[frame="1 10"]والأئمة الأربعة وسائر من ذكر متفقون على ان الله تعالى يرى في الآخرة، وأن القرآن كلام الله.
فصاحب "المرشدة" لم يذكر فيها شيئاً من الاثبات الذي عليه طوائف أهل السنة والجماعة، ولاذكر فيها الايمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا باليوم الآخر وما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من امر الجنة والنار والبعث والحساب وفتنة القبر والحوض وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر. فإن هذه الأصول كلها متفق عليها بين أهل السنة والجماعة. ومن عادات علمائهم أنهم يذكرون ذلك في العقائد المختصرة. بل اقتصر فيها على مايوافق اصله وهو القول بأن الله وجود مطلق، وهو قول المتفلسفة والجهمية والشيعة ونحوهم ممن اتفقت طوائف اهل السنة والجماعة. أهل المذاهب الأربعة وغيرهم على ابطال قوله.
فذكر فيها ماتقوله نفاة الصفات. ولم يذكر فيها صفة واحدة لله تعالى ثبوتية، وزعم في اولها انه قد وجب على كل مكلف ان يعلم ذلك، وقد اتفقت الأئمة على ان الواجب على المسلمين مااوجبه الله ورسوله وليس لأحد أن يوجب على المسلمين مالم يوجبه الله ورسوله والكلام الذي ذكره بعضه قد ذكره الله ورسوله فيجب التصديق به، وبعضه لم يذكره الله ولا رسوله ولا احد من السلف والأئمة فلا يجب على الناس أن يقولوا مالم يوجب الله قوله عليهم. وقد يقول الرجل كلمة وتكون حقا، لكن لايجب على كل الناس ان يقولوها، وليس له ان يوجب على الناس ان يقولوها فكيف إذا كانت الكلمة تتضمن باطلاً؟
وماذكره من النفي يتضمن حقاً وباطلاً، فالحق يجب اتباعه والباطل يجب اجتنابه، وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتاب كبير وذكرنا سبب تسميته لأصحابه بالموحدين، فإن هذا مما انكره المسلمون إذ جميع امة محمد صلى الله عليه وسلم موحدون، ولا يخلد في النار من أهل التوحيد احد و (التوحيد) هو مابينه الله تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. كقوله تعالى: { قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً احد} وهذه السورة تعدل ثلث القرآن. وقوله: { قل يا أيها الكافرون. لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين} و: { فاعلم انه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} و
: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه انه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
فنفاة الجهمية من المعتزلة وغيرهم سموا نفي الصفات توحيداً فمن قال ان القرآن كلام الله وليس بمخلوق. أو قال: ان الله يرى في الآخرة او قال: "استخيرك بعلمك. واستقدرك بقدرتك" لم يكن موحداً عندهم، بل يسمونه مشبهاً مجسماً، وصاحب "المرشدة" لقب اصحابه موحدين، اتباعا لهؤلاء الذين ابتدعوا توحيداً ماأنزل الله به من سلطان، وألحدوا في التوحيد الذي انزل الله به القرآن.
وقال أيضاً في قدرة الله تعالى: انه قادر على مايشاء وهذا يوافق قول الفلاسفة وعلي الأسواري وغيره من المتكلمين الذين يقولون: انه لايقدر على غير مافعل، ومذهب المسلمين أن الله على كل شيء قدير. سواء شاءه او لم يشأه. كما: { قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم. ومن تحت ارجلكم أو يلبسكم شيعاً}.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "انه لما نزل قوله تعالى: { قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال اعوذ بوجهك {اومن تحت ارجلكم} قال: اعوذ بوجهك {او يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: هاتان اهون.
قالوا فهو يقدر الله عليهما وهو لايشاء ان يفعلهما، بل قد أجار الله هذه الأمة على لسان نبيها ان لايسلط عليهم عدواً من غيرهم فيحتاجهم، او يهلكهم بسنة عامة. وقد: { أيحسب الإنسان ان لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه}
فالله قادر على ذلك، وهو لايشاؤه، و: { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها.. } و
: { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} فالله قادر على ذلك، فلو شاءه لفعله بقدرته، وهو لايشاؤه وقد شرحنا ماذكره فيها كلمة كلمة وبينا مافيها من صواب وخطأ ولفظ مجمل في كتاب آخر.
فالعالم الذي يعلم حقائق مافيها ويعرف ما جاء به الكتاب والسنة لايضره ذلك، فانه يعطي كل ذي حق حقه، ولا حاجة لأحد أن يعدل عما جاء في الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها الى ما أحدثه بعض الناس مما قد يتضمن خلاف ذلك، او يوقع الناس في خلاف ذلك، وليس لأحد أن يضع للناس عقيدة ولا عبادة من عنده، بل عليه ان يتبع ولا يبتدع، ويقتدى ولا يبتدي، فان الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. وقال له: {قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} و: {اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} والنبي صلى الله عليه وسلم علم المسلمين مايحتاجون إليه في دينهم.
فيأخذ المسلمون جميع دينهم من الاعتقادات والعبادات وغير ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح فإن ما خالف العقل الصريح فهو باطل، وليس في الكتاب والسنة والاجماع باطل، ولكن فيه الفاظ قد لايفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلاً، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة، فإن الله تعالى قال: { وانزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} وهذا رد علمي رصين على المرشده التي وضعها ابن تومرت لأصحابه تبين للقارئ فساد بن تومرت في منهج العقائد وبعده عن القرآن والسنة واعتماده لمناهج المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة وكان رد العلامة بن تيمية مليئاً بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة والأدلة الدامغة كيف لا وهو ينهل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريق السلف الصالح إن فحول علماء الكلام وأئمة هذه المناهج من أمثال أبي الحسن الأشعري (330 هـ) ، (وأبي حامد الغزالي (505هـ) والفخر الرازي (606هـ) ، وإمام الحرمين
(478ت هـ) رجعوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة في آخر حياتهم ونبذوا علم الكلام وراء ظهورهم.
أ- أبو الحسن الأشعري: وهذا العالم الجليل ترك منهج الاعتزال وشرع في الرد على باطله يقول في كتابه الإبانة: (فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون، قيل له قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عزوجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن حنبل نضّر الله وجهه ، ورفع درجته، وأجزل مثوبته نحن قائلون، ولما خالف قوله مجانبون"
ب- إمام الحرمين الجويني: (لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي...)
جـ- الإمام الغزالي: (إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً وماركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية، وترتيب المقدمات كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن، ومنبع التشويش، ومن لا يقنعه أدلة القرآن، لا يقمعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان).
د- واما الفخر الرازي فقد قال في وصيته:(ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى ويمنع في التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات... فلهذا أقول: كل ماثبت بالدلائل الظاهرة من وجود وجوده، ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم والأزلية، والتدبير والفعالية، فذاك هو الذي أقول به وألقى الله تعالى به.. والذي لم يكن كذلك أقول ديني متابعة محمد سيد المرسلين..)
وقد أملى الرازي في هذه المرحلة من حياته، والتي أحس فيها بالندم والتوبة:
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعــــــي العالمين ضــــــــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبــــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
كذلك قال:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالـــــــم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر
على ذقن أو قارعاً سن نــــــــــــادم
يتبع[/frame]
المفضلات