وداوني بالتي هي الداء
ومن المفارقات العجيبة، أن من أوجد مصطلح "معاداة السامية" ليسو اليهود بل أنه استخدم في البداية ضدهم كوسيلة للقضاء عليه، حيث ظهر في نهاية القرن التاسع عشر في ألمانيا على أساس التمييز بين عرقين "العرق الآري" و"العرق السامي"، حيث أدى النشاط اليهودي في كل مجالات الحياة إلى إثارة كراهية الألمان لهم.

أما أول من أطلق مصطلح معاداة السامية كان الصحفي "وليم مار" عام 1879 لتمييز الحركة المضادة لليهود وتم إنشاء جمعية معاداة السامية التي تمكنت من جمع 255 ألف توقيع يطالب بطرد اليهود من ألمانيا.

وانتقلت حركة معاداة السامية من ألمانيا إلى بقية البلاد الأوروبية في روسيا وإنجلترا وإيطاليا بالإضافة إلى الولايات المتحدة. وفي مدينة درسدن الألمانية انعقد أول مؤتمر دولي لمعاداة السامية ونادى بتطبيق قيود متعصبة ضد اليهود وقد أدى نشر بروتوكولات حكماء صهيون بعد الحرب العامية الأولى إلى دعم الاتجاه المعادي للسامية.

أما في الولايات المتحدة، حليفة الصهاينة الأولى الآن، دعم هنري فورد الحركة المعادية لليهود معنوياً ومالياً.
وفي ألمانيا جعل أدولف هتلر المعاداة للسامية أحد المبادئ الأساسية لبرنامج حزبه النازي.

من النقيض إلى النقيض
ولأن دوام الحال من المحال ولأن اليهود يتميزون بدهاء خارق وقدرة على استغلال الفرص فقد حولوا مصطلح معاداة السامية من ضدهم إلى جانبهم وأصبحوا يتشدقوا به كل ساعة وأوان ويقذفونه دائما في وجه من لا يأتي على هواهم.

وبمرور السنوات أثبت اليهود أنهم بلا أصدقاء والكل أعداءهم طالما فكروا ولو للحظات ضد مصلحتهم، ولم يسلم من البركان اليهودي حتى وزير الخارجية البريطانية آرثر بلفور ، حيث دخل حيز دائرة الغضب الإسرائيلي بعد عام 1905 عندما أصبح من أولوياته إقرار قانون يحد من هجرة اليهود من أوروبا الشرقية إلى انجلترا.

وهو الدافع وراء إعلان وعد "بلفور" الشهير، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، مؤكدة وقتها أن هذا الإعلان لا يندرج تحت معاداة اليهود، لكن بسبب زيادة أعداد اليهود في بريطانيا، ورغم ذلك فقد اتهم اليهود الحكومة البريطانية بمعاداة اليهود.

وعلى هذا المنوال يصنف كل من يضاد المشروع الصهيوني أنه عدو للسامية، حيث حمل هذا اللقب مبكرا الفيلسوف "أويغين دوينغ"، حينما وصف اليهودي بأنه من أحط المخلوقات في الكون وأنه غير مبدع وسارق يعتدي على منجزات الشعوب الحضارية ويتنكر لكل ما قدم له من أفضال، ولذا اقترح دوينغ عزل اليهود عن المجتمع وعدم مساواتهم بمواطني الدول التي يعيشون في كنفها، كان ذلك عام 1881 عندما أصدر كتابه "المسألة اليهودية مشكلة عرقية وأخلاقية وحضارية".

ثم تحول تعبير معاداة السامية إلى صناعة، يستخدمها اليهود للحصول على الكثير من المصالح، كما أكد الكاتب اليهودي نورمان فنكلشتاين في كتابه "صناعة الهولوكوست"، والذي أكد فيه أن اليهود يستعملون الهولوكوست لتبرير السياسة الإجرامية التي تتبناها إسرائيل في ابتزاز الأموال من أوروبا باسم عائلات الضحايا.

كثيرون هم .. أعداء السامية
ولن تستطيع إحصاء من تم اتهامه بمعاداة السامية .. فهم كُثر، وكما تبين فهناك من يرصد كل شاردة وواردة تمس اليهود والإسرائيليين، فلم تتوانى رابطة مكافحة التشهير، إحدى أنشط منظمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لحظة عن اتهام رابطة العالم الإسلامي بمعاداة السامية، كما اتهمتها بالارتباط بمنظمات خيرية مرتبطة بـ"الإرهاب" في سبتمبر 2009.

ودعت المنظمة اليهودية، التي أنشئت عام 1913 لوقف تشويه صورة الإسرائيليين والاساءة إليهم سواء عن طريق استعمال العقل والمنطق أو اللجوء للقضاء في بيانٍ لها القيادات الدينية حول العالم إلى "إدانة معاداة السامية التي تمارسها رابطة العالم الإسلامي، وعدم المشاركة في لقاءاتها وتجمعاتها الدينية".

أما الفليسوف الفرنسي الشهير روجيه جارودي فقد وجهت له محكمة فرنسية عام 1998 تهمة معاداة السامية لتشكيكه في محرقة اليهود في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، حيث شكك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين، ومن ثم أصبح المفكر الفرنسي الفذ حبيس جدران منزله وممنوع من التحدث إلى الصحافة أو نشر رصيده الفكري.

وأصدرت المحكمة حكمها استنادا لقانون جيسو الفرنسي الذي يحرم المساس أو تكذيب الاضطهاد النازي لليهود، وواجه جارودي حملة ضارية في أوروبا بعد كتابه الذي انهى أكذوبة الرقم الذي يبتزون به الإسرائيليين الضمير العالمي، ومنذ ذلك الوقت دفن الرجل حيًّا على حد تعبير صديقه الأب "ميشال ليلونج" وتخلى عنه كل المقربين منه وانعزل في شقة قاصية في ضواحي باريس وربما حتى وفاته.