النتائج 1 إلى 10 من 18
 

العرض المتطور

  1. #1

    عضو مجتهد

    مسلم غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 2027
    تاريخ التسجيل : 14 - 4 - 2010
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    العمر: 44
    المشاركات : 177
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : مصر
    الاهتمام : مقارنة الاديان
    الوظيفة : محاسب قانونى
    معدل تقييم المستوى : 16

    افتراضي




    بارك الله فيك
    انا من زمان كنت بقول لو ربنا سبحانه وتعالى عايز يحرم شئ فى مفسده عظيمه كان حرمه فى القراءن .
    بس عمتن الحمد لله بقيت اسمع القراءن واسمع الاغانى بالصدفة






  2. #2

    عضو جديد

    الصورة الرمزية antichirk
    antichirk غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 4973
    تاريخ التسجيل : 3 - 9 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 14
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : ارض الله
    معدل تقييم المستوى : 0

    افتراضي


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسلم مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك
    انا من زمان كنت بقول لو ربنا سبحانه وتعالى عايز يحرم شئ فى مفسده عظيمه كان حرمه فى القراءن .
    بس عمتن الحمد لله بقيت اسمع القراءن واسمع الاغانى بالصدفة
    جزاكم الله خيرا اخي مسلم , انصحك نالاستماع الى القران فانه شفاء لصدور ,اما الاغاني فلنا تتمة في الموصوع





  3. #3

    عضو جديد

    الصورة الرمزية antichirk
    antichirk غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 4973
    تاريخ التسجيل : 3 - 9 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 14
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : ارض الله
    معدل تقييم المستوى : 0

    افتراضي


    القائلون بإجازة الغناء? :?

    تلك هي الأدلة المبيحة للغناء? من نصوص الإسلام و قواعده ?،? فيها الكفاية? كل الكفاية و لو لم يقل بموجبها قائل ،? و لم يذهب إلى ذلك فقيه ،? فكيف و قد قال بموجبها الكثيرون من صحابة? و تابعين و أتباع و فقهاء? ؟?

    و حسبنا أن أهل المدينة? - على ورعهم – و الظاهرية – على حرفيتهم و تمسكهم بظواهر النصوص – و الصوفية – على تشددهم و أخذهم بالعزائم دون الرخص – روي عنهم إباحة الغناء .

    قال الإمام الشوكاني في « نيل الأوطار » : « ذهب أهل المدينة و من وافقهم من علماء? الظاهر ،? و جماعة الصوفية? ، إلى الترخيص في الغناء? ، و لو مع العود و البراع .

    و حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع : أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأساً ، ويصوغ الألحان لجواريه ، ويسمعها منهن على أوتاره . و كان ذلك في زمن أمير المؤمنين على رضي الله عنه .

    و حكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضاً عن القاضي شريح ،?وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، و الزهري ، و الشعبي . و قال إمام الحرمين في النهاية ،? و ابن أبي الدنيا : نقل الأثبات من المؤرخين : أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات ،? و أن ابن عمر دخل عليه و إلى جنبه عود ، فقال : ما هذا يا صاحب رسول الله ؟ ! فناوله إياه ،? فتأمله ابن عمر فقال : هذا ميزان شامي ؟ قال لبن الزبير : يوزن به العقول !

    و روي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلى ابن سيرين قال : « إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل على ابن عمر ،? و فيهن جارية تضرب . فجاء رجل فساومه ، فلم يهو فيهن شيئاً ،? قال : انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعاً من هذا . قال : من هو ؟? قال : عبد الله بن جعفر . . فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهن ،? فقال لها : خذي العود ،?فأخذته ،? فغنت ، فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر . . . إلى آخر القصة .

    و روي صاحب «العقد» العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي : أن عبد الله بن عمر دخل على ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ?، ثم قال لا بن عمر : هل ترى بذلك بأساً ؟ قال : لا بأس بهذا .

    و حكى الماوردي عن معاوية و عمرو بن العاص : أنهما سمعا العود عند ابن جعفر .

    و روي أبو الفرج الأصبهاني : أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره .

    و ذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك . و المزهر عند أهل اللغة ) العود .

    و ذكر الأدفوي : أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة? . و نقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ، و نقله ابن قتيبة و صاحب « الإمتاع »? عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن الزهري من التابعين . و نقله أبو يعلى الخليلي في « الإرشاد » عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة .

    و حكى الروياني عن القفال :? أن مذهب مالك بن أنس أباحة الغناء بالمعازف ، و حكى الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود ،? و ذكر أبو طالب المكي في « قوت القلوب » عن شعبة? : أنه سمع طنبوراً في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور .

    و حكى أبو الفضل بن طاهر في مؤلفة في « السماع » : أنه لا خلاف بين أهل المدينة? في إباحة العود .

    قال ابن النحوي في « العمدة » : و قال ابن طاهر : هو إجماع أهل المدينة? . قال ابن طاهر : و إليه ذهبت الظاهرية قاطبة? . قال الأدفوي : لم يختلف النقلة في نسبتة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر ، وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم ( يعني بالجماعة : أصحاب الكتب الستة ، من الصحيحين و السنن ) .

    و حكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية ، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن ابن اسحاق الشيرازي ، وحكاه الأسنوي في «المهمات » عن الروياني و الماوردي ، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور ، وحكاه ابن الملقن في «العمدة » عن ابن طاهر ، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الذين بن عبد السلام ، وحكاه صاحب «الإمتاع » عن أبي بكر بن العربي ، و جزم بالإباحة الأدفوي .

    هؤلاء? جميعاً قالوا بتحليل السماع ،? مع آلة من الآلات المعروفة? - أي آلات الموسيقي .

    و أما مجرد الغناء? من غير آلة ، فقال الأدفوي في « الإمتاع »?: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق على حله ، و نقل ابن طاهر إجماع الصحابة و التابعين عليه ، و نقل التاج الفزاري و ابن قتيبة إجماع أهل المدينة عليه ، و قال المارودي : م يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة? المأمور فيها بالعبادة و الذكر .

    قال ابن النحوي في «? العمدة » :? و قد روي الغناء و سماعه عن جماعة? من الصحابة و التابعين ، فمن الصاحبة عمر – كما رواه ابن عبد البر و غيره ، و عثمان – كما نقله الماوردي و صاحب البيان و الرافعي ،? و عبد الرحمن بن عوف – كما رواه ابن أبي شيبة? ، و أبو عبيدة بن الجراح – كما أخرجه ابن قتيبة ، و أبو مسعود الأنصاري – كما أخرجه البيهقي ،?و بلال ، و عبد الله بن الأرقم ، و أسامة بن زيد – كما أخرجه البيهقي أيضاً ،?و حمزة? - كما في الصحيح ، و ابن عمر – كما أخرجه ابن طاهر ، و البراء بن مالك – كما أخرجه أبو نعيم ، و عبد الله بن جعفر – كما رواه ابن عبد البر ، و عبد الله بن الزبير – كما نقل أبو طالب المكي ،?و حسان – كما رواه أبو الفرج الأصبهاني ، و عبد الله بن عمرو – كما رواه الزبير بن بكار . و قرظة بن كعب – كما رواه ابن قتيبة ،? و خوات بن جبير ، و رباح بن المعترف – كما أخرجه صاحب الأغاني و المغيرة بن شعبة? - كما حكاه الماوردي ،?عائشة و الربيع – كما في صحيح البخاري و غيره .

    و أما التابعون فسعير بن المسيب ،? و سالم بن عبد الله بن عمر ، و ابن حسان ،?و خارجة بن زيد ، و شريح القاضي ، و سعيد بن جبير ، و عامر الشعبي ، و عبد الله ابن أبي عتيق ، و عطاء بن أبي رباح ، و محمد بن شهاب الزهري ، و عمر بن عبد العزيز ، و سعد بن إبراهيم الزهري .

    و أما تابعوهم ، فخلق لا يحصون ،? منهم : الأئمة الأربعة ، و ابن عيينة ،? و جمهور الشافعية » . انتهي كلام ابن النحوي . هذا كله ذكره الشوكاني في « نيل الأوطار » ( [69] ) .



    قيود و شروط لابد من مراعاتها :

    و لا ننسى أن نضيف إلى هذا الحكم : قيوداً لا بد من مراعاتها في سماع الغناء :

    1- نؤكد : ما أشرنا إليه أنه ليس كل غناء مباحاً ،? فلا بد أن يكون موضوعة متفقاً مع أدب الإسلام و تعاليمه .

    فلا يجوز التغني بقول أبي نواس :

    دع عنك لومي ، فإن اللوم إغراء
    و داوني بالتي كانت هي الداء !


    ولا بقول شوقي :?



    رمضان ولي هاتها يا ساقي
    مشتاقة تسعى إلى مشتاق


    و أخطرمنها قول ايليا ابي ماضي :
    جئت لا أعلم من أين , ولكنّي أتيت !
    ولقد أبصرت قدامي طريقا , فمشيت
    كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي
    لست أدري

    لأنها تشكيك في أصول الأيمان : المبدأ ،? و المعاد ،?و النبوة . و مثلها : ما عبر عنه بالعامية? في أغنية « من غير ليه » و ليست أكثر من ترجمة من شك أبي ماضي إلى العامية ، ليصبح تأثيرا أوسع دائرة .

    و مثل ذلك الأغنية التي تقول : « الدنيا سيجارة و كاس » . فكل هذه مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجساً من عمل الشيطان ، ويلعن شارب « الكأس » و عاصرها و بائعها وحملها و كل من أعان فيها بعمل . و التدخين أيضاً آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم و النفس و المال .

    و الأغاني التي تمدح الظلمة و الطغاة و الفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا ، مخالفة لتعاليم الإسلام ،? الذي يلعن الظالمين ، و كل من يعينهم ، بل من يسكت عليهم ،? فكيف بمن يمجدهم ؟!

    و الأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة – أو صاحبة العيون الجريئة – أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه : ( قل لِلُمؤمِنينَ يَقُضواُ مِنُ أَبُصَارِهِمُ . . . . ) ([70] ) ، ( وَقل لِلُمؤُمِنَاتِ يَغُضضُنَ مِنُ أَبُصَارِهِنَ ) ( [71] ) ، و يقول ( صلي الله عليه و آل و سلم ) : « يا علي ؛ لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة » .

    2 – ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها ، فقد يكون الموضوع لا بأس به و لا غبار عليه ، و لكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول ، و تعمر الإثارة ، و القصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة ، و إغراء? القلوب المرضية – ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع على الناس و يطلبه المستمعون و المستمعات من الأغاني التي تلح على جانب واحد ، هو جانب الغريزة الجنسية و ما يتصل بها من الحب والغرام ، و إشعالها بكل أساليب الإثارة و التهيج ، و خصوصاً لدى الشباب و الشابات .

    إن القرآن يخاطب نساء النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) فيقول : ( فَلَا تَخُضَعُنَ بِالُقَوُلِ فَيَطُمَعَ الَذِي فِي قَلُبِهِ مَرَض ) ( [72] ) . فكيف إذا كان مع الخصوص في القول الوزن و النغم و التطريب و التأثير .

    3- و من ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم ، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال و النساء ، بلا قيود ولا حدود، و هذا هو المألوف في مجالس الغناء?و الطرب من قديم . و هي الصورة الماثلة في الأذهان عندما يذكر الغناء ، و بخاصة غناء الجواري و النساء .

    و هذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجه و غيره : « ليشربن ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات ، يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير » .

    و أود أن أنبه هنا على قضية مهمة ،? و هي : أن الاستماع إلى الغناء? في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء ، و مخالطة المغنيين و المغنيات و حواشيهم ، و قلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع ، ويكرها الدين .

    أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلى الأغاني و هو بعيد عن أهلها و مجالسها ،? و هذا لا ريب عنصر مخفف في القضية ،? ويميل بها إلى جانب الإذن و التيسير .

    4- الغناء – ككل المباحات – يجب أن يقيد بعدم الإسراف فيه ، و بخاصة الغناء العاطفة ليست حباً فقط ، و الحب لا يختص بالمراء وحرها ، و المرأة ليست جسداً و شهوة لا غير ، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية ، و أن يكون لدينا من أغانينا و برامجنا و حياتنا كلها توزيع عادل ، و موازنة مقسطة بين الدين و الدنيا ، و في الدنيا بين حق الفرد و حقوق المجتمع ، و في الفرد بين عقله و عاطفته ،? و في مجال العاطفة بين العواطف الإنسانية كلها من حب و كره و غيره و حماسة و أبوة و أمومة و بنوة و أخوة و صداقة . . . الخ ، فلكل عاطفة حقها .

    أما الغلو و الإسراف و المبالغة? في إبراز عاطفة خاصة ، فذلك على حساب العواطف الأخرى ، و على حساب عقل الفرد و روحه و إرادته ، و على حساب المجتمع و خصائصه و مقوماته ،? و على حساب الدين و مثله و توجيهاته .

    إن الدين حرم الغلو و الإسراف في كل شيء حتى في العبادة ، فما بالك بالإسراف في اللهو ،? و شغل الوقت به و لو كان مباحاً ؟!

    إن هذا دليل على فراغ العقل و القلب من الواجبات الكبيرة ، و الأهداف العظيمة و دليل على إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود و عمره القصير ، و ما أصدق و أعمق ما قال ابن المقفع : « ما رأيت إسرافاً إلا و بجانبه حق مضيع » ، و في الحديث :? « لا يكون العاقل ظاعناً إلا لثلاث : مرمة لمعاش ،? أو تزود لمعاد ،?أو لذة في غير محرم » ،? فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ، و لنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره :?فيم أفناه ،? و عن شبابه : فيم أبلاه ؟

    5- و بعد هذا الإيضاح تبقى هناك أشياء يكن كل مستمع فيها فقيه نقسه و مفتيها ،? فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزة ،? و يغريه بالفتنة ،? و يسبح به في شطحات الخيال ،? و يطغى فيه الجانب الحيواني على? الجانب الروحاني ،? فعليه أن يتجنبه حينئذ ?، و يسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه و دينه و خلقه ، فيستريح و يريح .

    * * *





  4. #4

    عضو جديد

    الصورة الرمزية antichirk
    antichirk غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 4973
    تاريخ التسجيل : 3 - 9 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 14
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : ارض الله
    معدل تقييم المستوى : 0

    افتراضي


    الغناء و الطرب في واقع المسلمين

    و من نظر في أحوال المسلمين ، و تأمل في واقعهم المعيش ، لم يجد خصومة بين المسلم المتدين و بين الاستمتاع بطيب السماع .

    إن أذن المسلم العادي موصولة ب « طيبات السماع » تلتذ بها ،? و تتغذى عليها كل يوم .

    من خلال القرآن الكريم الذي تسمعه مرتلاً و مجوداً و مزيناً بأحسن الأصوات ، من أحسن القراء .

    و من خلال الأذان ، الذي تطرب لسماعه كل يوم خمس مرات بالصوت الجميل . و هو ميراث من عهد النبوة ، فقد قال النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) للصحابي الذي كشف له عن ألفاظ الأذن في رؤيا صادقة : « علمه بلا لاً ، فإنه أندى منك صوتاً » .

    و من خلال الابتهالات الدينة ،? التي تنشد بأعذب الألحان ، و أرق الأصوات ، فتطرب لها الأفئدة ، و تهتز لها المشاعر :
    و من خلال المدائح النبوية التي توارثها المسلمون منذ سمعوا ذلك النشيد الحلو من بنات الأنصار ، ترحبياً بمقدم الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام :
    طبع البدر علينا
    من ثنيات الوداع
    وجب الشكر علينا
    ما دعا الله داع
    و أذكر أني منذ نحو عشرين سنة سمعت هذا النشيد من تلميذات مدرسة إسلامية في إندونيسيا ،?يغنينه بلحن جماعي مؤثر رقيق ، و كنا و فداً من دولة قطر . فرقت له قلوبنا ، و سالت أدمعنا على خدودنا من فرط الرقة و التأثر .

    و في الأعصر الماضية المسلمون أن ينشئوا ألواناً من « طيبات السماع ?» يروحون بها أنفسهم ،? و يجملون بها حياتهم ،? و خصوصاً في القرى و الريف . و قد أدركنا ذلك في عهد الصبا و مطالع الشباب . و كلها ألوان فطرية نابعة من البيئة ، معبرة عن قيمها ، و لا غبار عليها .

    من ذلك : فن المواويل : يتغنّى بها الناس في أنفسهم ، أو يجتمعون على سماعها ، ممن كان حسن الصوت منهم ، و أكثرهم يتحدث عن الحب و الهيام و الوصل و الهجران ، و بعضها يتحدث عن الدنيا و متاعها ، و يشكو من ظلم الناس و الأيام . . . الخ .

    و أكثرهم كان يتغنى بها بغير آلة ، و بعضهم مع « الأرغول » ، و من هؤلاء الفنانين الفطريين : من كان يؤلف «? الموال » و يلحنه و يغنيه في وقت واحد .

    و منها : القصص المنظومة ، التي تتغنى ببطولات بعض الأبطال الشعبيين ، أبطال الكفاح ،? أو أبطال الصبر ، يسمعها الناس ،? فيطربون بها ، ويرددونها ،?و يكادون يحفظونها عن ظهر قلب ، مثل قصة « أدهم الشرقاوي » ، و شفيقة و متولي » ، و « أيوب المصري » ، و « سعد اليتيم » ، و غيرها .

    و منها : الملاحم الشعبية للأبطال المعروفين ، مثل « أبي زيد الهلالي » ، و التي كان يجتمع لها الناس ، ليسمعوا القصة ، و يستمعوا معها إلى أشعار أبطالها على نغمات « الربابة » من « الشاعر الشعبي » الذي تخصص في هذا اللون ، و كانت هذه الملاحم لها عشاقها و تقوم مقام « المسلسلات » في هذا العصر .

    و منها : أغاني الأعياد و الأفراح و المناسبات السارة ، مثل : العرس ، وولادة المولود ، و ختان الصبي ، وقدوم الغائب ، و شفاء المريض ، و عود الحاج . . . و نحوها .

    و قد ابتكر الناس أغاني و أهازيج لحنوها ، وغنوها بأنفسهم في أحوال و مناسبات مختلفة ، مثل جني الثمار أو القطن و غيرها .
    و مثل : أهازيج العمال و الفعلة ، الذين يعملون في البناء? و حمل الأثقال و نحوها ، مثل :? « هيلا ، هيلا . . صل على النبي » . . و هذا له أصل شرعي من عمل الصحابة? ، و هم يبنون المسجد النبوي و يحملون أحجاره على مناكبهم . و هم ينشدون :
    اللهم إن العيش عيش الآخرة
    فاغفر للأنصار و المهاجرة

    حتى? الأمهات ، حين يهدهدن أطفالهن ، و يهيئنهم للنوم ، يستخدمن الغناء ، و لهن كلمات مشهورة ، مثل : « يا رب ينام ، يا رب ينام . . . »? .
    و لا زلت أذكر « المسحراتية » في شهر رمضان المبارك ،? و هم يوقظون الناس بعد منتصف الليل بمنظومات يلذ سماعها منغمة مع دقات طبولهم .
    و من جميل ما يذكر هنا : ما اخترعه الباعة في الأسواق ،? و الباعة? المتجولون : من النداء? على سلعهم بعبارات منظومة موزونة? ، يتنافسون في التغني بها ، مثل بائع العرقسوس ، و باعة الفواكه و الخضروات ، و غيرهم .
    و هكذا نجد هذا الفن – فن الغناء – يتخلل الحياة كلها ، دينية? و دنيوية ، و يتجاوب الناس معه بتلقائية و فطرية ، و لا يجدون في تعاليم دينهم ما يعوقهم عن ذك . و لم ير علماؤهم في هذه الألوان الشعبية? ما يجب أن ينكر . بل أكثر من ذلك تجدها جميعاً ممزوجة بالدين و معاني الإيمان و القيم الروحية و المثل الأخلاقية ، امتزاج الجسم بالروح : من التوحيد ، و ذكر الله ، و الدعاء? ، و الصلاة على النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) . . . و ما شابهها ( [73] ) .

    و هذا الذي لاحظته في مصر ، و جدت مثله في بلاد الشام ، و في بلاد المغرب ، و غيرها من بلاد العرب .
    لم شدد المتأخرون في أمر الغناء ؟
    يلاحظ أن المتأخرين من أهل الفقه أكثر تشديداً? في منع الغناء? - و خصوصاً مع الآلات – من الفقهاء المتقدمين . و ذلك لأسباب :
    الأخذ بالأحوط لا الأيسر :
    1- إن المتقدمين كانوا أكثر أخذاً بالأيسر ، و المتأخرين أكثر أخذاً بالأحوط ، و الأحوط يعني : الأثقل و الأشد . و من تتبع الخط البياني للفقه و الفتوى منذ عهد الصحابة فمن بعدهم يجد ذلك واضحاً ، و الأمثلة عليه لا تحصر .
    لاغترار بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة :
    2- إن كثيراً ك الفقهاء المتأخرين أرهبهم سيل الأحاديث الضعيفة و الموضوعة ، التي امتلأت بها الكتب ، و لم يكونوا من أهل تمحيص الروايات ، و تحقيق الأسانيد ، فراجت لديهم هذه الأحاديث ، و لا سيما مع شيوع القول بأن تعدد الطرق الضعيفة يقوي بعضها بعضاً? .
    ضغط الواقع الغنائي :
    2- ضغط الواقع الغنائي بما يلا بسه من انحراف و تجاوز ، كان له أثره في ترجيح المنع و التحريم . و هذا الواقع له صورتان أثرت كل واحدة منهما على جماعة من الفقهاء .

    غناء المجون و الخلاعة :
    الصورة? الأولى : صورة « الغناء الماجن » الذي غدا جزءاً لا يتجزأ من حياة الطبقة المترفة ، التي غرقت في الملذات ، و أضاعت الصلوات ، و اتبعت الشهوات ، و اختلط فيها الغناء بملابسة الفجور ، و شرب الخمور ، و قول الزور ، و تلاعب الجواري الحسان المغنيات ( القيان ) بعقول الحضور ، كما شاع ذلك في حقب معروفة في العصر العباسي .
    و كان سماع الغناء يقتضي شهود هذه المجالس بما فيها من خلاعة? ومجانة و فسوق عن أمر الله .
    و من المؤسف أن البيئة الفنية – كما يمونها اليوم – لا زالت مشربة بهذه الروح ، ملوثة بهذا الوباء . و هذا ما يضطر كل عائد إلى الله ، من الفنانين و الفنانات – الذين أكرمهم الله بالهداية و التوبة – أن نسحب من ذلك الوسط ، ويفر بدينه بعيداً? عنه .
    غناء الصوفية :
    و الصورة الثانية : صورة « الغناء الديني » الذي اتخذه الصفية وسيلة لإثارة الأشواق ، و تحريك القلوب في السير إلى الله ، مثلها يفعل الحداة مع الإبل ، فينشطونها ويستحثون خطاها ، حين تسمع نغم الحداء الموزون بصوت جميل . فتستخف الحمل الثقيل . و تستقصر الطريق الطويل ، و هم يعتبرون ذلك السماع عبادة و قربة إلى الله ، أو – على ?الأقل – عوناً على العبادة و القربة .
    و هذا ما أنكره عليهم أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ، و تلميذه الإمام ابن القيم ، اللذين شنا على الغناء هجوماً عنيفاً حاداً ، و خصوصاً ابن القيم في « إغاثة? اللهفان » الذي شحذ كل أسلحته ، و أجلب بخيله و رجله لتحريم الغناء ، واضح – على غير عادته – بغير الصحيح ، و غير الصريح ، إذ كان نصب عينيه ذاك النوع من الغناء ، و قد رأي فيه هو و شيخه أنه بقرب إلى الله بما لم يشرعه ، و إحداث أمر في الدين لم يكن على عهد النبوة ، و لا عهد الصحابة . و ربما لا بسه بعض البدع ، و لا سيما إذا وقع في المساجد . أنشد ابن القيم مشنعاً? :

    تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة
    لكنه إطراق لاه ساهي !
    و أتى الغناء فكالحمير تناهقوا
    و الله مار قصوا الأجل الله !
    دف و مزمار ، و نغمة شادن
    فمتى رأيت عبادة بملاهي ؟
    و في بعض فتاوى? ابن تيمية ما يجيز الغنائ إذا كان لرفع الحرج و الترويح . فقه الإمام الغزالي في الفضية :
    و أعتقد أن مواقف الإمام الغزالي من قضية الغناء? ، و مناقشته الفقهية العميقة لحجج القائلين بتحريم السماع ، و الجواب عنها بالإجابات الشافية? ، و نصرته لأدلة المجيزين ،?و تحديده للعوارض التي تعرض للسماع المتاح ، فتنقه إلى دائرة الحرمة . . يعتبر من أعدل المواقف المعبرة عن وسطية الشريعة ، و سماحتها ، و صلاحيتها لكل البيئات و الأعصار .
    و الحق أن فقه الغزالي في « الإحياء?? » - بصفة عامة – فقه تحرر من قيود المذهبية? ، فهو لم يعد شافعياً مقيداً ، بل مجتهداً طليقاً ، ينظر إلى الشريعة من أفق واسع . و قد تجلى هذا في مواضع كثيرة ، تحتاج إلى دراسة? خاصة ، تصلح لأطروحة جامعية .
    العوارض التي تنقل السماع المباح إلى الحرمة :
    ذكر الغزالي عوارض خمسة تجعل السماع المباح محظوراً تتحدد فيما يلي :
    1- عارض في المسمع بأن يكون امرأة لا يحل النظر إليها ، و تخشى الفتنة من سماعها . و الحرمة فيه لخوف الفتنة لا لذات الغناء .
    و رجح قصر التحريم على مظنة خوف الفتنة . . و أيد ذلك بحديث الجاريتين المغنيتين في بيت عائشة ، إذ يعلم أنه ( صلي الله عليه و آل و سلم ) كان يسمع أصواتهما ، و لم يحترز منه . و لكن لم تكن الفتنة مخوفة عليها ، فلذلك لم يحترز . فإذن يختلف هذا بأحوال المرأة ، و أحوال الرجل في كونه شاباً و شيخاً ، و لا يبعد أن يختلف الأمر في مثل هذا بالأحوال . فإنّا نقول : للشيخ إن يقبل زوجته ، و هو صائم ، و ليس للشاب ذلك .
    2- عارض في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرب أو المخنثين ، و هي : المامير و الأوتار و طبل الكوبة . فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة ، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة ، كالدف ، و إن كان فيه الجلاجل ، و كالطبل ، و الشاهين ، و الضرب بالقضيب . . . و سائر الآلات .
    3- عارض في نظم الصوت ، و هو الشعر ، فإن كان فيه شيء? من الخنا و الفحش و الهجو ، أو ما هو كذب على الله تعالي و على رسوله ، أو على الصحابة و غيرهم ، فسماع ذلك حرام ، بألحان و غير ألحان ، و المستمع شريك للقائل . و كذلك ما فيه و صف امرأة? بعينها ، فإنه لا يجوز و صف المرأة بين يدي الرجال . . فأما التشبيب بوصف الخدود و القد و القمة . . و سائر أوصاف النساء ، فالصحيح أنه لا يحرم نظمه و إنشاده ، باحن و بغير لحن ، و على المستمع ألا ينزله على? امرأة معينة ، فإن نزله فليننزله على من تحل له ، فإن نزله على أجنبية ، فهو العاصي بالتنزيل ، و إجالة الفكر فيه ، و من هذا و صفه ، فينبغي أن يجتنب السماع رأساً . .

    4- عارض في المستمع ، و هو أن تكون الشهوة ?غالبة ?عليه ، وكان في غزة الشباب ، و كانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها ، فالسماع حرام عليه ، سواء غلب على قلبه حب شخص معين أم لم يغلب ، فإنه كيفما كان ، فلا يسمع و صف الصدغ و الخد ،? و الفراق و الوصال ، إلا و يحرك ذلك شهوته و ينزله على صورة معينة ، ينفخ الشيطان بها في قلبه ، فتشتعل نار الشهوة ، و تمتد بواعث الشر .
    5- أن يكون الشخض من عوام الخلق ، و لم يغلب عليه حب الله تعالى ، فيكون السماع له محبوباً ، و لا غلبت عليه شهوة ، فيكون في حقه محظوراً ، و لكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه اتخذه ديدنه و هجيراه ، و قصر عليه اكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادة ، فإن المواظبة علي اللهو جناية ، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة ، فكذلك بعض المباحات بالمداومة يصير صغيرة . . . و من هذا القبيل : اللعب بالشطرنج ، فإنه مباح ، و لكن المواظبة عليه مكروهة كراهية شديدة . . وما كل مباح يباح كثيرة . بل الخبز مباح ، والاستكثار منه حرام ، كسائر المباحات ([74] ) اه .
    ويلاحظ في هذه العوارض التي ذكرها الغزالي : أنه اعتبر الأوتار والمزامير من عوارض التحريم ، بناء علي أن الشرع ورد بالمنع منها .
    و قد اجتهد في تعليل هذا المنع ، فأبدع وأجاد في التعليل والتفسير ، إذ قال : أن الشرع لم يمنع منها للذاتها : إذ لو كان للذة لقيس عليها كل يتلذ به الإنسان ، و لكن حرمت الخمور ، واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها ، حتي انتهي الأمر في الابتداء إلي كسر الدنان ، فحرم معها كل ما هو من شعار أهل الشرب ، و هي الأوتار والمزامير فقط ، وكان تحريمهما من فبل الاتباع ، كما حرمت الخلوة باأجنبية ، لأنها مقدمة الجماع ، وحرم النظر إلي الفخذ ،?لاتصاله بالسوأتين ، وحرم قليل الخمر ، و إن كان لا يسكر ، و ما من حرام إلا وله حريم يطيف به ، و حكم الحرمة ينسحب علا حريمه ، ليكون حمي للحرام و وقاية له ، وخطاراً مانعاً حوله .
    فهي (أي الأوتار والمزامير ) محرمة تبعاً? لتحريم الخمر لثلاث علل :
    إحدها : أنها تدعو إلى ?شرب الخمر ، فإن اللذات الحاصلة بها إنما تتم بالخمر . .
    الثانية : أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب . . . و الذكر سبب انبعاث الشوق ، و هو سبب الإقدام . .
    الثالثة : الاجتماع عليها ، لما أن صادر من عادة أهل الفسق ، فيمنع من التشبه بهم ؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم . .
    و بعد كلام و تحليل جيد ، قال الغزالي : و بهذا نتبين أنه ليست العلة? في تحريمها :?مجرد اللذة الطيبة ،? بل القياس تحليل الطيبات كلها ،? إلا ما في تحليله فساد . قال الله تعالى : ( قلُ مَنُ حَرَّمَ زِينةَ الّلَهِ الَتِي أَخُرَجَ لِعِبِادَهِ وَالُطَيِبَاتِ مِنُ الرِزُقِ ) ؟ ( [75] ) .
    و رحم الله الإمام الغزالي ، فالحقيقة : أنه لم يرد نص صحيح الثبوت صريح الدلالة ، يمنع من هذه الأوتار و المزامير كما ظن ،? و لكنه – رضي الله عنه – أخذ الأحاديث المروية? في الموضوع قضية مسلمة ، ثم حاول تفسيرها بما ذكرناه ، ولو عرف و هن أسانيد المرويات في هذا الأمر ، ما جشم نفسه عناء هذا التعليل . و هو على كل حال تعليل مفيد لمن لا يسلم بضعف هذه الأحاديث .

    تحذير من التساهل في إطلاق التحريم :
    و نختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلى السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة « حرام » و يطلقون لها العنان في فتاواهم إذا أفتوا ، و في بحوثهم إذا كتبوا ، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ، و يعلموا أن هذه الكلمة «حرام » كلمه خطيرة : إنها تعني عقوبة الله على الفعل ، و هذا أمر لا يعرف بالتخمين و لا بموافقة المزاج ، و لا بالأحاديث الضعيفة ، و لا بمجرد النص عليه في كتاب قديم ، إنما يعرف من نص ثابت صريح ، أو إجماع معتبر صحيح ، و إلا فدائرة العفو و الإباحة واسعة ، و لهم في السلف الصالح أسوة حسنة .
    قال الإمام مالك رضي الله عنه : ما شيء أشد على من أن أسأل عن مسألة من الحلال و الحرام ؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله ، و لقد أدركت أهل العلم و الفقه ببلدنا ، و إن أحدهم إذا سئل عن كأن الموت أشرف عليه ، و رأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا ، و لو و قفوا على ما يصيرون إليه غداً لقللوا من هذا ، و إن عمر بن الخطاب و علياً و عامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل – و هم خير القرون الدين بعث فيهم النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) – فكانوا يجمعون أصحاب النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) و يسألون ، ثم حينئذ يفتون فيها ، و أهل زماننا هذا قد صار فخرهم ، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم . . قال : و لم يكن من أمر الناس و لا من مضى من سلفنا الذين يقتدي بهم ، و معمول الإسلام عليهم ، أن يقولوا : هذا حلال و هذا حرام ، و لكن يقول : أنا أكره كذا و أرى كذا ، و أما «حلال » و « حرام » فهذا الافتراء على الله . أما سمعت قول الله تعالى : ( قلُ أَرَءَيُتم مَّا أَنُزلَ الّلَه لَكمُ مِن رِزُقِ فَجَعَلُتمُ مِنُه حَرَامَا وَحَلَالَا قلُ ءَآلله أَذِنَ لَكمُ أَمُ عَلَى الله تَفُتَرونَ (59)) ( [76] ) ؛ لأن الحلال ما حلله الله ،? و رسوله ،? و الحرام ما حرماه .
    ونقل الإمام الشافعي في « الأم » عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة : « أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا : هذا حلال و هذا حرام ، إلا ما كان في كتاب الله عز و جل بيناً? بلا تفسير .
    و حدثنا لبن السائب عن الربيع بن خيثم – و كان أفضل التابعين – أنه قال : إياكم أن يقول الرجل : إن الله أحل هذا أو رضيه ، فيقول الله له : لم أحل هذا و لم أرضه ! و يقول : إن الله حرم هذا ، فيقول الله : كذبت ، لم أحرمه و لم أنه عنه !
    و حدثنا بعض أصابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه : أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه ، قالوا : هذا مكروه ، و هذا لا بأس به ، فأما أن يقول : هذا حلال و هذا حرام ، فما أعظم هذا. والله ولي ذلك و القادر عليه. والصلاة و السلام على سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم .





  5. #5

    عضو جديد

    الصورة الرمزية antichirk
    antichirk غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 4973
    تاريخ التسجيل : 3 - 9 - 2011
    الدين : الإسلام
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 14
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    البلد : ارض الله
    معدل تقييم المستوى : 0

    فوائد منقولة تتمة ما حكم الاسلام الغناء و الموسيقى


    الغناء و الطرب في واقع المسلمين

    و من نظر في أحوال المسلمين ، و تأمل في واقعهم المعيش ، لم يجد خصومة بين المسلم المتدين و بين الاستمتاع بطيب السماع .

    إن أذن المسلم العادي موصولة ب « طيبات السماع » تلتذ بها ،? و تتغذى عليها كل يوم .

    من خلال القرآن الكريم الذي تسمعه مرتلاً و مجوداً و مزيناً بأحسن الأصوات ، من أحسن القراء .

    و من خلال الأذان ، الذي تطرب لسماعه كل يوم خمس مرات بالصوت الجميل . و هو ميراث من عهد النبوة ، فقد قال النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) للصحابي الذي كشف له عن ألفاظ الأذن في رؤيا صادقة : « علمه بلا لاً ، فإنه أندى منك صوتاً » .

    و من خلال الابتهالات الدينة ،? التي تنشد بأعذب الألحان ، و أرق الأصوات ، فتطرب لها الأفئدة ، و تهتز لها المشاعر :
    و من خلال المدائح النبوية التي توارثها المسلمون منذ سمعوا ذلك النشيد الحلو من بنات الأنصار ، ترحبياً بمقدم الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام :
    طبع البدر علينا
    من ثنيات الوداع
    وجب الشكر علينا
    ما دعا الله داع
    و أذكر أني منذ نحو عشرين سنة سمعت هذا النشيد من تلميذات مدرسة إسلامية في إندونيسيا ،?يغنينه بلحن جماعي مؤثر رقيق ، و كنا و فداً من دولة قطر . فرقت له قلوبنا ، و سالت أدمعنا على خدودنا من فرط الرقة و التأثر .

    و في الأعصر الماضية المسلمون أن ينشئوا ألواناً من « طيبات السماع ?» يروحون بها أنفسهم ،? و يجملون بها حياتهم ،? و خصوصاً في القرى و الريف . و قد أدركنا ذلك في عهد الصبا و مطالع الشباب . و كلها ألوان فطرية نابعة من البيئة ، معبرة عن قيمها ، و لا غبار عليها .

    من ذلك : فن المواويل : يتغنّى بها الناس في أنفسهم ، أو يجتمعون على سماعها ، ممن كان حسن الصوت منهم ، و أكثرهم يتحدث عن الحب و الهيام و الوصل و الهجران ، و بعضها يتحدث عن الدنيا و متاعها ، و يشكو من ظلم الناس و الأيام . . . الخ .

    و أكثرهم كان يتغنى بها بغير آلة ، و بعضهم مع « الأرغول » ، و من هؤلاء الفنانين الفطريين : من كان يؤلف «? الموال » و يلحنه و يغنيه في وقت واحد .

    و منها : القصص المنظومة ، التي تتغنى ببطولات بعض الأبطال الشعبيين ، أبطال الكفاح ،? أو أبطال الصبر ، يسمعها الناس ،? فيطربون بها ، ويرددونها ،?و يكادون يحفظونها عن ظهر قلب ، مثل قصة « أدهم الشرقاوي » ، و شفيقة و متولي » ، و « أيوب المصري » ، و « سعد اليتيم » ، و غيرها .

    و منها : الملاحم الشعبية للأبطال المعروفين ، مثل « أبي زيد الهلالي » ، و التي كان يجتمع لها الناس ، ليسمعوا القصة ، و يستمعوا معها إلى أشعار أبطالها على نغمات « الربابة » من « الشاعر الشعبي » الذي تخصص في هذا اللون ، و كانت هذه الملاحم لها عشاقها و تقوم مقام « المسلسلات » في هذا العصر .

    و منها : أغاني الأعياد و الأفراح و المناسبات السارة ، مثل : العرس ، وولادة المولود ، و ختان الصبي ، وقدوم الغائب ، و شفاء المريض ، و عود الحاج . . . و نحوها .

    و قد ابتكر الناس أغاني و أهازيج لحنوها ، وغنوها بأنفسهم في أحوال و مناسبات مختلفة ، مثل جني الثمار أو القطن و غيرها .
    و مثل : أهازيج العمال و الفعلة ، الذين يعملون في البناء? و حمل الأثقال و نحوها ، مثل :? « هيلا ، هيلا . . صل على النبي » . . و هذا له أصل شرعي من عمل الصحابة? ، و هم يبنون المسجد النبوي و يحملون أحجاره على مناكبهم . و هم ينشدون :
    اللهم إن العيش عيش الآخرة
    فاغفر للأنصار و المهاجرة

    حتى? الأمهات ، حين يهدهدن أطفالهن ، و يهيئنهم للنوم ، يستخدمن الغناء ، و لهن كلمات مشهورة ، مثل : « يا رب ينام ، يا رب ينام . . . »? .
    و لا زلت أذكر « المسحراتية » في شهر رمضان المبارك ،? و هم يوقظون الناس بعد منتصف الليل بمنظومات يلذ سماعها منغمة مع دقات طبولهم .
    و من جميل ما يذكر هنا : ما اخترعه الباعة في الأسواق ،? و الباعة? المتجولون : من النداء? على سلعهم بعبارات منظومة موزونة? ، يتنافسون في التغني بها ، مثل بائع العرقسوس ، و باعة الفواكه و الخضروات ، و غيرهم .
    و هكذا نجد هذا الفن – فن الغناء – يتخلل الحياة كلها ، دينية? و دنيوية ، و يتجاوب الناس معه بتلقائية و فطرية ، و لا يجدون في تعاليم دينهم ما يعوقهم عن ذك . و لم ير علماؤهم في هذه الألوان الشعبية? ما يجب أن ينكر . بل أكثر من ذلك تجدها جميعاً ممزوجة بالدين و معاني الإيمان و القيم الروحية و المثل الأخلاقية ، امتزاج الجسم بالروح : من التوحيد ، و ذكر الله ، و الدعاء? ، و الصلاة على النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) . . . و ما شابهها ( [73] ) .

    و هذا الذي لاحظته في مصر ، و جدت مثله في بلاد الشام ، و في بلاد المغرب ، و غيرها من بلاد العرب .
    لم شدد المتأخرون في أمر الغناء ؟
    يلاحظ أن المتأخرين من أهل الفقه أكثر تشديداً? في منع الغناء? - و خصوصاً مع الآلات – من الفقهاء المتقدمين . و ذلك لأسباب :
    الأخذ بالأحوط لا الأيسر :
    1- إن المتقدمين كانوا أكثر أخذاً بالأيسر ، و المتأخرين أكثر أخذاً بالأحوط ، و الأحوط يعني : الأثقل و الأشد . و من تتبع الخط البياني للفقه و الفتوى منذ عهد الصحابة فمن بعدهم يجد ذلك واضحاً ، و الأمثلة عليه لا تحصر .
    لاغترار بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة :
    2- إن كثيراً ك الفقهاء المتأخرين أرهبهم سيل الأحاديث الضعيفة و الموضوعة ، التي امتلأت بها الكتب ، و لم يكونوا من أهل تمحيص الروايات ، و تحقيق الأسانيد ، فراجت لديهم هذه الأحاديث ، و لا سيما مع شيوع القول بأن تعدد الطرق الضعيفة يقوي بعضها بعضاً? .
    ضغط الواقع الغنائي :
    2- ضغط الواقع الغنائي بما يلا بسه من انحراف و تجاوز ، كان له أثره في ترجيح المنع و التحريم . و هذا الواقع له صورتان أثرت كل واحدة منهما على جماعة من الفقهاء .

    غناء المجون و الخلاعة :
    الصورة? الأولى : صورة « الغناء الماجن » الذي غدا جزءاً لا يتجزأ من حياة الطبقة المترفة ، التي غرقت في الملذات ، و أضاعت الصلوات ، و اتبعت الشهوات ، و اختلط فيها الغناء بملابسة الفجور ، و شرب الخمور ، و قول الزور ، و تلاعب الجواري الحسان المغنيات ( القيان ) بعقول الحضور ، كما شاع ذلك في حقب معروفة في العصر العباسي .
    و كان سماع الغناء يقتضي شهود هذه المجالس بما فيها من خلاعة? ومجانة و فسوق عن أمر الله .
    و من المؤسف أن البيئة الفنية – كما يمونها اليوم – لا زالت مشربة بهذه الروح ، ملوثة بهذا الوباء . و هذا ما يضطر كل عائد إلى الله ، من الفنانين و الفنانات – الذين أكرمهم الله بالهداية و التوبة – أن نسحب من ذلك الوسط ، ويفر بدينه بعيداً? عنه .
    غناء الصوفية :
    و الصورة الثانية : صورة « الغناء الديني » الذي اتخذه الصفية وسيلة لإثارة الأشواق ، و تحريك القلوب في السير إلى الله ، مثلها يفعل الحداة مع الإبل ، فينشطونها ويستحثون خطاها ، حين تسمع نغم الحداء الموزون بصوت جميل . فتستخف الحمل الثقيل . و تستقصر الطريق الطويل ، و هم يعتبرون ذلك السماع عبادة و قربة إلى الله ، أو – على ?الأقل – عوناً على العبادة و القربة .
    و هذا ما أنكره عليهم أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ، و تلميذه الإمام ابن القيم ، اللذين شنا على الغناء هجوماً عنيفاً حاداً ، و خصوصاً ابن القيم في « إغاثة? اللهفان » الذي شحذ كل أسلحته ، و أجلب بخيله و رجله لتحريم الغناء ، واضح – على غير عادته – بغير الصحيح ، و غير الصريح ، إذ كان نصب عينيه ذاك النوع من الغناء ، و قد رأي فيه هو و شيخه أنه بقرب إلى الله بما لم يشرعه ، و إحداث أمر في الدين لم يكن على عهد النبوة ، و لا عهد الصحابة . و ربما لا بسه بعض البدع ، و لا سيما إذا وقع في المساجد . أنشد ابن القيم مشنعاً? :

    تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة
    لكنه إطراق لاه ساهي !
    و أتى الغناء فكالحمير تناهقوا
    و الله مار قصوا الأجل الله !
    دف و مزمار ، و نغمة شادن
    فمتى رأيت عبادة بملاهي ؟
    و في بعض فتاوى? ابن تيمية ما يجيز الغنائ إذا كان لرفع الحرج و الترويح . فقه الإمام الغزالي في الفضية :
    و أعتقد أن مواقف الإمام الغزالي من قضية الغناء? ، و مناقشته الفقهية العميقة لحجج القائلين بتحريم السماع ، و الجواب عنها بالإجابات الشافية? ، و نصرته لأدلة المجيزين ،?و تحديده للعوارض التي تعرض للسماع المتاح ، فتنقه إلى دائرة الحرمة . . يعتبر من أعدل المواقف المعبرة عن وسطية الشريعة ، و سماحتها ، و صلاحيتها لكل البيئات و الأعصار .
    و الحق أن فقه الغزالي في « الإحياء?? » - بصفة عامة – فقه تحرر من قيود المذهبية? ، فهو لم يعد شافعياً مقيداً ، بل مجتهداً طليقاً ، ينظر إلى الشريعة من أفق واسع . و قد تجلى هذا في مواضع كثيرة ، تحتاج إلى دراسة? خاصة ، تصلح لأطروحة جامعية .
    العوارض التي تنقل السماع المباح إلى الحرمة :
    ذكر الغزالي عوارض خمسة تجعل السماع المباح محظوراً تتحدد فيما يلي :
    1- عارض في المسمع بأن يكون امرأة لا يحل النظر إليها ، و تخشى الفتنة من سماعها . و الحرمة فيه لخوف الفتنة لا لذات الغناء .
    و رجح قصر التحريم على مظنة خوف الفتنة . . و أيد ذلك بحديث الجاريتين المغنيتين في بيت عائشة ، إذ يعلم أنه ( صلي الله عليه و آل و سلم ) كان يسمع أصواتهما ، و لم يحترز منه . و لكن لم تكن الفتنة مخوفة عليها ، فلذلك لم يحترز . فإذن يختلف هذا بأحوال المرأة ، و أحوال الرجل في كونه شاباً و شيخاً ، و لا يبعد أن يختلف الأمر في مثل هذا بالأحوال . فإنّا نقول : للشيخ إن يقبل زوجته ، و هو صائم ، و ليس للشاب ذلك .
    2- عارض في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرب أو المخنثين ، و هي : المامير و الأوتار و طبل الكوبة . فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة ، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة ، كالدف ، و إن كان فيه الجلاجل ، و كالطبل ، و الشاهين ، و الضرب بالقضيب . . . و سائر الآلات .
    3- عارض في نظم الصوت ، و هو الشعر ، فإن كان فيه شيء? من الخنا و الفحش و الهجو ، أو ما هو كذب على الله تعالي و على رسوله ، أو على الصحابة و غيرهم ، فسماع ذلك حرام ، بألحان و غير ألحان ، و المستمع شريك للقائل . و كذلك ما فيه و صف امرأة? بعينها ، فإنه لا يجوز و صف المرأة بين يدي الرجال . . فأما التشبيب بوصف الخدود و القد و القمة . . و سائر أوصاف النساء ، فالصحيح أنه لا يحرم نظمه و إنشاده ، باحن و بغير لحن ، و على المستمع ألا ينزله على? امرأة معينة ، فإن نزله فليننزله على من تحل له ، فإن نزله على أجنبية ، فهو العاصي بالتنزيل ، و إجالة الفكر فيه ، و من هذا و صفه ، فينبغي أن يجتنب السماع رأساً . .

    4- عارض في المستمع ، و هو أن تكون الشهوة ?غالبة ?عليه ، وكان في غزة الشباب ، و كانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها ، فالسماع حرام عليه ، سواء غلب على قلبه حب شخص معين أم لم يغلب ، فإنه كيفما كان ، فلا يسمع و صف الصدغ و الخد ،? و الفراق و الوصال ، إلا و يحرك ذلك شهوته و ينزله على صورة معينة ، ينفخ الشيطان بها في قلبه ، فتشتعل نار الشهوة ، و تمتد بواعث الشر .
    5- أن يكون الشخض من عوام الخلق ، و لم يغلب عليه حب الله تعالى ، فيكون السماع له محبوباً ، و لا غلبت عليه شهوة ، فيكون في حقه محظوراً ، و لكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه اتخذه ديدنه و هجيراه ، و قصر عليه اكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادة ، فإن المواظبة علي اللهو جناية ، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة ، فكذلك بعض المباحات بالمداومة يصير صغيرة . . . و من هذا القبيل : اللعب بالشطرنج ، فإنه مباح ، و لكن المواظبة عليه مكروهة كراهية شديدة . . وما كل مباح يباح كثيرة . بل الخبز مباح ، والاستكثار منه حرام ، كسائر المباحات ([74] ) اه .
    ويلاحظ في هذه العوارض التي ذكرها الغزالي : أنه اعتبر الأوتار والمزامير من عوارض التحريم ، بناء علي أن الشرع ورد بالمنع منها .
    و قد اجتهد في تعليل هذا المنع ، فأبدع وأجاد في التعليل والتفسير ، إذ قال : أن الشرع لم يمنع منها للذاتها : إذ لو كان للذة لقيس عليها كل يتلذ به الإنسان ، و لكن حرمت الخمور ، واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها ، حتي انتهي الأمر في الابتداء إلي كسر الدنان ، فحرم معها كل ما هو من شعار أهل الشرب ، و هي الأوتار والمزامير فقط ، وكان تحريمهما من فبل الاتباع ، كما حرمت الخلوة باأجنبية ، لأنها مقدمة الجماع ، وحرم النظر إلي الفخذ ،?لاتصاله بالسوأتين ، وحرم قليل الخمر ، و إن كان لا يسكر ، و ما من حرام إلا وله حريم يطيف به ، و حكم الحرمة ينسحب علا حريمه ، ليكون حمي للحرام و وقاية له ، وخطاراً مانعاً حوله .
    فهي (أي الأوتار والمزامير ) محرمة تبعاً? لتحريم الخمر لثلاث علل :
    إحدها : أنها تدعو إلى ?شرب الخمر ، فإن اللذات الحاصلة بها إنما تتم بالخمر . .
    الثانية : أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب . . . و الذكر سبب انبعاث الشوق ، و هو سبب الإقدام . .
    الثالثة : الاجتماع عليها ، لما أن صادر من عادة أهل الفسق ، فيمنع من التشبه بهم ؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم . .
    و بعد كلام و تحليل جيد ، قال الغزالي : و بهذا نتبين أنه ليست العلة? في تحريمها :?مجرد اللذة الطيبة ،? بل القياس تحليل الطيبات كلها ،? إلا ما في تحليله فساد . قال الله تعالى : ( قلُ مَنُ حَرَّمَ زِينةَ الّلَهِ الَتِي أَخُرَجَ لِعِبِادَهِ وَالُطَيِبَاتِ مِنُ الرِزُقِ ) ؟ ( [75] ) .
    و رحم الله الإمام الغزالي ، فالحقيقة : أنه لم يرد نص صحيح الثبوت صريح الدلالة ، يمنع من هذه الأوتار و المزامير كما ظن ،? و لكنه – رضي الله عنه – أخذ الأحاديث المروية? في الموضوع قضية مسلمة ، ثم حاول تفسيرها بما ذكرناه ، ولو عرف و هن أسانيد المرويات في هذا الأمر ، ما جشم نفسه عناء هذا التعليل . و هو على كل حال تعليل مفيد لمن لا يسلم بضعف هذه الأحاديث .

    تحذير من التساهل في إطلاق التحريم :
    و نختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلى السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة « حرام » و يطلقون لها العنان في فتاواهم إذا أفتوا ، و في بحوثهم إذا كتبوا ، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ، و يعلموا أن هذه الكلمة «حرام » كلمه خطيرة : إنها تعني عقوبة الله على الفعل ، و هذا أمر لا يعرف بالتخمين و لا بموافقة المزاج ، و لا بالأحاديث الضعيفة ، و لا بمجرد النص عليه في كتاب قديم ، إنما يعرف من نص ثابت صريح ، أو إجماع معتبر صحيح ، و إلا فدائرة العفو و الإباحة واسعة ، و لهم في السلف الصالح أسوة حسنة .
    قال الإمام مالك رضي الله عنه : ما شيء أشد على من أن أسأل عن مسألة من الحلال و الحرام ؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله ، و لقد أدركت أهل العلم و الفقه ببلدنا ، و إن أحدهم إذا سئل عن كأن الموت أشرف عليه ، و رأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا ، و لو و قفوا على ما يصيرون إليه غداً لقللوا من هذا ، و إن عمر بن الخطاب و علياً و عامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل – و هم خير القرون الدين بعث فيهم النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) – فكانوا يجمعون أصحاب النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) و يسألون ، ثم حينئذ يفتون فيها ، و أهل زماننا هذا قد صار فخرهم ، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم . . قال : و لم يكن من أمر الناس و لا من مضى من سلفنا الذين يقتدي بهم ، و معمول الإسلام عليهم ، أن يقولوا : هذا حلال و هذا حرام ، و لكن يقول : أنا أكره كذا و أرى كذا ، و أما «حلال » و « حرام » فهذا الافتراء على الله . أما سمعت قول الله تعالى : ( قلُ أَرَءَيُتم مَّا أَنُزلَ الّلَه لَكمُ مِن رِزُقِ فَجَعَلُتمُ مِنُه حَرَامَا وَحَلَالَا قلُ ءَآلله أَذِنَ لَكمُ أَمُ عَلَى الله تَفُتَرونَ (59)) ( [76] ) ؛ لأن الحلال ما حلله الله ،? و رسوله ،? و الحرام ما حرماه .
    ونقل الإمام الشافعي في « الأم » عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة : « أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا : هذا حلال و هذا حرام ، إلا ما كان في كتاب الله عز و جل بيناً? بلا تفسير .
    و حدثنا لبن السائب عن الربيع بن خيثم – و كان أفضل التابعين – أنه قال : إياكم أن يقول الرجل : إن الله أحل هذا أو رضيه ، فيقول الله له : لم أحل هذا و لم أرضه ! و يقول : إن الله حرم هذا ، فيقول الله : كذبت ، لم أحرمه و لم أنه عنه !
    و حدثنا بعض أصابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه : أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه ، قالوا : هذا مكروه ، و هذا لا بأس به ، فأما أن يقول : هذا حلال و هذا حرام ، فما أعظم هذا. والله ولي ذلك و القادر عليه. والصلاة و السلام على سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم .





 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حكم الغناء والموسيقى للشيخ الشعراوي رحمه الله
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى التفسير وعلوم القرآن
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 2011-01-10, 05:22 PM
  2. لله ثم للتاريخ : إنصاف رمز من رموز الإسلام : عيسى العوام كان مسلما:
    بواسطة محب السنة سلفى جدا في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 2010-05-21, 09:20 PM
  3. تحريم الغناء والموسيقي من القران والسنة
    بواسطة العبد لله في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2009-12-12, 10:46 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML