فصل


ولا يجب الحد إلا بشروط خمسة ‏:‏


أحدها ‏:‏ أن يكون الزاني مكلفاً ، كما ذكرنا في السرقة ، فإن كانأحد الزانيين ، غير مكلف ، أو مكرهاً ، أو جاهلاً بالتحريم ، وشريكه بخلاف ذلك ،وجب الحد على من هو أهل للحد ، دون الآخر، لأن أحدهما انفرد بما يوجب الحد ، وانفردالآخر بما يسقطه ، فثبت في كل واحد منهما حكمه ، دون صاحبه كما لو كان شريكه فذاً‏.‏ وأن كان أحدهما محصناً ، والآخر بكراً ‏.‏ فعلى المحصن حد المحصنين ، وعلىالبكر حد الأبكار كذلك ‏.‏ وإن أقر أحدهما بالزنا ، دون الآخر ، حد المقر وحده ،لما روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنهقد زنا بامرأة ، فسماها له ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألهاعن ذلك ، فأنكرت أن تكون قد زنت ، فجلده الحد ، وتركها ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ ولأنعدم الإقرار من صاحبه لا يبطل إقراره ، كما لو سكت ‏.‏


فصل


الشرط الثاني ‏:‏ أن يكون مختاراً ، فإن أكرهت المرأة ، فلا حدعليها ، سواء أكرهت بالإلجاء أو بغيره ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ عفيلأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‏.‏ وروى سعيد بإسناده عن طارق بن شهابقال ‏:‏ أتي عمر بامرأة قد زنت ، قالت ‏:‏ إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قدجثم علي ، فخلى سبيلها ولم يضربها ‏.‏ وروي ‏:‏ أنه أتي بامرأة قد استسقت راعياً ،فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ‏.‏ فقال لعلي ‏:‏ ما ترى فيها ‏؟‏ فقال ‏:‏إنها مضطرة ، فأعطاها شيئاً وتركها ‏.‏ فأما الرجل إذا أكره بالتهديد ، فقالأصحابنا ‏:‏ يجب عليه الحد ، لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث عن الشهوة ،والاختيار ، بخلاف المرأة ، ويحتمل أن لا يجب عليه حد ، لعموم الخبر ، ولأن الحديدرأ بالشبهات ، وهذا من أعظمها ‏.‏ فأما إن استدخلت امرأة ذكره وهو نائم ، فلا حدعليه ، لأنه غير مكلف ، ولم يفعل الزنا ‏.‏


فصل


و الثالث ‏:‏ أن يكون عالماً بالتحريم ، ولا حد على من جهل التحريم، لما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما ، أنهما قالا ‏:‏ لا حد إلا على من علمه ‏.‏وروى سعيد بن المسيب قال‏:‏ ذكر الزنا بالشام ، فقال رجل ‏:‏ زنيت البارحة ، قالوا‏:‏ ما تقول ‏؟‏ قال ‏:‏ ما علمت أن الله حرمه ، فكتب بها إلى عمر رضي الله عنه،فكتب ‏:‏ إن كان يعلم أن الله حرمه ، فحدوه ، وإن لم يكن علم ، فأعلموه ، فإن عادفارجموه ‏.‏ وسواء جهل تحريم الزنا ، أو تحريم عين المرأة ، مثل أن تزف إليه غيرزوجته ، فيظنها زوجته ، أو يدفع إليه غير جاريته ، فيظنها جاريته ، أو يجد علىفراشه امرأة يحسبها زوجته أو جاريته ، فيطأها ، فلا حد عليه ، لأنه غير قاصد لفعلالمحرم ‏.‏ ومن ادعى الجهل بتحريم الزنا ، ممن نشأ بين المسلمين ، لم يصدق ، لأننانعلم كذبه ‏.‏ وإن كان حديث عهد بالإسلام ، أو بإفاقة من جنون ، أو ناشئاً بباديةبعيدة عن المسلمين ، صدق ، لأنه يحتمل الصدق ، فلم يجب الحد مع الشك في الشرط ‏.‏وإن ادعى الجهل بتحريم شيء من الأنكحة الباطلة ، كنكاح المعتدة ، أو وطء الجاريةالمرهونة بإذن الراهن ، وادعى الجهل بالتحريم ، قبل ، لأن تحريم ذلك يحتاج إلى فقه، ويحتمل أن لا يقبل ، إلا ممن يقبل قوله في الجهل بتحريم الزنا ، لأنه زنا ،والأول أصح ، لما روى عن عبيد بن نضلة قال ‏:‏ رفع إلى عمر رضي الله عنه امرأةتزوجت في عدتها ، فقال ‏:‏ هل علمتما ‏؟‏ فقالا ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ لو علمتمالرجمتكما ، فجلده أسواطاً ، ثم فرق بينهما ‏.‏ وإن ادعى الجهل بانقضاء العدة ، قبلإذا كان يحتمل ذلك لأنه مما يخفى ‏.‏


فصل


الرابع ‏:‏ انتفاء الشبهة ، فلا حد عليه بوطء الجارية المشتركة بينهوبين غيره ، أو وطء مكاتبته ، أو جاريته ، المرهونة ، أو المزوجة ، أو جارية ابنه ،أو وطء زوجته أو جاريته ، في دبرها ، ولا بوطء امرأة في نكاح مختلف في صحته ،كالنكاح بلا ولي أو بلا شهود ، ونكاح الشغار ، والمتعة ، وأشباه ذلك ، لأن الحدمبني على الدرء والإسقاط بالشبهات ، وهذه شبهات فيسقط بها


فصل


فأما الأنكحة المجمع على بطلانها ، كنكاح الخامسة ، والمعتدة ،والمزوجة ، ومطلقته ثلاثاً ، وذوات محارمه من نسب ، أو رضاع ، فلا يمنع وجوب الحد ،لما ذكرنا من حديث عمر رضي الله عنه ‏.‏ وروى أبو بكر بإسناده عن خلاس عن علي رضيالله عنه ‏:‏ أنه رفع إليه امرأة تزوجت ولها زوج ، فكتمته ، فرجمها وجلد زوجهاالآخر مائة جلدة ، ولأنه وطء محرم بالإجماع في غير ملك ، ولا شبهة ملك ، أشبه وطأهاقبل العقد ‏.‏ وفي حد الواطئ لذات محرمه بعقد أو بغير عقد ، روايتان ‏:‏


إحداهما ‏:‏ حده حد الزنا ، لعموم الآية والخبر فيه ‏.‏


و الثانية ‏:‏ يقتل بكل حال ، لما روى البراء قال ‏:‏ لقيت عمي ومعهالراية ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ إلى أين تريد ‏؟‏ فقال ‏:‏ بعثني رسول الله صلى اللهعليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده ، أن أضرب عنقه ، وآخذ ماله ‏.‏ قالالترمذي ‏:‏ هذا حديث حسن ‏.‏ وروى ابن ماجة بإسناده عن رسول الله صلى الله عليهوسلم ‏:‏ من وقع على ذات محرم فاقتلوه ‏.‏


فصل


فإن ملك من يحرم عليه بالرضاع ، كأمه ، وأخته ، فوطئها ، ففيه وجهان‏:‏


أحدهما ‏:‏ عليه الحد ، لأنها لا تستباح بحال ، فأشبهت المحرمةبالنسب ‏.‏


و الثاني ‏:‏ لا حد عليه ، لأنها مملوكته ، فأشبهت مكاتبته ‏.‏بخلاف ذات محرمه من النسب ‏.‏ فإنه لا يثبت ملكه عليها ، ولا يصح عقد تزويجها ‏.‏


فصل


وإن استأجر أمة ليزني بها ، أو لغير ذلك ، فزنى بها ، فعليه الحد ،لأنه لا تصح إجارتها للزنا ، فوجوده كعدمه ، ولا تأثير لعقد الإجارة على المنافع فيإباحة الوطء فكان كالمعدوم‏.‏ ومن وطئ جارية غيره ، أو زوجته بإذنه ، فهو زان عليهالحد ، لأنه لا يستباح بالبذل والإباحة ، سواء كانت جارية أبيه ، أو أمه ، أو أخته، أو غيرهم ، إلا جارية ابنه ، لما ذكرنا ، وذكر ابن أبي موسى قولاً في الابن يطأجارية أبيه ‏:‏ لا حد عليه ، لأنه لا يقطع بسرقة ماله ، فلا يلزمه حد بوطء جاريته ،كالأب ، وجارية زوجته ، إذا أذنت له في وطئها ، فإنه يجلد مائة ، ولا يرجم بكراًكان ، أو ثيباً ، ولا تغريب عليه ، لما روى حبيب بن سالم أن عبد الرحمن بن حنين وقععلى جارية امرأته ، فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة ، فقال ‏:‏لأقضين فيك بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن كانت أحلتها لك ، جلدتك مائة ،وإن لم تكن أحلتها لك ، رجمتك بالحجارة ، فوجدوه قد أحلتها له ، فجلده مائة ‏.‏رواه أبو داود ‏.‏


فإن علقت منه ‏.‏ فهل يلحقه نسبه ‏؟‏ فيه روايتان ‏:‏


إحداهما ‏:‏ يلحق به ، لأنه وطء لا حد فيه ، أشبه وطء الأمةالمشتركة ‏.‏


و الثانية ‏:‏ لا يلحق به ، لأنه وطء في غير ملك ، ولا شبهة ملك ،أشبه ما لو لم تأذن له ‏.‏


فصل


الخامس ‏:‏ ثبوت الزنا عند الحاكم ، لما ذكرنا في السرقة ، ولا يثبتإلا بأحد شيئين إقرار ، أو بينة ، لأنه لا يعلم الزنا الموجب للحد إلا بهما ،ويعتبر في الإقرار ثلاثة أمور ‏:‏


أحدها ‏:‏ أن يقر لأربع مرات ، سواء كان في مجلس واحد ، أو مجالس ،لما روى أبو هريرة قال ‏:‏ أتى رجل من الأسلميين ، رسول الله صلى الله عليه وسلموهو في المسجد ، فقال ‏:‏ يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه ، فتنحى تلقاء وجهه ،فقال ‏:‏ يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه حتى ثنى ذلك أبع مرات ، فلما شهد علىنفسه أربع شهادات ، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ أبك جنون قال ‏:‏لا قال ‏:‏ فهل أحصنت ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ارجموه متفق عليه ‏.‏ ولو وجب الحد الأول بأول مرة ، لم يعرض عنه ‏.‏ وفي حديث آخر‏:‏ حتى قالها أربع مرات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنك قد قلتهاأربع مرار ،فبمن ‏؟‏ قال بفلانة ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ وفي حديث ، فقال أبو بكرالصديق رضي الله عنه له عند النبي ‏:‏ إن أقررت أربعاً ، رجمك رسول الله صلى اللهعليه وسلم ‏.‏


الأمر الثاني ‏:‏ أن يذكر حقيقة الفعل ، لما روينا في أول الباب ،ولأنه يحتمل أن يعتقد أن ما دون ذلك زنا موجب للحد ، فيجب بيانه ‏.‏ فإن لم يذكرحقيقته ، استفصله الحاكم ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بماعز ‏.‏


الثالث ‏:‏ أن يكون ثابت العقل ‏.‏ فإن كان مجنوناً ، أو سكراناً ،لم يثبت قوله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز ‏:‏ أبك جنون وروى أنهاستنكهه ، ليعلم أبه سكر ، أم لا ، ولأنه إذا لم يكن عاقلاً ، لا تحصل الثقة بقوله‏.‏


فصل


و إن ثبتت ببينة ، اعتبر فيهم ستة شروط ‏:‏


أحدها ‏:‏ أن يكونوا أربعة ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏لولا جاؤواعليه بأربعة شهداء‏}‏ ‏.‏ وقال ‏:‏ ‏{‏والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة‏}‏ ‏.‏


الثاني ‏:‏ أن يكونوا رجالاً كلهم ، لأن في شهادة النساء شبهة ،والحدود تدرأ بالشبهات ‏.‏


و الثالث ‏:‏ أن يكونوا أحراراً ، لأن شهادة العبيد مختلف فيها ،فيكون ذلك شبهة فيما يدرأ بالشبهات ‏.‏


الرابع ‏:‏ أن يكونوا عدولاً ، لأن ذلك مشترط في سائر الحقوق ، ففيالحد أولى ‏.‏


الخامس ‏:‏ أن يصفوا الزنا ، فيقولوا ‏:‏ رأينا ذكره في فرجها ،كالمرود في المكحلة ، لما ذكرنا في الإقرار ‏.‏


السادس ‏:‏ مجيء الشهود كلهم في مجلس واحد ، سواء جاؤوا جملة ، أوسبق بعضهم بعضاً ، لأن عمر رضي الله عنه لما شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبدعلى المغيرة ، حدهم حد القذف ، ولو لم يشترط المجلس ، لم يجز أن يحدهم ، لجواز أنيكملوا برابع في مجلس آخر ، ولأنه لو جاء الرابع بعد حد الثلاثة ، لم تقبل شهادته ،ولولا اشتراط المجلس ، لوجب أن يقبل ‏.‏


فصل


و إن حبلت امرأة لا زوج لها ، ولا سيد ، لم يلزمها حد ، لما روي عنعمر رضي الله عنه أنه ‏:‏ أتى بامرأة ليس لها زوج وقد حملت ، فسألها عمر رضي اللهعنه ، فقالت ‏:‏ إني امرأة ثقيلة الرأس ، ووقع علي رجل ، وأنا نائمة ، فما استيقظتحتى فرغ ، فدرأ عنها الحد ‏.‏ ولأنه يحتمل أن يكون من وطء شبهة ، أو إكراه ‏.‏والحد يدرأ الشبهات ‏.‏ ولا يجوز للحاكم أن يقيم الحد بعلمه ، لأن ذلك يروى عن أبيبكر الصديق رضي الله عنه ، ولأنه متهم في حكمه بعلمه ، فوجب أن لا يتمكن منه معالتهمة فيه ‏.‏


فصل


ومن وجب عليه حد الزنا ، لم يخل من أحوال أربعة ‏:‏


أحدها ‏:‏ أن يكون محصناً ، فحده الرجم حتى الموت ، لما روي عن عمربن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ‏:‏ إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ، وأنزلعليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأتها ، وعقلتها ، ووعيتها ، ورجمرسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل‏:‏ ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ‏.‏ فالرجمحق على من زنى وقد أحصن من الرجال والنساء إذا قامت ببينة ، أو كان الحبل ، أوالاعتراف ‏.‏ وقد قرأتها ‏:‏ الشيخ والشيخة إذا زنيا ، فارجموهما البتة ، متفق عليه‏.‏ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية ، ورجم الخلفاء من بعده‏.‏ وهل يجب الجلد مع الرجم ‏؟‏ فيه روايتان ‏:‏


إحداهما ‏:‏ يجب ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏}‏ فلما وجب الرجم بالسنة ، انضم إلى مافي كتابالله تعالى ، ولهذا قال علي رضي الله عنه في شراحة ‏:‏ جلدتها بكتاب الله ، ورجمتهابسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ وروى عبادة بن الصامت ‏:‏ أن النبي صلى اللهعليه وسلم قال ‏:‏ خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلاً ‏.‏ البكر بالبكرجلد مائة وتغريب عام ‏.‏ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏


و الثانية ‏:‏ لا جلد عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجمماعزاً والغامدية ، ولم يجلدهما ‏.‏و قال ‏:‏ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإناعترفت فارجمها ‏.‏ ولم يأمره بجلدها ، ولو وجب لأمر به ، ولأنه معصية توجب القتل ،فلم توجب عقوبة أخرى ، كالردة‏.‏


الثاني ‏:‏ الحر غير المحصن ، فحده مائة جلدة وتغريب عام ، للآيةوخبر عبادة ‏.‏


الثالث ‏:‏ المملوك ، فحده خمسون جلدة بكراً كان أو ثيباً ، رجلاًأو امرأة ، لقول الله تعالى ‏{‏فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏.‏ والعذاب المذكور في الكتاب مائة جلدة ، ونصف ذلك خمسون ،ولا تغريب عليه ، لأن تغريبه إضرار بسيده دونه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سئلعن الأمة إذا زنت ولم تحصن ‏.‏ فقال ‏:‏ إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ، ثمإن زنت فبيعوها ولو بضفير متفق عليه ‏.‏ ولم يأمر بتغريبها ‏.‏


الرابع ‏:‏ من بعضه حر ، فحده بالحساب من حد حر وعبد ‏.‏ فالذي نصفهحر ، حده خمس وسبعون جلدة ، وتغريب نصف عام ، لأنه يتبعض ، فكان في حقه بالحساب ،كالميراث ، والمكاتب ، وأم الولد ، والمدبر حكمهم حكم القن في الحد ، لأنهم عبيد ،ومن لزمه حد وهو رقيق ، فعتق قبل إقامته ، فعليه حد الرقيق ، لأنه الذي وجب عليه‏.‏و لو زنى ذمي حر ، ثم لحق بدار الحرب ، فاسترق ، حد حد الأحرار كذلك ‏.‏


فصل


و المحصن من كملت فيه أربعة أشياء ‏:‏


أحدها ‏:‏ الإصابة في القبل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ‏.‏ ولا يكون ثيباً إلا بذلك ‏.‏


الثاني ‏:‏ كون الوطء في نكاح ‏.‏ فلو وطئ بشبهة ، أو زنا ، أوتسرية ، لم يصر محصناً ، للإجماع ، ولأن النعمة إنما تكمل بالوطء في ذلك ‏.‏ ولووطئ في نكاح فاسد ، لم يصر محصناً ، لأنه ليس بنكاح في الشرع ، ولذلك لا يحنث بهالحالف على اجتناب النكاح ‏.‏


الثالث ‏:‏ كون الوطء في حال الكمال بالبلوغ ، والعقل ، والحرية ،لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ‏.‏ فلو كانالوطء بدون الكمال إحصاناً ، لما علق الرجم بالإحصان ، لأنه من لم يكمل بهذه الأمور، لا يرجم ، ولأن الإحصان كمال ، فيشترط أن يكون في حال الكمال ‏.‏


الرابع أن يكون شريكه في الوطء مثله في الكمال ، لأنه إذا كانناقصاً لم يحصل الإحصان ، فلم يحصل لشريكه كوطء الشبهة ‏.‏


و لا يشترط الإسلام في الإحصان ، لما روى ابن عمر ‏:‏ أن النبي صلىالله عليه وسلم أتي بيهوديين زنيا فرجمهما ‏.‏


و إن تزوج مسلم ذمية ، فأصابها ، صارا محصنين ، لكمال الشروطالأربعة فيهما ‏.‏


فصل


ومن حرمت مباشرته بحكم الزنا واللواط ، حرمت مباشرته فيما دون الفرجلشهوة ، وقبلته ، والتلذذ بلمسه لشهوة ، أو نظرة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يخلون رجل وامرأة ، فإن ثالثهما الشيطان ‏.‏ فإذا حرمت الخلوة بها ،فمباشرتها ، أولى ، لأنها أدعى إلى الزنا ، ولا حد في هذا ، لما روى ابن مسعود أنرجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ إني وجدت امرأة في البستان ،فأصبت منها كل شيء غير أني لم أنكحها ، فافعل بي ما شئت ، فقرأ عليه ‏{‏أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين‏}‏ ‏.‏متفق عليه ، وعليه التعزير ، لأنها معصية ليس فيها حد ولا كفارة ، فأشبهت ضرب الناسوالتعدي عليهم ‏.‏


فصل


ويحرم وطء امرأته وجاريته في دبرهما ، لقول النبي صلى الله عليهوسلم ‏:‏ إن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن رواه ابن ماجة ،ولأنه ليس بمحل للولد أشبه دبر الغلام ، ولا حد فيه ، لأنه في زوجته وما ملكت يمينه، فيكون شبهة ، ولكن يعزر ، لما ذكرنا ، ويحرم الاستمناء باليد ، لأنها مباشرة تفضيإلى قطع النسل ، فحرمت كاللواط ، ولا حد فيه ، لأنه لا إيلاج فيه ، فإن خشي الزنا ،أبيح له ، لأنه يروى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ‏.‏


فصل


ومن أتى بهيمة ، وقلنا ، لا يحد ، فعليه التعزير ، ويجب قتل البهيمة، لحديث ابن عباس فإن كانت مأكولة ، ففيها وجهان ‏:‏


أحدهما ‏:‏ تذبح ، ويحل أكلها ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏أحلت لكم بهيمة الأنعام‏}‏ ‏.‏


و الثاني ، تحرم ، لأن ابن عباس قال‏:‏ ما أرى أنه أمر بقتلها إلالأنه كره أكلها ، وقد عمل بها بذلك العمل ‏.‏ ولأنه حيوان أبيح قتله لحق الله تعالى، فحرم أكله ، كالفواسق ‏.‏ فإن كانت البهيمة لغيره ، وجب عليه ضمانها إن منعناهأكلها ، لأنه سبب تلفها ، إن أبيح أكلها، لزمه ضمان نقصها ‏.‏


فصل


و لا يؤخر حد الزنا ، لمرض ولا شدة حر ، ولا برد ، لأنه واجب فلايجوز تأخيره لغير عذر ، وقد روي عن عمر أنه أقام الحد على قدامة بن مظعون وهو مريض، لأنه إن كان رجماً فالمقصود قتله ، فلا معنى لتأخيره ، وإن كان جلداً أمكنالإتيان به بسوط يؤمن معه التلف في حال المرض ، فلا حاجة إلى التأخير ‏.‏ ويحتمل أنيؤخر الجلد عن المريض المرجو زوال مرضه ، لما روى علي أن جارية لرسول الله صلى اللهعليه وسلم زنت ، فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديثة عهد بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتهاأن أقتلها ، فذكرت ذلك للنبي ، فقال ‏:‏ أحسنت رواه مسلم ‏.‏


فصل


و لا يحفر للمرجوم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر لماعز ،وسواء كان رجلاً أو امرأة ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ أكثر الأحاديث على أنه لا يحفر للمرجوم‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ إن ثبت زنا المرأة بإقرارها ، لم يحفر لها لتتمكن من الهرب إنأرادت ، وإن ثبت ببينة ، حفر لها إلى الصدر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجمامرأة ، فحفر لها إلى الثندوة ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏


و لأنه أستر لها ، وعلى كل حال يشد على المرأة ثيابها ، لئلا تتكشف، ويدور الناس حول المرجوم ، ويرجمونه حتى يموت ، فإن هرب المحدود والحد ببينة أتبعحتى يقتل ، لأنه لا سبيل إلى تركه ، وإن ثبت بإقراره ، ترك ، لما روي أن ماعز بنمالك لما وجد مس الحجارة خرج يشتد ، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز عنه أصحابه ،فنزع له بوظيف بعير ، فرماه به ، فقتله ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرذلك له ، فقال ‏:‏ هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه رواه أبو داود ‏.‏ولأنه يحتمل أن ذلك لرجوعه عن الإقرار ، ورجوعه مقبول ‏.‏ فإن لم يترك ، وقتل ، فلاضمان فيه ، لحديث ماعز ، ولأن إباحة دمه متيقنة ، فلا يجب ضمانه بالشك ، وإن ترك ،ثم أقام على الإقرار ، أقيم عليه الحد ‏.‏


فصل


وإن كان الحد جلداً ، لم يمد المحدود ، ولم يربط ، لما روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ‏:‏ ليس في هذه الأمة مد ، ولا تجريد ، ولا غل،و لا صفد و، ويفرق الضرب على أعضائه كلها إلا وجه ، والرأس ،و الفرج ، وموضع القتل، لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال للجلاد ‏:‏ اضرب ، وأوجع ، واتق الرأسوالوجه والفرج ‏.‏ وقال ‏:‏ لكل موضع من الجسد حظ إلا الوجه والفرج ‏.‏ ولأن القصدالردع ، لا القتل ‏.‏ ويضرب الرجل قائماً ، ليتمكن من تفريق الضرب على أعضائه ،والمرأة جالسة ، لأنه أستر لها ، وتشد عليها ثيابها ، وتمسك يداها لئلا تتكشف ‏.‏


فصل


فإن كان مريضاً ، أو نضو الخلق ‏.‏ أو في شدة حر ، أو برد ، أقيمالحد بسوط يؤمن التلف معه ، فإن كان لا يطيق الضرب لضعفه وكثرة ضرره ، ضرب بضغث فيهمائة شمراخ ضربة واحدة ، أو ضربتين ، أو بسوط ‏.‏ فيه خمسون شمراخاً لما روى أبوأمامة ابن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار‏:‏ أنهاشتكى رجل منهم حتى أضنى ، فعاد جلداً على عظم ، فدخلت عليه جارية لبعضهم ، فوقععليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك ، وقال استفتوا لي رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا ‏:‏ مارأينا بأحد من الضر مثل ما به ، لو حملناه إليك ، لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلد علىعظم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ له مائة شمراخ ، فيضربونه بهاضربة واحدة ‏.‏ أخرجه أبو داود والنسائي ‏.‏


فصل


لا تغرب المرأة إلا مع ذي محرم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ليلة إلا مع ذي حرمة من أهلهافإن أعوز المحرم ، خرجت مع امرأة ثقة ، فإن أعوز ، استؤجر لها من مالها محرم لها ،فإن أعوز ، فمن بيت المال ، فإن أعوز ، نفيت ، بغير محرم ، لأنه حق لا سبيل إلىتأخيره ، فأشبه الهجرة ‏.‏ ويحتمل سقوط النفي هاهنا ، لئلا يفضي إلى إغرائهابالفجور ، وتعريضها للفتنة، ومخالفة خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفربغير محرم ، ويخص عموم حديث النفي بخبر النهي عن السفر بغير محرم ، ويحتمل أن تنفىإلى دون مسافة القصر جمعاً بين الخبرين ‏.‏


فصل


ويجب أن يحضر حد الزنا طائفة ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وليشهد عذابهما طائفة منالمؤمنين‏}‏ ‏.‏ وقال أصحابنا ‏:‏ أقل ذلك واحد مع الذي يقيم الحد ، لأناسم الطائفة يقع على واحد ، بدليل قول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنيناقتتلوا فأصلحوا‏}‏ إلى قوله تعالى ‏{‏بينأخويكم‏}‏ وقد فسره ابن عباس بذلك ‏.‏ والمستحب أن يحضر أربعة ، لأنبهم يثبت الحد ، والله أعلم ‏.