القرآن العظيم
هاشم محمدعلي المشهداني



ملخص الخطبة
1- عظمة الكلام بعظمة قائله. 2- مزية القرآن عن سائر الكتب. 3- فضائل القرآن. 4- نقض شبهة تأليف الرسول للقرآن. 5- هل نحن بحاجة إلى القرآن.

الخطبة الأولى



القران العظيم   : القران العظيم   آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير القران العظيم   [البقرة:285].
اعلم أن الإيمان بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله من أركان الإيمان – والقرآن العظيم هو آخر كتاب نزل من عند الله تعالى وقد خصه الله بمزايا تميز بها عما تقدم من الكتب المنزلة: فما القرآن؟ وما الذي تميز به عما سواه من الكتب؟ وما فضائله؟ وما الشبهات التي تدور حوله؟ وهل الأمة بحاجة إليه؟ وكيف ينبغي أن نتلقاه؟
أما القرآن: فهو كلام الله المعجز المنزل على محمد بن عبد الله القران العظيم   المكتوب في المصاحف المتعبد بتلاوته.
وينبغي أن تعلم:
أن الكلام يعظم بعظم قائله، فكيف إذا كان المتكلم هو الله عز وجل؟ جبار الأرض والسماء سبحانه بل يعلمنا الله سبحانه أن القرآن لو أنزل على جماد لتصدع وانشق من خشية الله، القران العظيم   : القران العظيم   لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله القران العظيم   [الحشر:21].
إن القرآن العظيم تميز عن سواه من الكتب بأمور ثلاثة:
أ- بالحفظ فلا تحريف ولا تبديل: القران العظيم   إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون القران العظيم   [الحجر:9].
ب- تضمن المنهج المتكامل: القران العظيم   ما فرطنا في الكتاب من شيء القران العظيم   [الأنعام:38].
ج- للخلق أجمعين: القران العظيم   وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين القران العظيم   [الأنبياء:107]، وقال عما سواه: القران العظيم   لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا القران العظيم   [المائدة:48].
وأما فضائله:
1- الخيرية لأهله: للحديث: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))([1]).
2- الرفعة لقارئه: للحديث: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها))([2]).
3- الشفاعة لصاحبه: للحديث: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه))([3]).
4- الأجر العظيم لقارئه: للحديث: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول:القران العظيم   آلم القران العظيم   حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))([4]).
5- خيرية وفضائل لا تنتهي: للحديث: ((إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته))([5]).
6- حضور الملائكة للاستماع: للحديث: ((أن أسيد بن حضير بينما هو في مربده يقرأ إذ جالت (اضطربت) فرسه، فقرأ فجالت فرسه قال: فانصرفت وكان يحي (ابنه) قريبا منها. قال: خشيت أن تطأ عليه (أي تمشي عليه الفرس) فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج (المصابيح) عرجت في الجو حتى ما أراها، فقال القران العظيم   : تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم))([6]).
7- فرار الشيطان من البيوت العامرة بالقرآن: للحديث: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ))([7]).
8- وفي القرآن سور لها ميزة كالفاتحة لقول النبي القران العظيم   لأبي سعيد بن المعلى: ((لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: القران العظيم   الحمد لله رب العالمينالقران العظيم   هي السبع المثاني))([8])، (الفاتحة سميت بالمثاني لأنها تثني في كل صلاة) وكذا البقرة وآل عمران للحديث: ((اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة غمامتان تحاجان عن أصحابهما))([9]).
وآية الكرسي: للحديث: ((سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي))([10])، والكهف في يوم الجمعة، للحديث: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين))([11]) وتبارك، للحديث: ((إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك))([12]((وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن))([13]). والمعوذتان: ((قل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق، للحديث: تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما))([14])، ويس للحديث: ((قلب القرآن يس لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له اقرؤوها على موتاكم))([15]).
وأما الشبهات التي حول القرآن: فأعداء الله حريصون أن يشككوا المسلم بمصدر الخير كله، بمنهج الحياة، حتى يقطعوا الصلة فيما بينه وبين النور وما التخبط التي تعيشه الأمة على مستوى الأفراد والجماعة إلا لذلك الظلام الذي تعيشه.
ومن هذه الشبهات: أن القرآن من عند محمد بن عبد الله القران العظيم   ، وقد ردّ الله هذه الفرية بقوله: القران العظيم   وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون القران العظيم   [العنكبوت:48]، فرسول الله القران العظيم   كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب وقد جعله الله هكذا لعلمه سبحانه بافتراءات أعداء الله عليه.
ثم يضاف إلى ذلك ردود أخرى قالها العلماء منها:
كانت تمر على رسول الله القران العظيم   الأحداث العظام وكان أحوج ما يكون إلى آية كحادثة الأفك وملخصها: أن النبي القران العظيم   كان إذا خرج في غزوة أقرع بين نسائه فخرجت القرعة لعائشة رضي الله عنها فلما عاد رسول الله القران العظيم   عسكر الجيش فخرجت عائشة رضي الله عنها لبعض شأنها فلما عادت رأت أن الجيش قد مشى فجلست تنتظر وكان رجل يقال له: صفوان بن المعطل القران العظيم   يتخلف عن الجيش لجمع ما نسيه الجيش ثم يلحق به فلما رأى عائشة رضي الله عنها أناخ لها بناقته فركبت ثم لحق بالمسلمين فلما وصل الجيش ونظروا في الهودج لم يجدوا عائشة رضي الله عنها وبعد قليل دخل صفوان بن المعطل وهو يقود ناقته فتحدث رأس المنافقين عبد الله بن سلول وطعن في عرض رسول الله القران العظيم   ومضى شهر كامل ولغط الحديث في عرض رسول الله حتى يقف على المنبر ويقول: ((ما بال أناس يؤذونني في أهلي وما علمت عنهم إلا خيرا)) حتى أنزل الله عشر آيات من سورة النور فيها براءة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها:القران العظيم   إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم القران العظيم   ([16]).
فلو كان القرآن من عند محمد القران العظيم   لأتى بآية ينفي ما نسب إلى زوجه عائشة رضي الله عنها، ولكنه عاش الأمر بكل معاناته وقسوته منتظرا حكم الله وحده مترقبا آيات تتنزل من عند الله ومن عند الله وحده.
ثم كيف يحاسب الرسول القران العظيم   نفسه على أمر الذي جرت معه الحادثة لا يعلم به؟ وذلك عندما جاء ابن أم كتوم وهو أعمى ويقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجال من عظماء المشركين فجعل رسول الله القران العظيم   يعرض عنه ويقبل على الآخرين فنزلت: القران العظيم   عبس وتولى القران العظيم   أن جاءه الأعمى القران العظيم   [عبس:1-2]. وابن أم مكتوم لا يعلم بعبوس رسول الله القران العظيم   فهو أعمى فدل الأمر أن القرآن كلام الله سبحانه حيث إثبات الموازين ودين الله أعز من أن يسترضى لأجله كافر.
ج- الإخبار بالأمور المستقبلة: كانت فارس ظاهرة على الروم وكان المشركون يحبون ذلك وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب فأنزل الله قوله: القران العظيم   آلم القران العظيم   غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون القران العظيم   في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله القران العظيم   [الروم:1-5].
قال ابن كثير: وكانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كثيرة من العلماء كابن عباس والثوري والسدي وغيرهم([17]).
فالإخبار عن أمر مستقبلي وتحديد المدة وإعلام أنه يوافق نصرا للمؤمنين، هذا لا يمكن لبشر أن يقطع به بل هو أمر لا يمكن أن يقطع به إلا الله سبحانه الخالق علام الغيوب جل جلاله .
د- الحقائق العلمية: التي عرفها العلم مؤخرا بعد بحث ودراسة وتنقيب من ذلك وجود حاجز بين البحر والنهر فلا يبغي أحدهما على صاحبه ولا يختلط به والقران العظيم   :القران العظيم   مرج البحرين يلتقيان القران العظيم   بينهما برزخ لا يبغيان القران العظيم   [الرحمن :19-20].
ثم قوله تعالى: القران العظيم   كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب القران العظيم   [النساء:56].
ومما عرف العلم أن الجلد تتركز فيه أعصاب الإحساس، فحروق الدرجة الأولى أشد ألماً من حروق الدرجة الثانية أو الثالثة حيث تضعف أعصاب الإحساس، وغير هذا كثير مما كتبه العلماء أمثال كتاب: (الله يتجلى في عصر العلم) (العلم والإيمان) (الطب في محراب الإيمان).

هل الأمة بحاجة إلى القرآن؟
اعلم أن الله تعالى سمى القرآن العظيم بأسماء تدل عليه، فسمى الله القرآن:
أ- روحاً: القران العظيم   : القران العظيم   وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا القران العظيم   [الشورى:52]. فمنزلة القرآن من الأمة بمنزلة الروح من الجسد عليه عوامل التفسخ والتحلل والتعفن وهذا حال الأمة في ضياعها وتفككها وعلائقها وأخلاقها.
ب- الفرقان: القران العظيم   : القران العظيم   تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا القران العظيم   [الفرقان:1]، فهو الذي يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والصواب والخطأ وبغيره تلتبس الأمور وتضيع الحقائق، وتعيش الأمة في ضلالة عمياء وجهلاء متخبطة في سيرها.
ج- الذكر: القران العظيم   : القران العظيم   وإنه لذكر لك ولقومك القران العظيم   [الزخرف:44]، فلا شرف للأمة ولا مكانة ولا منزلة إلا بالقرآن وبغيره يدوسها أعداء الله بأقدامهم وتهان وتستباح.
كيف ينبغي أن نتلقاه؟
التلقي للتنفيذ: وهذا هدي السلف رضوان الله عليهم، يقول عبد الله بن مسعود: (ما كنا نحفظ من كتاب الله إلا خمسة أو عشرة آيات حتى نعمل بها ثم نعود فنحفظ خمسا أو عشرا أخرى) فكتاب الله سبحانه لم يتنزل للقراءة على الموتى للبركة بل على الأحياء حتى ينتفعوا في تنظيم أحوالهم.
التعظيم لكتاب الله: فلا ينبغي للأمة التي كرمها الله تعالى - بإنزال هذا الكتاب العظيم عليها- أن تلتفت إلى فضلات وضلالات الآخرين، قال تعالى: القران العظيم   يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم القران العظيم   [الحجرات:1].
فذلك منتهى سوء الأدب مع الله أن نقدم الأهواء والآراء على قول الله وقول رسوله القران العظيم   .


([1])البخاري ومسلم.

([2])الترمذي.

([3])رواه مسلم.

([4])الترمذي.

([5])الحاكم.

([6])البخاري ومسلم.

([7])مسلم والنسائي.

([8])البخاري وأبو داود.

([9])مسلم.

([10])الحاكم.

([11])النسائي والبيهقي.

([12])الترمذي والنسائي.

([13])مسلم.

([14])أبو داود.

([15])أحمد وأبو داود.

([16])ابن كثير مجلد 3 ص 268.

([17])ابن كثير مجلد 3 ص 436 .

hgrvhk hgu/dl