شهادات ناجين من مجزرة جنين
فلسطين - الجيل للصحافة - إسلام أونلاين.نت
قتلوا ابني الصغير
لم يكن أمام "هيثم أبو زينة" سوى خيارين: إما الموت حرقا أو ترك المنزل للنجاة من رصاص قوات الاحتلال، فآثر الخروج من المنزل... تلك كانت أولى شهادات أحد الناجين من مجزرة مخيم جنين بالضفة الغربية لمراسل إسلام أون لاين.نت
يقول والمرارة تحرق صدره: "نعم خرجت وأبنائي الخمسة، والجيران وكان عددنا يربو على المائة رافعين الرايات البيضاء، بعد أن اشتعلت النار في منازلنا نتيجة القصف الصهيوني للمخيم"، ويتابع أبو زينة قائلا: "عندما وصلنا في اتجاه قوات الاحتلال نطق كل منا بالشهادة، كنا على يقين أن جنود الاحتلال سيطلقون علينا النار، ولكن قبل أن نقترب منهم طالبونا - ونحن نصرخ بأننا مدنيون - برفع ملابسنا عن أجسادنا، ورفع بطاقتنا الشخصية إلى أعلى".
يقول هيثم: "لقد نجونا بأعجوبة من موت محقق مرتين، الأولى عندما احترق البيت، والثانية بعد أن ابتعدنا عن قوات الاحتلال، ولكن الجريمة الأكبر هي أن العائلة الواحدة قسمت إلى ثلاثة أقسام لا يدري الواحد منها عن الآخر شيئا".
ويؤكد أبو زينة أن من بين الموجودين معه الآن أطفالا ونساء فقدوا أقاربهم وباتوا لا يعرفون عنهم شيئا، ويقول: "بيننا هنا في هذا المكان الذي التجأنا إليه بعض الأطفال يبحثون عن أسرهم وبعض الأزواج يبحثون عن زوجاتهم ولا يعرف أحد عن أحد شيئا".
جردونا من ملابسنا
وأوضح هيثم أن العائلات التي أُبعدت عن المخيم موزعة في مقر بلدية جنين، وبعضها في مستشفى الرازي، وآخرون في قرية حوارة، ولا يعرف أحد مصير الكثير من العائلات والشبان الذين اختطفتهم قوات الاحتلال.
ويروي الشاب "خالد أبو شهم" من مخيم جنين، والذي تم اعتقاله وهو خارج المخيم أن قوات الاحتلال أقدمت على تجريدهم من ملابسهم والتنكيل بهم.
ويقول: "عندما تم اعتقالنا أمرونا بالتجرد من ملابسنا والانبطاح على الأرض، ثم تقدم عدد من الجنود وهم يشهرون أسلحتهم نحونا، وتم تقييد الأيدي من الخلف واقتيادنا إلى معسكر سالم الاحتلالي"، ويتابع قائلا: "بقيت هناك لمدة يومين، وأنا عاري الجسد ومقيد اليدين، وبدون طعام أو شراب".
وتحدث أبو شهم عما تعرض له في معسكر الجيش الإسرائيلي، وقال: "في اليوم التالي تم اقتيادي إلى غرفة التحقيق، وهناك أُبلغت بأنني لست من المطلوبين، وأن بإمكاني الذهاب إلى بلدة رمانة، وعدم العودة إلى المخيم أو المدينة إلا بعد عدة أيام".
ويشير أبو شهم إلى أن عدد المعتقلين في معسكر سالم العسكري يزيد على ألف وخمسمائة شاب، جزء كبير منهم ما زال عاري الجسد، وملقى على الأرض مقيد اليدين، وأن عددا منهم يتعرض للضرب المبرح من قوات الاحتلال.
لم يرحموا العجوز
نرحل قبل أن نموت
وعمد جيش الاحتلال على استغلال الشبان الفلسطينيين كدروع بشرية لحمايته قبل اقتحام الأبنية السكنية، ويصف لنا الشاب "رشيد منصور" - 28 عاما - أحد المهجرين من معسكر جنين إلى قرية سالم فيقول: "اقتحم جيش الاحتلال منزل عائلتي المكون من طابقين بعد أن أحرقوا الطابق العلوي بقذائف دبابتهم، وأخرجونا منه بالقوة، ومن ثم حشرونا في أحد أزقته مع خمس عائلات مجاورة لنا - أي كان عددنا يزيد عن 100 رجل وامرأة وطفل - ثم ساقونا قسرا وبقوة السلاح والهراوات التي كانت تنهال علينا إلى منزل مجاور مكون من 3 طوابق".
ويضيف منصور بنبرة حزينة: "وفور دخولنا المنزل أمامهم، حبسونا جميعا في الطابق السفلي الذي هجر جميع سكانه، أمروا أحدنا أن يصعد أمامهم إلى الطابق الثاني والثالث، خوفا من أن يكون البيت مزروعا بالعبوات الناسفة".
ويستطرد قائلا: "وفي البيت الذي اتخذنا فيه الاحتلال دروعا بشرية لحمايته، لم يكن في المنزل إلا رجل عجوز (70 عاما) يده تنزف إثر أصابتها برصاصة من جيش الاحتلال أثناء اقتحامهم المنزل، ولم نجد ما نسعف به هذا الرجل العجوز، وكان من رحمة الله عز وجل أن كانت بيننا ممرضة، فشقت فستانا صغيرا كان ملقى على الأرض، وعصبت على جرحه".
السعادة المفقودة
دمروا كل شيء
ويشار إلى أن منصور معتقل سابق لدى قوات الاحتلال، قضى ما مجموعه عشر سنوات خلال تعرضه للاعتقال ثلاث مرات، متزوج وله من الأبناء ثلاثة، لا يدري أين مصيرهم في المخيم، حيث قامت جيوش الاحتلال يوم السبت الماضي بإعادة فصل النساء عن الرجال، ومن ثم إجبارهم على السير وسط الآليات العسكرية خارج جنين بمنطقة تسمى أحراش السعادة، وحول هذا يضيف رشيد منصور: وأجبرونا جميعا على خلع ملابسنا، والانبطاح على أرض السعادة، وإذ بها مليئة بشظايا الزجاج، وتحت تهديد السلاح الموجهة فوهاته تجاهنا، والدبابات التي كان الجندي يتوعدنا إن لم ننفذ الأوامر أن يفتت عظامنا بها، لنتذوق الموت ألوانا…
ويشار إلى أنه تجاوز عدد هؤلاء الأسرى 540 أسيرا، تم احتجازهم في أحراش السعادة ما يزيد عن 12 ساعة بالعراء والعري معصوبي العيون ومقيدي الأيدي، ومن ثم نقلوا إلى معسكر سالم ثم هُجروا إلى قرية رمانة.
إهانات وآهات
" هذا ما جلبه أبو عمار لكم.. الموت والدمار والقتل.. لن نرحم أحدا" بهذه الجملة كان يتوعد جنود الاحتلال الشبان المحتجزين، بالإضافة إلى الإهانات والتهديد المستمر، أما آهات العذاب فقد فاقت أي تصور، وعن هذا يضيف رشيد: " قيدوا أيدينا إلى الخلف، ولم يستطع أحد التحرك، وبدأ الألم يسري في عروقنا، وإذ بصوت بكاء أخي الأصغر يرتفع من شدة الألم، فأخذت أصرخ على الجنود، وأنا لا أدري ماذا أفعل وبأي لغة أتحدث، كلمة عبرية وأخرى إنجليزية على ثالثة عربية، ولكن دون جدوى" ويكمل رشيد بصوت حزين ينم عن حجم الألم الذي يعاني منه: " ومن ثم حملنا جيش الاحتلال على باصات إلى قرية سالم لنعرض واحدا تلو الآخر على المخابرات الصهيونية لاستجوابنا وجمع معلومات عن الإخوة المقاتلين".
أما الشاب "كمال محمد حسين" - طالب 30 عاما - فقد رأى الموت بعينه مائة مرة، حيث استخدمه جيش الاحتلال درعا بشريا لإطلاق النار من خلفه، فبعد أن تم اعتقاله اقتادوه إلى أحد الأبنية القريبة من منزله وعرضوا جسده العاري أمام إحدى النوافذ المطلة على أزقة المخيم المتحصن بها رجال المقاومة، بينما ركز ثلاثة من جنود الاحتلال أسلحتهم على كتفيه ورأسه ليطلقوا النار من أسلحتهم على المقاومين.
الهلال الأحمر بالدم
ولم تشفع شارة الهلال الأحمر لحامليها عند جيش الاحتلال، فأطلق النار على أصحابها، واعتقل جزء آخر ولم يكتف بمنع سياراتها وأطقمها من التحرك لإسعاف الجرحى أو نقل الموتى، ويصف لنا "محمود ربيعة" ضابط الإسعاف في الهلال الأحمر الفلسطيني في جنين الانتهاكات الصارخة التي تعرضت لها شارة الهلال الأحمر أثناء تهجير أهالي مخيم جنين فيقول: "لجأ ما يزيد عن مائتي امرأة وطفل من المخيم إلى مستشفى الهلال، لعلهم يجدون ملجأ من القصف وإطلاق النار، بعد أن هجر الشباب إلى القرى المجاورة".
ويضيف بنبرة حزينة: "أطفال بلا عائلاتهم، ونساء فقدن أزواجهن وأبناءهن، وكأن يوم الحشر اقتصر على أهالي جنين، لشدة الهول الذي ينتاب الأهالي لا يدري أحدهم أيفكر كيف ينجو بنفسه، أم يبحث عن زوجته وأولاده في فاجعة لا تدمع العين لهولها بل تجود بالدمع والدموع".
ويشار إلى أن هؤلاء المشردين اللاجئين قضوا ليلتهم في العراء وبدون ماء وغذاء لعدم إمكانية الهلال الأحمر تغطية طلبات هذا العدد الكبير في ظل الحصار المفروض، ولضيق المكان الذي لا يكفي إلا ستين مريضا فقط، بينما قضى العاملون فيه ليلتهم في العمل للتنقيب عن راحتهم المفقودة.
ويكمل ربيعة: أبقت إدارة الهلال 60 فردا بينما حاولت نقل جزء منهم إلى أماكن قريبة برفقة سيارة الإسعاف، خاصة أن جميعهم من النساء، وفي حاجة إلى من يرافقهم طريق الموت، لعل شارة الهلال الأحمر تشفع لهم، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، وما كادت المجموعة الأولى تخرج حتى أوقف جيش الاحتلال طاقمها وأجبرهم على خلع ملابسهم، ومن ثم قيدهم واعتقلهم، وفعل كذلك بالطاقم الثاني.
وأفاد بلهجة حزينة: "ولا ندري ما مصير هؤلاء النسوة والأطفال بعد ما انقطع اتصالنا مع كلا الطاقمين".
المفضلات