بعد أن دفعنا الشبهة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، نأتي للشق الثاني من قوله .
ثانياً : من وطأ بغير عقد
يرى الإمام أبو حنيفة أن من وطأ ذات محرم له بغير عقد فحده حد الزاني ، وهو الرجم للمحصن والجلد والتغريب عاماً لغير المحصن .
ولم يعترض السفيه على هذا فليست بنا حاجة لتفصيل أو بيان .
__________________
ثانياً : بيان الراجح في المسألة .
القول الراجح في المسألة - والله أعلم - أن : [ من وطأ ذات محرم له فإنه يُقتل مطلقاً ، سواء كان بعقد أو بغير عقد ، محصناً كان أم غير محصن ] .
وهو قول الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه ، وقول إسحاق وأبي أيوب وابن أبي خيثمة ، وقول جماعة من السلف والخلف سيأتي ذكرهم إن شاء الله .
وأدلتهم على ما يلي :
الدليل الأول : عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أنه قال : لقيت خالي – وفي بعض الروايات : عمي – ومعه راية ، فقلت له ؟ . فقال : " بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله أو أضرب عنقه "
الثاني : عن معاوية بن قرة ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعثه إلى رجلٍ أعرس بامرأة أبيه ، فضرب عنقه ، وخَمَّسَ ماله
الثالث : عن المغيرة بن شعبةَ – رضي الله عنه – قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلاً مع امرأة أبيه لضربته بالسيف غير مصفح ؛ فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ! فو الله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرةِ الله : حرَّم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، ولا شخصَ أغير من الله ، ولا شخصَ أحبُّ إليه العذر من أجل ذلك وعد الجنة " .
الرابع : أنَّ هذا القول هو اختيار جماعةٍ من الصحابة لم يعلم لهم مخالف ؛ فهو قول :
1 – ابن عباس ، فقد جاء عنه أنه قال : اقتلوا كل من أتى ذات محرم
2 ، 3 – وعبد الله بن مطرف ، وأبو بردة ؛ فقد جاء عنهما أنهما حكما في رجل زنا بانته بقتله
وجه الاستدلال به من جهتين :
الأولى : أنَّ ابن عباس – رضي الله عنهما – وهو ترجمان القرآن لا يقول هذا الحكم العام إلا بتوقيف من النبي – صلى الله عليه وسلم – .
الثاني : أن هؤلاء الصحابة لا يعلم لهم مخالف من الصحابة .
الخامس : أنَّ هذا القول هو اختيار جماعة من التابعين والسلف من أهل العلم والتحقيق :
1 – فعن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن زنا بذات محرم : يرجم على كل حال .
2 – وعن جابر بن زيد – وهو أبو الشعثاء ؛ كما بين ذلك ابن حجر في الفتح – فيمن أتى ذات محرم منه . قال : ضربة عنقه .
3 – وقال إسحاق بن راهويه : من وقع على ذات محرم قُتِلَ .
4 – قال الإمام أحمد – كما في مسائل ابنه صالح وإسماعيل بن محمد – : يقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال . وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع ( 14 / 246 ) : وهي الصحيحة – أي عن الإمام أحمد – .
5 – وبوَّب أبو داود في سننه على حديث البراء : بابٌ في الرجل يزني بحريمه .
6 – قال الترمذي في سننه ( ح 1462 ) : والعمل على هذا عند أصحابنا ، قالوا : من أتى ذات محرم – وهو يعلم – فعليه القتل .
7 – وبوَّب النسائي في سننه الكبرى على حديث البراء : باب عقوبة من أتى بذات محرم .
8 – وسئل شيخ الإسلام – رحمه الله – كما في الفتاوى ( 34 / 177 ) عمن زنا بأخته ؟ فأجاب : وأما من زنى بأخته مع علمه بتحريم ذلك وجب قتله .
9 – وابن القيم اختار هذا القول في زاد المعاد ( 5 / 14 ) ، وروضة المحبين ( ص 374 ) .
10 – وهو ما جزم به ( ناظم المفردات ) من أنَّ حدَّه الرجم مطلقاً ؛ كما نقل ذلك المرداوي في الإنصاف ( 26 / 274 ) .
11 – وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين كما في الشرح الممتع ( 14 / 246 ) .
12 – وهو ما رجحه الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – في كتابه الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ( ص 148 ) .
السادس : أنَّ هذا القول هو محض القياس الصحيح ، حيث إنَّ :
المقيس عليه ( الأصل ) هو : نكاح امرأة الأب .
المقيس ( الفرع ) هو : إتيان ذوات المحارم .
الجامع بينهما ( العلة ) هو : أنَّ هؤلاء كلهن من ذوات المحارم .
الحكم هو : القتل لكل من أتى ذات محرمٍ منه ، محصناً كان أم غير محصن ، بعقد أو بغير عقد .
السابع : أنَّ العقوبة على قدر الجُرْم ؛ فعندما غَلُظَ الزنا في هذه المسألة لكونه في ذات محرم = زادت العقوبة عليه ، ويدل على تغليظ هذه الجريمة الشنعاء :
أ – ما ورد في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " لا يدخل الجنة من أتى ذات محرم " .
ب – أنَّ الزنا معدودٌ في الكبائر ، ومعلومٌ أن المعصية تتغلظ بالمكان والزمان ؛ فكيف إذا كانت هذه المعصية – في الأصل – من الكبائر = لا شك أنها تكون من أعظم الموبقات إذا انظم إليها كون المزني بها من ذوات المحارم ، قال الهيثمي في الزواجر عن الكبائر ( 2 / 226 ) : وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الزِّنَا لَهُ مَرَاتِبُ : فَهُوَ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَا زَوْجَ لَهَا عَظِيمٌ , وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَهَا زَوْجٌ , وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ , وَزِنَا الثَّيِّبِ أَقْبَحُ مِنْ الْبِكْرِ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ حَدَّيْهِمَا , وَزِنَا الشَّيْخِ لِكَمَالِ عَقْلِهِ أَقْبَحُ مِنْ زِنَا الشَّابِّ , وَالْحُرِّ وَالْعَالِمِ لِكَمَالِهِمَا أَقْبَحُ مِنْ الْقِنِّ وَالْجَاهِلِ .
(تنبيه) : في المرفقات بحث جيد جداً إن شاء الله في تحرير المسألة تحريراً دقيقاً جزى الله واضعه خيراً .
والحمد لله رب العالمين ...
المفضلات