بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } [ يونس : 94 ]

الخطاب للقارئ ، أو السامع ، أو للرسول نفسه على جهة التهييج و التحريض كما علمت ؛ إذ إن الرسول لن يقع منه شك في أمر نبوته ، و الكلام هنا فرض للمستحيل كما قيل في سورة أخرى :

{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] .


و لكن ما معنى سؤال أهل الكتاب !


قالوا : المراد الثقات المنصفون منهم ، فهم لن يكتموا شهادة الحق إذا طلبت إليهم .

وعندي أن العدول الصادقين من أهل الكتاب قلة لا يعول على حكمها وما أظن الآية تعني ذلك.

ولكن المرء يزداد تبصراً بنفاسة ما عنده من خير إذا رأى ما عند غيره من خلط، ولو ارتبت لحظة في أن القرآن من عند الله، ثم تصفحت كتب العهدين القديم والجديد، لعدت -على عجل- إلى كتابك تتشبث به، وتحمد الله ألف مرة أن هديت إليه!!
وأحسب أن هذا ما تشير إليه الآية ، فإن تبين ما في الإسلام من حق يزداد قوة عند اكتشاف ما طرأ على الأديان الأولى من تشويه، وهذا يتفق مع قوله تعالى:

{وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [ البقرة : 120 ] .

ويزكي فهمنا هذا في الآية الكريمة ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: "يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب؟ وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الكتب بالله، تقرؤونه محضاً لم يُشَب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ ولا .. والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم "!!


المصدر : كتاب فقة السيرة للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - ص 29 :30