أولا : ما هو الناسخ والمنسوخ ؟

قال الله تعالى: "ما نَنْسَخُ مِنْ آيَةٍ أَو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَو مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير(106)" البقرة
وقال أيضاً: "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهم لا يَعْلَمُون(101)" النحل

ومعنى النسخ فى اللغة : هو الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظّل، أي أزالته. ويأتي بمعنى التبديل والتحويل

و إصطلاحا النسخ هو : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر. فالحكم المرفوع يسمى: المنسوخ، والدليل الرافع يسمى: الناسخ، ويسمى الرفع: النسخ.

فلما كانت الأولى قلنا هذا ما تقصدون أليس كذالك ؟ إذ جابت عقولكم الأفق بحثا حتى أيقنتم أنه لا يحق لله أن يمحي من كلامه أو يزيل لمصلحة أو منفعة وقبل أن يسهب مفكرا ويقول ألم يعي الله المصلحة أولا حتى تذكرها بعد حين قلت أصبر ولا تعجل ولا تستبق الأحداث ودع كل لوقته فقد خصصت لذلك بند كامل هو الثاني لو رأيت في مداخلتي الأولى وكله بالعقل قبل النقل ..

وللنسخ شروط جمعها ورتبها وأعتني بها علماؤنا فكانت كالتالي :
1- أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً.
2-
أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم دليلاً شرعياً متراخياً عن الخطاب المنسوخ حكمه.
3-
ألا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيداً بوقت معين مثل قوله تعالى:
"فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ" -البقرة:109- فالعفو والصفح مقيد بمجيء أمر الله.
وقلنا النسخ كما عرفه لنا علماء اللغة والأصول هو رفع الحكم بدليل إذ أنه لا يجوز القول بالنسخ دون بينة والنسخ عندنا في الإسلام على أقسام ثلاث لا دونها :

1-
نسخ التلاوة والحكم معاً.
رُوي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت:كان فيما نزل من القرآن:"عشر رضعات معلومات يحرّمن " فنسخن خمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن". ولا يجوز قراءة منسوخ التلاوة والحكم في الصلاة ولا العمل به، لأنه قد نسخ بالكلية. إلا أن الخمس رضعات منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.

2-
نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
يُعمل بهذا القسم إذ تلقته الأمة بالقبول، لما روي أنه كان في سورة النور: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله والله عزيز حكيم "، ولهذا قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي.

وهذان القسمان: (نسخ الحكم والتلاوة) و (نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) قليل في القرآن الكريم، ونادر أن يوجد فيه مثل هذان القسمان، لأن الله سبحانه أنزل كتابه المجيد ليتعبد الناس بتلاوته، وبتطبيق أحكامه.

3-
نسخ الحكم وبقاء التلاوة.
وهذا القسم كثير في القرآن الكريم.

وللنسخ أنوع نحصرها :

النوع الأول: نسخ القرآن بالقرآن، وهو متفق على جوازه ووقوعه.

النوع الثاني: نسخ القرآن بالسنة وهو قسمان.

1-
نسخ القرآن بالنسبة الآحادية، والجمهور على عدم جوازه.

2-
نسخ القرآن بالسنة المتواترة.

1-
أجازه الإمام أبو حنيفة ومالك ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ" [البقرة: 180] فقد نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا لا وصية لوارث "ولا ناسخ إلا السنة . وغيره من الأدلة .

2-
منعه الإمام الشافعي ورواية أخرى لأحمد، واستدلوا بقوله تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" [البقرة: 106] قالوا: السنة ليست خيراً من القرآن ولا مثله.

النوع الثالث: نسخ السنة بالقرآن: أجازه الجمهور، ومثلوا له بنسخ التوجه إلى بيت المقدس الذي كان ثابتاً بالسنة بالتوجه إلى المسجد الحرام. ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان.

ومن أمثلة لنسخ الحكم و بقاء التلاوة

قيام الليل المنسوخ: قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا"[المزمل: 1- 3].
الى :
قوله تعالى:"إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ" [المزمل:20].

هذه المداخلة توضيحية ليس إلا لكي يقف من يتابعني على ما هو الذي يتكلم فيه قبل أن يعترض عليه وأؤكد على أنها المرة الأولى التي يرى المعترض على هذا الموضوع مثل هذا الكلام وسوف نثبت ذلك بإذن الله في مداخلاتنا التالية ..