واختم كلامي مع حضرتك انتظارا لردك بسؤال هل هذا هو المسيح؟



استعرض بعض ما ينسبه كتاب العهد الجديد إلى المسيح من أخلاق أو صفات لا يليق أن تصدر من كرام البشر وعقلائهم، فضلاً عن أن يقع فيها نبي كريم جعله الله قدوة صالحة للعالمين.

وثمة صور كثيرة تسيء للمسيح، لن يغفرها مدح الأسفار للمسيح في مواطن أخرى، ومن أهم تلك الصور المزرية التي نسبها الإنجيليون للمسيح زوراً وبهتاناً:

-أن متى يتهم المسيح بعدم الحرص على وصول ضعاف الإيمان إلى المغفرة والهداية، بل قام بحجب أسبابها عنهم " ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل، قال لهم: قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله، وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء. لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم.

ثم قال لهم: أما تعلمون هذا المثل.فكيف تعرفون جميع الأمثال... وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا.... وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء" (مرقس 4/10-33)، فقد كان يخص التلاميذ بالبيان، ويحرمه آخرين " لئلا يرجعوا، فتغفر لهم خطاياهم ".

أن الأناجيل ذكرت وصية المسيح بالأم والأب، ثم لما كان المسيح في عرس بقانا تذكُر أنه أساء لوالدته، ففي يوحنا أنها طلبت منه تحويل الماء الذي في الجرار إلى خمر يشربه أهل العرس فقال لها : " مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد " ( يوحنا 12/4 )، وهي ذات الكلمة التي قالها للزانية التي أتي بها لترجم " قال لها: يا امرأة" (يوحنا 8/10).

ثم في موطن آخر تتهمه الأناجيل بشرب الخمر، فتقول بأن المسيح قال لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/9).

هذا ما تذكره الأناجيل، تسيء به للمسيح وأمه، فيما نرى القرآن يقول عنها، عن المرأة التي ينسب لها يوحنا أمر صنع الخمر، فيصفها ويقول : يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (آل عمران: 33).

والابن الذي يذكر الإنجيليون إساءاته لوالدته يكذبهم القرآن في خبره، إذ يقول على لسانه : وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً (سورة مريم: 32).

وأكمل بولس المأساة حين دعا لشرب الخمر فقال: " لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (ثيموثاوس (1) 23/5)، وكان سفر الأمثال قد اعتبر شرب الخمر وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، إذ ينسيهم أتعابهم وآلامهم، إذ يقول: " أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد " (الأمثال 31/6-7).

لكن المجتمعات ا لمسيحية لم تلتزم بالقليل الذي أحله ودعا لشربه بولس، فتحولت إلى مجتمعات مدمنة بها عشرات الملايين من المدمنين، إنه أثر آخر من آثار الكتاب المقدس.

-ولما جاء واحد من تلاميذه يخبره أن أمه وإخوته ينتظرونه ليكلموه، فقال: "من هي أمي ؟ ومن هم إخوتي ؟!" ( متى 12/48 )، فهل يعقل أن المسيح يتجاهل أمه بهذه الطريقة؟

-وينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: " إن كان أحد يأتي إلي، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 - 27 )، ثم يتابع لوقا الشروط المستحيلة للتلمذة، فيقول: "فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14/33).

فإضافة إلى كون هذه الشروط للتلمذة مستحيلة، فإنها غير ملائمة للفطرة، والأمر ببغض الأقارب غير مقبول من الناحية الأخلاقية، والمسيح لا يعقل أن يأمر ببغض الآباء والأمهات.

-ومثله لا يصح أن ينسب للمسيح ذلك القول المريع الذي ينسبونه لنبي المحبة والسلام، وهو قوله: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته " (متى10/34 - 36)، فهل جاء المسيح لنشر الفساد والبغضاء! إنها إساءة كبرى لهذا النبي العظيم، تدل على كذب الكتبة الذين يزعم المسيحيين أنهم يكتبون كلمة الله.

ويشبهه قول لوقا: "جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت.. أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض.كلا، أقول لكم: بل انقساماً. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب. والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها" (لوقا 12/49- 53)، فهل صدق الإنجيليون حين زعموا أن المسيح كان نبي فساد، حاشاه، فهذا بهتان عظيم.

وتبع رجل المسيح ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال: " اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم " ( متى 8/22 )، فهل يفعل هذا كرام الناس؟ وهل هذا من البر بالوالد؟ وما الأثر الذي يتركه هذا النص على قارئه؟ أليس سبباً في كثير مما نراه من العقوق والجفاف في المجتمعات الغربية المسيحية؟

واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له، بل أنَّبه "وقال آخر أيضاً: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي، فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 69/61-62)، لا يصلح لملكوت الله لأنه أراد وداع أهله! أي دين هذا، وأي تعاليم هذه؟ هل هذا ما تحث عليه كلمة الله؟

ولا ريب أن هذه النصوص وأمثالها سبب لكثير مما تعانيه أوربا والغرب من تفكك أسري وتقاطع بين الأرحام بل وفي الأنساب.

-ومن الجفاء الذي يتنره عنه المسيح، بل وكرام البشر، ما جاء في متى: " تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام" (متى 17/14-16)، إذ ليس من مبرر لهذا التبرم من قضاء حوائج الناس.

-ومرة أخرى تبالغ الأناجيل في الإساءة للمسيح في قصة المرأة الكنعانية أو الفينيقية التي جاءت إلى المسيح تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، وهي تبكي، وتقول : " ارحمني يا سيد، يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين : اصرفها، لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة : يا سيد أعني. فأجاب وقال : ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت : نعم يا سيد، والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها : يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين " ( متى 15 /22 - 28 ).

فمثل هذه الغلظة وهذا الجفاء مع قدرته على شفاء ابنتها لا مبرر له، كيف لا يشفق ولا يرحم تلك المسكينة، وكيف يشبهها، بل وجميع الأمميين من غير اليهود بالكلاب؟! وفي مرة أخرى شبههم بالخنازير، حين أوصى فقال: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير" (متى 7/6).

ولا يقبل أن يوصم المسيح - الذي يزعمون أنه نزل لخلاص العالم - بمثل هذه التفرقة العنصرية البغيضة.

وإذا قيل ذلك بحق المسيح وهو الرسول القدوة، فلا عجب بعد ذلك في انتشار التفرقة العنصرية التي يؤكدها العهد الجديد بقول بولس: " لكن ماذا يقول الكتاب ؟ اطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة " ( غلاطية 4/31 ).

كم هو الفرق بين هذه النظرة العنصرية وما جاء في القرآن الكريم } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات : 13).

ثم هذه الأخلاق العنصرية والقاسية تتعارض مع أخلاق أخرى لا تقل غرابة عنها ذكرها متى حين قال بأن المسيح يقول: " أحبوا أعداءكم، وباركوا لاع###م، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "
( متى 5/44 ).

يقول ولديورانت: " إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى... إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانباً العدالة، وإن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير ".

-وينسب يوحنا للمسيح عليه السلام الكذب - وحاشاه - فيذكر يوحنا أن التلاميذ طلبوا من المسيح أن يذهب لليهودية ( أورشليم ) ويظهر معجزاته في عيد المظال، فقال لهم: "اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يكمل بعد، قال لهم هذا، ومكث في الجليل.

ولما كان إخوته قد صعدوا، صعد هو أيضاً إلى العيد، لا ظاهراً، بل كأنه في الخفاء... " (يوحنا 7/8 - 10 )، وإذا كانت الأسفار قد نسبت الكذب للرب المتجسد، فماذا عساه يصنع البشر!.

فهذا كذب صريح لا يليق بأن ينسب للمسيح، فإن قرأه النصارى في كتابهم عن المسيح - وحاشاه - فلا عجب بعد ذلك أن يصابوا جميعاً بداء الكذب.

ويعجب المرء لكثرة التعري في الغرب النصراني، ولكن لا عجب عند من تأمل سوءة أخرى تنسبها الأسفار للمسيح عليه السلام، ألا وهي التعري أمام التلاميذ، فقد جاء ذلك في قصة غسل المسيح أرجل التلاميذ، يقول يوحنا: "قام عن العشاء وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتّزر بها، ثم صبّ ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها... فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضاً، قال لهم: أتفهمون ما قد صنعت بكم" (يوحنا 13/4-12).

ومن نسب العري للمسيح لن يخجل من نسبة العري لرسله وتلاميذه، فقد ذهبوا للسباحة في بحيرة طبرية، وقد وقف سمعان إلى جانب البحر عارياً حتى من الإزار الذي يغطي عورته، ولما جاء المسيح لم يعرفه "فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب، اتزر بثوبه، لأنه كان عرياناً، وألقى نفسه في البحر" (يوحنا 21/7).

-وتذكر الأناجيل على لسان المسيح الكثير من السباب والشتائم لليهود، وهم مستحقون لذلك، غير أن مثل هذا لا يصدر من نبي أرسله ربه ليعلم قومه حميد الأخلاق، كما لا يصدر ممن يقول: " باركوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم "
( متى 5/44 ).

فكيف يقول بعد ذلك لقومه: قال المسيح وهو يخاطب جموعهم : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون …. ويل لكم أيها القادة العميان … أيها الجهال والعميان … أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ "
( متى 23/13 - 37 ).

وهل يعقل أن يقول ذاك الذي أمر بمباركة أعدائه ومحبتهم والإحسان إليهم، هل يمكن أن يقول لهم: " يا أغبياء " (لوقا 11/37)، أو أن يصفهم بأنهم كلاب وخنازير: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم" (متى 7/6).

وقد طال السباب المنسوب للمسيح حتى تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وقال لبطرس: "اذهب عني يا شيطان " ( متى 16/23 ).

وقال مخاطبا إياه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 ).

لكن الداهية الدهياء حين ينسب كُتاب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف، جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.

وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/7-12).

ثم وفي موطن آخر يتوعد بجهنم من قال لأخيه أقل من ذلك، فيقول: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/23).

وقريباً من هذا السباب ما يقوله بولس في مواطن كثيرة من رسائله، منها: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر" (فيلبي 3/2)، ومثله كثير...

ثم يذكر بولس أن من بين الذين يحرمون من الملكوت أولئك الذين يشتمون، فيقول: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (كورنثوس (1) 6/10)، فهل تراه يقصد نفسه والمسيح أم أن لهما امتيازاً على سائر الشاتمين، أم هو ضلال البشر حين ينسبون القبائح لأحد أكرم المرسلين، ثم يزعمون أنه كلمة الله؟

ولا عجب بعد ذلك ما فعل البشر من السباب والقبح والرذيلة.

ويستمر الإنجيليون في الإساءة المتعمدة للمسيح عليه السلام، ويرميانه بالمزيد من القبائح وهم يتحدثون عن نسب للمسيح الذي ليس له نسب بشري، والعجيب أنهم جعلوا نسب يوسف النجار نسباً للمسيح الذي لا أب له، وليس ثمة علاقة بينه وبين يوسف النجار، ولو كان المذكور نسب مريم لكان له وجه، أما يوسف النجار فلا وألف لا.

ونسبة المسيح ليوسف النجار علاوة على أنها غير حقيقية، فإنها تؤكد ماكان اليهود يشيعه عن مريم وابنها، وما هو موجود في تلمودهم من قولهم على مريم البتول الطاهرة بهتاناً عظيماً.

وعند التأمل في نسب متى ، فإنا نلحظ أنه ذكر في نسب المسيح أربع جدات للمسيح هن ثامار، وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي، وراحاب، وراعوث. فما السر في ذكر هؤلاء الجدات دون سائرهن ؟ هل كن نساء فوق العادة حتى خلدهن الإنجيل؟ هل ثمة درس يعلمنا إياه الكتاب المقدس بخصوص تعظيم المسيح عليه السلام؟

إن لكل واحدة من الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. ( انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/2 - 30 ).

وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجر بها، وهي زوجة قائده أوريا الحثي، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته، وكان من أولادها النبي سليمان أحد أجداد المسيح. ( انظر القصة في صموئيل (2) 11/1 - 4 ).

وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " ( يشوع 2/1 )، وذكر قصة زناها في سفره.

وأما راعوث فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد، والتوراة تقول: " لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " ( التثنية 23 / 3 ).

ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها.

وهنا يقف المرء حائراً متسائلاً عن سر الاهتمام بهؤلاء الجدات دون سائر الجدات ، ولا أجد من تفسير إلا أن هناك من يرغب في تلطيخ سمعة الأنبياء والنيل منهم والحط من شرفهم بدء من نوح وانتهاء بالمسيح ، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

وفي محاولة يائسة لتبرير هذه السقطة لمتّى وتلك الإساءة الكبرى منه لشخص المسيح، يقول القمّص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: "المسيح وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجست لكي يطهرها، أي يريد أن يقول: إن من جاء من أجل الخطاة ولد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع ".

وأما أجداد المسيح الذكور الذين ذكر متى منهم اثنان وثلاثون أباً ( إلى دواد ) وذكر لوقا اثنان وأربعون أباً، فهؤلاء أيضاً لا يتشرف المسيح بأن يكونوا من آبائه - لو كان ما تذكره التوارة صحيحاً، وحاشا أن يكون ذلك صحيحاً - ، فإن أربعة من هؤلاء الآباء تذكر التوراة أنهم فعلوا الزنا، وبعضهم كان الزنا المنسوب إليه زنا محارم، وهؤلاء الأربعة هم يهوذا، وداود، وسليمان، ورحبعام.

وأما يهوياقيم بن يوشيا أحد الأجداد المزعومين للمسيح، فهو اسم آخر يسيء للمسيح عليه الصلاة والسلام، فيهوياقيم ملك فاسد، عاقبه الله بالحرمان ونسله من بعده، فقال عنه: " لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " (إرميا 36/30 - 31 ).

ويهوياقيم أحد أجداد المسيح الذين أغفل متى ذكرهم ، فقد ذكر أباه يوشيا وابنه يكينيا ، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل " (متى 1/11).

وهو بذلك تجاهل اسم يهوياقيم، وفي سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/14-15)، فيهوياقيم اسم أسقطه متى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا.

ولا يخفى على فطنة القارئ سبب إسقاطه لاسم هذا الملك الفاسق المحروم وذريته من الجلوس على كرسي داود.

إذ أن ذلك الوعيد ليهوياقيم يتعارض مع زعم النصارى أن المسيح سيرث كرسي داود، فإن لوقا في أعمال الرسل: "من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، ليجلس على كرسيه " ( أعمال 2/30 ) ويقول: " الرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه " ( لوقا 1/32 )، فلم يجد متى من سبيل لإزالة التعارض إلا أن يسقط اسم يهوياقيم من سلسلة أجداد المسيح، ولعله ظن أن صنيعه سيُذهل القارئ عن هذا العيب الكبير، الذي يحرم المسيح من أحد أعظم نبوءات وبشارات الكتاب المقدس.

وكعادة المفسرين المغرمين بالبهلوانيات يقول مفسرو الإنجيل وعلماء اللاهوت لتبرير ذكر هؤلاء الأجداد وأولئك الجدات المذكورات للمسيح : " هنا تكمن الروعة برُمتها، فإن الله أحب الخطاة إلى درجة أنه لن يستنكف أن يجعل أسلاف ابنه مثل هؤلاء ".

وهكذا ترى يا صديقي في هذه الإساءات المتلاحقة من الإنجيليين للمسيح عليه الصلاة والسلام دليلاً آخر يشهد ببراءة وحي الله عن هذا السفه، وذلكم الإفك الذي يتنزه عنه أنبياء الله الكرام، الهداة الدعاة، ملح الأرض وزينتها، ومنهم سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.

بانتظار ردك تقبل تحياتي وتقديري