزال قائما يشير فقط إلى الآلهة . و في الحقيقة لم يكن قسطنطين رجلا تقيا أورعا على وجه الخصوص . و من المشهور عنه أنه اجل تعميده إلى وقت إحتضاره على فراش الموت لخوف ان يرتكب إثما ــ و هو سبب وجيه : فمن بين قتلاه الكثر كانت زوجته الأولى فاوستا التي أمر بطبخها حية في الماء المغلي , و إبنه الأكبر كريسبوس الذي قتله خنقا .