[frame="1 10"]
ثم أن اولئك المغمورين يهدم عليهم القبور ليموتوا، ولايظهروا امره، واعتقد ان دماء اولئك مباحة بدون هذا، وانه يجوز له اظهار هذا الباطل ليقوم اولئك الجهال بنصره واتباعه. وقد ذكر عنه أهل المغرب واهل المشرق الذين ذكروا اخباره من هذه الحكايات انواعاً وهي مشهورة عند من يعرف حاله عنه...).
واستحل دماء الوف مؤلفة من اهل المغرب المالكية، الذين كانوا من اهل الكتاب والسنة على مذهب مالك واهل المدينة. يقرؤن القرآن والحديث: كالصحيحين، والموطأ وغير ذلك والفقه على مذهب اهل المدينة فزعم انهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل هذه المقالة، ولايعرف عن احد من اصحاب مالك القول بالتشبيه والتجسيم.
واستحل أيضاً اموالهم وغير ذلك من المحرمات بهذا التأويل ونحوه من جنس ماكانت تستحله الجهمية المعطلة - كالفلاسفة والمعتزلة وسائر نفاة الصفات - من أهل السنة والجماعة...
ومذهب السلف وأئمتها ان يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولاتمثيل، فلا ينفون عن الله ما أثبته لنفسه، ولايمثلون صفاته بصفات خلقه، بل يعلمون أن الله ليس كمثله شيء. لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في افعاله فكما أن ذاته لاتشبه الذوات، فصفاته لاتشبه الصفات.

والله تعالى بعث الرسل فوصفوه باثبات مفصل، ونفي مجمل، واعداء الرسل: الجهمية الفلاسفة ونحوهم وصفوه بنفي مفصل واثبات مجمل. فان الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بأنه: بكل شيء عليم وانه على كل شيء قدير وانه حي قيوم، وانه عزيز حكيم، وانه غفور رحيم، وأنه سميع بصير. وأنه يحب المتقين والمحسنين والصابرين وانه لايحب الفساد، ولايرضى لعباده الكفر، وانه رضي عن المؤمنين ورضوا عنه، وانه يغضب على الكفار ويلعنهم، وانه إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه. وانه كلم موسى تكليما، وان القرآن نزل به الروح الأمين من الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. كما قال: "نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين" و: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ناد مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكوه: فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار، قال فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما اعطاهم شيئاً احب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة" وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح انه قال: "انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لاتضامون في رؤيته" و "ان الناس قالوا: يارسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضامون في رؤية الشمس صحواً ليس دونها حجاب؟ قالوا: لا. قال: فانكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر" فشبه صلى الله عليه وسلم الرؤية بالرؤية ولم يشبه المرئي بالمرئي فإن العباد لايحيطون بالله علما، ولاتدركه ابصارهم. كما : {لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} .
وقد قال غير واحد: من السلف والعلماء إن "الادراك" هو الاحاطة فالعباد يرون الله تعالى عيانا ولا يحيطون به. فهذا وأمثاله مما أخبر الله به ورسوله.
و في النفي: { ليس كمثله شيء } {فلا تجعلوا لله أنداداً}
{هل تعلم له سميا } {ولم يكن له كفواً أحد } فيبين في هذه الآيات ان الله لاكفو له، ولا ند له، ولا مثل له ولاسمي له، فمن قال: إن علم الله كعلمي، أو قدرته كقدرتي او كلامه مثل كلامي، او ارادته ومحبته ورضاه وغضبه مثل إرادتي ومحبتي ورضائي وغضبي، أو استواءه على العرش كاستوائي، أو نزوله كنزولي، او اتيانه كأتياني، ونحو ذلك فهذا قد شبه الله ومثله بخلقه. تعالى الله عما يقولون، وهو ضال خبيث مبطل بل كافر.
ومن قال: ان الله ليس له علم، ولاقدرة ولا كلام، ولامشيئة، ولا سمع ولابصر، ولامحبة ولارضى، ولاغضب، ولا استواء ولا اتيان ولانزل فقد عطل اسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وألحد في أسماء الله وآياته وهو ضال خبيث مبطل بل كافر، بل مذهب الأئمة والسلف اثبات الصفات ونفي التشبيه بالمخلوقات اثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، كما قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ماوصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ماوصف به نفسه ولارسوله تشبيهاً.
ومما يبين ذلك. ان الله تعالى اخبرنا ان في الجنة ماءً ولبناً وخمراً وعسلاً ولحماً وفاكهة وحريراً وذهباً وفضة وغير ذلك. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء فاذا كانت المخلوقات في الجنة توافق المخلوقات في الدنيا في الاسماء، والحقائق ليست مثل الحقائق، فكيف يكون الخالق مثل المخلوق اذا وافقه في الاسم؟!
والله تعالى قد اخبر انه سميع بصير. واخبر عن الإنسان انه سميع بصير، وليس هذا مثل هذا، واخبر انه حي، وعن بعض عباده انه حي، وليس هذا مثل هذا. وأخبر انه رؤوف رحيم، واخبر عن نبيه أنه رؤوف رحيم، وليس هذا مثل هذا. واخبر انه عليم حليم، واخبر عن بعض عباده بأنه عليم حليم، وليس هذا مثل هذا. وسمي نفسه الملك، وسمى بعض عباده الملك، وليس هذا مثل هذا. وهذا كثير في الكتاب والسنة، فكان سلف الأمة وأئمتها كأئمة المذاهب مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وغيرهم. على هذا إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل لايقولون بقول أهل التعطيل، نفاة الصفات، ولايقول أهل التمثيل المشبهة للخالق بالمخلوق، فهذه طريقة الرسل ومن آمن بهم وأما المخالفون للرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - من المتفلسفة وأشباههم - فيصفون الرب تعالى "بالصفات السلبية" ليس كذا، ليس كذا، ولا يصفونه بشيء من صفات الاثبات، بل بالسلب الذي يوصف به المعدوم فيبقى ماذكروه مطابقاً للمعدوم، فلا يبقى فرق بين مايثبتونه وبين المعدوم وهم يقولون: إنه موجود ليس بمعدوم، فينافقون يثبتونه من وجه، ولايجحدونه من وجه آخر. ويقولون: إنه وجود مطلق، لا يتميز بصفة.
وقد علم الناس ان المطلق لايكون موجوداً، فانه ليس في الأمور الموجودة ماهو مطلق لايتعين، ولا يتميز عن غيره، وإنما يكون ذلك فيما يقدره المرء في نفسه، فيقدر امراً مطلقاً، وان كان لاحقيقة له في الخارج، فصار هؤلاء المتفلسفة الجهمية المعطلون لايجعلون الخالق سبحانه وتعالى موجوداً مبايناً لخلقه، بل إما أن يجعلوه مطلقا في ذهن الناس، او يجعلوه حالاً في المخلوقات، أو يقولون هو وجود المخلوقات ومعلوم أن الله كان قبل ان يخلق المخلوقات، وخلقها فلم يدخل فيها، فليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولافي ذاته شيء من مخلوقاته، وعلى ذلك دل الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، فالجهمية المعطلة نفاة الصفات من المتفلسفة والمعتزلة وغيرهم - الذين امتحنوا المسلمين، كما تقدم - كانوا على هذا الضلال، فلما أظهر الله تعالى أهل السنة والجماعة، ونصرهم. بقي هذا النفي في نفوس كثير من اتباعهم، فصاروا يظهرون تارة مع الرافضة القرامطة الباطنية، وتارة مع الجهمية الاتحادية وتارة يوافقونهم على انه وجود مطلق، ولايزيدون على ذلك.
وصاحب المرشدة كانت هذه عقيدته كما صرح بذلك في كتاب له كبير شرح فيه مذهبه في ذلك ذكر فيه ان الله تعالى وجود مطلق، كما يقول ذلك ابن سينا وبن سبعين وأمثالهم.
ولهذا لم يذكر في "مرشدته" الاعتقاد الذي يذكره أئمة العلم والدين من أهل السنة والجماعة أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام وغيرهم من اتباع الأئمة الأربعة وغيرهم، كما يذكره أئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وأهل الكلام! من الكلابية والأشعرية والكرامية وغيرهم، ومشائخ التصوف والزهد، وعلماء أهل الحديث فان هؤلاء كلهم متفقون على ان الله تعالى حي عالم بعلم، قادر بقدرة. كما : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} و: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} و: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} . {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة. ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك واسألك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا اعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه باسمه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري، فأقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري فاصرفه عني واصرفني عنه. واقدر لي الخير حيث كان. ثم ارضني به" .
يتبع
[/frame]