ب- تحالفه مع محمد بن سعود:
استطاع محمد بن عبد الوهاب أن يتحالف مع الأمير محمد بن سعود الذي قدم ماله ورجاله من أجل دعوة التوحيد، وكان هذا التحالف على أسس متينة, واستطاع الشيخ أن يواصل دعوته للناس بالتعليم والرسائل، والوعظ, واستمر على هذا الحال يعلم الناس ويكتب الرسائل ويدبجها بالحجج والبراهين والأدلة على صحة دعواه، يدعو إلى إزالة المنكر وهدم قباب القبور، وسد ذرائع الشرك، وتحقيق العبودية لله وحده(4)، وظلت الدعوة مسالمة متأنية، تطرق القلوب برفق وأناة، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واستمر يعلم من يحضر دروسه ويوضح عقيدته، ويشرح مبادئ دعوته للقاصي والداني، ولكنه رأى أن اللين يقابل بالشدة، وأن الصدق يقابل بالكذب، والموعظة الحسنة يرد عليها بالمؤامرات، فلم يكن بد من دخول مرحلة الجهاد وتغيير المنكر بالقوة.إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا *** فما حيلة المضطر إلا ركوبها(5)وبدأ الشيخ يعاونه الأمير محمد بن سعود بإعداد العدة من الرجال والسلاح للخروج بجموع المجاهدين من الدرعية إلى خارج حدودها لنشر الدعوة وتثبيت أركانها في الجزيرة وخارجها، وكان الشيخ يشرف بنفسه على إعداد الرجال، وتجهيز الجيوش وبعث السرايا, ويستمر مع ذلك على الدرس والتدريس، ومكاتبة الناس، واستقبال الضيوف، وتوديع الوفود، فقد جمع الله له العلم والجاه، والعزة والتمكين بعد جهاد طويل(6). وقد كان له نظر سياسي ثاقب، وخبرة واسعة في أمور الحرب والسياسة ومما يذكر أنه كان يشرف بنفسه على إعداد المجاهدين وتحضير الكتائب وتسيير المقاتلين(7).
واستمرت الحروب بين أنصار الدعوة وأعدائها سنين عديدة وكان النصر حليف أصحاب الدعوة في أغلب المواقف, وكانت القرى تسقط واحدة تلو الأخرى، وفي عام 1178هـ - 1773م، فتحت الرياض بقيادة الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، وفر منها حاكمها السابق دهام بن دواس، وكان حاكما ظالما غشوما، اعتدى على الدعاة مرارا، ونقض العهود التي أبرمها مع القائمين على الدعوة. وبعد فتح الرياض اتسعت رقعة الأرض التي تخضع للدعوة ودخل كثير من الناس في الدعوة مختارين، فقد أزيلت العوائق التي كانت تصدهم عنها، وانفرجت الأمور بعد ضيق، وجاء اليسر بعد العسر، وكثرت الأموال، وهدأت الأحوال, وأمن الناس في ظل الدولة الإسلامية الفتية، التي حرم الناس من نعمة الأمن والاستقرار مدة غيابها(8).
لقد أخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالسنن لتمكين دين الله تعالى، فنلاحظ في دعوته أخذه بشروط التمكين ودعوة الناس وتربيتهم عليها من الإيمان بالله، والعمل الصالح، وتحقيق العبودية ومحاربة الشرك، وتقوى الله تعالى، وأخذه بأسباب التمكين ويظهر حرصه على الأخذ بالأسباب في تحالفه مع الأمير محمد بن سعود الذي وظف جيشه، وحكومته وماله وسلاحه, ورجاله لخدمة الدعوة، ومرت الدعوة بالمراحل الطبيعية من التعريف بها وإعداد من يحملها، ومغالبة أعدائها والتمكين لها، ومر الشيخ بسنة الابتلاء، ومارس سنة التدرج، وشرع في الأخذ بسنة تغيير النفوس، واستخدام سنة التدافع بين الحق والباطل، ولم يترك سنة الأخذ بالأسباب، وهذا كله يدخل تحت فقه التمكين الذي مارسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
المصدر: موقع الشيخ علي الصلابي http://www.alsallaby.com/alnasser.html
------------------------------
(1) أحد كبار علماء لييبا ولد في مدينة بنغازي بليبيا عام 1383 هـ / 1963 م، حصل على درجة الإجازة العالمية (الليسانس) من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة المدينة المنورة بتقدير ممتاز وكان الأول على دفعته عام 1413/ 1414 هـ الموافق 1992 / 1993م، نال درجة الماجستير من جامعة أم درمان الإسلامية كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن عام 1417 هـ / 1996 م، نال درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بمؤلفه فقه التمكين في القرآن الكريم. جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان عام 1999 م.
(2) انظر: إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أحمد القطان، ص35.
(3) المصدر نفسه، ص36.
(4) انظر: إمام التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص45، 46.
(5) انظر: استمرارية الدعوة، محمد السيد الوكيل (3/293).
(6) انظر: إمام التوحيد محمد بن عبد الوهاب، ص53.
(7) المصدر السابق نفسه، ص78.
(8) انظر: استمرارية الدعوة، د. محمد الوكيل (3/294).
المفضلات