دعا لي بالبقاء وكيف يهوى … أسيرٌ أن يطول به البقاء
أليس الموت أروح من حياةٍ … يطول على الشقي بها الشقاء
أأرغب أن أعيش أرى بناتي … عواري قد أضر بها الحفاء
خوادم بنت من قد كان أعلى … مراتبه - إذا أبدو - النداء
وطردُ الناس بين يدي مروري … وكفَّهُمُ إذا غُصَّ الفناء
وركضٌ عن يمين أو شمال … إذا اختل الأمام أو الوراء
ولكن الدعاء إذا دعاه … ضمير خالص نفع الدعاء
جُزيت أبا العلاء جزاء بَرٍ … نوى بِراً وصاحَبَك العلاء
سيسلي الكل عما فات علمي … بأن الكل يدركه الفناء

وقال أبوبكر محمد بن عيسى المعروف بابناللبانة، وكان شاعر المعتمد، يذكر زوال أمره وانتزاع مُلكه، وحبسه بأغمات:

انفُض يدَيك من الدنيا وساكنها … فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا
طوت مظلتها لا بل مذلتها … من لم تزل فوقه للعز رايات
وقل لعالَمها الأرضي قد كتمت … سريرةَ العالم العُلوي أغماتُ
من كان بين الندا والبأس أنصله … هندية وعطاياه هُنيدات
رماه من حيث لم تستره سابغة … دهرٌ مصيباته نَبلٌ مصيبات
لهفي على آل عباد فإنهم … أهلة ما لها في الأفق هالات
تمسكت بعرى اللذات ذاتهم … يا بئس ما جنت اللذات والذات
فجعتَ منها بإخوان ذوي ثقة … فاتوا وللدهر في الإخوان آفات
واعتضتَ في آخر الصحراء طائفة … لغاتهم في جميع الكتب ملغاة

الهنيدة: مائة من الإبل، والطائفة: يعني بربر ابن تاشفين وعسكره.‏
ووفد ابناللبانة على المعتمد وهو في السجن وفادة وفاءٍ لا استجداء، وحكى انه لما عزم على الانفصال عنه ‏بعث إليه عشرين ديناراً، وثياب، وأبياتاً يعتذر فيها، قال: فرددتها عليه لعلمي بحاله، وأنّه لم يترك عنده ‏شيئاً، وكان شاعره ابناللبانة يمدحه وهو مسجون رعاية لحقه ‏وإحسانه القديم إليه، فلما توفي أتاه، فوقف على قبره يوم عيد، والناس عند قبور أهليهم، وأنشد ‏بصوت عال:‏

ملكَ الملوك أسامعٌ فأنادي … أم قد عداك عن الجواب عوادي
لما خلت منك القصور، ولم تكن … فيها، كما قد كنت في الأعياد
فمثُلتُ في هذا الثرى لك خاضعاً … وتخذت قبرك موضع الإنشاد
قد كنت أحسب أن تبدد أدمعي… نيرانَ حزن أضرمت بفــــؤادي
عهدي بملكك وهو طلقٌ ضاحكٌ … متهللُ الصفحات للقُصَّاد ‏
والأمرُ أمرُك والزمان مبشِّرٌ… بممالكٍ قد أذعنت وبلادِ ‏

وأخذ في إتمام القصيدة، فاجتمع الناس كلهم عليه يبكون.