هكذا تحدثوا عن أهوال مجزرة جنين




مخيم‎ جنين ذلك‎ المكان الذي‎ زاره‎ إعصار الحقد, ووطئته‎‎ أقدام الجاهلية فخلفته‎‎ أكواما من‎‎ الركام‎ وأعمدة من الدخان‎‎ ومن تحت‎ الأنقاض تنبعث مع‎ روائح‎ الأجساد المتفسخة آهات‎ أرواح مظلومة لأطفال ونساء وشيوخ وهي تستصرخ جميع الضمائر الحية في العالم... لتحكي قصة المجزرة الرهيبة‎‎ التي‎ ارتكبتها جحافل‎ الصهاينة البربرية‎ في‎ ساحات‎ مخيم‎ جنين.‎ في‎ عرصات‎‎ هذا الركام‎‎ يخطوا أحدهم بخطوات متعثرة‎‎‎‎ ووئيدة يلفه الحزن‎ ويلجمه هول المأساة، شيخ فلسطيني في السبعين‎‎ من عمره‎ يدعى‎ احمد حسين‎ فراج‎، يجهل‎ فراج‎ أين أصبحت زوجته‎ كما لا يجد أثراً لجثة‎‎‎‎ ابنه الذي‎ قال‎ له الجيران‎ انه استشهد, ومن‎‎ فرط حزنه‎‎ وانفعاله يعجز عن تحديد مكان‎‎ المنزل الذي‎‎ كان فيه، والذي تحول إلى كومه من الحجارة، في مخيم جنين المستباح.
لقد فقد الرجل‎ السبعيني‎ صلته‎ بالحياة‎‎ بفقدان‎ أغلى ما يربطه بها وبات‎ ‎يشعر بأنه كالميت، ويصعد احمد حسين‎ فراج‎ بصعوبة بضع‎ درجات‎ تقود إلى شقه‎‎‎ أحد معارفه الذي لم ينل ما ناله غيره من الدمار الهائل خلال الهجوم الصهيوني الغادر.
ويروي‎ الرجل‎ المسن‎ معتمرا كوفيته‎ الفلسطينية وهو ينحني‎ فوق‎ قضيب‎ يستخدمه كعصا يتكئ عليها حافي القدمين‎ يروي ما حدث له بعد أن اقتحم الجيش‎ الوحشي‎ منطقة‎ جنين‎ شمال‎ الضفة‎‎ الغربية.
ويقول‎‎ الرجل الذي‎ كان‎ عاملا ويملك‎ منزلا في‎ وسط المخيم‎‎ انه‎‎ اختبأ في‎ بداية الهجوم الصهيوني‎ مع‎ زوجته‎‎‎ وبناته الثلاث وأبنائه الاربعة في غرفة النوم لاعتقاده إنها محمية اكثر من‎‎ غيرها من قصف‎ الصواريخ‎ ورجم‎ الدبابات. وبعد ثلاثة‎ أيام أمر احمد حسين‎ فراج‎ عائلته‎‎ بالمغادرة، يجهش‎ باكيا, قلت‎ لهم‎ ارحلوا من‎ هنا، كان‎ كل‎ همي‎ إنقاذهم، أنا بقيت‎ لأرى‎ ما يستجد. وذهبت بناته إلى أقرباء لهن، ورحلت‎ زوجته‎‎ وولداه الصغيران‎‎ اللذان لا يتجاوز عمرهما الثالثة‎‎ عشر دون‎‎ إن يأخذا معهما شيئا. ومنذ ذلك‎ الحين‎ لم‎ يسمع‎ عنهم‎ شيئا، هل‎ رحلوا مع‎ مئات‎ آخرين إلى أطراف مدينه‎ جنين‎ أم إلى أطراف المخيم. انتظر الرجل‎ ليلة‎ ونهارا وقرر هو أيضا الرحيل‎‎. وقال رأيت الجرافات تقترب‎ من‎ بيتي‎ فخرجت‎ مسرعا ومنذ ذلك‎ الحين‎ وأنا أبيت عند معارفي . وقال‎ إن الجنود الصهاينة لم‎‎ يكلفوا أنفسهم عناء تفقد ما إذا كان هناك‎ أحد في‎ المنزل‎ ولو لم ‎اكن‎ منتبها لقتلوني‎.
خلال‎ الهجوم‎‎ الصهيوني‎ قام الجيش‎ بتدمير ساحة‎ الحواشين‎ وسط المخيم‎ حيث وقعت‎ اعنف‎ عمليات‎ القصف، ومعها جرفوا منزل‎ احمد حسين‎ فراج ومنذ ذلك‎ الحين‎ وهو ينتظر. ولم ترده أخبار، وقد أخبر‎ إن‎‎ ابنه عبد الرحمن استشهد. رأى أحدهم جثته‎‎ لكنه لا يعرف‎ شيئا آخر. ويقول‎‎ الرجل المسن‎‎ إن ابنه‎ الأكبر هذا ذهب‎ مع‎ المجاهدين‎‎ كما نقل‎ إليه إن ابنه الثاني‎‎ يحيى خرج‎ من‎‎ بين الأنقاض حيا, هذا ما نقله الناس..
وكان‎‎ احمد حسين فراج‎ ينتظر رحيل‎ الدوريات‎ الصهيونية ليبدأ البحث عن‎ زوجته وجثة‎‎ ابنه سأسأل‎‎ الناس‎ أين رأوها لآخر مره‎‎, وأين رأوا جثة ولدي‎. وسئل‎ العجوز عما كان‎ يعتزم‎ إعادة بناء بيته, فقال كيف ابني‎‎‎‎ بيتي وليس‎ معي أي شي من‎ المال, لقد فقدت‎ كل‎ شي‎‎. ويتابع‎ العجوز والأسى يلفه‎ إنني كالميت‎ غير انه‎‎ يستدرك‎ القول‎‎ ويقول‎ لا تزال‎ هناك‎ بناتي‎ وأنا لا زلت مسؤولا عنهن‎.
ويقترب عجوز فلسطيني آخر من الساحة ببطء، هو الآخر رأى بيته‎‎ تجرفه الجرافات هو الآخر يتملكه‎ الذهول‎ ولا يعرف‎ شيئا عن‎ أسرته . واخذ العجوز يردد أبناء الصهاينة يذهبون‎ إلى المدارس‎ يلعبون‎‎ ويسبحون إما نحن‎ فهذا بحرنا ومسبحنا وهو يشير بذراعه إلى أكوام الدمار الهائلة التي تحولت‎‎ إليها ساحات جنين‎‎ التي‎ تبدو وكان زلزالا عنيفا ضربها فأحالها إلى ركام‎.
ويضيف‎ العجوز بحرقه‎ كل‎‎ النزاعات‎ لها حل إلا قضيتنا نسأل‎ الله‎ أن لا يتخلى‎ عنا.