السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سمى اخي الجوست هذه الصفحة الرحلة السياحية وأنا أسميها قافلة الفرسان في التعرف على الاوطان لأنها ستضرب رحالها في كل مرة في مدينة عريقة من مدن المسلمين ولا أرى بأن الموضوع سينتهي لان أمجاد المسلمين لا يمكن حصرها.

نواصل مع الدولة الاغلبية.

الدّولة الأغلبية

ففي عهدهم تأهّلت القيروان لتصبح مصرا مستقلا عن دار الخلافة ببغداد بعد أن منح الرّشيد سنة 184هـ/800م ولاية إفريقية لإبراهيم بن الأغلب. فاستقامت له الأحوال وطاعت له قبائل البربر. وبني في سنة 185هـ/801م عاصمة جديدة على بعد 3 أميال من القيروان سمّاها العباسيّة لما كان يتوقّعه من تمرد قادة الجند العرب وأشرافهم الذين لم يسلموا له بالإمارة إلا عن مضض. ولم يمض على قيام الدولة الأغلبية ربع قرن حتى اندلعت الانتفاضة على يدي منصور الطنبذي الذي دخل القيروان فوالاه أهلها وحاربوا معه ودامت الحرب بين منصور وبين عسكر زيادة الله على القيروان أربعين يوما انتهت بهزيمة منصور. ولم ير زيادة الله معاقبة أهل القيروان ونار الحرب مازالت متأجّجة فاختار أن يعفو عنهم وصفح عن جميعهم غير أنه جعل عقوبتهم هدم سور القيروان حتى ألصقه الأرض. ولقد حفظ له أهل القيروان ذلك فكانت هذه الانتفاضة آخر تمرد لهم على الأغالبة إلى حد ّسنة 275هـ/888م حين أنكر العامة على إبراهيم الثاني قطع ما كان يتعامل به من النقود وضربه الدّراهم الصحاح ولم يصل الأمر إلى حد المواجهة الدمويّة إذ نزل إبراهيم الثاني بنفسه وشق سماط القيروان وسكن أهلها وأرضاهم .

وقد شهد العهد الأغلبي بلورة أهم المدارس الفقهيّة بإفريقية وسيطرة المذهبين المالكي والحنفي حيث اشتدّ التنافس بالقيروان بين الحنفيّة والمالكيّة ، وان ظلّ المذهب الحنفي أقل رواجا وشيوعا فإنّه كان يتّخذ أنصاره من بين الطّبقات الخاصة والفئات الاجتماعية الرّاقية وكان من أبرز فقهائه ابن فروخ ( المتوفي سنة 201 هـ ) وأسد بن الفرات ( المتوفى سنة213 هـ) وأبي محرز وسليمان بن عمران. وخلافا لذلك فقد كان فقهاء المالكية أقرب للعامة وأشد التصاقا بهم ممّا سمح بنشر مذهبهم وترجيح كفته .

وقد احتدم الصّراع بين المذهبين بالقيروان فيما يتعلق بالعديد من الآراء الفقهيّة كان من أهمّها مسألة صفات الله ومسألة تحريم النبيذ و مسألة خلق القرآن التي أثيرت بإفريقية بنفس الشدّة التي أثيرت بها في المشرق واشتدّ النقاش فيها وانقسم الناس حولها إلى فريقين فمن قائلين بخلق القرآن وهم المعتزلة إلى منكرين لذلك وهم أهل السنة من المالكية خاصة وقد تطاول المعتزلة وحاولوا فرض رأيهم بعد ثورة القصر سنة 231هـ/846 م التي أطاح فيها أحمد بن الأغلب بأخيه محمد واعتنق المذهب المعتزلي فتصدي له رجال المالكيّة ونالت المحنة سحنون بن سعيد حتى ضرب بالسياط ونودي بأن لا يفتي ويلزم داره . إلاّ أن تغيير الوضع السياسي باسترجاع محمد الأول الحكم سنة واحد بعد النّكبة قد سمح بإعادة بروز الحزب السني الذي كان له دور لا يستهان به في ترجيح كفة الشرعيّة. فسطع نجم سحنون بن سعيد بتوليه القضاء سنة 234 هـ/849م فدعم المذهب المالكي وركزّه ونظّم مجتمع القيروان على أسس ثابتة وشرّد أهل البدع وقضى على الخلافات داخل المذهب السني وفرض مشاركة بارزة لرجال الدين والفقهاء في الحياة السياسيّة بإفريقية.

وقد تميّز الأغالبة بسلوك سياسة متوازنة بين المالكيّة والحنفيّة وحاولوا توزيع المناصب بينهم ودعّموا المذاهب السنيّة بإزاحة الثائرين وقمع الثورات الأباضيّة والخارجيّة .

وقد عرفت القيروان في العهد الأغلبي أزهي أيّامها وحباها أمراؤها بأجل معالمها ، حيث قام زيادة الله الأول منذ سنة 221هـ/ 836 م بإعادة بناء جامعها بما يتلاءم ومنزلة عاصمته الروحية والسياسيّة وقام بتوسيع بيت صلاته، ولم تمض على ذلك عشرون سنة حتى دعت الحاجة أبا إبراهيم أحمد لإضافة بلاطة أخرى تتوسطها قبة تعرف بقبة البهو تعتبر من روائع الفن الإسلامي وأحاط صحن الجامع بالمجنبات من جميع جهاته وفي ذلك دليل قاطع على سرعة ازدياد عدد المصلين ووجوب الاستجابة لحاجتهم لأداء فريضة الصلاة من يوم الجمعة وهو معيار ثابت ينم عن تطور سكان المدينة المطّرد.

وأبو إبراهيم هو الذي قام بتكليف خادمه خلف الفتى سنة 246هـ/859م ببناء البركة فكانت من أعظم المنشئات المائية في الإسلام وهي بأبعادها الشاسعة تعد إسهاما تذكاريا لمجد المدينة الصامدة وعطاء للجانب المختل من حياتها والمعبّرة عن معركتها القديمة ضد العطش والقحط. كما أقام الأغالبة القناطر كقنطرة أبي الربيع وقنطرة داود بن حمزة تيسيرا للوافدين عليها من جميع الآفاق . ويبدو جليا من خلال المصادر التاريخيّة أن القيروان عرفت خلال حكم الأغالبة أسرع نسق في نموها ، حيث حباها أمراؤها بأروع مآثرها وأصبحت محط رحال تجارة الرقيق والعاج والذهب المستجلب من بلاد السودان إلى جانب التجارة المغربيّة .

إلاّ أن السياسة الدّمويّة التي سلكها إبراهيم الثاني وحياة العبث والمجون التي ميّزت حكم زيادة الله الثالث ( 290-296هـ/ 903-909م) جعلت أهل القيروان ينفرون الإمارة الأغلبية ويرفضون دعمها أمام المد الشيعي فسقطت المدينة بدون مقاومة في أيدي جيوش أبي عبد الله الصنعاني سنة 296هـ/909م.

الحلقة القادمة تشاهدون

الخلافـة الفاطميـّة

تحياتي.