بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله.
العقيدة من العقد والوثاق،والاعتقاد هو الحكم الذهني الجازم على الشيء بحيث ينعقد على المخ عقداً وثيقاً،فإن كان صحيحاً صح المخ وسلم القلب،وإن كان خاطئاً فسد المخ وضعف القلب ،ويضعف البدن كتحصيل حاصل.
وسمي أهل السنة والجماعة بأهل السنة لأنهم متمسكون بها،والجماعة لأنهم اجتمعوا عليها.
اعلموا يا أخواني وأخواتي أن عقيدة توحيد الله تشتمل على ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية _ توحيد الألوهية _ توحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية:
إفراد الله في ثلاثة أمور:الخلق _ الملك _ التدبير
فإن قال قائل:إن الله تبارك وتعالى قال في كتابه:"فتبارك الله أحسن الخالقين" فهل يعقل وجود خالقين مع الله؟قيل:إن الخلق في اللغة هو الإيجاد،وخلق الله إيجاد من العدم،وأما خلق غير الله فهو إيجاد من مثال أو أصل سابق مثل إيجاد سلطة الخضار من الخضار،وخالق العناصر على الحقيقة والأصل هو الله.
وإن قال قائل:كيف يكون الله متفرداً بالملك رغم وجود ملوك غيره؟قيل:ملك الله على كل شيء مطلق لا يحده شيء على الإطلاق،وملك غير الله مقيد دائماً،فما تحت يدي لي ،وما تحت يد غيري ليس لي بالضرورة،حتى ما تحت يدي أنا ليس لي حرية التصرف فيه مطلقاً.
كذلك الأمر بالنسبة لتفرد الله في التدبير.
توحيد الألوهية:
هو إفراد الله بالعبادة،ويسمى أيضاً توحيد العبادة،فباعتبار إضافته إلى الله يسمى توحيد ألوهية،وباعتبار إضافته إلى العبد يسمى توحيد عبادة.
والعبادة مبنية على أمرين:المحبة والتعظيم،ومن المحبة تنشأ الرغبة،ومن التعظيم تنشأ الرهبة،ومن المحبة يأتي الرجاء،ومن التعظيم يأتي الخوف،ومن المحبة يأتي امتثال الأوامر،ومن التعظيم يأتي اجتناب النواهي،ومن هنا فقول القائلين:"عبدنا الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته ولكن شوقاً إليه ومحبة به"قول فاسد،لأن الله مدح من يعبده خوفاً وطمعاً ويرجوا رحمته ويخشى عذابه في مواضع لا سبيل لحصرها في هذا المقام،ولم يأتِ موضع واحد من كتاب ولا سنة بما ادعى به هؤلاء،والصواب أن نقول:"عبدنا الله خوفاً من ناره وطمعاً في جنته وشوقاً إليه ومحبة به".
وبالنسبة لتوحيد الألوهية،قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في كتابه:"لا يدعون مع الله إلهاً آخر"فكيف يكون الله متفرداً بالألوهية ومقراً بألوهية غيره؟قيل:ألوهية الله ثابتة وألوهية غيره باطلة،نأتي بمثال عل ذلك ولا تشبيه،لدينا طبيبان،الأول معه شهادة طب ويجيد المهنة،والثالث ليس معه شهادة ولا يعرف شيئاً عن الطب ويدعي أنه طبيب،فيقال للأول:"طبيب بحق"ويقال للثاني:"طبيب كذاب".
مدار ضلال الكثير من البشر وحتى كفار قريش على إنكار توحيد الألوهية وإثبات الربوبية،حتى إبليس،ولكن خالف الكثير الكثير توحيد الربوبية ،حتى ممن يدعي الانتساب إلى أهل القبلة،ومثال ذلك أرباب الطرق الصوفية الذين ادعوا بأن مشايخهم الأقطاب والأوتاد يتحكمون بالعالم ويغيثون في الشدائد والنوازل،والرافضة الذين اعتقدوا نفس الشيء في أئمتهم الاثني عشر كما هو معروف عنهم،لكن مدار جهل معظم المنتسبين إلى القبلة هو خلطهم في مسألة توحيد الأسماء والصفات التي نفصلها الآن بعون الله وتوفيقه،لكن قبل أن ندخل فيه ينبغي علينا الإشارة إلى أمر مهم للغاية،ألا وهو أن الكثير من التكفيريين والخوارج أضافوا ركناً رابعاً سموه "توحيد الحاكمية"أرادوا به تكفير كل من لم يحكم بما أنزل الله،ومن لم يحكم بما أنزل الله ليس كافراً بالضرورة،وتفصيل ذلك كالتالي:
لو سأل أي شخص :"أيهما أقرب إلى الحكم بما أنزل الله،هل هم بني أمية وبني العباس أم الدول الإسلامية المعاصرة؟"بني أمية وبني العباس أقرب للحكم بما أنزل الله بلا ريب ولا شك،فعلى أقل تقدير كانت الخلافة موجودة وقتها ولم تنتهي الخلافة إلا في عهد مصطفى كمال أتاتورك عليه من الله ما يستحق إلى يوم الدين .
لكن أنا لن أتوقف في صدد بني أمية وبني العباس والدفاع عنهما،بل سأتكلم عن الحكم الشرعي في من لم يحكم بما أنزل الله بصورة عامة تشمل كل زمان ومكان وعلى ضوء القرآن الكريم الذي تعاهدنا على ألا نتجاوزه ،لكن بفهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ،فمن جهة فهو ترجمان القرآن وحبر الأمة بتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه له،ومن جهة أخرى فهو وأبوه رضي الله عنهما من آل البيت النبوي الأطهار رضوان الله عليهم.
قال الله تعالى :" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
والآن اقرأوا معي أقوال أهل التفسير في هذه الآية الكريمة:
قال وكيع عن سعيد المكي عن طاوس قال :" ليس بكفر ينقل عن الملة"
قال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : "كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق"ونوضح بعون الله كيف يكون الكفر والظلم والفسق أكبراً مخرجاً عن الملة أو أصغر لا ينقل عن الملة.
غلت في مسألة التكفير طائفتان،طائفة غلت في عدم التكفير حتى قالوا"لا يضر ذنب مع إيمان كما لا ينفع عمل مع كفر،وإيمان أحط البشر كإيمان جبريل وميكائيل فضلاً عن أبي بكر وعمر"رضي الله عنهما وأرضاهما،هذه الطائفة تسمى بالمرجئة،وأما الطائفة الثانية فقد غلت في التكفير حتى أخرجوا فاعل الكبيرة من الزنا والسرقة والقتل من الإسلام بالكلية وقالوا بأنه كافر في الدنيا مخلد في النار يوم القيامة،ألا وهم الخوارج،وبهذه المناسبة نذكر بأن المعتزلة قالوا بأن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين،وهذا أيضاً قول باطل لا دليل عليه لا في القرآن ولا في السنة المطهرة،فالله تعالى يقول "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"طبعاً سبب ضلالهم أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً لا يتجزء،وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل،يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية،والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر ونذكر منها قوله تعالى:" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً".
ولتوضيح عقيدة أهل السنة والجماعة في فاعل الكبيرة يجب علينا أن نعرف الكفر،الكفر لغة الغطاء،واصطلاحاً:قول أو فعل أو عمل مخالف للشرع يغطي إيمان المرء ،وهذا الغطاء إما أن يكون كلياً مخرجاً عن الملة،أو جزئياً لا يخرج عن الملة،ودليل تقسيمه إلى أكبر وأصغر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد في الصحيحين وغيرهما:" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"وهنا فلقد فرق أهل العلم ومنهم ابن تيمية رحمه الله بين مفهومين هما الإيمان المطلق،ومطلق الإيمان،وفاعل الكبيرة الذي توافرت فيه شروط الإيمان مع كبيرته فقد الإيمان المطلق،الذي هو درجة كبيرة من الإيمان،ولكنه لم يفقد مطلق الإيمان،الذي هو جذر الإيمان أو جذوته أو أصله في قلبه،ثم إن التكفير يعد من أخطر أبواب الفتوى على الإطلاق،يعد الراسخون في العلم حتى المليون قبل أن يدخلوا فيه للحديث الوارد في الصحيحين وغيرهما وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"ورجائي الوحيد لأخوتي وأخواتي كلما رأوا تكفيرياً أن يسألوه على سبيل المثال:"هل تحفظ مناسك الحج أو العمرة؟"أو اسألوه:"عدد واجبات الصلاة أو سننها "ولا نريد إحراجهم بالأسئلة ولكننا نريد عملاً مثمراً يعود على أمتنا بالنفع وأن نشغل أوقاتنا بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ضوء فهم سلفنا الصالح رضوان الله عليهم،نكمل أقوال أهل التفسير في الآية المذكورة.
قال السدي: "ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين"ويوضح هذا المعنى القول التالي:
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : "من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق"بمعنى،أن شرط خروج من لم يحكم بما أنزل الله عن الملة هو الجحود،بمعنى أوضح،لو سرق السارق أكثر من النصاب وهو يعلم في قرارة نفسه أن هذا من الكبائر تقطع يده ،ولكن إذا اعتقد بأن السرقة حلال فإنه يخرج عن الملة بعد قيام الحجة والاستتابة حتى ولو لم يسرق في حياته ولو مرة واحدة،فشرط تكفير من لم يحكم بما أنزل الله أن يعتقد بأن القوانين الوضعية الفاجرة أفضل من الحكم بالشرع،والاعتقاد محله القلب ونحن لا نحكم على الظاهر لسبب بسيط وهو أن من حسن إيمان المرء حسن ظنه بغيره وسوء ظنه بنفسه وليس العكس،فإن قال قائل:"إنهم يقيمون المحاكم ويضعون الدساتير التي تحكم بالقوانين الوضعية،فماذا تريد أكثر من هذا الدليل على جحود الحكم بشرع الله؟"نقول،ربما قام شارب للخمر بفتح خمارة والعياذ بالله،وهذا بلا منكر عظيم بلا ريب وبلا شك،طيب هل كشفنا عن قلبه وعرفنا أنه استحل الخمر بهذا العمل؟ليس بالضرورة،ثم يجب أن يفهم التكفيريون بأن إقامة الحدود شأن أولياء الأمر فقط،ولو تُرِكَ الأمر لآحاد الناس فستتحول أمتنا بالكامل إلى غابة وستعم الفوضى ويقتل الأبرياء،وهذا ما حصل فعلاً في الكثير من البلدان الإسلامية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأضاف الكثير من العلماء إلى أقسام التوحيد للضرورة مبحثاً آخر يتعلق بإثبات وجود الله تبارك وتعالى واستنباط الأدلة على ذلك من خلقه وآياته الكونية والشرعية،وكمثال على وجود الله سنتحدث عن خاصية فيزيائية للماء:
وبعد،كل السوائل في الطبيعة على الإطلاق تزداد كثافتها بالحرارة وتتناقص بالبرودة،وشذ الماء عن هذه القاعدة ،فكثافته تزداد بالبرودة وتتناقص بالحرارة فما الحكمة من ذلك؟الجواب:في المناطق الباردة ترتفع كثافة الماء في البحار والبحيرات،ويكون الثلج المتساقط عليها أقل كثافة منها مما يجعله يطفو على سطح الماء وهذه العملية تعود بالنفع على الكائنات الحية من ناحيتين،الأولى أنها تحول دون وصول الجليد إلى الأعماق مما يؤدي إلى تجميد البحار والبحيرات مما يؤدي إلى موت الكائنات البحرية التي تعيش فيها،والثانية هي تأثيرها على انتفاع البشر من لحوم تلك الكائنات وعلى الملاحة والسفر ،وفي الكثير من الأحيان كمورد لشرب الإنسان والحيوان،طبعاً مع أخذ الاحتياطات في الملاحة من الجبال الجليدية،وهنا نذكِّر بحادثة غرق الباخرة "تايتانك"من أول رحلة لها،سبب غرقها هو أنه كان مكتوب عليها"السفينة التي تتحدى القدر"... يتبع
</b></i>i`i urd]jkh td j,pd] hggi jfhv; ,juhgn
المفضلات